حقيقة المشروع الأميركي لمواجهة "داعش" في سورية
عبّر الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز عن خوفه الوشيك من "داعش" بإعلانه أنهم سيصلون إلى أوروبا خلال شهر، وإلى أميركا في غضون شهرين، وتزامن ذلك مع مواقف سعودية دينية جديدة أبرزها لمفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الذي كفّر "داعش" و"جبهة النصرة"، محرِّماً الالتحاق بهما، ما يعني برأي المتابعين للمواقف الرسمية السعودية أن خطراً داهماً أو وشيكاً يهدد المملكة.
السؤال هنا: هل الرياض التي تدعو الآرين لاستراتيجية عاجلة ضد "داعش"، هي في هذا الوارد، كونها لا تحشد أكثر من الخطاب، لأنها لا تملك فعلاً الاستراتيجية الواضحة في هذا المجال، وإن كان الخوف من الإرهاب بدأ يدق أبوابها، لاسيما بعد التطورات العراقية، ما دفعها لاستقبال مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين عبد اللهيان، الذي أجرى محادثات مطوَّلة مع وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل، ثم توجه إثرها إلى دمشق؟وإذا كان لم يرشح شيء عن هذا الاجتماع ونتائجه، فثمة إجماع على أن الرياض سلّمت بأنه لا مجال البته لزحزحة الرئيس السوري بشار الأسد، لكنها طرحت قيام نوع من الكونفدرالية في سورية، ما لقي رفضاً إيرانياً، لكنه اعتُبر أنه بداية لتراجع السعودية التي بدأت تحس بالخطر مع تقدُّم "داعش" نحو حدودها من العراق..الرياض المتوجّسة من المواقف والتصرفات القطرية والتركية، استعجلت اللقاء مع طهران، التي أرسلت إليها أكثر من رسالة تطمين، أولها كانت زيارة عبد اللهيان، وثانيها كان الإعلان الإيراني عن الاستعداء لاستقبال سعود الفيصل، أو زيارة لطريف إلى الرياض.الخطاب السعودي إذاً، وبرأي أوساط دبلوماسية خبيرة في الشؤون السعودية، عبارة عن رسالة استغاثة أكثر مما هو تعبير عن خطر وشيك سيصل إلى أوروبا، ثم إلى أميركا، ويعبّر - وإن بالعقل الباطني - عن أن هجوم "داعش" لم يعد سوى مسألة وقت، وهو ما عبّر عنه رئيس الحكومة البريطانية دايفيد كاميرون، وسبقه إليه رئيس المخابرات الأميركية السابق مايكل هايدن.هذه الاحتمالات الخطيرة دعت واشنطن لتطلب من الرياض والدوحة تعليق خلافاتهما من أجل تشكيل آلية مشتركة لمحاربة "داعش"، وبدأ مستشارون من مجلس الأمن القومي الأميركي والبنتاغون جولات على دول عربية، يلتقون فيها قيادات أمنية وعسكرية وسياسية للتشاور عشية طرح الولايات المتحدة لاستراتيجية عملها ضد الإرهاب.لكن أكثر ما يثير الاستغراب هو أن السعودية وقطر لم يتراجعا عن مشروعهما بتدمير سورية، حيث يؤكد دبلوماسي أميركي على صلة بالحركة الأميركية، أن الرياض والدوحة ومعهما عواصم أخرى في المنطقة يأملون في استغلال ظاهرة "داعش" ودمويّتها للدفع باتجاه المزيد من تدمير سورية، قبل حلول أي تسوية.وبرأي هذا الدبلوماسي فإن "عرب النفط" اندفعوا ضد سورية بحماسة تضاهي الحماسة "الإسرائيلية"، والتي بُدئ بوضعها منذ عشية زيارة أنور السادات للقدس المحتلة في آذار عام 1977، وقد عبر عن ذلك انتوني كوردسمان، الذي ترأس كرسي آلية بورك في الشؤون الاستراتيجية في مركز الدراساتالاستراتيجية والدولية، ويحمل ميدالية الخدمة المتميزة من البنتاغون، كما سبق له أن عمل مديراً لتقييم الاستخبارات في البنتاعون، وتولّى مراكز في الخارجية الأميركية وهيئة الأركان الدولية لحلف "الناتو"، وأنيطت به العديد من التكليفات الخارجية، خصوصاً في بريطانيا وسورية ولبنان ومصر وإيران.. ويقول كوردسمان في مقال له يومها تحت عنوان "ماذا نعني بالقدر الكافي": "كان اهتمام إسرائيل متجهاً كالعادة نحو توجيه ضربة رادعة ضد سورية، أكثر مما هو تحقيق السلام".وهو الآن، وكأنه يتحدث عن خطين متوازيين، "يتمدد - داعش - وينكمش على وقع السيناريو الذي يدفع دول المنطقة، بما فيها إيران وسورية، إلى معمارية استراتيجية محددة، بعد إعادة النظر بالبنى التي شاخت أو تخلخلت أو تداعت"..
لكن السؤال: كيف سيلتقي الخطّان المتوازيان؟بأي حال، السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو: هل الولايات المتحدة تريد الحسم مع "داعش"؟ربما بعض الجواب يظهر في المواقف التركية، حيث يؤكد محمد بكار أوغلو؛ القيادي في حزب "السعادة" الإسلامي، والنائب السابق عن حزبي "الرفاه" و"الفضيلة"، اللذين كان يترأسهما نجم الدين أربكان، أن الذهنية الموجودة لدى جزب "العدالة والتنمية" هي "نفسها الموجودة لدى داعش، فالطرفان لا يختلفان إلا بالأسلوب" مضيفاً: "أردوغان وضع تركيا على فالق الزلازل الإقليمية، فالذهنية هي نفسها بين العدالة والتنمية وداعش،
وهي وضع اليد على السلطة والعمل بقوتها"، وبالتالي، لو كانت واشنطن جادة في مواجهة "داعش"، لفرضت أو أمرت رجلها التركي رجب طيب أردوغان بوقف شراء النفط المسروق من سورية والعراق من قبل "داعش" بأرخض الأسعار وتسويقه في الأسواق العالمية، ولو عبر الأسواق السوداء، ولفرضت عليه إغلاق معسكرات التدريب والإيواء وتهريب الإرهابيين الوافدين من كل رياح الأرض نحو بلاد الأمويين وبلاد الرافدين؟ثمة خبراء اقتصاديون يعودون إلى البدايات،
فالنفط الذي كان يُفترض أن يجعل من منطقة الشرق الأوسط جنات للإنسان، بدل الفقر والجهل في الصحراء، تحوّل إلى نقمة لا حدود لها، يزيد الفقر والشرخ ويأخذ بالإنسان العربي والمسلم نحو "جنون الفتاوى والتاريخ والعصور الحجرية"، ويُغرق المنطقة في إطار سيناريوات أعدته أجهزة الاستخبارات الدولية.. وحتى إقليمية تابعة، من أجل عدم استقرار المنطقة، وإعادة تركيبها في كل مرة حسب الأهواء والمصالح على المستوى السياسي والاستراتيجي..