صفحة 12 من 146 الأولىالأولى ... 21011 1213142262112 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 111 إلى 120 من 1457
الموضوع:

( علم الاحياء ) بكل مصطلحاتة ومفاهيمة وتراكيبة العلمية ستجدها هنا - الصفحة 12

الزوار من محركات البحث: 64847 المشاهدات : 322135 الردود: 1456
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #111
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسوبوتاميا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 41,251 المواضيع: 3,594
    صوتيات: 132 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 44361
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: حي الله
    آخر نشاط: منذ ساعة واحدة
    مقالات المدونة: 19
    الرخويات




    الرخويات (بالإنجليزية: Mollusca‏) هو اسم قبيلة أو شعبة تتبع المملكة الحيوانية ومعناها قبيلة الرخويات، وهي تنقسم إلى سبع طوائف أهمها طائفة المحاريات Pelecypoda، طائفة القواقع أو البطنقدميات Gastropoda، وطائفة الرأسقدميات Cephalopoda ومعظم حيوانات هذه القبيلة بحرية وتعيش في مياه عذبة. .و طائفة ثنائية العصب Amphieneura وطائفة مجدافية القدم Scaphopoda وطائفة وحيدة اللوح Monoplacophora وهي تشتمل على نوع واحد وهو حيوان رخو بدائي يسمى نيوبلنا جالانيا.
    و لجميع الرخويات بعض الصفات المميزة التي نشأت بطرق مختلفة في المجموعات المتنوعة وهي :
    1. القدم : وهو عضو يقع في الجزء السفلي أو البطني من الجسم ويتركب من كتلة عضلية وهو عضو الحركة عند الرخويات المتحركة.
    2.البرنس (the mantle) : وهي ثنية جلدية تحيط بالجسم ويوجد بينها وبين الجسم تجويف يسمى تجويف البرنس الذي يحتوي على الخياشيم..
    3.الصدفة : يفرزها البرنس وتختلف في الشكل وتكون إما ذات مصراعين أو ذات مصراع واحد وتتركب الصدفة ذات المصراعين من تصفين كل منهما على هيئة طبق متشابهان غالبا في الشكل والحجم ويرتبطان مفصليا وينفتح المصراعان عندما يتنفس الحيوان ويتناول طعامه ويقفل المصراعان بإحكام إذا أثيرت أو هددت بالجفاف وذلك بواسطة عضلة قافلة متصلة بمصراعي الصدفة، أما الصدفة ذات المصرع الواحد فهي تأخذ شكل انبوبة حلزونية ملتوية وهي أصداف القواقع المألوفة الرخويات الرأسقدميات الوحيدة التي لها صدفة حقيقية تعيش داخلها أما البزاقات التي ليس لها صدفة على الإطلاق فهي بطنقدميات تنتمي إلى مجموعة من القواقع وتتركب أصداف الرخويات من كربونات الكاليسوم بصفة خاصة.
    فوائد الرخويات


    تستخدم الرخويات مثل محار الكوكل وبلح البحر والحلزون البحري أو المحار كطعام وتعتبر الرخويات منذ آلأف السنين أهم مصدر للطعام بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الشواطئ ويوجد في بعض أجزاء العالم روابي وجسور من أصداف الكوكل والمحار مختلطة مع أدوات حجرية.
    و يستفاد من الرخويات للحصول على اللؤلؤ وكان أول مصدر لها محار الماء العذب المسمى يونيو وقد حصل يوليوس قيصر على كمية منه عندما غزا بريطانيا وقد أستخدم بعضها كغاء لأحد الدروع وتم وضعه في معبد فينوس في روما والآن يتم الحصول على اللؤلؤ كناج ثانوي من محار المياه البحرية من جنس بنكتادا ولهذا المحار صدفة مفلطحة كبيرة تختلف كثيرا عن صدفة المحار الذي يؤكل ويتم صناعة مواد الزينة والأزرار من صدفة المحار.
    منقول

  2. #112
    Doctor
    تاريخ التسجيل: August-2014
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 6,282 المواضيع: 95
    صوتيات: 18 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1866
    مزاجي: الحمدلله
    مقالات المدونة: 54
    داء الكلب

    ينتمي فيروس داء الكلب الى جنس (genus) الفيروس الكلبي (Lyssaviruses) من عائلة الفيروسات الربدية (Rhabdovirida). شكله يشبه رصاصة البندقية، ويتراوح طوله بين 130-300 نانومتر وقطره ما يقارب الـ 70 نانومتر. يوجد للفيروس جنيوم (genome) (حمض نووري ريبي - RNA) احادي الطاق (single - stranded)، مشفر لخمسة بروتينات مختلفة، وهو محاط بغشاء دهني يشتق جزئيا من الاغشية (membrane) الموجودة داخل الخلايا والجزء الاخر من اغشية الخلايا التي يتكاثر فيها الفيروس ومن ثم يتحرر منها.
    تبرز من داخل الغشاء الدهني نتوءات بروتينية. يتكون هذا البروتين، المسمى بالبروتين G، من بقايا السكر، وله اهمية حاسمة في تمييز الفيروس وفي اكتساب المناعة ضده. تقوم الاجسام المضادة (antibody) الموجهة ضد هذا البروتين بتحييد الفيروس ومنع انتشاره في الجسم.
    يطلق على الفيروس البري المتواجد في الطبيعة، اسم فيروس الشارع (Street virus)، وله عدة اصناف يتم تمييزها وفقا لانتمائها الجغرافي.
    من خلال التنقل المتتالي لفيروسات الشارع، عبر ادمغة الحيوانات وزرع الخلايا (Cell culture)، تطورت فيروسات متحولة (التي تحافظ على خصائصها المستضدية (antigenic) ولكنها فقدت خصائصها المؤذية) والتي تسمى بالفيروسات المثبتة (Fixed viruses). ويتم من هذه الفيروسات تحضير لقاحات (vaccines) للانسان والحيوانات.
    يمكن للفيروس نقل العدوى الى جميع الكائنات الحية ذات الدم الحار، وبالاخص الثعالب، ابناء اوى، الذئاب وذئاب البراري (القيوط). وتنقل هذه الكائنات الحية العدوى الى الكلاب التي تعتبر المصدر الاساسي لنقل العدوى الى الانسان. وفي القارة الامريكية ينتقل الفيروس عن طريق الظربان والخفافيش، ايضا، وخاصة الخفافيش المصاصة للدماء التي تنقل الفيروس الى الابقار.
    تعتبر قارة افريقيا المصدر الاساسي لهذا الفيروس، ومنها انتقل الى قارات اسيا واوروبا. وهو منتشر اليوم في غالبية انحاء العالم، وهنالك عدة دول تعتبر خالية من هذا الفيروس، كالجزر البريطانية، استراليا ونيوزيلندا. يتم نقل العدوى بالاساس عن طريق العض، حيث ينتقل الفيروس عبر لعاب الحيوان، والذي يعتبر مصدر العدوى. كما تم توثيق حالات تم فيها نقل العدوى عن طريق ضبائب (جسيمات - Aerosol) محملة بالفيروس تطايرت من المغارات التي سكنتها الخفافيش.
    لقد ثبت من التجارب على الحيوانات ان الفيروس يتطور، بداية، في الخلايا العضلية المتواجدة في منطقة العض. عادة يكون هذا التطور بطيئا، مما يتيح الوقت الكافي للعلاج. بعد ذلك، ينتقل الفيروس من تقاطع عضلات الخلايا العصبية، الى خلايا العصب المحيطي (Peripheral nerve)، ومن هنالك يتقدم الفيروس سريعا عن طريق عقد (ganglion) العمود الفقري الى النظام العصبي المركزي والدماغ. ومن الدماغ ينتقل الفيروس عن طريق الخلايا العصبية الى انسجة اخرى محيطة، خاصة الى غدد اللعاب (salivary gland)، حيث يتطور ويتكاثر بنسب تركيز عالية نسبيا استعدادا لدورة عدوى اضافية.
    فترة حضانة مرض الكلب لدى الانسان، وهي فترة تكاثر الفيروس في الخلايا العضلية، ليست ثابتة وتتراوح بين بضعة ايام وحتى سنة واحدة او سنتين. فالعوامل التي تحدد فترة حضانة مرض داء الكلب هي في الاساس، حجم الفيروس المعدي الذي انتقل خلال العضة ومكان العدوى. وكلما كان مكان العدوى غني بالاعصاب واكثر قربا من الدماغ، تتقلص فترة الحضانة.
    يمكن العلاج في فترة الحضانة، ويتم ذلك من خلال الدمج بين الغلوبولينات الغامائية (Hyperimmune globulin) المضادة للبروتين G واللقاح.
    لقد كان لويس باستور هو اول من اعلن عن وجود علاج فعال بعد التعرض للفيروس. وقد قام عام 1885 باستخدام اللقاح الذي تم تحضيره من سلالة فيروس ثابت ينمو في دماغ الارانب. اما اليوم، فان المركبات الحديثة للقاح التي يتم استخدامها لتطعيم العمال المعرضين للخطر ولمعالجة من تعرضوا للفيروس، والتي يتم حقنها في العضلات، فيتم تحضيرها من سلالة فيروس متحول تتكاثر في الخلايا البشرية، خلال زرع الخلايا.

  3. #113
    Doctor
    الكُزاز

    الكُزازُ مرضٌ خطير تُسبِّبه بكتيريا الكُزاز. تعيش هذه البكتيريا في التربة وفي اللُّعاب وفي الغبار وفي رَوث الحيوانات. وتدخل هذه البكتيريا جسمَ الإنسان من خلال الجروح العميقة عادةً، كتلك التي تحدث نتيجة جرح سكين أو نتيجة الدوس على مسمار مثلاً. تُسبِّب هذه العدوى تصلُّباً مؤلماً للعضلات. وغالباً ما ينتشر هذه التصلُّب في الجسم كله. ومن الممكن أن يُؤدي إلى "إقفال" الفك. وهذا ما يجعل فتح الفم أو البلع أمراً مستحيلاً. وإذا حدث هذا، فمن الممكن أن يموت الإنسان نتيجة الاختناق. إذا أُصيبَ المرءُ بالكُزاز، حينئذٍ يتطلَّب الأمر مرحلةً طويلةً من المعالجة عادةً. إن لقاح الكُزاز قادرٌ على الوقاية من هذا المرض. لكن تلك الوقاية لا تدوم طوالَ الحياة. يُعطى اللقاح للأطفال. وعلى البالغين تلقي حقنة تعزيز أو دعم للقاح الكُزاز كل عشر سنوات. وإذا أُصيب الإنسان بجرحٍ كبير أو بحرقٍ كبير، فإن عليه أن يستشير الطبيب، لأنه قد يكون في حاجةٍ إلى حقنةٍ مُعَزِّزة أو داعمة.

  4. #114
    التكاثر
    التكاثُر

    التكاثر reproduction هو مجموع الحادثات التي تحدث في الكائن الحي وتؤدي إلى تشكل فرد جديد ينتمي للنوع نفسه.
    تتم هذه الوظيفة الحياتية في الخلية الواحدة، عند المتحول Amiba مثلاً، بالانقسام إلى خليتين متماثلتين أساسيتين تستطيعان بعد نضجهما تكرار هذه العملية. إلا أنه كلما ارتقينا في السلم النوعي تصبح عملية التكاثر أكثر تعقيداً لتأمين استمرار الحياة للخلايا الأصلية germ cells، بسبب البيئة العدائية أو قساوة نموذج الحياة للأبوين. ويميز من التكاثر نوعان:
    التكاثر اللاجنسي
    يعرَّف بأنه مجموع الحادثات التي تؤدي إلى تشكل فرد جديد من دون أن تسهم الأعراس في أية مرحلة من مراحل هذا التشكل، ومن دون أن تمر الخلايا بالانقسام المنصف. وطبقاً لهذا التعريف فإن التكاثر اللاجنسي يعني، فيما يتعلق بكثيرات الخلايا الحيوانية، تشكل أفراد جديدة على حساب الخلايا الجسمية.
    يمكن تصنيف طرق التكاثر اللاجنسي التي تصادف في الطبيعة في الأنماط الثلاثة الآتية:
    1ـ الانشطار: وهو أبسط أشكال التكاثر اللاجنسي، ويتم بانشطار المتعضية إلى قسمين متساويين تقريباً. ويلاحظ هذا النمط عادة في وحيدات الخلية الحيوانية، كما يصادف في معائيات الجوف والديدان.
    2ـ التبرعم: يتم بتشكُّل انتفاخ صغير يبرز من السطح الجانبي للمتعضية الأم، وسرعان ما ينمو ويحقق شكل المتعضية الأم. ويمكن أن ينفصل هذا الفرد الجديد كلياً عن المتعضية الأم أو يبقى متصلاً بها، فتبدأ المستعمرة عندئذ بالتشكل. وتعد معائيات الجوف والكأسيات أمثلة نموذجية لهذا النمط من التكاثر.
    3ـ تشكل الدُرَيرات: يتم في بعض أنواع إسفنجيات الماء العذب بتشكل بنية خاصة هي الدُرَيرة gemmule التي تستطيع أن تظل حية إثر موت أفراد المستعمرة الأم في ظروف غير ملائمة كانخفاض درجة الحرارة في الشتاء أو جفاف الماء في الصيف. وهي تتشكل داخل جسم الأم بدءاً من مجموعة من الخلايا غير المتمايزة التي تحاط بقشرة تحوي شويكات مميزة. تتحرر الدريرات من جسم الأم إثر موتها وتحللها، وتظل هاجعة إلى أن تعود شروط الوسط السوية من جديد فتتمزق القشرة وتنطلق الخلايا لتشكل متعضية جديدة.
    التكاثر الجنسي
    يشكل التكاثر الجنسي الطريقة الأولى والأساسية في استمرار كثيرات الخلايا، وتشكل هذه الطريقة ما يسمى بالتشكل الفردي ontogeny، وتميز فيه مراحل محددة تبدأ بتشكل الأعراس وتنتهي بتشكل فرد يشبه المتعضيتين الأبوين. ويشتمل التكاثر الجنسي على المراحل الآتية:
    ـ تشكل الأعراس: تتشكل الأعراس في أعضاء تسمى المناسل gonads، تتألف من خلايا مشابهة في الأصل لخلايا الجسم الأخرى إنما لا تنجز أية وظيفة إعاشية، ويطلق عليها اسم الخلايا المنشئة germ cells. تمر هذه الخلايا في تشكيلها للأعراس الوظيفية في أدوار ثلاثة هي: دور التكثير (الانقسام)، ودور النمو، ودور النضج.
    تسمى الخلايا الجنسية في طور التكثير، المنسليات المنوية spermatogonia أو المنسليات البيضية oogonia طبقاً للجنس. وهي تعطي، بحادثات الانقسام الخلوي، عدداً كبيراً من الخلايا، تدخل في دور النمو، فتسمى عندئذ الخلايا المنوية spermatocytes أو الخلايا البيضية oocytes. ويختلف هذا الدور في الجنسين اختلافاً كبيراً، تكون مدته عند الذكور قصيرة نسبياً، وزيادة الحجم محدودة جداً، في حين تكون مدتها طويلة جداً عند الخلايا البيضية (تمتد 3 سنوات عند الضفدع عديم الذنب) وزيادة الحجم هائلة أحياناً.
    أما في دورالنضج فيتم التنصيف الصبغي ويصبح كل عروس محتوياً على مجموعة صبغية أحادية haploid. وفي حين تعطي الخلية المنوية الواحدة إثر الانقسامين المنصفين أربع منويات spermatides تتمايز إلى أربع نطاف وظيفية، فإن الخلية البيضية لا تعطي إلا بيضة وظيفية واحدة.
    ـ الإلقاح: fertilization يتضمّن الإلقاح أيضاً تفعيل البيضة، ويتم ذلك إما خارج جسم الأنثى أو في أقنيتها التناسلية، وتنتهي هذه المرحلة عادة بتأهب البيضة الملقحة للانقسام.
    ـ الانقسام: cleavage تؤدي هذه المرحلة إلى تحول البيضة الملقحة إلى جسم كثير الخلايا. وتكون الخلايا في هذه المرحلة منهمكة في حادثات الانقسام وتأمين الصيغة الصبغية الثنائية لنوى الخلايا الناشئة من التقسم.
    أصل الخلايا في التكاثر اللاجنسي
    يعتمد التكاثر اللاجنسي على خلايا احتياطية تبقى في المتعضية بحالة جنينية غير متمايزة، وتكون قادرة على أن تعطي أنماطاً خلوية مختلفة. فمعائيات الجوف مثلاً، تحوي خلايا جنينية غير متمايزة توجد بين الأدمتين الخارجية والداخلية يطلق عليها اسم الخلايا البينية interstitial cells تكون صغيرة ولا تؤدي ظاهرياً أية وظيفة إعاشية أو جنسية، يبدو أنها تتجمع لسبب أو لآخر في منطقة معينة ويزداد عددها تدريجياً ويبدأ البرعم بالتشكل، وما أن يصل إلى حجمه النهائي حتى تكون الخلايا في طريق تمايزها.
    أصل الخلايا الجنسية عند الجنس البشري
    تكون البيضة عند الإنسان (الزيجوت zygote)، في نهاية الأسبوع الثالث من التطور الجنيني، مكونة من قرص جنيني ثلاثي الوريقات وكيس محي توجد على جداره خلايا تعرف باسم الخلايا المنشئة primordial germ cells، تهاجر إلى منطقة الحافة البولية التناسلية، لتستقر في المناسل بين الأسبوع الرابع والسادس حيث تدخل ضمن الحبال الجنسية الأولية مشكلة بذلك أمهات الأعراس.
    وعند الجنين ذي الجنس الوراثي الذكري تبدأ المناسل تحولها إلى خصى ابتداء من الأسبوع السابع، إذ تتحول الحبال الجنسية الأولية إلى حبال خصيوية، كما تتمايز الخلايا المنشئة الابتدائية إلى منسليات نطفية.
    وعند الجنين ذي الجنس الوراثي الأنثوي تبدأ المناسل تحولها إلى مبيض خلال الأسبوع العاشر، وتدخل الخلايا المنشئة الابتدائية ضمن الحبال الجنسية الثانوية (حيث تتلاشى الحبال الجنسية الأولية) لتتحول بعد ذلك إلى منسليات بيضية تحاط بخلايا جريبية لتشكل الجريبات الابتدائية.
    انتقال المورثات في التكاثر اللاجنسي
    في المتحولات ذات التكاثر اللاجنسي يتكون الفرد من خلية تحوي نواتها عدداً محدداً من الصبغيات، ويتكون كل صبغي من جزيئة DNA هي نفسها مكونة من تتابع عدد من المورثات genes. ويشكل مجموع مورثات النواة الذخيرة الوراثية genome حامل الصفات الوراثية المسؤولة عن الصفات الشكلية والوظيفية للفرد وللنوع الذي تنتمي إليه.
    تتضمن المرحلة الأولى من التكاثر للمتحول تضاعف جزيئات الـDNA إذ تستبدل كل جزيئة بجزيئتين متماثلتين تحوي كل منهما نصف جزيئات الأم. تنقسم الخلية بعدها إلى خليتين جديدتين بالانقسام المتساوي mitosis. وهكذا تملك كل خلية بنت نفس الذخيرة الوراثية تماماً كالخلية الأم.
    فالتكاثر اللاجنسي يتم بانقسام خلوي يؤمن إعطاء الهوية الوراثية الصحيحة لكل الأفراد من جيل لآخر، من ثمّ استمرار صفات النوع، وتؤدي كافة التحولات العرضية للذخيرة (طفرات mutation) إلى تغيرات صفات الأفراد والنوع لأنها تنتقل من جيل لآخر.
    انتقال المورثات في خلايا التكاثر الجنسي
    يتكون الأفراد في الجنس البشري من ملايين المليارات من الخلايا. ويشكل أغلبها الخلايا الجسمية المشكلة للأنسجة والأعضاء والأجهزة، وهناك مجموعة صغيرة من الخلايا تشكل الخلايا التناسلية المسؤولة وحدها عن التكاثر. تحتوي نوى الخلايا الجسمية على 46 صبغياً تصنف في 23 زوجاً، منها 22 زوجاً متماثلة مسؤولة عن الصفات الجسمية، وزوج واحد من الصبغيات المتغايرة الجنسية مسؤول عن الصفات الجنسية وتحديد الجنس الوراثي للفرد.
    الصبغيان الجنسيان عند الأنثى متماثلان، ويشار إليهما بحرف X، وهكذا تكتب الصيغة الصبغية للخلايا الجسيمة الأنثوية (46 XX)، أما عند الذكر فإن أحد الصبغييين الجنسيين قصير ويدعىY، لذلك تكتب الصيغة الصبغية للخلايا الجسمية الذكرية 46XY.
    إن الصبغي X أطول بكثير من الصبغي Y ويملك العديد من المورثات ذات الوظيفة الذاتية الجسمية، أي إنّها مسؤولة عن العديد من الصفات الجسمية. وهناك بعض التوافق في تتالي الـ DNA بين الصبغيان X وY، وهذا التوافق يدعو إلى التفكير بالأصل القديم المشترك لنموذجي الصبغيات. كما أنّ الذكر لدى بعض اللافقاريات، والطيور والعظائيات Saurian، متجانس الصيغة الصبغية XX، أمّا البيوض فمختلفة الصبغيات الجنسية.
    يتم تطور الخلايا التناسلية في المناسل، ويؤدي ذلك إلى تشكل النطاف عند الذكر والبيوض عند الإناث، وعند تطورها بالانقسام المنصف ينخفض عدد الصبغيات المضاعفة إلى النصف لتصبح أحادية n=23. فالبويضات تملك كلهاالصيغة 23 X وتشكل النطاف مجموعتين صيغتهما 23 X و23 X. ولا يتم في الانقسام المنصف تخفيض عدد الصبغيات للنصف فقط، وإنّما توزيع جديد للمورثات بين الصبغيات المتماثلة بحيث أنّ كلّ واحد منها يختلف فيما بعد عن الصبغي الأصلي.
    وهكذا يتحدد الجنس الوراثي للفرد ابتداء من الإلقاح، وذلك بحسب الصبغي الجنسي X أو X المحمول من قبل النطفة. فوجودY يعني ذكراً وغيابه يعني أنثى. يتم عند الجنين توضع البداءات المتماثلة في جميع الأجنة مهما كان الجنس المورثي، ولهذا السبب تعرف هذه المرحلة بمرحلة عدم التمايز undiffrentiated phase. يتطابق التحول الشكلي للجنين إلى جنين متطور مع بداية التمايز الجنسي بتشكل المناسل والطرق التناسلية الداخلية والأعضاء التناسلية الخارجية التي تتطور بالاتجاه الذكري أوالأنثوي. ويتحدد تمايز الجهاز التناسلي عند الثدييات بالاتجاه الذكري نتيجة تأثير مباشر للهرمونات التي تفرزها الخصية الجنينية، في حين يتم التمايز عفوياً بالاتجاه الأنثوي بغياب المناسل الذكرية أو الأنثوية.
    وخلال الطفولة يتم نضج وتمايز جنسيان للجهاز العصبي المركزي. وعند البلوغ تنهي الأجهزة التناسلية تحولاتها، وتصبح وظيفية في نفس الوقت الذي يتم فيه التمايز الجسمي بتأثير الهرمونات الجنسية التي تفرزها المناسل.
    تحديد جنس المناسل
    إن تحوّل المناسل غيرالمتمايزة إلى خصية يرتبط بالصبغي X. ويعرف المكان المسؤول عن ذلك بالعامل المحدّد الخصيوي (TDF) testis determining factor وهو موجود قرب نهاية الذراع القصير، وتم في هذه المنطقة عزل مورثة تدعى (ZFY) Zinc Finger Y Coded يمكن أن تكون مورثة منظمة للتطور النطفي. كما تم منذ مدة قريبة اكتشاف مورثة تعرف بـ(SRY) Sex Determing Region Y التي تمثل عاملاً أولياً لتحديد الجنس.
    وعلى الرغم من عدم وضوح الأمور، إلا أنه يمكن القول إنّ تحديد الجنس المنسلي الذكري ناتج عن إشارة أولية مرسلة من المورثة SRY المحمولة على الذراع القصير للصبغيY، وهذه الإشارة المتتابعة التي تصل للخلايا المتوسطية للحبال الجنسية تحدد تحولها إلى خلايا سيرتولي Sertoly التي هي ذاتها مسؤولة عن تمايز الخلايا الجنسية gonocytes إلى خلايا نطفية أم spermatogonia. وبغياب المورثة SRY فإن التمايز المنسلي يتم متأخراً قليلاً في الاتجاه الأنثوي تحت مراقبة المورثات الموجودة في الصبغي X، ويكفي صبغي واحد لبدء التمايز لكن الاثنين ضروريان للمحافظة على المناسل gonade.
    منقول

