واجهت مرآتها بوجل ..كمن يلج امتحاناً للمرة الاولى ....مرتْ بتمعن على الطُرق التي سار بها الزمن على بشرتها ..فأسدلت جفنيها بحسرة المهزوم ...ولامته بكل ما امتلكت روحها من حزن ...وجهت نظرها الى هندامها علها تحس ببعض العزاء ...لكن روحها المهزوزة ابتْ الا ان تجرد كل العيوب من غمدها ...لتذبح اي احساس يمكن ان يعزز من حضورها الهزيل في تلك اللحظات ..بدت مبعثرة اكثر من ايامها التي مرت في غيابه ...لامته مرة اخرى ، هذه المرة لأنه اعادها لموقف تقييم خساراتها ...اما كانت انتهت من كل شيء ...و قررت ان تطوي صفحته ...ما له يعود اليوم ...مالها وللقائه ؟..
نظرت الى ساعة يدها على طاولة مرآتها ...لم يبق سوى ساعة من الزمن على موعد وصول طائرته ...وها هي تجد نفسها مرة اخرى مجبرة على مواجهته ...ممثِّلاَ اسوأ خساراتها
...مجسداً سنين مضت بلا طعم ، بلا معنى ، بلا انفعال ..الا حين يدق جرس الذكريات حاملاً لحن وجوده الدافيء الذي انتهى اوانه كزهرة نيسانية ابى ان يعود اليها الربيع .............
هاهو يعود ....هزها ان الزهرة لن تنتعش بأطلالته الثانية ...هزها ان تقف امام مرآتها كجذع خاوٍ لا يقوى على الحركة ..ولو باتجاهِ ما كان يُحييه .
نظرت الى الساعة مرة اخرى ...وشعرت بالدوار وهي ترقب عقاربها المتكتكة ...كم مرة اكملت هذه العقارب دورتها منذ رحل ؟...احست بالغثيان ...
لمَ عليها ان تستقبله ..وجهاً وسط الوجوه ؟...ككل الوجوه ...بابتسامة بلاستيكية ...وهي التي ودعته دوناً عنهم بموتٍ حسبته لن يطول ...
نظرت الى هيئتها التي بدت رثةً رغم انها تأنقت قدر المستطاع ...ربما لم تستطع الا ان تنظر الى روحها في تلكم اللحظات ...
و فجأة قررتْ :هي لن تذهب ...هي لا تقوى على طقوس سخافةٍ مفاجِئة ...مجيؤه محض مفاجأة سخيفة ...و هي لن تذهب ...لقد طوت كل تلك السنين ...ونسيت طعم الاشتياق لوجهه...و الحنين لأسمها يتردد على شفتيه ...لم تعد تذكر كيف تكون طفلة مدللة في حضوره الغامر ...
لن تذهب ...
ذلك الوقت مضى ...و عقارب ساعتها لن تعود الى الوراء ....تناولت ساعة يدها من على الطاولة و حدقت اليها بإمعان قاسٍ كمن يريد ان يشحذ همته بصديق شهد مراحل الانطفاء
....لن تذهب ...فهذه العقارب تسير باتجاهٍ واحد ...
ايقظها من تركيزها صوتٌ ينادي ....وبابٌ ينفتح ...
- عمتي ... عمتي
نظرت الى المراهقة في الباب بتصميم وبلا تردد اخبرتها :انا لن اذهب
ابتسمت الشابة ....: لن نذهب كلنا ....فلقد وصل مبكراً و هو الان هنا .......
احست بموجة من ارتخاءٍ غمرت منابت شعرها ..انسدلت اجفانها المحدقة ...تهدلت اكتافها ....و انبسطت بلا ارادة كفها التي قبضت على ساعة السنين .........لتستفيق على صوت ارتطامها بالارض..مهشمة بلا حركة .
ج٢ / أحقاً سأذهب ؟