صفحة 68 من 146 الأولىالأولى ... 18586667 68697078118 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 671 إلى 680 من 1457
الموضوع:

( علم الاحياء ) بكل مصطلحاتة ومفاهيمة وتراكيبة العلمية ستجدها هنا - الصفحة 68

الزوار من محركات البحث: 64845 المشاهدات : 322077 الردود: 1456
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #671
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسوبوتاميا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 41,243 المواضيع: 3,594
    صوتيات: 132 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 44359
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: حي الله
    آخر نشاط: منذ 46 دقيقة
    مقالات المدونة: 19
    العصبية (تشريح وفيزيولوجية الجملة ـ)

    الجملة العصبية nervous system قسم من أجهزة البدن، متخصص في تلقي التنبيهات ومكاملة المعلومات وتوجيه الجسم، تبعث بتفرعات إلى كل الأنسجة والأعضاء، كي يتلقى التنبيهات من المحيط ومن داخل البدن، ويرسل أوامر إلى الأعضاء، مما يجعل أقسام البدن تعمل على نحو منسق ومتكامل.

    الشكل (1) شكل تخطيطي للمشبك
    العنصر التشريحي الأساسي في الجملة العصبية هو الخلية العصبية، التي تتكون من جسم واستطالات متفرعة منه، ويُطْلََقُ عليها اسم العَصَبون neuron، تنشأ من جسم الخلية استطالة أسطوانية محورية ذات اتجاه محدد يُطْلَقُ عليها اسم المحوار axon. أما الاستطالات القصيرة المتفرعة فهي تتجه إلى نواحٍ مختلفة، ويُطْلَقُ عليها اسم التغصنات dendrites. وتُدعَمُ العصبونات بخلايا يُعْرَفُ مجموعها باسم الدبق العصبي neuroglia، وتعمل على دعم العصبونات وعزلها وتغذيتها.
    تسير الدفعة العصبية nervous impulse داخل العَصَبون من التغصنات إلى جسم الخلية، ومنه إلى المحوار؛ وتنقل المحاوير الدفعة العصبية بعيداً عن جسم الخلية. ينتقل التنبيه من عصبون إلى آخر عن طريق بنية متخصصة تسمى المشبك synapse.
    تنقسم الجملة العصبية طبوغرافياً إلى جملتين: مركزية centralومحيطية peripheral، وهنالك قسم وظيفي يسمى الجملة العصبية المستقلة[ر] (أو الذاتية).
    تتألف الجملة العصبية المركزية من الدماغ والنخاع الشوكي، اللذين يتكونان من مادتين سنجابية وبيضاء، وتشمل الجملة المحيطية بقية المكونات الأخرى، التي هي جذورُ الأعصاب والعُقدُ والضفائر والأعصابُ، والنهايات العصبية المحيطية.
    تحيط بالدماغ والنخاع الشوكي أغشية تسمى السحايا، ويحوي الدماغ أجوافاً تسمى البطينات ventricles. والأجواف تحوي الضفائر المشيمية choroid plexusesالتي تتألف من أوعية دموية كثيرة تحيط بها خلايا من بطانة جدران البطينات، وتقوم بإفراز السائل المخي الشوكي cerebrospinal fluid الذي يملأ البطينات ويخرج من أحدها (من سقف البطين الرابع)، لينفرغ في حيز من السحايا هو الحيز تحت العنكبوتي، فيحيط بالدماغوالنخاع الشوكي[ر. السحايا (تشريح ـ)].
    تغذي الدماغ شرايين تؤمن له إمداداً وافراً بالأكسجين والغليكوز، ويتلقى نحو 15% من نتاج القلب.
    الدماغ

    الشكل (2) الجهاز العصبي المركزي

    الشكل (3) الجملة العصبية المركزية
    يشكل الدماغ Encephalon brain نحو 1/50 من وزن البدن، ويقع ضمن جوف القحف. وفي الدماغ أقسام هي: المخ cerebrum، وجذع الدماغbrainstem الذي ينقسم إلى الدماغ المتوسط midbrain والجسر pons والنخاع المتطاول medulla oblongata (أي البصلة السيسائية)، والمخيخ.
    المخ: يطلق اسم المخ على قسم من الدماغ يقع ضمن القحف فوق المخيخ وجذع الدماغ، وينقسم بوساطة شق عميق يسمى الشق المخي الطولانيlongitudinal cerebral fissure إلى نصفي كرة مخية يمنى ويسرى يحوي كل منهما بطيناً وحشياً (جانبياً)، ويرتبط نصفا الكرة في العمق أحدهما بالآخر بوساطة كتلة من مادة بيضاء (ألياف عصبية)، وتسمى البدن الثفني corpus callosum، ويفصل بين نصفي الكرة امتداد من الأم الجافية يسمى منجل المخ falx cerebri، ويمتد في العمق حتى البدن الثفني. يتألف القسم السطحي من المخ من أجسام خلايا عصبية، أي من مادة سنجابية، تشكِّلُ القشرةَ المخية cerebral cortex، أما الطبقات الأعمق فهي مؤلفة من ألياف عصبية، أي من مادة بيضاء.
    تبدي قشرة المخ طيات وانثناءات كثيرة، تسمى المناطق الظاهرة من الطيات التلافيف gyri، وتفصل بين التلافيف أثلام sulci أو شقوقfissures، وتزيد هذه التلافيف من مساحة المنطقة السطحية من المخ زيادة كبيرة.

    الشكل 4 فصوص المخ وأثلامه
    تقسم أثلام عميقة كل نصف كرة مخية إلى فصوص تتخذ أسماء العظام القحفية المغطية لها، وهي الفصوص الرئيسة الآتية: الجبهيfrontal، والجداري parietal، والصدغي temporal، والقذالي occipital، وتسمى الأثلام الفاصلة بين الفصوص الثلم المركزيcentral sulcus، والثلم الوحشي (الجانبي) lateral sulcus، والثلم الجداري القذالي parieto- occipital sulcus.
    يتألف لب المخ من مادة بيضاء تكوّنها أليافٌ عصبية أو سبل تربط بين الفصوص، وأليافٌ عصبيةٌ صادرةٌ من القشرة إلى المراكز الأدنى في الجملة العصبية أو واردةٌ إلى القشرة من هذه المراكز. تمر معظم الألياف الصادرة من المخ والواردة إليه في منطقة مهمة واقعة بين النوى القاعديةbasal ganglia والمهاد thalamus تعرف باسم المحفظة الداخلية internal capsule.
    تنطمر ضمن اللب كتل مهمة من مادة سنجابية تشمل النوى القاعدية والمهاد والوطاء hypothalamus.
    ـ وظائف المخ: هناك ثلاثة أشكال من الفعاليات ترتبط بالقشرة المخية:
    ـ الفعاليات العقلية المعنية بالذاكرة، والذكاء، وحس المسؤولية، والتفكير، والمحاكمة، والسلوك الأخلاقي.
    ـ التلقي الحسي الشامل لاحساسات الألم، والحرارة، واللمس، والبصر، والسمع، والذوق، والشم.
    ـ تحريك العضلات الهيكلية، أي الإرادية.
    تتخصص بعض المناطق المخية بالتلقي الحسي والفعالية الحركية الإرادية، إلا أن من غير المحتمل أن ينحصر عمل أي منطقة في وظيفة واحدة. يُطْلَقُ على هذه المناطق المتخصصة اسم باحات areas، وأهم الباحات الوظيفية هي:

    الشكل 5 الباحات الوظيفية في المخ
    ـ الباحة الحركية: motor area تقع هذه الباحة في الفص الجبهي، وفي التلفيف الجبهي الصاعد مباشرة أمام الثلم المركزي، وعصبونات هذه الباحة مسؤولة عن إطلاق أوامر تقلص العضلات الهيكلية، وتنزل محاوير هذه العصبونات إلى جذع الدماغ، وهنا إما أن تشتبك هذه الألياف مع نوى الأعصاب القحفية في جذع الدماغ في الجانبين الموافق والمقابل، أو أنها تعبر في أسفل البصلة إلى الجانب المقابل ثم تنزل في النخاع الشوكي، وتصنع الألياف مشابك مع عصبون ثانٍ ينتهي ليفه، أي محواره، على الصفيحة الحركية الانتهائية لليف العضلي في المستوى المناسب من النخاع الشوكي. وهذا يعني أن الباحة الحركية لنصف الكرة المخية الأيمن يسيطر على حركة العضلات الإرادية في الجانب الأيسر من البدن، والعكس. العصبون الذي يقع جسمه في المخ هو العصبون الحركي العلويupper motor neurone والعصبون الآخر الذي يقع جسمه الخلوي في جذع الدماغ أو النخاع الشوكي هو العصبون الحركي السفلي، وينجم عن أذية أي من العصبونين شلل.
    في الباحة الحركية للمخ تمثيل للجسم من الأعلى نحو الأسفل، فالخلايا الأقرب إلى القمة تتحكم بالقدمين، في حين أن الخلايا الكائنة في أخفض قسم تتحكم بالرأس والعنق، وتكون مساحة الباحات القشرية الممثلة لأقسام البدن المختلف متناسبة مع تعقيد الحركة للقسم المعني من البدن، لا مع حجمه، أي أن اليد والقدم واللسان والشفتين ممثلة بباحات قشرية واسعة مقارنة بما يمثل الجذع.
    ـ الباحة أمام الحركية premotor area: تقع أمام الباحة الحركية مباشرة، ويعتقد أنها تسيطر على الباحة الحركية، فعند الكتابة أو ربط الحذاء مثلاً، تتقلص مجموعة من العضلات، ويتطلب ذلك انسجام الحركات وتنفيذها وفق تواتر محدد يدخل في نطاق المهارة التي تضمنها هذه الباحة، والقسم السفلي من هذه الباحة متخصص في الكلام ويُعْرَفُ باسم باحة الكلام الحركية motor speech area، وهي المسيطرة في نصف الكرة الأيسر لدى الأيامن، وعلى نقيض ذلك عند العسر.
    ـ الباحة الجبهية: تمتد هذه الباحة من الباحة أمام الحركية السابقة لتشمل بقية الفص الجبهي، وهي منطقة واسعة، وذات تطور ملحوظ لدى الإنسان مقارنة بالحيوانات، وتعد هذه الباحة مسؤولة عن السلوك والشخصية والحالة العاطفية.
    ـ الباحة الحسية sensory area: تقع في التلفيف الجداري خلف الثلم المركزي. ويتم هنا تلقي حس الألم والحرارة والضغط واللمس ومعرفة الحركة المفصلية ووضعية المفاصل، وتتلقى الباحة الحسية لنصف الكرة الأيمن دفعات من الجانب الأيسر من البدن، والعكس، ويتناسب حجم المناطق الممثلة لأقسام البدن المختلفة مع أهمية التعصيب الحسي، فالمنطقة الممثلة للوجه مثلاً كبيرة المساحة على نحو يوافق غنى التعصيب الحسي في الوجه.

