صفحة 53 من 146 الأولىالأولى ... 3435152 53545563103 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 521 إلى 530 من 1457
الموضوع:

( علم الاحياء ) بكل مصطلحاتة ومفاهيمة وتراكيبة العلمية ستجدها هنا - الصفحة 53

الزوار من محركات البحث: 64847 المشاهدات : 322135 الردود: 1456
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #521
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسوبوتاميا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 41,251 المواضيع: 3,594
    صوتيات: 132 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 44361
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: حي الله
    آخر نشاط: منذ ساعة واحدة
    مقالات المدونة: 19
    الأنف والشم

    الأنف هو الجزء البارز في الوجه بين الفم والجبهة ويتميز بالمنخرين أو الفوهتين الأنفيتين اللتين تؤديان إلى الحفرتين الأنفيتين اليمنى واليسرى اللتين يفصل بينهما حجاب متوسط، غضروفي في الأمام وعظمي في الخلف. وجيوب الوجه تلتحق بالأنف مباشرة وتؤلف مجموعة واحدة من الناحيتين التشريحية والمرضية. ويؤلف الأنف الجزء العلوي من الجهاز التنفسي وهو في الوقت نفسه منطلق الإحساسات الشمية. والشم odorat حاسةٌ يدرك بها الإنسان روائح الأجسام المحيطة به.
    وعضو الشم من أعضاء الحواس الأولى في النمو. يظهر باكراً في الأسبوع الرابع من الحياة الجنينية بشكل انتباج في الوريقة الخارجية، وترسل الخلايا الشمية ذات القطبين محاورها في الأسبوع الخامس إلى الدماغ البدائي الذي تتكون فيه البصلة الشمية بشكل متطاول، ومنشأ الحويصل الشمي والحويصل البصري والحويصل السمعي من المحور العصبي واحد.
    البنية التشريحية
    تقع المنطقة الشمية في القسم الخلفي من الحفرتين الأنفيتين وتشمل القُرين العلوي وقبة الأنف (الصفيحة الغربالية) والقسم العلوي من الوتيرة بمساحة 2.5 سم2 في كل جهة.
    هذه المنطقة العظمية مستورة بغشاء نخامي مخاطي يختلف شكله عن بقية الغشاء المخاطي للأنف. ومن خلاياه تمتد ألياف شمية تمرّ من ثقب الصفيحة الغربالية إلى البصلة الشمية.
    وتقع هذه البصلة الشمية على الوجه العلوي من الصفيحة الغربالية وأسفل الفص الجبهي، شكلها بيضي طولها 7ملم وعرضها 5ملم، تتصل نهايتها الخلفية بالنهاية الأمامية للشريط الشمي الذي تتصل نهايته الخلفية بالمثلث الشمي (الحدبة الشمية) مكوِّناً التلفيف الشمي، وطوله 3سم ويزداد ثخنه في قسمه الخلفي.
    والمثلث الشمي شكله هرم ثلاثي تتصل ذروته في الأمام بالشريط الشمي وقاعدته بالفسحة المثقبة الأمامية التي في الفص الشمي والتي تصطف ثقوبها بانتظام لمرور الأوعية فيها.
    أما الطريق الشمي فيتألف من ثلاث وحدات عصبية:
    ـ الوحدة العصبية الأولى (محيطية): مؤلفة من خلايا الغشاء النخامي التي تخرج منها استطالات هيولية قصيرة تمتد إلى سطح الغشاء النخامي، واستطالات طويلة تؤلف المحاور الأسطوانية التي تمر من الصفيحة الغربالية إلى البصلة الشمية.
    ـ الوحدة العصبية الثانية: تمتد من البصلة الشمية، وتنتهي في المركز الشمي القشري الأول ـ المؤلف من المادة السنجابية للشريط الشمي والمثلث الشمي والفسحة المثقبة الأمامية والحجاب الشفاف ـ والمركز الشمي القشري الثاني. وهذه الوحدة مؤلفة من استطالات الخلايا التاجية للبصلة الشمية وامتداداتها.
    ـ الوحدة العصبية الثالثة: تمتد من المراكز الشمية الأولى إلى المراكز الشمية الثانية السالف ذكرها.
    وتنتهي جميع هذه الألياف بالمراكز الشمية القشرية في المخ المتوسط، وبعضها يتابع مسير الحزمة الحجابية ليدخل في تكوين السرير البصري، وقسم منها يعقب مسير الشريط الطويل الخلفي وينتهي بالنويات المنشئية للأعصاب القحفية، وبذلك يرتبط المركز الشمي الأول بنويّات الأعصاب القحفية.
    الناحية النسيجية
    يقسم الغشاء المخاطي الذي يفرش الأنف إلى قطعة سفلية لونها وردي تدعى المنطقة التنفسية، ومنطقة علوية هي المنطقة الشمية أو الغشاء النخامي، وهو رقيق لونه أصفر أو أسمر مصطبغ بصباغ فوسفولبيدي، وهذا اللون أقل ظهوراً عند الإنسان منه عند بقية الحيوانات، وتختلف شدته من شخص إلى آخر، ويزول هذا اللون عند الموت.
    ويتألف الغشاء النخامي من بشرة فيها عناصر استنادية وعناصر حسية، ومن أدمة ضامة فيها غدد، ومن انتشارات عصبية. ويوجد من 10-20 مليون خلية في كل حفرة أنفية.
    أما البشرة ففيها ثلاثة أنواع من الخلايا:
    ـ خلايا قاعدية صغيرة مخروطية تتوضع صفاً واحداً، ويرتفع عليها سطح رقيق من الخلايا الاستنادية.
    ـ خلايا استنادية مستطيلة حويصلية، نواها جسيمة بيضية، ينتهي قسم الخلية الواقع فوق النواة بنهاية سائبة ينبسط فيها صباغ يكسبها لوناً خاصاً. أما قسم الخلية الواقع تحت النواة فمكون من استطالة رقيقة مقعرة تسكنها الأقسام المنتفخة من العناصر الحسية المجاورة، على سطحها قشيرة رقيقة عليها جليدة متجانسة مكونة من مفرزات الخلايا تتصل بالخلايا المجاورة مؤلفة طبقة مثقبة تنفذ منها أهداب الخلايا الشمية.
    ـ خلايا شمية عصبية شبيهة بالعقد الشوكية وهي طويلة رقيقة وخيطية الشكل، موزعة بين الخلايا الاستنادية الثنائية القطب، ولها استطالتان: محيطية طولها بين 20 و30 ميكروناً تنتهي بعُقَيْدة صغيرة تبرز على سطح البشرة نحو ميكرونين وتحتوي على هدب شمي أو أهداب كثيرة تصل حتى 20 هدباً شمياً، ومركزية: هي محور أسطواني وحيد يخترق الغشاء القاعدي دون أن يكون مغمداً بالنخاعِيْن، وعندما يغادر الخلية الشمية يحاط باستطالات مركزية من الخلايا الداعمة والخلايا القاعدية، ثم تتجمع عدة محاور في حزمة واحدة تتغمد بخلية شوانية وتتجمع هذه الحزم لتؤلف عصباً شمياً، ويقدر عدد الأعصاب الشمية في كل جانب بعشرين عصباً.
    يجتاز هذا العصب الصفيحة الغربالية ويتمفصل مع الخلايا التاجية من البصلة الشمية، وتسير المحاور الأسطوانية لهذه الخلايا إلى المراكز المخية ولاسيما التلفيف الصدغي الثالث وقرن أمون.
    وتحت الغشاء البَشَريّ خلايا غدية (خلايا بومان) تفرز سائلاً خاصاً على الغشاء المخاطي يستطيع حل المواد القابلة للشم.
    وأما الأدمة فهي نسيج ضام ليفي مرن فيه كثير من الكريات البيض، وغدد أنبوبية من النموذج المصلي ترطب بمفرزها الغشاء المخاطي.
    وفيما يتعلق بالانتشارات العصبية، يشاهد في الغشاء النخامي عدا الألياف العصبية الشمية خيوط عصبية تعود للعصب المثلث التوائم.
    فيزيولوجية الشم وشروطه
    لكل ذرة من الجسم المروح (ذي الرائحة)، اهتزازات خاصة تجعلها على درجة خاصة من سلم الروائح، وانتقال هذه الاهتزازات إلى أهداب المخاط الشمي يكون أساساً في الحس الشمي. والصباغ الذي لا يوجد إلا في المنطقة الشمية يؤثر في سعة هذه الاهتزازات.
    ويشترط في الشم ما يأتي:
    ـ أن تكون المادة مروحة ولم يعرف إلى أي من صفات المادة يستند لتكون مروحة فهناك مواد من تركيب كيماوي متقارب ولكن روائحها متباينة.
    ـ أن تكون للمادة ذرات تنتشر في الهواء كالمسك، فيمكن أن يشم إذا وجد منه مقدار 1/2000000 من الميليغرام في 50 سم3 من الهواء.
    ـ سلامة الفرجة الشمية وتدعى الحدقة الشمية، فكل حاجز يعوق وصول تيار هواء التنفس إلى المنطقة الشمية يضطرب معه الشم، وإن تيار الهواء المستنشق يرسم في الأنف خطاً منحنياً تقعره سفلي وذروته تمر بالصماخ المتوسط ، وانحراف هذا التيار الهوائي يعوق الشم. وتيار هواء الزفير يصطدم بالقسم العلوي من القمع الأنفي ثم ينعكس إلى الأمام ليرسم منحنياً يشبه السابق وبذلك يصل إلى المنطقة الشمية فتشم روائح الطعام مثلاً. وإذا سدّ المنخران في أثناء الطعام ينقص الشم نقصاً شديداً وقد يزول تماماً، لأن فعل الاستنشاق يزيد في استقبال الشم ولاسيما الروائح الزكية في حين ينقبض الأنف تجاه الروائح البغيضة ليعيق دخولها أو وصولها إلى المنطقة الشمية.
    ـ أن تنحل ذرات المادة المروحة في السائل المخاطي للأنف والماء والدسم، فالرمل مثلاً لا تنحل ذراته ويجب أن تكون الرطوبة كافية لحفظ المركبات الشحمية بشكل طبقة فوق البشرة الشمية.
    ـ سلامة الغشاء النخامي ورطوبته: يزول الشم في التهاب الأنف الضموري لجفاف الغشاء النخامي وضمور النهايات العصبية الشمية، أو في الهواء الجاف، ولذلك فإن كلب الصيد تضعف عنده قوة الشم في الجو الجاف، والوردة تشم بشكل أفضل عند الصباح أو المساء عندما يُرطبُ الهواء قليلاً.
    ـ سلامة الطريق العصبي الشمي ففي آفات العصب الشمي كالتهابه في الداء السكري أو كسور الجمجمة تؤذى البصلة الشمية فيزول الشم.
    ـ سلامة التفكير: يضطرب الشم في الآفات النفسية لسوء التعبير عن نوعية الروائح أو سوء الشعور بها.
    إن السيالات الشمية الواردة إلى البصلة الشمية تحافظ على قوتها رغم التنبيهات المتكررة مما يوحي بأن التنسيق الشمي يحدث في هذه البصلة نفسها.
    إن طبيعة المنبه في جزيئات المادة ذات الرائحة غير معروفة وقد وضعت عدة فرضيات، منها:
    ـ أن جزيئات المادة المروحة تتفاعل مع واحد أو أكثر من مراكز الاستقبال البروتينية النوعية المتوضعة على الغشاء الخلوي مؤدية إلى سيالة كهربائية يمكن تسجيلها على سطح هذه الخلايا، ويعتقد أن عتبة التنبيه تختلف باختلاف التفاعل بين الخلايا المستقبلة مع ما يجاورها، وقدرتها على إرسال إشارات خاصة تختلف بها عن الخلايا المجاورة مما يوحي بوجود مركزية خاصة لتمييز الروائح، وكل خلية أو مجموعة خلايا مستقبلة تتفاعل تفاعلاً خاصاً مع جزيئات معينة أكثر من الأخرى.
    ويقدر إدراك الشم بمدى تخطيط الشم الكهربي، إذ إنه يزداد بنسبة لوغاريتمية مع شدة الرائحة، وإن الفرق الملحوظ في الروائح يتطلب تغيراً في الشدة يقرب من30%.
    ومع ما تنطوي عليه الروائح المتشابهة من اختلافات في الشدة، فإن مكان المطابقة والتناسق هو في البصلة الشمية.
    ـ ومنها: أن هناك توضعاً خاصاً لاستقبال الذرات أو تثبيط المجموعة الخمائرية أو صيانة كمون الغشاء الخلوي أو انتقاء الامتصاص أو الاستقطاب الإلكتروني أو الحزام الهدروجيني.
    ـ ومنها: النظرية الكيماوية التي تقول إن الذرات الشمية تتفاعل مع آحينات غشاء الخلية، أو إنها تنحل في الدسم الخلوية، وفي هذا الدور تتداخل زمرة كيماوية خاصة فتحدث حركات إلكترونية في الذرة.
    فحص الشم
    يجب أن يجرى لكل مريض يشكو من خلل في الشم فحص كامل للأذن والأنف والفم والبلعوم والحنجرة والجملة العصبية.
    ويعرف اضطراب الشم بدءاً بفحصه باستعمال القهوة والشوكولاته والليمون والزيت والتبغ والنشادر والخلون والنعنع،والمواد الثلاث الأخيرة قوية وهي تنبه العصب المثلث التوائم.
    إن قياس الشم معقد ونتائجه غير أكيدة ويجب أن يسبقه استجواب دقيق جداً يتعلق بالسن والمهنة والسوابق المرضية العامة والموضعية ووضع الحفرتين الأنفيتين.
    وقياس الشم نوعان: كيفي وكمي
    أمّا الكيفي فيجري بتحري الحساسية لمختلف العطور بدءاً بأكثرها لطافة وانتهاءً بأكثرها نفاذاً، ويمكن اتباع التدرج التالي: الورد، ثم زهر البرتقال، ثم البنفسج، ثم الإتير، ثم النفط، ثم الكافور، ثم المسك، ثم الفانيلية.
    وتمكن تجربة الروائح الكريهة مثل: كبريت الفحم، والناردين (حشيشة القطة) والحلتيت (الحنتيتة النتنة) وكبريت الهدروجين.
    وأما ما يتعلق بالقياس الكمي فإن وحدة قياس القدرة الشمية هي (الشمة) التي تحدد كمية الرائحة المنتشرة في مقياس الشم لـ (زوارد ماكر) ومقياس (روتر) و(موريسون) وهناك مقاييس للشم متعددة. وتوجد محلولات معايرة لقياس الشم، ولكن من المستحيل أن يستنتج من كثافة شمية لجسم مروح واحد (كالماء المكوفر مثلاً) الكثافة الشمية العامة. ولإثبات الكثافة الشمية عند شخص يجب أن يحضر بالتتابع تحت منخريه مجموعة من الزجاجات تحوي محاليل من الجسم المروح بنسبة 1/100000 و 1/10000 و 1/1000 و 1/100 و 1/10وثم بشكل صاف.
    ومن تطبيق مقاييس الشم المتعددة، لوحظ انحراف في الشم عند الشخص الطبيعي من دقيقة إلى دقيقة ومن يوم إلى يوم بحسب الجو ورطوبته والدارة الأنفية، ويختلط غالباً مع الذوق، ولذلك فلا فائدة من مقياس الشم في السريريات، وخاصة عندما تكون القضية متعلقة بالطب الشرعي.
    وظيفة الشم واستخدامه
    تختص وظيفة الشم بإدراك رائحة الأشياء التي تحيط بالأشخاص وإذا كانت الرائحة زكية يفضي تنبيهها لحاسة الشم إلى شهيق عميق وقصير مع اندفاع الرأس إلى الوراء، وهذا يجعل قسماً كبيراً من الهواء يصعد إلى القسم العلوي من الأنف فيزيد في سطح الشم، وتلاحظ حركة دهليز الأنف وتغيّرها بالروائح الزكية والروائح البغيضة.
    ولم يمكن حتى اليوم إيجاد صلة تربط بين رائحة المادة وتركيبها، كما لم يمكن تصنيف الروائح تصنيفاً علمياً، وللاعتياد والتعب أثر مهم في اختلاف شدة الشم وكأنه يَحْدُث إشباع في انحلال الذرات المروحة في الشحميات الفسفورية، أو أن العصب الشمي يتعب بسهولة فتفقد الذرات المروحة تأثيرها مؤقتاً، ولكن سرعان ما تعود إلى التأثير بعد راحة قصيرة، وإن التعب الشمي ينقص من حاسة الشم نحو مادة أخرى ولكنه لا يزيلها تماماً.
    ولوظيفة الشم تأثير هضمي إذ إن رائحة الطعام والتوابل تستدعي إفراز اللعاب وعصارة المعدة وغيرها من العصارات الهضمية فتنشط حركات الأنبوب الهضمي. ومن المشاهدات المهمة ملاحظة تغيير استقلاب المياه الناتج عن آفة في البصلة السيسائية عند الجرذ، وكذلك بتهييجها بتطبيق كميات قليلة من أشعة رونتجن على الساحة نفسها، ولكن هذه الحوادث لم يفهم تعليلها بعد، وثمة ارتباط بين الذوق والشم، ولذلك يفقد الشم والذوق في الزكام، وقد يلتبس الشم بالذوق في بعض التحسسات كطعم الفانيلية إذ ليس هو حس ذوق بل شم رائحة ولا يشعر بطعمها إذا كان الأنف مسدوداً، ولا توجد مواد مروحة تفتح الشهية بالمعنى الصحيح، وقد أظهر سكوت وكانت أن التنبيه بالرائحة لا يحرض الجرذ الأبيض على أن يستهلك كمية غذائية أكبر. والإنسان لا يستجيب للروائح التي تكون عادة مشهية في أثناء الجوع إذا كان ممتلئاً.
    ويتداخل الشم في وظيفة التناسل، فيستخدم في التفتيش والتقرب بين الجنسين ولاسيما عندما يريد الذكر أن يميّز الأنثى من جنسه عند النزو، وله بعض الأثر في تنبيه المنعكسات الجنسية، وتوجد فوارق في الاستقبال الشمي بين الجنسين، فمادة الإكزالتوليدين exaltolidine مثلاً التي هي من مركبات اللاكتون تشمها النساء البالغات، ولاسيما في أثناء الدور الجريبي للدورة في حين لا يشمها الرجال.
    ويستخدم بعض الحيوانات الشم ليكشف مكان مقره عند العودة إليه، أو مصدر نوع من الأعداء، ويستخدم السمك الشم للكشف عن الغذاء والتناسل.
    تعد الرائحة عند بعض الحيوانات من وسائل الدفاع، وتستخدم حاسة الشم لكشف نقاوة الهواء وكشف نضارة الأطعمة، وتساعدنا على اختيارها، وفي معامل العطور يوظف أحياناً شخص مهمته تمييز الدقة في العطور لشدة حساسية شمه. واستخدم ابن سينا طريق الشم لمعالجة بعض حالات الصداع الناشىء عن أبخرة رديئة أو روائح طيبة، ولكلٍ طرق خاصة في المعالجة.
    حفظ صحة الشم
    يتوقف صون حاسة الشم على الاحتراس من كل ما يسبب سوءاً في الأنف حتى لا يتصل ضرره بهذه الحاسة، ومن المستحسن استعمال ما يعجب من أنواع الطيب، لما يكون في ذلك من سرور النفس وانشراحها وإرضاء لشهوة تلك الحاسة الرقيقة التي قد يكون ذلك ضرباً من راحتها ونشاطها، وهذا عكس ما يكون في استعمال السعوط والتدخين فهما مادتان سامتان ومخرشتان وأشد المواد أذية للشم، فالتبغ يوقظ قليلاً الأعصاب الشمية في البدء ثم تعتاده ويضطر الشخص إلى زيادة المقدار فيزداد التخريش ويغلظ الغشاء النخامي وينتهي بالخَشَم.
    الاضطرابات الشمية
    تطرأ على حاسة الشم اضطرابات مختلفة منها: الخَشَم وهو عدم الشم، وازدياد إحساسها وهو فرط الشم، وضلال الشم وهو شم الروائح على غير حقيقتها ويسمى خطل الشم، والرائحة المغثية، وقوب الشم وهو نزوحه المؤقت، وضعف الشم.
    وللاضطرابات الشمية قيمة تشخيصية في الأمراض العصبية وتكون من منشأ ولادي أو كسبي: تشريحي أو رضي أو سمّي أو خمجي أو عصبي.
    1ـ الخَشَم: وهو ولادي أو مكتسب. أما الخَشَم الولادي فهو نادر ويرتبط بآفة في الطرق الشمية أو في المراكز الشمية، واشتراك هذه التشوهات مع ضمور الأعضاء التناسلية يؤلف متلازمة مورسيير.
    وقد ينشأ عن خمج في الطفولة الأولى كالإفرنجي [ر] والدفتريا ومن الحالات النادرة الخشم الوراثي، ولكنه كثير المشاهدة عند شديدي البياض (البهق) [ر].
    وأما الخشم المكتسب فيصيب كل الروائح أو بعضها وله أسباب متعددة:
    ـ أسباب آلية: إذ ينشأ الخَشَم عن خلل في نفوذ الأنف (تضخم القرينات وانحراف الوتيرة والسليلات الأنفية وغيرها) يتوضع غالباً في جهة واحدة، وإزالة السبب لا تعيد الشم دوماً، ولاسيما إذا ظهر منذ زمن طويل.
    ـ أسباب خمجية: وتكون موضعية أو بعيدة وقد يصبح الخشم نهائياً، وخاصة إذا كان من عقابيل التهاب السحايا القيحي أو السلي أو بحمة راشحة.
    ـ أسباب سمّية: وتكون بتسممات داخلية كالسكري والأوريميا أو خارجية فتكون:
    صناعية كما عند العمال الذين يشتغلون في الغبار أو معامل العطور والإسمنت والزئبق وأملاح الكروم والفضة والرصاص وغيرها، أودوائية: كالمورفين والكوكائين، أو سوء استعمال مقبضات الأوعية الأنفية مدة طويلة فتؤدي إلى جفاف الأنف وتخرب الغدد المخاطية.
    ـ أسباب عصبية: إذ يظهر الخشم عرضاً أول في سياق الآفات العصبية المركزية كالصرع وتلين الدماغ والأورام، وفيالأورام السحائية.
    ـ أسباب رضية: إذ يتأذى الشم بالإصابة المباشرة في رضوض الجمجمة والاعتلال الدماغي التالي للرضّ والنزفالدماغي وكسر الجمجمة وفي رضوض الجمجمة الأمامية الجبهية الأنفية، في حين تسبب الرضوض القفوية كسراً قاعدياً حتى الغربال، أو بتضاد الصدمة: فالكتلة الدماغية المدفوعة إلى الأمام تجر المجاري الشمية وهذه بدورها تتمدد بسهولة بسبب لطافتها فتنضغط بنزف الأوعية الصغيرة التي تحيط بها أو تنقطع. ولا تتوافق الآفة مع أهمية الرض، فقد يحدث خشم دائم بعد رض بسيط.
    2ـ فرط الشم: لا يعرف فرط الشم إلا إذا كانت شدته زائدة لها صفة إمراضية وثابتة، ويمكن أن يكون لبعض الروائح أو لها جميعاً. وقد ينشأ عن انعكاسات مختلفة كالغثيانات والقيئات ونوب الربو والصداع وغيره. وقد ينشأ عن تخرب إمراضي في الحفرة الأنفية خمجي أو سمي كما في التهاب الأنف الضخامي والزكام. وقد يصادف في بعض المتلازمات العصبية كالوهن العصبي أو الدور الأول من التهاب العصب الشمي.
    يجب ألاّ يلتبس فرط الشم بالدقة الزائدة في الشم التي يتصف بها بعض الأشخاص.
    3ـ ضلال الشم: هو انحراف في حاسة الشم فيشعر المصاب برائحة البنفسج مثلاً كأنه بصل محروق، وقد ينشأ عن التهاب العصب النزلي catarrhal.
    4ـ الرائحة المغثية: منها الموضوعية ومنها الشخصية:
    أما الرائحة المُغْثية الموضوعية فهي أن يشعر الشخص برائحة كريهة لا تفسر بأي سبب خارجي، والسبب هو داخلي مختبىء كالتهاب الجيب الجبني والجسم الأجنبي في الأنف وتكدس المادة الجبنية في كيسة بلعومية أو بحفرة روزنموللر.
    وأما الرائحة المغثية الشخصية فهي أن يشعر الشخص برائحة كريهة ليس لها سبب داخلي ولا خارجي، سببها اعتلال عصبي وغالباً ما يكون اعتلالاً نفسياً، فهي هلس الروائح وقد يترافق مع هلس الذوق وغيره، ويشاهد خاصة عند المضطهدين أو في الآفات المخرشة للتلفيف الصدغي الخامس (تلفيف الهيبوكمب) أو بتغيرات عضوية في المتلازمات الدماغية وفي تفاعل الانفصام والاكتئاب أو كنسمة صرعية بشم رائحة مقبولة أو غير مقبولة.
    5ـ قوب الشم: هو زوال مؤقت في القدرة الشمية بسبب خذل مؤقت في العصب الشمي أو إشباع الدسم الأنفية بالمادة المروحة كما يحدث حين يشم الإنسان عدة روائح بالتتابع مختلفة النوع.
    6ـ ضعف الشم: قد يكون جزئياً أو تاماً فيحدث الخشم، وينشأ الجزئي عن انسداد في الأنف غير تام أو بإصابة الطرق التنفسية العلوية بإنتان حُمَّوي أو بنزلة وافدة ويزول هذا الضعف بزوال الآفة، وقد ينقص الشم بتلوث الدماغ في بعض الأعمال الصناعية كالبنزين وخلات الاتيل والفورمول ومحلولات الدهان وزيت النعنع البري.
    معالجة الاضطرابات الشمية
    معالجة السبب هي الأساس، فتعالج السليلات polypi الأنفية بالاستئصال الجراحي مع مضادات الحيوية ومضادات التحسس والتهاب الأنف التحسسي بالستيروئيدات، وانحراف الوتيرة بتقويمها.
    والمعالجة بعد الإنتان محدودة ويمكن استعمال الغسولات الأنفية بالمصل الفيزيولوجي مع إعطاء الفيتامين ب 1 وب 12 والستركنين و(كاكوديلات الغاياكول) حقناً تحت الجلد بنسبة 0.05 سنتغ في الحقنة. ويعالج نتن الأنف بيودور البوتاسيوم لتأثيره الفعال في الغشاء النخامي فهو مزيل للاحتقان ومنبه للإفراز ويكافح الضمور وينبه نشاط الغدد المخاطية ويساعد على طرح القشور مع معالجة الغدد ذات الإفراز الداخلي إن لوحظ ضعفها.
    وتعالج آفات الشم بالمياه المعدنية بحسب رأي الطبيب المختص بذلك. ويعالج التهاب الأنف الاحتقاني أو التهاب الأنف التشنجي والتهاب الأنف الضموري بالحمامات الحارة الكبريتية الكلسية، فهي تنشط فعالية الأغشية. وفي نتن الأنف تفضل المياه المعدنية الكبريتية والنحاسية الباردة والفاترة.
    الشم والطب الشرعي
    يعرف الشخص المتمارض بعدم اعترافه بشم كل الروائح مهما كانت شدتها، وكذلك باستعمال النشادر والنعنع والخلون لأنها مخرشة ويجب أن يحس بها عن طريق مثلث التوائم.
    يطلب من الطبيب تقدير أذيّة الشم في حالة الرضوض والجروح والأمراض الصناعية. ولا يمكن كشف الحالات الخاصة إلا بالفحص السريري والتثبت بدقة من مقدار العجز. يقدر العجز بين 5ـ10% في حالة الخشم وشلل العصب الشمي، وقد يكون الخشم الدائم أو المديد من معضلات الطب الشرعي، وخاصة إذا كان المريض يستخدم وسيلة الشم في صنعته.

