رشيد سليم الخوري

( الشاعر القروي )

1887 ـ 1984


وُلِدَ رشيد بن سليم بن طنوس الخوري في قرية البربارة بلبنان القريبة من البحر بين جبيل والبترون وذلك يوم الأحد في 17 نيسان سنة 1887 تلك الضيعة الصغيرة الغافية على ذراع البحر الأبيض المتوسط ، كان أبوه مُعلِّماً ثم ترك التعليم بعد زواجه ومارس تجارة التبغ والحرير . تعلّم رشيد في مدرسة القرية وحين بلغ الثالثة عشرة من عمره انتقل إلى صيدا فدرس في مدرسة الفنون الأميركية ثم في مدرسة سوق الغرب ثم في الكلية السورية الإنجيلية في بيروت ( التي عُرفت فيما بعد بالجامعة الأميركية ) . بعد ذلك عمل بمهنة التعليم في مدارس مختلفة بين بيروت وطرابلس وزحلة وسوق الغرب ونظم خلال ممارسته التعليم مقطوعات وقصائد شعرية ظهرت فيما بعد في ديوان (الرشيديات) وكانت بمثابة تعريف عن شاعريته وهذا ليس غريباً فقد نشأ في جو عائلي مشبع بحب الأدب . فوالده كان ينظم وينثر وأخوه قيصر شاعر ممتاز الذي لُقِّبَ ( الشاعر المدني ) وأخته فكتوريا وُلِدَت لتكون شاعرة العرب لولا أن القدر صرفها إلى غير مصير فتزوّجت وأقامت في ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن شاعرنا سعيداً بعمله ولا راضياُ عنه لا سيما بعد أن توفي والده عام 1910 تاركاً له مسؤولية كبيرة وهي والدته وإخوته قيصر وفؤاد وأديب وأختيه فكتوريا ودعد وبعد أن انقضى ربع قرن من حياته قرّر الهجرة إلى البرازيل برفقة أخيه قيصر عام 1913 قبل بدء الحرب العالمية الأولى بعد تلقّيه دعوة من عمّه اسكندر القبطان في الجيش البرازيلي مرفقاً مع الدعوة المال اللازم للرحلة ولم يكن السبب الرئيسي لهذه الهجرة سوى الحاجة إلى المال حيث نجد الفاقة والفقر دافعين قويين للهجرة إذا ما أضيف إليهما الحالة السياسية والاقتصادية في بلده لبنان .
ما أن وصل رشيد إلى البرازيل حتى اندفع إلى العمل سعياً وراء الرزق الحلال ، فحمــل ( الكشّة ) وهي قطعة من الخشب يحمل عليها القماش وطاف بها في المدن الداخلية من مدينة إلى أخرى حتى استقر به المطاف في مدينة ( صنبول ) وكان بارعاً في صنع ربطات العنق كما اشتهر بعذوبة صوته وبراعته في العزف على آلة العود حيث عمل على تعليم العزف لبعض الهواة واستلاف الأجر منهم ، كما أنشأ مصنعاً لربطات العنق ثم أغلقه بخسارة بعد ثلاث سنوات . في عام 1924استقدم والدته وإخوته من لبنان إلى البرازيل .
كان ينظم الشعر إلى جانب عمله وأصدر أول مجموعة من أشعاره بعنوان (الرشيديات) كان رشيد على اختلاف في العقيدة الوطنية وفي أدب السلوك مع الصحافي نجيب قسطنطين حداد الذي راح يطعن بالشاعر رشيد وديوانه وينتقده وينتقد شعره في مقالات عنيفة نشرها في جريدته ( المؤدب ) وقال في إحداها : مَن هو هذا القروي شاعر (جرن الكبّة) ؟ فردّ عليه رشيد بمقال وقّعه باسم ( القروي ) . وتبنّى هذا اللقب منذ ذلك الحين وراح يوقّع به كل ما يكتب وينظم . تولّى رئاسة تحرير (مجلة الرابطة) لمدة ثلاث سنوات وكان من أهم المساهمين في إنشاء ( العصبة الأندلسية )سنة 1932 وأصبح رئيساً لها بعد وفاة ميشيل معلوف سنة 1938 ثم أصدر ديوانه ( القرويات) نسبة للقبه ( الشاعر القروي ) ثم أتبعه بديوان (القروي)
الذي حوى جميع ما كان قد أصدره من شعره . ثم توالت طباعته في مصر والعراق وليبيا وسوريا .
عاد شاعرنا القروي إلى وطنه العربي بعد أن غاب عنه خمسة وأربعين عاماً تلبية لدعوة من حكومة الوحدة ( وحدة سورية ومصر ) عام 1958 . فقبَّلَ تراب الوطن وبكى وشكر الله على هذه النعمة ولقيَ من الحفاوة والتكريم ما يليق بجهاده وشاعريّته ، وفي عام 1983 أصدر اتحاد الكتّاب العرب بدمشق طبعة جديدة لديوانه تُعَدّ من أكمل الطبعات .
فارق شاعرنا الحياة وهو متّجه بالسيارة إلى قريته البربارة سنة 1984 . بعد أن ملأ دنيا العروبة بعطائه المبدع . وقد طلب رشيد في وصيّته أن يُصَلّى على جثمانه كاهن وشيخ والاقتصار على الصلاة المسيحية وتلاوة الفاتحة وأن يُنصَب على قبره شاهد خشبي متين في رأسه صليب وهلال متعانقان رمزاً للديانتين المسيحية والإسلامية . ونعلم بأن القروي مسيحي الديانة على المذهب الأرثوذكسي وانه اتّخذ من العروبة ديناً له حيث قال أثناء عودته إلى الوطن :