    الشكل 6 يبين هذا الشكل أـ طريقة تمثيل الجسم في الباحة الحركية في المخ، ب ـ طريقة تمثيل الجسم في الباحة الحسية في المخ.
    ـ الباحة الجدارية: تقع خلف الباحة الحسية الكائنة في التلفيف خلف المركزي، وتشمل قسماً كبيراً من قشرة الفص الجداري، ويُعْتَقَدُ أنها معنية بالمعرفة اللمسية الدقيقة للأجسام وتخزين هذه المعرفة.
    ـ باحة الكلام الحسية: تقع في القسم السفلي من الفص الجداري، وتمتد ضمن الفص الصدغي، ويتم هنا تلقي الكلام المسموع، وتكون الباحة مسيطرة في نصف الكرة الأيسر لدى الأيامن، في حين يكون نقيض ذلك عند العسر.
    ـ الباحة السمعية: auditory area تقع في الفص الصدغي مباشرة تحت الثلم الوحشي (الجانبي)، وتتلقى الخلايا الدفعات التي ينقلها القسم القوقعي (السمعي) من العصب الدهليزي القوقعي، وتفسِّرها.
    ـ الباحة الشمية olfactory (smell) area: تتوضع عميقاً في الفص الصدغي، وتتلقى الدفعات العصبية الواصلة من الأنف عن طريق العصب الشمي، وتفسرها.
    ـ الباحة الذوقية taste area: يعتقد أنها تقع مباشرة فوق الثلم الوحشي تحت القسم السفلي من الباحة الحسية، وتتلقى الدفعات من نهايات عصبية، ولاسيما في البراعم الذوقية اللسانية والشدقية والحنكية والبلعومية.
    ـ الباحة البصرية: visual area تقع في الفص القذالي، خلف الثلم الجداري القذالي، على جانبي ثلم خاص يسمى الثلم المهمازي، ينطلق العصب البصري من كل عين وتصل أليافه هذه الباحة التي تتلقى الدفعات العصبية وتفسرها كانطباعات بصرية أولى.
    تتوضع النوى القاعدية عميقاً ضمن نصفي كرة المخ، وترتبط وظيفياً بالقشرة، ويعتقد أنها تشارك في التحكم بالتوتر العضلي في الفعاليات البطيئة والمتناسقة.
    يقع المهاد على جانبي البطين الثالث الواقع في الخط الناصف، وهو محطةٌ على طُرُقِ الحواس تعيد توزيع هذه الحواس إلى قشرة المخ.
    يقع الوطاء تحت المهاد، وفوق الغدة النخامية pituitary gland مباشرة. وهو موصول بالغدة النخامية بأعصاب وأوعية تجعله يسيطر على الهرمونات الصادرة من الغدة، وتشمل الوظائف الأخرى التي يسيطر عليها الوطاء التحكم بالجملة العصبية المستقلة، والشهية والشبع، والعطش وتوازن الماء، وحرارة البدن، والتفاعلات العاطفية مثل السرور والخوف والغضب، والسلوك الجنسي وتربية الأطفال، والمواقيت الحيوية مثل دورة النوم واليقظة، وإفراز بعض الهرمونات.
    ـ السيطرة المخية: من المقبول أن هنالك سيطرة لأحد نصفي الكرة المخية على النصف الآخر على نحو يسيطر لدى الشخص الأيمن نصفُ الكرة المخية الأيسر وعلى النصف الأيمن عند العسران، إلا أن هذا المفهوم ترك مكانه حالياً إلى مفهوم تبارز وظائف أو فعاليات معينة في أحد النصفين؛ هذا إضافة إلى أنه إذا كان أحد النصفين يوجه وظيفة ما فإن إنجاز هذه الوظيفة يتطلب عمل النصفين معاً، فإذا كان نصف الكرة المخية مسؤولاً «عمَّا نقوله» فإن النصف الأيمن مسؤول عن «الطريقة التي نتحدث بها».
    وعموماً لدى الأيامن، يعالج نصف الكرة الأيسر المعلومات التحليلية في حين يتخصص النصف الأيمن في المعالجة الإجمالية للمعلومات. إن نصف الكرة المخية الأيمن مسؤول عن إدراك الأشكال والوضع في الفضاء، ومن ثم إدراك مخطط البدن، ويعمل بالأحرى بطريقة قياسيةanalogic وترابطية correlative، ويعنى بما هو ملموس، ويشارك في العاطفة والانتباه، أما نصف الكرة الأيسر فهو مسؤول عن التجريد والترميز والمنطق، أي إنه مسؤول عن المعرفة والتعبير، ويعمل بطريقة تحليلية، ويوجه نحو الفعل والمبادرة. وقد أمكن القول إن نصف الكرة الأيسر يسود في الرياضيات في حين يسود النصف الأيمن في الفن من رسم ونحت وموسيقى.
    جذع الدماغ: يضم الدماغ المتوسط والجسر والنخاع المتطاول (أي البصلة السيسائية).
    الدماغ المتوسط: هو منطقة من الدماغ واقعة بين المخ في الأعلى والجسر في الأسفل، ويتألف من أليافٍ عصبية تربط المخ بجذع الدماغ والنخاع الشوكي، ونوى لبعض الأعصاب القحفية.
    الجسر: هو منطقة من الدماغ واقعة تحت الدماغ المتوسط وفوق النخاع المتطاول (البصلة السيسائية)، بنيته شبيهة ببنية الدماغ المتوسط.
    النخاع المتطاول (البصلة السيسائية): يمتد النخاع المتطاول (البصلة السيسائية) من الجسر الواقع فوقه ليتواصل مع النخاع الشوكي في الأسفل. ويبلغ طوله نحو 5.2سم، ويقع ضمن القحف مباشرة.
    ـ وظائف جذع الدماغ:
    يحوي جذع الدماغ ـ إضافة إلى حزم الألياف الواصلة بين الدماغ والنخاع الشوكي ـ نوى الأعصاب القحفية، ونوى أقل انتظاماً، وبعض نوى حسية تشكل محطات توصيل للألياف الحسية الذاهبة من النخاع الشوكي إلى الدماغ.
    تتميز في النوى مجموعات خلايا مرتبطة بفعالية المنعكسات المستقلة (الذاتية)، ومعروفة باسم المراكز الحيوية vital centers. هذه المراكز هي:
    ـ المركز القلبي الوعائي cardiovascular center: يسيطر على نظم التقلص القلبي وقوته. تذهب الألياف العصبية المستقلة الذاتية من النخاع المتطاول (البصلة) إلى القلب، ويعمل التنبيه الودي على زيادة معدل نبض القلب وقوته.
    تذهب الألياف نظيرة الودية مباشرة إلى القلب، ويعمل التنبيه نظير الودي على إبطاء القلب وإضعاف قوة نبضه[ر. العصبية المستقلة (الجملة ـ)].
    ـ المركز التنفسي respiratory center: يتحكم بمعدل التنفس وعمقه، تذهب الدفعات العصبية من هذا المركز إلى العصب الحجابي والأعصاب الوربية التي تحرض تقلص الحجاب والعضلات الوربية فيتم الشهيق، يتنبه مركز التنفس بوساطة ارتفاع ثاني أكسيد الكربون ونقص الأكسجين في الدم، وبوساطة الدفعات العصبية من المستقبلات الكيمائية الواقعة في السباتيين.
    ـ المركز المحرك للأوعية vasomotor center: يتحكم بقطر الأوعية الدموية، ولاسيما الشرايين الصغيرة والشُرَيِّنات التي تحوي في جدرانها نسبة كبيرة من الألياف العضلية الملساء، ويمكن للتنبيه أن يحدث تقبّضاً أو توسّعاً في الأوعية الدموية تبعاً لموقع الأوعية.
    مصادر تنبيه المركز المحرك للأوعية هي مستقبلات الضغط الشرياني وحرارة البدن، والانفعالات كالإثارة الجنسية والغضب، يسبِّب الألمُ عادة تقبّضاً وعائياً، لكن الألم الشديد قد يحدث توسّعاً وعائياً وهبوطاً في الضغط الشرياني وإغماء.
    ـ مراكز المنعكسات reflex centers: عندما تدخل مواد مخرشة في المعدة أو السبيل التنفسي تذهب الدفعات العصبية إلى النخاع المتطاول (البصلة)، فتنبه مراكز المنعكسات التي تطلق الأفعال الانعكاسية للقياء والسعال والعطاس بغية طرد المخرش.
    المخيخ
    يقع المخيخ cerebellum في جوف القحف خلف الجسر، وتحت القسم الخلفي من المخ. شكله بيضوي، ويتألف من نصفي كرة يفصل بينهما ناصف ضيق يسمى الدودة vermis، ويتألف سطح المخيخ من قشرة سنجابية، ويتألف لبّه من مادة بيضاء تكتنف بعض نوى مخيخية.
    ـ وظائف المخيخ: يعنى المخيخ بتنسيق الحركة العضلية الإرادية والوضعة position والتوازن. ولاتخضع الفعالية المخيخية إلى السيطرة الإرادية، ويتحكم المخيخ بمجموعة مختلفة من الحركات وينسق بينها ضامناً بذلك نعومة الإنجاز ودقته. وهو ينسق بين الفعاليات المعنية بالحفاظ على توازن البدن، وترد المعلومات الحسية المتعلقة بهذه الوظائف من العضلات والمفاصل والأذنين والعينين، وتدل الدفعات البدنية المُستقبَلة proprioceptor impulses من العضلات والمفاصل على وضعية هذه العضلات والمفاصل بالنسبة للجسم كلّه؛ وتزوِّد القنوات نصف الدائرية في الأذنين معلومات حول وضعية الرأس في الفراغ. تؤثر الدفعات الصادرة من المخيخ في تقلص العضلات الهيكيلية على نحو يتم فيها الحفاظ على التوازن والوضعة. تؤدي أذية المخيخ إلى حركة عضلية خرقاء وغير متناسقة، ومشية مترنحة، وعدم القدرة على القيام بحركات ثابتة ودقيقة.
    النخاع الشوكي
    النخاع الشوكي spinal cord (medulla spinalis) قسم من الجملة العصبية المركزية متطاول وشبه أسطواني، معلق في النفق الفقري ومحاط بالسحايا والسائل المخي الشوكي، ويتواصل في الأعلى مع النخاع المتطاول (البصلة السيسائية)، ويمتد من الحافة العلوية للفقرة الرقبية الأولى، أي الفهقة atlas إلى الحافة السفلية للفقرة القطنية الثانية، يَبلغ طوله لدى الرجل البالغ نحو 45سم، ويبلغ قطره نحو قطر الخنصر. وعند الحاجة إلى عينة من السائل المخي الشوكي، يسحب السائل بوساطة إبرة تدخل في نقطة واقعة تحت النهاية السفلية للنخاع الشوكي، أي تحت مستوى الفقرة القطنية الثانية، ويسمى هذا الإجراء البزل القطني lumbar puncture. يظهر مقطع النخاع الشوكي المعترض أن هذا النخاع مكون من مادة بيضاء في المحيط ومادة سنجابية في المركز.
    ـ المادة البيضاء: تنتظم المادة البيضاء في النخاع الشوكي في ثلاثة أعمدة columns أمامي وخلفي ووحشي، في كل جانب. تتألف هذه الأعمدة من سبل الألياف العصبية الحسية الصاعدة إلى الدماغ، والألياف العصبية الحركية النازلة من الدماغ، وألياف العصبونات الرابطة. وغالباً ما تسمى السبل نسبة إلى مناطق نشوئها وانتهائها، ومثال ذلك السبيل الشوكي المهادي، والسبيل القشري الشوكي.
    ـ مصادر الحس الذي تنقله السبل العصبية الحسية الصاعدة (الواردة) في النخاع الشوكي: ثمة مصدران رئيسان للحس المنقول إلىالدماغ بوساطة النخاع الشوكي:

    الشكل 7 يبين أحد الطرق العصبية الحسية من الجلد.
    أـ المستقبلات الجلدية: cutaneous receptors التي هي نهايات عصبية حسية تتنبه بالألم والسخونة والبرودة واللمس، بما في ذلك الضغط، وتنتقل الدفعات العصبية المتولدة بثلاثة عصبونات إلى الباحة الحسية في نصف كرة المخ في الجانب المقابل، ويحدث العبورُ إلى الجانب الآخر، أي التصالبُ decussation، في مستوى النخاع الشوكي أو النخاع المتطاول (البصلة السيسائية).
    ب ـ مستقبلات الحس العميق: proprioceptors التي هي نهايات عصبية حسية في الأوتار والعضلات والمفاصل تتنبه بوساطة الشد، وتشترك متعاونة مع دفعات من العينين والأذنين في الحفاظ على التوازن والوضعة وإدارك موقع البدن في الفراغ.
    ـ السبل العصبية النازلة (الصادرة) في النخاع الشوكي: العصبونات التي تنقل الدفعات العصبية إلى النخاع الشوكي، ومنه إلى العضلات الهيكلية والعضلات الملساء والعضلة القلبية والغدد هي العصبونات الحركية (الصادرة أو النازلة). تتألف الطرق الحركية الذاهبة من الدماغ إلى العضلات من عصبونين حركيين علوي وسفلي، وأهم هذه السبل السبيل القشري الشوكي، المعروف أيضاً باسم السبيل الهرمي، ويقع جسم العصبون الحركي العلوي في قشرة المخ، ويسلك محواره مع السبيل الهرمي عابراً جذع الدماغ قبل بلوغه النخاع الشوكي ليشتبك مع الأجسام الخلوية للعصبونات الحركية السفلية. يقع جسم العصبون الحركي السفلي في القرن الأمامي للمادة السنجابية في النخاع الشوكي، وينبثق محواره من النخاع الشوكي عبر الجذر الأمامي للعصب الشوكي الذي ينضم إلى الجذر الخلفي الحسي للعصب لتشكيل العصب الشوكي الممزوج، ويتفرع المحوار قرب انتهائه في العضلة إلى فروع صغيرة جداً تشكل الصفيحات الحركية الانتهائية motor-end plates.
    ـ المادة السنجابية: يشبه انتظام المادة السنجابية grey matter في النخاع الشوكي شكل حرف H. المادة السنجابية مثقوبة في مركزها بالقناة المركزية التي هي استمرار للبطين الرابع (الذي هو جوف من أجواف الدماغ)، وتصنف الأجسام الخلوية التي في المادة السنجابية مصنفة في ثلاثة أصناف هي: خلايا حسية واقعة في العمود الخلفي تتلقى الدفعات من أعضاء البدن، وعصبونات حركية سفلية تنقل الدفعات إلى العضلات الهيكلية، وعصبونات رابطة connector neurones تصل بين العصبونات الحسية والحركية.

    الشكل 8 مقطع في النخاع الشوكي يظهر الجذور العصبية في جانب واحد
    ـ المنعكسات الشوكية: تتألف هذه المنعكسات من ثلاثة عناصر هي: العصبونات الحسية، والعصبونات الرابطة في النخاع الشوكي، والعصبونات الحركية السفلية. والفعل الانعكاسي reflex reaction استجابة حركية فورية للتنبيه الحسي، ويمكن لكثير من العصبونات الرابطة والحركية أن تتنبه بوساطة دفعات من منطقة صغيرة في الجلد، فمثلاً، تنتقل دفعات الألم الناجمة عن سطح حار جداً من الإصبع اللامسة إلى النخاع الشوكي عن طريق الأعصاب الحسية، وتنبِّه هذه الدفعات الألمية عصبونات رابطةً وعصبونات حركيةً سفلية كثيرة في النخاع الشوكي، مما يؤدي إلى تقلص عضلات هيكلية كثيرة في اليد والعضد والكتف ويؤدي إلى انسحاب الإصبع، والهدف من هذه المنعكسات هو توفير الحماية والابتعاد عن مصدر الأذى.
    في منعكسات الشد، كما في المنعكس الرضفي، أي نفضة الركبة knee jerk، ليس ثمة عصبون رابط، ولايشترك في المنعكس سوى عصبونين: حسي، وحركي سفلي؛ فعندما يُقرع الوتر الرضفي بمطرقة المنعكسات يحصل شدّ في الوتر وفي العضلة المعنية، مما يُوَلّد دفعة عصبية تذهب إلى النخاع الشوكي، لتصل إلى البدن الخلوي للعصبون الحركي السفلي الكائن في العمود السنجابي الأمامي في الجانب الموافق. ينجم عن ذلك تقلص مفاجئ في عضلة الفخذ المعنية ( العضلة مربعة الرؤوس)، و«ترفس» القدم باتجاه الأمام.
    الأعصاب القحفية
    هناك 12 زوجاً من الأعصاب القحفية التي تنشأ من نوى واقعة في المخ وجذع الدماغ، بعضها حسي وبعضها ممزوج. وهي تغادر جوف القحف عبر ثقوب موجودة في قاعدة القحف.
    ـ جذور الأعصاب الشوكية: ينشأ كل عصب شوكي من النخاع الشوكي بجذرين: أمامي حركي، وخلفي حسي، ويتألف الجذر الأمامي للعصب anterior nerve root من ألياف عصبية حركية هي محاوير الخلايا العصبية الكائنة في العمود الأمامي للمادة السنجابية، وتضاف إليها في المنطقتين الصدرية والقطنية ألياف عصبية ودية، ويتألف الجذر الخلفي للعصب posterior nerve root من ألياف عصبية حسية، ويجتمع الجذران الأمامي والخلفي ليشكلا العصب الشوكي الممزوج. الذي يغادر النفق الفقري ماراً عبر الثقبة بين الفقرية الموافقة، وفي النفق الفقري القطني تحت مستوى انتهاء النخاع الشوكي تتابع جذور الأعصاب الشوكية القطنية السفلية والعجزية والعصعصي الأول مسارها ضمن كيس من الأم الجافية، مشكلّةً مايعرف باسم ذيل الفرس cauda equina.
    ـ الأعصاب الشوكية: هناك 31 زوجاً من الأعصاب الشوكية تغادر النفق الفقري عبر الثقوب بين الفقرية الكائنة بين الفقرات المتجاورة، وهي تقسم إلى مجموعات تستمد أسماءها من الفقرات المرتبطة بها، وهي تعد في كل جانب كمايأتي: 8 أعصاب رقبية و12 عصباً صدرياً و5 أعصاب قطنية و5 أعصاب عجزية وعصب عصعصي واحد، ويتألف كل عصب من اجتماع جذرين أمامي وخلفي، وينقسم مباشرة بعد خروجه من الثقبة بين الفقرية إلى فرعين أمامي وخلفي. وهو يتصل قبل هذا الانقسام بالجذع الودي بوساطة فروع عصبية مُوصِّلة communicans، وتذهب الفروع الخلفية posterior rami باتجاه الخلف لتعصب الجلد والعضلات في الجدار الخلفي للرأس والعنق والجذع، وتعصب الفروع الأمامية الجدارين الوحشي والأمامي في العنق والجذع إضافة إلى الأطراف العلويين والسفليين.
    تجتمع الفروع الأمامية في المناطق الرقبية والقطنية والعجزية بعضها مع بعض لتشكل أعصاباً متشابكة تعرف باسم الضفائر plexuses؛ إذ يُعاد تجمع الألياف العصبية وتنظيمها قبل انطلاقها إلى الجلد والعظام والعضلات والمفاصل في مناطق محددة، أما في المنطقة الصدرية فإن الفروع الأمامية لاتشكل ضفائر. وهناك أربع ضفائر من الأعصاب الممزوجة هي:
    ـ الضفيرة الرقبية cervical plexus: التي تتفرع منها أعصاب إلى جلد العنق وعضلاته، إضافة إلى العصب الحجابي الذي يعصب عضلة الحجاب.
    ـ الضفيرة العضدية brachial plexus: التي تتفرع منها أعصاب الطرف العلوي، وبعض أعصاب عضلات الصدر.
    ـ الضفيرة القطنية lumbar plexus: التي تتفرع منها أعصاب إلى الفخذ والمنطقة الأربية.
    ـ الضفيرة العجزية sacral plescus: التي تتفرع منها أعصاب إلى الحوض والطرف السفلي.
    يوسف مخلوف

  2. #672
    العصيات القولونية وأمراضها

    العصية القولونية أو الإشريكية القولونية Escherichia coli جرثوم سلبي الغرام gram يسكن أمعاء الإنسان، ويؤلف نحو 80% من نبيتها flora الهوائي، علماً أن الجراثيم اللاهوائية anaerobe هي الغالبة في أمعائه.
    يشير وجود هذا الجرثوم في الوسط المحيط إلى تلوث بالبراز، لذا غالباً ما يستخدم مشعراً للدلالة على تلوث الماء، والحكم عليه فيما إذا كان شروباً أم غير شروب، من الناحية الجرثومية، ولا بد من الإشارة إلى أن كلورة الماء تقضي على القولونيات.
    قد يكون هذا الجرثوم في تأثيراته الطبية الأساسية غير ممرض، لكن العديد من ذراريه strains يسبب أنماطاً مختلفة من الأخماج المعوية والبولية وغيرها.
    الأخماج المعوية
    تسبب القولونيات إسهالات مختلفة الشدة والأعراض، وتقسم الذراري التي تسبب هذه الأذيات إلى ست فئات رئيسة هي:
    ـ الذراري المنزفة للأمعاء enterohemorrhagic strains: عُرَفَتْ هذه الذرية عام 1982، حينما حدثت حالات وبائية من التهاب القولون النـزفي في الولايات المتحدة، وتمتد الإصابة بها من إسهال خفيف غير مدمى إلى براز مدمى دون وجود كريات بيض. ويمكن لهذه الذرية أن تتضاعف أعراضها بظهور انحلال دموي وارتفاع في البولة الدموية uremia وفرفرية قلة الصفيحات الخثارية thrombotic thrombocytopenia Purpura. تراوح فترة الحضانة بين ثلاثة أيام وثمانية بعد تناول كمية قليلة من الطعام الملوث بها، والأطفال دون الخامسة أكثر تعرضاً للإصابة بالمتلازمة الحالَّة للدم.
    تؤلف هذه الذرية معضلة في أمريكا الشمالية وأوربا وجنوبي إفريقيا واليابان، فقد أحدثت فاشيات outbreaks في الولايات المتحدة بسبب «الهامبرغر» ناقص الطبخ، وبسبب الحليب غير المبستر. وعزيت فاشية إلى عصير التفاح المهيأ من تفاح ملوث بسماد روث البقر، وارتبطت إحدى الفاشيات الأخرى بالسباحة في حوض ماء مزدحم، وارتبطت أخرى بشرب ماء لم يُضف إليه الكلور.
    ـ الذراري المنتجة للذيفان المعوي enterotoxigenic strains: تؤلف أحد أهم أسباب الإسهال الذي ينجم عنه تجفاف الرُّضَّع والأطفال في البلاد الحارة، ذات المستوى الصحي السيئ. وتعدُّ أحد مسببات إسهال المسافرين الذي يصيب القادمين من البلاد الصناعية إلى المناطق الحارة. تلتصق جراثيم هذا النوع بخلايا الأمعاء الدقيقة، وتتكاثر على سطحها، وتفرز ذيفانات toxinsتولِّد خللاً شديداً في آليتي الإفراغ والامتصاص.
    تعد أغذية الفطام الملوثة سبباً رئيساً في إصابة الرضع، ويأتي بعدها الماء الملوث، أما الانتقال بالتَّماس المباشر بالأيدي الملوثة بالبراز فهو نادر الحدوث.
    قُدِّرت فترة حضانة المرض بأقل من 10 ساعات إلى 12 في بعض الفاشيات، لكنها وصلت إلى 24 ساعة حتى 72 في بعض الحالات الفرادية. تسبب الإصابة إسهالاً مائياً غزيراً من دون دَمٍ أو موادَّ مُخاطية؛ وقد يصاب المريض بمغص بطني وحماض acidosis وإعياء وتجفاف، ويحدث أحياناً ارتفاع بسيط في درجة الحرارة. وتستمر الأعراض عادة أقل من 5 أيام.
    ـ الذراري الغازية للأمعاء enteroinvasive strains: تسبب التهاباً في مخاطية الأمعاء وتحت المخاطية. تستولي على ظهارة الأمعاء الغليظة وتحدث فيها تفاعلات التهابية تنجم عنها تقرحات. تبدأ الأعراض بمغص بطني شديد ووعكة وبراز مائي وزحيرtenesmus وحمى، ويتطور في أقل من 10% من الحالات إلى براز متكرر ضئيل وسائل يحوي دماً ومخاطاً، ويضم كمية وافرة من الكريات البيض. حضانة الإصابة بعد تناول الغذاء الملوث لا تزيد على 18 ساعة في الفاشيات.
    ـ الذراري الممرضة للأمعاء enteropathogenic strains: كانت أساساً لظهور أوبئة صيفية انتشرت في مراكز الرضع وحضانة الأطفال ودور الولادة في عامي 1940 و 1950، وتنجم عن الإصابة بهذا النوع إسهالات مختلفة الشدة تسبب التهاب ظهارةepithelium الأمعاء، وانحلال زغابات microvilli الخلايا المعوية المعدية.
    تلاشت جراثيم هذه الذرية في أواخر الستينيات من شمالي أمريكا وأوربا، لكنها ما تزال باقية في جنوبيّ أمريكا وجنوبي إفريقيا وآسيا. وتقتصر إسهالات هذه الفئة على الرُّضَّع الذين لم يتجاوزوا السنة من العمر، فتحدث عندهم إسهالات مائية مع مخاط وحمى وتجفاف. ويمكن لهذه الإسهالات أن تكون شديدة ومديدة فترتبط بنسبة عالية من الوفيات. تقدر فترة الحضانة بأقل من 9 ساعات إلى 12، وتتم العدوى بأغذية الرضاع والفطام الملوثة.
    ـ ذراري الإشريكية القولونية المتكدسة في الأمعاء enteroaggregative E. coli: تؤلف هذه الذرية أكبر سبب للإسهال المستديم عند الرضع في أقل البلاد نمواً، ومن خصائص جراثيمها أنها تلتصق بالخلايا المعوية، فتشكل طبقة رقيقة من الجراثيمالمتراصة ومن المخاط. دُرسَتْ هذه الذرية في البدء في التشيلي في أواخر الثمانينات ثم لوحظت في الهند مرافقة للإسهال المستديم. ويعرّف الإسهال المستديم بأنه إسهال لا يمكن التحكم به قبل مرور أسبوعين على الأقل، وشوهدت فيما بعد في البرازيل والمكسيك وبنغلادش والكونغو، ولوحظت حالات منها في المملكة المتحدة وألمانيا تشير إلى أنها قد تكون المسؤولة عن نسبة ضئيلة من الإسهالات التي تحدث في البلدان الصناعية.
    ـ ذراري الإشريكية القولونية المنتشرة اللاصقة adherence E. coli: إن اكتشاف هذه الذراري حديث العهد، وقد اشتق اسمها من صفتها الخاصة بالالتصاق بخلايا يتواسطها الخمل fimbria -mediated، وما زالت هذه الفئة غير معروفة تمام المعرفة، وأظهرت الدراسات أنها أكثر حدوثاً في الأطفال في سن المدرسة منها في الرضع والدارجين (أي الذين هم في سن الحبو والتخطي).
    الأخماج البولية
    الإشريكيات القولونية هي العامل المسبب لأكبر عدد من الأخماج البولية التلقائية، والتالية لاستعمال أدوات استقصاء السبيل البولي كالقثاطر catheters وغيرها، كما أن التشوهات التشريحية الولاديةcongenital، وحُصيَّات calculus الجهاز البولي تزيد من إمكانات حدوث الخمج. وتُقسم الأخماج إلى منخفضةٍ تصيب المثانة، وعاليةٍ تصيب الكليتين. إن نسبة حدوث الخمج، في هذه الإصابات، عند النساء أكثر منها عند الرجال لسهولة انتقال الجراثيم من البراز إلى السبيل البولي مخترقاً الإحليل urethraالقصير للمرأة. كما أن الحمل، وهو مسبب لركودة بولية، يساعد على ذلك أيضاً. ومما يسهل استيلاء الجراثيم وجود مواد لاصقة عليها، وانتشار مستقبلاتها receptors على طول خلايا الجهاز البولي حتى الكليتين، لذا فإن القولونيات التي تملك هذه الخصائص تصل إلى القسم العلوي من الجهاز البولي وتستولي عليه فتسبب التهاب الكلية والحويضة pyelonephritis. وتجري اليوم بحوث لهذه المواد اللاصقة بغية إيجاد وسائل تقي الأفراد المعرضين لخطر التهاب الكلية والحويضة.
    الأخماج الأخرى
    تم استفراد الإشريكيات القولونية من 20% من الإنتانات الدموية septicemia، كما تبين أنها قد تكون سبباً لظهور أخماج تلي المداخلات الجراحية، وتحدث التهاب المرارة الحاد والمزمن، والتهاب الإحليل والموثة (البروستات)، والخصية والبربخepididymis والمهبل والبوقين tuba uterina، وحدوث التهابات سحائية meningitis عند الرضع والولدان.
    ترتبط الأخماج المعوية بعوامل عديدة، أهمها وجود تلوث برازي في الغذاء أو الماء، ويمكن للإصابات أن تكون فرادية أو تظهر على هيئة فاشيات outbreaks تحدث غالباً في أماكن تنعدم فيها الشروط الصحية، وتجمع عدداً من الأفراد يرجعون إلى مصدر واحد لغذائهم أو شرابهم. أما الأخماج البولية فمنشؤها ذاتي من جراثيم المريض نفسه، وهي على الجملة حالات فرادية، وأكثر شيوعاً عند النساء، وقد تتكرر الإصابة عند الشخص ذاته. وتنشأ الأخماج الأخرى من إنتانات دموية والتهابات سحائية وغيرها من حوادث ومداخلات غير عقيمة.
    يتم تشخيص الإصابات بتحري الجراثيم، وتحديد ذريتها في البراز أو الدم أو البول أو السائل الدماغي الشوكي، ويجب استفرادها ودراسة تحسسها للصَّادات. وتفيد بعض التقنيات كالتصوير الطبقي المحوري CT scan وتخطيط الصدى echography، والوسم بالنظائر المشعة radioactive isotopes في تفسير النتائج التي يصعب تفسيرها بالوسائل المخبرية المألوفة.
    تُعَالج الأخماج المعوية بتعويض السوائل والكهارل ولا تعطى الصادات إلا في الحالات الشديدة، ويفضل منها التي يتم تناولها عن طريق الفم وذات التأثير الموضعي، وتتم معالجة إسهال المسافرين الشديدة في البالغين بإعطاء لوبيراميد lopiramidمع صادة كالسيبروفلوكساسين ciprofloxacin عن طريق الفم. وأما الأخماج البولية وغيرها فلا بد من إعطاء الصادات الملائمة ذات الانتشار الجيد في المكان المصاب، وفقاً لنتائج الزرع، وذلك لتزايد الذراري المقاومة بظهور طفرة فيها، أو باكتسابها مواد وراثية خارجية (بلسميد plasmid).
    عدنان تكريتي

