الغد برس/ الديوانية: كتبت الاقدار على أم أحمد (76 سنة)، أن تكون لها الأحزان رفيقة دائمةً، تلازمها حتى يشاء لها الرب لقاء أحبتها ومن فقدت، دنيا لم ترسم لها ذات يوم فرحة أو ضحكة أو حتى ابتسامة، لتقاسي فراق احبتها واحدا تلو آخر لتعيش مجبرة على الرغم من الدعاء الذي تعودته، أن "يأخذ الله من عمرها ويعجل لها بساعتها قبل أن تفجع بثالث".أم أحمد واحدة من آلاف الامهات اللواتي فجعن بأبنائهن في "سبايكر"، لم يكن أول قربان تهبه لوطن مزقته غربان الشر وخفافيش الظلام ليلاً، لتثكل ومن مثلها، وتكتب عليهن الدمعة والبكاء والأنين، في رحلة انتظار بدت وجهتها معروفة وخاتمتها مقروءة، بعد أن طال الوقت وتلاشي الامل في عودة الاحباب أحياء، واقتصر الحلم بالحصول على جثث توارى الثرى كي يعلم ذويها ان الابناء بالقبور استقروا.وتقول أم أحمد، لـ"الغد برس"، إن "ولدي أحمد اتصل بأخيه آخر مرة صباح يوم الخميس، وأبلغه انه حصل مع أصدقائه على إجازة لخمسة عشر يوما، وانهم سيغادرون القاعدة بعد قليل، ومن وقتها لم نسمع عنه شيئ رغم اتصالات أخيه المتكررة، لكن دون رد فالجهاز مغلق".وتوضح أن "أحمد ثالث ضحاياي، فأخيه الاكبر استشهد سنة 2006، بانفجار سيارة مفخخة بالعاصمة بغداد، والثاني خطف على طريق بغداد السريع سنة 2008، وبعد مضي شهر اتصل خاطفوه وطالبونا بعشرين ألف دولار مقابل جثته من غير رأس، وها أنا اليوم وبدلا من انتظاري لأراهم مجتمعين حولي لتغسيلي وتكفيني ودفني، صرت أغسلهم وأكفنهم وأشاهد دفنهم وأخذ بهم العزاء".وتصف أم أحمد أن "فرحة يصاحبها الحزن والقلق ساورتني حين أخبرني زوجي بوجود لجنة خاصة تطالب ذوي ضحايا سبايكر بمراجعتها في مركز مدينة الديوانية، وحين وصلنا علمنا أن اللجنة لا تمتلك اية معلومات عن مصير أبنائنا، وجاءت لتأخذ عينات من دمنا لتطابقها مع الجثث لديها، فضاع الامل وتلاشى ولم يعد امامنا الا ان نسلم امرنا الى الله، ونذعن لمشيئته ونكتفي بالمطالبة بجثة ولدي لندفنه مع اخويه".من جانبه، يوضح عضو اللجنة التنسيقية لذوي ضحايا سبايكر، شامل الرماحي لـ"الغد برس"، أن "اللجنة الوزارية المشتركة جاءت من أجل وضع قاعدة بيانات للحامض النووي لذوي الضحايا بعمل فني محدود على الرغم من أنها تمثل أربعة وزارات، لكنها لا تمتلك أي معلومات أو بيانات حول الاعداد الحقيقية للمفقودين أو مصيرهم".ويضيف الرماحي أن "غياب المعلومات الاساسية وضع اللجنة في بداية عملها بإحراج أمام ذوي الضحايا المنهارين الذين أساء بعضهم الى الموظفين بسبب عصبيتهم وتوترهم من غموض مصير أبنائهم وعدم اتخاذ خطوات حقيقية تعيد لهم الامل، خاصة بعد كثرة التصريحات التي تشير الى وجود ناجين منهم محتجزين عند عشائر صلاح الدين وهزائم داعش أمام القوات المسلحة والحشد الشعبي والمتطوعين، في المناطق المحيطة بمكان المجزرة".الى ذلك، يقول خبير البصمة الوراثية، النقيب البيولوجي أحمد توفيق العقابي، لـ"الغد برس"، إن "مديرية الادلة الجنائية التابعة الى وزارة الداخلية أشركت مفرزتنا بضمن اللجنة الوزارية المشتركة التي تضم وزارة الدفاع والداخلية وحقوق الانسان والصحة لجمع عينات البصمة الوراثية الـ(DNA)، من ذوي ضحايا سبايكر وبادوش لمطابقتها مع رفات المغدورين الموجودة حاليا في الطب العدلي، أو ما سيتم اكتشافه في المناطق التي تحررها القوات المسلحة والتي كانت تخضع لسيطرة عصابات داعش، من مقابر جماعية".ويبين العقابي أن "اللجنة أنهت اعمالها في محافظة ذي قار، وستباشر لمدة خمسة عشر يوما بجمع العينات من ذوي الضحايا في الديوانية"، ويشير الى أن "نتائج تحاليل البصمة الوراثية مضمونة ومؤكدة ولا تتأثر بالتقادم الزمني أو الظروف البيئية التي تتعرض اليها الجثث سواء أحرقت أو دفنت أو القيت في المياه، وفرقنا قادرة على مطابقة النماذج المسحوبة من ذوي الضحايا بالرفات للتعرف على هويات المغدورين".ويلفت النقيب إلى أن "الامانة العامة لمجلس الوزراء وخلية الازمة التي شكلتها لمتابعة ملف سبايكر، سيجمع النماذج ويعمل على انشاء قاعدة بيانات، لتكون مرجعا ومعتمدا لبقية المعاملات الخاصة بضحايا سبايكر".
من جهته، يؤكد مدير مكتب حقوق الانسان في محافظة الديوانية، أحمد العطار، لـ"الغد برس"، أن "أعداد المفقودين في مجزرة سبايكر وبادوش، التي تم توثيقها بالاستمارة الخاصة الصادرة عن وزارة حقوق الانسان بلغ 326 مفقوداً"، مشيراً إلى أن "فرقا جوالة تابعة لمكتب حقوق الانسان في المحافظة، تبحث في كل يوم بالوحدات الادارية التابعة الى الديوانية، للوصول الى ذوي الضحايا لتوفير الجهد والوقت والمال عليهم، وتوثيق بياناتهم ومعلومات عن أبنائهم المفقودين لضمان حقوقهم".ويضيف أن "البيانات ستنفع المنظمات الدولية ووزارة حقوق الانسان، لرفع دعوى قضائية على الجناة في المحاكم الوطنية والدولية خاصة بعد الصدى الاعلامي للحشد الاممي الذي استنكر الجريمة وأعدها من الجرائم الكبرى ضد الانسانية التي ارتكبت بحق الابرياء والعزل".وكان تنظيم (داعش) أعدم، الأحد الـ15 حزيران الماضي، العشرات من طلبة كلية القوة الجوية في قاعدة (سبايكر)، شمالي تكريت، بعد أيام على تسليم انفسهم، وفيما أكد أنه افرج عن 800 من الطلبة بـ"أمر من ابي بكر البغدادي"، نشر صوراً لعملية الإعدام، ولم يتسن التأكد من صحة المعلومة من مصادر اخرى
رد مع اقتباس