  5. #115
    الآبرات

    الآبرات Cynipidae حشرات صغيرة تتطفل على النبات حصراً، وتنتمي إلى رتبة غشائيات الأجنحة[ر] Hymenoptera، ورُتَّيْبَة ذات الخصر Apoerita وفصيلة عليا superfamily هي الآبرانيات Cynipoideae.

    صفاتها الخارجية
    الحشرة الكاملة imaga: لايتجاوز طول الحشرة الكاملة في أغلب الأنواع 5مم، جسمها منضغط جانبياً، ويبدو للوهلة الأولى مؤلفاً من جزء واحد، إلا أنه إذا دقق النظر في المنطقة الواصلة بين حلقات الصدر والبطن يتبين وجود حلقة مُتخصِّرة وصغيرة تتصل بحلقة ثانية كبيرة ممتدة تكاد تحجب الحلقات الخمس المتبقية من الحشرة. وللأنثى آلة لسع (إبرة) مندغمة داخل الجسم وتبرز عند تحضير المكان المناسب للبيوض الصغيرة (الشكل 1) ولأن منها ما يسبب أَبْر الأزهار في بعض النبات جاءت تسميتها الآبرات.

    20060510-020516.jpg
    الشكل (1)
    المغراسة الشاحبة آبرة السنديان
    اليرقة lava: وهي صغيرة دودية عديمة الأرجل، يصل طولها إلى 6مم، لونها أبيض عاجي. أجزاء فمها مختزلة، وبها مضخة عضلية قوية تبتلع السوائل المحيطة بها ضمن العفصة gall النباتية المتكونة بفعل مفرزات غددها اللعابية المتضخمة. وتستطيع اليرقة البقاء خارج العفصة مدة طويلة قد تصل إلى سنتين، كما أن بعض اليرقات يحرك كتلة العفصة إذا انفصلت عن النبات ويقذفها نحو الأعلى.


    الخادرة pupa: وهي صغيرة من النوع الحر exarate (اللواحق غير ملتصقة بالجسم) قد يصل طولها إلى 5مم.
    حياتها


    تمتاز هذه الحشرات من غيرها من رتبة غشائيات الأجنحة ذات الخصر بأنها آكلة للنبات phytophagous. وتعيش أطوارها المختلفة، عدا الحشرة الكاملة، ضمن النسج النباتية للعائل، وتتمم دورة حياتها فتعطي حشرات كاملة متباينة الأشكال، وذلك بحسب نوع النبات العائل، والجزء منه (ورقة أو برعم أو غصن أو جذر). وبحسب طريقة التكاثر (جنسي أو لا جنسي). وتضع الأنثى بيوضها على جزء من النبات العائل بآلة اللسع، فتدفع آلتها بضربات متتابعة حتى تصل إلى النسيج المطلوب، ثم تضع بيوضها مجتمعة أو فرادى بحسب الأنواع.


    وقد يختلف شكل الحشرات الناتجة من العفصات، حتى أن العلماء صنفوها في أسماء علمية مختلفة بسبب تكوينها عفصات مختلفة الشكل وفي أجزاء نباتية متباينة التركيب (الشكل -2).
    20060510-020735.jpg
    (الشكل -2) أشكال مختلفة لعفصات تسببها آبرات

    ويفرز أفرادها روائح تميز كل نوع منها. فالمِغْراسة (البَيْريزة) الطَرَفية Biorhyza terminalis تطلق رائحة تشبه رائحة البق مع رائحة الليمون، أما آبرة الصباغ cynips tinctoria فتعطي رائحة السكر المحروق.

    تتغذى يرقاتها بضخ نواتج انحلال الخلايا المغذية بوساطة بلعومها العضلي. وهي لا تعطي أي فضلات في أثناء حياتها اليرقية بل تجمعها في القناة الهضمية الوسطى وتلقي بها دفعة واحدة قبل التخدر (التحول إلى خادرة).
    تكاثرها ودورة حياتها


    يتصف التزواج بين أفراد هذه الفصيلة بطرافته. فذكر الآبرة الفطرية Cynips pezowachoides مثلاً يضرب أنثاه عدة مرات بقرني استشعاره الخيطيين حتى تهدأ، ثم يمتطي ظهرها ويحتضن حلقات صدرها بأرجله الطويلة ثم يسافدها، وتدوم هذه العملية عدة دقائق: وتتضمن دورة الحياة أربعة أطوار هي البيضة، ثم اليرقة، ثم الخادرة ثم الحشرة الكاملة. وتكون المراحل الثلاث الأولى ضمن العفصة النباتية، ثم تخرج الحشرة الكاملة بثقب ممرٍّ مناسب لها نحو الخارج حيث تُعيد دورة الحياة.

    ويُميز في هذه الفصيلة، بحسب دورة حياتها، مجموعتان:
    1ـ آبرات ذات دورة حياة عادية (جنسية)، تتكاثر بتسافد الذكور والإناث وإعطاء بيوض ملقحة دوماً. وهي تضم حشرات تتطفل على نباتات غير البلوط والدلب.

    2ـ آبرات متناوبة الأجيال يتناوب فيها جيل جنسي التكاثر مع جيل بكري التكاثر. وينتج عن كل مجموعة من أفراد الجيلين عفصات مختلفة الشكل. وهناك حالتان جديرتان بالاهتمام:

    أ ـ آبرات يتكاثر فيها الجيلان على النبات نفسه وعلى أجزاء مختلفة منه، مثل جنس المِغْرَاسة Biorhyza حيث يعيش الجيل المؤلف من إناث فحسب (أفراد لا متزاوجة agamouse) على جذور البلوط، وتسبب عفصات قاسية فلينية في فصل الشتاء. وهي تستطيع وضع بيوضها في درجة حرارة أدنى من الصفر. وتخرج هذه الإناث من العفصات وتصعد ساق الشجرة، وتضع بيوضها على الأغصان مسببة عفصات خاصة بها. ويخرج من هذه العفصات أفراد مجنحة تتكاثر جنسياً، وهكذا دواليك (الشكل -3).

    وهناك مثال مشابه هو طُرًّةُ الأوراق العُدَيْسية Neuroterus lenticularis، (آبرة الأوراق)، إذ تظهر في أيلول وتشرين الأول عفصات صغيرة عديسية الشكل على السطح السفلي لأوراق البلوط وفي شباط يخرج من هذه العفصات أفراد «لا متزاوجة» تضع بيوضها ضمن الأفرع الغضة. وتخرج من هذه البيوض يرقات تُكوِّن عفصات كروية صغيرة. وفي شهر حزيران يخرج من هذه العفصات الكروية ذكور وإناث تتسافد. وتضع الإناث بيوضها على الوجه السفلي للأوراق الغضة ليتكون حول يرقاتها عفصات عديسية الشكل، وهكذا دواليك (الشكل -4).

    20060510-021421.jpg
    20060510-021119.jpg
    (الشكل -4) عفصات طرة الأوراق العديسية


    (الشكل -3) عفصات المغراسة



    ب ـ آبرات تتمم دورة حياتها على نباتين مختلفين مثل آبرة الكلس Cynips calcis، إذ يتمم الجيل اللامتزاوج تطوره على نبات البلوط من نوع البلوط الزندي Quercus pedunculata ويكوِّن عفصات بشكل القمع الملتوي. أما الجيل الجنسي فيعطي، على الأزهار المذكرة لنوع البلوط الأشعر Q. cerris، عفصات تشبه الجِرار.
    تأثيرها في النباتات


    تسبب إفرازاتُ بيوض الحشرات ويرقاتها تكوُّن كتلة منتفخة العفصة التي تنتج من تهيج أنسجة النبات العائل. يلي ذلك تميز هذه النسج إلى نسج متخصصة مختلفة التركيب. ويرجع هذا التحول في شكل نسج النبات العائل وترتيبها إلى إفرازات يطلقها جنين البيضة من خلال القشرة الرقيقة. ويساعد هذا التنبيه وما يليه من إفرازات يرقيه على تضخيم النسيج النباتي وإعطاء العفصة الشكل المميز للنوع، ولذلك يكون تصنيف الحشرة الآبرة المسببة للعفصة أسهل بالاعتماد على شكل العفصة.



    وتجدر الإشارة إلى أن العفصات لا تسبب أضراراً للنبات أبداً، بدليل استمراره في نموه الطبيعي على الرغم من إصابة أجزاء كثيرة منه بنسبة قد تصل إلى 80٪. ويغلب الماء على تركيب العفصات، كما تحتوي على حمض الدًّبْغ (التانيك) tanic acid وحمض العفص (الغاليك) gallic acid، وأكثر العفصات غنى بهذه المواد عفصات آبرة الصباغ التي تحتوي على 65٪ من وزنها الجاف من مادة التانات tannat. وثمة سكريات تتزايد في نهاية الربيع حتى منتصف الشتاء وذلك على حساب حمض الدبغ. وتزيد نسبة الماء كثيراً في نسيج العفصة عما هي عليه في نسيج النبات العائل، وكذلك يلاحظ ازدياد مماثل في نسبة البوتاسيوم.

    وتستعمل العفصات في المناطق غير الصناعية مصدراً للصبغات السوداء وفي صناعة الخبز (بنقعها، بعد كسرها، في محلول سُلفات الحديد) ولدباغة الجلود، كما تستعمل في عيادات العلاج الطبيعي وصناعة المبيدات الحشرية.

    منقول


  6. #116
    الآبنَوسيات (رتبة -)





    الآبنوسيات Ebenales رتبة أشجار تنبت في المناطق الحارة وتضم أنواعاً ثمينة الخشب، عطرة المفرزات اللبنية، تنتسب إلى النباتات الثنائية الفلقة. من المصنفِّين من يجعلها ثلاثية الفصائل تضم: الآبنوسية Ebenaceae والسَبُّوتية Sapotacea ولحمية البذور Sarcospermaceae وهناك مصنفون آخرون يزيدون فصائلها ثلاثاً أخرى هي: الأصْطُركية Styracaceae وضفيرية الثمر Symplocarpaceae ومنحلة الثمر Lysocarpaceae.


    الفصيلة الآبنوسية:


    تضم 6 أجناس و350 نوعاً. عُرفت مستحاثاتها في الزمن السينوماني Cenomanian من العصر الكريتاسي. الأشجار عادة ثنائية المسكن، والأزهار وحيدة الجنس، ساقيّة (أي محمولة على سوق غليظة)، رباعية الأجزاء إلى خماسيتها. والكأس ملتحمة تنمو بعد الإلقاح، والتويج ملتحم البتلات، جُرَيْسِيٌّ قِربي، ضيق العنق، الأسْدية غالباً مرتفعة العدد، والمبيض عديد الكرابل carpels وملتحمها، والثمرة عنبية. تنبت أغلب أجناس الفصيلة في مناطق المداريْن، ولكن الدَسْبروس اللُّوطسي Diosporus lotus (الذي يعني سيد الحَب اللوطسي) نوع آسيوي الموطن قد تحول إلى نوع شبه تلقائي مقيم في مناطق حوض البحر المتوسط. وكذلك الدَسْبروس الكاكي D. kaki الذي ترجع أصوله إلى آسيا الشرقية، فقد أصبح مزروعاً في جميع مناطق حوض البحر المتوسط ومعروفاً بأسماء متعددة أبرزها كاكي، ودرابزين خُرْمُسي، ومشمش اليابان، وبلح طَرَابَزون، وهو يعطي ثماراً ذهبية اللون، برتقالية الحجم، قابضة الطعم وهي فجة، لاتؤكل إلا مرتخية من شدة النضج.