  3. #673
    العضلة (تشريح وفيزيولوجية ـ)

    إن حركة الجسم وحركة أعضائه هي من مهام النسيج العضلي muscular tissue ومسؤوليته الذي تتصف خلاياه الطويلة بالتقلص، وتدعى الألياف العضلية muscular fibers. هناك نوعان رئيسان من الألياف العضلية، يدعى الأول الألياف الملساء وهي مجموعة من الخلايا المستقلة، يتم تعصيبها بالأعصاب الودية sympathic ولا تخضع للإرادة وتتوضع في الأحشاء والأوعية، ويدعى الثاني الألياف المخططة وهي ألياف متطاولة، يحوي الليف الواحد منها تجمعات من النوى المحيطية، ويبدي أقراصاً عتمة ونيرة تعطيه مظهراً مخططاً، ويتم تعصيبه بالأعصاب القحفية الشوكية cranio-spinal، لذلك فهو إرادي الحركة ويتوضع على الأصفقة والهيكل العظمي.
    وهناك ألياف مخططة غير إرادية، وتشمل عضلة القلب، وأحياناً جزءاً من الشريان الرئوي قرب مصبه في القلب. يتم تعصيب القلب بعقد عصبية خاصة ذات حركة ذاتية وإيقاع منتظم. وعليه قُسم النسيج العضلي إلى فئات ثلاث: عضلات ملساءsmooth muscles لاإرادية، وعضلات مخططة striated muscles إرادية جسدية، وعضلات مخططة غير إرادية.

    ألياف عضلية ملساء
    ـ العضلات الملساء: وهي عضلات غير إرادية لا يستطيع المرء أن يسيطر على حركتها التي تخضع لمتطلبات الأعضاء والأحشاء التي توجد فيها وحاجاتها، كالجهازين الهضمي والتنفسي وغيرهما. تعد الخلية أو الليف العضلي الأملس الوحدة الأساسية في تركيب النسيج العضلي الأملس، ويبلغ طوله 20 إلى 100 ميكرون، ويمكن أن يصل في عضلة الرحم إلى 500 ميكرون في أثناء الحمل. يأخذ الليف شكلاً مغزلياً، ويتوضع مع غيره على شكل حزم على نحو يتوافق وسطه المنتفخ إلى جانب تلاقي النهائيين الدقيقين للّيفين المتجاورين. تتوضع نواته المتطاولة في منتصف الليف، ويدل تحلزنها على أن الليف أو الخلية في حالة تقلص. أما الهيولى فتظهر متجانسة لا تبدي تخطيطات، وتحتوي العناصر الهيولية حبيبات الغليكوجين والخضاب العضلي، وقد أظهر المجهر الإلكتروني[ر] وجود خيوط ليفية دقيقة بثخانة 100 أنغستروم. إن الغشاء الخلوي للّيف العضلي الأملس رقيق ويحاط بمادة أساسية غنية بالمواد المخاطية متعددة السكاكر، وتتقارب الأغشية الخلوية للألياف المتجاورة من بعضها في مناطق معينة إلى مسافات تصبح فيها 20 أنغستروم، تدعى فرضة الوصل gap junction، ويعتقد بأنها منطقة لتبادل الشوارد والسيالة العصبية التي تسهل مرور التنبيهات، ومن ثم تقلص هذه الألياف. تأخذ بعض الخلايا مثل الخلايا العضلية الظهارية myoepithelial cells صفة تقلص العضلات الملس، وتتوضع على السطح الخارجي لعنيبات acini الغدد.
    تكون الألياف الملساء إما على شكل ألياف حرة مفردة في محفظة العقد اللمفية ومنطقة النسيج الضام الرخو للصفيحة الخاصة lamina propria في الزغابات المعوية، أو أنها تتجمع على شكل ألياف عضلية طولية وحلقية في الأوعية الدموية والأمعاء، وطولية وحلقية ومنحرفة في المعدة.
    تتوضع الألياف العضلية الملساء في الأنبوب الهضمي، بدءاً من منتصف المري وحتى المصرة الداخلية للشرج، وفي القصيبات الكبيرة والصغيرة، وفي الرغامى في الجهاز التنفسي، وفي الحويضة والحالب والمثانة والإحليل في الجهاز البولي، والرحم والبوقين salpinx في الجهاز التناسلي عند النساء، وفي جدار الشرايين والأوردة والأقنية المفرغة للغدد، وفي قزحية العين وأدمة الجلد.
    يتأثر النسيج العضلي الأملس بالحالات النفسية كالخوف والانفعال، وبالحالات الفيزيائية كالبرد والحرارة؛ ففي الانفعال والبرد تتقلص جدران الأوعية المحيطية ويقل الدوران فيها فيشحب الوجه وتبرد الأطراف، وفي حالات الحرارة العالية تتوسع الأوعية وتمتلئ بالدم فيزداد الوجه إحمراراً والأطراف دفئاً. وتخضع الألياف الملساء ـ على خلاف الألياف الإرادية المخططة ـ إلى تأثيرات هرمونية، مثل الأستروجين الذي يؤثر في العضلة الرحمية في أثناء الحمل، وكذلك هرمون الأوكسي توسين oxytocinالذي يفرز من الفص العصبي للغدة النخامية، ويؤثر في تقلص الألياف الرحمية والخلايا العضلية الظهارية في الثدي في أثناءالإرضاع. وفي حالات الداء السكري تصاب الأعصاب الودية بالاعتلال neuropathy، فتؤثر في تقلص الألياف العضلية الملساء وحركتها، ومن ثمّ في وظيفة العضو الموجودة فيه وعمله.

