عائلة تكريتية تنقذ علي وزملاءه من جحيم سبايكر
حيدر الجزائري / راديو المربد
قد تكتب الأقدار للمرء ما لم يكن بالحسبان، وتأخذه على حين غفلة إلى شفا هاوية المنايا دون ذنب، وحيداً عن الإخلاء والأحبة، ضحية بين أيدي رجال قلوبهم عمي، لاتعرف الرحمة والشفقة، بل تتلذذ بسفك الدماء وصناعة الموت.
وبعدما يستسلم لسكرات الموت وكرباته وغمراته، تمتد فجاه يد رحيمة غريبة تمسح دموعه وتحضنه إلى صدر حنون، وتهدأ عنه روع الموقف وصدمة المصير، وتأخذه إلى حيث المأمن وفتح صفحة جديدة من الأمل والحياة.
نعم، أنها قصة (علي رزاق طاهر) الناجي من حادثة قاعدة سبايكر العسكرية الواقعة بمدينة تكريت شمال العراق، والتي راح ضحيتها أكثر من 1700 طالب وعنصر من القوات الحكومية العراقية، على يد تنظيم داعش قبل أكثر من شهرين، غير ان قصة (علي) تبدأ من حيث انتهى فيها زملائه، حيث آوته عائلة "أبو جاسم" التكريتية رغم المجازفة والمخاطر وخبأته عن أعين الدواعش لنحو شهرين، حتى أوصلته بنفسها إلى بيته بالبصرة بأمان، وسلمته إلى يد والدته الحزينة، في حادثة كانت أشبه بالمعجزة.
ففي مهمة خاصة، التقى مراسل راديو المربد تلك العائلة، وحدثته أم جاسم التكريتي قائلة، " قبل نحو شهرين تلقى زوجي اتصالا هاتفياً من صديق له في البصرة، مستنجداً به لمساعدة شقيقة (علي) وبعض زملائه الذين وصلوا الى منزل احد الشيوخ في حين الطين بتكريت، لكنه رفض إبقائهم في منزله طويلاً خشية وشاية الآخرين به وتعرضه للموت من قبل دوريات داعش والمتعاونين معهم".
وأضافت "ذهبت وزوجي بسيارتنا الخاصة إليهم بعد دقائق من الاتصال، وعدنا بهم إلى البيت، حيث بانت في وجههم الوحشة والغربة، بعدها اتصل زوجي بأهل (علي) وطمأنهم عليه، وأقسم على نفسه ان يوصله بنفسه تسليم اليد الى والدته بالبصرة".
وتشير إلى ان منزلها الذي يقع في وسط تكريت تعرض إلى أكثر من مرة إلى التفتيش من قبل دوريات داعش بحجة البحث عن السلاح، لكن زوجها أعطاهم سلاحه الشخصي للحيلولة دون دخولهم الدار، ومرة أخرى أعطاهم نحو عشرة ملايين دينار، ونحو 6 آلاف دولار، لكنهم لاينفكون بعودتهم التي يطمعون فيها إلى المزيد من النهب، ما اضطرها إلى بيع أخر حاجيات الدار وحتى مولد الكهرباء لشراء الطعام وضيافتهم.
وتلفت ام جاسم بالقول، "بعد مرور نحو 47 يوما ونحن نخبأ علي وزملائه، قررنا ترك المنزل لنفاذ مالدينا من المال فضلاً عن وشاية احد الجيران بنا، مادفعنا إلى الذهاب الى منطقة الصقور، وبالفعل وصلناها ومنها إلى قضاء الطوز شرقي تكريت التي يوجد فيها الجيش، بعد التخلص من 13 سيطرة لداعش، وعبرناها بأعجوبة ثم وصلنا بغداد حيث ودعنا زملاء (علي) الى مدنهم، بعدها وصلنا البصرة، وسلمنا (علي) إلى عائلته وبالطريقة التي عاهدها بها (من يده الى يد والدته)".
وتختتم قولها "عائلتنا لاتفرق بين السني والشيعي، ورغم خسارة بيتنا الذي استولى عليه الدواعش بعد خروجنا منه، وصعوبة عودتنا الى تكريت، غير اننا غير نادمين في إنقاذ الملهوف والمضطر كعلي وزملائه من قاعدة سبايكر، حيث كنا سببا في خلاصهم من الموت المحتم.
اما علي، المنتسب على القوة الجوية، فيقول لمراسل المربد، ان يوم سبايكر كان فوضى عارمة وهروب كبير لعدد من الضباط المسؤولين علينا مادفعنا إلى البحث عن ملاذ آمن من دون سلاح وسط تلك المجزرة التي حدثت بمنتسبي القاعدة.
ويضيف ان "تكريت كانت تعج بالدواعش والعديد من زملائي وقعوا بيدهم وقتلوهم على الفور، غير اني وزملائي كتبت لنا السماء ان نكون بيد عائلة أمينة تكريتية أرشدني إليها شقيقي عبر الهاتف، وخصلتنا من الموت الاكيد بعدما طردنا العديد ممن طرقنا أبوابهم والبعض الآخر تربص بنا وابلغ عنا الدواعش".
اما والد علي (ابو رافد 61 عاما) فيقول لمراسل المربد، ان عودة ابنه هو عيد للعائلة وأشار الى ان الايام التي عاشوها كانت صعبة حينما كان علي في تكريت، وقدم شكره للعائلة العراقية الأصيلة التي استضافت علي بالرغم من الظروف الصعبة، وهو يقول ان العائلة تعيش معهم بالبصرة معززة مكرمة ويردون لها شيئاً من الجميل.
عائلة أبو جاسم التكريتي هي اليوم بين أحضان البصريين، بعد ان وفى ابو جسام بعهده وسلم علي لوالدته، وسط استقبال مهيب أقام له أهل القرنة.
قصة نجاة علي من المجزرة التي ارتكبت بحق الشباب العراقي، لايكاد احد ان يستوعبها الا من في قلبه يقين كامل بعناية السماء وإرادة الخالق فوق كل شيء، نجا من موت محقق ومنّ الله عليه بعمر جديد بعدما ما رآه من جرائم يندى له الجبين من أشباه البشر يتسترون بالدين والدين منهم براء، حيث نجا علي وزملائه بعد ان أخرجهم من رحم ذلك الموت والظلم من هو الرحيم الذي يقف معهم وسلّمهم بيد عائلة غيورة أصيلة في مدينة صارت تبيع وتشتري بأبناء الجنوب بشكل طائفي مقيت.