    وتشغل الفصيلة الآبنوسية مرتبة اقتصادية مهمة مستمدة من خشب الآبنوس المستحصل من عدة أنواع من جنس الدسبروس. يتميز خشب الأبنوس بشدة القساوة، وتماسك البنية، وارتفاع الكثافة التي تصل إلى 1.2 في خشب قلب جذوع الأشجار. ويُعدُّ خشب الآبنوس الأسود من أثمن الأخشاب في العالم ويستحصل عليه من أنواع الدسبروس الشجري D.dendro والدسبروس المحلبي D.mespiliformis في إفريقية الاستوائية، والدسبروس الآبنوسي D.ebenum ودسبروس الخشب الأسود D.melanoxylon في آسيا المدارية والدسبروس مُفْرد القلم D.haplostylis والدسبروس المعيني D.microrhombus في مدغشقر وجزيرة موريس في المحيط الهندي. ويستحصل على خشب أخضر من دسبورس الخشب الأخضر D.chloroxylon في الهند وعلى خشب أحمر من الدسبروس الأحمر D.rubra في جزيرة موريس ويستحصل على خشب أبنوس مُبرقش من الدسبروس الهَلْب (قاسي الشعر) D.hirsuta وتستعمل أخشاب الآبنوس في صناعة الأزرار والأمشاط، في صناعة المرصَّعات كأجزاء الشطرنج المرصعة بالعاج والآبنوس، وفي صناعة منابر المساجد والخزائن والصفائح الخشبية.


    الفصيلة السَبُّوتية


    تضم 50 جنساً و 600 نوع. تنبت بين المدارين، وتشبه الفصيلة الآبنوسية وتتميز منها بأزهارها الخنثوية وأوعيتها اللبنية. أبرز أجناسها المقلِّد Mimusops ، وهو جنس مداري يضم قرابة 200 نوع تؤكل ثمار بعضها، والخشب الحديدي Sideroxylon و ينبت في المنطقة المدارية من العالم القديم ويضم قرابة 100 نوع، وذهبي الورق Chrysophllum وهو ينبت في المنطقة المدارية من العالم الجديد وفي القارة الأمريكية، ويضم قرابة 70 نوعاً يعطي بعضها ثماراً مرغوباً فيها في المناطق المدارية. ومن الأجناس ما يقتصر على بضعة أنواع من أبرزها الأرغن الشوكي Argania spinosa الذي يوجد في المغرب العربي، والذي يُستخرج من بذوره زيت الأرغان أو ما يسمى زبدة الغريط المفضلة لدى العرب المغاربة والأَخرَص سبُّوتة Achras sapota الذي ينبت في المكسيك ويُستخرج من سوقه لبن نباتي معروف بالعلكة. وبَلَقين الغُطَّا palaquinum gutta الذي ينبت في الهند الشرقية ويستحصل منه على مادة الطُبُرخا gutta percha وهي مادة لبنية نباتية قريبة من المطاط وقابلة للانحلال في كبريت الكربون، ومستعملة في الكبلات الهاتفية عير المحيطات.


    الفصيلة اللحمية البذور


    منتشرة في الهند الصينية وهي قريبة من الفصيلتين الآبنوسية والسَبُّوتية. ويستحصل من أوراق بعض أنواعها على أصبغة نباتية حمراء أو صفراء، كما تستعمل هذه الأوراق في صنع مشروب شبيه بمشروب الشاي.


    الفصيلة الأصْطُرَكية


    تضم 8 أجناس و100 نوع تنبت في المناطق المدارية وتتميز بخماسية أجزاء أزهارها، والتحام سبلاتها sepals بتلاتها petals، وعشارية أسديتها، وثلاثية حجيرات مبيضها أو خماسيتها. ونووية ثمارها.


    يتمثل الاصطرك Styrax في الوطن العربي بالاصطرك المخزني S.officinalis المنتشر في الجبال الساحلية السورية حتى 1600 م فوق مستوى سطح البحر، وهو معروف بأسماء عربية كالعَبْهر الذي تعرف ثماره بالحُوز، وهي مستعملة في الساحل السوري في صيد الأسماك التي تتخدر بعطره وتطفو على سطح الماء، ويستحصل من الأصطرك المخزني على راتنج عطري، معروف بالَميعْة الجافة يستعمل في صناعة العطور.


    ويتمثل الأصطرك في أمريكة الشمالية بالأصطرك الأمريكي S.americana وفي اليابان بالأصطراك الياباني S. japonica. وتعد هذه الأنواع الثلاثة ممثلة لعناصر نباتية جاءت من المناطق القطبية في الحقب الثالث الذي تكونت فيه سلاسل الجبال الكبرى كالألب وهيمالاية.


    وهناك نوعان هنديان ماليزيان مستعملان في الحصول على الميْعة السائلة benijoin المستمدة تسميتها العالمية من العربية: لبان جاوة، وهما اصطرك تونكين S.tonkinesis وقد أدخل العرب إلى فرنسة استعمال اللبان الجاوي في القرن الرابع عشر، وهو راتنج عطري يستحصل عليه بإحداث جروح صناعية تولد نسجاً مفرِزة نَدبية، وتنعدم أجهزة الإفراز في الأغصان غير المجروحة. يستعمل اللبان الجاوي في معالجة أمراض الجهاز التنفسي وبعض الالتهابات الجلدية، كما يستعمله أطباء الأسنان في معالجة النخر، ويستعمله العطارون في صناعة العطور.
    منقول

  7. #117
    الاتصالات الحيوانية





    تتضمن الاتصالات الحيوانية animal communications إطلاق أحد الأفراد إشارة كيمياوية أو فيزيائية يتلقاها فرد آخر فتبعث فيه سلوكاً ما. ولا تعد استجابة البعوضة مثلاً لجسم الإنسان اتصالاً، لأن الإنسان لا يطلق الحرارة بهدف جذب البعوضة، في حين أن انجذاب ذكر البعوض إلى أنثاه يتم لأن الأنثى تطلق رائحة بهدف جذب الذكور؛ كما أن رائحة الزهرة تعد إشارة كيمياوية لأنها تجذب النحلة إليها، على الرغم من أنها لم تولد إشارة بالمعنى الحقيقي، لأن الرائحة موجودة فيها أصلاً.


    غايات الاتصال في العالم الحيواني


    سيقتصر الأمر هنا على حالة «التآثر» interaction التي يكون فيها مرسل الإشارة ومستقبِلُها من النوع الحيواني نفسه، ولعل الآلية التالية توضح ذلك:


    يقوم الحيوان المرسِل، بتأثير عوامل أو منبهات داخلية أو خارجية، بإصدار إشارة فيزيائية أو كيمياوية تستقبلها أعضاء حساسة نوعية لدى الفرد الذي يتلقاها، فتحدث فيه تبدلات داخلية يكون من نتيجتها تبدل في سلوكه الخارجي.


    إن حاجة الحيوانات إلى تعرف أفراد نوعها تستوجب استخدام إشارات اتصال لهذا الغرض بقصد تأليف تجمعاتها. ولئن كان الكثير من الحيوانات يعيش حياة انفرادية، فيما عدا أزمان التزاوج، فإن أي حيوان من هذه الحيوانات يستخدم الإشارات للتعريف بنفسه لدى بقية الأفراد من نوعه بقصد بقائه منفرداً ضماناً لمورده الغذائي.


    أما الحيوانات التي تقيم فيما بينها علاقات اجتماعية فإن إشارات الاتصال لديها تستخدم لأغراض عدة، منها: تنبيه أقرانها من أفراد النوع إلى وجود خطر ما، كما أن هذه الإشارات قد تفيد في ردع الضواري المحتملة بالصراخ الجماعي بقصد إخافة الأعداء.


    ولئن كان معظم الحيوانات يأكل منفرداً، فإن المعروف عن الحيوانات الراقية أنها تتقاسم الأكل، وفي حالة كهذه قد تستخدم إشارات اتصال للدلالة على مصادر الطعام. ويمكن أن يجري ذلك بإشارات الهداية المعقدة كالإشارات التي تستخدمها الحشرات الاجتماعية لهداية أقرانها في العش نحو مصادر الغذاء البعيدة.


    ولعل أهم إشارات الاتصال الحيوانية يُستخدم في عملية التزاوج، وحينما تتشابه ذكور الأنواع المختلفة وإناثها، تزداد أهمية تحديد النوع. فالنطاف لا يجوز توجيهها نحو بيوض لاتستطيع إخصابها. وهنا تؤدي إشارات الاتصال دور كلمة السر لتعريف أفراد النوع الحيواني الواحد بعضها ببعضها الآخر أولاً ولتلاقي الجنسين المناسبين ثانياً. وما إن يلتقي الذكر الأنثى حتى تُستخدم إشارات الاتصال في الغزل والاقتران بينها. فالإشارات الجاذبة الأولية لاتوفر إلا تحديداً بدئياً للهوية. وقبل أن يجري الاقتران الحقيقي لابد من التحديد الإيجابي والقطعي لتلك الهوية. وما رقصات الغزل عند العناكب والحركات الاستعراضية عند الطيور إلا إشارات اتصال تفيد في تحديد هوية الذكور لدى الإناث استعداداً للجمع بينهما في عملية الاقتران الأخيرة، التي ينبغي أن تكون في غاية الدقة، والتي تتطلب تعاون الذكر والأنثى في أدائها.


    وعندما ينتهي الاقتران ويجري إلقاح البيوض يبدأ الاستعداد لخروج النسل الصغير إلى الحياة. صحيح أن بعض الحيوانات لا يولي صغاره أية رعاية، لكن الكثير منها يرعى الصغار، أو حتى البيوض والصغار كليهما، وهذا ما يتطلب وسيلة للإيعاز بين الأبوين فيما يخص مكان الغذاء ومكمن الخطر. وحيثما يرعى الكبار الصغار، كما هي الحال عند الطيور والثدييات مثلاً، تقوم حياة «أسرية»، وتكتسي إشارات الكبار الاتصالية أهمية إضافية لدى الصغار، وحينما يكبر الصغار فإنهم يطورون إشاراتهم الخاصة التي يتأثر بها سلوك الأبوين. ومن ثم فليس غريباً أن تكون الحيوانات ذات الحياة الأسرية الأرقى في التنظيم الاجتماعي قد طورت أكثر جمل الاتصال إتقاناً.


    آليات الاتصال الحيواني


    تُسَخِّر الحيوانات جميع حواسها تقريباً من أجل الاتصال. ويستخدم كثير من الحيوانات أكثر من قناة حسية، وعلى نحو متكامل، لضمان التقاط الإشارة الاتصالية. ويتناول البحث فيما يلي جميع القنوات الحسية الممكنة مع أمثلة عن كل منها.


    الجمل اللمسية: يمكن للحيوان أن يكتشف الأشياء التي تقع على تماس معه (مصادفة أو إرادياً) بفضل حاسة اللمس لديه. ويصعب، حتى في الإنسان، الفصل بين المستقبلات المختلفة الموجودة في الجلد والتي تتنبه بالأشياء التي تلامسه. ولابد، في مجال الاتصالات الحيوانية بحاسة اللمس، من قيام التماس المباشر بين الأفراد، وهذا يعني أن الاتصال الحيواني باستخدام هذه القناة لا يتعدى المسافات القصيرة للغاية بين الأفراد.


    أنماط الاتصال اللمسي: تتفاوت أنماط التماس كثيراً في طبيعتها وتوقيتها. فالإشارات اللمسية يمكن أن تتبدل بسرعة في شدتها وطبيعتها، كما يسهل تشغيلها وإيقافها. ولذلك تنفع الإشارات اللمسية بوجه خاص في نقل المعلومات الكمية، إذ تلزم إشارات متغيرة باستمرار لنقل عناصر معلوماتية متغيرة باستمرار.


    يقوم الحيوان المرسل للإشارات اللمسية بإنتاج هذه الإشارات من حركات خاصة يُذكر منها: القبض والمسك بفضل المخالب واللواقط والأذرع، وكذلك الصدم بكامل الجسم وغير ذلك. فالنحلات مثلاً تجوب أرجاء خليتها مصطدمة بأجسام أقرانها لإشعارها بالإشارة الاتصالية. وهنا يجري استقبال الإشارة بوساطة مستقبلات للتماس واقعة على سطح الجسم.


    الاستقبال اللمسي: تُعْرَفُ بعض الحيوانات بمستقبلات لمسية خاصة شديدة الحساسية، فنحل العسل مثلاً له مستقبلات للحركة في أرجله على جانب كبير من الحساسية تمكنها من كشف حركة الكريات في دماء الحشرات، وكذلك فإن «الشوارب» الطويلة في وجه القطة يكفيها أن تتحرك جزءاً بسيطاً من الملمتر حتى يستشعر الحيوان بفضلها الحركة التي تلامسه.


    وتوجد قنوات الاتصال اللمسي في جميع المجموعات الحيوانية. فبعض معائيات الجوف Coelenterata البحرية يعيش في مستعمرات من بولبات polyps دقيقة، يحتفظ كل بولب منها باتصال عضوي مع البولبات الباقية. فإذا لُمِسَ أحدُها فإنه ينكمش، ولكن لا تلبث البولبات الباقية أن تستشعر المنبه وتنكمش هي أيضاً على الرغم من أن المنبه لم يتناولها مباشرة. وبالانتقال من هذه الجملة الاتصالية اللمسية البسيطة إلى جملة نظيرة راقية، كتلك التي لدى نحل العسل، يرى أن النحلة، إذا ما اكتشفت مصدراً للرحيق، فإنها تدل على موقعه وبعده وقيمته بفضل ما تقوم به من الجري بنسق محدد داخل خليتها. وهنا تلتقط النحلات الأخريات المعلومة الاتصالية باستشعار إيقاع حركات النحلة الكشافة وتوجهاتها.


    ومن أمثلة استخدام المنبهات اللمسية في الاتصال عند الثدييات ما تقوم به الخنازير من دفع بالجسم وحك بالأنف في سلوكها الغزلي، وما يقوم به ذكر الزراف من إثارة لأنثاه في عملية «معانقة"، إذ تلتوي رقبتاهما الطويلتان الواحدة حول الأخرى وتفرك كل رقبة رقبة شريكها، وما تقوم به ذكور القطط والخيول من عض حقيقي للإناث يثيرها ويحثها على التقبل الجنسي من جانب الذكر. وإذا ما أخذ بالحسبان دور الشفاه «تلمظاً وتقبيلاً» لدى الرئيسات Primata، كما عند القردة في عمليتي الغزل والاقتران، تبينت أهمية القنوات اللمسية في لغة الاتصال الجنسي لديها.


    الجمل الكيمياوية: تعد الحواس الكيمياوية أكثر قنوات الاتصال استخداماً في عالم الحيوان. ومن المعروف أن للإنسان حاستين كيمياويتين هما الشم والذوق. ولكن يصعب، بل يستحيل فصل هاتين الحاستين الواحدة عن الأخرى في العديد من الحيوانات. وعلى العموم تعد خاصة الاستقبال الكيمياوي البعيد أو حاسة الشم هي الحاسة الأهم شأناً في الاتصال الحيواني.


    ويمكن أن تؤثر الإشارات الكيمياوية من مسافات بعيدة، لكنها قد لا تعطي إلا القليل من المعلومات عن جهة مصدرها، ما لم يكن هناك حركة للماء أو الهواء الذي يحملها. ولما كانت مثل هذه الحركة متوافرة في كثير من الأحيان، فإن تلك الإشارات الكيمياوية تستخدم استخداماً واسعاً في جذب الأقران من الذكور والإناث بعضها إلى بعضها الآخر.


    وتتصف الروائح بخاصة الديمومة مدة من الزمن فلا يمكن استخدامها مؤشراً لتواتر الإشارة الكيمياوية (حضوراً أو غياباً) مثلما هي حال اللمس والضوء والصوت.


    إصدار الإشارات الكيمياوية: قد تصدر الإشارات الكيمياوية عن جسم الحيوان، بمعنى كونها رائحة الجلد نفسه. ولكن ما يعد إشارات كيمياوية حقيقية في الاتصال الحيواني هو تلك المواد الكيمياوية التي تفرزها غدد خاصة لهدف معين، كالروائح الجنسية لدى بعض الحيوانات، فهذه الغدد تفرز كيمياويات نوعية specific تدهن بها الحيوانات أجسامها، ثم تتبخر هذه الكيمياويات أو تُطْلَق في الهواء أو الماء مباشرة.


    ويُذْكَر على سبيل المثال أن بعض الأساريع caterpillars تُخرج عند الإنذار «قروناً» تنفث حولها روائح خاصة. قد يدوم إنتاج الرائحة طويلاً، كما في الروائح المميزة للأنواع الحيوانية، أو يقتصر إنتاجها على اندفاعات قصيرة، كما في الروائح الجنسية وروائح الإنذار.


    استقبال الإشارات الكيمياوية: يتم استقبال الإشارات الكيمياوية بما يسمى المستقبلات الكيمياوية chemical receptors التي تؤلف أعضاء الشم والذوق. وغالباً ما تقع أعضاء الذوق في الفم أو بالقرب منه، كما هو متوقع، ما دامت تُستخدم في الغالب في تعرف الطعام قبل ابتلاعه. ولكن بعض الأسماك يضم، إلى جانب أعضاء الذوق حول الفم، نظائر لها على الزعانف والذيل. كما أن بعض الحشرات تحوي أعضاء للذوق على قرون استشعارها حتى على أرجلها. قد يصعب في كثير من الحالات، التفريق بين أعضاء الذوق وأعضاء الشم. فاللافقاريات المائية تتحسس بالكيمياويات على امتداد أجسامها دونما تفريق بين أعضاء للشم وأعضاء للذوق. ولئن كان للحشرات، في الغالب، أعضاء للشم على قرون الاستشعار المتحركة، مما يتيح لها إدراك الروائح على نحو مجسم (إذا جاز التعبير)، فإن أعضاء الشم هذه لا تقتصر في الحشرات على تلك القرون، إذ إن لبعض أنواع الحشرات نظائر لها بالقرب من الفم أو في أجزاء أخرى من الجسم.