    ألياف عضلية إرادية مخططة، يظهر فيها القسيم العضلي مع الأقراص النيرة والأقراص العتمة.
    ـ العضلات المخططة: إن النسيج العضلي المخطط الذي يستر الهيكل العظمي ويحركه هو من الألياف الإرادية، ويشاهد إضافة إلى الجذع والأطراف والرأس في الأقسام العليا من الأنبوب الهضمي وجهاز التنفس وفي العين والأذن. تأخذ العضلة المخططة لوناً وردياً بسبب غناها بالأوعية الدموية وخضابها العضلي myoglobine، وتتكون من مجموعة ألياف عضلية على شكل حزم عضلية، وتحاط كل فئة بأغمدة من النسيج الضام الرخو أو الكثيف. يأخذ الليف العضلي شكلاً أسطوانياً أو موشورياً ينتهي بشكل دقيق، ويبلغ طوله 10ـ 40مم وعرضه 70 ميكرون، وقد يصل طوله إلى 10سم.
    مجهرياً يحاط الليف العضلي بغشاء خلوي يدعى الغمد الليفي العضلي sarcolemma، ويتألف من طبقة خارجية تشبة تركيب الغشاء القاعدي، وداخلية تتمثل بالغشاء الهيولي الذي يمتاز بقدرته السريعة على نقل التنبيهات العصبية، وتوزيعها على أقسام الغشاء داخل الليف جميعها.
    الهيولى العضلية sarcoplasma: وتدعى بالأنابيب المستعرضة transverse tubules أو أنابيب T، وهي تتعامد مع الشبكة الهيولية الباطنة المحصورة بين هذه الأنابيب هيولى الليف العضلي sarcoplasma، تتوضع فيها المتقدرات mitochondria على طول الليف قريبة من غشائه المحيطي ومتلازمة مع نوى الليف التي تصل إلى 35 نواة في الليف الواحد. كما يوجد في الهيولى الخضاب العضلي وحبيبات الغليكوجين وقطرات من الشحم وعدد من الخمائر، إضافةً إلى الليفيات العضلية myofibrilsالتي تتوضع بشكل حزم منظمة، تعطي للّيف شكله المخطط من حزم قاتمة وحزم نيّرة.
    إن الدراسة الدقيقة للّيفيّات العضلية تبدي أنها مؤلفة من خيوط عضلية myofilaments يتكون بعضها من مادتين بروتينيتين، تدعى الأولى الميوزين myosin وهي ثخينة تتوضع ضمن الحزم والأقراص العتمة، ويعرف بالقرص A، يبدو في وسطه خط قاتم يدعى شريط M. أما المادة البروتينية الثانية وتدعى الأكتين actin فتتوضع ضمن الحزم النيرة التي تعرف بأقراص I، الذي يحتوي في وسطه خط قاتم يدعى بخط أميسي أو خط Z. يشكل القرص العتم مع القرص النير وحدة الليف العضلي، ويطلق عليها اسم القسيم العضلي. تتداخل خيوط الأكتين مع خيوط الميوزين، وهذا التداخل يزداد في أثناء التقلص وينقص عند راحة الليف واسترخائه.
    يتم تعصيب العضلات المخططة بوصول محور أسطواني عصبي من الأعصاب القحفية الشوكية لكل ليف عضلي إلى منطقة الإرتفاق أو الوصل العصبي العضلي، ويدعى باللوحة المحركة التي ينقل من خلالها التنبيهات العصبية. ويلاحظ بين الحزم العضلية المغزل العضلي العصبي muscle spindle، ويتألف من ألياف عضلية مخططة دقيقة وأعصاب حركية وحسية، تقوم بمهام معايرة الجهد والمحافظة على المقوية العضلية.
    ـ العضلة القلبية cardiac muscle: العضلة القلبية عضلة مخططة غير إرادية، تتقلص بحركة ذاتية وإيقاع منتظم وتحتوي على نوعين من الخلايا:
    ـ الخلايا العضلية القلبية: وهي ألياف متطاولة تتصف بتفرعها وتفاغرها مع بعضها، ويشكل كل ليف وحدة مستقلة تكون النواة فيه موضّعة في المركز.
    ـ الخلايا المنبهة للقلب: تعمل هذه الخلايا على تنبيه ضربات القلب وتقلصها، وتتوضع في: العقدة الجيبية الأذينية، والعقدة الأذينية البطينية أو عقدة تافارا Tawara، وحزمة هيس Hess أو الحزمة ما بين البطينين وفروعها، المدعوة بشبكة بوركنجPurkinje.
    وليس في الألياف العصبية القلبية لوحات محركة، كما هو الأمر في الألياف المخططة الإرادية.
    يُظهر النسيجان العضليان الأملس والمخطط، في الحالات الفيزيولوجية، قدرة في الألياف على التضخم والنمو وتراجعها إلى طبيعتها بعد زوال الأسباب، وهذا ما عرف عن ألياف العضلة الرحمية في أثناء الحمل، وضخامة العضلات عند الرياضيين، وضخامة العضلة القلبية في القصورات القلبية والتنفسية. تتعرض الألياف العضلية إما: للضمور atrophy نتيجة انقطاع تعصيبها أو انقطاع الدم عنها أو عدم استعمالها، أو تتعرض للتنكس degeneration نتيجة إصابة بعض الألياف العضلية وعدم قدرة الألياف السليمة المجاورة في التعويض عنها، كما تتعرض للتجديد أو الترميم regeneration الذي يحث على نشاط المصورات العضلية myoblasts وتضاعفها لتعويض النسيج العضلي المتهتك أو المصاب.
    تتعرض العضلات الهيكلية لأمراض مختلفة تعود أسبابها إلى:
    ـ منشأ عصبي neurogenic مثل الوهن العضلي الوبيل mysthenia gravis؛ الذي يعود إلى خلل في مستقبلات مادة الأستيل كولين، ومن ثمَّ عدم انتقال السيالة العصبية إلى الألياف العضلية، وتبدأ الأعراض بهبوط جفن العين، وتزداد تدريجياً لتشمل شلل عضلات العين وعسرة في البلع والتلفظ، حتى تصل إلى عضلات الصدر والأطراف مع شعور شديد بالوهن والإعياء.
    ـ الاعتلال العضلي myopathic diseas: ويشاهد في حالات التهاب العضلات بالعوامل الجرثومية والفيروسات والالتهابات المترافقة بالأمراض الغرائية الوعائية.
    ـ الحثل العضلي muscular dystroply: ومنه داء دوشن Duchenne، وهو مرض وراثي يظهر في سن مبكرة ويتظاهر بضعف في عضلات الزنار الحوضي الفخذي، ثم في الساقين والزنار الكتفي، حتى يصل إلى عضلات الجزع، وتأخذ العضلات شكل ضخامات كاذبة بعد أن تضمر أليافها لتعوضه بنسيج ليفي شحمي لايستطيع القيام بوظيفته، لذا لايستطيع المريض المشي عند سن البلوغ وغالباً يموت في العشرين من عمره. وهناك أمراض عديدة تعود إلى اضطرابات وراثية استقلابية وخلقية.
    ولابد من الإشارة إلى أن فرط نشاط الدرق وقشر الكظر adrenal gland يسببان ضعفاً ووهناً مع درجة من الضمور في العضلات، يضاف إلى ذلك التأثير السمي للكحول وسم الأفاعي.
    مصطفى مسرابي

  4. #674
    العظم (تشريح وفيزيولوجية ـ)