    صلاح عثمان

  2. #522
    الأورام

    الورم tumor يعني التَنَشُّؤ أو النمو الجديد neoplasia عرَّفه عالم التشريح الإنكليزي توماس ويلليس (1621-1675) Willisبأنه كتلة غير طبيعية من الأنسجة نموها زائد وغير متناسق مع الأنسجة الطبيعية، وتحافظ هذه الكتلة النسيجية على صفتها في النمو حتى بعد إزالة العامل المحرِّض المسبب لنشوئها.
    تدعى الخلية الورمية مُتَحوِّلة transformed بسبب استمرارها في التنسُّخ غير خاضعة، على ما يبدو، للمؤثرات المنظَّمة لنمو الخلية الطبيعية. وتستعمل كلمة تَنشُّؤ neoplasm للدلالة على الورم. ويدعى العلم الذي يعنى بذلك: علم الأورام oncology، وكلمة ورم عامة تعني الانتفاخ الذي قد ينتج من عوامل كثيرة منها الوذمة أو النزف في الأنسجة، إلا أن تعبير الورم يقصد به اليوم الكتل التَنشُّؤية التي قد تؤدي إلى التورم على سطح الجسم أو في داخله.
    تقسم الأورام إلى سليمة (حميدة) benigns وخبيثة malignants ويسمى الورم سليماً حين تبدو صفاته العيانية والمجهرية عادية إلى حد ما. وهذا يعني أنه سيبقى موضَّعاً ولا ينتشر في أماكن أُخرى، وسيكون من ثم قابلاً للإزالة بالاستئصال الجراحي، ويبقى المريض المصاب به على قيد الحياة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الأورام السليمة قادرة على إحداث كتل موضعة متعددة، وأنها قد تكون مسؤولة في بعض الأحيان عن آفات خطيرة.
    أما الورم الخبيث فيدعى السرطان cancer والكلمة اللاتينية cancer تعني الحيوان القشري العشاري الأرجل القصير الذيل المعروف الذي يتشبث بكل ما يمسك به بشدة وعناد. وحينما تكون الأورام خبيثة فهذا يعني أنها قادرة على غزو البِنْيات المجاورة وتخريبها، وعلى أن تنتقل وتسبب الوفاة. ومن الجلي أن ليس كل السرطانات تؤدي إلى الوفاة فبعضها يكشف باكراً ويمكن علاجه بنجاح، إلا أن تسميتها «الخبيثة» تشير إلى خطورة أكيدة.
    ونظراً لاتساع بحث الأورام، ومن أجل الإحاطة به، وجدنا من المناسب تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء. نتناول في الجزء الأول الخواص العامة للأورام ونتطرق في الجزء الثاني إلى الإمراض في السرطان وإلى سببياته. أما الجزء الأخير فيلقي الضوء على التظاهرات السريرية للأورام وعلى المبادئ العامة في تشخيصها ومعالجتها.
    أولاً ـ الأورام: اعتبارات عامة
    تصنيف الأورام
    تتألف الأورام كافة، السليمة منها والخبيثة من مركِّبتين أساسيتين هما: الَمتْن parenchyma المكوَّن من الخلايا الورمية أو التي أصابها التحول الورمي. والمتن الورمي مسؤول عن المستقبل الحيوي للورم ومنه ستشتقُ تسميته. أما المركبة الأساسية الأُخرى فهي اللحمة الداعمة stroma وهي جزء داعم غير تنشؤي مشتق من المضيف، ويتألف من نسيج ضام وأوعية دموية ولمفية. ويوفر المتن التروية والدعم اللازمين لنمو الخلايا الورمية ويكون بذلك عنصراً مهماً لنمو الأورام.
    الأورام السليمة: من أجل تسمية الأورام السليمة، تستخدم في اللغات الأجنبية اللاحقة oma فتضاف إلى اسم الخلايا التي اشتُق منها الورم، فالورم الغضروفي السليم يدعى بالأجنبية chondroma أما تسمية الأورام السليمة الظهارية فهي أكثر تعقيداً، فهي تصنف أحياناً بحسب مظهرها النسيجي، وأحياناً أخرى بحسب مظهرها العياني. وتصنف بعض الأورام تبعاً لأصل خلاياها، وفيما يلي بعض الأمثلة: الورم الغدي adenoma: يشير هذا التعبير إلى الأورام الظهارية السليمة التي تعطي أشكالاً غدية، وإلى تلك المشتقة من الغدد ولكنها لا تعطي بالضرورة مظهراً غدياً. مثال ذلك الورم الغدي الكُلْوي، وهو الورم الظهاري المشتق من خلايا الأنبوب البولي والذي يبدي في نموه مظهراً شبيهاً بالغدد. وكذلك الورم الغدي في قشر الكُظْر فهو كتلة من الخلايا الظهارية التي لا تبدي مظهراً غدياً إلا أنها نشأت على حساب خلايا قشر الكظر. الورم الحليمي papilloma وهو ورم ظهاري سليم ينمو على أي سطح معطياً شكلاً مجهرياً أو عيانياً يشبه الأصابع.
    المنشأ الخلوي أو النسيجي
    السليم الخبيث
    أورام ذات منشأ ظهاري
    خلايا حرشفية ورم حليمي حرشفي الخلايا سرطانة (كارسينوما) حرشفية
    خلايا قاعدية سرطانة قاعدية الخلايا
    ظهارة غدية أو قنوية ورم غدي سرطانة غدية
    ورم غدي حليمي سرطانة غدية حليمية
    ورم غدي كيسي سرطانة غدية كيسية
    خلايا انتقالية ورم حليمي بخلايا انتقالية سرطانة انتقالية الخلايا
    أقنية صفراوية ورم غدي بالأقنية الصفراوية سرطانة الأقنية الصفراوية
    جزيرات لانغرهانس ورم غدي بخلايا الجزيرات سرطانة خلايا الجزيرات
    خلايا كبدية ورم غدي بالخلايا الكبدية سرطانة الخلايا الكبدية
    أديم ظاهر عصبي وحمة ملانية الخلايا ورم ملاني خبيث (ميلانوم)
    ظهارة مشيمائية رحى عُداَرية ورم ظهاري مشيمائي
    ظهارة كلوية ورم غدي كلوي أنبوبي سرطانة خلايا كلوية
    السبيل التنفسية سرطانة قصبية
    الغدد الملحقة بالجلد
    الغدد العَرَقية ورم غدي مجوف ـ ورم غدي في الغدد العرقية سرطانة مجوفة ـ سرطانة الغدد العرقية
    الغدد الدهنية ورم غدي في الغدد الدهنية سرطانة الغدد الدهنية
    الخلايا المنتشة (خصية، مبيض) ورم الخلايا المنتشة
    سرطانة جنينية ـ ورم الكيسة المحية
    أورام ذات منشأ متوسطي
    أنسجة مولدة للدم ولمفية ابيضاض دم
    ورم لمفي
    داء هودجكين
    ورم نقيي متعدد
    أنسجة عصبية وشبكية
    غمد العصب ورم لمفي عصبي ـ شُفانوم ورم الأرومة العصبية
    خلايا عصبية عَصَبوم عقدي ورم أرومة الشبكية
    خلايا شبكية (مخاريط)
    نسيج ضام
    نسيج ليفي ورم ليفي غَرَن ليفي
    شحم ورم شحمي غرن شحمي
    عظم ورم عظمي غرن عظمي
    غضروف ورم غضروفي غرن غضروفي
    عضلات
    عضلات ملس ورم عضلي أملس غرن عضلي أملس
    عضلات مخططة ورم عضلي مخطط غرن عضلي مخطط
    البطانة والأنسجة الملحقة بها
    أوعية دموية ورم وعائي دموي غرن وعائي دموي
    غرن كابوزي
    أوعية لمفية ورم وعائي لمفي غرن وعائي لمفي
    المتوسطة (ميزوتليوم) ورم المتوسطة السليم ورم المتوسطة الخبيث
    سحايا ورم سحائي ورم سحائي خبيث
    منشأ غير محدد غرن إيونغ
    مناشىء أُخرى
    بقايا كلوية ورم ويلمس
    خلايا مغذية رحى عدارية ـ ورم ظهاري مشيمائي
    خلايا شاملة الوُسعِ ورم مسخي سليم ورم مسخي خبيث

    جدول رقم (1) المصطلحات الورمية
    الأورام الخبيثة: يُتَّبَع في تسميتها الأسس المستعملة لتسمية الأورام السليمة فيما عدا بعض الإضافات والاستثناءات، وتدعى التنشؤات الخبيثة الناشئة على أنسجة متوسطية mesenchymal وعلى مشتقاتها: الأغران sarcomas. فالسرطان الناشىء على نسيج ليفي هو غَرَن ليفي fibrosarcoma. والتنشؤ الخبيث المؤلف من خلايا غضروفية هو غرن غضروفيchondrosarcoma، وهكذا فالأغران تسمى تبعاً للنسيج الذي نشأت عليه أو النسيج الذي تألفت منه. تدعى التنشؤات الخبيثة الناشئة من الخلايا الظهارية سرطانة أو كارسينوما carcinoma، وتجدر الإشارة إلى أن ظهارات الجسم تشتق من الطبقات المنتشة الثلاث، وهكذا فالتنشؤ الخبيث المشتق من ظهارة الأنبوب البولي (أديم متوسط) هو كارسينوما، والسرطانات الناشئة على الجلد (أديم ظاهر) وعلى الظهارة الساترة للمعي (أديم باطن) هي أيضاً كارسينوما. تدعى السرطانة حَرْشَفيَّة (وسفية ـ شائكة) squamous حينما تكون خلاياها مشابهة للظهارة الحرشفية، وتدعى السرطانة غُدية adenocarcinoma في الآفات المكونة من خلايا ورمية تنمو على نحو غُدِّي. ويمكن في بعض الأحيان أن يُحدَّد العضو أو النسيج الذي نشأ عليه السرطان فيقال: سرطانة كلوية أو سرطانة الطرق الصفراوية. وحينما يكون الورم الخبيث الظهاري قليل التمايز يدعى سرطانة قليلة التمايزpoorly differentiated. والأورام المسخية teratomas أورام تنشأ على حساب خلايا شاملة الوُسعِ totipotent كتلك الموجودة في المناسل (المبيض والخصية) أو على بقايا نسيجية واقعة طبيعياً على الخط المتوسط من الجسم. ولهذه الخلايا قدرة على التمايز باتجاهات متغايرة، وحينما تكون الأنسجة الورمية متمايزة أي شبيهة بأنسجة البالغ الطبيعية، يدعى الورم المسخي الناضج أو الورم العجائبي الناضج mature teratoma وحينما يكون الورم أقل تمايزاً يحوي أنسجة جنينية المظهر يدعى الورم المسخي غير الناضج immature teratoma ذا الخباثة الكامنة أو الصريحة.
    الآفات المحتملة التسرطن: تظهر على مستوى الظهارات مجموعة من التبدلات تمثل مراحل مبكرة من تطور الآفات الورمية الخبيثة وتدعى: الآفات المحتملة التسرطن early malignant lesions، وهي ذات أهمية كبرى، إذ إن استئصالها في هذه المرحلة يتيح التخلص من الآفة السرطانية بسهولة.
    تبدي الظهارات المصابة تكاثراً محدوداً لا نموذجياً يضطرب فيه نضج الخلايا وتتبدل حجومها وأشكالها وتصبح نواها شديدة الاصطباغ وتحتوي على صور انقسامية. تدعى هذه التبدلات: خلل التنسُّج dysplasia. وتقسم إلى درجات، خفيفة وشديدة. وحينما تشمل التبدلات جميع طبقات الظهارة تدعى الآفة: السرطانة داخل الظهارة intraepithelial carcinoma أو السرطانة اللابدة carcinoma in situ. وقد يؤدي تطور آفات خلل التنسج إلى حدوث السرطانة الغَازِيَة.
    وُصفت الآفات المحتملة التسرطن في نماذج مختلفة من الظهارات منها:
    أ ـ داء بوفن Bowen في الجلد: آفة جلدية مزمنة تتطور في سنوات إلى سرطانة غازية.
    ب ـ التقرن السـَّافع actinic keratosis: يشاهد في الجلد المعرَّض لأشعة الشمس عند الشيوخ وقد يتحول إلى سرطانة حرشفية الخلايا.
    ج ـ التنسج الأحمر erythroplasia of Queyrat: يصيب القضيب وبشكل أندر مخاطية الفم، وهو آفة حمراء اللون مؤلفة نسيجياً من سرطانة لابدة.
    د ـ الطلاوة (الطلوان) وخلل التنسج leukoplasia and dysplasia: لويحات بيضاء على الأغشية المخاطية في الفم والشرج حيث تشاهد درجات مختلفة من التقرن وخلل التنسج، قد تصل إلى السرطانة اللابدة.
    مظهر نسيجي لظهارة عنق رحم مصابة بـ CINI، حيث تبدو الحدود واضحة بين الظهارة الوسفية السليمة في الأيمن والمصابة في الأيسر
    هـ ـ خلل التنسج في عنق الرحم: شوهد أول مرة على اللطاخات الخلوية النسائية، وتبين أنه ينشأ على الوصل الأسطواني ـ الوسفي في ظهارة العنق، ويمكن متابعته بمنظار عنق الرحم المكبِّر. وعلى المستوى النسيجي فإن الآفة تبدأ في الطبقة القاعدية للظهارة، وتتوصف بأنها خفيفة، متوسطة أو شديدة تبعاً للثخانة المصابة من الظهارة. وحينما تحل خلايا لانموذجية محل كامل الظهارة الطبيعية، تحدث السرطانة داخل الظهارة. ويستعمل تعبير التنشؤات العنقية داخل الظهارة cervical intraepithelial neoplasia (CIN) للدلالة على هذه التبدلات، وتكون من الدرجة I (صورة رقم1) حينما ينحصر وجودها في الثلث السفلي من الظهارة، ومن الدرجة II حينما تحتل الثلثين السفلي والمتوسط منها، وحينما يصاب أكثر من ثلثي الظهارة تكون من الدرجة III وتتضمن الدرجة الأخيرة الكارسينوما اللابدة. شوهدت هذه الآفة في الظهارات التناسلية والشرجية، وفي هذه المواضع تكون الآفة ذات علاقة بحمة الورم الحليمي الإنسانيةHPV من النمطين HPV1 وHPV18.
    و ـ الآفات الخصوية: شوهدت تبدلات خلوية لا نموذجية يمكن عدها سرطانة لابدة على خزعات الخصية لأشخاص يشكون من العقم أو مصابين باختفاء الخصية، ممن أصيبوا فيما بعد بسرطانات خصوية منتشة.
    خصائص الأورام السليمة والخبيثة
    إن بعض الخلايا لدى البالغ لا تتنسَّخ، كالعصبونات والخلايا الغضروفية، وبعضها الآخر ينقسم ببطء ليعوض ما فقد من خلايا كما في الكبد والأنبوب البولي، في حين تتنسخ بعض الخلايا بسرعة فائقة لتعوض الفقد المستمر للخلايا كما هي الحال في ظهارة الأمعاء وفي الخلايا المولدة للدم. ويؤدي تكاثر الخلايا الطبيعية ونضجها حصراً إلى تعويض ما فقد. أما الخلايا الورمية فتفلت من تأثير عوامل التنظيم وتتراكم لتشكل كتلة ورمية. ويبين الجدول ـ2 الخواص الأساسية التي تفرق بين الورم السليم و الورم الخبيث.
    الخصائص السليم
    الخبيث
    معدل النمو بطيء سريع
    الانقسامات قليلة كثيرة
    الكروماتين النووي طبيعي مزداد
    التمايز جيد ضعيف
    المحفظة موجودة غائبة
    تدمير الأنسجة قليل أكثر
    غزو الأوعية غائب متواتر
    النقائل غائبة متواترة
    التأثير على المضيف قليل الأهمية مهم