    وأما في الفقاريات فإن أعضاء الشم تقع داخل الأنف، وفي بعض الحالات بالقرب من الفم. ولا يغرب عن البال أن أعضاء الشم أكثر حساسية من أعضاء الذوق في الاستقبال الكيمياوي، فذكور بعض أنواع العث mohtes تكتشف رائحة إناثها من مسافات بعيدة قد تبلغ ثمانية كيلومترات بأعضاء الشم في قرون استشعارها.


    انتشار الاتصالات الكيمياوية في العالم الحيواني: ستذكر هنا أمثلة قليلة عن استخدام الحواس الكيمياوية في الاتصال بين الحيوانات، مع العلم أن الروائح ربما تؤلف أهم قناة لتحديد هوية النوع لدى معظم الحيوانات. وهنا لا تُستثنى من المجموعات الحيوانية الكبيرة سوى الطيور التي تفتقر، كما يعتقد، إلى حاسة نامية للشم. ولكن مع ذلك لاشك في أن بعض أنواع الطيور تعرف برائحة خاصة يشعر بها حتى الإنسان الذي يتصف بضعف حاسة الشم. ويذكر في هذا الصدد أن طائر الحميمق long- legged bizzard يتمتع بحاسة قوية للشم مثلما هي حاسة الإبصار عنده.


    أما الحشرات فقلما يوجد منها ما لا يستخدم الشم في الجذب الجنسي أو لتحديد الهوية؛ حتى ما كان منها يعتمد الإشارات الضوئية الوامضة (كاليراعة fire fly) أو الإشارات الصوتية الغنائية (كالجنادب)، فإنه يستخدم الروائح في بعض مراحل العملية التناسلية. فالفراشات، التي تعد أقرباء نهارية للعث الليلي، تضم أنواعاً لذكورها حراشف على أجنحتها تفوح منها رائحة تفيد في تعرف الأنثى هوية الذكر بعد أن تكون قد جاءته من بُعد من إشارات إبصارية. ولعل من الممتع حقاً أن ترى مجموعة من ذكور الصراصير العادية تقف ساكنة بلا حراك عند تحريك قطعة نظيفة من ورق النشاف فوقها، في حين تشرع بهز أجنحتها عند استخدام قطعة من ورق نشاف كانت قد وقفت عليها إناث الصراصير. ولقد أمكن عزل المادة الجاذبة للجنس من إناث الصرصور الأمريكي، وجرى تحديد صيغتها الكيمياوية. وفي بعض أنواع النمل تلقي النملة الكشافة في رحلة العودة، بعد عثورها على مصدر غذائي، سلسلة من قطيرات ذات رائحة تؤلف أثراً خطياً ذا رائحة؛ تتبعه العاملات وتهتدي به إلى الغذاء، (على الرغم من بقاء النملة الكشافة في العش). وهناك عدد من التجارب يشير إلى أن الأثر الخطي ذا الرائحة الذي يكونه النمل يتصف بقطبية اتجاهية يتعرف النمل بها طريق الذهاب وطريق الإياب، ويرى فوريل Forel (الباحث الكبير في سلوك النمل) أن للنمل حاسة كيمياوية خاصة تتيح له أن يميز الرائحة وأن يميز في الوقت نفسه شكل القطيرة التي تنشرها. وتفتقر هذه الفكرة إلى البرهان، ذلك أنه يعرف عن النمل استخدامه الشمس لتعرف طريق العودة إلى العش. وهكذا ربما يفضل قبول استخدام النمل للأثر ذي الرائحة في معرفة المسار، مع استخدامه الشمس في معرفة الاتجاه. وليس الذباب بأقصر باعاً من غيره من الحشرات في استخدام الإشارات الكيمياوية في هداية بعضه بعضاً إلى مكان الغذاء. فالذباب مع كونه لا يعيش حياة اجتماعية فإنه يسم الطعام الذي يعثر عليه برائحة خاصة تجتذب باقي الذباب إليه.


    أما استخدام الحشرات للإشارات الكيمياوية بهدف الإنذار، فإنه يشاهد لدى نحل العسل الذي يثير باقي المستعمرة بالطواف جرياً وبإطلاق رائحة هي نفسها رائحة لسعة النحل فتهيج هذه الرائحة النحل ولكنها لا تحثه على اللسع.


    ولا يستخدم الروائح بوجه عام للجذب الجنسي من الفقاريات غير الثدييات، مع أن الكثير من المجموعات الأخرى في الفقاريات يستخدم الروائح في تعرف النوع. وإذا كان معروفاً عن بعض السمك أنه يطلق مواد كيمياوية تحدد هوية النوع، أو حتى الفرد من النوع الواحد، فليس هناك دليل على استخدامه لها في تلاقي الجنسين حتى اليوم، وإن كان لا يستبعد ذلك ولاسيما لدى بعض أسماك القوبيون gobies. وبالمقابل فإن كثيراً من أنواع الثدييات تطلق إناثه روائح مميزة عندما تكون مستعدة للتزاوج في فصل الوداق أو الشبق oesturs وتجذب هذه الروائح ذكور تلك الأنواع. حتى عندما يجري استخدام الوسائل الأخرى للجذب فإن تعرف النوع في معظم الثدييات غالباً ما يجري عن طريق اكتشاف الذكر لرائحة الأنثى .


    وهناك من الثدييات ما يستخدم الذوق عوضاً عن الشم. فذكر الزراف مثلاً يتذوق بول الأنثى لمعرفة حالتها الجنسية.


    ويحدث في بعض الثدييات أن يطلق الذكر رائحة متميزة تجذب الإناث إليه أو تتيح لها تعرف هويته. فذكر الشمواه Chamois (من الظباء) مثلاً يسم الشجر في منطقته بعلامات ذات رائحة، عن طريق فرك تلك الأشجار بقرونه التي تمتلك غدداً للرائحة في قواعدها. وتنجذب إناث الشمواه إلى هذه المناطق الموسومة حيث تلاقي الذكور.


    أما تعرف الأبوين صغيرهما عند الثدييات فيبدو أنه شمي بالدرجة الأولى، خلافاً لتعرف الصغير أبويه، فهو من طبيعة بصرية وسمعية.


    الجمل البصرية: تقوم الحيوانات المزودة بعيون نامية بإصدار إشارات بصرية (ضوئية). ولئن كانت هذه الإشارات تعمل عن بعد، فإن ذلك البعد لا يكون كبيراً في معظم الحالات. ومن الواضح أن المسافة المجدية للإشارة البصرية إنما تعتمد على حساسية الواحدة المستقبِلة البصرية (المستقبِلة الضوئية). ثم إن الإشارات الضوئية تعطي أفضل دلالة على الاتجاه، كما أنها تتغير بسرعة مع الزمن وتستخدم مجالاً كبيراً من الشدة، الأمر الذي يمنحها قدراً كبيراً من المرونة.


    وأخيراً تتصف هذه الإشارات الضوئية بسرعة تشغيلها وإيقافها مما يسمح بالترميز الدقيق للمعلومات.


    طبيعة الإشارات البصرية: يتمثل أكثر الإشارات البصرية تخصصاً في الوميض الذي تولده متعضيات مضيئة مثل اليراعة والبق المضيء بوساطة أعضاء خاصة مولدة للضوء، انطلاقاً من تفاعلات كيمياوية معقدة لا تنشر حرارة. ولكن ليس لمعظم الحيوانات مع ذلك جمل خاصة لتوليد الضوء. يضاف إلى ذلك أن الأعضاء المولدة للضوء، إن وجدت، لا تعمل إلا في الظلام، من ثم يكون استخدامها محدوداً.


    تتصف جميع الحيوانات بأجسام محددة الأشكال، كما يتصف الكثير منها بألوان نوعية، وهذا يعد بحد ذاته إشارات بصرية (ضوئية). ولعل الطراز اللوني المميز في ذكور الطيور يوضح إمكان استخدام الشكل واللون في تعيين هوية النوع الحيواني وفي تحديد جنسه ذكراً كان أو أنثى. ولكن كثيراً من الحيوانات لا يتصف بألوان نوعية، ومع ذلك يمكن تحديد هويته بصرياً بما يقوم به من أنساق حركية تختلف من نوع لآخر، وتكفي لنقل معلومة الهوية والجنس.


    استقبال الإشارات البصرية: تتفاوت إمكانات استقبال الضوء، ولاسيما حس الألوان والنماذج، إلى حد كبير. فباستثناء المفصليات التي تضم القشريات والحشرات، وباستثناء الرخويات التي تضم الأخطبوط والحبار، هناك ضعف في نمو العيون لدى اللافقاريات، إذ إن لهذه الأخيرة عيوناً لا تستجيب إلا لمجرد الضياء والظلام فحسب.


    وكذلك الأمر لدى بعض الفقاريات الدنيا التي عيونها ليست أفضل حالاً من سابقتها. ولكن لمعظم الفقاريات عيوناً نامية راقية لا تمكن من التمييز بين الضياء والظلام فحسب بل بين الأشكال المختلفة أيضاً، حتى الألوان المتباينة في كثير من الأحيان. ولايخفى ما تتيحه هذه الإمكانات المختلفة من سبل متنوعة للاتصال الحيواني. ولعل الأمثلة القليلة التالية توضح مدى استخدام الحيوانات للإشارات البصرية في اتصالاتها. فلقد طور العديد من ذكور السرطان مخالب وأرجلاً ساطعة الألوان تُرْهِب بها منافسيها، كما تغري بها إناثها أيضاً. وكذلك تستخدم ذكور العناكب والطيور لواحقها في أوضاع متقنة ومناورات راقصة بقصد تحديد هوياتها وجنسيتها. ولا تقل الثدييات في هذا المضمار براعة، فالكلاب والقرود تستخدم تعابير الوجه في الإعلان عن استعداداتها العدوانية مثلاً. ويمكن استخدام كامل الجسم إشارة بصرية، كما هي حال بط الرنكة herring duck الذي يحوم فوق مصدر الطعام معلناً للأفراد الأخرى عن وجود الغذاء.


    الاتصال الضوئي لدى الحيوانات ذات النشاط الليلي: يتطلب استخدام الإشارات البصرية، فيما تقدم من أمثلة وغيرها، شيئاً من الضوء حول الحيوان بحيث يقتصر جدواها على النهار.


    أما الحيوانات ذات النشاط الليلي والحيوانات التي تعيش في أعماق البحار والمحيطات فقد طورت أعضاء مولدة للضوء تصدر ومضات ضوئية (ملونة أو غير ملونة) محددة التوزيع في مواقعها من الجسم والإيقاع في انبعاثها، مما يجعلها صالحة لاستخدامها إشارات اتصالية.


    فهناك كثير من الحيوانات البحرية، ولاسيما تلك التي تعيش في الأعماق، تأتي إلى السطح ليلاً وتولد ضوءاً ينبعث من أعضاء ضوئية متطورة ذات عدسات تركز الضوء وتزيده سطوعاً. وقد تومِض هذه الأعضاء بإيقاعات مميزة لأغراض التعريف بالنوع والجذب للجنس.


    ومن أمثلة ذلك بعض الحشرات التي تعيش على اليابسة والديدان البحرية والأسماك العظمية، مع العلم بأن هذه الأسماك لا تصعد إلى السطح بل تولد الضوء وتستخدمه في الأعماق.


    والمعروف أن الضوء الذي تنتجه الأعضاء المولدة للضوء إنما ينجم عن فعل إنظيم يدعى «لوسيفراز» luciferas في ركيزة substrate تدعى «لوسيفرين» luciferine في حال وجود الأكسجين والماء. وقد أمكن تحديد البنية الكيمياوية للوسيفرين، على الأقل، فوجد أنها تختلف من حيوان إلى آخر، كما تختلف كذلك طبيعة العناصر الأخرى المشتركة في التفاعلات الضوئية.


    الجمل السمعية: تشارك الإشارات السمعية (الصوتية) الإشارات اللمسية بعض خصائصها. ولما كان الصوت يمثل حركة آلية في الوسط فإنه يمكن للأعضاء اللمسية عند بعض الحيوانات أن تستقبله. ولكن ما يسمى صوتاً حقيقياً هو ذاك الذي يجري استقباله في أعضاء خاصة للسمع. وتعتمد الحيوانات ذات الأعضاء السمعية الراقية على الأصوات في اتصالاتها إلى حد كبير. ولعل ما يميز الأصوات أنها تُستقبل من بعيد، وأنها اتجاهية المسار بحيث توفر إمكانية التعريف بموقع مصدر الصوت إلى جانب مدلوله. ويمتاز الصوت من الضوء بقدرته على الالتفاف حول الحواجز، فلا تعيقه تلك الحواجز. وتكون الاتجاهية الصوتية على أشدها في التواترات العالية. كما تتمتع الأصوات بطيف واسع من التواتر والشدة والطراز. ويسمح هذا التنوع بفروق نوعية هائلة يمكن استخدامها في الاتصال الحيواني على نحو كبير الجدوى. ويمكن للأصوات، علاوة على ذلك، أن تكون مرحلية عابرة، بمعنى أنها تظهر فجأة وتختفي فجأة، ومن ثم تسمح بتوقيت دقيق يصلح لترميز المعلومات ترميزاً دقيقاً.


    إصدار الأصوات: هناك عدة طرائق تولد بها الحيوانات الأصوات التي تستخدمها في الاتصال. ولئن كانت كل فعاليات الحيوان، من بلع ومشي وطيران، تولد أصواتاً عابرة، إلا أن هذه الأصوات لا تزيد على كونها تسهم في الضوضاء العامة للوسط، وقلما تحمل سمات بيولوجية بمعنى الإشارة الاتصالية. ولكن مع ذلك، هناك حيوانات تستخدم هذه الأصوات لأغراض اتصالية. فمثلاً يجذب صوت أجنحة أنثى البعوض ذكورها بهدف التزاوج. أما معظم أصوات الحشرات فإنها أصوات قرع يولدها النقر على جسم ما أو حك بنى مشطية الشكل بعضها ببعض. وفي هذه الحالة الأخيرة يمكن لبعض الحشرات أن تولد أصواتاً ذات جرس موسيقي نوعاً ما. أما في الفقاريات فإن بعض الأسماك يولد الصوت باهتزاز كيس مملوء هواء، وبعضها الآخر يفرك أجزاء من هيكله العظمي ليولد صوتاً. كما أن الثدييات تستخدم حبالاً صوتية تهتز بفعل تيار هوائي متحرك، وأن الطيور تستخدم حجرات وأعمدة هوائية تتجاوب بالطنين. ويجري تحوير الأصوات في أثناء مرورها في حجرات جوفاء، أو في الفم الذي يقويها أو يضعفها فيتيح تنوعاً هائلاً في نماذجها.


    استقبال الأصوات: يتم استقبال الأصوات في تشكيلة كبيرة من الأعضاء. فهناك العديد من الحيوانات الدنيا تستقبل الأصوات بالأعضاء اللمسية في الجلد. إلا أن الحيوانات التي تستخدم الأصوات في الاتصال على نحو مميز فإنها تمتلك مستقبلات خاصة بالصوت وحده.


    فذكور البعوض مثلاً تستخدم قرون استشعارها المكسوة بأشعار دقيقة، إذ يقوم عضو خاص بصلي الشكل عند قواعدها يدعى عضو جونستون Johnston's body باستقبال الاهتزازات الصوتية. كما أن للجنادب grasshoppers آذاناً على جانبي الجسم، في حين يمتلك الزيز cicada والجدجد cricket آذاناً مشابهة في الأرجل، ويمتلك العث moth آذاناً راقية متخصصة على صدره، وربما أمكن عد هذه الأعضاء آذاناً بحق، إذ إنها لا تكتفي بالتقاط الصوت فحسب، بل تميز أجزاءه المهمة من ضوضاء الوسط.


    وإذا استعرضت الفقاريات وجد أن لها كذلك آذاناً متخصصة تمكن من تمييز تواتر الصوت وأنساقه الزمنية بحيث تستفيد من تشكيلة واسعة من الإشارات الصوتية لغرض الاتصال.


    أغراض الاتصال الصوتي: يستحسن البدء بأمثلة من الطيور والثدييات فيما يخص استخدام الإشارات الصوتية في الاتصال الحيواني لما هو مألوف منها. فكثير منا يعد تغريد الطير شكلاً ابتدائياً من الموسيقى يعبر به الطائر عن سعادته وابتهاجه. ولكن صداح الطيور له من الأغراض ما هو أكثر جدية من ذلك بكثير، شأنه في ذلك شأن أصوات الثدييات التي لا تعد أغاني. ففي أغنية ذكر الطير إعلان لباقي الذكور من نوعه في الجوار عن منطقته التي يحميها ويدافع عنها، ودعوة للإناث من نوعه للتزاوج معه. وكذلك الحال مع ذكر للفقمة (من الثدييات) الذي يخص نفسه بأرض في إقليم ملائم للتكاثر ويعلن استعداده للدفاع عنها بزئير مرتفع، وذكر للرئيسات، ولاسيما الغوريلا الذي يضرب بقبضة يده على صدره أو على الأرض ويزمجر زمجرة قوية معلناً عزمه على الدفاع عن حماه.


    وفي غرض آخر من أغراض الاتصال يُطْلِق الطائر أصوات تحذير لباقي أفراد النوع إذا ما رأى خطراً، أو يشترك أفراد المجموعة في صياح جماعي لإرباك الحيوان المفترس. وليست الثدييات أقصر باعاً في استخدام الأصوات للتحذير، من بعيد. فالموظ moose والإلكة elk والأيل تُطْلِق خُواراً قوياً عندما تفلت من ساحة الخطر، كما يبعث الشمواه الأوربي بصفير تحذيري، وكذلك العديد من الرئيسات مثل القرود ومنها البابون baboon التي تنبح عند الطوارئ، حتى الزرافة التي تلزم عادة الصمت تعلن عن حالة الخطر بصهيل أو مأمأة حادة. أما الجرذان والفئران التي تعيش في مجموعات كبيرة متخلخلة التماسك فإنها، وإن بقيت منفصلة (فيما عدا وقت التكاثر)، تطلق عند الخطر نداء كرب من طبيعة فوق صوتية لا يسمعها الإنسان بل يسمعها أفراد نوعها فتعدو إلى أوكارها مسرعة.