    يعد العظم bone أو النسيج العظمي osseous tissue نوعاً من أنواع النسيج الضام connective tissue الصلب. والهيكل العظمي هو الذي يعطي للمخلوقات الفقرية هيأتها المألوفة. تأخذ العظام أشكالاً حسب وظائفها ويعرف منها: العظام الطويلة كعظام الساق والساعد، والعظام القصيرة كعظام الفقرات والسلاميات، والعظام المسطحة كعظام الكتف والأضلاع وعظام الجمجمة.
    يتكون العظم من عناصر خلوية cells وخلالية interstitial وتدعى أيضاً بالمادة الأساسية ground substance، تشمل العناصر الخلوية على الخلايا بانية العظم osteoblasts والخلايا العظمية osteocytes والخلايا ناقضة العظم osteoclasts، وتتوضع المادة الخلالية بين الخلايا، وتحتوي على مواد عضوية organic تمثل الألياف الغرائية فيها نسبة 95%، وتعطي العظم صفة القوة والمرونة، وتحتوي أيضاً على مواد غير عضوية inorganic تمثل ثلثي وزن العظم وتتكون من85% فوسفات الكلسيوم و10% فحمات الكلسيوم وكمية قليلة من فلور الكلسيوم وفلور المغنيزيوم، وتأخذ في النهاية شكل بلورات الآبيتيت المائعة hydroxyappetite (ca10[po4]6) OH2 التي تعطي العظم صفة القساوة والصلابة، وتجعله قادراً على تحمل ما يرتكز عليه من عضلات وأوتار وثقل، ومنع الضرر والأذى بالأعضاء الحيوية، فالجملة العصبية المركزية من دماغ ونخاع شوكي تكون محفوظة في داخل القحف والقناة الفقرية، والقلب والرئتان في جوف الصدر، ومركز تصنيع الدم في نقي العظام. إن هذه الوظائف الميكانيكية للعظم لا تقلل من أهميته الرئيسة التي تتصف بأنه المخزن الأساسي الذي يزود الدم بشوارد الكلسيوم، لتبقى نسبه ثابتة، وتقوم بوظيفتها الحيوية في عملية التخثر الدموي والتقلص العضلي وعمل الخمائر والترابط الخلوي ونفوذية الغشاء الخلوي.
    يُمَيَّزُ في العظم نوعان: العظم الاسفنجي spongy bone، والعظم الكثيف dense bone ويشاهدان سوياً في عظم واحد. ففي العظمالطويل يتمركز العظم الاسفنجي في منطقة المشاشة epiphysis والعظم الكثيف في الجدل diaphysis وعلى سطح المشاشة، أما في العظام المسطحة فيكون العظم الاسفنجي في الوسط والعظم الكثيف في السطوح الخارجية.
    يستر العظم طبقة تدعى السمحاق periosteum، تتشكل من ورقة خارجية مكونة من ألياف ضامة وداخلية مؤلفة من عناصر خلوية لها القدرة على التحول إلى خلايا عظمية في أثناء النمو وفي حالات ترميم العظم. لايُشاهد السمحاق في السطوح المفصلية والرَضَفة patella وفي مناطق ارتكاز الأوتار والأربطة.
    تبطن السطوح الداخلية للعظم طبقة تدعى السمحاق الداخلي endosteum، وتتألف من نسيج شبكي كثيف وعناصر مكونة للدم.
    يشاهد العظم الإسفنجي مجهرياً على شكل حجب عظمية (ترابيق) trabeculae متشابكة بعضها ببعض على نحو عشوائي تاركة فيما بينها فراغات مملوءة بالعناصر الدموية، أما في العظم الكثيف فيلاحظ أن الكتلة الخلوية أقل من المادة الخلالية المتكلسة وتدعى بمطرِق العظم bone matrix. تتوضع العناصر الخلالية على شكل طبقات أو صفاحات lamella منظمة ومتساوية المسافة فيما بينها تاركة فجوات صغيرة (جوبات) lacuna تحصر في داخلها الخلايا العظمية ويخرج منها قنيات canaliculiيتصل بعضها ببعض حتى تصل إلى نقي العظم bone marrow لتستمد منه التغذية، وتأخذ الصفاحات العظمية ثلاثة نماذج من التوضع: توضع دائري حول أقنية وعائية طويلة وتسمى بالنظام الهاڤرسي Haversian system، وصفاحات خلالية interstitial system تتوضع ما بين وحدات الصفاحات الهاڤرسية، وصفاحات محيطية دائرية circumferential lamellae تتوضع تحت طبقة السمحاق وتحيط بالعظم دون انقطاع.

    العظم الهافرسي الكثيف.
    تدعى الأقنية الطويلة بالأقنية الهاڤرسية Haversian canals، وتمر فيها الأوعية الدموية، تتصل هذه الأقنية فيما بينها بأقنية معترضة مائلة تدعى أقنية فولكمان Volkman‘s canals توفر الاتصال بدءاً من محيط العظم، إلى قناة النقي في مركز العظم.
    يتم تشكل العظم إما بطريقة التعظم الغشائيintramembranous bone formation عن طريق تشرب النسيج اللحمي المتوسطي mesenchymal tissue بالمواد الكلسية، ويُشَاهَدُ في بعض عظام القحف، أو بطريقة التعظم الغضروفي intracartilaginous bone formation، وذلك على حساب تشرب الغضروف الزجاجي hyaline cartilage بالمواد الكلسية، بعد مراحل من التبدلات الخلوية، يتوقف العظم عن النمو في سن معينة بعد البلوغ، وذلك بتعظم غضاريف الاتصال التي تتوضع ما بين المشاشة وجسم العظم، وبإنغلاقها وتعظمها يتوقف النمو طولاً.
    إن العظم ـ بما يتمتع به من طاقة كامنة وفعالية دائمة ـ يستطيع في حالات الكسور ترميم نفسه بتشكيل عظم جديد في منطقة الكسر أكثر قوة وصلابة من العظم الأساسي، كما أن الفعالية العظمية تساعد المتخصصين في الجراحة العظمية على إجراء العمليات التصنيعية التي تساعد على إصلاح التشوهات العظمية.
    للتغذية والفيتامينات والهرمونات أثرٌ كبير في نمو العظام ونضوجها وأي نقص أو زيادة فيها يعرضها إلى حالات مرضية مختلفة.
    ويعتمد نمو الهيكل العظمي، أكثر من غيره من الأنسجة، على المواد الغذائية الغنية بالمعادن والفيتامينات، ويسبب سوء التغذية نقص الكلسيوم أو الفوسفور اللذين يؤديان إلى تخلخل rarefaction العظام واحتمال كسرها. هذا وللفيتامين D دور مهم في امتصاص الكلس من الأمعاء، وإن نقصه يقلل من نسبة وجوده ووجود الفوسفات في المصورة الدموية ويسبب هذا النقصان داءالرخد rickets عند الأطفال محدثاً تشوهات عظمية كتقوس الساقين والشكل الزورقي للصدر وتغير أبعاد أقطار الحوض الذي قد يسبب صعوبة الولادة عند النساء، ويؤدي نقص الكلس عند الكهول إلى تلين العظام osteomalacia التي تعرض صاحبها إلىالكسور التلقائية، وإلى قصر القامة نتيجة لتحدب الظهر وتقوس الساقين.
    أما نقص الفيتامين C فيؤدي إلى تبدلات في النسيج المتوسطي تنقص فيها العناصر الليفية الغرائية في المادة الخلالية للعظم مما يؤخر نمو العظم واندمال كسوره.
    يؤخر عوز الفيتامين A من سرعة نمو الهيكل العظمي، واتساع جوف القحف والقناة الفقرية، مما يجعلهما غير متناسبين مع نمو الدماغ والنخاع الشوكي فيسبب إصابات عصبية خطيرة في المستقبل، وتؤدي زيادة تناول الفيتامين A قبل البلوغ إلى تكلس مبكر لغضاريف الاتصال ومن ثمَّ إلى توقف النمو طولاً.
    إن الهرمونات وخاصة هرمون الدريقات (جارات الدرق) parathyroid hormone يؤثر في ثبات نسبة الكلس في الدم، لأن نقصه يسبب سحب الكلس من الدم ليتوضع على العظام، وتؤدي زيادته إلى امتصاص الكلس من العظام وارتفاع نسبته في الدممسبباً تليناً عظمياً ومن ثمَّ كسوراً تلقائية.
    أما هرمون النمو الذي يفرزه الفص الأمامي من الغدة النخامية pituitary فإن زيادته تؤخر التحام غضاريف الاتصال مسبباً داء العملقة gigantism ونقصه يسرع من التحامها فيؤدي إلى القصر وإلى داء القزامة dwarfism التي تشاهد أيضاً في قصور هرمون الدرق.
    ولنشاط الهرمونات الجنسية أثر في نمو العظم ونضوجه، فارتفاعها يسبب البلوغ المبكر، ومن ثَمَّ تعظم غضاريف الاتصال على نحو مبكر أيضاً.
    مصطفى مسرابي

  5. #675
    العقدة اللمفية (تشريح وفيزيولوجية ـ)

