قصة حقيقية من عام 1968
كنت صغيرا
وكان أبي ومجموعة من اصدقائه المقربين
معلمين في مدرسة ابتدائية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي
وعلى عادة اهلنا قبل
كانوا يحبون ( النكته ) والضحكة ويشترونها مشترى
كان احد المعلمين في هذه المجموعه من الاصدقاء
يتميز عنهم
فهو هادئ حتى عندما يضحك
وقد كان يدرسني مادة العلوم في نفس المدرسة
كان حساسا جدا
ورقيق القلب فمجرد ان يرى طفلا في المدرسة يتمرض فانه يسارع باخذه للمستشفى القريب من مدرستنا
ولا يتركه حتى يطمئن عليه
وربما ابكاه مشهد فقير يستجدي الناس
عندما كان الشحاذون صادقين في عوزهم ولا يعرفون الخداع
وكانت الدنيا اكثر بساطة واكثر فقرا
في احد الايام
حصلت مشكلة للاستاذ في بيته وتشاحن مع زوجته
وفي لحظة غضب منه قال لها : اطلعي من البيت
فذهبت غاضبة وهي تبكي الى بيت اهلها
كانت هذه المجموعه تلتقي كل يوم الساعة الرابعة عصرا
في احد المقاهي الجميلة في ذلك الزمن الطيب
خرج استاذنا من بيته وهو مشحون بالحزن والالم
وسلك الطريق التي يسلكها كل يوم من بين الدرابين للوصول الى المقهى
فرأى مجلس عزاء ( فاتحه )
مقامة في احد البيوت والناس تدخل وتخرج ولم يكن في العادة تعليق اللافتات في ذلك الزمن
دخل استاذنا الى العزاء وقرأ الفاتحة
قدموا له القهوة المرة والسجائر
ورحبوا بمقدمه ... الله بالخير .... وهم لا يعرفونه
لكنها عادات اهلنا الترحيب بالضيف
جلس قليلا وهو يستمع الى قارئ القرآن يتلو آيات بصوت جميل وروحاني
فتذكر حزنه والمصيبة التي حلت ببيته ( حسب اعتقاده ) لانه كان يكره المشاكل
لكنها ساعة شيطان
فبدأت عيونه تغرورق بالدموع شيئا فشيئا
وازدادت حتى اصبحت بكاء .... ثم نحيبا مسموعا
التفت الجميع اليه .... ينظرون باستغراب
وطلب منه احدهم ان يرافقه الى الخارج لكن بكاءه منعه من القيام وهو يسد وجهه بكلتا يديه
سحبه ثلاثة رجال اشداء بقوة وغضب الى الخارج
وهنا بدأ اللكم والضرب
وكسرت نظارته الطبية وجرحت وجهه
لكن القوم تدخلوا لفض النزاع
الا ان احد هؤلاء الثلاثة وكان عصبيا سحب سكينة (ام الياي)
وصاح : والله ما اعوفه الا اعرف شعنده جاي يبجي على أمنا ....
وضج القوم
وبالشافعات اعتقوه وهربوه من المكان قبل ان يقتل
ورغم المأساة الا ان المجموعه
ظلت تتندر بالقصة والضحك على ما حدث
وفي نهاية الاسبوع ذهبوا معه وبصحبتهم زوجاتهم الى دار اهل زوجته
وصالحوها
لكنها تعجبت من اثار الجرح والكدمات على وجهه
فرووا لها القصة
فمن كثرة ضحك ابوها على الموقف سقط مغمى عليه ونقلوه للمستشفى
وقال الطبيب انه لديه حالة اجهاد بالقلب اثر بذله مجهودا كبيرا
فرووا القصة للطبيب
فجلس الطبيب على السرير بجوار مريضه وامسك ببطنه
وبدآ بالضحك سوية
حتى خافوا عليهم من الاصابة ( بالنازلة ) وهذا كان اسم الجلطة وقاكم الله
في ايامها
*