وألقى فخامة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم في المؤتمر كلمة باسم جمهورية العراق، وفيما يلي نص الكلمة:
“فخامة الرئيس فرانسوا هولاند
معالي وزراء الخارجية
السيدات و السادة الحضور
أحييكم باسم الشعب العراقي والحكومة العراقية وباسمي شخصيا، واسمحوا لي أن ابدأ بتقديم وافر الشكر والتقدير لفخامة الرئيس فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية ومن خلاله حكومة وشعب فرنسا الصديق تعبيرا عن امتناننا لهذا الجهد الكبير ولهذه الاستجابة العملية السريعة في مواجهة واحد من أخطر تحديات عصرنا، التحدي الارهابي. شكري الجزيل لكم جميعا لاستجابتكم ولموقفكم الداعم لبلدنا العراق وشعبنا وهو يتصدى لأبشع أنواع الإرهاب وجرائمه.
نحن اليوم وفي هذه المواجهة الخطرة التي يخوضها العراق، نقف أمام تحول نوعي في فكر التشدد الارهابي، وهو التحول المتمثل بانتقال عمل قوى الارهاب من عمليات اجرامية متفرقة إلى مستوى العمل من أجل تأسيس دولة، وهذا ما جرى فعلا. إن الاحتلال الداعشي لم يستثن أبناء دين ولا طائفة ولا قومية، كما أن يده الآثمة طالت الشيوخ والاطفال والرجال والنساء. إنها دولة يراد منها أن تكون منطلقا إلى أماكن أخرى من الشرق الأوسط ومنها الى العالم. إنها أهداف باتت معلنة في بيانات وخطابات قادة داعش وبات العمل يجري من أجلها بشكل سافر. ولعل وجود متطوعين إرهابيين من أصول أوروبية وغير أوروبية ومن غير حملة الجنسية الثانية هو واحد من إشارات هذا التحول النوعي في عمل الارهاب وتمدده، وبما يتجاوز الفكر الاستراتيجي التقليدي الذي كان معروفا عن عمل القاعدة ومستوى إجرامها. وتكمن خطورة هؤلاء المجرمين في كونهم محترفي غسل عقلية الشباب في الأماكن التي يسيطرون عليها، ويعدونهم كانتحاريين و يستخدمون أحدث التقنيات التكنولوجية لبث الرعب والدعاية من خلال الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي.
سيداتي، سادتي..
قدمنا إلى هنا، في أعقاب نجاح تشكيل حكومة وحدة وطنية يجد العراقيون جميعهم تمثيلهم فيها بمختلف مكوناتهم وهذا عامل مهم وأساس يسهم في تعزيز وحدة موقف العراقيين الذين يواجهون بإرادة واحدة وصلبة عدوهم الارهابي الذي لم يفرق بين عراقي وآخر.
لقد قدمنا الى باريس، مسرح الثورة الفرنسية التي قامت على احترام حقوق الانسان، ونحن نحمل لكم رسالة أيتام وأمهات ثكالى لأناشدكم للوقوف الى جانب شعبنا لكي تعيدوا الابتسامة المسروقة من شفاههم.
لقد كانت الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش خلال هذه الأشهر هي التعبيرالصارخ المباشر عن العقل الظلامي الدموي المنطلق من أسوأ كهوف التاريخ ومن أبشع آيديولوجيات التشدد القائمة على الاقصاء وعلى موت الآخر ورفض قبول أي تنوع واختلاف وتعدد. هكذا جرى استهداف المسيحيين والأيزيديين والشبك العراقيين، وهكذا جرى استهداف التركمان والكرد والعرب العراقيين، وهكذا جرى استهداف الشيعي والسني العراقي على حد سواء، ولم يكن من معيار للقتل أو التشريد أو الارغام على تبديل الديانة سوى الفكر الواحدي المهيمن على عقل داعش: إما أن تكون منا أو فلتكن هدفا لنا.
