د. خزعل الماجدي يكشف عن مدن وحضارات عراقية ظلت تحت الرماد لمدة 1100 عام
استمرت فعالية محاضرات (وحدة حضارات العراق)
التي يرعاها اتحاد الجمعيات الديمقراطية العراقية في هولندا بالتعاون مع النادي الثقافي المندائي ورابطة المرأة العراقية في لاهاي مساء الجمعة18/ 11/ 2011، والتي يقدمها الدكتور خزعل الماجدي فقد كانت المحاضرة التاسعة بعنوان (تاريخ العراق بين سقوط بابل وظهور الاسلام :1100 عام حضارات ومدن عراقية تحت الرماد) حيث تناول المحاضر عبر اكثر من 180 سلايد شرح تاريخ وحضارات العراق بعد سقوط بابل ووقوعها تحت الهيمنة الأجنبية الفارسية الأخمينية والفرثية والساسانية وكذلك السلوقية الاغرقية والرومان والبيزنطيين بمنهج علمي رصين، قدم المحاضر الشاعر والسينمائي حميد حداد الذي استعرض نبذة عن المحاضر وتحدث عن أهمية مشروعه التاريخي ونوعية منجزه فيه، عرض المحاضر منهجه في تناول مرحلة تاريخية مهمة كهذه أهملها المؤرخون كثيرا باعتبارها مرحلة مظلمة في تاريخ وادي الرافدين وهو عكس ما رآه المحاضر حيث رأى أن هذه المرحلة تحتوي على الكثير من المنجزات الحضارية لوادي الرافدين فالإستعمار القديم لم يكن مخربا وهناك الكثير من علامات التفاعل الحضاري الايجابي في العراق القديم بين الشعوب والحضارات الوافدة للعراق وبين الحضارات المحلية التى ورثت حضارات وادي الرافدين الكبرى التي سادت سابقاً، كما ان العراق ظل بؤرة العالم القديم في هذه الفترة لأن عواصم الغزاة كانت في أرض العراق ولهذا اكتسبت هذه العواصم اهمية عالمية مثل (بابل وسلوقيا وطيسفون) وبذلك ظل العراق مركز التفاعل الحضاري واكتسب من حضارات العالم آنذاك مصولاً جديدة، كذلك يرى المحاضر أن وادي الرافدين لم يكن قادرا على انتاج حضارات كبرى جديدة بسبب هيمنة الامبراطوريات والحضارات الاجنبية عليه لكنه انتج بدل ذلك أمرين مهمين جدا هما الأديان الموحدة الكبرى قبل الاسلام والمديات الحضارية الجديدة التي ساهمت في تغيير مسار التاريخ .
بدأ المحاضر باستعراض تاريخ العراق في هذه المرحلة الطويلة وقسمه الى أربع مراحل هي (الإخمينية والسلوقية والفرثية والساسانية) مع التماسات الواضحة للرومان والبيزنطيين .فيكون بذلك بؤرة انصهرت فيها حضارات العالم القديم انذاك . وللك يمكن ان يكون بلدا كوزموبوليتيا أبعدمما ترسمه الحضاراة الهيلنستية التي زعمت خلط الغرب بالشرق فالعراق خلط الشرق بالغرب بمدى اوسع بكثير فهو (الإيكومين) الحضاري الذي قال عنه توينبي ووضعه حول البحر المتوسط لكن الماجدي يجازف ويسميه العصر البوتومتستي potomiatistic)) أو النهريني حيث العراق يصهر حضارات العالم القديم الكلاسيكية بفرعيها الشرقي والغربي .
ثم تناول الحضارات والشعوب المحلية والوافدة الى وادي الرافدين ليثبت نظريته البوتومتستية في الاختلاط والصهر الحضاري .وأوضح بأن المؤرخين بالغوا في وضع الحواجز بين هذه الحضارات والشعوب فيما يخص الاختلاط الحضاري الإيجابي بينها فقد كان هناك تفاعل ايجابي كبير بينها نتجت عنه الأديان الشمولية الموحدة التي جردت الله من التعدد وجعلته ربا لكل الشعوب وهو السبب الذي يفسر ظهور الأديان التوحيدية في هذه المرحلة، فقد ظهرت الأديان الموحدة (الغنوصية) أولاً ثم ظهرت الأديان الموحدة (السماوية) بعدها وكان وادي الرافدين المسرح الأكبر لها ففيه ظهرت سبع ديانات توحيدية قبل ظهور الاسلام وهي (المندائية والحرانية والإيزيدية واليهودية ثم جاءت المسيحية بصبغتها النسطورية ثم المانوية ومع الفرس جاءت الزرادشتية) وبذلك تكون هذه الأديان في مرحلة تفتحها النهرينية قد تحاورت بتفاعل مخصب لكنها انغلقت بعد ذلك واحتربت بسبب تخندقها الأديولوجي .