    وفي غرض ثالث من أغراض الاتصال يطلق نورس الرنكة herring gull والحجل المقوقي أو شقر chukar partridge وقرد الجيبون gibbon وغيرها نداءات خاصة للدلالة على موقع الطعام.


    وفي غرض رابع وحيوي يستخدم ذكر الطير الغناء في اجتذاب الإناث. ولما كانت نماذج أغاني الطيور عاملاً محدداً في لقاء الجنسين، فإنها تؤسس مجموعات منفصلة ضمن النوع الواحد، فتؤدي دوراً مهماً في تطور الطيور وتنوعها. أما بين الثدييات فيذكر ذكور الهر والنمر والأسد والعديد من الحافريات Ongulata التي تستخدم الأصوات في اجتذاب الجنس الآخر.


    ولئن كان المقام لا يسمح بالخوض في تفاصيل استخدام الإشارات الصوتية عند باقي المجموعات الحيوانية فإنه يكتفى بذكر نقيق الضفادع بأنواعه المختلفة وقباع بعض أنواع السمك وزئير بعض التماسيح وفحيح بعض العظايا. كما يذكر صرير الزيز والجندب والجدجد الذي يعد لغة للاتصال تعتمد تواتر النبضات الصوتية في الأغراض السلوكية المختلفة.


    الجمل الكهربائية: إن لبعض الأسماك مستقبلات تستشعر بها الوسط بالاستناد إلى خصائص الإشارة الكهربائية. وتستطيع هذه الأسماك المولدة للنبضات الكهربائية أن تتعرف ما يدور في الوسط الذي تعيش فيه من اختلاف الناقلية الكهربائية لعناصر ذلك الوسط، كما تستطيع استخدام تلك الأعضاء المولدة للكهرباء والأعضاء المستقبلة الكهربائية في أغراض الاتصال فيما بينهما. فالمعروف أن الأنقليس الكهربائي electric eel يطلق أرتالاً من التفريغات الكهربائية تجذب إليه الأقران من نوعه. فإذا وضعت مثل هذه السمكة بمعزل عن أقرانها فإنها تبث إيقاعاً معيناً من النبضات الكهربائية ساعات طوالاً وربما أياماً، ولكن الإيقاع سرعان ما يتغير بوضوح عندما يدخل الوسط قرين يقترب منها حتى مسافة 20ـ30 سنتمتراً. وما هذا التآثر بينهما إلا وسيلة لتبادل المعلومات بينهما، وكأنه يمكن القول بأن مثل هذه الأسماك إنما يتصل بعضها ببعض بالإشارات الكهربائية، ولإيضاح هذا القول يذكر أن سمكة المورميريد mormyrid مثلاً تطلق نسقاً نمطياً من التفريغ الكهربائي في أثناء الأكل، فإذا ما تلقت سمكة أخرى من نوعها هذه الإشارة فإنها سرعان ما تبدي استجابات حركية وكهربائية خاصة بتناول الطعام.


    تطور الاتصالات الحيوانية مع التطور النوعي phyllogenic والتطور الفردي ontogenic: من الواضح أن إشارات الاتصال بين الحيوان تطورت على نهج تطور البنى والفعاليات المختلفة لدى الحيوانات. لكنه لا يعرف إلا القليل عن هذا التطور لعدم إمكان العثور على مستحاثات للسلوك مثلما أمكن العثور على مستحاثات للأسنان والعظام قدمت بدورها إطاراً لأفكارنا عن الماضي البنيوي للحيوانات. فلا يملك المرء إذاً إلا أن يؤول ما يراه حاضراً من السلوك. وباستقراء مايراه، يبدو أن إشارات الاتصال تنشأ عادة على شكل حركات غرضية متحورة؛ بمعنى أن الحيوان عندما يقوم بحركة ما فإنه يهدف إلى غرض ما، ثم تغدو هذه الحركة بالتدريج إشارة يستفيد منها أقرانه، كما يغدو تسلسل الحركات وطرازها نموذجاً نمطي التجسيم هادفاً وقابلاً للتوريث على مستوى النوع الحيواني الواحد. إلا أن ما يرثه الصغير من هذه النماذج الاتصالية والسلوكية مرهون في أدائه بالتوقيت المناسب الذي تكتمل عنده أسباب الأداء. فأساريع الفراشات مثلاً لابد أن تنتظر ظهور الأجنحة حتى تقوم بأداء الإشارات الجنسية التي تؤديها الفراشات البالغة. ولئن أمكن توريث نماذج الترميز الاتصالي النمطية النوعية، فهناك جانب يتعلمه فرد الحيوان في أثناء نموه ويكون غير قابل للتوريث. وهكذا يسهم في الأداء الاتصالي مُكَوِّنان اثنان: أولهما مبدئي وراثي، وثانيهما فردي اكتسابي. ويختلف وزنا هذين المكونين بين نوع وآخر، أو بين مجموعة حيوانية وأخرى. فالسمك البالغ يؤدي إلى نموذج سلوك النوع بشكله الكامل حالما تتوافر الأسباب البنيوية لهذا الأداء دونما مران أو تعلم، في حين يتدخل عامل الاكتساب في صوغ الأداء الاتصالي عند بعض الطيور على نحو ملحوظ.
    منقول

  8. #118
    الإتنولوجية النباتية





    الإتنولوجية النباتية ethnobotany علم يدرس خبرة شعب من الشعوب في نطاق النباتات، وهي مجموعة المعارف والتقاليد والمعتقدات المرتبطة بالعالم النباتي. ويرتبط علم الإتنولوجية النباتية بعلم الإتنولوجية الحيوانية ليؤلفا علماً واحداً يعرف بالإتنوبيولوجية، وهي تعالج خبرات الشعوب وتقاليدها وعاداتها في التعامل مع وسطها، من جماد ونبات وحيوان. (والكلمة اليونانية «Ethnos» تعني الأُمة أو الشعب).


    التطور التاريخي لمفهوم علم الإتنولوجية النباتية


    يمكن إيجاز التطور التاريخي لمفهوم علم الإتنولوجية النباتية في ست حقب هي: التاريخ القديم -العصر الروماني -العصر الإسلامي -العصر الأندلسي -مطلع القرن الثامن عشر ثم القرن العشرين.


    1- الإتنولوجية النباتية في التاريخ القديم: تتلخص أفكار علم الإتنولوجية النباتية في التاريخ القديم بوجود ارتباط وثيق بين الإنسان والطبيعة. ففي هذه المرحلة الطويلة التي امتدت 10 آلاف سنة ونيفاً، كان هذا الارتباط واضحاً في مفاهيم الحضارات القديمة، كالسومرية والكنعانية واليونانية والرومانية. ففيما يتصل بالحضارة السومرية في جنوب الرافدين -ما بين النهرين - وجدت قوائم خاصة باستعمال النبات والحيوان، كشفها الأب شيل Schell، بعد دراسته الرقم (الألواح الطينية) الأثرية التي عُثر عليها في مدينة لارسا Larsa السومرية، ويرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وقد صُنفت تلك الكائنات تصنيفاً نفعياً، فقسم عالم الحيوان إلى أسماك ومفصليات وأفاع وطيور وذوات أربع. كما قسم عالم النبات إلى أشجار وبقول وبهارات وعقاقير وحبوب. وجعلت الأشجار المثمرة كالتين والتفاح والرمان في مجموعة واحدة. ومن أبرز هذه الرقم الأثرية رقيم بالخط المسماري وجد في مدينة نيبور Nippur (نُفَّرْ)، يرجع إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد، درسه عالم السومريات الشهير صموئيل نوح كرامر S. N. Kramer، وبين أنه مؤلف من 108 أسطر، تشرح الأعمال الزراعية، المعتمدة في ذلك العهد في بلاد الرافدين. كما وجد العالم كامبل طُمسُن Campel Thomson نحو 600 رقيم دُون فيها أكثر من 250 اسماً لنباتات طبية، كان يستعملها أهل سومر وبابل وآشور في مداواة المرضى.


    وفي الحضارة الكنعانية (الفينيقية)، التي انتشرت في حوض البحر المتوسط في الألف الأول قبل الميلاد، تمثل علم الإتنولوجية النباتية في رسالة في الزراعة دونها في تاريخ غير معلوم عالم قرطاجي يُدعى ماغو Mago، وترجمها إلى اللاتينية الكاتب الروماني ماركوس فارون M. Varron (116-27ق.م) الذي عدّ ماغو القرطاجي أبا الزراعة.


    وفي الحضارة اليونانية تمثل علم الإتنولوجية النباتية في قصيدة «الأعمال والأيام» التي نظمها الشاعر اليوناني هزيودس Hesiodes في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد، وهي تُمثل التقويم الزراعي الذي شاع استعماله في تلك الأيام؛ كما ترجم كاسيوس ديونيسيوس Cassius Dionysios كتاب ماغو إلى اليونانية في مطلع القرن الأول للميلاد.


    2- الإتنولوجية النباتية في العصر الروماني: ومن أشهر المؤلفات التي ظهرت في هذا العصر كتاب في علم الأعشاب الطبية أو الأدوية المفردة، ألفه طبيب يوناني الأصل، يدعى بيدانيوس ديوسقوريدس Pedanius Dioscorides، عاش في القرن الأول للميلاد، وهو من مدينة عين زربة شمال حلب، وعمل جراحاً في الجيش الروماني في عهد الإمبراطور نيرون (54-68م). وكان يجمع في أثناء تنقله النباتات الطبية، ويدرس خصائصها الدوائية وصفاتها، ومكان انتشارها، ويصنع منها أدوية مركبة. ثم قام بعدئذ بتصنيف كتاب «الحشائش» ضمنه خمس مقالات وهي:


    المقالة الأولى: ذكر فيها أنواعاً من العطور والتوابل والصموغ والأدهان.


    المقالة الثانية: وفيها مجموعة من العقاقير الحيوانية المنشأ، إلى جانب حبوب وبقول وأعشاب حريفة.


    المقالة الثالثة: جمع فيها النباتات التي تستعمل جذورها أو بذورها.


    المقالة الرابعة: وتشتمل على أعشاب باردة، وأخرى حارة أو مسهلة أو مقيئة، أو مضادة لتأثير السموم.


    المقالة الخامسة: وخصصها المؤلف للكلام عن شجرة الكرمة، وأنواع الأشربة والأدوية المعدنية.


    وأُلحق بكتاب ديوسقوريدس مقالتان نسبتا إليه، جاء في الأولى منهما وصف لأنواع الطيور، وبعض الأسماك والحيوانات البحرية والبرية، وما يستفاد من ألبانها وأصوافها وشحومها ومراراتها وأزبالها وأبوالها. وفي الثانية كلام عن السموم والاحتراز من تناولها وعلاج الضرر إذا وقع فيها، وقد بلغ عدد العقاقير والأدوية التي جاء ذكرها في كتاب الحشائش لديوسقوريدس نحو 950 عقاراً، أما النباتات الطبية فبلغ عددها نحو 550 نباتاً.


    ويقول سليمان بن حسان، المعروف بابن جلجل، في كتابه «طبقات الأطباء والحكماء»: «إن كتاب ديوسقوريدس ترجم بمدينة السلام (بغداد) في أيام الخليفة جعفر المتوكل. وكان المترجم له اصطفن بن باسيل، نقله من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي. وتصفحه حنين بن اسحاق، فصحح الترجمة وأجازها. فما علم اصطفن من تلك الأسماء اليونانية في وقته له اسماً في اللسان العربي فسره بالعربية، وما لم يعلم له اسماً تركه في الكتاب على اسمه اليوناني».


    وثمة نموذج ثانٍ من كتب الأشياء عنوانه «التاريخ الطبيعي» Historia Naturalis، وهو موسوعــة تقع في 37 مجلداً، ألفها كايوس بلينيوس الأكبر [ر.بليني الأكبر] Plinius Caius (23-79م) وتشمل موضوعاتها المفردات والمركبات والطب والسحر والفلك والعقائد والتقاليد والطقوس والتعاويذ والتمائم والأعشاب والأشجار والسموم والحيوانات والأحجار والجواهر والإلهام والشعوذة. وقد ذكر بلينيوس كل المراجع التي اقتبس منها، وقضى نحبه اختناقاً قرب بركان فيزوف Vesuvio عام 79 للميلاد.


    والنموذج الثالث من كتب الأشياء التي صنفت في العصر الروماني ما جاء في كتاب هرمس Hermes «مثلث الحكمة» Trimegist الذي وصف فيه 36 نباتاً شجرياً تمثل العلاقة بين السماء والأرض، وهما اللتان توجهان الوظائف الحيوية الإنسانية.


    3- الإتنولوجية النباتية في العصر الإسلامي: كانت قبائل الجزيرة العربية تعيش على صلة مباشرة بالنباتات والحيوانات التي اعتمدت عليها للحصول على غذائها ودوائها، وعلى العلف لمواشيها. وكانت خبراتهم في هذا المجال تنتقل وتتطور بالممارسة من جيل إلى آخر من غير تدوين. واشتمل القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، على كثير من الإشارات إلى فوائد بعض النباتات والمنتجات الحيوانية. وفي القرن الثاني للهجرة بدأ بعض علماء العربية يهتمون بتسجيل أسماء الكائنات الحية وضبط صفاتها، ومن أشهرهم عبد الملك بن قريب، المشهور بالأصمعي الباهلي (122ـ216هـ/740ـ831م) [ر] وهو من مواليد مدينة البصرة، كان إماماً في الأخبار والملح والغرائب. قدم بغداد في زمن الرشيد، ثم عاد إلى البصرة، وتوفي فيها. صنف الأصمعي أكثر من ثلاثين كتاباً، بعضها في علوم العربية، وبعضها في وصف أحياء البيئة الطبيعية التي عاش فيها. ومن تلك المؤلفات:


    كتاب النبات والشجر، وكتاب خلق الإنسان، وكتاب الأجناس، وكتاب الخيل، وكتاب الإبل، وكتاب الوحوش وصفاتها، وكتاب مياه العرب، وكتاب الأنواء، وكتاب الأخبية والبيوت.


    وقد حقق كتاب النبات والشجر أوغست هفنر A. Haffner والأب لويس شيخو، ونشراه في بيروت عام 1908م. وأعاد تحقيقه ودراسته الدكتور عبد الله يوسف الغنيم، ونشره في القاهرة عام 1947م.


    تحدث الأصمعي في مقدمة هذا الكتاب عن أسماء الأرض وصفاتها، وما يصلح للزرع فيها من نبات وٍشجر. ثم ذكر أدوار النمو التي تمر فيها النباتات، وقسمها بعد ذلك إلى أحرار وذكور. فأحرار البقول ما رق منها وحسن، وذكورها ما غلظ منها وخشن. ثم قسمها بحسب طعمها إلى حمض وخُلَّة فالحمض ما كان طعمه مالحاً، والخلة ما كان طعمها مائلاً للحلاوة. وقسمها بحسب الأمكنة التي تنمو فيها إلى سهلية ورملية وجبلية، وبلغ عددها 280 نباتاً.


    توالى بعد ذلك ظهور عدد من المصنفين في علم النبات عند العرب، وكان من أشهرهم أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت282هـ/895م) [ر]. كان تلميذاً لابن السكيت، كما كان ابن السكيت تلميذاً للأصمعي. وقد صنف أبو حنيفة ثلاثة علوم مختلفة: علم الأنواء -وعلم القرآن -وعلم النبات. ويعد كتابه في النبات موسوعة جمع فيها أسماء كثير من الأعشاب والجنبات والأشجار، التي تنمو في الجزيرة العربية، وجعلها في خمسة أجزاء. وبقيت هذه الموسوعة بكامل أجزائها حتى زمن الطبيب موفق الدين البغدادي (ت629هـ/1231م)، الذي كان يملك نسخة مخطوطة منها. ثم فُقدت بعض أجزاء تلك الموسوعة، ولم يعثر إلا على الجزء الثالث والنصف الأول مـن الجـزء الخامـس. وقام المستشرق الألماني برنهاردلفين B. Lewin بتحقيق ما بقي من كتاب النبات لأبي حنيفة، وشرحه (طبع في بيروت 1974م).


    ولم يكن أبو حنيفة، في موسوعته بعلم النبات، مجرد جامع لمفردات هذا العلم، أو باحث عنها بين أبيات الشعر وأخبار الرواة، بل تجاوز التعريف الموجز لكل نبات، كما سار عليه من سبقه من علماء اللغة، وقدم وصفاً دقيقاً لجميع أعضاء النبات، وخاصة تلك التي تعرفها عن قرب، وهو يجوب أنحاء الجزيرة العربية، ثم قام بتصنيفها بحسب فائدتها العملية، ذاكراً الجزء المستعمل منها، وتأثيره الدوائي في الإنسان أو الحيوان أحياناً.


    لذا يمكن أن يقال بأن أبا حنيفة الدينوري هو أول من وضع أساس علم الإتنولوجية النباتية في البلاد العربية، بالاعتماد على ما ورد في كتابه الذي قسمه إلى اثني عشر باباً وهي:


    - باب الرعي والمراعي، وخصصه للكلام عن الإبل، وصفاتها وأمراضها، وما يسقط عليها من الحشرات، وما تستطيبه من النباتات، وما يحصل لديها من فائدة أو ضرر عند أكلها، ومنها الخلة والنجيل والأراك والطلح والغضا والقتاد والسُمُر والعُرْفُط والرَمَث والصليّان والحلى والسعدان والسخبر.


    - باب الكمأة والجبأة: وقسمه إلى عراجين وأفاتيج وضغابيث وذآنين وطراثيث وبنات أوبر.


