للشاعر / حمدي الطحان
مُـكـحَّـلَـةٌ عيونُــكَ بالسُّهــــادِ
............... تُحَدِّقُ في الوجودِ وفي العِبـادِ
تُراقِــبُ رحلـة المجـهــولِ بَدْءًا
............... من الوَهَجِ الشديدِ إلى الرَّمــادِ
فَـذا قَـمَــرٌ بَـدَا أَلِـقــًا سعـيـدًا
............... يُــبــادِلُ نَجمـــةً قُـبَــلَ الـوِدادِ
و تلكَ سحابــةٌ بيضـاءُ تَسعى
............... تُـزَيِّــنُ مِـفـرَقَ الليــلِ الرَّمادِي
وأمــواجٌ بِـمـتـنِ البحــرِ تَلـهــو
............... و تَعبثُ بالشواطــئِ في اطِّرادِ
و مَـركِــبُ لـذَّةٍ يَمضـي بِـبـطءٍ
............... تُـغـازِلُــهُ النسائــمُ في تَمادِي
و فوقَ المركــبِ الموعـودِ قـومٌ
............... يَـصـبُّـــونَ الـصَّبــابــةَ باتِّـئــــادِ
يُـداوونَ الهمــومَ بِفـيـضِ خَمـرٍ
............... و يَـدعُــونَ النفــوسَ لِخــيرِ زادِ
و غانـيـــةٌ تُراقـصُــهُـم بِشـوقٍ
............... و تَسقِي مِن شَذاها كلَّ صادِي
و في الأفقِ البعيدِ هناكَ قامتْ
............... جيــوشُ عواصـفٍ تَطوِي بلادي
تُـنـاطِــحُ بعضُها هامـاتِ بعـضٍ
............... و تَبتلعُ المُسالِـمَ و الـمُـعـادي
فَحـطَّـمـت الصَّـفــاءَ وبَعـثرتــهُ
............... ووشَّـحـت المدينــةَ بالســوادِ
و فَـرَّ البــدرُ مَدحــورًا حَســيرًا
............... و هَـرولــت النجــومُ بِــلا عِنـادِ
وثارَ الموجُ في غَضَبٍ و أَمسى
............... جِـبــالاً تَرتــدي حُـلَـلَ الحِــدادِ
يُدمـدِمُ - يَغـتـلِي - يَزدادُ عُنْفًا
............... يُـجـنــدِلُ كلَّ حَــيٍّ أو جَـمــادِ
أَطــاحَ بِمركـــبِ اللَّـــذاتِ فيـهِ
............... وأَسلـــمَ ساكنيـهِ فَــمَ النَّفـادِ
سُويــعـــاتٌ قلائــلُ ثُمَّ ترضى
............... شياطيـــنُ العواصـــفِ بالرُّقــادِ
و تُـطْـفَـأُ نارُها الظمْأَى و تَغدو
............... من الوَهَــجِ الشديدِ إلى الرَّمادِ
و تَبـتـلــعُ الطبيعــةُ ما غَشَاها
............... مــن الويــلاتِ والفِتنِ الشِّـدادِ
و يَشدو النورسُ الفجريُّ لَحنـًا
............... يُردِّدُهُ الوجــــودُ علـــى انفـرادِ
و تُشرِقُ شمسُ حُبٍّ من جديدٍ
............... تُقَبِّـلُ جبهــةَ المـــوجِ الـمُـقَـادِ
وتَمــرحُ في سلامٍ دونَ خـوفٍ
............... سفائــنُ بهـجــةٍ خُضْرُ الأيادي
تُـلـمـلِــمُ رزقَها والبحرُ يَسخـو
............... وربُّـــكَ حافِـــظٌ والخـيـــرُ بادِي
لَـئِـنْ كانَ الـبـــلاءُ بَشـيـرَ خيرٍ
................ فَإنَّــا عن يقيـــنٍ فـــي ازديادِ
أَخَــا الدُّنيـــا تَأنَّ فَلـســـتَ إلاَّ
............... حقــيــرَ القدرِ مَسلوبَ العَـتَـادِ
أَتـيــتَ تُـبـادِلُ الأيـــامَ عَــدْوًا
............... بِمركـبِــكَ المُسربَــلِ بالحِدادِ
فَنادمـــتَ اللَّـذائــذَ بافتـنــانٍ
............... وأَسكـنـتَ الحيــاةَ دَمَ الفــؤادِ
تَأَنَّ ولا تـكــن عَـجِـــلاً جَهولا
............... فَـمـثـلُكَ يا رفيـــقُ إلى نَفـادِ
سَتأتـيـــكَ المَنيَّـةُ عن يقيـنٍ
............... قريبــًا في القيـــامِ أو الرُّقــادِ
و تَرحــلُ كالغريــبِ بِغيرِ أَهـلٍ
............... و لامـــــالٍ و لا جــــــاهٍ و زادِ
و ما يُجديكَ مِن شيءٍ صديقي
............... سوى التَّقوَى و إتيانِ الرَّشــادِ
سَتُطْفَـأُ نارُكَ الظَمْـأى و تَغدو
............... من الوَهَجِ الشَّديدِ إلى الرَّمادِ