تناول المحاضر هذه الديانات وتاريخا في وادي الرافدين خلال هذه المرحلة البوتومستية وفسر بعض جوانب احتكاكها السلبي بأسباب سياسية،أما التسامح والحوار والتفاعل الديني فقد كان هو السائد بينها وهو تقليد جرت عليه أديان وادي الرافدين التقليدية القديمة حيث لم يكن هناك حروب دينية في العراق القديم .
وتوقف المحاضر عند الأبجديات الخطية للكتابة حيث رأى أن العراق احتضن لغات عديدة في هذه المرحلة لكن اللغة والكتابة الآرامية كانت هي السائدة، ومع ظهور الأديان التوحيدية وكتبها المقدسة ظهرت عدة لهجات آرامية أهمها (المندائية والسريانية والنبطية والعبرية والعربية والسطرية) وكان هذا علامة على الحيوية الحضارية أيضا .
وفي النصف الثاني من المحاضرة تعرض المحاضر الى المدن الرافدينية الجديدة التي لعبت دورا حضاريا في هذه المرحلة فرغم ان العراق كان تحت الهيمنة الأجنبية لكنه يبدو وكأنه عاد من جديد الى نظام دولة المدينة بصيغة اخرى (دول المدن المحتلة) لكن صيغة الاحتلال تتضمن قدرا هائلا من التفاعل الحضاري الايجابي أيضاً فقد كانت بعض هذه المدن ممالك شبه مستقلة مثل حدياب وميشان والحضر وحران والحيرة. فقد أحصى مايقرب من (16) مدينة استطاعت ان تكون لها نسيجاً حضارياً خاصاً بها . وأعطت لونا جديدا للموزائيك الرافديني في هذه المرحلة :
1.حرّان : مدينة إله القمر(سين) صارت ملاذاً للآشوريين بعد سقوط دولتهم،ومع ظهور الإغريق السلوقيين أبدوا اهتماما بدمج الفلسفة الاغريقية مع الديانة الآشورية ونتج عن ذلك غنوصية جديدة جعهل القمر إلها تفريديا وبقية الكواكب حوله تخدمه وفيها معابد للقمر والكواكب، وقد أسماها الرومان (كارهاي).
2.نوهدرا (دهوك):الإسم الآشوري لها ويسميها بعض أهالي القوش وسهل نينوى بمدينة(أتـّوك) حيث نلمح في سح جبلها الشمالي معالم منحوتات آشورية للملك سنحاريب،تقع قربها قرية مالطايي (معلثايي) .سكنها الاشوريين منذ القدم ومازالوا وسكنها اليهود،أما الأكراد فقد هاجروا اليها في بداية القرن الماضي (العشرين).
2.سنكارا (سنجار): عرفت المدينة في زمن الإمبراطورية الآشورية (911-612 ق. م)، فكانت أحدى مراكزها العسكرية وبعد سقوط الإمبراطورية الآشورية التي خلفتها الإمبراطورية البابلية – الكلدية أصبحت المدينة تحت سيطرة البابليين حتى سقوط بابل عام (539 ق. م) وسرعان ما أصبحت سنكارا تحت النفوذ الفارسي لبضعة قرون ثم أحتلها الإغريق وحكم بلاد الرافدين السلوقيون. وفي القرن الأول الميلادي برزت في بلاد الرافدين أربعة ممالك صغيرة هي ميشان والحضرو حدياب وسنكارا. وأصبحت سنكارة دويلة آرامية ومركزا من مراكز القوافل والتجارة بين بلاد الرافدين وشمال سوريا خاصة مدن طور عابدين وماردين ونصيبين وقد سكت مملكة سنكارا نقوداً باسمها. انتهت باجتياح الإمبراطور تراجان بلاد الرافدين فأحتل مناطق كثيرة من بينها مملكة حدياب ومملكة سنكارا. وعادت مدينة سنكارا لتصبح مركزاً عسكرياً وتموينياً للرومان، وظلت تحت النفوذ الساساني حتى بداية القرن السابع للميلاد. وفي القرن الخامس أو السادس للميلاد انتشرت المسيحية في مدينة سنجار. وأول أسقف لها يدعى (فاريس) وذلك في عام 544. ومن أشهر رجالاتها في القرن السادس جبرائيل السنجاري الذي كان قد درس الطب.
