من المعروف ان اسم الدلال يطلق على الصغار، ويظل يرافقهم إلى فترة طويلة من عمرهم، ينادونه به في البيت وكذلك ما بين الأصدقاء. فاسم (منتظر) تحول إلى (توحة) واشرف إلى (اشو)، وهكذا.
لكننا إزاء صفة جميلة أطلقت على الجدة عموما، وهي صفة أشيع استخدامها في النطق والمناداة منذ مئات السنين خاصة في الجنوب العراقي، ومما يعزز هذا الاسم المنبعث من (غلاوة) الجدة وارتباطها بالأبناء إن كانوا أبناء الأبن - الولد،أو أبناء البنت. ولا يمكن مناداة الجدة إلا بهذه الكنية لما لها من تأثير نفسي محبب بين العائلة، وغالبا ما تصبح الجدة عنوانا للطيبة وملاذا للأبناء حينما يشاكسون فيلوذون بحماية الـ(الحبوبة)، حيث يعرفون بالفطرة أن لا أحد (الأم أو الأب) بوسعه إيذاءهم ما داموا قد احتموا بـ(سور الصين العظيم) ألا وهو (حضن الجدة). وهنالك قصص كثيرة حول استحواذ الجدة على اهتمام الاحفاد، بل أن الكثيرين من هؤلاء الاحفاد يتركون آباءهم وأمهاتهم، ويعيشون في كنف الجدة حتى يشبوا على الطريق ولا يفرقهم عنها إلا المدرسة . حتى ان انخراطهم في الدراسة لا ينسيهم اطلاقا ذلك الحضن الدافئ الذي احتضنهم، فيعاودون رسم طريق العودة إليه بعد خروجهم من المدرسة، وحين السؤال عنهم من قبل الآباء يجيب الأبن: (انه عند حبوبتي).و(حبوبة) مشتق من كلمة الحبيبة، وهي أجمل الصفات في العالم، ولا يقتصر اطلاقها على شخص معين، فهي الأم، والزوجة، والحبيبة، والشقيقة..وحتى إذا ما أريد الاعتزاز بإحدى المعارف أو القريبات يقال مثلا (لا والله،احبيبة،رويحة حلال)، لذلك اشتقت مفردة (حبوبة) الشعبية على الجدة لمكانتها المتميزة. ويصبح كلامها على الآخرين حكما لا يقبل النقض أو الاستئناف، ويؤخذ مأخذ الجد باعتبارها صاحبة خبرة حياتية مكثفة، ومن هنا تستقر الآراء على صحة ما تقوله أو تفتي به حول كثير من الأمور العائلية. ولا اعتقد إن هناك (جدة) في العالم لا تكن حبا لاحفادها، وليس بعيدا المثل الشعبي العراقي الذي يقول (أعز من الولد ولد الولد) أي ابن الابن. هذا التعلق الوجداني بـ(الحبوبة) يعطينا تصورا واضحا على حنان الجدة والتصاقها النفسي بأحفادها، ومن يعيب اطلاق كلمة(حبوبة) على الجدة عليه إن يرجع الى القاموس الشعبي ليعرف قيمة هذه الكلمة بما تشيعه من انسانية. نعم الجدة هو الاسم الرسمي، لكن (حبوبة) ليس فقط صفة للدلع بل هو مستل من شرايين الروح ونتوءات العاطفة. (حبوبة، فدوة اروحلج ... خليني اروح ألعب) يقولها الطفل الحفيد أو الصبي.لكن خوف الجدة الذي ينبعث من مصلحة الحفيد يحتم على الجدة الرد الذي يعتبره الحفيد مساواة، فترد بقولها:(لاحبوبة،الدنيا مو خوش،آنه اخاف عليك)، حوار يأتي منسجما من الحقيقة التي لا تقبل الدحض على ان الجدة هي مكمن الاسرار وصاحبة القرار. ومن المواقف المؤلمة التي تذكر عن العلاقة الصميمية بين الحفيد و(حبوبته) انه كان يرافق جدته في حلها وترحالها، ولم يتركها حتى عند منامها..وفي احدى الليالي وكعادته كان ينام بجانب(حبوبته)، فاستيقظ صباحا ليوقظها ،اذ لم تكن على عادتها بالاستيقاظ قبله.. حركها!:(حبوبه)...ماتت الجدة والحفيد يمسك بيدها، بكاء وألم..هذه الحادثة وغيرها تعطينا تجسيدا حيا عن تعلق الاحفاد بجداتهم. ومن هنا فانّ صفة الـ(حبوبة) لم تأت اعتباطا، بل هي احد الجذور الممتدة لهذه المخلوقة التي تمثل لنا جميعا قارورة حنان،وحضنا دافئا، وسلوكا يؤمِّن السلام للعائلة برمتها.
منقول