    - باب الصموغ: وتكلم فيه عن النباتات التي تعطي: العلوك واللثا والمغافير والقطران، ومن أشجارها: الطلح والمقل والدوم والسمرة والأيدع.


    - باب الدباغ: ويشمل النباتات المستعملة في دبغ الجلود، وأهمها: القرظ والأرطى والسلم والألاء.


    - باب الزناد: تكلم فيه عن الأشجار التي يستعمل خشبها أو أعوادها في قدح الزناد، ومنها المَرْخ والدفلى والأثأب والبان والقطن وغيرها.


    - باب ألوان النيران والأرمدة والأدخنة: يستعمل فيها نبات العرفج والرمث والتنضب.


    - باب ما يصبغ به: ومنها نبات الورس والعصفر والكركم، وقرف الأرطي، وقرف السدر، وعروق الفوة.


    - باب الروائح، ومنها الطيبة ومنها النتنة: فالطرفاء والقرنفل والحوذان والخزامى والشيح والقيصوم، من النباتات الطيبة الرائحة. أما النباتات الكريهة الرائحة فقليلة العدد ذكر منها السَنَعْبق وأم كلب.


    - باب المساويك: وهي تصنع من الأراك أو البشام أو الإسحل أو الرند أو عراجين النخل.


    - باب الحبال: وهي تصنع غالباً من لحاء الشجر أو من أليافها وسوقها. وأجودها ما تصنع منها الأرشية التي يستقى بها وهي: الطلح والسلم والعرفط والسمر. وذكر الأصمعي سوى هذا الكراث والكنب. كما تتخذ الحبال أيضاً من كرب النخل أو القطن أو الكتان.


    - باب العسل والنحل: ذكر فيه أبو حنيفة صفات العسل وأسماءه، وقال عنه أنه لعاب النحل أو ريقه أو مُجاجه. ثم عدد النباتات التي يجرسها النحل ومنها: الندغ والسحاء، وعسلهما أبيض. وعسل الضرم لونه كلون الماء. وأشد العسل حرافة وأرقه عسل الصعتر، وعسل الإفسنتين مر الطعم.


    - باب القسي والسهام: وهو من أبواب الجزء الخامس من كتاب النبات. لقد أطنب أبو حنيفة في وصف القسي وأوتارها والسهام والنبل وطرق تحضيرها وكيفية استعمالها، حتى تجاوز عدد صفحات هذا الباب المئة صفحة.


    4- علم الإتنولوجية النباتية في الأندلس وبلاد المغرب: لم ينتشر كتاب الأدوية المفردة لديوسقوريدس، بعد ترجمته في بغداد، انتشاراً واسعاً في شرقي العالم الإسلامي. ويعود السبب في ذلك إلى أن كثيراً من النباتات الطبية التي ورد ذكرها في ذلك الكتاب كانت أسماؤها أعجمية، لهذا بقيت مجهولة من قبل أكثر الأطباء، ولم يقم أحد بالربط بينها وبين النباتات التي ورد ذكرها في مؤلفات الأصمعي وأبي حنيفة وغيرهما، وعند الرجوع إلى مؤلفات الرازي والبيروني وابن سينا يلاحظ أنهم حذفوا في مؤلفاتهم كثيراً من تلك الأسماء الأعجمية. ولكن حينما وصل كتاب ديوسقوريدس إلى قرطبة، وقدم إليها بعده نقولا الراهب، اهتم بهما بعض الأطباء الأندلسيين المشهورين، والمتشوقين إلى معرفة جميع مفردات ديوسقوريدس. وقد استطاع نقولا، الذي كان يتقن اللغة اليونانية واللاتينية، عن طريق جولات اطلاعية قام بها في أطراف قرطبة في صحبة هؤلاء، أن يريهم كثيراً من نماذج تلك النباتات، فربطوا بين أسمائها اليونانية، كما وردت في كتاب ديوسقوريدس، وأسمائها باللغات اللاتينية والبربرية والعربية، المعروفة في بلاد الأندلس آنذاك. وظهر بعد ذلك عدة مؤلفات في تفسير مفردات ديوسقوريدس، قام بوضعها أطباء أندلسيون من أشهرهم:


    - سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل: ألف كتابه في تفسير أسماء العقاقير عام 372هـ/983م في قرطبة، إبان حكم هشام بن الحكم المؤمن بالله. كما ألف مقالة في ذكر الأدوية المفردة التي لم يذكرها ديوسقوريدس في كتابه.


    - أحمد بن محمد بن مفرج ابن الرومية الإشبيلي، المشهور بأبي العباس النباتي. كان فقيهاً، ظاهرياً، متعصباً لمذهب علي بن حزم. لذلك غلب عليه في مباحثه النباتية التخلص من طريقة الرواية والإسناد، معتمداً على المشاهدة الشخصية. أخذ علم النبات عن أبيه وجده، وكانا قدوة في هذا العلم.


    طاف أبو العباس بلاد الأندلس باحثاً عن النباتات الجديدة التي لم يقع عليها من سبقه، وموضحاً ما اشتبه بأمره من النباتات التي ذكرها ديوسقوريدس. ثم اجتاز بعد ذلك مضيق جبل طارق في طريقه إلى شمالي إفريقية نحو سنة 612هـ/1215م، فزار المغرب وإفريقية (تونس) وطرابلس الغرب وبرقة ومصر. وكان يجمع في كل مرحلة ما يجده من غريب النبات ويسجل صفاتها ومنافعها. ولما طلب منه الملك العادل الأيوبي البقاء في مصر اعتذر متعللاً برغبته في أداء فريضة الحج. وبعد أن تم له ذلك تابع جولته فزار العراق وبلاد الشام، ثم عرج على صقلية، في طريق عودته إلى الأندلس، التي وصل إليها عام 615هـ/1218م.


    استقر أبو العباس النباتي بعد ذلك في مدينة إشبيلية، حيث ألف كتاب «الرحلة الشرقية»، ودون فيه نتيجة أبحاثه ومشاهداته لنباتات شمالي إفريقية وأطراف البحر الأحمر. والكتاب مفقود، ولكن العالم النباتي، المعروف بابن البيطار، وهو تلميذ أبي العباس النباتي، نقل في كتابه «الجامع لمفردات الأغذية والأدوية» مئة وثلاث مواد مقتبسة من كتاب الرحلة، من بينها 97 مادة تتعلق بالنباتات الطبية.


    - أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي، والمشهور بضياء الدين بن البيطار[ر]: ولد هذا العالم العربي في مدينة مالقة بالأندلس، في الربع الأخير من القرن السادس الهجري، وذهب بعض المؤرخين أن ولادته كانت بالتحديد عام 575ه-وعاش حقبة من حياته الأولى في مالقة، ولم يغادرها إلا بعد أن قارب العشرين من عمره.


    ابتدأ اهتمام ابن البيطار بعلم النبات منذ شبابه، فعشَّب في بلاد الأندلس، وتعرف محيطها الطبيعي، وخاصة صحبة أستاذه أبي العباس النباتي. وبعد أن تمكن ابن البيطار من دراسة ما صادفه من نباتات الأندلس، قرر الرحيل إلى بلاد المشرق نحو 617هـ/1219م، أي عقب رجوع أستاذه. فسلك الطريق نفسه الذي سار عليه أبو العباس النباتي، ومر في رحلته بالمغرب الأقصى والأوسط (عام 1220م)، وتوقف فيهما بعض الوقت. ثم تابع طريقه إلى إفريقية (تونس) وطرابلس الغرب وبرقه. ثم أخذ طريق البحر إلى سواحل آسيا الصغرى وبعض جزر بحر إيجه. وفي طريق العودة مر بمدينة أضالية عام 1224م كما زار مدينة أنطاكية. ثم اتجه إلى شرقي العالم الإسلامي فزار بلاد فارس والعراق وسورية ومصر. وكان يقيم بكل بلد يحل به مدة ينصرف فيها إلى التعشيب فاحصاً مدققاً. كما كان يسعى إلى الاجتماع بالأطباء والعشابين في المناطق التي كان يزورها.


    وحينما زار ابن البيطار الديار المصرية رحب به الملك الكامل الأيوبي (616-635هـ/1218-1238م) وألحقه بمعينه، ونصبه رئيساً للعشابين وأصحاب البسطات بمصر. وفي عام 633هـ1235م أصبح الملك الكامل سلطاناً على سورية ومصر، فاحتفظ ابن البيطار بمنصبه وحظوته عنده، وصار يتنقل معه بين دمشق والقاهرة. وأصبح له في هاتين المدينتين طلاباً ومريدين. وكان أشهر هؤلاء الطلاب موفق الدين أحمد بن القاسم المشهور بابن أبي أصيبعة، والذي تكلم عنه مادحاً أخلاقه وعلمه في كتابه «عيون الأنباء في طبقات الأطباء»:


    صنف ابن البيطار عدة مؤلفات أشهرها كتاب الجامع لمفردات الأغذية والأدوية، وتفسير كتاب ديوسقوريدس،والمغني في الأدوية المفردة. وقد قام الدكتور لوسيان لو كلرك بترجمة كتاب الجامع إلى اللغة الفرنسية وطبعه في ثلاثة أجزاء ضخمة، ظهر الجزء الأول منها عام 1877، والثاني 1881 والثالث 1883. وبين في مقدمة كتابه هذا تاريخ علم الأعشاب في بلاد الأندلس بإيجاز، موضحاً فضل من ألف في علم النبات عامة، وعلم الأعشاب والنباتات الطبية خاصة. وقال عن ابن البيطار إنه أكبر عالم نباتي ظهر في الشرق. وهنالك ثلاثة أو أربعة أطباء يمكن أن يقارنوا به هم أبو جعفر أحمـد بـن محمـد الغافقي (ت 560هـ/1164م)، والشريف الإدريسي (ت560هـ/1165م) وأبو العباس النباتي (ت637هـ/1239م)، ورشيد الدين الصوري (ت639هـ/1241م) وجميعهم قاموا بدراسة النباتات دراسة متعمقة، واختص الأول والثاني بدراسة نباتات الأندلس والمغرب، وعني الثالث والرابع منهم بدراسة نباتات الجزيرة العربية.


    5- الإتنولوجية النباتية في القرن الثامن عشر: إن الأفكار الفلسفية المنادية بمذهب الكلية holism، الذي طرحت أوائل أفكاره في منطقة الرافدين منذ 4000 سنة قبل الميلاد، استمرت حتى نهاية القرن السابع عشر. وترتكز فلسفة مذهب الكلية على عــدّ الطبيعة كلاً (أو عضوية) لا تنفصل أجزاؤه بعضها عن بعض، وتتألف من عالم الجماد والنبات والحيوان والإنسان. وانطلاقاً مـن مذهب الكليـة هــذا ألف جـورج إرهـارد رُمْف G.E. Rumph (1628-1702م) كتاباً عنوانه «معشب أمبوانة» Herbarium Amboinense الذي طبع في هولندا ما بين سنتي 1741و1756 ويمثل هذا الكتاب جرداً إحصائياً للأنواع النباتية الموجودة في جزر أمبوانة (أندونيسية). ويتصف رُمْف بدقة الملاحظة، ووضوح الوصف، وباستعمال التسمية النباتية الثنائية. وهو يذكر كثيراً من المعارف النباتية المرتبطة بحضارة تلك الجزر في ذلك العهد، سارداً أسماء النباتات المحلية مع ذكر مرادفاتها، ومحدداً أسماء النباتات الدخيلة أو المندسة التي جلبها المستعمر الأبيض ممثلاً بالغزو الأوربي. ولقد أبرز رُمف في كتابه ما يُعرف اليوم بعلم الإتنولوجية النباتية باسطاً الخبرة في نطاق النبات، وطرائق تصنيفها من قبل سكان جزيرة أمبوانة، مسلطاً الضوء على الموارد النباتية ودورها في حياة المجتمع في تلك الجزيرة.


    ولكن عهد الدراسات المعتمدة على مذهب الكلية انصرم بعد أن أصدر أوغست كرينوس ريفيرس A. Q. Rivirus المعروف باسم باخمان Bachman كتاباً عنوانه «المدخل العالمي للمعشب» Introduction Universalis Rem Herbarium طبع في ليبزغ سنة 1690م. وأعلن باخمان في مؤلفه المذكور ضرورة فصل دراسة النبات النفعي الصيدلي، أي العقار، عن دراسة النبات البحت، ونعت الطريقة النفعية لدراسة النبات بالبدائية لأنها لا ترى في عالم النبات إلا أنواعاً تخدم الإنسان في الحصول على الدواء أو البهار أو العطر.


    وقد لقيت آراء باخمان صدىً كبيراً في نفوس العاملين في دراسة علم النبات في مطلع القرن الثامن عشر. وتحول نداء باخمان إلى منعطف في مسيرة الدراسات النباتية التي أخذت الوجهة اللانفعية، والتي ظهرت بوادرها في العهد اللينيوي، المنسوب إلى العالم النباتي السويدي لينيوس Linnaeus (1707-1778)، الذي انطلق يجمع نباتات العالم ويسميها تسمية لاتينية ثنائية، ويرتبها ضمن نظام طبيعي، مبتعداً عن استخدام الفوائد النباتية وما يرتبط بها من أمور تطبيقية. واستمر الحال على ذلك حتى القرن التاسع عشر، مع تركيز الاهتمام على التصنيف النباتي والدراسات الوصفية للنباتات الإقليمية، فظهرت الأُفلورة Floras في كثير من أقطار العالمين الغربي والشرقي. واشتهر من مؤلفيها بطرس فورسكال P. Forskal الذي زار مصر وأطراف الجزيرة العربية، واطلع على نباتاتها وأعشابها. ثم ألف «الأفلورة المصرية -العربية» Flora Aegyptico Arabico والتي ظهرت بعد وفاته عام 1775. وتتابع بعد ذلك ظهور عدة علماء في التصنيف النباتي، منهم روبير براون في إنكلترة (1773)، ودو كاندول في سويسرة (1778)، وهنري بايون في فرنسة (1827)، وجورج بوست في سورية ولبنان (1837-1909). وكانت مؤلفات أوائلهم باللاتينية، ولكن في مطلع القرن التاسع عشر أصبحت الأفلورة تدون باللغات المحلية، فيما عدا الاسم العلمي الثنائي الذي بقي باللغة اللاتينية الحديثة. وهكذا كان لابد للعلم من أن يبتكر اسماً جديداً يودع فيه المعارف التطبيقية الشعبية للنبات فكانت ولادة علم الإتنولوجية النباتية الحديثة.


    6- الإتنولوجية النباتية في مطلع القرن العشرين: ولم تكن ولادة هذا العالم ميسرة وقد تمت على يد العالم الأمريكي هرشبرغر Harshberger سنة 1895م، وهو الذي تدين له الإتنولوجية النباتية بكثير من المعلومات القيمة عن أصل الذرة الصفراء الأمريكية، والمعروفة في الوطن العربي باسم الذرة الشامية. لقد طُلب من هرشبرغر أن يحدد بقايا نباتية جُمعتْ من حفريات أثرية عُثر عليها في مسكن هندي أمريكي قديم، الأمر الذي دعاه إلى وضع نظام جديد لدراسة النبات، مستمد من طرائق استعمال القبائل الهندية للنباتات النافعة. وقد تمكن هرشبرغر من رسم الطرائق القديمة المعتمدة في تبادل المنتجات النباتية، كما استطاع أن يُحدد، بوساطة علم الإتنولوجية النباتية، طريقة لكشف عدد من المواد القابلة للاستعمال الصناعي المعاصر، أو التي يمكن استغلالها تجارياً في الوقت الحاضر. ولاقت هذه الدعوة رواجاً لدى رواد أمريكة الذين كانوا بحاجة ماسة إلى معرفة النباتات النافعة، ومكنتهم من الاستفادة من المساحات الواسعة التي يذخر بها العالم الجديد.


    لقد ترعرع علم الإتنولوجية النباتية، الذي طرحه هرشبرغر في الولايات المتحدة الأمريكية، وتفرع إلى أربعة علوم هي:


    - الإتنولوجية النباتية المستحاثة: paleoethnobotany وهي ترتبط بعلم الآثار archeology ومكنت الوافد الأمريكي من التعامل مع السكان الأصليين.


    - الإتنولوجية النباتية الاقتصادية: وهي ترتبط بالنبات الاقتصادي وتحدد المواد النباتية الأولية ومشتقاتها الاقتصادية التي مكنت القادم الجديد من التخطيط للاستيلاء على مواقع جديدة غنية بالنبات الاقتصادي.


    - الإتنولوجية الحيوانية: ethnozoology وقد أسسها الباحثان هندرسون Henderson وهارنغتون Harington، وهما من معهد البحوث الإتنولوجية في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما نشرا في سنة 1914 بحثاً عنوانه «الإتنولوجية الحيوانية» وضمناه خبرة الهنود الحمر فيما يحيط بهم من عالم الحيوان.


    - الإتنولوجية البيولوجية: ethnobiology وهي التي اقترحها ي.ف. كستتر E. F. Castetter سنة 1944، بعد دمجه الإتنولوجية النباتية والإتنولوجية الحيوانية في علم واحد، هدفه الإحاطة بالعلاقات المتبادلة بين أنماط المجتمعات البشرية والعالم الحيوي الذي تتعامل معه، داعياً إلى عودة اللقاء بين ما هو طبيعي من جهة وما هو إنساني من جهة ثانية.


    وكثيراً ما وقف علماء الطبيعة من هذا المنهج الذي يُقرب الدراسات الإنسانية من الدراسات الطبيعية موقف الحذر في بعض الأحيان، وموقف المستاء في أحيان أخرى. وقد خاف علماء النبات من هذا الاتجاه النفعي على نباتاتهم النادرة، أو الجديدة علمياً، والتي قد لا تتمتع بأهمية اقتصادية. واستاء علماء الطبيعة على اختلاف ميولهم من الإنسان الذي يُعد مسؤولاً بالدرجة الأولى عن الإخلال بالنظم البيئية الطبيعية، ووقف علماء البيئة المفاخرون بالمنجزات البشرية موقف الحذر من التلوث. وهكذا كانت التجربة الأمريكية حافزاً لبعض الدول الأوربية على دراسة علم الإتنولوجية النباتية وإدخاله أول مرة في برامج التدريس الجامعي سنة 1943 بوساطة المؤلفين أ.ج. هودريكـور A. G Haudriconrt ول. هــيدان L. Hedin في مؤلفهما: «الإنسان والنباتات الزراعية» وهو من منشورات المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس.


