محلة باب الاغا والحكم القرقوشي في ذاكرة البغداديين
توسدتْ بغداد منذ تأسيسها ضفتي نهر دجلة واستقلت على عرش الخلافة وسرير الملك وتاج السلطة قرونا عديدة وكانت رصافتها وكرخها تزخر بالناس والبناء والعمران وكثرة الاسواق وقد قسمت مناطقها الى شوارع ومحلات اطلق عليها تسميات متنوعة ولا يزال القسم الاكثر منها يعرف باسمائها القديمة ومن هذه المحلات القديمة هي محلة باب الاغا. وكانت تسمى ام الدنكجية فقد دانت اخبارها افاق بغداد وصارت مضرب الامثال ومصدر القصص والاقوال ومن المعروف كان لبغداد اربعة ابواب كانت مشيدة على السور المحيط بها هو باب السلطان (باب المعظم) وباب الظفرية (باب الوسطاني) وباب الحلبة (باب الطلسم) وباب كلوازى (الباب الشرقي) ويذكر تاريخ بغداد في العهود المظلمة ان بابا خامسا كان مقاما على مدخل الجسر يعرف (باب الشط) اما باب الاغا ..
فهو ينسب الى اغا الانكشارية في العصر العثماني والباب معناه الدائرة الرسمية او المقر الرسمي للاغا .ويروى ان احد الاغوات الانكشارية العثمانية يدعى الحاج احمد اغا حكم بغداد في العهود المظلمة حكما (قرقوشيا) أي كيفيا واستبداديا فكان الحاكم بامره يسجن من يشاء ويعفو عمن يشاء يغضب على من يشاء ويصفح عمن يشاء ولا اعتراض على حكمه وربما كان هو الاغا الذي سميت الباب باسمه ومن القصص التي يتبادلها البغداديون عن اسلوب حكم الاغا
ان شقندحية من شقندحيات بغداد ارادت الانتقام من احد الرجال فشكت امرها الى الاغا زاعمة ان الرجل هو ابنها وانه ابن عاق مقصر في واجباته نحوها فيتركها جوعانة عريانة وليس لها غيره من معيل فارسل الاغا جلاوزته لاحضار الرجل بقوة السلاح فلما حضر امام الاغا وهو مذعور بادره الاغا بالسؤال منه عن اسباب تقصيره بحق والدته فاجاب الرجل ياحضرة الاغا ان هذه المراة ليست والدتي وان والدتي قد توفيت منذ سنين طوال غير ان الاغا لم يلتفت الى اقواله وتوسلاته واصر ان المشتكية هي والدته فحكم عليه ان يحملها على ظهره الى البيت ويقوم باودها ففعل الرجل ذلك مسلما امره الى الله وفي الطريق التقى به اخوه وهو على هذه الحالة فساله مستغربا (منو هالحرمة اللي شايلها على ظهرك) اجاب الاخ (مو هي امنا) فقال الاخر (ولكن امنا ماتت كبل عشر سنين) فما كان من حامل الام المزعومة الا ان يقول لاخيه (روح فهم الاغا) وذهب قوله مثلا على الحكم الاستبدادي التعسفي القرقوشي .
وتشتهر محلة باب الاغا بالجمع بين المحاسن والاضداد وبين الاهمال والاتقان وبين الجيد والرديء فان خبز باب الاغا مضرب الامثال في الجودة والرخص والافضلية عن غيره من الخبز فيقال (خبز باب الاغا) حار ومكسب ورخيص وان فواكه باب الاغا هي خير الفواكه التي كانت تعرض في اسواق بغداد فيقال اشتري الفواكه من ولد كنو في باب الاغا (وكان اولاد كنو هم مهدي واخوه مجيد واخوانه رزوقي وسلمان وعبود وكلهم فاكهانية باب الاغا) .
اما شغل محلة باب الاغا فهو مضرب الامثال في الرداءة وعدم الدقة وكان اصحاب الحرف في باب الاغا من النجارين والجراخين والحدادين وامثالهم هم مضرب الامثال في المماطلة والاهمال وعدم الدقة في العمل وبمرور الزمن تطورت محلة باب الاغا واصبحت مركز النشاط التجاري والحرفي في بغداد واصبح شارع الجسر (عكد الصخر) الشريان الرئيس للحركة التجارية فما من بغدادي الا ويمر من باب الاغا والدنكجية في طريقه الى دوائر الحكومة او الاسواق او الخانات او المخازن او المطاعم الشعبية او الانتقال بصوبي بغداد الرصافة والكرخ ولا تزال حكاياتهم واخبارهم مضرب الامثال في ذاكرة البغداديين..
منقول