    جدول رقم (2) خصائص الأورام السليمة والخبيثة النموذجية
    1ـ التمايز والكشم: هما من خصائص خلايا المتن التي تشكل العناصر المتحولة في الكتلة الورمية، أما اللحمة فهي مهمة لنمو الورم لكنها لا تساعد كثيراً على التفريق بين الورم السليم والورم الخبيث. ويقصد بتمايز differentiation خلايا المتن الورمي مدى تشابه هذه الخلايا مع التي نشأت عليها أو أسلافها، سواء من حيث الشكل أو الوظيفة.
    تتألف الأورام السليمة من خلايا جيدة التمايز تشبه إلى حد كبير نظيراتها من الخلايا الطبيعية، وهكذا فالشُّحموم (الورم الشحمي) يتألف من خلايا شحمية تحوي هيولاها الشحوم، والورم الغضروفي يتألف من خلايا غضروفية قادرة على تركيب مادتها الأساسية الاعتيادية. فالتمايز هنا شكلي ووظيفي.
    تكون الانقسامات في الأورام السليمة نادرة جداً من حيث عددها ويكون لها شكل طبيعي. أما التنشؤات الخبيثة فتتميز بطيف واسع من التمايز الخلوي يراوحُ بين الأورام الفائقة التمايز والأورام غير المتمايزة، وتدعى الأخيرة لا مُصنَّعة أو كشميِّة، ويُعد اللاتمايز أو الكشم anaplasia سمة خاصة للخباثة؛ يتضمن هذا التعبير فقدان التمايز أو الرجوع عنه dedifferentiation. وتبدي الخلايا الكشمية تنوعاً كبيراً وتبايناً في الحجم والشكل، فيكون الكروماتين في نواها كثيراً جداً وتزداد النسبة النووية ـ الهيولية لتقترب من 1:1، في حين تكون هذه النسبة من 4:1 إلى 6:1 في الخلية الطبيعية. وقد تشاهد في الأورام الخبيثة خلايا عملاقة كبيرة الحجم، أما النوى فهي كبيرة جداً، أو متعددة وغريبة في أشكالها وحجومها، الكروماتين خشن وكتلي، وقد تبلغ النويات حجماً كبيراً جداً، والأكثر من ذلك أهمية هو وجود انقسامات كثيرة وشاذة فوضوية في عددها وفي شكلها، فقد تكون ثلاثية أو رباعية الأقطاب (صورة رقم2). وتخفق الخلايا الكشمية في الحفاظ على توجهها بعضها نحو بعض وتفقد استقطابها، وقد تنمو على شكل صفائح مع فقدان البنيات الشائعة كالتشكلات الغدية أو البنيات الشائكة. ويعد الكشم أهم مظاهر اضطراب النمو في عملية التكاثر الخلوي. تتفاوت الأورام الخبيثة كثيراً في درجة تمايزها فبعضها كشمي لا متمايز وبعضها الآخر يبدي تشابهاً مع نسيجه الأصلي، أما الأورام الواقعة ما بين هاتين النهايتين فتدعى أوراماً متوسطة التمايز.
    مظهر نسيجي لورم خبيث تبدو الخلايا الورمية شاذة وكشمية بدرجات متفاوتة مع تبدلات عميقة في شكل النوى ولونها
    2ـ معدل النمو: تنمو معظم الأورام الحميدة ببطء، أما السرطانات فينمو معظمها بسرعة أكبر وقد تعطي انتشاراً موضعياً أو نقائل metastasis إلى أماكن بعيدة وتؤدي إلى الوفاة. وهناك بعض الاستثناءات، إذ إن بعض الأورام السليمة تنمو بسرعة أكبر من سرعة نمو السرطانات؛ فمعدل نمو الورم العضلي الأملس الرحمي مثلاً، يتأثر بمستويات الأستروجين في الدم الجائل، وهكذا فقد يكون نموه سريعاً في أثناء الحمل وعلى العكس، يبطؤ نموه أو يتوقف ويضمر بعد سن الضهي (انقطاع الطمث). يكون معدل نمو الأورام الخبيثة متوافقاً عامة مع درجة تمايزها، وهناك اختلافات كبيرة، فبعض الأورام ينمو ببطء لعدة سنوات ثم يدخل في مرحلة النمو السريع، ويوحي ذلك بتشكل نُسيلة عدوانية من الخلايا المتحولة. وبعض الأورام الخبيثة ينمو ببطء، وبعضها يتوقف عن النمو تماماً حين يزداد تمايزها لتتحول إلى أورام سليمة. وثمة أمثلة استثنائية موثقة لسرطانات اختفت عفوياً من دون معالجة كالأورام الملانية الخبيثة والورم الظهاري المشيمائي وسرطان الكلية وورم الأرومة العصبية.
    3ـ الغزو الموضعي: يبقى الورم السليم موضَّعاً في مكانه الأصلي، فليست له القدرة على الارتشاح والغزو وإحداث النقائل كما يفعل السرطان. وبعض الأورام السليمة تنمو وتضغط على الأنسجة المجاورة مشكلة محفظة تحيط بها، وبعضها الآخر ينمو من دون وجود محفظة خاصة بها. أما السرطانات فتنمو نمواً ارتشاحياً مترقياً غازياً ومخرباً، وتخترق النسيج المجاور، ولا يكون لها محفظة إلا نادراً (صورة رقم3). ويبدي الفحص المجهري وجود ارتشاحات تشبه أرجل السرطان (القشري) المعروف تنفذ إلى أعماق الأنسجة، وهذا ما يجعل الاستئصال الواسع للورم وللأنسجة المحيطة به أمراً ضرورياً.
    4ـ النقائل: يشير تعبير النقيلة إلى حدوث غرسات ورمية غير مرتبطة بالورم الأصلي، وقد تحدث هذه النقيلة في أنسجة بعيدة (صورة رقم 4). ومع ذلك فليس للسرطانات جميعها قدرات متماثلة على إحداث النقائل، فالسرطانة القاعدية الخلايا في الجلد ومعظم الأورام البدئية في الجملة العصبية المركزية قادرة على الغزو الموضعي من دون أن تكون قادرة على إحداث النقائل البعيدة إلا استثنائياً، في حين تحدث النقائل في الغرن العظمي مثلاً قبل أن يُشخّص الورم البدئي.
    مظهر عياني لسرطان الرئة. الورم يمثل جزءاً من الرئة ويمتد نحو البنيات المجاورة "القلب ومنشا الأوعية الكبيرة" نقائل ورمية إلى الكبد من سرطانة معثكلية. يبدو النسيج الورمي وقد غزا معظم الكبد
    وعلى العموم فإنه بقدر ما يكون الورم البدئي كبيراً وكشمياً تكون نقائله سريعة، وهناك استثناءات. تسلك النقائل واحداً من الطرق الثلاثة التالية: الانزراع ضمن أجواف البدن، الانتشار اللمفاوي والانتشار الدموي. فسرطانة الكولون تخترق جدار الأمعاء وتنزرع في جوف الصفاق، وبالأسلوب ذاته، تُحدث سرطانة الرئة انزراعاً في جوف الجنب. ويكون الانتشار اللمفي الطريق المفضل للكارسينومات، في حين تفضل الأغران الطريق الدموي، وبسبب وجود اتصالات بين الجملتين اللمفية والدموية فإن أنماط السرطان جميعها يمكن أن تسلك أحد الطريقين. وتكثر إصابة الكبد والرئتين في انتشار السرطان بطريق الدم.
    الوبائيات
    تساهم دراسة الوبائيات السرطانية في تعرُّف أصل الحادثة السرطانية والمثال على ذلك: العلاقة السببية الثابتة بين تدخين السجائر وحدوث سرطانة الرئة.
    1ـ نسبة الحدوث: دلت إحصائيات الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية على وجود 1.3 مليون حالة جديدة من السرطان شخصت عام 1996، وكان السرطان مسؤولاً عن 554000 حالة وفاة في العام نفسه.
    2ـ العوامل الجغرافية وتأثير المحيط: تتضح عوامل المحيط في إحداث السرطان من الوسط، ومكان العمل، والطعام، والممارسات الشخصية، والمثال على ذلك التعرض للشمس والأمينت وتدخين السجائر وإدمان الكحول وبعض الحِميات الطعامية كالسمك المدخن. وتتعلق خطورة الإصابة بسرطانة عنق الرحم بالعمر الذي بدأ فيه الاتصال الجنسي وبتعدد الشركاء الجنسيين (احتمال نقل العوامل المسرطنة الحمُوَية). تبلغ الإصابة بسرطان المعدة في اليابان سبعة أضعاف الإصابة في الولايات المتحدة، وقد انخفضت هذه النسبة كثيراً لدى الأجيال المهاجرة من اليابان إلى الولايات المتحدة، بعد مرور زمن على إقامة تلك الأجيال في بلد المهجر، وهنا يبرز أثر العوامل الثقافية وعوامل المحيط نسبةً لعوامل الاستعداد الوراثي في هذا المجال. إن الوفيات الناجمة عن سرطان الثدي في الولايات المتحدة قد بلغت 27 وفاة في كل 100.000 نسمة عام 1996، في حين هي 36 في إنكلترة و32 في الدنمارك. وفي الوقت الذي تكون فيه سرطانة الكبد نادرة المشاهدة في الولايات المتحدة، تمثل هذه السرطانة الرقم الأول بين السرطانات القاتلة في إفريقية.
    3ـ العمر: يزداد حدوث السرطان مع تقدم العمر، ويمكن تفسير ذلك بوجود تراكم لطفرات جسدية أو بسبب تناقص في القدرة المناعية لدى الإنسان. وتشاهد السرطانات عند الأطفال، وتكون مسؤولة عن 10% من مجموع الوفيات.
    4ـ الوراثة: لا تكاد تخلو أسرة من مصاب بالسرطان، والسؤال الذي يطرح: هل السرطان داء وراثي؟ للأسف ليس هناك من إجابة يسيرة عن هذا السؤال. هناك استعداد للإصابة ببعض الأنماط غير الشائعة من السرطان يمكن أن تورَّث بحسب القوانين المندلية. ومن أكثر الأمثلة وضوحاً على دور الوراثة في السرطان هو ورم أرومة الشبكية retinoblastoma عند الأطفال إذ إن 40% من حالاته أسرية ووراثته جسدية سائدة، ولدى هؤلاء الأطفال استعداد زائد للإصابة بسرطان ثان هو الغرن العظمي، ولإحدى الجينات الكابتة للسرطان دور في نشوء ورم الأرومة الشبكية.
    يعد داء المرجلات الكولوني الورمي الغدي مثالاً آخر على اضطراب وراثي متميز بخطر كبير جداً للإصابة بالسرطان. ويحمل الأشخاص الوارثون لطفرة جسدية سائدة، منذ الولادة، أو بعدها بقليل، عدداً لا يحصى من الأورام الغدية المرجلية التي تسير نحو التسرطن وبشكل حتمي في سن الكهولة.


    5ـ الاضطرابات قبل التنشؤية المكتسبة: تؤهب بعض الحالات السريرية للإصابة بالسرطان وفيما يلي بعض الأمثلة: تحدث سرطانة الجلد شائكة الخلايا على هوامش النواسير أو الجروح القديمة، وكذلك فإن تشمع الكبد يؤهب لحدوث سرطانة الخلية الكبدية، ويعزى ذلك إلى استمرار تنسخ الخلايا المتجددة بسبب الترميم المستمر. أما سرطانة بطانة الرحم فتحدث على مخاطية مصابة بفرط التنسج اللانموذجي. وسرطانة القصبات تتطور على مخاطية قصبية مصابة بالحؤول metaplasia وخلل التنسج بسبب التدخين. وينشأ سرطان المعدة على التهاب المعدة الضموري المزمن. ويزيد التهاب الكولون القرحي المزمن المديد من خطر الإصابة بسرطانة الكولون الغدية، وتؤهب الطلاوة في الفم والفرج والقضيب لحدوث السرطانة الشائكة. يدل ماسبق على أهمية دور التنسّخ الخلوي في إحداث التحول السرطاني في تكاثرات فرط التنسج وخلله، وإن مثل هذه التكاثرات هي أرضٌ خصبة لحدوث التنشؤ السرطاني.
    داء المرجلات الكولوني العائلي: نشاهد أعداداً لا تحصى من المرجلات الصغيرة الغدومية تتناول كامل مخاطية الكولون
    تسرطن متعدد المواضع علىداء مرجلي كولوني عائلي
    ثانياً ـ أمراض السرطان وسببياته
    الأسس الجزيئية لعملية التسرطن
    تؤدي الأذية الجينية المورثية غير القاتلة لحدوث طفرة mutation، وذلك بفعل العوامل المكتسبة البيئية كالمواد الكيمياوية أو الأشعة أو الحمات الراشحة، أو بالوراثة عن طريق الخلايا المنتشة. وإن الفرضية الجينية لنشوء السرطان تفترض أن الكتلة الورمية تنجم عن تطور نسيلي لخلية واحدة سليفة ورثت الأذية الجينية، وبتعبير آخر فإن الأورام هي وحيدة النسيلة. تتم عملية النمو والتنسخ الخلوية الطبيعية بإشراف ثلاثة صنوف من الجينات (المورثات) المنظمة الطبيعية وهي: بادئات الجينات الورمية المحرِّضة للنموgrowth promoting proto oncogenes والجينات الكابتة للسرطان المثبطة للنموgrowth inhibitor cancer supressor genes (مضادات الجينات الورميةAntioncogenes) والجينات المنظمة لموت الخلية المُبرمَج genes regulate apoptosis وإضافة إلى ذلك فهناك صنف رابع من الجينات له دور في إصلاح العيوب الناتجة من أذيات الدنا DNA، ويكون تأثيره غير مباشر على حياة الخلايا وتكاثرها بإصلاحه الطفرات الحادثة على الجينات الثلاث السابقة. والتسرطن عملية متعددة المراحل في المستويين الجيني والشكلي، فالتنشؤات الخبيثة لها صفات خاصة ظاهرية كالنمو الزائد والغزو الموضعي وإحداث النقائل. ويمكن تتبع مراحل تحول الخلية الطبيعية على المستوى الجزيئي إلى خلية سرطانية في الشكل (2).




    1ـ الجينات الورمية والسرطان: الجينات الورمية أو الجينات المسببة للسرطان oncogenes، تشتق من بادئات الجينات الورمية proto-oncogenes، وهي جينات خلوية تحض على النمو والتمايز، اكتشفت عام 1989 على هيئة رسل داخل المجموع المورثي genome التابع للحُمة القهقرية retrovirus المحدثة للأورام عند الإنسان وفي الزجاج، وأمكن تعرف قدرتها الكامنة على التحول إلى جينات ورمية سرطانية. وقد تبين فيما بعد بإمرار دنا ورمي إنساني إلى خلايا أرومة الليف الحيوانية في الزجاج، أن دنا الخلايا المسرطنة عفوياً يحوي متتاليات ورمية أي جينات ورمية. تُرمِّز الجينات الورمية بروتينات تدعى بالبروتينات الورمية oncoproteins تشبه النواتج الطبيعية لبادئات الجينات الورمية. تشكل البروتينات الورمية مجموعة تتضمن: عوامل النمو، ومستقبلات عوامل النمو، وبروتينات الإشارة وتبادل المورثات transduction، وعوامل التنسخ النووي، والسيكليناز والكيناز المتعلق بالسيكلينات. وتسبب هذه البروتينات خللاً في نظام عمل الدورة الخلوية الطبيعية المتمثل بالمراحل التالية: ارتباط عوامل النمو بمستقبلها النوعي على الغشاء الخلوي؛ وتفعيل محدود وعابر لمستقبلات النمو التي تُفَعِّل بروتينات إشارات تبادل المورثات على الوريقة الداخلية من الغشاء البلازمي؛ ونقل هذه العلاقة عبر العصارة النووية بوساطة نواقل ثانوية وتفعيل عوامل التنظيم النووي التي توعز ببدء تنسخ الدنا، وأخيراً دخول الخلية وتقدمها في الدورة الخلوية مما يؤدي في النهاية إلى الانقسام الخلوي. وفي (الجدول ـ3) مجموعة من الجينات الورمية المختارة مع طرق تفعيلها في الأورام الإنسانية.

    [CENTER][TABLE="width: 36%"]
    [TR]
    [TD][RIGHT]سرطانة الثدي، سرطانة المريء، اللمفومات
    [TABLE="width: 566"]
    [TR]
    [TD]النمط
    [/TD]
    [TD]بادئات الجينات الورمية
    [/TD]
    [TD]آلية التفعيل
    [/TD]
    [TD]الأورام الإنسانية المرافقة
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]عوامل النمو
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]سلسلة PDGF-ßββ
    [/TD]
    [TD] sis
    [/TD]
    [TD]زيادة تعبير
    [/TD]
    [TD]ورم الخلايا الكوكبية
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]عوامل نمو أرومات الليف
    [/TD]
    [TD]hst – 1
    [/TD]
    [TD]زيادة تعبير
    [/TD]
    [TD]غرن عظمي
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]int – 2
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]سرطان المعدة
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]سرطان المثانة
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]سرطان الثدي
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]عوامل مستقبل النمو
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]عائلة مستقبل EGF
    [/TD]
    [TD]erb B - 1
    [/TD]
    [TD]زيادة تعبير
    [/TD]
    [TD]الأورام الدبقية
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]neu (erb B - 2)
    [/TD]
    [TD]تضخيم
    [/TD]
    [TD]سرطانات الثدي والمبيض والمعدة
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]ret
    [/TD]
    [TD]طفرة موضعة
    [/TD]
    [TD]السرطان اللبي الدرقي
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="colspan: 2"]بروتينات متدخلة في علامة التبادل
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]رابط GTP
    [/TD]
    [TD]ras
    [/TD]
    [TD]طفرة موضعة
    [/TD]
    [TD]سرطانات إنسانية مختلفة تتضمن الرئة، الكولون، المعثكلة، بعض الابيضاضات
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]تيروزين كيناز

    [/TD]
    [TD]abl
    [/TD]
    [TD]انتقال الجينات
    [/TD]
    [TD]ابيضاض نقياني مزمن
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]ابيضاض حاد بأرومة اللمفاوية
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]البروتينات الناظمة للنواة
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]مفعلات التنسخ
    [/TD]
    [TD]myc
    [/TD]
    [TD]انتقال الجينات
    [/TD]
    [TD]لمفوما بوركيت
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]N – myc
    [/TD]
    [TD]تضخيم
    [/TD]
    [TD]ورم الأرومة العصبية
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]سرطانة الرئة صغيرة الخلايا
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]
    [/TD]
    [TD]L – myc
    [/TD]
    [TD]تضخيم
    [/TD]
    [TD]سرطانة الرئة صغيرة الخلايا
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]السيكلينات
    [/TD]
    [TD]Cyclin – D
    [/TD]
    [TD]تضخيم
    [/TD]

  3. #523
    الأوردة (أمراض ـ)