    لقد طرأ على مفهوم علم الإتنولوجية النباتية، الذي أبدعه هرشبرغر عام 1895، بعض التبدلات. فمن علماء الطبيعة من سار وراء ركب هرشبرغر أمثال الأمريكي فولني جُونز Volney Jones (1941م) الذي عرف علم الإتنولوجية النباتية بأنه «علم يدرس العلاقة بين الإنسان البدائي والنبات»، ووسع أمريكيون آخرون هذا المفهوم أمثال ر.ي. شولتس R.E Schultes، الذي عد علم الإتنولوجية النباتية علماً «يدرس مجموع العلاقات بين الإنسان والنبات». في حين تبنت المدرسة الفرنسية علم الإتنولوجية النباتية منحرفة به عن المفهوم الأمريكي على يد هيدان Hedin سنة 1946 الذي عرف هذا العلم بأنه «دراسة العلاقات بين المعتقدات والتقنيات الإنسانية ومجموع العالم الخُضري". كما دعت عزلة العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية إلى تقوية أواصر علم الإتنولوجية النباتية وجعلته منهجاً وسطاً بين علم الحياة وعلم الاجتماع، أو بتعبير آخر منهجاً وسطاً بين ما هو طبيعي وما هو إنساني. وهكذا طالب جاك روسو Jacques Rousseau سنة 1961 أن يبرهن علم الإتنولوجية النباتية بأن النبات لحمة في نسيج التاريخ الإنساني. وهذا ما أدى إلى تعرف علم الإتنولوجية النباتية من قبل الفرنسي رولان بورتيير Roland Portières بأنه «دراسة العلاقات المتبادلة بين الجماعات البشرية والنبات في سبيل فهم الحضارات وشرح ولادتها وتقدمها».


    وفي خضم هذا التاريخ الحافل لعلم الإتنولوجية النباتية وشبابه، عادت المدرسة الأمريكية لترسم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، منعطفاً مهماً في علم الإتنولوجية النباتية على يد عالم البشريات الأمريكي مُردوك Murdock سنة 1950 الذي عد هذا العلم الجديد من العلوم الجماهيرية أو العلوم الشعبية، وتبنى سنة 1954 كونكلن H.C. Conklin، الاختصاصي العالمي في علم الإتنولوجية النباتية، هذا الاتجاه وسمى المدرسة الأمريكية الجديدة «الإتنوغرافية الحديثة» New Ethnography. وهكذا أضحت الإتنولوجية النباتية عند هذه المدرسة تهدف أساساً إلى دراسة نُظم الأفكار وتنوع المفاهيم والمواقف التي تتخذها مجموعة بشرية محددة عندما تتعامل مع العالم الأخضر الذي تعيش في كنفه. وعلى الإتنولوجية النباتية أن تختص بكشف معرفة «الناس» بالنبات وما يرتبط بهذه المعرفة من بناء اجتماعي.


    ميدان الإتنولوجية النباتية وطرائق معالجتها


    تترجح ميادين البحث في الإتنولوجية النباتية بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية، كما تتوجه، بدلالة عنوانها، إلى دراسة الخبرات المحلية والعلوم الشعبية التي تعالج الطبيعة وظواهرها المحلية المنعكسة في الأمثال والأساطير النباتية لشعب من الشعوب. ويلاحظ في هذا التوجه عودة إلى دراسة التاريخ الطبيعي الإنساني الذي هيمنت عليه قرابة 6000 سنة فلسفة حضارات المشرق العربي القديم ثم حضارات البحر المتوسط القديمة، وربطت الموضوعات الفلسفية الإنسانية بالموضوعات الطبيعية، وانتهت بنهاية القرن السابع عشر. وهكذا تمثل العلوم الإتنية (أي التي لها صلة بالبادئة إتنو Ethno ومهناها العرق أو الجنس) اتجاهاً جديداً في علم الحياة شمل الإتنولوجية النباتية والإتنولوجية الحيوانية، والإتنولوجية الحيوية، والإتنولوجية البيئية ethnoecology كما تستعد سلسلة العلوم الحيوية الأخرى إلى استقبال البادئة إتنو في جميع تسمياتها فيما إذا اقتفت خُطا هذا المنهج الجديد.


    ولقد دخلت البادئة إتنو اللغة الفرنسية، منذ أمد ليس ببعيد، بدعم من المركز القومي للبحث العلمي، الذي قدم إعانات مالية لدراسة علم الإتنولوجية ethnoscience بفرعيه النباتي والحيواني، وبدد تحفظات كثير من علماء الحياة تجاه هذا المنهج الجديد. كما أدى رواج علم البيئة إلى عناية جادة بعلاقات المجتمعات والحضارات بالمحيط الطبيعي، وإلى إظهار دور الإنسان وأهميته التاريخية في بناء المحيط الحيوي.


    ولإدراك دور المجتمعات الإنسانية في بناء المحيط الحيوي لابد من الإجابة عن ثلاثة نماذج من الأسئلة: أولها مرتبط بالإدراك، وثانيها مرتبط بالمعتقدات والثقافة، وثالثها مرتبط بالاستعمال والتقنية.


    وتتمثل نماذج أسئلة إدراك الإنسان للطبيعة بما يلي: كيف تدرك البشرية، أياً كانت وحيثما كانت، عناصر البيئة المحيطة بها؟ وكيف تفهمها وتُشخصها وتستعملها؟... وكيف ترتبط البشرية بالكنف الذي تعيش فيه؟ وكيف تحوره وكيف تستثمر ثرواته وتديرها؟. وكيف تتعرف البشرية معطيات البيئة؟... وكيف تسميها؟... وكيف تصنفها؟...


    وتتمثل نماذج أسئلة المعتقدات والثقافة المتصلة بالطبيعة بمايلي: ما هي المعتقدات المرتبطة بالنبات والحيوان والظواهر الطبيعية؟


    وماهي القيم الرمزية الممنوحة لمثل هذه الموضوعات؟ وما هي المعاني الثقافية للمَحْيا biotope وللنظم البيئية في أمة من الأمم أو مجتمع من المجتمعات؟


    وتتوجه نماذج الأسئلة المرتبطة بالاستعمال والتقنية على النحو التالي: ما هي أصول الثروات الطبيعية المستعملة؟ وما هي خصائصها وقيمها الاقتصادية وطرائق استعمالها؟ وما هي التقنيات المستخدمة في استعمال الثروات الطبيعية، وما هو تاريخ إبداعها أو استيرادها؟


    إن الإجابات عن أسئلة كثيرة كهذه تفتح فجراً جديداً من العلاقات المتبادلة بين الإنسان ومحيطه، وتنقله إلى آفاق جديدة من معرفة المجتمعات الإنسانية، وتعد فتحاً جديداً في اختيار أفضل الوسائل لفهم الثروات الطبيعية، ونظم إدارتها الفُضلى.


    إن هذا المنهج الجديد، في دراسة «التاريخ الطبيعي»، الواقع على مفترق طرق بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية، يمكننا من تطويرها جميعاً، كما يمكننا من سلوك طرائق جديدة لدراسة العلاقة الإنسانية بالكنف الطبيعي من جهة وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان من جهة ثانية. كما يقود إلى إدراك ما يحيط بالإنسان من طبيعة وثروات، وفهمها والتعامل معها بواقعية ودقة ويساعده في زيادة خبراته وتحسين تقنياته للتحكم في ثرواته الطبيعية. وهكذا يستطيع الإنسان بهذا التاريخ الطبيعي الُمجَدَّد، والمستمد من العلوم الإتنولوجية النباتية والحيوانية والحيوية والبيئية، أن يقف على التبدلات العميقة التي أحْدَثها الإنسان في الماضي في كنفه الحيوي، كما يستطيع تقدير أثر التبدلات التي يحدثها الإنسان المعاصر في الحياة على سطح هذا الكوكب والتي تهدد وجوده. وبهذا يسهم «التاريخ الطبيعي» في حل جزء من أبرز المشكلات الملحة المطروحة والممثلة بربط الإنتاجية بمصير النظم البيئية الطبيعية المكونة للكرة الأرضية.


    محمد زهير البابا

  9. #119
    الاجتماع النباتي (علم ـ)





    علم الاجتماع النباتي Phytosociology هو العلم الذي يدرس الجماعات النباتية التي تكون الأُخْضُورة الطبيعية vegetation من حيث تشكلها وبنيتها وتركيبها وتغيراتها وتصنيفها. والأخضورة هي محصلة تأثير العوامل البيئية في نباتات تعيش في مكان معين. أما الأُزْهورة flora فهي العد الإحصائي لكل الأنواع النباتية المنتشرة في مكان معين وجدولتها.


    لمحة تاريخية


    اكتشف النباتيون بعد زمن طويل أن الأخضورة في مكان معين ليست مجموعة عشوائية من أنواع نباتية متنوعة لا ترابط بينها، بل هي مجموعة محددة من نباتات ترتبط فيما بينها بقوانين تتحكم بحياتها الجماعية.


    وكانت المحاولات الأولى في هذا الاتجاه قد بدأت في القرن الثامن عشر، في زمن انصب فيه الاهتمام الرئيسي للنباتيين على دراسة الأزهورة، أي وصف النباتات وجدولتها. وهكذا حاول العالم الجغرافي الألماني ألكسندر فون هَمْبُلت Alexander Von Hmboldt في عام 1807 استنتاج مبدأ تصنيفي يعتمد على هيئة الأخضورة أو ملامحها العامة في منطقة معينة كالغابات أو المروج، وصنف الغابة بدورها في غابة صنوبر أو غابة سنديان أو غابة شوح أو غير ذلك. وفي عام 1839 استعمل غريزباخ Griesbach تعبير تشكيل جغرافي نباتي Phytogeographic formation للدلالة على مجموعة من النباتات تتميز بهيئة خاصة محددة. وقد بقيت هذه الطريقة مستعملة لتصنيف الأخضورة حتى بداية القرن العشرين حين ظهر نظام آخر عرف باسم الأنماط الحيوية biologic types أوجده وقام بنشره العالم راونكير Raunkier في عام 1905، وهو ما يزال يستعمل حتى يومنا هذا. ويعتمد هذا النظام التصنيفي على وضعية براعم الاستعاضة وطرائق حمايتها في الفصول غير الملائمة للنمو. وقد تبين أن هذه الطرائق غير كافية لتفسير كل الحقائق الطبيعية المتعلقة بالأخضورة، وأن السبب الرئيسي في عدم كفايتها هو كونها تحاول وصف الأخضورة وتصنيفها بالاعتماد على وحدات غير أخضورية.


    وفي عام 1910 استحدثت في أوربة الغربية طريقة منظمة لدراسة الأخضورة تعتمد على التحليل الأُزْهوري floristic analysis لدى وصف الجماعات النباتية وتصنيفها في وحدات أخضورية. وكان أول من مهد لهذه الطريقة وبين أسلوب العمل فيها هو العالم براون بلانكيه Braun Blanquet الذي حاول تمييز الجماعات النباتية plant associations وتصنيفها بالاستناد إلى وحداتها الطبيعية. وهي الأنواع النباتية التي تميز انطلاقاً من المبدأ القائل بأن التركيب النباتي للجماعات النباتية يعكس الخصائص البيئية للمواقع المدروسة.


    ثم تطور التحليل الأزهوري للأخضورة باتجاهين رئيسين: اهتم الأول بالنواحي الكمية للأنواع النباتية المكوِّنة للمجتمعات النباتية فقط واهتم الثاني بالنواحي الوصفية للأنواع النباتية مع عدم إغفاله لبعض الجوانب الكمية. ويعتمد هذا الاتجاه على خبرة علماء النبات الشخصية في الأزهورة وفي بيئة المنطقة المدروسة. وقد انتشر الاتجاه الأول في نصف الكرة الشمالي، ولاسيما في اسكندينافية، بتأثير العالم دُورِتْس Duritz الذي اعتمد أساساً على طرائق التحليل الإحصائي في دراسة الجماعات النباتية. وانتشر الاتجاه الثاني في مناطق كثيرة من العالم ولايزال متبعاً حتى اليوم. وظهر في الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه ثالث عام 1910 بتأثير آراء كليمنت Clements يعتمد دراسة حركية الجماعات النباتية، بوصفها وحدات قابلة للتغيير، ويمكن معرفة أصلها والتنبؤ بتطورها ومستقبلها. وعرف هذا الاتجاه باسم «الطريقة الديناميكية (الحركية) لدراسة الأخضورة» أو «ظاهرة التعاقب الأخضوري» succession، في حين عُرفت الطريقة الأوربية باسم «الطريقة الستاتيكية» أو الساكنة. وقد ظهر لمبدأ «التعاقب الأخضوري» تطبيقات عدة في علم البيئة النظري والتطبيقي لاستغلال الموارد الطبيعية وصيانة الطبيعة.


    وظهر في فرنسة اتجاه آخر بتأثير العالم الفرنسي شارل فلاهو Flahaut (1852-1935) يعطي العوامل البيئية دوراً أساسياً في دراسة الأخضورة، ويحاول ربط دراسة الأخضورة باستغلال الأراضي. وقد تفرع هذا الاتجاه فرعين رئيسيين ظهر أحدهما عام 1948 في مدينة طولوز (فرنسة) بتأثير أفكار العالم هنري غوسان Gaussen (1891-1981) ونتجت عنه دراسات حول إدارة الأراضي في جنوب غربي فرنسة واستثمارها بالاستعانة بمصورات ذات مقياس صغير ومتوسط وظهر الفرع الآخر في مدينة موْنبِلْيِه بمبادرة كارل شروتر carl Schroter من زوريخ وعرف باسم «مدرسة زوريخ ومونبليه في علم الاجتماع النباتي» وكان العالم براون بلانكيه هو مؤسس هذه المدرسة.


    ويعود الفضل إلى العالم الفرنسي لويس أمبرجيه Louis Emberger (1897-1969) من كلية العلوم في مونبليه بفرنسة وتلاميذه الذين استفادوا من تعاليم من سبقوهم وطوروها بتأسيس اتجاه جديد يرمي إلى إيجاد تفسير إجمالي لتنوع الجماعات النباتية بالاستناد إلى أسس بيئية، وإيجاد أشكال جديدة للتعبير عن العلاقات بين الأخضورة والوسط باستخدام طرائق رياضية وإحصائية مع الاستعانة بالمصورات المتعددة المواضيع، وكذلك تنشيط الربط بين دراسة الأخضورة والتطبيقات العملية في استغلال الأراضي.


    وقد تطورت مدرسة أمبرجيه ووطدت ركائزها في بلاد المغرب العربي ولاسيما في المغرب وتونس. وقد سمحت البحوث في مونبليه بتطوير طريقة الزمر البيئية ecological groups في دراسة الأخضورة باللجوء إلى الرياضيات والتحـليل الإحصائي بإشراف غونو M Gounot (1965) وغودْرن Godron (1971)، وكان من أهم خصائص مدرسة أمبرجيه في هذا المضمار تركيز الاهتمام على العلاقة الوثيقة بين الأخضورة والمتغيرات البيئية على أسس كمية، وهنا يصبح للتحليل الإحصائي والحاسوب دور مهم.


    انتشرت مدرسة أمبرجيه في الكثير من دول حوض المتوسط وخارجه وأصبح لها تلاميذ قاموا بتطبيق مفاهيمها في دراسة الأخضورة واستغلال الموارد الطبيعية، وبتطوير هذه المفاهيم بحسب الظروف البيئية التي يعملون فيها، ولاسيما في شرقي المتوسط (سورية ولبنان وتركية).


    طرائق دراسة الأخضورة


    جرت محاولات عدة لتصنيف وحدات الأخضورة الطبيعية تمخضت عن طرائق كثيرة واتجاهات متنوعة. فهناك طرائق تعتمد على تصنيف الأشجار السائدة في الغابات كأن تصنف الغابات إلى غابات صنوبر وغابات سنديان أو غير ذلك من دون محاولة إيجاد العلاقة بين هذه الغابات والبيئة المحيطة، وثمة طرائق أخرى تستند إلى بعض الصفات الأساسية للأشجار السائدة في الغابة، وتقسيم الغابات إلى غابات أليفة الجفاف وغابات أليفة الرطوبة وغابات مستديمة الأوراق وغابات متساقطة الأوراق وغيرها. وإن الطرائق الصحيحة في تصنيف الأخضورة يجب أن تعتمد العلاقة الأساسية بين الأخضورة والبيئة وفيمايلي عرض للطرائق المعتمدة في تصنيف الوحدات الأخضورية بدءاً من الوحدات الكبرى.


    طرائق الملامح أو التشكيل النباتي plant formation: كان العالم غريزباخ أول من استعمل تعبير «تشكيل جغرافي نباتي» في عام 1839 للدلالة على مجموعة من النباتات تتميز بهيئة أو بملامح خاصة محددة.


    وتحدد أنماط التشكيلات النباتية المنتشرة في العالم بعوامل بيئية مختلفة كعوامل المناخ والتربة. فإذا كانت العوامل المناخية هي التي تحدد صفات تلك التشكيلات أطلق عليها اسم «التشكيلات المناخية»، أما إذا حددتها عوامل التربة فتسمى «التشكيلات التربية». وفي العالم أنماط مختلفة من المناخات تحدد أنماطاً متنوعة من التشكيلات المناخية. فالمناخات الجافة في العالم تتميز بتشكيل خشبي جاف. والمناخات الاستوائية الرطبة تتميز بتشكيلات من غابات دائمة الخضرة وأليفة الرطوبة. ومن أمثلة التشكيلات التربية غابات الأتربة المالحة التي تسمى المنغروف mangrove وغابات ضفاف الأنهار.