3.حدياب:حدياب آشورية الجذور،ولكنها عند احتلال الرومان أعلنت اليهودين دينا رسميا لها على يد الملكة (هيلين)ثم أصبحت مسيحية وكانت عاصمتها هي (أربيل)ولها أسقفية معروفة بأساقفتها المتعاقبون .
أما كاردوني فهي مملكة شكلت نواة ظهور الكورد في التاريخ ولكنها تقع خارج حدود وادي الرافدين (العراق القديم) شرق بحيرة وان وهي جزء من الامبراطورية الأرمنية ولزمن طويل ثم صارت جزءا من الامبراطوريتين الفرثية والساسانية حيث سميت (بيت كايوس(كاوسكان، كايوسيد).
4.أثورا:بعد سقوط الامبراطورية الاشورية انقسمت آشور الى مرزبانية (مادا)وتقع شرق دجلة وهي قلب آشور،ومرزبانية أثورا غرب دجلة وسميت ايضا (أبر ناري)ومن آثورا ظهر اسم سوريا والسريان .
5.مادا: استُعملت تاريخيا للإشارة إلى سكان سيروس إن الصفة سيروس (استُعملت تاريخيا للإشارة إلى سكان الإمبراطورية الآشورية وأيضا كدلالة عرقية لغوية للإشارة إلى الناطقين باللغة الآرامية
كل هذه المنطقة الناطقة بالآرامية والتي هي بلاد أشور/سوريا كانت منذ أمد طويل تحت سيطرة الإمبراطورية السلوقية. في الوقت الذي ضُمت فيه الولاية السلوقية إلى الإمبراطورية الرومانية في سنة 64 ق.م. كانت رقعتها على أية حال قد تقلصت لتضم القسم ما وراء الفرات فقط من أشور/سوريا الذي كان قد اصبح الآن ولاية سوريا الرومانية. هذه المنطقة من الإمبراطورية السلوقية كانت لا تزال متميزة جدا بخصائص بلاد أشور ولم يكن هناك أي داع بتمييزها عن بلاد أشور القديمة. ولكن عندما توسعت الإمبراطورية الرومانية شرقا حينئذ فقط ظهرت الحاجة للتمييز بصورة أدق. الآن أصبح اسم سوريا (مخصصا للمقاطعة الرومانية، بينما كان اسم أشور قد خصص لمنطقة ما وراء دجلة آتوريا/حدياب (وكذلك لبلاد أشور لبقديمة على وجه التقريب. من المرجح أن هذا التمييز يعكس حقائق لغوية لكون الألفاظ الآرامية لتسمية اشور كانت قد فقدت المقطع الهجائي الأول في المنطقة الغربية بينما احتفظ به في لهجات الآرامية الشرقية.
6. الحضر(عربايا):مدينة عربية جنوب غرب الموصل صارت مملكة وتأثرت بالحضارة الرومانية رغم خصويصيتها العمرانية ولها ملوك عظام مثل سنطرق الاول والثاني وعبد
سميا،عبدوا الإله الشمس في ثالوث عائلي (مر، مرن، برمرن)وآلهة أخرى مثل نرجال.
7.كرخ بيت سلوق(كركوك):معنى اسمها (بيت السلوقيين)واسمها الآرامي (بيت جرماي)وقد عانت في مرحلتها المسيحية من اضطهاد المسيحيين على يد المجوس حيث بدأ شاهبور به واستمر أربعين عاما.
8.تكريت:تطور اسمها من تجريت السريانية لاشتهار أهلها بالتجارة،وفيها عدد كبير من الديارات المسيحية يصل الى أكثر من 21 ديراًوكنائس عديدة أشهرها الكنيسة الخضراء التي هي كرسي الشرق، وتعتبر ثالث أقدم موقع للمسيحية في العالم .
8.أنبار :كانت مدينة في الأساس على نهر الفرات بين هيت والحيرة واسمها يعني المخزن أو الترسانة حيث كان اللخميون يخزنون السلاح فيها .
9.سلوقيا (ساليق): كانت عاصمة الدولة السلوقية مدينة سلوقية على نهر دجلة في العراق لكن تم نقل عاصمتهم في ما بعد إلى مدينة أنطاكية في سوريا التي أسسوها. ومع هذا الامتداد الهائل إلا أنه يمكن اعتبار منطقة شمال غرب الهلال الخصيب هي المنطقة النواة للإمبرطورية السلوقية، وذلك من خلال المدن الأربعة تترابوليس، تبعد حوالي (60كم) عن بابل، بنيت من قبل القائد سلوقس الذي حكم بلاد بابل بعد وفاة الاسكندر الكبير وذلك في الاعوام 321 ــ 305 ق.م.
و كان بناؤها على شكل دائري علي الضفة الغربية لنهر دجلة تمر بقربها قناة ملكا التي كان قد شقها البابليون ــ الكلديون كمجرى مائي يصل دجلة بالفرات في اقصر نقطة بينهما .
ويعتقد ان بناء سلوقية قد استغرق ثلاث سنوات و قد ظلت عامرة حتى احتلال العراق من قبل الفرثيين الفرس في (141 ــ 140ق م)
10.طيسفون : العاصمة الموحدة الثانية في وادي الرافدين للفرس الفرثيين والساسانيين وقد استمر حكمهما في حدود 700 سنة وسمي مجمع المدن في هذه المنطقة بالمدائن لانه يجمع معها سلوقيا ومدنا أخرى .ومازالت الحفريات قليلة في طيسفون ويعتقد ان هناك الكثير من التراث الفارسي في العراق تحت ترابها .
11.بابل : التي صبغتها ألوان الأقوام الوافدة اليها كاالإخمينية والإسكندر المقدوني والسلوقية والفرثية والساسانية، وبرغم احتلالها السهل لكنها قاومت الإحتلال الفارسي عندما ظهر نبوخذ نصر الثالث الذي جعلها مستقلة لعامين لكن الفرس يقيادة زبورا ثم ابنه مغابير أعادوها ودمروها، حمها المفكر والفيلسوف برعوشا وقد ذهب تراثها تدريجيا الى سلوقيا وطيسفون، ومن أعلامها الفلكي سلوقس والفيلسوف ديوجين الذي نشأ في سلوقيا.
12.كوثا (كوبا،كوفا) : وهي مدينة مسيحية فيها أديرة وكنائس للقبائل العربية (طي وعقيل وتنوخ).
13.عاقولا:بنيت في أرض الكوفة وكان يحل فيها أسقفان نسطوري ويعقوبي وهي مكان للأد\يرة والكنائس .
14.الحيرة:وهي عاصمة المملكة العربية (المناذرة) الذين هم منم عرب العراق القديم وهم القبائل اللللخمية، واشتهرت بكنائسها وأديرتها ذات الطراز الحيري ومن أشهر قصورها الخورنق والسدير .
15. ميشان:هي مملكة ميسان الإغريقية والنبطية وعاصمتها خاراكس(الكرخة) في المحمرة الان، امتدت شمالاً حتى جنوب بابل وكان ميناؤها (الأبلّة) على الخليج العربي وكانت بداية انتشار اليهودية الى حدياب منها ثم انتشرت المسيحية منها الى بقية مدن وادي الرافدين.
16. بصرياثا :أصلها بصريافا (أي منطقة الصرايف :باصرفي) وهذا هو اسمها السرياني ثم سميت تدمر ثن البصرة او البصيرة،وأصبح ميناؤها هو الأبلة (مؤنث أبولو).
17.كندة: عندما اختلط الكلدانيون بالنبط والآراميين والعرب سميت مناطقهم وقبائلهم ب (كسدان) ثم (كندة) وقد اتحدوا مع عرب كهلان السبأيين وكونوا مملكة كندة في نجد ولكن وجدهم في وادي الرافدين ارتبط تاريخهم بمعاركهم مع اللخميين في الحيرة .
واختتمت الأمسية بمناقشة الجمهور للمحاضر والتي تضمنت الأسئلة والإيضاحات التي اقترحها وناقشها هذا الجمهور النوعي الذي أصبح جمهورا ثابتا يحرص على حضور مثل هذه المحاضرات المهمة التي تعيد كتابة وعرض تاريخ وحضارات العراق بطريقة مميزة وجديدة ، ثم أعلن عن موعد المحاضرة القادمة والتي ستكون عن الديانة المندائية بكافة جوانبها وبكل تاريخها الطويل : المندائية – التوحيد جاء من العراق .
منقول