    تشمل أمراض الأوردة venae diseases أذيات الأوردة (رضوحها) والدوالي والتهاب الأوردة والصِّمات الرئوية.
    أذيات الأوردة
    تصاب الأوردة بالأذى نتيجة طعن بآلة حادة أو قذيفة نارية أو رضّ بأداة كليلة، وازدادت مؤخراً حوادث رضوح الأوردة التي تسببها إجراءات طبية تشخيصية (كالقثطرة القلبية) أو علاجية جراحية، أو كسور الحوادث.
    ويحدث معظم الأذيات الوريدية في الأطراف العلوية والسفلية، فإذا كان الوريد سطحياً والجرح الجلدي واسعاً حدث نزف خارجي متواصل ذو لون أحمر داكن (يُميَّز من النزف الشرياني النابض ذي اللون الأحمر القانىء). أما في الجروح «المغلقة» فيحدث ورم دموي قد يصعب تمييزه من ورم دموي ناتج عن رض شرياني إلا بعد الاستقصاء الجراحي.
    وعلامات القصور الوريدي الحاد الذي يتبع رضّاً وريدياً مهماً في أحد الأطراف هي الوذمة الكبيرة والزرقة والبرودة.
    أما ما يتعلق بالتشخيص: فإذا لم تكن الأذيَّة الوريدية واضحة فيمكن الاستعانة لتشخيصها بعدد من الوسائل غير الباضعة كتخطيط التحجّم plethysmography وفائق الصوت ultrasound على مبدأ دوبلر Doppler، وتصوير الوريد الظليلphlebography.
    وأما ما يتصل بالمعالجة: فيجب البدء بإسعاف الصدمة النزفية أو الأذية الشريانية إذا رافقت إحداهما أو كلتاهما الرضح الوريدي.
    ويمكن التحكم في النزف الوريدي بالضغط على المنطقة النازفة. أما إذا كان الوريد المصاب كبيراً كالوريد الفخذي السطحي مثلاً، فيجب اللجوء إلى مداخلة جراحية، ويُنصح اليوم بتجنب ربط الوريد في الناحيتين البعيدة والقريبة، ويفضّل إصلاحه إما برتق الجرح الوريدي بغرزة جانبية شلالية، وإما باستئصال القطعة الوريدية المتهتكة، وإعادة وصل نهايتي الوريد مباشرة أو باستعمال طعم وريدي سطحي.
    الدوالي
    الدوالي varices أوردة متسعة ومتطاولة ومتعرجة حتى تؤدي إلى قصور الدسامات الوريدية التي لا تتمكن من الانطباق في منطقة الوريد المتسع. والأوردة المصابة بالدواليهي غالباً الأوردة السطحية في الساقين (الصافن الكبير أو الصغير وفروعهما) [ر. الأوردة (تشريح ـ)].
    هناك عامل وراثي، وعامل مهني يعلل حدوث دوالي الساق في المهن التي تتطلب الوقوف مدداً طويلة، وتظهر الدوالي في النساء أكثر مما تظهر في الرجال، وكثيراً ما تظهر في الحوامل وبعد انسداد الأوردة العميقة (الدوالي الثانوية).
    ويبتدئ المرض بتوسع الوريد الصافن توسعاً جزئياً ومحدوداً، أو بقصور أحد دساماته (غالباً عند ملتقى الصافن بالوريد الفخذي)، فينتج من ذلك تحمل الدسام الذي يلي الدسام القاصر مباشرة من الناحية البعيدة حملاً من الدم أكبر مما كان من قبل فيؤدي إلى قصوره، وهكذا يتعرض سائر دسامات الوريد تدريجياً للقصور وفيها الأوردة الثاقبة مما يؤدي إلى جريان الدم من الجملة الوريدية العميقة إلى الجملة الوريدية السطحية على عكس ما يحدث في الحالة الطبيعية. (والأوردة الثاقبة هي الأوردة التي تصل بين الجملة الوريدية السطحية والجملة الوريدية العميقة).
    ولا ينتج من الدوالي البسيطة سوى تشوه منظر الساق وبعض الألم المتوضع على مسيرها، إلا أن الدوالي قد تؤدي إلى مضاعفات مع مرور الزمن، منها التغيرات الجلدية التي تحدث ولاسيما في المناطق المجاورة للنتوءات العظمية كالكعبين، فيحدث الالتهاب والتليف والتصبغ الجلدي، ثم قد تحدث التقرحات الجلدية، ومنها التهاب الأوردة السطحية على مسير الدوالي. وقد تتفجر الدوالي الشديدة الاتساع، وهو أمر نادر، وتؤدي إلى نزف خطر، ويسعف هذا الاختلاط بسهولة برفع ساق المصاب والضغط على مكان النزف.
    ويجب الانتباه في فحص الدوالي إلى معرفة أي من الوريدين الصافنين هو المصاب، وإلى تعيين فروعه الثاقبة القاصرة وإلى نفي انسداد الأوردة العميقة.
    وفيما يتصل بالمعالجة: إذا كانت الدوالي صغيرة وغير عرضية فلا لزوم لمعالجتها، كذلك تكون معالجة دوالي الحمل محافظة لأنها كثيراً ما تتراجع بعد الوضع، وتكون المعالجة المحافظة في الدوالي الصغيرة بتجنب الوقوف الطويل وبرفع الساقين فوق مستوى الصدر قليلاً عند النوم وقد تستعمل الجوارب الطبية في أثناء الوقوف والمشي لمنع تطور الآفة.
    أما إذا كانت الدوالي متقدمة وأدت إلى الألم أو إلى المضاعفات الأخرى فعلاجها الفعال الوحيد هو استئصال الصافن الكبير والصغير وفروعهما وخياطة الأوردة الثاقبة القاصرة تحت اللفافات العميقة، ويفيد حقن الأوردة أحياناً بالمحاليل المصلِّبةsclerosing agents للتخلص من الدوالي الصغيرة الحجم، وبعض الدوالي المتبقية بعد العمل الجراحي، ولاسيما إذا تبع ذلك ربط الساق ربطاً جيداً بضعة أسابيع. وهنالك ما يسمى الدوالي الثانوية وهي تحدث بعد التهاب الجملة الوريدية العميقة في الطرف السفلي أو انسدادها، وما يحدث هنا هو ضخ محتويات الأوردة العميقة من الدم كلما تقلصت عضلات الساق في أثناء المشي مثلاً عبر الأوردة الثاقبة التي تصبح دساماتها قاصرة، إلى الدوالي الثانوية التي تحتقن بالدم وتسبب مع مرور الزمن الالتهابات الجلدية المزمنة، وتموّت النسج الشحمية تحت الجلد، والتقرحات الجلدية.
    إذا أدت الدوالي الثانوية إلى الالتهابات أو التقرحات الجلدية أو غير ذلك من الاختلاطات وإذا لم تصاحب التهاب الأوردة العميقة وذمة كبيرة في الساق، ينصح باستئصال هذه الدوالي الثانوية أسوة بالدوالي الأولية، على أن يصحب العملية كشف كل وريد ثاقب في الساق وقطعه، وتطعيم التقرحات الجلدية إن وجدت.
    وهنالك أشكال أخرى من الدوالي: فقد تحدث دوالي الساقين بأشكال غير مألوفة في الأطفال نتيجة غياب دسامات الأوردة العميقة والثاقبة ولادياً، أو نتيجة نواسير ولادية شريانية وريدية متعددة في الساق. كما تحدث الدوالي بعد حصول ناسور شرياني وريدي مكتسب نتيجة أذية شريانية في أي ناحية من نواحي الجسم، وفي حالات قصور الدسام المثلث الشُّرَف، وفي حالات ارتفاع توتر وريد الباب (دوالي المريء).
    التهاب الأوردة
    مرض التهابي غير نوعي يصيب جدران الأوردة والنسج حولها، ويترافق بتخثر الدم في لمعتها.
    يصيب التهاب الأوردة الأوردة السطحية المحيطية نتيجة الرض أو الوخز بالإبر غير المعقمة أو حقن أدوية مخرشة، أو نتيجة وجود دوالي الساق.
    هذا النوع من الالتهابات الذي يظهر على مسير الأوردة السطحية محدود العمر وغير خطر، ولو أنه قد يسبب الألم الشديد المؤقت ويعالج بالضمادات الدافئة والمسكنات ومضادات الالتهاب.
    أما التهاب الأوردة العميقة (ويحدث عادة في الطرفين السفليين) فذو شأن كبير ويمكن تقسيمه سريرياً لنوعين: الخثار الوريدي phlebothrombosis الذي يطغى فيه عامل التخثّر على الآفة المرضية، والتهاب الوريد الخثري thrombophlebitis وعاملالالتهاب فيه هو الأخطر. يأتي شأن التهاب الأوردة الكبير من الوجهة الطبية من اختلاطين قد يحدثان من جرائه أولهما: وهو الأخطر، الصّمة الرئوية، التي تنتج عن انفصال جزء من خثرة الوريد وصعود هذه الخثرة الجزئية من خلال الجملة الوريدية العميقة ووصولها إلى القلب فالشريان الرئوي الذي تتوضع فيه أو في أحد فروعه وتهدد الحياة بالخطر إن كانت ذات حجم كبير، ويحدث هذا الاختلاط غالباً بعد الإصابة بالنوع الأول من المرض (أي الخثار الوريدي). والاختلاط الثاني هو التغيرات الركودية في الساق التي تحصل نتيجة انسداد الأوردة العميقة والأوعية اللمفية المحيطة بها بعامل الالتهاب ويحدث هذا الاختلاط غالباً بعد الإصابة بالنوع الثاني (أي التهاب الوريد الخثري).
    1ـ الخثار الوريدي: يحدث الخثار الوريدي على العموم من اختلاط ناتج من العمليات ولاسيما العمليات التي تحتاج إلى نقاهة في السرير مدة طويلة، وخاصة المتعلقة بالموثة والحوض والصدر، كما يحدث الخثار الوريدي بعد الرضوض الكبيرة والكسور، ولاسيما كسور الحوض، وبعد السكتات الدماغية والاحتشاءات القلبية، والأمراض الالتهابية الحادة. ومن العوامل المساعدة الإصابة بالسرطان (ولاسيما سرطان جسم المعثكلة والموثة)، والحمل والولادة، وأمراض القلب، وبعض أمراض الدم، والبدانة، وتقدم السن، وتناول بعض الأدوية كالإستروجينات. إلا أن خثار الأوردة قد يحدث عفوياً من دون سبب ظاهر.
    يبدأ خثار الأوردة بتجمع الصفيحات في الجيب الوريدي (على طرفي الدسام الوريدي) وتَكوّن خثرة «بيضاء» من الصفيحات والليفين fibrin تؤدي إلى بطء العود الوريدي وركود الدم في الوريد، وتكون خثرة «حمراء» قد تحلُّها الخمائر الحالَّة لليفين في الدم، أو تتطور لتتطاول في اللمعة الوريدية وتكوّن التهاباً في جدار الوريد، ثم تتعضَّى organization وتتولد فيها قنواتrecanalization بعد أسابيع من تكوّنها.
    ومع أن العالم الألماني Virchow حدد عوامل خثار الأوردة الثلاثة منذ أكثر من قرن وهي: ركود الدم stasis وأذية جدار الوعاء trauma بالالتهاب أو الرض أو غيره وفرط قابلية التخثر hypercoagulability فالسبب الأساسي لخثار الأوردة في شخص دون آخر لا يزال مجهولاً.
    يبتدئ خثار الأوردة العميق في معظم الأحيان في الجيوب الوريدية في عضلات الساق، ويبتدئ بعضها في الأوردة الحرقفية الفخذية، وتتطاول الخثرات أحياناً من موضعها الأصلي باتجاه الناحية المركزية في الحالة الأولى، في حين تتطاول نحو الساق في الحالة الثانية.
    وفيما يتعلق بالنواحي السريرية فأعراض خثار أوردة الساق العميقة وعلاماته المدرسية هي ألم عضلات الساق الخلفية وتوترها، ويزداد ذلك في أثناء الوقوف والسير أو العطف الظهري للقدم (علامة هومان Homan's sign)، ويرافق ذلك أحياناً بعضالوذمة الانطباعية في القدم والساق وارتفاع درجة الحرارة وتسرع النبض وقد يبقى الأمر محدوداً بهذه التغيرات بضعة أيام ثم تزول سائر الأعراض من تلقاء نفسها مع الراحة. أو تزداد وتبقى الساق متوذّمة أياماً طويلة. وقد تتحول الصورة إلى حالة التهابية (التهاب الوريد الخثري).
    أما خثار الأوردة الحرقفية الفخذية فيندر أن يشخص قبل أن يتظاهر سريرياً بوذمة منطبعة في الطرف السفلي كله، ولاتترافق هذه الوذمة بعلامات التهابية كبيرة في حالة الخثار الوريدي الحرقفي الفخذي الذي يسبب الالتهاب الوريدي الأبيض المؤلمphlegmasia alba dolens.
    إلا أن الخثار الوريدي يحدث في نسبة كبيرة من الحالات من دون أي أعراض، وقد تكون أولى علاماته صّمة رئوية صغيرة، أو كبيرة قاتلة. وبالمقابل فإن هذه الأعراض والعلامات قد تُشاهد في حالات مرضية أخرى مفصلية أو عضلية أو جهازية.
    وفيما يتصل بالاختبارات التشخيصية فهي غير باضعة كتخطيط التحجّم وفائق الصوت، ومنها قياس الضغط الوريدي وحجم الدم وجريانه في الأوردة، والومضان بالنظائر المشعّة radioisotope scanning ومنها تصوير الأوردة الظليل الذي يعدّ أدق طرائق التشخيص المتوفرة للطبيب.
    أما من ناحية الوقاية والعلاج فقد يفيد في الوقاية إعطاء السوائل والشوارد بكميات كافية بعد العمليات الجراحية، ورفع الساقين في المرضى الذين يتوقع استعدادهم للخثار الوريدي أو ربطهما، وتحريك المرضى بعد العمليات باكراً، وإعطاء الأدوية المضادة لتكتل الصفيحات. إلا أن الإجراء الوقائي الذي تحققت فائدته بعد دراسة عالمية جرت عام 1965 هو إعطاء مادة الهيبارين بمعايير صغيرة ابتداء من الساعات القليلة التي تسبق العملية في الأحوال ذات الخطورة العالية.
    أما العلاج، إذا وضع التشخيص فله هدفان هما منع حدوث الصمات الرئوية، وإيقاف الآفة عند حدها لإعطاء المجال للتفاعلات الطبيعية لحل الخثرة تدريجياً fibrinolysis واتقاء عقابيل الالتهاب الوريدي الركودية.
    ويتحقق الهدف الأول بإعطاء مميعات الدم الوريدية (الهيبارين) التي تضمن الوقاية من الصمات الرئوية في نحو 75% من الحالات. أما إذا كان هناك مضاد استطباب لإعطاء المميعات (وجود قرحة هضمية مثلاً) أو إذا ظهرت علامات صمة رئوية والمريض مازال يتناول المميعات، فالوقاية من الصّمات الرئوية تتم بإغلاق الوريد الأجوف السفلي بعملية جراحية، إما إغلاقاً كاملاً بالربط ligation أو بشكل تترك فيه فراغات صغيرة (الطيّ) plication تسمح بمرور الدم من دون الخثرات، وتمنع نظرياً على الأقل حصول التهاب الوريد الخثري في الساق السليمة الذي يحدث في نحو 10% من عمليات ربط الأجوف السفلي الكامل.
    أما الهدف الثاني فيتحقق بالراحة في السرير مع رفع الساقين فوق مستوى الصدر، وإعطاء المريض كميات كافية من السوائل، وإعطاء مميعات الدم الوريدية نفسها لمنع تطاول الخثرة، وذلك حتى اختفاء العلامات الموضعية، ويستعاض بعدئذٍ عن الهيبارين بالمميعات الفمية (مثبطات البروترومبين كالكومادين coumadin) بضعة شهور. ويمكن الابتداء بالسير تدريجياً بعد اختفاء العلامات كلياً. وقد يُضطر المريض إلى استعمال الجوارب أو الرباطات الطبية المرنة في أثناء الوقوف والمشي.
    ويستعمل بعضهم الخمائر منشطات مكوِّنات البلازمين plasminogen activators كالستربتوكيناز واليوروكيناز streptokinase, urokinase لحل الخثرة في المراحل الباكرة، إلا أن استعمال هذين الإنظيمين لا يخلو من عواقب كالنزف والتحسس عند استعمال الستربتوكيناز وكالكلف chloasma عند استعمال اليوروكيناز.
    وهنالك أشكال أخرى من الخثار الوريدي منها خثار الوريد الإبطي وتحت الترقوة الذي يحدث بعد جهد عضلي غير عادي في الشباب (متلازمة باجيت ـ شروتر Paget-Schroetter syndrome) وخثار الأجوف العلوي superior vena cava syndromeنتيجة سرطان الرئة أو أورام المنصف mediastinum العلوي أو تليفاته، وخثار الأجوف السفلي الممتد من خثار الجملة الوريدية الحرقفية ـ الفخذية، وخثار الوريد الكلوي المسبب للمتلازمة الكلوية nephrotic syndrome وخثار الوريدين الكبديين (متلازمة باد ـ شياري Budd-Chiari syndrome) وخثار وريد الباب في الرضع والأطفال.
    2ـ التهاب الوريد الخَثري: قد يتحّول الخثار الوريدي سريرياً إلى التهاب وريد خثري، لذا كانت العوامل المسببة لهذا الالتهاب الأخير هي نفسها التي تسبب الخثار الوريدي ويضاف إليها الأخماج التي قد تصيب القدم أو الساق عن طريق جرح جلدي فتسبب الالتهاب الخلوي اللمفي إضافة إلى التهاب الأوردة العميقة.
    وفيما يتعلق بالنواحي السريرية، يلاحظ أن الألم يكون أشد وطأة في هذه الحالة منه في الخثار الوريدي، ويتطور المرض بسرعة فتصاب القدم والساق بالقساوة والألم عند الجس، وتصبح بعد مدة قصيرة ذات لون أحمر محتقن، وكثيراً ما يشمل الالتهابالوريدين الفخذي والحرقفي معاً والنُّسُجَ حولهما مما يجعل كل الطرف مصاباً بالوذمةوارتفاع الحرارة والاصطباغ البنفسجي، وتدعى هذه الحالة التهاب الوريد الأزرق المؤلمphlegmasia cerulea dolens.
    ويحدث مع التهاب الوريد الخثري التهاب الأوعية اللمفية وانسدادها مما يزيد من وذمة الساق. ويندر أن تعوق الوذمة الشديدة السريعة التكوّن التروية الشريانية، وقد ينتج منها تموت في نهاية الطرف.
    ومن المضاعفات الأساسية لهذه الآفة التغيرات الركودية في الساق التي تنتج من بقاء نسبة من الأوردة العميقة والأوعية اللمفاوية مسدودة بعد انتهاء الالتهاب، ومن تخرب دسامات الأوردة العميقة والثاقبة، ويحدد درجة هذه التغيرات مقدار الإصابة الأولية، ومكانها في الجملة الوريدية وشدتها وسرعة معالجتها أو التأخر في تلك المعالجة.
    يُصرَّف الدم من الساق بعد انتهاء الالتهاب والانسداد عن طريقين: أولهما القنوات التي تتكوّن ضمن اللمعة المتخثرةrecanalization، والثاني أوعية المفاغرة التي تنمو تحت سطحي اللفافة العميقة (الدوالي الثانوية) إلا أن الطريقين كليهما غير ناجع، لتخرب الدسامات وانعدام وظيفتها. لذلك يكون تطور المرض بعد الإصابة بالتهاب الوريد الخثري الشديد نحو مضاعفات ركودية في الجلد وتحت الجلد مع وذمة مزمنة في النسيج الخلوي وتليف النسيج الشحمي تحت الجلد وتموته، والتهابات جلدية تنتهي بالتقرحات، ودوالٍ ثانوية، ما لم تتم المعالجة الباكرة الهادفة إلى حلِّ الخثرات حلاً طبيعياً قبل تخرب الدسامات الوريدية.
    أما المعالجة فالحالة الباكرة تعالج بالراحة ورفع الساقين فوق مستوى الصدر والصادّات (إن كان هناك شك في التجرثم) وإعطاء الهيبارين حتى تنتهي أعراض الالتهاب.
    وإذا شوهدت الحالة في الأيام الأولى، وكان الالتهاب الوريدي شديداً بلغ جدار البطن، أو كان يهدد التروية الشريانية للأصابع، فيمكن اللجوء إلى استئصال الخثرة جراحياً بالتخدير الموضعي venous thrombectomy ثم المعالجة كما سبق. ويثابر على المعالجة برفع الساقين والهيبارين، ومن بعده المميعات الفمية، حتى تختفي الوذمة تماماً كما هي الحال في الخثار الوريدي، ثم يسمح للمريض بالتحرك والسير تدريجياً بمساعدة الرباطات أو الجوارب الطبية. فإذا أمكن التحكم بوذمة الساق يمكن عندئذٍ سحب الدوالي الثانوية واستئصال أماكن التليف والتموت الجلدي، وتغطية المناطق الجلدية المكشوفة بطعوم جلدية.
    الصِّمات الرئوية
    تسبب الصّمات الرئوية 10% من مجمل الوفيات عامةً، وتنشأ من خثرات في أوردة الطرفين السفليين والحوض، في حين تنتهي في معظم الأحيان في فروع الشريان الرئوي للفصَّين السفليين ولاسيما الأيمن منهما.
    وأسباب الصِّمات الرئوية هي أسباب الخثار الوريدي نفسها. أما ما يتعلق بالفيزيولوجية المرضية فقد تغلق صمّة كبيرة مجرى البطين الأيمن بكامله مسببة الوفاة في دقائق قليلة وقد تسدّ الصّمة الشريان الرئوي الأصلي فتؤدي إلى الوفاة في مدى ساعات، إلا أن معظم الصّمات القاتلة تنقسم لأكثر من جزء واحد، وتتوضع في أحد الشريانين الرئويين، وبعض فروع الشريان الآخر.
    وتحدث الوفاة من جراء الصّمات الخطرة في مدى الـ24 ساعة الأولى نتيجة إغلاق أكثر من 50% من مجرى الشريان الرئوي آلياً، وفي أقل من ذلك الزمن إذا كانت وظيفة القلب أو الرئة سيئة في الأساس.
    ويعتقد أن من العوامل المساعدة على تفاقم الحالة السريرية وحدوث الوفاة، إفراز الصفيحات في الصمة مركب السيروتونين serotonin وأشباهه، مما يؤدي بفعل منعكس إلى تشنج القصبات وتضيق الشرايين الرئوية البعيدة.
    أما الصّمات غير المؤدية إلى الوفاة فتتلوها صّمات أخرى خطرة على الحياة في 30% من الحالات. ويكون تطور الصّمة نفسها إما بالانحلال التلقائي الفيزيولوجي التام وإما بتكوّن خثرات بعيدة في فروع الشرايين الرئوية قد تؤدي إلى ارتفاع التوتر الرئوي واسترخاء القلب الأيمن، كما تؤدي الصّمة إلى احتشاء النسيج الرئوي في 10% من الحالات.
    ويعتمد تأثير الصّمة على حجمها، وموقعها من الشجرة الشريانية الرئوية، وحالة أوعية المفاغرة في النسيج الرئوي، ووجود آفة قلبية أو رئوية مرافقة.
    وفيما يتعلق بالنواحي السريرية يجب أن يفرق بين أعراض الصّمة وأعراض احتشاء الرئة، إذ إن الوفاة قد تحصل من جراء حدوث الصمة قبل أن يمر الوقت الكافي لتشكل الاحتشاء وكثيراً ما تكون أعراض الصمات الرئوية الصغيرة والمتوسطة الحجم غامضة وغير محددة مما يجعل التشخيص صعباً. ومن الأعراض الباكرة الزلة التنفسية (عسر التنفس) وتسرع حركات التنفس، وحس الانقباض بالصدر وتسرع نبضات القلب. ويفيد كشف علامات الخثار الوريدي في إحدى الساقين في وضع التشخيص، إلا أن هذه العلامات لا توجد إلا في ثلث الحالات.
    أما الصمات الكبيرة والخطرة، فتؤدي إلى الصدمة، وارتفاع الضغط الوريدي المركزي واحتقان أوعية العنق وبعض الزرقة. فإذا تشكل احتشاء الرئة وهو لا يحدث قبل مرور 12 ساعة على الأقل من انطلاق الصّمة أُضيف إلى الأعراض ألم الصدر الجنبي، ونفث الدم، وارتفاع الحرارة، وأصوات احتكاك الجنب وعلامات الانصباب الجنبي.
    وفيما يتصل بالتشخيص، يلاحظ أن عدد الكريات البيض يرتفع بعد ساعات من حدوث الاحتشاء الرئوي، كما ترتفع خميرة الـ LDH والبليروبين بعد أيام قليلة، وقد تفيد صورة الصدر وتخطيط القلب الكهربائي في التوجه نحو تشخيص الصّمة الرئوية، كما يفيد ومضان الرئتين في الكشف عن وجودها، ولاسيما إذا ترافقت علامات الومضان الإيجابية مع صورة شعاعية طبيعية للصدر. إلا أن تأكيد التشخيص تأكيداً قاطعاً لا يتم إلا عن طريق قثطرة القلب وتصوير أجوافه، كما أنه يجب ألا تجرى العمليات الجراحية لاستئصال الصمات ما لم تحدد مواقعها بالضبط بتصوير أجواف القلب.
    أما ما يتصل بالوقاية فإن الإجراءات الوقائية إزاء الصمات الرئوية هي نفسها التي يُنصح بها إزاء تكوّن الخثرات الوريدية: التحرك الباكر بعد العمليات، والتمارين الرياضية، وإبقاء الساقين في حالة الرفع فوق مستوى الرأس في أثناء النقاهة، ووضع الرباطات الطبية وقائياً على الساقين. وتفيد مميعات الدم الوريدية المعطاة بعيار منخفض (5000 وحدة تحت الجلد قبل العملية بساعتين، ثم كل ساعة حتى يصبح المريض قادراً على التنقل) في الوقاية من الصمات الخطرة في المرضى والمعرضين لعوامل تساعد على تكوّن الخثرات الوريدية.
    كذلك يفيد بعض العقاقير التي تحول دون تجمع الصفيحات (الأسبرين aspirin والديبيريدامول dipyridamole) في الوقاية من تكوّن الخثرات وانطلاق الصمات.
    وأما ما يتصل بالعلاج فهناك هدفان علاجيان أساسيان:
    ـ إنقاذ المصاب في المرحلة الأولى الحرجة بإعطاء الأكسجين ومميعات الدم الوريدية ومنشطات القلب، فإذا لم يستجب المصاب للإجراءات الإسعافية في مدة 6 ساعات ودخل في حالة الصدمة (وهو أمر نادر الحدوث) كان لابد من التحضير بسرعة للقثطرة القلبية وتصوير أجواف القلب، وإجراء العمل الجراحي الإسعافي الذي يشمل استئصال الصمة الرئوية بمساعدة المجازة القلبية ـ الرئوية المؤقتة (قلب مفتوح) الذي يتبعه عادة إغلاق الأجوف السفلي.
    ـ الوقاية من صمات لاحقة بوساطة مميعات الدم، ويستعمل الهيبارين أولاً مدة أسبوع إلى أسبوعين (وهي المدة الضرورية لالتصاق الخثرات على جدران الوريد ومنع تجزئها وانطلاقها على شكل صمة)، يُعطى المريض من بعدها المركبات الفمية المميعة للدم عدة أشهر. أما إذا كان هناك مضادّ استطباب لاستعمال الهيبارين، أو إذا حدثت صمات متكررة بالرغم من استعمال الهيبارين، أو إذا كانت الصمات إنتانية الطبيعة، فيلجأ معظم الجراحين عندئذٍ إلى عملية إغلاق الأجوف السفلي تحت مستوى تفرع الوريدين الكلويين.
    سامي القباني

  4. #524
    الإيـاس

    الإياس menopause انقطاع الحيض عند المرأة بسبب توقف المبيضين عن إفراز هرمون الإستروجين[ر] (الحاثة المبيضية التي تثير الوَدَق أي الرغبة في الذكر عند إناث الثدييات) ويحدث على الأغلب بين الأربعين والخامسة والخمسين من العمر، ولم تتبدل السن التي يحدث فيها الإياس من أقدم العصور حتى اليوم في حين تناقص سن البلوغ مع الزمن، ولم تكن دراسة آلية الإياس وما يحدث فيه من تبدلات واضطرابات ميسورة في الماضي لأن متوسط عمر المرأة كان ستين سنة لذلك كانت مدة الحياة بعد الإياس قصيرة، ولكن طول أعمار النساء في الوقت الحاضر الذي صار نحو ثمانين سنة من العناية الصحية أطال هذه المدة وصارت دراستها لذلك ممكنة ومفيدة.
    تصاحب الإياس في 50% من النساء اضطرابات خفيفة تستمر نحواً من سنة وتزول من دون علاج، في حين تصاب 25% من النساء باضطرابات شديدة تضطرهن إلى استشارة الطبيب، ولا يصاب 25% من النساء بعرض ما ويمر الإياس بهن من دون شكوى.
    تبدو أعراض الإياس أحياناً قبل انقطاع الحيض لنقص إفراز الإستروجين قبل توقفه التام، ويضطرب الطمث في هذه المرحلة مع بقاء القدرة على الإنجاب.
    أعراض الإياس
    أعراض الإياس مختلفة يمكن تصنيفها في خمس مجموعات متداخلة:
    ـ اضطراب الحركة الوعائية: الذي يؤدي بتأثير عصبي إلى تمدد الأوعية الشعرية تحت الجلد تمدداً فجائياً فتتعرق المرأة عرقاً غزيراً وتشعر «بالهبات» التي تدوم دقيقتين أو أكثر ثم تزول من نفسها وتتكرر من دون نظام، فقد لا تأتي إلا مرة كل أربع وعشرين ساعة أو تأتي مرات كثيرة في الساعة الواحدة.
    ـ الأعراض الانفعالية: وهي الخمول العام وضعف الذاكرة ونقص القدرة على التركيز وزيادة الهياج والميول العدوانية، وتصاب 20% من النساء في سن الإياس بالقلق والاكتئاب الشديد الناجم عن رد فعل المرأة تجاه الشعور بهرمها وإحساسها بالنقص لزوال قدرتها على الإنجاب.
    ـ الأعراض الجنسية: التي تتجلى بالبرودة الجنسية وعسرة الجماع.
    ـ الأعراض البولية: كزيادة عدد مرات التبول وعدم القدرة على التحكم فيه.
    ـ أعراض الجهاز الحركي: كآلام المفاصل وصعوبة الحركة.
    التبدلات التشريحية والوظيفية التي تصاحب الإياس
    وهي تشمل ما يأتي:
    1ـ تغيرات الغدد الصم التي تسير بثلاث مراحل:
    ـ زيادة إفراز الحاثة النخامية مثيرة نمو الجريبات follicle stimulating hormone (F.S.H) تدريجياً قبل الإياس بنحو عشر سنوات حتى يصل إلى أعلى مستوى بعد الإياس بسنتين ثم ينحدر تدريجياً في الثلاثين سنة التي تعقب الإياس.
    ـ عدم تكوين الجسم الأصفر corpus luteum وينخفض لذلك إفراز البروجسترون (الحاثة المهيئة للحمل) وينعدم.
    ـ عدم نمو جريبات دوغراف ويتوقف عندها الإفراز الدوري للإستروجين والبروجسترون والحاثة النخامية مثيرة نمو الجريبات.
    2ـ تغيرات المبيض: ينخفض عدد جريبات دوغراف انخفاضاً شديداً مع ضمور قشرة المبيض وزيادة لبه وسمك الغلالة البيضاء، ولتصلب الأوعية الدموية في القشرة واللب يضمر المبيض وتزداد تعاريجه.
    3ـ تغيرات الجهاز البولي والتناسلي: يرجع سبب التغيرات التي تحدث في هذا الجهاز إلى نقص الهرمونات الجنسية مع التغير الطبيعي المصاحب لتقدم العمر.
    يضمر حجم جسم الرحم وترجع النسبة بين جسم الرحم وعنقها إلى النصف كما كانت في أثناء الطفولة، وتحل الخلايا الليفية محل خلايا عضل الرحم، أما تغيرات المهبل والفرج فلا تحدث إلا بعد سنوات من الإياس حين يفقد المهبل تعاريجه ويضيق ويجف وترق جدره ويبقى وسطه قلوياً، ويقل سمك ظهارة epithelium المثانة والإحليل وتصبح سهلة التلف والخمج.
    4ـ تغير الجهاز الهيكلي: تفقد المرأة بعد الإياس الكثير من مكونات عظمها أكثر مما يفقد الرجل في مثل سنها، وتزيد نسبة كسور عظام الحوض والفقرات والمعصم في المرأة بعد سن الخامسة والستين عشر مرات على ما هي عليه في الرجل، ومن المعروف أن قصور المبيض من الأسباب الرئيسة لتخلخل العظام في المرأة، ويؤكد ذلك منع هذا التخلخل بإعطاء المرأة الإستروجين في وقت مبكر.
    5ـ تغير الجهاز القلبي الوعائي: يؤدي فقد الإستروجين إلى تأثر أعصاب القلب المنظمة لضرباته فتصاب المرأة بالخفقان، وقد تشعر بحس الصدمة أو الاختناق وقصور التنفس.
    وينجم عن غياب الإستروجين زيادة كمية الكولسترول وثلاثي الغليسريد والشحميات الفوسفورية في دم المرأة مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الإصابة بإقفار القلب ischemia مقارنة مع إصابة الرجال به، إذ يتعرض الرجل ما بين سن الخامسة والعشرين والخامسة والخمسين لأعراض الجهاز القلبي الوعائي كالاحتشاء أكثر من المرأة بخمس مرات إلى ست في السن نفسه وتقل هذه النسبة كثيراً بعد بلوغ المرأة سن اليأس.
    6ـ تغيرات أخرى: يبيض شعر المرأة بعد الإياس وتكثر تجاعيد جلدها مع ازدياد نمو شعر الوجه، ويزداد تجمع الشحم حول منطقة الخصر والظهر وربما نقص الطول مع حدب الظهر.
    المعالجة
    لما كانت معظم اضطرابات سن الإياس ناجمة عن غياب الإستروجين فقد أعطي الإستروجين لمعالجتها وثبت فعله ـ بالمقارنة مع إعطاء دواء غفل placebo ـ في إزالتها أو تخفيفها ولاسيما اضطرابات الحركة الوعائية وجهاز البول وجهاز التناسل والأعراض الانفعالية.
    ولكن علاقة الإستروجين بسرطانات جسم الرحم والثدي والمبيض وبالانصمام الخثاري حدَّت من استعماله إلا بعد فحص دقيق ومراقبة مستمرة.
    ولتخفيف خطر الإستروجين أشرك إعطاؤه بإعطاء البروجسترون دورياً لمنع زيادة نمو بطانة الرحم وسرطانها، وتؤدي هذه الطريقة إلى حدوث نزف دوري وهي مع ذلك أفضل طريقة حين وجود الرحم.
    ويكفي استعمال الإستروجين سنة أو سنتين في بعض النساء، في حين يجب أن يستمر إعطاؤه مدى الحياة في غيرهن ولاسيما المصابات بتخلخل العظام، ويجب عندها أن يخضعن لفحوص دورية للرحم حين وجوده وللثدي لاتقاء الإصابة بالمضاعفات الناجمة عن استعماله المديد هذا، ويستحسن في حال الإصابة بتخلخل العظام أن تضاف للمعالجة كميات كبيرة من الكلسيوم بطريق الفم وقد يفيد إعطاء مادة الكالسيتوئين (وهي حاثة درقية تساعد في تثبيت الكلس على العظام) في تخفيف جرعة الإستروجين المطلوبة يومياً.
    ويمكن إعطاء الإستروجين عن طريق الفم أو بالزرع تحت الجلد ولاسيما في النساء المستأصلة أرحامهن، وانتشرت حديثاً طريقة اللصقات.
    وتضاف أدوية أخرى لمعالجة الاضطرابات المرافقة ولاسيما اضطرابات الحركة الوعائية كالبروبرانولول Propranolol لعلاج تسرع القلب والخفقان والكلونيدين Clonidine لعلاج الهبات، عدا اتباع الحمية الضرورية ومراقبة الوزن والرياضات الخفيفة في حالات البدانة وارتفاع الضغط الشرياني، والدعم النفساني واستعمال بعض العقاقير النفسانية في بعض الحالات الشديدة.
    الإياس في الرجل
    كلمة الإياس في الرجل غير دقيقة لأن معنى الكلمة في اللغة الأجنبية «توقف الحيض» والرجل لا يحيض، ولكن تحدث في بعض الرجال في نحو الخمسين من العمر أعراض تشبه ما يحدث في المرأة حين يتوقف حيضها، وسبب هذه الأعراض اضطرابات هرمونية ونفسانية جسدية، فبطء مرور الدم إلى الدماغ وعوامل كبر السن تؤدي إلى فقد الذاكرة القريبة وقلة التركيز وتباطؤ العمليات الحسابية ولاسيما في الذين تتطلب أعمالهم جهوداً كبيرة، وكل انخفاض في قدراتهم الفيزيائية الفكرية يجدون فيه أنفسهم غير قادرين على النجاح في أعمالهم فيصابون بالقلق، وقد يصاب بعض الرجال بما تصاب به النساء من تسرع ضربات القلب والهياج والارتعاش والأرق وفقد الشهية والدوار حتى الاكتئاب، وأثبتت الدراسات أن كمية التستوسترون في المصورة ثابتة في العقد الثامن من العمر، كما أثبتت أن خصية الرجال المسنين طبيعية نسبياً.
    ويعالج بوضع الرجال المصابين في مستوى اكتفاء ذاتي يتناسب مع قدراتهم وذلك بالمعالجة النفسانية مع استعمال الحد الأدنى من الأدوية، وقد يكون من الضروري اللجوء إلى تعليم جديد، وتعود القدرة الجنسية بهذه الطريقة من دون اللجوء إلى المعالجة الهرمونية.

    مبروكة مصطفى القنين

  5. #525
    الباسور

    تعد البواسير hemorrhoids من أكثر الشكايات المرضية عند الإنسان، وهي قديمة أزلية، وربما رافقت انتصاب قامة الإنسان. تصيب البواسير القناة الشرجية وتؤلف السنتيمترات الأخيرة من القناة الهضمية، ثلثاها العلويان يغطيهما الغشاء المخاطي المتمادي مع بطانة أنبوب الهضم، والثلث السفلي يغطيه الجلد المتمادي مع الجلد خارج منطقة الشرج، ويحيط بهذه القناة مصرتان sphincter عضليتان الأولى داخلية ملساء لا إرادية، والثانية خارجية مخططة إرادية، مما يجعل هذه المنطقة ذات أهمية خاصة.
    أنواع البواسير
    هناك نوعان من البواسير الشرجية داخلية وخارجية.
    1ـ البواسير الداخلية: تنشأ داخل القناة الشرجية في الغشاء المخاطي وهي توسعات وعائية في نهاية الأوعية الباسورية، تتبارز بشكل كتلة صغيرة داخل الشرج، قد تتدلى تدريجياً نحو الأسفل فتصبح البواسير داخلية وخارجية في آن واحد.
    2 ـ البواسير الخارجية: وتشاهد عند فوهة الشرج وتكون مغطاة عادة بالجلد، مما يجعلها شديدة الألم وتضم إحدى مجموعتين:
    ـ حادة مؤلمة: وهي بواسير خارجية متخثرة بشكل ورم دموي تحت الجلد يظهر عند فوهة الشرج ويبدو بشكل حبة صغيرة زرقاء اللون شديدة الألم.
    ـ مزمنة: وهي حليمات حارسة جلدية شرجية غير مؤلمة وهي شائعة جداً.
    أسباب البواسير
    مازال السبب الحقيقي لحدوثها غير معروف، إلا أن هناك نظريات تحاول تفسير ذلك، وتقول بزيادة احتقان الأوعية في القناة الشرجية عند الشباب مع درجة من الهبوط في مخاطية الشرج عند المسنين. ويمكن أن تكون البواسير ثانوية تالية لأمراض مختلفة مثل انسداد العود الوريدي كما في حالات التشمع الكبدي وتخثر وريد الباب وأورام البطن وأورام المستقيم الخبيثة، كما أن الحمل قد يكون أحد الأسباب. أما البواسير الأولية أو البدئية فهي مجهولة السبب وتشكل القسم الأعظم من الحالات. قد يكون لبعض العوامل أهمية في حدوثها مثل الوراثة كما أن الإمساك والإسهالالمزمنين يقومان بدور كبير، وللحمية دورٌ هامٌ إذ لوحظ ندرة حدوثها عند من يتناول قوتاً طبيعياً غنياً بالألياف، وزيادتها عند من يستهلك غذاءً قليل الألياف.
    يقال للباسور إنه من الدرجة الأولى إذا بقي داخل الشرج، ويصير درجة ثانية إذا ظهر للخارج وعاد من نفسه، ويتطور ليصير درجة ثالثة إذا خرج ولم يعد إلا بوساطة المريض أو الطبيب، أما الدرجة الرابعة فإنه يستحيل فيها إعادة الباسور للداخل.
    الأعراض السريرية
    يعد النزف العرض الأكثر شيوعاً ويبدأ بشكل خيطي مع البراز أوعلى ورق الحمام ويزداد تدريجياً حتى إنه قد يؤدي إلى فقر دم شديد. ويكون الهبوط عادةً متأخراً ويظهر في أثناء التغوط ثم يختفي مباشرة بعده، إلى أن يصير دائماً بمرور الوقت، فيرافقه ألم في الناحية مع نز مخاطي. أما سبب الحكة الشرجية فهو حدوث الرطوبة في المنطقة بسبب النز المخاطي. وقد تشاهد أعراض فقر الدم الثانوي كالدوار وضيق النفس والتعب والإرهاق لأقل الأسباب.
    تشخيص البواسير
    لا يظهر في المراحل الباكرة شيء خارج القناة الشرجية، ويعد المس الشرجي وتنظير الشرج الفحص الأكثر أهميةً في تقصي أعراض القناة الشرجية، إذ تظهر البواسير بوساطته بوضوح تتيح معرفة حجمها وعددها. كما يفيد التنظير في كشف أمراض أخرى مرافقة أو مسببة لبواسير.
    تحدث هجمات البواسير على نحو متكرر عادةً وتختفي بالراحة والمعالجة المحافظة، وقد تصاب البواسير الهابطة أحياناً بالتخثر بسبب انحصارها وانحشارها بالمصرة الشرجية فتصير قاسية ومؤلمة جداً وغير قابلة للرد وترى خارج الشرج كتلة متورمة مؤلمة جداً حين اللمس وتتطور هذه الحالة نحو الشفاء التلقائي خلال أيام باللجوء إلى الراحة والمغاطس الدافئة وإذا لم تستجب الحالة لذلك على المريض أن يراجع الجراح لفتح الحليمة الباسورية المتخثرة وإفراغها، كما تصاب الحلم الباسورية أحياناً بالتقرح مع احتمال حدوث خمج حولها مسبباً خراجاً حول الشرج، ومن المهم هنا ضرورة التنبيه إلى أن النزف الشرجي لا يعني بالضرورة وجود البواسير بل لابد من مراجعة الطبيب للتأكد من منشئه فقد يكون ناجماً عن ورم في القناة الشرجية أو المستقيمية.
    المعالجة
    للبواسير معالجات عدة متنوعة منها ما يتم بالمنزل أو العيادة الخارجية، وهي استعمال المراهم والتحاميل الشرجية مع محاولة معالجة الإمساك باستخدام النخالة والحمية الغنية بالألياف مع الأدوية التي تزيد حجم البراز؛ وفي حال بقاء البواسير وإزعاجها يمكن اللجوء إلى تصليبها بحقن مواد مصلبة فيها، أو ربطها بالحلقات المطاطية التي تؤدي إلى سقوطها فيما بعد، أو تخثيرها بالتثليج بالآزوت السائل (-70ْ ، -180ْ) أو بأشعة الليزر.
    أما معالجة البواسير المزمنة أو النازفة أو المؤلمة فتحتاج إلى دخول المشفى والتخدير العام حيث يجرى توسيع الشرج واستئصال الحليمات الباسورية مع خياطتها أو إبقائها مفتوحة لتشفى تدريجياً.
    هايل حميد

  6. #526
    البُرَدَاء

    البُرَدَاء malaria خمج دموي حاد أحياناً ومزمن غالباً، سببه طفيلي من الأوالي يدعى المتصورة Plasmodium. وينتقل إلى الإنسان بلدغ نوع من البعوض يدعى الإنفيل Anophele.
    يعرف المرض بتكرار مجموعة من التظاهرات السريرية المتتابعة يطلق عليها اسم النوبة البردائية. تبدأ كل نوبة بعُرواء تليها حمى فتعرّق فمدة لا حرورية، وبتكرر بدء النوبات في مدد زمنية متساوية.
    عُرف لجنس المتصورة أربعة أنواع تصيب الإنسان هي: المتصورة النشيطة P.vivax والمتصورة البيضوية P.ovaleوالمتصورة الوبالية P.malariae والمتصورة المنجلية P.falciparum.
    يسبب النوع الأول والثاني نمطاً من الحمى تسمى حمى الثلث tertian fever ويدعى المرض الناجم عنهما بالبرداء الثلث، لأن النوبة الأولى تبدأ في اليوم الأول وتتكرر النوبة فتبدأ الثانية في اليوم الثالث، ويسبب النوع الثالث نمطاً آخر من الحمى تدعى حمى الرِّبع quartan fever ويدعى المرض الناجم عن البرداء الربع لأن النوبة الثانية تبدأ في اليوم الرابع.
    ويسبب النوع الرابع نوبات تتكرر يومياً على نحو حمى الثلث أو حمى الربع أو على نحو غير منتظم، وأطلق على هذا النوع اسم البرداء الوبيلة أو الخبيثة pernicious.
    سيرة المتصورة
    تتشابه جميع أنواع المتصورات في طريقة انتقالها وتكاثرها. والإنسان هو المستودع الوحيد للمتصورة البشرية التي تعيش في مجرى دمه ضمن الكريات الحمر، وتتكاثر فيه بطريقة لاجنسية انقسامية schizogony، كما تتشكل ضمن الكرية الحمراء أشكالاً أخرى مميزة جنسياً خاصة بالتكاثر التبوغي sporogony هي العِرسِيات gametocytes بعضها أعراس كبيرة مؤنثةmacrogametocyte وبعضها الآخر صغيرة مذكرة micro gametocytes.
    ويتم التكاثر التبوغي في البعوضة في حين يتم التكاثر بالانقسام في الإنسان (الشكل رقم 1).