بهذه الطبيعة الاجرامية تم قتل الآلاف من الشبان وتم سبي النساء وأسر الأطفال والشيوخ، وبفعل هذه الهجمة المتوحشة اضطر مئات الآلاف من أبناء بلدي للنزوح والتشرد من منازلِهم وأحيائهم التي استباحها المجرمون إلى مدن أخرى أو إلى الصحارى ومغارات جبلية كما حدث للإيزيديين والمسيحيين بحثا عن النجاة وتمسكا بحقهم في الاعتقاد والتدين.
لقد مارس تنظيم داعش خلال هذه الأشهر جرائم إبادة جماعية وجرائم تطهير عرقي وديني ضد الآلاف من المواطنين، ومازال عشرات الآلاف من العائلات العراقية التي لم تسمح لها ظروفها بالهجرة من مناطق نفوذ داعش رهائن لنزوات القتلة ليعانوا أبشع ظروف القهر والاذلال تحت سلطة ما يسمى بالمحاكم الشرعية. كما مارس هذا التنظيم جرائم بحق الحضارة الانسانية حين عمد إلى تدمير مواقع حضارية وآثار ومخطوطات بعضها يعود إلى الحضارات الرافدينية القديمة كما عمل على تدمير قبور وأضرحة لأنبياء ما قبل الإسلام، إضافة إلى تدميره الكنائس والمساجد والمعابد. إننا أمام خطر حقيقي مع ظهور داعش. ولعل فرصة الأمل وقوته هي في سرعة اتخاذ المواقف الحاسمة ضد هذا النوع الارهابي الجديد، وكذلك ضد كل فكر ارهابي يلتقي مع داعش.
استثمر هذه المناسبة للتعبيرعن تقديرنا لنتائج مؤتمر جدة الذي عقد الأسبوع الماضي في المملكة العربية السعودية والذي نعده خطوة مهمة في سياق تنظيم الجهود المشتركة أمام خطر الارهاب.
كما نشكر دور الأمم المتحدة و الولايات المتحدة وسائر دول الاتحاد الأوربي والدول الصديقة الأخرى ومنها الجمهورية الاسلامية الايرانية و تركيا و المملكة العربية السعودية في ما قدموه من مساعدات إنسانية نبيلة لمواطنينا النازحين أو المحاصرين ومن دعم عسكري مكن قواتنا المسلحة والبيشمرگة وقوات الحشد الجماهيري من وقف تقدم داعش في عدد من المناطق ودحره في مناطق أخرى. إن هذا الشكل الحيوي من التضامن والعمل الانساني المشترك يدعونا جميعا إلى بذل مزيد من الجهد من أجل دحر الارهاب. وفي هذا السياق نطالب بالاستمرار في شن حملات جوية منتظمة ضد مواقع الارهابيين، وعدم السماح لهم باللجوء الى أي ملاذ آمن و مطاردتهم أينما وجدوا، وتجفيف منابع تمويلهم، ومحاصرتهم بالقوانين التي تحرم التعامل معهم، ومنع تدفق المقاتلين من دول الجوار و دول اخرى، و المساهمة في جهود الاغاثة الانسانية ومواصلة تقديم المساعدات للاجئين والنازحين الذين تعصف بهم المآسي، ووضع خطط كفيلة بعودتهم الى ديارهم واعادة اعمار وتأهيل القرى والقصبات ودور العبادة التي تعرضت الى التدمير.
سيداتي، سادتي..
مؤتمرنا هذا مناسبة مهمة لتعزيز مبادئ الشراكة الانسانية وترسيخ العمل بإرادة موحدة من أجل عالم خال من الإرهاب و الخوف وآمن من القتل.
أكرر جزيل شكري لفرنسا ولفخامة الرئيس فرانسوا هولاند و لكم جميعا، وخالص تقديري وامتناني لجميع من تضامن وسيتضامن معنا. وكلنا أمل بنجاح هذه الجهود الكبيرة في مساعيها وفي هدفها الانساني.
وشكراً