بنت العروبة هيّئي كفني أنا عائد لأموت في وطني

كان شاعرنا النموذج الفريد للسفراء العرب في المهجر الذين وهبوا أنفسهم للعروبة والوحدة العربية وللقضايا القومية بشكل عام والقضية الوطنية بشكل خاص وهو الذي حمل راية العروبة واتخذها شرعاً ومنهاجاً حتى لُقِّبَ " بشاعر العروبة " و " قديس الوحدة العربية " فالعروبة عنده كما ورد في مقدّمة ديوانه : ( هي أن يشعر اللبناني أن له زحلة في الطائف . ويشعر العراقي أن له فُراتاً في النيل . هي دم ذكي يجري في عروق الجسد الواحد . أعضاؤه الأقطار العربية . وكل ما يعوق دورة هذا الدم يُعَرِّض الجسد كله للأخطار ) .
إن قصائده الثائرة كانت تُحَرِّض أبناء جلدته على الاستماتة في سبيل نيل الحرية وصون الكرامة وكانت هذه ميّزة الأدب العربي في المهجر الجنوبي حيث يقول الأديب المهجري الحمصــي" نظير زيتون " (1896 ـ 1967 ) : (( وميّزة الأدب العربي في البرازيل أنه يستمدّ وحيه من الواقع العربي في الدرجة الأولى ، ومن الحياة والتسامي الفكري في الدرجة الثانية ‘ في حين أن الأدب العربي في الولايات المتحدة وبالتالي " أدب الرابطة القلمية " كان طابعه الرئيسي وجدانياً صوفياً ، وقد وقف بمعزل عن الواقع العربي والقضايا العربية وإن كان ينزع بعض الأحيان إلى الاتصال الروحي والاجتماعي )) .

مــؤلّفاتــه :
1 ـ الرشيديات : أول مجموعة شعرية طبعت له في البرازيل عام 1916 .
2 ـ القرويـات : طبع في البرازيل عام 1916 .
3 ـ الأعاصير : شعر قومي طبع في البرازيل عام 1933 .
4 ـ الزمـازم : مختارات حماسية طبعت عام 1962
5 ـ اللاميات الثلاثة : منها قصيدتان للقروي والثالثة للأمير شكيب الرسلان .
6 ـ له ترجمات قصائد عن البرتغالية والإنكليزية
7 ـ ديوان القروي : يضم عدة مجموعـــات ( فجر على شفق ، البراكين ، الأعاصير ،
الزمازم ، الجماهير ، زوايا الشباب ، الموجات القصيرة ، الأزاهير ) .

مقتطفــات من أعمـاله :
1
ـ كان على وشك السفر إلى البلاد العربية أملاً بالانضمام إلى جيش التحرير لمحاربــة
الأتراك عام 1917 لكن أصدقاءه أرغموه على البقاء وقال يدعو إلى التطوّع :

لنا وطــنٌ هلاّ سمعنــا نحيبهْ وهــلاّ رأينا ضعفه وشحوبَـهُ
أنأسو صحيحاً في غنى عن دوائنا ونجفو عليلاً قد أضـاع طبيـبهُ
لعينيك يا لبنـــان قوتي وقوّتي وتعرفني غضّ الشـباب رطيبهُ
حملتُ صليبي قاصاً أرض موعدي فمن شاء فليحمل ورائي صليبـهُ

2 ـ من قوله أن الإسلام قد حمى اللغة العربية والقومية من الاندثار فقال في إحـــدى
قصائـــده :

عش للعروبة هاتفــاً بحيــاتها ودوامها

وامدد يميـن الحب يا لبنانهـا لشــآمها
انظر إلى آثـــارها تُنْبِئـك عن أيامـها
هذا التراث يًمُتُّ معـ ـظمه إلى إسلامـها

3 ـ أن شعره في الحنين هو اقرب إلى الصلاة من حيث همسه وطلاوة عبارته ورقّتها
وهذا ما نراه في قصيدته ( أنشودة الغريب ) :

حتّـامَ أحيـا غريبْ
مالي وَطَنْ ؟
يا يوم وصل الحبيبْ

أنت الزمنْ

4 ـ أما حنينه إلى الأم فهو من أرقّ الشعر الإنساني وأصدقه ، فقال :
إلى أخوة كفراخ القطــا وأمٍّ على أمـرهم قائمهْ
إذا عبس الدهر في وجهها تظلّ لهم أبداً باســمهْ
إذا عبس الدهر في وجهها تظلّ لهم أبداً باســمهْ

5 ـ وفي حب الأم وطلب رضاها قال في قصيدته ( الأب السماوي ) :
علّقت فوق سريري رسم والدتي تعويذة ليَ من أشبــاح أتــراحِ
فإن تبدى على بلــوره غبش كمـا يُغشي دخـان مصـــباحِ
ركلت أطراف منديلي به فجلا وشف عن باسم كالفجر وضــاحِ
ورحت أغمض أجفاني وأفتحها على رضى الأم إمسائي وإصباحي

6 ـ ودعا القروي في أكثر من قصيدة للتحاب بين المسيحيين والمسلمين ، فقال :
يا فاتح الأرض ميداناً لدولته صارت بلادك ميـداناً لكل قـوي
يا قوم هذا مسيحي يذكّـركم لا ينهض الشرق إلاّ حبّنا الأخوي
فإن ذكرتم رسول الله تكرمة فبلّغوه سـلام الشاعر القــروي

7 ـ وكان مؤمناّ بانتصار العرب منذ أن أطلّ وعد بلفور عام 1917 فنظم قصيدتــه
اللآّهبة " وعد بلفور" ومنها :

الحقُّ منكَ ومن وعودِكَ أكبـرُ فاحسب حسابَ الحقِّ يا متجبّرُ
تعِدُ الوعودَ وتقتضي إنجـازها مهجَ العبادِ خَسِئْتَ يا مُسـتَعمرُ
لو كنتَ من أهل المكارم لم تكن من جيب غيركَ مُحْسِناً يا بلفورُ
فقلد نفوزُ ونحنُ اضعفُ أمــةٍ وتؤوب مغلـوباً وأنت الأقـدرُ

8
ـ أما شعره الغنائي الذي كان يُغنيه بصوته الجميل ومع إتقانه بالعزف على آلة العود
فكانت قصيدته ( لو ترين ) ومنها :

أيــن يا هندُ أنتِ أينْ ؟ لتــري . آه لــو تــرين
شبحاً باســـط اليدين يسكب الدمع جدولين ـ أحمرينْ

9 ـ وهذه مقتطفات من قصيدته ( وقفة على الشاطئ ) :
يا نسـيم البحـر البليـل سلامُ زارك اليوم صَبّك المسـتهامُ
إن
تكـن ما عـرفتني فلــكَ العُذرُ فقد غيّر المُحبَّ السّقامُ

اَوَلا تذكـــر الغلام رشـيداً إنني يا نسـيم ذاك الغُــلامُ
يا نســيم المحـيط ما هذا في ســاحل البحر عندنا الأنسامُ
يا برازيل لو أفَضْتِّ عليَّ المال فيضـاً ما طاب لي فيكِ المقامُ
أيها النازحــون عَــوْداً إليه حـالما يستتّب فيـه السـلامُ

10 ـ وها هو ينتقد الموضة عند السيدات :
لحـدّ الرُكبتين تُشــمّرينا بربّك أي نهــرٍ تعبرينا ؟
كأن الثـوب ظلّ في الصباح يزيد تقلّصــاً حيناً فحينا

11 ـ وإذا أردنا الفخر في شعــره قال :
نسب على الدنيـا أتيه به عجباً على عجب على عجبِ
أَوَيستحي بأبيـه مَن دمه دم شــاعر وخليفة ونبي ؟

12 ـ وإذا طلبنا الغَـزَل ها هو يقــول :

لمية بُثَّـت من ذويـك عيــون وجارت علينا ألسن وظنـونُ
إذا التقت العينـان قيـل متيــّم وإن ضحك السّنان قيل جنونُ
وكنت أظن الحب فيك مجانــة وأحسب أن البعد عنك يهـونُ
اطوف بأكناف الحِمى علّني أرى خيالك من بعض الدروب يبينُ
إذا كذبتني العين حرمتها الكـرى وغرّقتها بالدمـع وهو سخينُ