    ـ التكاثر التبوغي: تعيش العرسيات في الدم المحيطي لمدة أسبوعين ثم تموت ما لم تمتصها أنثى بعوضة مناسبة من الإنفيل مع غذائها وتخرجها من دم الثوي (المضيف) لتنقلها لثوي آخر بطريقة غير مباشرة ودورية، أي إنّها بعد أن تتم فيها تطورها وتكاثرها بطريقة جنسية تبوغية تمر بعدة أطوار.
    ـ التكاثر بالانقسام: بعد زرق الحيوانات البوغية في الجلد، تنتقل هذه الحيوانات إلى الدورة الدموية التي توصلها في نصف ساعة إلى الكبد حيث تدخل خلاياها المتنية ويتحول شكلها المغزلي المتطاول إلى شكل كروي أطلق عليه اسم الخافيةcryptozoite.
    تبدأ الخافية، بعد توضعها في الخلية الكبدية، التي يتشوه شكلها. وتتجزأ الخافية الواحدة إلى آلاف من الأقاسيم merozoitesوالخوافي التي تتحرر من الخلية الكبدية المتلفة فتهاجمها خلايا كوبفر والبالعات وتلتهم أعداداً منها. فيدخل ما نجا من الأقاسيم الدوران إذ تهاجم الكريات الحمر لتبدأ أول دورة تكاثرية تقسمية دموية؛ ويدخل ما نجا من الخوافي خلايا كبدية سليمة حيث تشكل كل واحدة خليفة خافية metacryptozoite وتعيد الدورة التكاثرية التقسمية النسجية التي تدعى بالدورة خارج الكريات الحمر، وقد تستمر هذه الدورة الكبدية أشهراً أو سنين بحسب الذرية.
    أما الأقاسيم التي دخلت الدورة الدموية فتلتصق بالكريات الحمر، ثم تدخل الكرية لتبدأ بالنمو والتكاثر ضمنها بطريقة لاجنسية تقسمية، فيتبدل حجم الأقسومة وشكلها بحسب مراحل النمو والتكاثر ونوع المتصورة، إذ تكون عند دخولها الكرية الحمراء كريّة قطرها 0.7-1.5 مكرومتر يطلق عليها اسم الأتروفة (الحُييوان الغذائي) trophozoite. ثم تبدأ الأقسومة منذ دخولها الكرية الحمراء بالنمو والتغذي بهيموغلوبين الكرية، فتستهلك الغلوبين من دون الهيمheme . يبدأ الكروماتين بالتجزؤ ليبلغ عدداً ثابتاً لكل نوع، فيطلق على الطفيلي في هذه المرحلة اسم «المتقسمة schizont». ومتى بلغت الأجزاء العدد المناسب وصارت المتقسمة ناضجة فتدعى باسم الوردية rosace، عندئذ تتشقق هيولاها بين أجزاء الكروماتين وتنفصل الأجزاء مشكلة أقاسيم جديدة تاركة خارجها الأصبغة البردائية. ثم يلي ذلك تحطم الكرية الحمراء.
    تستغرق كل دورة تكاثرية 24-48 ساعة إذا كانت المتصورة منجلية، و48 ساعة إذا كانت المتصورة نشيطة أو بيضوية، و72 ساعة إذا كانت المتصورة وبالية.
    وبعد أربعة أيام إلى عشرة من بدء الدورة التكاثرية الدموية الأولى تظهر في الكريات الحمر أقاسيم لا تحتوي فجوة غذائية ولا يمكنها التجزؤ بل تتابع نموها وتتمايز جنسياً لتصبح بعد ستة أيام عرسيات كبيرة وصغيرة خاصة بالتكاثر التبوغي.
    الأعراض السريرية
    ترتبط التظاهرات البردائية، ارتباطاً مباشر أو غير مباشر، بانفجار الكريات الحمر وانطلاق ماتحتويه، في نهاية كل دورة تكاثرية تقسمية دموية، إلى المجرى الدموي. أما التكاثر التقسمي الكبدي والعرسيات فلا تحدث أي تظاهرات مرضية.
    وترتبط شدة الأعراض وخطرها بنوع المتصورة وكثافتها في الدم ودرجة مناعة المصاب. ولا تبدأ الأعراض الوصفية أول مرة إلا إذا بلغت الأقاسيم، في كل ميلي لتر مكعب من الدم، عدداً كافياً وقادراً على إحداث الأعراض، يختلف بحسب أنواع المتصورة وذراريها، ويتطلب بلوغ هذا العدد إتمام دورتين تكاثريتين في الدم أو ثلاث بعد انتهاء الدورة الكبدية، مما يجعل دور الحضانة يستغرق عشرة أيام إلى عشرين، وقد يمتد إلى ستة شهور أو تسعة.
    ولا يشاهد أي عرض في الجزء الأول لدور الحضانة الكامن. أما في دور الحضانة الظاهر فقد تظهر عند بعض المرضى أعراض غير وصفية تبدو حمى بدئية مستمرة أو غير منتظمة، تنجم عن غزو الطفيلي للدم، ترافقها وعكة عامة وصداع وقهم (قلة الشهوة إلى الطعام) anorexia وغثيان أو إقياء وإسهال بسيط، كما تظهر عند المصاب باقة من الحلأ الشفويherpes. ويكشف الفحص السريري وجود ألم في الطحال من دون ضخامته في حين يزداد حجم الكبد غالباً وخاصة عند الأطفال، ويقل البول ويصبح لونه قاتماً وقد يحتوي الألبومين.
    بعد مدة من الزمن، تصبح الأعراض وصفية، وتحدث نوبات بردائية منتظمة يتواقت بدؤها مع تخرب الكريات الحمروانطلاق محتوياتها التي تصبح مادةً مولدة للحرارة. تبدأ النوبة غالباً في أثناء الليل فجأة وتستمر ما يقرب من عشر ساعات تتظاهر في أثنائها بثلاثة أدوار هي النافض ثم الحمى ثم التعرق وتعقبها مدة إقلاع (لا حرورية).
    إن هذه الأعراض الناجمة عن الإصابة الدموية، قد تشاركها تظاهرات أخرى تحدث نتيجة اضطرابات وتبدلات جهازية تختلف باختلاف نوع المتصورة المسببة وتكرار الإصابة وطريقة العدوى مما جعل البرداء تتجلى بعدة أشكال هي:
    البرداء الحميدة والبرداء الوبيلة والبرداء المزمنة والبرداء الولادية والبرداء بنقل الدم وحمى الماء الأسود.
    1 ـ البرداء الحميدة: تحدث عند الإصابة بالمتصورة النشيطة أو البيضوية أو الوبالية. ولا تتعدى شدة أعراضها النوبة الوصفية ولا تترافق بمضاعفات، وتتجلى نوبتها بالأعراض الآتية:
    ـ النافض: ترتفع حرارة المريض فجأة فتبلغ 39ْ. ويشعر المصاب في أثناء ذلك ببرودة محيطية تترافق بنافض شديد وصَكَّة snap سنية فيلتحف بما تصل إليه يداه. ويتسرع نبضه ويهبط ضغطه ويتضخم طحاله. يستمر هذا الدور ساعة من الزمن.
    ـ دور الحمى: يتوقف النافض ويشعر المريض بسخونة متزايدة تضطره إلى طرح أغطيته. ويحتقن وجهه وتصبح حرارته 40ْ-41ْ ويمتلئ نبضه ويتسرع تنفسه ويجف حلقه ويشعر بآلام مفصلية وهضمية وتتضاءل ضخامة طحاله المؤلم. يستمر هذا الدور من ساعتين إلى ثماني ساعات ثم يدخل الدور الثالث.
    ـ دور التعرق: يحدث عند المصاب تعرق غزير يبلّل ثيابه وتنخفض حرارته، ويعود نبضه وتنفسه لسوائهما، ويسكن صداعه. فيشعر براحة يتوخى في أثنائها النوم. يستمر هذا الدور من ساعتين إلى خمس ساعات.
    ـ المدة اللاحرورية: تعقب الأدوار الثلاثة السابقة مدة لاحرورية، يستمر في أثنائها الشعور بتوعك خفيف. وتمتد هذه المدة حتى نضج الورديات وانفجار الكريات الحمر من جديد لتبدأ نوبة جديدة.
    وهكذا تتكرر النوبات عند المصاب بالمتصورة النشيطة أو البيضوية كل ثمان وأربعين ساعة فتسمى الحمى الناجمة عنها بالحمى الثلث أو الغِبّ أي تحدث نوبها في اليوم الأول فالثالث فالخامس فالسابع؛ وتتكرر النوبات عند الإصابة بالمتصورة الوبالية كل 72 ساعة فتسمى الحمى الناجمة عنها بالحمى الربع أي تبدأ نوباتها في الأيام التالية (الأول فالرابع فالسابع فالعاشر). وتتكرر النوبات عند الإصابة بالمتصورة المنجلية بعد مدة تمتد بين أربع وعشرين ساعة وثمان وأربعين، مما يجعل النوبات والحمى فيها غير منتظمة غالباً.
    ويمكن أن تحدث النوبات من دون انتظام أيضاً إذا أصيب الإنسان بنوعين من المتصورات أو الأنسال فتتداخل النوبات.
    2 ـ البرداء الوبيلة: إصابة شديدة وصاعقة تترافق بأعراض دماغية حادة، تحدث عادة لدى المصابين بالمتصورة المنجلية ونادراً بالمتصورة النشيطة أو الوبالية، وذلك لأن المتصورة المنجلية تتم مراحل تكاثرها في الشعيريات الجهازية ولاسيما الدماغية والكلوية؛ كما تحدث درنات على سطح الكريات الحمر المصابة مما يجعل الكريات الحمر تلتصق بالخلايا البطانية للشعيريات الجهازية، فتضيق لمعة الأوعية وتتكون فيها صمات صغيرة. ثم تنحل الكريات المتراصة وتطلق مادة شحمية فسفورية تؤدي إلى حدوث تخثر منتشر داخل الأوعية، تنجم عنه احتشاءات مختلفة السعة ونزوف. كما تتحرر مواد منشطة للأوعية (كينين، وسيروتونين وهيستامين) تزيد من خطورة الاضطرابات الوعائية بإحداثها توسعاً في الشعيرات، ينجم عن بطء دوراني وزيادة في نفوذية جدر الشعيرات فتؤدي إلى ظهور رشح مصوري ووذمات حشوية. كما يطلق الطفيلي سموماً تثبط التنفس الخلوي فتتأثر الخلايا النبيلة.
    ومن خصائص المتصورة المنجلية أنها تصيب الكريات الحمر الفتية والشائخة ولا يوجد حد لعدد الكريات الحمر المصابة بها. لذلك يكون فقر الدم الناجم عن تخرب الكريات شديداً. ويتطلب هذا التخرب زيادة فعالية البالعات لتخليص الجسم من المخلفات وهذا يستدعي زيادة تصنعها في الجملة الشبكية البطانية المتوضعة، خاصة في الطحال والكبد، والنقي والعقد اللمفية، فتتضخم. كما تنجم، عن تخرب الكريات الحمر، كمية من الخضاب؛ يقوم الكبد بتحويلها إلى هيموسيدرين ثم إلى بليروبين يطرح مع الصفراء. وقد تكون كمية البليروبين كبيرة فتنحبس في الدم مسببة اللون اليرقاني في البدن. لذلك يمكن للبرداء الوبيلة أن تقلّد كثيراً من الأمراض، فأطلق على نوباتها اعتماداً على الأعراض المتغلبة الأسماء الآتية:
    ـ النوبة الدماغية: يحدث فيها سبات أو هيوجية irritability أو اضطراب نفسي أو وظيفي. وهي أخطر النوبات؛ إذ تبلغ نسبة الوفاة 25-50% من المصابين بها.
    ـ النوبة المعدية المعوية: ترافق النوبات في هذا الشكل أعراض هضمية تتبدى بفُواق hiccup، وإقياء عنيدة وآلام معدية معوية وإسهالات دموية أو زحارية أو هيضية.
    ـ النوبة الصفراوية: يحدث فيها احتقان كبدي مؤلم وإقياء صفراوية ويرقان.
    ـ النوبة النزفية: ترافقها نزوف في الأغشية المخاطية والجلد.
    ـ النوبة القلبية: تبدو بشكل نقص ارتواء أو احتشاء قلبي.
    ـ النوبة الرئوية: تتغلب فيها الأعراض الرئوية.
    ـ النوبة الكلوية: يرافقها التهاب حاد أو مزمن في الكلية.
    3 ـ البرداء المزمنة: تنجم البرداء المزمنة عن استمرار معاودة النوبات مدةً طويلة من الزمن. وتحدث المعاودة إذا كان المصاب سيئ التغذية أو منقوص المناعة أو مقيماً في منطقة موبوءة وتعرض لأخماج إضافية، أو عولج معالجة ناقصة فتكرر النكس عنده مراراً. ففي مثل هذه الحالات يزداد نشاط الجملة الشبكية البطانية فيتضخم الطحال (صورة رقم1) ويصل أحياناً حتى الحفرة الحرقفية؛ كما يتضخم الكبد. ثم ينضم لفرط التصنع التليف فيصبح الطحال قاسياً والكبد متليفةً وتنقص هيولينات الدم مما يؤدي إلى الدنف البردائي (النحول) cachexia وحدوث وذمة أو حبن (استسقاء) في الجسم (صورة رقم2)، كما يؤثر في نمو الطفل المصاب بنيوياً وعقلياً. ويؤدي تليف النقي والعقد اللمفية إلى حدوث نقص في عدد الكريات البيض.
    4 ـ البرداء الولادية: من الثابت اليوم أن المتصورات تنتقل من الحامل المصابة بالبرداء إلى جنينها بطريق الحاجز المشيمي. ويسبب وجود الطفيليات في دم الجنين موت الجنين غالباً. فإذا أصيبت الحامل بنوبة بردائية في أثناء الحمل، سببت لها الإجهاض أو ولادة طفل مليص (ميت) stillborn. أما إذا كانت إصابة الحامل مزمنة ويحتوي دمها على غلوبينات مناعية فإن الغُلوبلين المناعي G الذي ينتقل إلى الجنين في أشهر الحمل الثلاثة الأولى يحميه من الإصابة في أثناء هذه المدة فقط؛ ولهذا يوصى بالمعالجة الوقائية في أثناء الحمل، لأن استعمال الكينين أو 4ـ أمينوكينولين لايسببان أي تأثير مجهض، خلافاً لكل اعتقاد سابق.
    5 ـ البرداء بنقل الدم: تقاوم الأشكال التقسمية للمتصورات درجات الحرارة المنخفضة فتبقى حية في الدم المحفوظ بدرجة 4ْ مئوية لعدة أيام. لذلك يمكن للبرداء أن تنتقل بنقل الدم المحفوظ لكنها تختلف بالمظاهر السريرية عن الانتقال الطبيعي. فدور الحضانة يقتصر على يومين حتى ستة أيام. ولا يحدث فيها نكس. ومعالجتها بسيطة تقتصر على الأدوية المؤثرة بالطور الدموي فقط. ويمكن حماية آخذ الدم في مناطق استيطان البرداء بتطبيق المعالجة الوقائية.
    6 ـ حمى الماء الأسود: شكل خطير من البرداء يحدث في البلاد الحارة عند المصابين ببرداء مزمنة بالمتصورة المنجلية أو إثر إصابة متكررة أو معالجة ناقصة لها. فيحدث عند المصاب انحلال فجائي لكريات دمه الحمر المصابة بالمتصورات أو غير المصابة وينجم هذا الانحلال عن حالة تجاوبية غالباً. فترتفع كمية الخضاب في مجرى دمه إلى نسبة تتجاوز عتبته الكلوية فتحصل بيلة دموية، كما يزداد البيلروبين الناجم عن استقلاب الخضاب في الكبد، فتزداد لزوجة الصفراء وبالتالي تسبب إعاقة لطرح البيلروبين فيرتفع مقداره في مجرى الدم ثم يتوضع في النسج والجلد مسبباً اليرقان، وهكذا تكتمل اللوحة السريرية لحمى الماء الأسود التي تتصف بثلاثة أعراض أساسية هي الحمى واليرقان والبيلة الخضابية. ويكون إنذار هذا النوع من البرداء سيئاً لكثرة وفياته التي تنجم عن انقطاع البول واسترخاء القلب.
    التشخيص السريري والمخبري للبرداء
    توحي النوبات الوصفية، في منطقة توطن البرداء، بالإصابة البردائية الحادة. كما يوحي اجتماع الحمى مع فقر الدموضخامة الطحال بالبرداء المزمنة.
    أما في المناطق التي لايتوطن فيها هذا المرض، فإن التشخيص السريري يبقى بعيداً عن التفكير لأن مظاهر النوبة والأعراض المرافقة لها، تشبه أعراضَ كثير من الأخماج فتلتبس بها. ومن أهم هذه الأخماج: السل، والحمى التيفية ونظائرها، وذات القصبات والرئة، والنزلة الوافدة، وتجرثم الدم، والخراجة المتحولية، والزحار بالشيغِلاَّت Shigella، والهيضة، والحمى الراجعة، والحمى المتموّجة، والحمى الصفراء، وحمى الضنك. لذلك لابد لتأكيد التشخيص من إجراء فحوص مخبرية مباشرة (طفيلية) وغير مباشرة (خلطية).
    ـ الفحص المباشر: يتم برؤية المتصورة أو أصبغتها في دم المريض أو نقيّه بعد تهيئة قطرة ولُطاخه من دمه السطحي وتلوينها بطريقة «غمزا». فتفيد القطرة للكشف عن المتصورة وتساعد اللطاخة على تعيين نوعها.
    ويشترط للحصول على نتيجة صحيحة، أخذ الدم قبل أي معالجة وفي ذروة دور الحمى أو نهايته. فإذا لم تشاهد المتصورة، مع الاشتباه بالمرض سريرياً، وجب تكرار أخذ النماذج كل يومين وفحصها والتأكد من خلوها من المتصورات قبل نفي الإصابة إذ قد تكون كمية الطفيليات قليلة. وإذا شوهدت المتصورات في قطرة الدم أمكن تمييز أنواعها ضمن اللطاخة بالصفات الشكلية المميزة لكل نوع منها، ويتعرف عليها المخبري.
    ـ الفحص غير المباشر: يفتش فيه عن التبدلات الخلطية الخلوية والكيمياوية والمناعية. فيطلب من المشتبه بإصابته وبحسب حالته، عددالكريات الحمر وشكلها وحجمها، وعدد الكريات البيض والصيغة حيث تغلب الكريات البيض الحمضة eosinophile وعدد الكريات الشبكية والصفيحات؛ كما يطلب تحري الأصبغة البردائية.
    أما الفحوص المناعية فإنها لا تعيض دوماً من الفحص المباشر لغياب الأضداد أحياناً أو انخفاض مقدارها إلى درجة حتى ليصعب كشفها وخاصة إذا كانت الإصابة أولية والنوبات في بدئها، لكن هذه الفحوص ذات أهمية لتشخيص الإصابة عند الذين استعملوا أدوية مضادة للبرداء سواء للمعالجة أو للوقاية وكذلك للدراسة الوبائية؛ كما تستعمل في مناطق توطن البرداء للكشف عن إصابة المتبرعين بالدم ولمعرفة أسباب بعض المتلازمات كضخامة الطحال المدارية والحُميات المديدة وتُسلك في هذه الفحوص طريقة التألق المناعي غير المباشر، أو التراص الدموي أو الترسب أو الطرق المناعية الأنظيمية (إليزاELISA).
    المعالجة
    يعالج المصاب بالبرداء معالجة عرضية ومعالجة سببية.
    1 ـ المعالجة العرضية: يدفأ المريض في دور النافض، ويوضع في مغطس بارد في دور السخونة، ويوقى من البرد في دور التعرق ويبزل سائله الدماغي الشوكي في حالة السبات؛ وينقل له الدم عند حدوث فقر دم شديد ويعطى غذاءً جيداً بعد انتهاء النوبة.
    2 ـ المعالجة السببية: تتطلب المعالجة التامة استعمال دواء مبيد للمتصورة بأشكالها المختلفة الدموية والنسجية والعرسية.
    وتقسم الأدوية المبيدة للمتصورات بحسب سرعة تأثيرها وما يحدث من مقاومة تجاهها مجموعتين:
    ـ تضم المجموعة الأولى الكينين ومشتقات 4 ـ أمينوكينولين 4-amino-quinolines وهي مواد سريعة التأثير ومبيدة للأشكال التقسمية الدموية تحديداً دون النسجية ويصعب حدوث مقاومة لها.
    ـ وتضم المجموعة الثانية مواد بطيئة التأثيرهي: مضادات الفوليك: كالسُلفون والسُلفوناميد، ومضادات الفولينيك كثنائي غوانيد biguanides ودي أمينوبيريميدين وهي مواد تبيد الطور التقسمي الدموي لجميع الأنواع والطور التقسمي خارج الدم للمتصورة المنجلية وتمنع التكاثر التبوغي لجميع أنواع المتصورة. كما تضم هذه المجموعة بعض الصادات (كالتتراسكلين والكلنداميسين) التي تبيد الأشكال التقسمية الدموية ولكن تظهر مقاومة تجاهها بسرعة.
    عرفت منذ عام 1951 مقاومة بعض ذراري المتصورة النشيطة والمنجلية تجاه مركب ثنائي غوانيد، وفي عام 1960 ذكرت أيضاً مقاومة بعض الذراري لمركب دي أمينوبيريميدين. لكن أكثر المقاومات أهمية وخطورة هي مقاومة المتصورة المنجلية لمشتقات 4ـ أمينوكينولين التي ظهرت في أمريكة الجنوبية وجنوب شرقي آسيا.
    فللشفاء من النوبات أو للوقاية من الإصابة، إذا كان الشخص غير منيع إزاء البرداء، تستعمل حبوب الكلوروكين أو الأمودباكين لمدة ثلاثة أيام، وإذا كان الشخص منيعاً يكتفى بجرعة واحدة من الدواء، وإذا كان المقصود وقاية شخص في مناطق توطن البرداء استعمل العلاج بمقادير أقل أي جرعة واحدة كل أسبوع. وإذا كانت ذرية المتصورة مقاومة للكلوروكين استعمل لعلاجها المفلوكين. ولاستئصال المرض ومنع نكسه تشرك الأدوية السابقة بمشتق 8 ـ أمينوكينولين (بريماكين) القاتل للطور قبل الدموي وللعرسيات.
    لمحة وبائية
    البرداء مرض خطير عرف منذ فجر التاريخ. فقد حدثت له جائحات قضت على أعداد كثيرة من البشر وماتزال تقدر الإصابات بالملايين. ففي عام 1988 بلغ عدد المصابين بالبرداء، كما ورد في تقرير منظمة الصحة العالمية (240 مليون مصاب)، وكانت أكثر الإصابات ناجمة عن المتصورة المنجلية وتليها المتصورة النشيطة فالوبالية فالبيضوية. وتنتشر هذه الإصابات، في الأقاليم الحارة والدافئة حول محور الكرة الأرضية.
    ومن الأسباب المساعدة لانتشارها توفر المجامع المائية الراكدة المساعدة لتكاثر البعوض (المستنقعات ومزارع الرز في آسية وإفريقية خاصة).
    وقد أظهرت الإحصائيات أن معدل الإصابات آخذ بالانخفاض في بعض البلدان كالصين والهند وسورية، نتيجة للجهود المبذولة باستمرار في مكافحة الناقل وتطبيق المعالجة الشافية. وتراجع وجود المستنقعات في سورية خاصة نتيجة الجفاف الآخذ بالازدياد تدريجياً إضافة إلى تجفيف المستنقعات لاستثمار الأراضي كما حصل في مشروع تجفيف الغاب مثلاً.
    ولابد عند مكافحة الناقل من التغلب على مقاومة الإنفيل للمبيدات الحشرية. إذ تبين منذ خمسينات القرن العشرين أن استعمال المبيدات الحشرية بكثرة ولغايات مختلفة جعل الإنفيل يطور مقاومته لها فأصبح لا يتأثر بمعظم المواد الكيمياوية المستخدمة.

    برهان الدين الحفار

  7. #527
    البرفيرين والبرفيرية

    البرفيرينات porphyrins أصبغة أرجوانية اللون، ذات بنية أساسية تضم أربع حلقات من البيرول، متصلة بجسور الجذرCH، تؤدي إلى تركيب أنواع مختلفة من البرفيرين.
    تتركب البرفيرينات في معظم أنسجة البدن مؤدية في النهاية إلى تشكل الهيم، أما الهيم فهو أحد العوامل المركبة للهيموغلوبين. ويحتوي جزيء الهيموغلوبين أربع سلاسل من الغلوبين وأربعة جزيئات من الهيم. وتعد طلائع الكريات الحمر والكريات الحمر والكبد أهم أماكن تركيب الهيم وإنتاجه، وأي خلل في إحدى مراحل تركيب الهيم يؤدي إلى تراكم طلائع البرفيرين أو أحد أنواع البرفيرين في أماكن إنتاجها وفي المصل، وينجم عن ذلك زيادة في طرحها في البول والبراز مؤدية إلى مجموعة من المتلازمات المرضية تعرف بالبرفيرية porphyria.
    وأهم أنواع البرفيرين في الجسم هي:
    ـ طلائع البرفيرين: وهذه المركبات لالون لها، ذوابة في الماء، يُطرح 90% منها عن طريق الكلية.
    ـ برفيرين البول uroporphyrin: ويزداد طرحه زيادة كبيرة في البرفيرية وحالات التسمم بالرصاص.
    ـ برفيرين البراز coproporphyrin: ويزداد طرحه في البراز ازدياداً كبيراً في البرفيرية والأمراض الكبدية وفقر الدم الانحلالي والكحولية والتسمم بالرصاص.
    ـ البروتوبرفيرين: يوجد في الخضاب ويطرح في البراز فقط.
    البرفيرية
    مجموعة من الاضطرابات الاستقلابية نادرة الحدوث وراثية المنشأ أو مكتسبة، تنجم عن نقص واحدة أو أكثر من الخمائر المسؤولة عن تركيب الهيم.
    تصنف هذه الاضطرابات، بحسب الموقع الأولي لزيادة إنتاج البرفيرين وتراكم طلائعه، في زمرتين رئيسيتين، الأولى البرفيرية الكبدية وأهم تظاهراتها السريرية نوب الألم البطني واعتلال الأعصاب والاضطرابات النفسية، والثانية برفيرية تكون الحمر erythropoiesis وأهم تظاهراتها التحسس الجلدي الضيائي، إذ تثير الشمس بأشعتها فوق البنفسجية البرفيرين المتوضع في الجلد فتتولد طاقة تخرب الجلد، وتظهر الاندفاعات الفقاعية والحويصلية، على الأجزاء المعرضة للشمس.
    يتأخر تشخيص البرفيرية عادة لأن معظم تظاهراتها السريرية غير نوعية، والفحوص المخبرية لتحري طلائع البرفيرين والبرفيرين في البول والبراز وحدها تسمح بوضع التشخيص الأكيد للبرفيرية، وتحديد نوعها بدقة. ولتحري الحَمَلَة من أقارب المصابين يمكن اللجوء إلى عيار الخمائر المسؤولة في سبيل إنتاج الهيم، وهناك أنواع من البرفيرية هي:
    1ـ البرفيرية الكبدية hepatic porphyria وهي تشمل:
    ـ البرفيرية الحادة المتقطعة acute intermittent porphyria.
    ـ البرفيرية المتنوعة variegate porphyria.
    ـ البرفيرية البرازية (الكوبروبرفيرية) الوراثية hereditary coproporphyria.
    ـ البرفيرية الجلدية المتأخرة porphyria cutanea tarda.
    تورث هذه الأنماط وراثة جسمية قاهرة، تُعرف بوجود طورين: كامن وحاد، والمرضى في الطور الكامن لاعرضيون عادة إلا بتعرضهم للعوامل المحرضة لظهور النوب كالحمية الناقصة الحريرات وتناول الكحول والشدة الجراحية والأخماج الجراحية ومجموعة كبيرة من الأدوية أهمها البربيتورات [ر]، السلفوناميد، الميبروبامات، الهيدانتوئين، الكاربامازبين، الإستروجينات التركيبية، البروجسترونات، الأرغوت، الباراسيتامول، الكريزيوفولفين.
    ويلاحظ مخبرياً وجود زيادة خفيفة في طلائع البرفيرين والبرفيرين في البول والبراز في الطور الكامن للمرض.
    ـ البرفيرية الحادة المتقطعة: مرض منتشر في كل أنحاء العالم، يكثر عند الاسكندنافيين، وفي المملكة المتحدة، يصيب كلا الجنسين وبخاصة النساء في منتصف العمر، والأعراض نادرة قبل سن الخامسة عشرة وبعد سن الستين، ويؤدي هذا المرض عادة إلى العجز، ولكنه نادراً ما يؤدي إلى الموت.
    أهم مظاهر المرض في الطور الحاد هي الألم البطني القولنجي وهو شديد، لاترافقه علامات موضعة، ويكون مصحوباً بغثيان وإقياء، وانتفاخ البطن والإمساك، وقد يحدث العكس فتزداد أصوات الأمعاء ويرافق الحالة إسهال. الفحص السريري يبدي مضضاً معمماً مع حمى وبعض الأعراض الناجمة عن ازدياد الفعالية الودية كتسرع القلب والضجر والقلق والأرق وزيادة التعرق. وبفحص الدم تُلاحظ زيادة معتدلة في عدد الكريات البيض، وكثيراً ما يلتبس تشخيص هذه الحالة بالأمراض التي تسبب حالة بطن جراحي حاد، مثل التهاب الزائدة الدودية والقولنج الكلوي والقولنج المراري والتهاب المعثكلة (البنكرياس)، مما يؤدي إلى إجراء عمليات جراحية متعددة لالزوم لها.
    أما الأعراض العصبية فهي نادرة، وقد تشاهد ببدء حاد لاعتلال عصب محيطي مع شلل طرف ونقص حس، يترافق عادةً بخمود أو قلق وأحياناً الأهلاس وجنون العظمة. وقد يحدث الموت إذا تأخر التشخيص والعلاج.
    ومفتاح التشخيص هو وجود قصة عائلية وفحص البول حيث يتحول لونه إلى بني يضرب إلى الحمرة الداكنة إذا ترك. تتحرض الهجمات بالكحول وبعض الأدوية كمضادات الاختلاج ومانعات الحمل الفموية.
    تعالج نوب الألم البطني بإعطاء المسكنات المركزية ذات التأثير المورفيني المخدر، وتعطى الفينوتيازينات لمعالجة الغثيان والإقياء والقلق، ويفيد إعطاء السوائل السكرية عن طريق الفم أو الوريد في إنقاص إنتاج طلائع البرفيرين وطرحها، ويعد الهيم العلاج النوعي الأكثر فعالية من سواه، ويحدث الشفاء عادة في يومين وتغيب الأعراض البطنية، في حين يكون تحسن الأعراض العصبية بطيئاً جداً ويمكن أن يستمر لسنوات.
    ـ البرفيرية المتنوعة والكوبروبرفيرية الوراثية:الأعراض نادرة عادة قبل سن البلوغ، إلا عند متماثلي اللواقح (متماثلي الزيغوت) homozygous. المظاهر السريرية في هذين النوعين في المرحلة الحادة تتضمن أعراضاً حشوية وعصبية، يضاف إليها بعض المظاهر الجلدية كحدوث تصبغات جلدية، شعرانية عند الإناث ومظاهر تحسس جلدي ضيائي، وتشخص هذه الحالات بعيار البرفيرين والبروتوبرفيرين في البراز والبول الذي يزداد طرحه بكميات معتدلة في الطور الكامن، وبشكل كبير أثناء النوبات، ولا يختلف العلاج عن الموصوف في نوبة البرفيرية الحادة المتقطعة.
    ـ البرفيرية الجلدية المتأخرة: أكثر هذه الاضطرابات شيوعاً، تعرف سريرياً بالتهاب جلد تحسسي ضيائي وتصبغات جلدية وزيادة أشعار وأذية كبدية. وبغياب الأعراض الحشوية والعصبية يزداد تركيز البرفيرين في الكبد والمصل ويزداد طرحه كثيراً في البول، وقليلاً في البراز، وتكون كمية طلائع البرفيرين المطروحة في البول والبراز سوية.
    تكثر عند الذكور بين سن الأربعين وسن السبعين ويمكن أن يحدث هذا المرض حين وجود عامل يؤدي إلى تفاقم الاضطراب الخمائري مثل تشمع الكبد والكحولية وتناول مركبات الحديد والإستروجينات. وتؤدي بعض المواد ذات التأثير السام في الخلية الكبدية مثل الهكزاكلوروبنزين ومركبات الفينول المتعددة الكلور، إلى صورة سريرية ومخبرية مشابهة.
    تعالج البرفيرية الجلدية المتأخرة بفصادة الدم في أثناء النوب مع الحفاظ على خضاب الدم ضمن الحدود السوية الدنيا، ويمكن استعمال مركبات الكلوروكين التي قد تفيد في تخفيف الأعراض الجلدية.
    2ـ برفيرية تكون الحمر erythropoietic porphyria
    وتقسم إلى قسمين:
    ـ برفيرية تكون الحمر الولادية congenital erythropoietic porphyria.
    ـ بروتوبرفيرية تكون الحمر erythropoietic protoporphyria.
    ـ برفيرية تكون الحمر الولادية: مرض نادر جداً يورث وراثة مقهورة، تنجم عن تكون كمية كبيرة من البرفيرين في النقي خاصة في طلائع الكريات الحمر المنوّاة. تبدأ الأعراض السريرية غالباً بعد السنة الأولى من العمر، يعرف المرض بزيادة ترسب البرفيرين في الأنسجة مما يؤدي إلى تحسس ضوئي شديد، وذلك بظهور اندفاعات فقاعية أو حويصلية على أجزاء الجسم المعرضة للشمس، ومع الزمن تتحول هذه الاندفاعات إلى ندوب وجدعاتstumps وتشوهات، وقد يفقد المريض بعض أصابعه أو قسماً من أنفه أو أذنه، وقد تتلون الأسنان باللون الأحمر. ويشكل فقر الدم الانحلالي وضخامة الطحال جزءاً مكملاً للمرض، ولا تحدث في هذا المرض أعراض حشوية أو عصبية، ويكون لون البول زهرياً أو أحمر، إذ يحوي كمية كبيرة من البرفيرين وكمية أقل من الكوبروبرفيرين والعكس في البراز، أما طلائع البرفيرين فتكون كميتها سوية في البول. تترقى الآفة ببطء عادة ويتوفى المريض من إنتان أو نوبة انحلال دم شديدة.
    وأهم خطوة في العلاج هي عدم تعرض المريض لضوء الشمس، ويفيد استئصال الطحال في تحسين فقر الدم الانحلالي ويقلل من التحسس الضوئي ومن طرح البرفيرين.
    نقل الدم المتكرر يثبط توليد الكريات الحمر بالنقي ويقلل من ثم من تشكل البرفيرين وقد يكون لإعطاء الكاروتين B عن طريق الفم قيمة في إنقاص التحسس الجلدي لضوء الشمس.
    ـ بروتوبرفيرية تكون الحمر: أكثر أشكال برفيرية تكون الحمر شيوعاً، وراثة هذا الشكل وراثة جسمية قاهرة، تتكامل الأعراض في الطفولة وأهم أعراضه مظاهر التحسس الجلدي للضوء مع الحكة الشديدة المؤلمة والوذمة والحُمامى erythema على الأجزاء المكشوفة من الجسم، يتصف المرض من الوجهة الكيمياوية الحيوية بزيادة محتوى الأرومات الحمر والكريات الحمر من البروتوبرفيرين ومن ثم ارتفاع مستواه في المصل وزيادة طرحه في البراز.
    ويكون سير المرض سليماً عادة ولا تظهر إلا الأعراض التي لها علاقة بالجلد، إلا أنه قد يحدث فقر دم انحلالي خفيف، ويمكن أن يحدث قصور في الخلية الكبدية بسبب ترسب كميات كبيرة من البروتوبرفيرين في الخلايا الكبدية.
    تعالج مظاهر التحسس الجلدي الضيائي بإعطاء مركبات الكاروتين عن طريق الفم يومياً، ويساعد راتنج الكوليسترامين على إزالة البروتوبرفيرين من الكبد، وقد يكون له بعض الفائدة في منع تقدم الآفات الكبدية.

    يونس قبلان

  8. #528
    بركنسون (داء ـ)

    كان الطبيب الانكليزي جيمس بركنسون (1755-1824) J.Parkinson قد وصف سنة 1817 التظاهرات السريرية لمتلازمة تتصف بالرجفان fibrillation والصمل rigidity وبطء الحركة bradykinesia. وكانت هذه المتلازمة معروفة قبل بركنسون بزمن بعيد باسم الشلل الرعشي paralysis agitans أو الشلل الرجّاف shaking palsy. إلا أن وصفه الدقيق الشامل هذا جعل المتلازمة تقترن، منذ ذلك التاريخ، باسمه فعرفت بداء بركنسون أو بالبركنسونية parkinsonism.
    وهذه المتلازمة من أكثر أمراض العقد القاعدية انتشاراً، وهي السبب الأكبر في العجز العصبي بعد الستين من العمر؛ إذ تصيب بعد هذه السن 100-150 شخصاً من كل 100000 نسمة؛ وهي تصيب كل العروق والسلالات في العالم، كما تصيب الذكور والإناث بنسبة 3: 2. وتبدأ بين الخمسين والسبعين من العمر. وتتطور أعراضها ببطء، ولم يكشف لها سبب محدد ولذا عرفت بالبركنسونية الغامضة idiopathic P. أو البركنسونية التنكسية degenerativ P. تمييزاً لها من البركنسونية العرضية symptomatic P المعروفة السبب، كتلك التي تلت التهاب الدماغ النومي، بعد وافدة هذا المرض بعد الحرب العالمية الأولى وحدثت في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربة وخلفت آلاف المرضى، وتلك التي تنجم عن التعرض لبعض السمومالصناعية وملوثات البيئة كأول أكسيد الكربون وغاز الإنارة والمنغنيز والنحاس؛ والبركنسونية التي تتلو تناول بعض الأدوية كالرزربين (في أثناء معالجة ارتفاع الضغط الشرياني)؛ وتناول مضادات الذهان كالفنوتيازينات والبوتيروفيزنات (في أثناء معالجة بعض الأمراض النفسية)؛ ثم مالوحظ من حدوثها عند المدمنين بعض مماثلات المبيريدين meperidine اللانظامية MPTPالتي يستعملها أصلاً مدمنو الهيروئين.
    ومع الفرضيات المختلفة التي استقصيت في أسباب داء بركنسون الغامض ما يزال سببه غامضاً، فقد قيل بالبركنسونية الوراثية بعد نشر دراسات عن بركنسونية أسرية أصابت عدة أفراد في الأسرة الواحدة وعلى مدى أجيال متعاقبة، إلا أن الدراسات على التوائم لم تؤيدها، وهناك بركنسونية رضحية traumatic P. شوهدت عند من يتعرضون لرضوض الرأس، ولاسيما رضوض الرأس المتكررة كالملاكمين.
    المرضيات pathology
    الموجودات المرضية المميزة لداء بركنسون هي تنكس العصبونات المصطبغة في المادة السوداء substancia nigraوالموضع الأزرق، والجسم المخطط. ووجود اشتمالات حمضة (أجسام لوي Lewy) في هيولى هذه العصبونات. ولم يعثر على عوامل خمجية أو على نمط نوعي من الوراثة. ويبدو أن لكل حالات البركنسونية أساساً مرضياً واحداً مشتركاً هو نقص الدوبامين[ر]، الناقل العصبي neurotransmitter الذي تفرزه خلايا المادة السوداء. فإذا أصاب التنكس80% من عصبوناتها ظهرت الأعراض السريرية. وتتفاقم هذه الأعراض مع زيادة تنكس المادة السوداء ونفاد depletion الدوبامين فيها وفي الجسم المخطط ونوى المضيق. وقد صار من الممكن تعريف البركنسونية من الناحية الكيمياوية الحيوية بأنها «حالة عوز الدوبامين».
    الأعراض
    لم تتغير أعراض داء بركنسون منذ وصفها بركنسون سنة 1817 وهي: الرجفان والصمل وبطء الحركة وزوال منعكسات الوضعة. تبدأ هذه الأعراض خفيفة مخاتلة وتدريجية، وغالباً في طرف واحد أو طرفين من الشق الواحد من الجسد. ومع أن الرجفان هو العرض البارز والمميز في داء بركنسون، فإنه قد يغيب في 30% من الحالات. والرجفان حركات اهتزازية لاإرادية رتيبة بتواتر 3-7هرتز، تظهر في وضع الراحة وتشمل نهايات الأطراف، وتزول في أثناء النوم، وتتوقف عند بدء الحركة الإرادية لتعود بعدها؛ كما يظهر الرجفان في الذقن والشفتين واللسان أيضاً.
    ويشترك مع الرجفان الصمل (صورة رقم1) وهو علامة رئيسة أخرى في داء بركنسون؛ يشعر المريض معه بتيبس في المفاصل وشد في العضلات ونقص في مرونتها؛ ويكتسب الجسم بسببه وضعية خاصة مميزة للمريض: فالرأس منعطف والجذع منحن إلى الأمام والركبتان منثنيتان والساعدان منعطفان عند المرفقين وملتصقان بالجذع واليدان في الأمام تهتزان، والإبهام والسبابة تتحركان حركة رتيبة تشبه فتل الحبوب أو عد الدراهم، والوجه جامد فاقد التعبير (كالقناع)، والعينان محملقتان والجفنان لايطرفان. يبدأ المريض المشي بخطا قصيرة مترددة متثاقلة جارّاً قدميه جرّاً، ثم تتسارع خطاه فيبدو، مع انحناء رأسه وجذعه، كأنه يركض وراء مركز ثقله (صورة رقم2)، ويصبح المريض عرضة للسقوط إذا غير وضعيته أو أزيح عن مركز ثقله، كما تبطؤ حركات المريض فيعجز عن حركات الدقة ويصبح كلامه خافتاً رتيباً لا يكاد يفهم، وخطه عند الكتابة صغيراً وملزوزاً ومتداخلاً لا يكاد يقرأ، ويشتد عنده بطء الحركة فيعجز عن النهوض من كرسيه وعن التقلب في سريره إلا بالمساعدة؛ ويصبح قعيد الفراش والكرسي المتحرك. واضطرابات السلوك شائعة، فيصبح المريض أكثر استسلاماً وأقل فاعلية وأكثر اعتماداً على الآخرين ويميل إلى الخمود منذ بدء مرضه، وتفيد فيه مضادات الخمود الثلاثية الحلقات. ويصاب نصف مرضى بركنسون بالخرف بعد سبع سنوات.
    سير المرض
    مرض بركنسون بطيء وغير مميت. ونادراً مايصاب المريض بالعجز في السنوات الخمس الأولى من المرض، وإنما يموت عادة بالوهن والضعف المتزايدين؛ أو بذات الرئة الارتشافية أو بالخمج البولي أو بقروح الاضجاع.
    المعالجة
    وجد أن الديبرنيل (selegitmi) deprenil يمنع حدوث البركنسونية التجربية، ويبطىء سير المرض إذا استعمل في المراحل المبكرة؛ كما وجد أنه يُسبب تفريجاً بسيطاً. وتسبب مضادات الكولين (كالارثان والكميدين) تفريجاً عرضياً ولاسيما لصغار السن، والذين يغلب في أعراضهم الرجفان. ويوفر الأمنتادين amantadin، وهو مضاد للفيروسات، بعض التفريج في الرجفان وبطء الحركة، ويفضل الكثيرون في البدء استعمال مزيج من الديبرنيل ومضادات الكولين والأمانتدين، حتى إذا صار هذا المزيج قليل الفاعلية لجؤوا إلى المعالجة المعيضة بالليفودوبا levodopa. ويفيد الليفودوبا في الصمل وبطء الحركة أما تأثيره على الرجفان فقليل. ويصبح الليفودوبا عديم الجدوى بعد استعماله 5-8 سنوات، كما أنه يخفق في تحسين أحوال 15% من المرضى. ويبدأ فقدان الاستجابة لليفودوبا بتموج الاستجابة في 50% من المرضى بعد خمس سنوات. وأهم هذه التموجات زوال تأثير العلاج بعد ساعة أو ساعتين من استعماله، فيعود الصمل ويتجمد المريض فجأة. ويفضل عندها اللجوء إلى المركبات البطيئة كالسينميت Sinemet. ويمكن للديبرنيل أن يطيل مدة تأثير الليفودوبا أيضاً. ولاتستجيب البركنسونية الناجمة عن تناول مضادات الذهان للمعالجة بالليفودوبا لأن الدواء يحاصر أصلاً مستقبلات الدوبامين.
    المعالجات الجراحية: ماتزال المعالجة ببضع المهاد thalamotomy موضع تساؤل على المدى الطويل مع فائدتها الآنية والمؤقتة التي قد تمتد بضع سنوات. أما نقل لب الكظر أو نقل المادة السوداء، من الأجنة إلى الجسم المخطط فما يزالان قيد البحث.
    ويحتاج مرضى داء بركنسون إلى معالجة نفسية فعالة بتشجيعهم وتعريفهم مرضهم ومشكلاته، ومعالجة الخمود النفسي عندهم حين يحدث بمضادات الخمود الثلاثية الحلقات.

    فيصل الصباغ

  9. #529
    البروستاغلاندين

    البروستاغلاندينات prostaglandins أسرة مواد دهنية لها تأثيرات حيوية، ولها شأن في أمراضٍ وأعراض أمراضٍ مختلفة، ولها تأثيرات فرمكولوجية (دوائية) في أجهزة كثيرة.
    كشف الطبيب المشرح الأمريكي غولدبلات H.Goldblatt والفيزيولوجي السويدي فون أولير U.S.Von Eulerالبروستاغلاندينات كل منهما على حدة في بداية الثلاثينات. وحديثاً درس الباحثون شأن البروستاغلاندينات الفيزيولوجي والمرضي في الإنسان والحيوان.
    تصنيفها
    جميع البروستاغلاندينات حموض دهنية ذات 20 ذرة من الفحم، وفيها حلقة خماسية cyclopentane وسلسلتان جانبيتان وجذر هدروكسي أو أكثر.
    تركيبها في الجسم
    البروستاغلاندينات نواتج أكسدة الحموض الدهنية الأساسية اللامشبعة، وأهمها وأكثرها غزارة في الجسم حمض الفول السوداني arachidonic acid وهو سلف الزمرة 2. ويستقلب حمض الفول السوداني بعد تحرره بأحد طريقين: طريق خميرة السيكلوأكسيجيناز cyclo-oxygenase الذي ينتهي بتكوين البروستاغلاندينات، وطريق خميرة الليبوكسيجيناز lipoxygenase الذي ينتهي بتكوين اللوكوتريئين (LT) leukotrienes ومواد أخرى.
    شكل مخطط تسلسل حمض الفول السوداني وطريقتي الاستقلاب
    آلية عملها الفيزيولوجي
    أظهر الطبيب الدوائي الأمريكي سوثرلاند E.W.Sutherland. وجماعته أن التأثيرات الحيوية للهرمونات تتم عن طريق الرسول الثاني وهو cyclic adenosine monophosphate (cAMP) الذي يتشكل في غشاء الخلية بوساطة خميرة adenylate cyclase، ولوحظ أن معظم الهرمونات التي تزيد تركيز cAMP في الخلايا تزيد أيضاً تركيز البروستاغلاندين في الأنسجة. والبروستاغلاندينات مفعّلات قوية لخميرة adenylate cyclase ويبدو أن تأثير هذه المواد في كثير من الخلايا يتم عن طريق cAMPوفي قليل منها عن طريق (cyclic guanosine monophosphate) cGMP وبذلك تكون البروستاغلاندينات هي الرسول الثاني وcAMPالرسول الثالث لتأثير الهرمونات في الخلايا. لذلك عُدّت البروستاغلاندينات طبقة جديدة من الهرمونات الموضعية. ويمكن للبروستاغلاندين الواحد أن ينبه cAMP في أنسجة ما ويثبطها في أنسجة أخرى. مثال ذلك PGE1 ينبه cAMP في القلب والرئةوالكريات البيض وقشر الكظر، ويثبطها في أنابيب الكلية والمعدة ولب الكظر.
    وتقوم البروستاغلاندينات بأحد عملين: فإما أن تحدث استجابات خلوية معينة أو تنظم الاستجابات الخلوية لعوامل أخرى. ففي الحالة الأولى تعمل عمل الشادّات agonists المدرسية (كالإستيل كولين مثلاً) فتنشط خلية مهدوفاً إليها قادرة على الاستجابة. مثال: تأثير البروستاغلاندين المباشر المقبض للعضلات الملس في أنبوب الهضم. أما في الحالة الثانية فهي تعدل إنتاج مواد أخرى شادة أو تعدل فاعليتها. مثال: PGE2 يزيد نتح البروتين من البلاسما بتأثير البراديكينين. وقد تنظم البروستاغلاندينات إفراز الوسائط mediators، ومثال ذلك تثبيط PGE2 لإفراز الحمض في المعدة والهستامين من الخلايا البدينةmastocytes وانطلاق الإستيل كولين من نهايات الأعصاب الودية.


    عمل البروستاغلاندينات وLT في الالتهاب
    لوحظ عمل البروستاغلاندين في حالات الالتهاب عندما كشف الطبيب الدوائي الإنكليزي فان J.B.Vane. وجماعته أن قدرة مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية (الأسبرين والإندوميتاسين وغيرهما) على قمع الالتهاب تتناسب وقدرتها على تثبيط السيكلوأكسيجيناز ومِن ثَمَّ تثبيط تركيب البروستاغلاندين. ولم تكن البروستاغلاندينات معدودة من الوسائط المهمة في الالتهابقبل هذا الكشف. وحار الباحثون في هذا التناقض الظاهري إلى أن عُرف العمل الحقيقي لهذه المواد في الالتهاب. فهي مثلاً قلّما تحدث الألم بذاتها إلا أنها تزيد من شدة الألم المحدث بالبراديكينين bradykinin والهستامين histamine ومدته. ولسلسة PGE فعل مماثل في زيادة النفوذية الوعائية الناجمة عن هذين العاملين. وتوجد البروستاغلاندينات بتركيز عال في الانصبابات الالتهابية كالسائل الزليلي للمفاصل الملتهبة. وتشترك خلايا النسيج الضام والعضلات الملس وبطانة الأوعية بإنتاج PGE2 وPGI2 فيالالتهاب. ويبدو أن البروستاغلاندينات عامة وPGE2 وPGI2 خاصة من وسائط الالتهاب الحاد إذ يتجلى الألم وتوسُّع الأوعية والوذمة. أما في الالتهاب المزمن، فأثر البروستاغلاندينات أقل وضوحاً، لأن الفعل الرئيس هنا للمفوكينات (وهي نواتج تفعيل اللمفيات) هو الجذب الكيمياوي للمعتدلات والوحيدات والبالعات الكبيرة، وفي تفعيل اللمفيات الأخرى وارتشاف العظم وإحداث السمية الخلوية. ويقتصر أثر البروستاغلاندينات هنا على تنظيم الوسائط الأخرى مثال: PGE2 مثبط فعال لتفعيل اللمفيات وما يرافقه من إفراز اللمفوكينات. ويعتقد أن له أثراً في التلقيم الراجع feed-back السلبي لمدى تفعيل اللمفيات ومدته. ويستنتج مما سبق أن للبروستاغلاندينات عملين متعاكسين في الالتهاب: هما تنبيه وتثبيط. وفي حالات عوز الحموض الدهنية السالفة للبروستاغلاندين تزداد فوعة الالتهابات المزمنة الاختبارية كمرض فئران NZB الشبيه بالذأب الحُمامي lupus erythematosus. وبالعكس إن استعمال الحموض الدهنية هذه أو البروستاغلاندينات يخفف من وطأة هذه الأمراض. ولهذا يخشى، نظرياً، من استعمال مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية في الالتهابات المزمنة. لكن في الواقع يكون تأثيرها متوازناً بين فائدتها في تخفيف الألم وتوسع الأوعية والوذمة من جهة، وتفعيلها لإفراز وسائط الالتهاب من جهة أخرى. وقد يفسر هذا الأمر عدم جدوى مضاداتالالتهاب اللاستيروئيدية في الالتهابات المزمنة عدا المفصليّة منها.
    واستمر البحث لإيجاد مواد تثبط استقلاب حمض الفول السوداني، لعلاج الأمراض الالتهابية، ورُكِّبت مواد تثبط السيكلوأكسجيناز هي مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية، ومنها اليوم العشرات في السوق الدوائية تنتمي إلى عدة أسر.
    البروستاغلاندينات وجهاز الهضم
    لهذه المواد أثر في حركة جهاز الهضم وإفرازه، فمنها PGE1 وPGE2 يرخيان مصرة الفؤاد وPGF يقبضها. وهي، عامة، ترخي مصرة البواب وتحافظ على حركة الأمعاء ولاسيما القولون فتزداد كميتها في الأمراض التي يرافقها الإسهال.
    ويثبط PGE1 وPGE2 وPGA1 إفراز الحمض في المعدة بتأثير مباشر على الخلايا الجدارية. وتنقص البروستاغلاندينات حجم مفرزات المعدة ومحتواها من الببسين على نحو متناسب، في حين تثبط إفراز الحمض بدرجة تفوق تثبيطها لحجم العصارة. أما في الأمعاء فينبه PGE إفراز الماء والالكتروليتات من الصائم بما يشبه فعل ذيفان الكوليرا. وتبين أن الذيفانات الداخلية (الإندوتوكسينات) تنبه إفراز البروستاغلاندينات فتكون هذه مسؤولة عن الإسهال وعن التبدلات الهيموديناميكية في الصدمةالسمية.
    لما سبق تطبيقات مهمة. فلمضادات الالتهاب اللاستيروئيدية تأثير مقرِّح معروف يعزى إلى زيادة إفراز الحمض وضعف مقاومة المخاطية نتيجة تثبيط بروستاغلاندينات أنبوب الهضم. ولا يستفاد من إعطاء البروستاغلاندينات عن طريق الفم للوقاية لأنها تستقلب في أنبوب الهضم ويتحول ما امتص منها إلى أشكال غير فعالة في الرئة والكبد. ولكن تمّ تركيب مضاهيات للبروستاغلاندينات تعطى عن طريق الفم للوقاية من التأثير المقرّح لمضادات الالتهاب اللاستيروئيدية منها (16.16 dimethyl-PGE2) DM-PGE2 والميزوبروستول misoprostol.
    البروستاغلاندينات والولادة والإجهاض
    للبروستاغلاندينات تأثيرات عدة في جهاز المرأة التناسلي تشمل علاقتها بهرمونات الوطاء أو تحت المهاد hypothalamusوالنخامى وتأثيرها في المبيض والجسم الأصفر والرحم.
    يزداد إفراز منتحيات المناسل بتأثير البروستاغلاندينات في ما تحت المهاد والنخامى. أما في المبيض فقد يكون لهذه المواد أثر في انبثاق الجريِّب لأن مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية تثبط الإباضة. كما أن إحداث الإباضة بفعل الهرمون الملوتن يعتمد على البروستاغلاندينات وعلى cAMP وcGMP. ويفرز الرحم PGF (الذي يقوم بعمل هرمون منظم لدورة المبيض مسبباً غؤور الجسم الأصفر وتوقف إنتاج البروجسترون بتأثير مباشر، على الأقل في الحيوان). أما في الإنسان، فحقن PGF في الجسم الأصفر يؤدي إلى تراجع البروجسترون وحدوث حيض مبكر. وبالعكس، إن استئصال الرحم أو إعطاء مضادات الالتهاباللاستيروئيدية يطيل عمر الجسم الأصفر ولايتم فعل الإستروجين في انحلال الجسم الأصفر بوجود هذه الأدوية مما يشير إلى أن هذا الفعل يعتمد على البروستاغلاندينات.
    وتنبه البروستاغلاندينات تقلص العضلات الملس وتوجد بمقادير كبيرة جداً في دم الحيض. وهناك تناسب بين كمية البروستاغلاندينات وعسر الطمث. وتفرز بطانة الرحم هذه المواد بمقادير ونوعية تختلف باختلاف مرحلة الدورة الشهرية. فيكثر مثلاً PGF في نهاية المرحلة اللوتيئينية luteinic. وينظم كل من الإستروجين والبروجسترون مقدار البروستاغلاندينات المفرزة فيالرحم ونسبها. فالإستروجين يزيدها والبروجسترون ينقصها ويعدل نسبة ويقلل من حساسية الرحم للبروستاغلاندين.
    ويزداد إفراز البروستاغلاندينات من بطانة الرحم بوجود اللولب مما يفسر جزئياً العقم الناتج عن استخدامه. وإعطاء هذه المواد في أي مرحلة من مراحل الحمل ينبه المخاض، ويعد الطريقة المثلى للإجهاض في الثلث الثاني من الحمل. وتطيل مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية مدة الحمل. ويهبط إنتاج البروجسترون في المشيمة في الأربع وعشرين ساعة السابقة للمخاض، فتزداد حساسية الرحم للبروستاغلاندين وتبدأ التقلصات الدورية. كما تقوم البروستاغلاندينات بدور وسيط للأوكسيتوسين في الرحموقد يكون لها أثر في تنظيم دوران الدم فيها: ففي الحمل يزداد صبيب الدم في الرحم وتصبح أوعيتها مقاومة للهرمونات المقبضة.
    ولما سبق تطبيقات عملية مهمة مثل: إحداث الإجهاض بإعطاء البروستاغلاندين بطريق المهبل أو بطريق الوريد، ومعالجة عسر الطمث بمضادات الالتهاب اللاستيروئيدية.
    عمل البروستاغلاندينات في الكلية وتنظيم الماء والالكتروليتات
    لهذه المواد عملها في تنظيم توعية الكلية وإدرار الصوديوم والماء. فإن PGE2 وPGI2 وPGA2 وPGD2 موسعة للأوعية. وتفرز الكبب الكلوية وأوعيتها الواردة PGE2 وPGI2 اللذين يعملان على زيادة الصبيب الدموي في الكلية وإعادة توزيعه بتوجيهه نحو باطن القشر. وتبطل مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية هذا التأثير. ولا يتضح أثر البروستاغلاندينات في تنظيم دوران الكلية في الحالة السوية بل في اضطراب الدوران الكلوي أو قصوره إذ يزداد إفرازها. وتتدخل البروستاغلاندينات في إفراز الرينين من الخلايا المجاورة للكبب. فتحث البروستاغلاندينات الموسعة للأوعية على إفراز الرينين renin بتأثيرها في مستقبلات الضغطbaroreceptors كما تفعل الموسعات الأخرى كالإستيل كولين والبراديكينين. وتبطل مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية تلك التأثيرات. والمدرُّ المعروف furosemide يوسع الأوعية ويطلق الرينين بفعلٍ تعاكِسُه هذه الأدوية، ولهذا الأمر أهمية لدى إشراك مدر مع مضاد التهاب.
    والبروستاغلاندينات مدرة للصوديوم كموسعات الأوعية الأخرى. وهي تتوسط استجابة البقعة الكثيفة macula densaللصوديوم. وبذلك يتضح أن إفراز الرينين يعتمد على البروستاغلاندين سواء بطريق مستقبلات الضغط أو البقعة الكثيفة. وإن كلا من PGE1 وPGE2 وPGA1 وPGA2 يزيد الصبيب الدموي في الكلية وحجم البول وطرح الصوديوم. وليس واضحاً إذا كان طرح الصوديوم مستقلاً عن التأثير الموسع للأوعية وبالتالي المدر. فقد بُرهن أن PGE2 ينقص عودة امتصاص الصوديوم في القسم الصاعد من عروة هنلة Henle. ويقلل الإندوميتاسين من طرح الصوديوم مؤقتاً لكنه لا يؤثر في طرحه في أثناء حقن السوائل الملحية. وبوجه عام، إن مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية قد تسبب الوذمات وتنقص من وظيفة الكلية بمعاكستها البروستاغلاندينات الموسعة للأوعية والمدرة للصوديوم.
    أما الماء فتتبع عودة امتصاصه في الكلية هرمون الفازوبريسين الذي يزيد نفوذية الأنبوب الجامع للماء. ويفعِّل هذاالهرمون الفسفوليباز فيزداد PGE2 في الخلايا الخلالية. ويثبط PGE2 نفوذية الأغشية للماء ومِن ثَمَّ ينقص الاستجابة للفازوبريسين. ولكن الفازوبريسين، من جهة أخرى، يحث على تركيب cAMP الذي يزيد نفوذية الأغشية. وهكذا فإن الهرمون نفسه ينبه إنتاج مادتين لهما تأثيران متضاربان، وهذا التناقض الظاهري هو في الواقع عملية تنظيم متوازن لطرح الماء. ونجح استعمال مواد مثبطة لتركيب PGE2 تزيد من حساسية الكلية للفازوبريسين في معالجة البيلة التفهة، هي مشتقات sulfonylurea.
    عمل البروستاغلاندينات وLT في الرئة
    تُركَّب البروستاغلاندينات بسهولة في الرئة لغناها بالركيزة substrate أي بالمادة التي يؤثر فيها إنظيم فيسهل تحولها الكيمياوي؛ وتتخرب أيضاً بسهولة فيها بخميرةprostaglandin dehydrogenase (PGDH) وإن استجابة أوعية الرئة وطرقها الهوائية للبروستاغلاندين أعظم من استجابتها لأي مادة أخرى ذات فاعلية وعائية. وأهم بروستاغلاندينات الرئة PGI2 بسبب غناها بالخلايا الوعائية البطانية. ولا يكاد PGI2 يتخرب في الرئة بعكس غيره، وهو البروستاغلاندين الوحيد القادر على توسيع أوعيةالرئة الناضجة. ولا يتضح ذلك في الحالات السوية إذ تكون أوعية الرئة متسعة أصلاً، إلا أن عمله جلي في حالات فرط التوتر الرئوي فهو يوسع الأوعية والطرق الهوائية ويمنع تكدس الصفيحات. ويليه أهمية TxA2 وهو مقبض للأوعية وللطرق الهوائية ومكدس قوي للصفيحات، وله أثر في الصدمة السمية وأعراضها الرئوية. وأخيراً PGF مقبض فعال للقصبات ولأوعية الرئة دون غيرها، ويستقلب بمرور واحد في الرئة. أما PGE2 فيختلف أثره في الرئة بحسب النوع الحيواني وتبدو أهميته في الحفاظ على انفتاح القناة الشريانية في الجنين بالتعاضد مع PGI2. ولما كانت مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية تعبر المشيمة فإن تناولها في الحمل قد يؤدي إلى انغلاق القناة الشريانية ومِن ثُمَّ إلى فرط التوتر الرئوي لدى الجنين. وبالعكس يستفاد من هذا الأمر في حالات عدم انغلاق القناة الشريانية بعد الولادة بإعطاء الوليد مضاد التهاب لاستيروئيدي في الأسبوعين الأولين، إذ تتناقص استجابة القناة لهذه الأدوية مع العمر. وتدعى هذه المعالجة «الربط الكيمياوي للقناة». وبروستاغلاندينات الزمرة 1 نادرة في الإنسان وتأثيراتها الرئوية مختلفة عن تأثيرات الزمرة 2. فمثلاً PGE1 موسع وعائي فعال وPGE2 مقبض ضعيف. ونجح استعمالPGE1 في معالجة فرط التوتر الرئوي العنيد عقب جراحة تشوهات القلب الولادية.
    إن مشتقات طريق الليبوكسيجيناز وسائط مهمة للمكونات الخلطية والخلوية لحادثة الأرج. ولها خصائص مقبضة للأوعية والقصبات تؤثر في فرط التحسس. وتثبط مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية السيكلوأكسيجيناز دون الليبوكسيجيناز. وقد يفسر ذلك حدوث الربو لدى المستعدين حين تناول هذه الأدوية، ويدعى ذلك بالربو الحساس للأسبرين.
    البروستاغلاندينات في الأوعية الدموية والصفيحات: «حادثة التخثر»
    تحتوي الصفيحات خميرة الفسفوليباز C التي تحرر حمض الفول السوداني فيها وتهيئه للتحول إلى بروستاغلاندين. وتقوم مواد كثيرة بتفعيل هذه الخميرة منها الترومبين والغراء والإيبينفرين و(ADP) (adenosine diphosphate) وdivalent ion ionophoreوتركب الصفيحات عدة بروستاغلاندينات أكثرها كمّاً TxA2، وهو مقبض وعائي يضاهي الانجيوتنسين2، كما أنه أقوى مادة مكدسة للصفيحات عُرفت.
    وفي جدر الأوعية تركب الخلايا البطانية والعضلية الملس والفيبروبلاست PGI2 بالدرجة الأولى وأقل منه PGE2 وTxA2. وإن PGI2 موسع لمعظم شبكات الأوعية، وهو أقوى مضاد لتكدس الصفيحات عرف حتى اليوم. ويعمل عن طريق تنبيه cAMPوهو بعكس PGE2 لا يستقلب في الرئة إلا قليلاً، فيبقى مستوياه في الدم الشرياني والوريدي متساويين.
    ويكمن أثر البروستاغلاندين في التخثر بالتوازن بين ما تفرزه جدر الأوعية من PGI2 وما تفرزه الصفيحات من TxA2والتأثيرات المتضاربة لهاتين المادتين. ومضادات الالتهاب اللاستيروئيدية تثبط تركيب البروستاغلاندين عامة من دون انتقاء مطلق، لذلك صَعُب إيجاد عامل معين لتثبيط بروستاغلاندين معين لفائدة علاجية. لكن وُجد أن الأسبرين وحده يثبط سيكلوأكسيجيناز الصفيحات على نحو غير عكوس بالأستلة وفي دقائق. ولما كانت الصفيحات الناضجة لا تركب خميرة جديدة، كان تأثير الأسبرين يدوم دوام حياة الصفيحة في الدوران أي من 9 إلى 12 يوماً. ويكفي مقدار ضئيل من الأسبرين (350ملغ أي قرص واحد) لتعطيل 95% من الخميرة ومِن ثُمَّ من تركيب TxA2. وهذا المقدار غير كاف لمنع تركيب PGI2 من جدر الأوعية. لذلك يفيد إعطاء الأسبرين بمقدار ضئيل كل يومين في الوقاية من التخثر.

    ماجدة الخوري

  10. #530
    البروسيلات (داء ـ)

    داء البروسيلات brucellosis أو الحمى المتموجة أو حمى البحر المتوسط أو الحمى المالطية أو حمى جبل طارق أو داء بانغ Bang، مرض خمجي حيواني ينتقل إلى الإنسان بالتماس المباشر مع الحيوان أو مع مفرغاته، أو بتناول منتجاته الملوثة. وهو ذو انتشار عالمي يسبب مشكلة صحية واقتصادية في البلاد التي تكثر فيها الإصابات به. ويقدر مجموع الحالات المعلنة في العالم بنحو نصف مليون حالة سنوياً، لكن واقع الإصابات أكثر من ذلك.
    سبب هذا الداء جراثيم من جنس البروسيلة Brucella، أخذت اسمها من اسم الطبيب الإنكليزي D.Bruce الذي استفرد الجرثوم أول مرة سنة 1887 من طحالات أربعة مرضى توفوا في جزيرة مالطة. وللبروسيلات ثلاثة أنواع أساسية تنتقل إلى الإنسان، وتسبب له داء خمجياً وهي البروسيلات المالطية Br.melitensis التي استفردها بروس، وتصيب الماعز والخراف والدجاج. وهذا النوع كثير الانتشار في حوض البحر المتوسط والمكسيك وأمريكة الجنوبية، وبه تحدث أشد الإصابات البشرية إمراضاً. وثانيها البروسيلات المجهضة Br.abortus التي استفردها الطبيب البيطري بانغ أول مرة من رحم بقرة سنة 1895 في كوبنهاغن، وتصيب البقر، كما تخمج الخيل والخراف والدجاج، وهذا النوع منتشر في العالم كله، وقد كوفح في بعض البلدان الصناعية. وثالثها البروسيلات الخنزيرية Br.suis التي كُشفت في خنزير خديج سنة 1914 في إنديانة، والإصابات بها أكثر ماتشاهد في الأمريكتين وجنوب شرقي آسيا. وهذا النوع يصيب الخنازير والخيل والكلاب والقردة وحيوانات المخبر، ولم يشر إلى ظهور حالات مرضية به في المشرق العربي. ومع هذا التمييز فإن هذه الأنواع لا تتصف بخصوصية حيوانية شديدة. فقد تنتقل المجهضة منها إلى الماعز، كما يمكن للخنزيرية أن تصيب الأبقار والأغنام، لكنها كلها تخمج الإنسان فتسبب له مرضاً يتصف بأعراض ومضاعفات ووسائل تشخيص وطرائق معالجة واحدة. وهناك نوع رابع وهو البروسيلات الكلبية Br.canis التي تُحدث فاشيات Outbreaks في الكلاب وأعراضاً تنفسية علوية في الإنسان. ولم يبلَّغ عن إصابات بها في المشرق العربي.
    والبروسيلات عصيات صغيرة coccobacillus سلبية الغرام gram neg.، تتكاثر ضمن الخلايا، بطيئة النمو في المستنبتات الصنعية المألوفة ويمكن تنشيط تكاثرها بإضافة الإريتريتول erythritol إليها. وهذه المادة هي سكر معقد يتوافر في مشايم الحيوانات وحويصلاتها المنوية، ولا يوجد عند المرأة والرجل؛ وهو الذي ينشط تكاثر الجرثوم في مشايمها. وللبروسيلات مستضدان أساسيان هما A وM أُخذ اسماهما من الحرفين الأولين لكلمتي abortus وmelitensis، ويشاهدان في البروسيلات جميعها، ولكن بنسب مختلفة فالبروسيلات المجهضة والخنزيرية يغلب فيها المستضد A، في حين يكون الأمر على نقيض ذلك في المالطية. وباللجوء إلى تفاعلات نوعية دقيقة أمكن تمييز تسعة أنماط حيوية biotype للمجهضة (يصاب الإنسان بالنمط الأول والسابع والتاسع)، وثلاثة للمالطية (يصاب الإنسان بالأول والثالث)، وأربعة للخنزيرية (يصاب الإنسان بالأول والرابع). تتوضع هذه الجراثيم في مشايم الأبقار والماعز والخنازير وتسبب إجهاضها، وتتكاثر أيضاً في غددها الثديية وتستمر هذه في طرحها بلبنها زمناً طويلاً؛ كما تشاهد بوفرة في بولها وروثها ومفرزات مهبلها.

    تبقى البروسيلات حية مدة طويلة حينما تتاح لها شروط ملائمة. فقد تبقى حية في التربة الجافة مدة ستة أسابيع، وفي الرطبة نحو شهرين. كما أنها تستطيع أن تعيش أكثر من مئة يوم في روث الحيوانات في الهواء الطلق. وقد اسْتُفْرِدَت جراثيم حية من جدران الحظائر وأرضها بعد أربعة أشهر، ومن سطح التربة المحيطة بالزرائب بعد أكثر من خمسة أسابيع. أما في مياه الصنابير فتبقى حية مدةً تفوق الشهر إذا كانت حرارة الماء 8 درجات مئوية، وأكثر من أسبوع إذا بلغت الحرارة الدرجة 25. وقد استفردت بعد أكثر من سنتين من مياه بحيرات كانت درجة حرارة الماء فيها 25 درجة، واستفردت بعد أربعة أشهر من بحيرات أخرى كانت الحرارة فيها 37 درجة. أما في الحليب الطازج فهي تقاوم عدة أيام حتى يصبح تفاعله حامضاً. وتتكاثر في الأجبان بشدة؛ فقد استفردت في إحدى الاستقصاءات من الجبن الطري بعد شهرين من تخميره. أما في اللبن الرائب والزبدة والقشدة فتبقى حية حتى يصبح تفاعل الوسط حامضاً. وتقضي أشعة الشمس على هذه الجراثيم بسرعة، كما تتلفها بَسْتَرة الحليب أو غليه مدة عشر دقائق أو غلي الأجبان.
    تحدث إصابة البشر حينما يدخل الجرثوم البدن عن طريق سحجة في الجلد، وقد ينتقل إليه في الندرة عن طريق جهاز التنفس أو العين. وأكثر ما تشاهد حالات هذه المداخل في البلاد الصناعية وغالباً عند الأطباء البيطريين والعاملين في صناعة حفظ الأغذية وفي المسالخ والعمال الزراعيين والرعاة. كما يُعدى به عن طريق جهاز الهضم عند تناول الحليب أو أحد مشتقاته الملوثة. وأكثر الإصابات في المشرق العربي تعود إلى هذا السبيل. ولا تنتقل العدوى بالبروسيلات من إنسان إلى آخر كما أن الإصابة بها لا تجهض المرأة الحامل.
    ينتقل الجرثوم من موضع دخوله في البدن إلى العقد اللمفية في المنطقة حيث يتكاثر، ويحصل هذا في العقد المساريقية إذا كان المدخل هضمياً. وتمثل هذه المرحلة الموضعية العقدية زمن الحضانة وتمتد وسطياً من أسبوع حتى ثلاثة أسابيع؛ ثم تأخذ الجراثيم طريق القناة الصدرية ومنها إلى الدوران الدموي مسببةً إنتاناً دموياً ومؤلفةً بؤراً ثانوية ومظهرةً علامات سريرية متنوعة؛ فتصيب مجموعات عقدية لمفية أخرى، كما تستوطن الأعضاء الغنية بالخلايا الشبكية البطانية (كالكبد والطحال ونقي العظام) وتكوِّن مكامن يتكاثر فيها الجرثوم. ولما كانت البروسيلات تقيم داخل الخلايا فإنها تبقى حية ومحمية من فعل الأضداد وتأثير الصادات، وهذا ما يفسر جزئياً لماذا يأخذ المرض أحياناً صفة النكس والإزمان.
    إن المعالم السريرية التي يسببها داء البروسيلات كثيرة التنوع. فقد تظهر في الدور الحاد الإنتاني الدموي على نحو مفاجئ يرافقها نافض ورِعدة. وقد يكون بدؤها مخاتلاً يتسم بوهن وآلام عامة ودعث (توعك) ثم تظهر الحمى. ويكون ارتفاع الحرارة فيها متدرجاً يصل إلى 39 درجة وإلى 41 أحياناً، فتستقر على هذه الحال عدة أيام ثم تتراجع لتصبح في الحدود السوية؛ وتعود لترتفع ثانية بعد هدأة تستمر نحو أسبوع. لكن هذا المخطط الحراري ليس ثابتاً في الإصابات كلها؛ إذ يمكن من الناحية العملية مشاهدة أشكال مختلفة من ارتفاع الحرارة. فقد تبقى الحمى مستمرة، أو تظهر على نحو متقطع intermittent، أو تكون مترددة remittent، وربما بقيت في حدود 38 درجة. لذا يُعتمد في التشخيص على مدة دوامها أكثر من الاعتماد على الشكل الذي تأخذه. وينتاب المريض في أثناء ذلك تعرق ليلي شديد، وآلام عامة متنقلة وأوجاع في الظهر، ويشعر بقلق واضطراب. ولا يبدي الفحص السريري، في هذه المرحلة علامات واسمة أو ثابتة. فقد يتضخم الطحال، أو يكون الكبد قليل الإيلام بالجس، وربما وجدت بعض العقد اللمفية المتضخمة. أما تعداد الكريات البيض فيُظهر قلةً في عددها.

    عيوشـية البروسيلات
    ـ يقضى عليها بحرارة 60 ْسيلسيوس مدة 10 دقائق.
    ـ يقضى عليها بالبسترة.
    ـ تتأثر بالحموض.
    ـ تتأثر بعديد من المطهرات والصادات.
    ـ شديدة الحساسية لأشعة الشمس لكنها قد تبقى في التربة مدة شهرين إلى ثلاثة أشهر أو أكثر إذا كانت الحرارة منخفضة.
    تتراجع الهجمة الحادة بعد المعالجة أو من غيرها ولاسيما الحالات التي تسببها البروسيلات المجهضة. إلا أن الحمى تميل إلى الرجوع فينتقل العليل إلى المرحلة دون الحادة التي يتصف استقرار أعراضها بالبطء والمخاتلة، فيشكو المريض تعباً لايستطيع تفسير سببه. وتميل المضاعفات إلى الظهور في هذه المرحلة، وسببها وجود البروسيلات في بؤر مختلفة منها العظمية المفصلية، ومنها التناسلية. وقد تشاهد مضاعفات سحائية وقلبية وجنبية رئوية بنسب أقل من السابقة.
    يمكن لخمج هذا الجرثوم أن يغدو مزمناً. ويحدث ذلك إما بعد الحالة الحادة مباشرة وإما بعد حين من الزمن. ويتصف الإزمان بملامح غير نوعية تتبدى بوهن نفسي وجسمي وجنسي مع آلام عضلية وعصبية وعظمية مفصلية. وقد تترافق هذه بحمى خفيفة. وأكثر ما تشاهد حالات الإزمان عند من هم بتماس مستمر مع الحيوانات.
    ولابد أمام هذه اللوحات السريرية المتعددة من الاستعانة بالفحوص الجرثومية والمصلية لتأكيد التشخيص. ويبقى زرع الدملكشف الجرثوم أفضل وسيلة لذلك، ويُجرى في الطور الحاد للداء. كما يمكن زرع خزعات عقدية. ويُعد زرع نقي العظام من الطرق الجيدة التي يعتمد عليها لأن النتائج تبقى إيجابية حتى بعد ثلاثة أيام من تناول الصادات. لكن ظهور نتائج هذه الزروع يتطلب ثمانية أيام أو أكثر. وحينما تتكون الأضداد يلجأ إلى التفاعلات المصلية، ومنها تفاعل رايت wright المعتمد من منظمة الصحة العالمية. وهو تفاعل تراصّ تظهر إيجابيته من اليوم العاشر إلى اليوم الخامس عشر من بدء الأعراض. ويوضح هذا الاختبار وجود الأضداد IgM. والعيار الذي يدل على خمج فاعل حديث يجب أن يساوي أو يزيد. لكن نتائج هذا الفحص المصلي تظهر سلبية على العموم في الطور المزمن، كما تُبدي إيجابية كاذبة بعد أخذ لقاح الهيضة (الكوليرا). ويُعطي هذا الفحص نتائج سلبية كاذبة في حالات نادرة (1%) تعود إلى وجود أضداد حاصرة من نمط IgA. والاختبارات التي تقيس الضدIgG مفيدة في الحالات المزمنة خاصة يذكر منها: تفاعل ضبط المتممة complement fixation والتألق المناعي غير المباشرimmunofluorescence وحدود إيجابيته هي وتبقى مقاديره مرتفعة في الإصابات المزمنة والمقايسة الامتزازية المناعية الإنظيمية enzyme linked immunosorbent assay (ELISA) التي تصلح لإجراء مسح مصلي منهجي في الاستقصاءات الوبائية. غير أن المقايسة المناعية الشعاعية radioimmunoassay تُعد أفضل هذه الاختبارات لأنها تتصف بحساسية ونوعية شديدتين.
    ولمعالجة داء البروسيلات تنصح منظمة الصحة العالمية بإعطاء صادتين معاً، تؤثر إحداهما داخل الخلايا والثانية خارجها؛ كما تنصح بمتابعة المداواة مدة ستة أسابيع حداً أدنى. وقد يستدعي الأمر في بعض الأشكال السريرية الاستمرار في تناول العلاج مدة ثلاثة أشهر أو أربعة وذلك في الحالات التي تترافق بمضاعفات. وهناك عدة صادات مؤثرة منها: التتراسكلينات والكوتريموكسازول والريفامبيسين والستربتوميسين.
    ترتكز وقاية الإنسان من الإصابة بداء البروسيلات على القضاء على هذا المرض في الحيوان. ولذا لابد من مراقبة حيوانات المراعي بفحص مصولها والتخلص من المخموجة منها. ويوصى في المناطق ذات الانتشار الشديد لهذا الداء بتمنيع الماعز والخراف بالذرية الحية الموهنة Rev.1 من البروسيلة المالطية، وتمنيع العجول والبقر بالذرية الحية الموهنة S19 من البروسيلة المجهضة. ولكن بعض الدراسات لا تشجع على إعطاء هذين اللقاحين، لأن نتائجهما ليست مجدية دوماً، كما أنهما قد يسببان اضطراباً في الاستقصاءات المصلية الواسعة. أما وقاية الإنسان المباشرة فتعتمد على وعيه الصحي. وهناك لقاح يتكون من جزء مستضدي PI، لكن إعطاءه يقتصر على أولئك الذين لم تتعرف أجسامهم البروسيلات أبداً، ولذا فإن بعض الدول لا تعتمده ولا تأخذ به كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وتبقى الوقاية مقتصرة على الابتعاد عن تناول الحليب غير المبستر أو غير المغلي مدة كافية والابتعاد عن منتجاته غير المبسترة أو غير المعالجة بطريقة أخرى تقضي على الجراثيم. كما يُنصح المتعاملون مع الحيوانات بالتزام جانب الحذر والانتباه في أثناء عملهم مع مشايمها ومفرزاتها خاصة، ولبس القفازات وتطهير المناطق الملوثة.

    عدنان تكريتي

صفحة 53 من 146 الأولىالأولى ... 3435152 53545563103 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال