هل يمكن تعديل البشر بيولوجيا لمواجهة التغير المناخي؟
هل يمكن في المستقبل البعيد تعديل البناء البيولوجي للبشر لتجنب الآثار الأكثر سوءا للتغير المناخي في المستقبل؟ فرانك سوين، الصحفي المتخصص في الشؤون العلمية، يستعرض بعض الأفكار المثيرة المتداولة حول هذا الأمر.
يعد التغير المناخي أحد أكبر التهديدات التي تواجه البشرية، ومع تزايد المخاطر المرتبطة به، يقترح كثيرون حلولا طموحة بداية من فكرة ضخ الغبار إلى الغلاف الجوي، وصولا إلى فكرة الهروب إلى الفضاء.
لكن ماذا لو قمنا بتعديل أنفسنا من الناحية البيولوجية بدلا من أن ندخل تعديلاتنا على العالم من حولنا؟ هذا هو السؤال الذي طرحه ماثيو لياو، مدير برنامج أخلاقيات علم البيولوجيا في جامعة نيويورك، وفريقه العلمي.
ويقول لياو: "حاولنا أن نفكر بشكل غير تقليدي، وطرحنا السؤال: ما الذي لم يُقترح من قبل في ما يتعلق بالتصدي لمشكلة التغير المناخي؟"
والإجابة التي توصل إليها لياو وزملاؤه هي هندسة البشر بيولوجيا، بمعنى تعديل بعض الصفات البيولوجية لدى البشر بهدف الحد من التأثيرات الضارة التي يسببونها للبيئة.
ويشير البروفيسور لياو إلى أنه يمكننا إنتاج بشر أكثر حفاظا على البيئة من خلال تغيير بعض المكونات البيولوجية، مثل تغيير أحجامنا، أو نظامنا الغذائي.
وفي الوقت الذي لا يطالب فيه لياو وزملاؤه بالشروع بشكل جاد في برنامج عالمي موسع لتعديل البشر بيولوجيا، تظل الفكرة في حد ذاتها تجربة مثيرة تقدم لنا منظورا جديدا للتعامل مع الآثار التي يمكن أن يحدثها البشر على كوكب الأرض.
ويقول لياو: "نحن لا نقترح هنا أن تصبح هذه الأفكار إلزامية، لكن يستحسن أن تكون مجرد خيارات أمام البشر."
موارد محدودة
طبقت الصين سياسة "طفل واحد" لكل عائلة عام 1979 من أجل عدة أسباب، من بينها تخفيف الضغوط على البيئة
ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي نلجأ فيها إلى إجراءات تتعلق بالسيطرة البيولوجية في بعض المجتمعات من أجل الحد من الأثر السلبي لها على البيئة.
فقد طبقت في الصين سياسة "طفل واحد" لكل عائلة عام 1979 من أجل عدة أسباب، من بينها تخفيف الضغوط التي يسببها السكان على البيئة.
وفي عام 1936، اكتسبت جزيرة تيكوبيا في المحيط الهادئ شهرة عندما أعلن عالم الأنثربولوجي (علم الإنسان) الشهير ريموند فيرث أن سكان الجزيرة اتبعوا نظاما صارما لتحديد النسل للحيلولة دون إستنزاف موارد الجزيرة المحدودة.
ويقترح لياو أن نذهب أبعد من ذلك في سعينا إلى أن نصبح أكثر صداقة مع البيئة، وأكثر حفاظاً عليها، رغم أن هذه المساعي ربما تبدو غير محببة لدى البعض.
ومن الاستراتيجيات التي يقترحها لياو تقليص استهلاكنا للموارد الطبيعية، ويقول: "الغازات المنبعثة التي تسبب الاحتباس الحراري الناتجة عن تربية الماشية فقط تصل إلى 18 في المئة، فإذا تناولنا كميات أقل من اللحوم، يمكننا تقليص تأثيرنا على البيئة بدرجة كبيرة."
لكن رغم معرفة معظم الناس أن تناول اللحوم ليس جيدا للبيئة، فإن رؤية قطعة من اللحم مثلا وهي تشوى على النار يثير شهيتنا ويجعل من الصعب عدم تناولها. لكن ماذا لو أمكننا هندسة البشر بيولوجيا لكي يكرهوا مذاق اللحوم، أو يكرهوا تناول البرغر بجميع أنواعه؟
يقول لياو إنه بإمكاننا أن نحفز كراهية اللحوم الحمراء لدى البشر من خلال تعديل جهاز المناعة ليرفض بروتينات لحوم البقر مثلا. ويقترح لياو أن نستخدم ضمادة طبية، مثل ضمادة النيكوتين، تجعلنا نتقيأ إذا حاولنا تناول اللحوم الحمراء.
يقول علماء البيئة إن تقليل استهلاك اللحوم الحمراء يساعد على خفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير
قد يبدو ذلك ضربا من الخيال العلمي، لكن هناك أدلة ظهرت مؤخرا تشير إلى أن الأشخاص الذين تعرضوا للدغة حشرة القراضة المنتشرة في جنوب الولايات المتحدة، تطور لديهم لاحقا نوع من الحساسية للحوم الحمراء، ما دفعهم إلى التحول لتناول الأطعمة النباتية فقط.
كما يرى لياو أن بإمكاننا أيضا تقليص أحجام أجسادنا؛ إذ أن خفض طول الإنسان بنسبة 15 سم مثلا يؤدي إلى خفض أحجامنا بنسبة تصل إلى نحو 25 في المئة، وهو ما يعني أنك ستتخلص من ربع جسدك الذي كان سيحتاج إلى مزيد من الطعام، والشراب، والانتقال.
ورغم وجود نظرة اجتماعية مختلفة تجاه قصار القامة، يقول لياو إن هناك فوائد كثيرة لذلك، وإن قصار القامة يعيشون عمرا أطول مقارنة بغيرهم، ويجدون مقاعد تناسبهم بشكل أفضل في وسائل المواصلات وفي الطائرات.
وإذا استمر تفكيرك في هذا الاتجاه، فربما يصل بك الخيال إلى ما هو أبعد من ذلك. فماذا لو عدلت عيون البشر حتى ترى بشكل أفضل في الضوء الخافت؟ ألا يؤدي ذلك إلى خفض فاتورة الطاقة؟ وهل بالإمكان أن نلف أجسادنا بمادة الكلوروفيل لنحصل على جزء من الطاقة الشمسية، على غرار عملية التمثيل الضوئي للنباتات؟ أو أن ندخل في سبات شتوي بدلا من حرق الفحم لتدفئة منازلنا؟
وقد بدأ عدد قليل من الفنانين في الفترة الأخيرة في تخيل بعض الوسائل التي يمكن أن تجعل الهندسة البشرية تصل إلى أقصى مدى ممكن.
ففي عام 2013، قدم الفنان أرني هينريكس تصورا يقول فيه إن الطول المثالي للإنسان سيكون 50 سنتيمترا- أي لا يزيد عن طول الدجاجة، وذلك للحد من تأثيرنا السلبي على البيئة.
والمثير للدهشة أن هذه الفكرة فازت بجائزة "مفاهيم المستقبل" وهي إحدى جوائز مسابقة التصميم الهولندية "دتش ديزاين"، خاصة وأن لهولندا شهرة خاصة بأنها تضم أطول البشر على وجه الأرض، وأنها أيضا أكثر عرضة لارتفاع مستويات منسوب البحر بشكل خطير.
واقترحت الفنانة اليابانية آي هاسيجاوا فكرة مختلفة تماما لحماية البيئة، وقالت إن النساء يمكن أن يتخذن قرارا يوما ما بأن يصبحن أمهات بديلات للأنواع النادرة من الكائنات الحية، مثل سمك القرش، أو الدولفين، أو حيوان الباندا.
كائنات معدلة هندسيا
من الواضح أننا لن نتبنى أيا من هذه الأفكار الغريبة في المستقل القريب (أو ربما على الإطلاق)، لكن من المؤكد أنها أفكار تثير الخيال والاهتمام أيضا.
ويرى لياو أن الهندسة البشرية تحدث بالفعل في بعض مناحي الحياة، فالكثير من البشر يميلون إلى تغيير أجسادهم مثلا لكي يبدون أكثر جاذبية من خلال عمليات التجميل.
ويضيف: "الكثير من الأشياء التي نتحدث عنها موجودة بالفعل في المجتمع، وهي ليست بدرجة التطرف التي نتصورها. ورغم أنها لا تتم في سياق (مواجهة) التغير المناخي، إلا أنه لو قدمت مثل هذه الخيارات للناس، ربما يقبل بها البعض."
ربما تصبح الأجيال القادمة التي ستشهد أسوأ تأثيرات التغير المناخي أكثر إستعدادا لقبول فكرة التعديل البيولوجي للبشر، وربما يثبت في المستقبل أن ذلك أسهل من محاولة تعديل المناخ نفسه.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي اضغط هنا