ليس الهدف من تعويد الطفل على النظام أن يكون إنساناً آلياً يتجاوب مع كلّ ما نطلبه منه بالطاعة العمياء، بل يجب أن نخلق عنده تقبُّل الأُمور عن قناعة، وأن نُرسِّخ في داخله أهميّة النظام، وأن نستمع إليه إذا كان عنده شكوى أو عدم إقتناع، وأن نناقشه بشكل بسيط ومنطقي يسهل عليه فهمه، لأنّه إذا فرضنا على الولد نظاماً صارماً نكرهه عليه بدون مناقشة يشعر بالكبت فلا يستطيع أن يُعبِّر عن رأيه أو مشاعره خوفاً من التأنيب أو العقوبة التي ينتظرها. وكذلك الأولاد الذين يُترك لهم الحبل على غاربه فيتصرّفون كما يريدون دون حسيب أو رقيب ويحسّون عندما توجّه لهم أيّة ملاحظة أنّك تجاوزت حرِّيّتهم اللامحدودة، حتى أنّهم يجيبون بشكل فجّ وأحياناً يتجاوزون حدود التهذيب عندما نحاول أن نضع حدوداً مقبولة لتصرفاتهم.
في كل الأحوال، أثناء تطوّر النموّ عند الولد وعلاقته بالأهل يحصل الكثير من الأزمات والعُقد التي تبقى مرحلياً وتحلّ مع الوقت على سبيل المثال: إضطراب نظام الأكل، مصّ الإبهام، التأخُّر في النظافة الليلية (التبوّل وغيره)، وهذه كلها أزمات تزول تلقائياً. وهناك بعض الحالات الأخرى التي يعتبرها بعض الباحثين مرضيّة كالحركة المفرطة المشوبة بالقلق وعدم الإستقرار قد لا تزول مع عامل التقدُّم في السن. وفي كل الحالات عندما نرى بعض الأزمات تستمر دون أن تتوقّف، يتوجّب على الأهل مراجعة أخصائي لمعالجة هذا الأمر وحتى لا يخلق على المدى البعيد عقداً لا يمكن حلّها بسهولة.
إنّ الأمر الأهمّ، حسب الدراسات الحديثة، هو إتّباع تقنية متطورة ونحن نراقب تطوّر النموّ عند الولد، عدد كبير من الإختصاصيين والباحثين توصّلوا إلى تقنيات مفيدة إلى أبعد مدى، وهي تعتمد على التجربة والخطأ عند الولد وهذا ما يعتبر مطمئناً أكثر لجعل صحّته النفسية والعقلية أكثر شعوراً بالمسؤولية والتطلُّع دائماً نحو الصح والإبتعاد عن الخطأ، ويعتبرون هذه التقنية هي العامل الذي يقود نحو تصحيح الخطأ وتقوية الشخصية، وكأنّ الولد يصبح مقيّداً بشيء إسمه النظام وتحسين ما يمكن تحسينه، وهذا ما يدعو إلى فهم حقيقة النظام العام عند الولد وما يمكن أن يؤدِّيه ذلك من قوة للمجتمع الذي يعيش فيه. ويجب أن نفهم أمراً مهماً أنّ ما نعمله من خلال كل هذه التقنية مع الولد هو لأجله وليس ضدّه
يقول بعض الباحثين إنّ ضرب الولد يكون في حالات محدودة جدّاً وفي أماكن محدودة من الجسم وخصوصاً قبل سن الثانية والنصف. وبعض آخر يؤكِّد على عدم ضرب الطفل في هذه المرحلة مهما كانت الأسباب. وأنا شخصياً أرجِّح هذا الرأي. ويعلِّل الباحثون ذلك بما يلي: كيف يمكن أن نقول للولد لا تضرب رفيقك ونحن نمارس معه هذه الطريقة، إنّنا بذلك نجعله يعيش حالة من الإضطراب النفسي. وأحياناً بعد السنة الرابعة أو الخامسة يجيز بعض التربويين ضربةً خفيفةً على الردف وهذه لا تُسبِّب أذىً أو خللاً في تربية الطفل.
وفي المقابل وبعيداً عمّا ذكرنا، يجب على الأهل تشجيع الولد على كلّ عمل إيجابي يقوم به، وأن نتجاوز بعض الأخطاء البسيطة وعدم التركيز عليها.
يقول (جان جاك روسو) أنّ ولده (أميل) كان في الثالثة والنصف من عمره عندما أصرّ على كسر زجاج نافذة غرفته غير عابئ بنصيحة والده بأن لا يفعل ذلك، فما كان من الأب إلا أن تجاهل هذا العمل وترك الزجاج مكسوراً حتى اليوم التالي. وخلال الليل، أحسّ الولد بلسعة البرد واصيب بنوع من الإنفلونزا الحادة تضايق منها كثيراً. وعندما طلع النهار، سأل والده عن سبب إصابته بهذا العارض الصحّي. فأجابه والده إنّه البرد الذي دخل إلى غرفتك من الشباك المكسور. وكان هذا درساً لم ينسه الولد طيلة حياته.
وهكذا، عندما يعرف الولد نتيجة عمله إذا كان سيِّئاً تكون قد وضعت له حدوداً معقولة مفهومة توصله دائماً إلى برّ الأمان. وبعض الأولاد يستعملون أقلام التلوين الجاف والسائل ويتركون بقعاً وآثاراً في أماكن متعددة من البيت في هذه الحالة نؤكِّد على الولد أن لا يستعمل هذه الأشياء إلا على الورق لأنّه يشوِّه منظر محتويات البيت بما يتركه من أثر لا يمحى بسهولة.