    طرائق الاجتماع النباتي: كان العالم النباتـي كـريستن راونكير Christen Raunkiaer (1860-1938) أول من أطلق تعبير «الجماعات النباتية» plant communities على المجموعات النباتية المتجانسة كيفاً وكماً. وهكذا فإن غابة الشوح وغابة الأرز وغابة السنديان العذري وغابة السنديان العادي وغابة البطم الأطلسي هي جماعات حراجية أوجية في الظروف البيئية المتوسطية التي تعيش فيها في سورية وما يشبهها في خصائص بيئتها. وتتم دراسة الجماعات النباتية المكونة للأخضورة الطبيعية بإحصاء النباتات التي تؤلف الأخضورة ودراسة العوامل البيئية الخاصة بالمنطقة المدروسة، ولاسيما خصائص التربة والمناخ والشروط الطبوغرافية. ويتم في البدء انتقاء موقع متجانس الملامح النباتية والطبوغرافية، ثم تحدد المساحة الدنيا التي يجب أن تتم فيها الدراسة والإحصاء، وتعد المساحة الدنيا نظامية حين لا توجد في زيادة رقعتها أنواع جديدة تدخل في الدراسة.


    ثم تصنف النباتات المكونة للأخضورة بحسب ارتفاعها بأرقام تتدرج من الواحد إلى الخمسة تدل على النباتات الملاصقة للأرض فالنباتات العشبية فالجنبات فالشجيرات فالأشجار.


    وإذا كانت المنطقة المدروسة غابة فيجب قياس أطوال الأشجار وأقطارها الوسطية وكذلك مقدار تغطية التربة بالنسبة المئوية. ومن ثم يتم تسجيل النباتات طبقة بعد طبقة ويعطى لكل نوع نباتي رقمان يدل الأول على معامل الغزارة والسيطرة abondance- dominance ويدل الثاني على معامل الدرجة الاجتماعية sociability وتراوح أرقام المعاملين بين الواحد والخمسة. وتُجرى عادة عدة كشوف نباتية في منطقة ما، ومن ثم تُجرى موازنتها بعضها مع بعض وتصنيفها في عدة مجموعات بحسب أوجه التشابه والاختلاف مما يؤدي في النهاية إلى وضع جداول نباتية تسمح بوصف الجماعات النباتية في المنطقة المدروسة. وكانت هذه الجداول تنظم يدوياً في السابق أما اليوم فإنها تنظم بوساطة الحاسوب الذي يسمح بإجراء موازنة بين ألوف الجرود.


    ومن الأنواع المؤلفة للجماعة النباتية ما ينم على بيئة محددة الخصائص، ويطلق عليه اسم الأنواع المميزة characteristic species ومنها ما ليس له قيمة بيئية محددة، ويسمى بالأنواع المرافقة companion. وبعد وصف المجتمعات النباتية يمكن جمعها أو تجزئتها في وحدات عليا مثل الصف class والرتبة order والحلف alliance ووحدات دنيا مثل تحت الجماعة subassociation.


    الطرائق الديناميكية أو ظاهرة التعاقب النباتي: إن الجماعات النباتية، وهي الوحدات الطبيعية المكونة للأخضورة تظهر وتنمو وتنضج بتأثير تفاعل الأخضورة والعوامل البيئية. وينعكس نمو الجماعات النباتية بالتعاقب النباتي الديناميكي phytodynamic succession والميزة الأساسية في ظاهرة التعاقب هذه هي النمو التدريجي للأخضورة نتيجة توالي عدة جماعات نباتية ذات متطلبات بيئية وتركيب أزهوري مختلفين في الموقع نفسه.


    فالتعاقب يبتدئ في مساحات عارية ثم يتدرج من مرحلة إلى أخرى حتى ينتهي بمرحلة نهائية من الأخضورة الممكنة في الظروف البيئية للمنطقة. ويطلق على الجماعة النهائية اسم «الأوج» climax، وهو يكون في حالة توازن مع البيئة المحيطة، ولاسيما إذ أخذ بالحسبان عمر الإنسان. فالجماعة النباتية الأوجية هي محصلة تعاقب مجتمعات عرضية متنوعة في المواقع نفسها. ويكون هذا الأوج غابة في البلاد المعتدلة المناخ، علماً بأن التربة تتابع التطور نفسه لكي تناسب الجماعة الأوجية تربة أوجية أيضاً. ويجب التمييز بين نوعين من التعاقب هما التعاقب الأولي والتعاقب الثانوي.


    فالتعاقب الأولي هو الذي يظهر في أرض عارية جديدة لم يسبق أن غزتها نباتات، ويمر بالمراحل التالية: الأشن القشرية، فالأشن الورقية، فالحزاز (البريون) فالأعشاب، فالجنبات، فالغابة الأوجية.


    أما التعاقب الثانوي فيحدث بعد تهديم غابة، نتيجة الحرائق أو السيول أو الرعي الجائر أو الاستثمار السيء. فإذا أدت إزالة الغابة إلى تهدّم التربة تهدماً جزئياً، كما هو الحال في الحرائق البسيطة غير المتكررة، فإن مراحل التعاقب تكون قليلة العدد، وتعود بسرعة إلى الأوج. أما إذا كان تهديم التربة كلياً، كما يحدث في الحرائق المتكررة، فإن مراحل التعاقب كثيرة تقتضي مدة طويلة للعودة إلى الأوج. ويلاحظ هنا أن التعاقب من حيث نوعيته لا يجري على طريقة واحدة، فقد يكون التعاقب تقدمياً أو تراجعياً، فالتعاقب التقدمي هو تقدم الجماعات النباتية باتجاه الجماعة الأوجية، كما هو التعاقب الأولي والتعاقب الثانوي المذكورين آنفاً. أما التعاقب التراجعي فهو ابتعاد الأخضورة عن الأوج بتأثير عوامل التخريب المختلفة التي تُدخل اضطراباً في توازن الجماعة الأوجية وتسبب تدهورها تدريجياً. وينتج عن هذا التعاقب التراجعي حلول جماعات نباتية أدنى محل المجتمع الأوجي حتى تصل إلى التربة العارية.


    الطرائق البيئية: إن بعض النباتات الداخلة في تركيب الجماعة النباتية ذات دلالة بيئية دقيقة تعتمد على خصائص التربة الفيزيائية والكيمياوية والبيولوجية للمواقع التي تصادف فيها. لذلك فإن معرفة هذه النباتات الدالة قد تكون ذات فائدة تطبيقية عند استغلال الأخضورة اقتصادياًً سواء أكانت أخضورة حراجية أم رعوية.


    ويظهر بعض هذه النباتات الدالة زمراً متلازمة في الشروط الخاصة للموقع يطلق عليها اسم «الزمر البيئية» ويمكن معرفتها عند جرد النباتات ودراسة العوامل البيئية للمواقع، ويمكن إيجاد علاقة إحصائية بين وجود الزمر البيئية في مواقع معينة في الغابات الطبيعية ودرجة إنتاجية هذه المواقع من الأخشاب في الهكتار الواحد سنوياً.


    إبراهيم نحال

  10. #120
    رأسيات الأرجل





    رأسيات الأرجل Cephalopada رَخَويات[ر] بحرية لاحمة مفترسة، تضم نحو 700 نوع، منها أنواع الحبّار والأخطبوط والنّوتي Nautilus. وهي شديدة التعضّي، وتعد من أكثر الرخويات تطوراً وأكبرها حجماً، إضافة إلى أنها تضم أكبر اللافقاريات المعروفة حجماً على الإطلاق، إذ تراوح حجومها بين 6-7سم و16 متراً في الحبّار العملاق Architeuthis الذي يعيش على القاع في الأعماق حتى 200 -400م. وهي سباحة ماهرة، نادراً ما تزحف. تمتاز بسرعة حركتها، وتعيش على الأغلب في المياه الدافئة. لحمها مرغوب فيه، ويأكل بعض سكان السواحل لحمها بشهية حيث تحضر منها أطباق لذيذة.


    يتميز جسمها بتناظر جانبي، يلاحظ فيه بوضوح تمايز ثلاث مناطق هي: الرأس والأطراف التي تحوّرت إلى أذرع ولوامس تحمل ممصات قوية تحيط بالفم، والجذع - الذي يحتوي على الأحشاء ويسمى الكتلة الحشوية ـ وهو يتخذ شكلاً مستقيماً أو ملتفاً بحسب الأنواع. تحيط بالجذع طبقة جلدية تنفصل عنه في الناحية البطنية مشكلة جوفاً يسمى التجويف الردائي mantel cavity ينفتح إلى الخارج، من جهة الرأس، بقمع عضلي يمثل عضو الحركة الرئيس للحيوان.


    جهازها العصبي شديد التركز ضمن علبة غضروفية رأسية، وهي تمتلك عيوناً شديدة التعقيد تُذَكِّر بعيون الفقاريات.


    تطورت رأسيات الأرجل عن رخويات بدائية وذلك بتشكل قوقعة ذات حجرات مملوءة بالغاز يخفف وزنها النوعي، مما يسمح لها بالسباحة في المياه العميقة. تميز في الرخويات الآن مجموعة بدائية تحيط بكتلتها الحشوية قوقعة خارجية، تتمثل الآن بالجنس الوحيد الحي النوتي، وبمجموعة متطورة تكون قوقعتها داخلية أو ضامرة أو غير موجودة تتمثل بأنواع الحبار والأخطبوط (الشكل -1).







    الشكل (1) النماذج الرئيسة الثلاثة لرأسيات الأرجل


    أ- الأخطبوط ب- الحبّار جـ - النّوتي



    قوقعتها


    قوقعة رأسيات الأرجل الحالية داخلية (أنواع الحبّار)، بيضاء صفيحية الشكل مكونة من كربونات الكالسيوم، خفيفة الوزن لأنها ذات حجرات كثيرة ممتلئة بالغاز الذي يقلل من كثافة الحيوان ويساعده على السباحة والطفو. أما القديمة منها والتي عثر عليها في المستحاثات فقوقعتها مستقيمة بشكل ناب الفيل أو ملتفة حلزونياً كما في النّوتي.


    حركتها


    الحبار أسرع الرخويات رأسيات الأرجل سباحة. لجسمه شكل الطوربيد، ويستعمل زعانفه الجانبية للتوازن، ويضم أذرعه بعضها مع بعض لتعمل كدفة السفينة. ويوجِّه القمع الحيوان للأمام أو للخلف مما يساعد على السباحة في الاتجاهين. أما أجسام الأخطبوط فهي أكثر كروية، وغالباً ما تسكن الأعماق وتزحف عليها مستخدمة أذرعها، لكن بعضها يعيش سابحاً، ويصل بين الأذرع أغشية. ويسبح الحيوان كالأسماك الهلامية (قناديل البحر). وتجدر الإشارة إلى أن للحبار ثمانية أذرع عريضة وذراعان طويلتان، بينما للأخطبوط ثمانية أذرع فقط، مجهزة بممصات تسهم في التقاط الفريسة.


    تغذيها وحياتها


    تكيفت رأسيات الأرجل للتغذي باللحوم، إذ يلقط الرخوي فريسته، كالقريدس والأسماك والسراطين، بأذرعه العديدة (الشكل -2). وتتم معالجة الفريسة بزوج من الفكوك القوية المتحركة بشكل المنقار، وبمبشرة radula ملحقة بالجهاز الماضغ، تأخذ شكل لسان غضروفي صفيحي الشكل، عليه نتوءات سنية تسهم في تمزيق الفريسة وتفتيتها.




    الشكل (2) الحبّار يصطاد فريسته



    يُلحَق بأمعاء الحبار غدة الحبر، التي تطلق «حبراً» أسود يشكل غمامة تحجبه عن أعدائه عندما يتعرض للهجوم، فيتمكن من الهرب. ويحتوي الحبر على مواد قلوانية قد تخدر أيضاً المستقبِلات الكيميائية للحيوانات المهاجمة كالأسماك. يشار إلى أن الأنواع التي تقطن الأعماق لا تحمل غدة حبر.


    يدافع الحبار عن نفسه أيضاً بتغيير لون بشرته بسرعة بفضل أكياس تحتوي على أصبغة بألوان مختلفة، تشكل ما يسمى حاملات الصبغة chromatophores، تتوسع بفضل ألياف عضلية يتم التحكم بها عصبياً، وتعود لوضعها الطبيعي بفعل مرونة جدرانها، وهذا يعني التغير السريع في لون الحيوان، بعكس اللافقاريات الأخرى التي تتغير ألوانها بتحكم هرموني وبسرعة بطيئة نسبياً، إذ يمكن أن يغير الحبار لونه في أقل من ثانية، بما لا يقارن مع الحيوانات الأخرى. ويبدو هذا التكيف اللوني في أقصى درجاته في حيوانات القاع حيث أخذ الحبار Sepia شكل رقعة شطرنج كان قد وضع عليها بسرعة كبيرة. كما تستخدم رأسيات الأرجل هذا التغير اللوني لإرهاب أعدائها أو التخفّي والتمويه، وكذلك في الغَزَل تمهيداً للإلقاح.


    ويحمل كثير من ساكنات الأعماق، وقليل من الأنواع الشاطئية، أعضاء مضيئة photophores، يُنْتِجُ بعضُها الضوء من مواد يفرزها الحيوان نفسه أو بفضل بكتريا مضيئة تتعايش مع الحيوان في قنوات أو أكياس خاصة لدى الحيوان. ويلحق بهذه الأعضاء، في بعض الأنواع (كما في أسماك الأعماق)، عناصر تسمح بتغيير ألوان الضوء المنطلق، بتحكم عصبي.


    تكاثرها


    أجناسها منفصلة، ويلحق بالغدد التناسلية قنوات ناقلة للعناصر التناسلية معقدة. ويتم الاقتران أثناء السباحة، حيث يتشبث الذكر بالأنثى رأساً لرأس مستعيناً بتشابك الأذرع (الشكل -3)، ثم يقوم أحد أذرع الذكر الطويلة بنقل نطافه التي يجمعها في أكياس خاصة تسمى «حاملات النطاف» spermatophores إلى الجيب الردائي للأنثى، فتتلقح البيوض لدى انطلاقها من القناة الناقلة للبيوض عند الأنثى.





    الشكل (3) الحبّار في وضع الاقتران



    قيمتها الاقتصادية


    لكثير من رأسيات الأرجل أهمية اقتصادية كبيرة، حيث يُستهلَكُ الحبار والأخطبوط وثمانيات الأرجل الأخرى غذاء للإنسان. وهي تُستخدَم طازجة أو مجففة أو محفوظة، ولحمها من حيث قيمته الحرارية ونوعيته لا يماثل لحم البقر. ويستفاد من إفرازات كيس الحبر للحبار، إذ تعطي، بعد تجفيفها ومعالجة الرواسب كيميائياً، ألواناً يحضر منها الحبر الصيني الطبيعي. ويصاد سنوياً في جميع بلدان العالم نحو مليون طن من رأسيات الأرجل.


    تاريخها المستحاثي


    تعد النوتيات Nautiloid من أكثر الأشكال المعروفة قدماً، وكانت القوقعة عند أشكالها الأولى مستقيمة على هيئة أنبوب مخروطي مقسم إلى حجرات، ثم التف قليلاً بصورة ناب الفيل. وقد انتشرت كثيراً في العصر الأوردفيشي ووصل طول بعضها (Endoceras) إلى 4-5م ثم اختفت وحل محلها أنواع ذات قوقعة حلزونية الالتفاف، حفظ منها حتى الوقت الحاضر النوتي.


    وظهرت في العصر الديفوني مجموعة صغيرة من رأسيات الأرجل الصغيرة نسبياً، واستمرت بقواقع مستقيمة أو ملتوية قليلاً حتى نهاية الحقب الباليوزي، وأعطت بدايةً لفرعين تطوريين كبيرين من رأسيات الأرجل، هما : الأمونيات التي عرفت منذ الديفوني، والبيليمنيات Belemnites. انتشرت أفراد هاتين المجموعتين كثيراً واستمرت حتى نهاية الحقبين الباليوزي والميزوزوي، وفي الكاينوزوي بدأت الأمونيات بالاختفاء وانقرضت في نهاية العصر الحوّاري دون أن يعرف عنها الكثير.


    تصنيفها


    تقسم رأسيات الأرجل إلى صُفَيفين، هما:


    1- رباعيات الغلاصم Tetrabranchia: يضم هذا الصفيف الأنواع الأكثر قدماً وبدائيةً، ولها أربعة غلاصم وقلب بأربع أذينات، وأربع كلى، وعدد كبير من اللوامس، وقوقعة خارجية متعددة الحجرات. يتمثل هذا الصفيف برتيبتين هما:


    أ ـ النوتيات Nautiloidea: وهي مجموعة منقرضة، ينتمي إليها في الوقت الحاضر جنس وحيد حي هو النوتي.


    ب ـ الأمونيات Ammonoidea: وقد انقرضت أفراد هذه المجموعة بالكامل في العصر الحوّاري.


    2- ثنائيات الغلاصم Dibranchia: رأسيات أرجل لها زوج من الغلاصم، وقلب ذو أذينتين فقط، وزوج من الكلى، وقوقعة داخلية ضامرة بدرجات متفاوتة. تنتمي إلى هذا الصفيف رتبتي:


    أ ـ عُشاريات الأرجل Decapoda: ولأفرادها عشرة لوامس، منها اثنتان طويلتان، وقوقعة داخلية. وهي حيوانات سابحة ماهرة، جسمها طوربيدي الشكل، ذات زعانف جانبية. يمثلها الحبار العادي Sepia officinalis وLoligo والحبار العملاق وغيرها.


    ب ـ ثُمانيات الأرجل Octopoda: تعيش غالبيتها العظمى حياةً قاعيةً، جسمها كروي الشكل، وقوقعتها ضامرة تماماً، وذات ثمان لوامس فقط وتفتقر إلى لوامس طويلة. يمثلها الأخطبوط Octopus.


    فايز صقر

صفحة 12 من 146 الأولىالأولى ... 21011 1213142262112 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال