مفهوم له تركيبته العميقة في دواخلنا، تلك الغربة النفسية والاجتماعية والثقافية يندرج تحتها وفوقها اسباب وعوامل تجرح وتقتل وتسود بظلامة ليلها الكثير من مساحات خضراء في أعماقنا.. كيف يكون الإنسان غريبآ في ذاته وبين أهله وقومه.. إحساس مميت للنفس والروح ان يشعر بها أي إنسان فهي كآبة ومنفذ عميق في النفس والروح قاتلة!! والتي تبكينا في معظم الأحيان حتى حينما نتلفظ بها أو نسمعها لإنها انعكاس لألم دفين..ألم لا يمكن ان تتصور عمقه.. إلا بوجود حل له ومنفذ سعيد ومحبب ومقبول من داخلنا وفي الصميم؟
• ماهي الغربة النفسية؟ وماهي انعكاساتها علينا؟ ماهي انواعها؟ ماهي اسبابها؟ الغربة.. هي حالة نفسية من البعد تتخلل عمق النفس الإنسانية وتحيلها إلى ضعف تكون حينها غير قادرة على تقبل أي شيء.. تتسم حينئذ بالانهزامية بشكل واضح داخليآ عليها وبإرادة ضعيفة وتوان عن الإقدام لعمل أي شيء إزاء هذا الشعور..
إنعكاسات الغربة النفسية على الانسان
الغربة هي تصور داخلي خاص بالانسان.. ينبع من انعزال الفكر والاتجاهات ومحدوديته للانسان خاصة حينما لايتوافق مع آراء ومواقف الاخرين..او حينما يواجه بعدم القبول في آراء الشخص نفسه.. او حينما يصدم عقليآ او وجدانيآ مع طرف علاقي قريب جدا له.. حينها يتراجع بدون ابداء السبب له او رد فعل تجاهه.. لذا يفضل الصمت احيانآ او يتراجع باتجاهه نحوه الى نقطة قد تصيبه فيها بخيبة امل او عدم تقبل له فكريآ بقناعات تحمل في طياتها ناحية عرفية او ناحية اجتماعية خاصة..
انواع الغربه النفسية والاجتماعية
• غربة مع الذات.. غربة الانسان لذاته.. أي مع نفس الانسان نفسه من خلال قيم خاصة واراء وقناعات ذاتية لاتحمل في طياتها أي مرجعية مقبولة او مصدر علمي او ديني معين وانما لقناعات خاصة رافضه لهذاالاراء او السلوكيات.. إلا بما يحمله الفكر والوجدان لمبررات وتجارب الاخرين فأضفت عليه نوع من المصداقية تقبلها عقله فأوجدت لديه مرارة داخلية تحمل فيها الرفض الدائم وهنا نرجعها في أكثر الاحيان الى التربية الخاصة بالفرد نفسه وتأثير بيئته عليه من خلال الرقابة والضبط الاجتماعي ومايمارسه عليه من ضغط كبير جدا..
ان انقياده لهذه القيمة تجعله خارج اطار البيئه من الرفض والمقت عليه إذا هو رفضها.. إن أكثر الغربة وضوحآ هو غربة النفس مع النفس بحيث لا تعطيه فرصه ان يتعرف على مكنون ذاته الداخلية وهذه القمة في الرفض الداخلي للذات «نتيجة لخوف نفسي وأخوات الخوف كله..او الخوف من العرف الاجتماعي» «لانه لاتوجد فيه هنا مرجعية دينية أوعقلية مقبولة» وتظهر بشكل واضح في السلبية الدائمه وعدم الثقه في المكنون الداخلي «أي ضياع النفس في متاهات لا تعرف مداها»..إضافة الى ان هناك من الغربه النفسية ما تجرد الانسان من التفكير وتجعله عالة على الغير من عدم المعرفة بماهو موجود فيه من ابداعات وطاقات هائلة اودعها الله سبحانه فيه!!
لانه لم يعطي نفسه فرصه لان ينطلق من ذواته الداخلية ومافيها من درر مكنونه يشعر انه لا يوجد لديه شيء ينطلق به.. وهناك ما اختلطت الذوات الانسانية بآراء الغير فضاعت مع متاهات الاخرى فتصبح تبعية بالشكل والمضمون.. وهذا نراه في أكثر الاحيان مع الانماط المختلفة ثقافيآ «الزوجه وتبعيتها لزوجها وانقيادها وتأسرها له من غير مضمون ووعي وفهم له اقصد هنا الحوار الثقافي العقلي الذي يرفضه معظمهم منها فيصبح شيء مألوف.. وهذا مايفقده الرجل في زوجته بعد مرور فتره من الزواج انها صارت تابعة له يشعر بهذا حينما يحتاج لشريك عقلي اكثر ماهو عاطفي» في كثير من الاحيان الروح الانسانيه هنا لا تعي لذاتها لانها فقدت مصداقيتها مع ذواتها «فقدان الروح» فقدان هدفيتها رابطتها مع عقلها وفكرها المرتبط بشخصيتها بكينونتها الطبيعية بتكوينها البيولوجي الداخلي مع الخارج..فصار واضحآ على قيمها الثقافية.. اصبحت اسيرة لقيم لاتمت لها بصلة ولالتكوينها البيولوجي «سواءآ روح الرجل اوالإمراة».
• غربه اجتماعية وثقافية.. وتتمثل هذه على اطرومرجعية القيم والعادات والتقاليد والاعراف السائده في المجتمع وهنا تتداخل فيها الخلط مابين مرجعية الدين «الجانب الروحي» واحكامه وآدابه وحقوقه وواجباته، والعرف الاجتماعي«الجانب الفكري» وضغطه عليه فتختلط الكثير من الافكار وتضيع.. لتجعل من الانسان بلا هوية ولامرجعبية ثقافية.. تظهر جلية في ارتباطنا بالكثير من القيم الثقافية الجديدة في مجتمع متغير ومتطور بالسرعة غير المألوفة والمتوقعة علينا فتظهر عند الكثيرين نماذج «مثقفة.. ومتثاقفة» لاتستطيع التعايش معها ومابداخلها من تكوين شخصي مخالف او متناقض تمامآ مع مااستوعبته من التجديد في المتغيرات الثقافية المعروضه عليها ماديآ ومعنويآ..
• غربة مكانية وهنا الاكثر ملامسة للواقع.. «الابتعاد للدراسة..او الهجرة للعمل..او نتيجة لوضع سياسي ما..او للتفرقه العنصرية او مذهبية واضحة المعالم» تصور أنك مع نفسك أو مجتمعك.. أوفي أرض ولدت فيها ربطتك بها تلك الأماكن..
الشوارع..الهواء.. الحياة.. الناس.. اللغة.. الثقافة، حياة اجتماعية بسيطة.. وثقافة تربيت عليها.. ولكن وبعد فترة طويلة حدث ذلك التغير وبطريقة بطيئة عكس ما تعودت عليه تمامآ.. وعكس تيار عقلك وفكرك ومابدات تخطط له لمستقبلك.. «الهجرات» لاي ظرف ولأي مبرر سواءآ كانت من الاضطهاد الديني أو السياسي أو العرقي او الاجتماعي او الثقافي «الدراسي او المعرفي» هنا تكون هذه التغيرات مجلبة لغربة!! خصوصآ اذا كان المحيط الاجتماعي غير مألوف وبعيد عن الاطر القيمية التي تربيت عليها ولم تسطع التعايش معه والتكيف فيه بما لديه من متناقضات العقل والافكار والاتجاهات التي تربى عليها ولم يستطع التمازج معها..
وحينما تطرح تلك التساؤلات الغريبة على نفسك بذلك التغير.. والتي لا تفهم لمعناها العميق إلا من خلال مشاعر لا تعرف مداها وقد تستغرب لمداها من الاسباب والمسببات!!.. هنا تكون الغربة الحقيقية لانك لمستها بطريقه واقعية.
تساؤلات تلفنا وتحيط بنا!! لماذا أشعر بهذه المشاعر وأنا بين ناسي ومن يحبني!!؟؟ لماذا انا هكذا..؟؟ متى سأفهم إننا نتغير ومن خلال هذا التغير لابد إن أتقبل وضع هذا التغير مهما كان؟؟ افكار.. غير مفهومة.. كل هذا الشئ يتحول مع الشخص ليكون..غربة.. غربة..غربة.. هنا تحدث تلك القطيعة الاجتماعية والثقافية بينك انت وبين وبين مقربيك وبين وبين المجتمع وذاتك..
هذه القطيعة التي لم تجتز بعد مرحلة اللاعودة، كما هو عليه الحال عند الآخرين. لان السياج الذي قد فرضته على نفسك وعلى المجتمع وثقافته أقوى بكثير مما تتصوره.. بعضهم يرجع هذا التصور للقيم وبعضهم للعرف..وبعضهم للأفكار التي تربوا عليها.. ولم يعطو فرصة لبعد التغيير..او التقبل للأفكار جديدة عندهم لتعطيهم مساحة من خلالها يستطيعوا تدريجيآ ان يغيروا أي وضع تسمح لهم قناعاتهم وقيمهم واوضاعم الاجتماعية.. مما ينتج عنها سلبآ غربة نفسية عن محيطهم وغربة ثقافية اجتماعية بعيدة الامد لايستطيعوا بعدها التغيير من واقعهم شيء..
فالشعور بالغربة هنا تخلقة تلك القطيعة النفسيه ذات القناعات القوية المرتبطة مع ذاتك والاطر الاجتماعية الثقافية وعدم توافق الفهم بين الطرفين.. وهذا الشعور - بالغربة- يقتل صاحبه يصيبه ما يصيبه من الألم وتلحقه الاذية اذا تمادى في الاندماج فيها وتقبلها كما هي لانها تحرمه من بعض الحقوق والمزايا التي تقبلها المجتمع ولكن قناعاته لم تقبلها بعد فصار بين صراعات نفسية قويه تزعزعه وتضعف من ثقته.. إلا اذا كان وازعه الديني قوي جدآ يكون لهذه القناعات بالمرصاد واضعآ القناعة الدينية بحسب رايه ومنطلقه سلاح لاغتيال أي اتقبل معارض لقناعاته.. وهنا يحدث ذلك السكوت المطبق وربما يخلق تلك العزلة والوحدة والتباعد عن حياة المجتمع الطبيعية إذا ماتمادى في الرفض بحسب متغيرات المجتمع..
وتحدث تلك الغربة في نفى الكثير من المعاني للحياة عن الذات نتيجة لعوامل قوية على النفس من قبل الشخص نفسه او من قبل المجتمع على الشخص نفسه ففي كل نظام اجتماعي شكل من أشكال النفي على الشخص. ليس لانه تحريم وتحليل لا..لا.. ابداً، بل لانه ايضا خط ومسار محدد للكثير من القيم والنظم لابد ان يتبعها والا سيكون عنده نفي للإنسان من داخله الودود الخاص به لكي يثبته في الخارج على المجتمع وينطلق من خلاله سلوكيآ.
انك لا تستطيع ان تكون حرّا إلا إذا كنت موجودا - داخل ذاتك، ولذاتك، وفقا لمفهوم «الفارابي». فمسألة الحريّة، والديمقراطية لا تتمثل بالنسبة الى المثقف في معرفته لذاته او في الممارسة الكاملة للحرية مع مجتمعه وحقوق الإنسان لذاته وللغير كما هي بالنسبة للمثقف بشكل عام. إنها تتمثل في ما هو أكثر أساسي: الوجود خارج كل منفى «ذات الانسان». إذ كيف أتكلم عن معاني مثل الحرية في الفكر وانا داخلي لا أحظى «إلا بغربة» ولا اشعر بها من خلال عدة مفاهيم منها اعطائي حقوقي.. في الاخذ والعطاء لنفسي وذاتي..التي هي كائن متكامل واعطاء نفسي حق من حقوق الانسان، وأنا لست أنا، ولست موجودا في ذاتي لذاتي؟ كيف أتكلم ووجودي نفسه منفى من داخلي ومن خارج المجتمع الذي لايعترف بالكثير مما لدي؟ واعتقد عندنا الكثير في حياتنا من الصور في واقعنا من هذا القبيل..الكثير..الكثير..
الموت لا يرى إلا الموت. ولا تقدر الذات الميتة أن ترى الطرف الآخر إلا على «صورتها»: ميتا. الموت هو«الغربة».. والشعور بالغربة في الذات أي داخل الانسان نابع من ذلك الاختلاف والهوة الاجتماعية السحيقة بينك في داخلك وبين المجتمع الذي لايعطيك الحق او يجردك من حقوقك كإنسان ومواطن سواءآ كانوا من المقربين لك او غير ذلك.. ومن خلالها تتولد تلك المعاناة الاليمة..
هناك عوامل كبيرة تؤدي للغربة النفسيةوتسببها بشكل مباشر من ابرزها..
1- الحرمان العاطفي بما فيه من مستويات سواءآ كانت اسرية او معارف او صداقه أوخذلان في الحب او الخيانة الزوجية..
2- عدم القدرة على التوافق مع الغير والتمازج معهم باختلاف المكان والزمان.
3- سوء التكيف مع الأنماط الثقافية الجديدة او الموجودة نتيجة للتغير الاجتماعي او السياسي او المعرفي مما ينتج عنه عزلة للشخص نفسه وابتعاده عن المجتمع ونشاطاته.
4- الوعي الفكري للشخص نفسه واختلافه بين شخص وآخر..علمآ ان الكثيرين يرون انه كلما زاد وعي الإنسان واشتد كلما زادت غربته عن واقعه المختلف عنه من حيث النمط المعايش في الفكر الثقافي او القيمي مما يرد سلبا على نفسه وذاته.. فيرى انه فوق هذا المستوى العادي أو دونه الذي قد لا يفهمه الغير وهذا راجع بالدرجة الاساسية الى عدم المشاركه الفعلية بعلاقات اجتماعية تفاعليه..
5- عدم التوازن في التقييم الذاتي للإنسان نفسه بما عنده من القدرات والطاقات على إيجادها لذاته وبين ما يحيطه من متناقضات التعامل الفعلي في المجتمع.. باختلاف المستويات الثقافية والبيئية..
6- حرية التعبير وفقدانه بشكل مباشر في حياته ونشاطاته المألوفه..
بين مفهومين:
يخلط بين بين «الغربة الثقافية الاجتماعية» و«الغربة الاجتماعية ثقافية»، فهل هناك فرق بين المفهومين أو المعنيين ام انهما سواء؟؟ فالموجود لدينا والتي نتعايش معه ليست الغربة الثقافية الاجتماعية بل الاجتماعية الثقافية.. وفي الاخيرة تحدث عندنا تلك النظرة التشاؤمية والسلبية بشكل كبير جدا علينا والتي نمتزج معها من خلال ماتقدمه انفسنا لتعاملاتنا السلوكية بشكل فعلي.. والأولى هنا أن نقول غربة أجتماعية ثقافية لان المجتمع هو المنطلق الأول لهذا التفاعل «فرد + مجتمع = تفاعل» وبالتالي فان غربتك الاجتماعية الثقافية اتفقت مع شعورك بذلك الخسران او الفقدان لما لك فيه من حق ضمن قيود القيم والمعايير الاخلاقية والتقاليد والعادات الاجتماعية التي الفتها وتعودت عليها.. وهذا الفقدان ناتج عن الموروث الثقافي المتناقض من قبل اصحاب «الضبط الاجتماعي» للمجتمع والتأكيدي لهذا الشئ موجود بشكل كبير في مجتمعاتنا بشكل كبير«علاقة المراة مع الرجل..ضمن قيود وأطر العلاقات الاجتماعية..ومدى استيعاب هذه العلاقه الثقافيه داخل المجتمع إلا ضمن زوج وزوجة فقط وتقبله لها من خلال الحوارات والمناقشات الثقافيه والطرح الموضوعي في الحوارات، او الاختلاط في مجال العمل ضمن المحددات الشرعية».
ولذلك فان الإيديولوجية الصارمة المفروضة على المجتمع من قبل كل أشكال الضبط الموجود أدى الى اتساع الرقابة الذاتية والمرفوضات المعنوية الموجودة لدينا ولدى الاخرين. وهذا نتاج عن ذلك السياج من القيم التي اخذناها إرثآ متكررآ مغلوطآ في كثير منها نجده متسلطآ علينا بدون مبرر حتى على اطرنا في المعرفة والتي تغلّبت حتى على خيالاتنا ورغباتنا واحلامنا وأفكارنا المرتبطة بالموروث على العقل.. وهذا النمط لا يزال يسيطر على نماذج واسعة من الطبقات الاجتماعية حتى الآن..مما نتج عنه تلك الغربة الاجتماعية الثقافية وامتدت بذلك على حياتنا مماجعلتنا غرباء من داخلنا وعلى خارجنا لانقبل بأي تغيير حتى لو اننا أردنا وأحببنا لانستطيع!!
لأننا تهنا وتوهتنا الغربة النفسية وتعدت بنا الى الغربة الاجتماعية الثقافية..
منقول