    العقد اللمفية lymph nodes أحد أقسام الجهاز الوعائي اللمفي الذي يجمع السائل اللمفي من أنسجة البدن وأعضائه ليعيده إلى القلب بوساطة القناة الصدرية. تؤلف العقد اللمفية سلسلة على مسير الأوعية اللمفية، ويتكون متنها (لُحْمَتُهَا) parenchymaمن تراكمٍ منظمٍ للنسيج اللمفي الذي يتعرف المستضدات antigens التي ترشح إلى العقد وتحرضها على تكوين الأضدادantibodies المناعية. إن العقد مملوءة بالخلايا البالعة macrophages التي تخلص اللمف من الخلايا غير المرغوب فيها، ومن الجراثيم والمواد الضارة كمركبات ثاني أكسيد الفحم التي تجعل العقد تأخذ لوناً يضرب إلى السواد.
    تشاهد أعداد كبيرة من العقد اللمفية على شكل مجموعات تتوزع في البدن بالقرب من الفقرات، وعلى طول الأوعية الدموية الكبيرة في جَوْفَي الصدر والبطن، وفي المساريق mesenteries وفي النسيج الضام الرخو للعنق والإبط والمغبن. تأخذ العقدة اللمفية شكلاً بيضوياً يشبه حبة الفاصولياء يراوح قطره بين 1ـ 25مم، وله سطح محدب يتقعر في منطقة السرَّة hilus التي تدخل منها الأوعية الدموية وتخرج الأوعية اللمفية الصادرة والأوعية الدموية. أما الأوعية اللمفية الواردة فتدخل إلى العقدة مخترقةً محيطها من مواقع عدة وليس من سُرَّتها مما يميز العقدة اللمفية من غيرها من الأعضاء التي تدخل وتخرج من سرتها الأوعية المختلفة.

    العقدة اللمفية وتظهر فيها منطقة القشر ومنطقة اللب مع المحفظة والحجب الضامة ودخول الأوعية اللمفية وخروجها.
    تحاط العقد اللمفية بمحفظة ضامة تزداد ثخانة في منطقة السرة، وتتألف من ألياف غرائية colloidal ضامة وقليلٍ من الألياف المرنة وأليافٍ عضلية ملساء، كما تتفرع لفروع عدة تدعى الحجب trabeculae تدخل العقدة لتقسمها إلى مساكن عدة غير متساوية.
    تستر هذه الحجب ببشرة بطانية endothelium، ويتوضع بين الحجب ولُحْمَة العقدة أعداد هائلة من الألياف والخلايا الشبكية reticular cells محدثة منظراً شبكياً تتمركز في فتحاته الخلايا اللمفية والخلايا المصورية cells plasma والبالعات.
    تُمَيَّزُ في العقد تحت المجهر منطقتان: محيطية وتدعى القشر cortex، ومركزية وتدعى اللب medulla. أما القشر فيتألف من مساكن عدة مختلفة في حجمها وشكلها، يفصل بعضها عن بعض الحجب الضامة، ويتوضع في داخلها على شكل أجربة أو عقيدات nodules مجموعات خلوية لمفية تتكثف بشدة في محيطها وتقل في مركزها، ليظهر في شكل نير، ويدعى بالمركز النتوج germinal center، وتُشاهد فيه خلايا أرومة اللمفاوية lymphoblast وخلايا لمفية lymphocyte وخلايا مصورية، وتحوي جميعها الأضداد، وتُشاهد أيضاً البالعات. تكون خلايا العقيدات اللمفية القريبة من محيط القشر من نوع البائية B، وأما التي تكون قريبة من باطن القشر فتكون من نوع التائية T. إن هذا النوع الأخير من الخلايا اللمفية لا يصنع في العقد، بل في نقي العظام، ثم ينتقل إلى التوتة (التيموس)، وفيها يتم نضجه، ثم ينتقل عن طريق الدم إلى العقد اللمفية والطحال.
    تفصل العقيدات عن الحجب الضامة مسافات تدعى الجيوب القشرية cortex sinus، تمتد لمنطقة اللب، وتتفرع هناك وتتصل مع محيط العقدة بجيوب ما تحت المحفظة subcapsular sinus. يجري في هذه الجيوب السائل اللمفي الوارد عن طريق الأوعية اللمفية الواردة إلى سطح العقدة، ماراً بالمنطقة القشرية، دافعاً الخلايا اللمفية وما تحمله من أضداد إلى المنطقة اللبية، حيث تتشكل الأوعية اللمفية الصادرة لتخرج مع ما تحمل من السُّرَّة.
    إن المنطقة اللبية أقل كثافة من القشر، ويغلب على عناصرها الخلوية شكل حبال تتداخل مع التركيب الشبكي للألياف والخلايا الشبكية، والفروع الدقيقة الانتهائية للحجب الضامة.
    للعقد اللمفية دور في المناعة ولها قدرة على تشكيل الأضداد التي تقاوم الأمراض وترفع من قدرة البدن على مقاومة كل أذية فيزيائية أو كيميائية أو سميه أو جرثومية.
    وتعود خطورة مرض عوز المناعة المكتسب (الإيدز) إلى أن الفيروس المسبب لهذا الخمج يدمر الخلايا التائية T فتتدنى مناعة البدن ويتمكن المرض من غزوه والقضاء عليه. لا تُجس العقد اللمفية عادة لصغر حجمها إلا في حالات النحول الشديد، أو حين تضخمها المرضي، حتى إنه يمكن رؤيتها في عقد العنق حينما تصاب بالسل العقدي (داء الخنازير) scrofula وكذلك في داء كثرة الوحيدات mononucleosis. وتشاهد في بعض الإصابات المتقيحة، فأي جرح متقيح في اليد يترافق مع ضخامة عقدية تحت إبط الطرف المصاب. تتراجع الضخامة العقدية الالتهابية بعد المعالجة مع احتمال بقاء بعض ندبات ليفية، وقد تتكلس أحياناً كاملة، كما هي الحال في السل العقدي. ومن الضخامات الأخرى الضخامة الورمية، وتكون إما بدئية عند الإصابة باللمفوما lymphoma أو انتقالية metastases لسرطان في أحد الأعضاء. فسرطان الثدي ـ مثلاً ـ يترافق بضخامة عقد الإبط المجاور للثدي المصاب، وتبدو عند فحصها مجهرياً أنها فقدت تركيبها النسيجي الذي دمرته الخلايا الورمية.
    مصطفى مسرابي

  6. #676
    العقدية وأمراضها (المكورات ـ)

    المكورات العقدية أو العقديات Streptococcus جراثيم واسعة الانتشار ذات أنواع كثيرة، تتباين في تأثيراتها المرضية، وتختلف في المناعة التي يكتسبها البدن بعد الإصابة بأحد أنواعها، ومع هذا لها صفات شكلية مشتركة، فهي إيجابية الغرام gramوتصطف مكوراتها على هيئة سلاسل أو عقود، ولا بوغ لها.
    يستند تصنيف العقديات إلى مجموعة صفات استقلابية وخصائص كيميائية حيوية منها حل الدم كلياً (بيتا) أو جزئياً (ألفا) أو عدم حله؛ كما يرتكز على الخصائص المستضدية antigénique؛ إذ إن لبعض الذراري عديد سكريد في جدار الجرثوم ذا خاصة مستضدية، وهو عديد الأوزيد C، وتسمح نوعيته بتصنيف هذه العقديات في 19 مجموعة مصلية يرمز لها بالأحرف اللاتينية A, B, C.
    والعقديات A، وهي من العقديات الحالة للدم بيتا، تختص بالبشر وحدهم، كما أنها أشدها فوعة virulence، وتنتقل بينهم عن طريق رذاذ اللعاب أو العدوى من خمج جلدي، فهي تتوضع في اللوزتين والبلعوم كما تستولي على الجلد والأغشية المخاطية.
    تسبب العقديات A أمراضاً حادة غير نوعية كالتهاب البلعوم الجرثومي الاحمراري الذي تظهر مضاعفاته أحياناً بحدوث خراج حول اللوزتين. كما تسبب التهاب الأنف المقيح، والتهاب الجيوب، والتهاب الأذن الوسطى المتقيح، والتهاب العقد اللمفية الرقبية.
    وهناك أمراض نوعية خاصة بها كالحمرة érysipéle، والحمى القرمزية scarlatine، كما أن هناك آفات تحدث بعد تراجعالخمج كالحمى الرثوية[ر]، والتهاب كبيبات الكلي الحاد، وداء الرقص لسيدنهايم، والحمامى العقدة.
    وتعدّ العقديات A أحياناً أساس أخماج جلدية كالقوباء impétigo ذات المنشأ العقدي أو العنقودي، وتقيح الجلد، والتهاب الهلل cellulite، كما كانت العقديات A سبب معظم حالات حمى النفاس.
    الأمراض النوعية
    ـ الحمرة érysipéle: التهاب هللي cellulite حاد يتصف بحمى وأعراض عامة، وكثرة الكريات البيض وبآفة جلدية حمراء تؤلم حين الجس وتتصف بأنها متوذمة ومنتشرة، ذات حواف واضحة الارتفاع في معظم الأحيان. ومن خصائص هذه الآفة الحمراء أن نقطة البدء المركزية فيها تميل إلى الانقشاع في حين تمتد في أطرافها. إن إصابة الوجه والطرفين السفليين بالحمرة شائع، كما أن تكرار الخمج كثير المصادفة.
    إن الإصابة بالحمرة أكثر حدوثاً بعد العشرين من العمر، وهي في النساء أكثر منها في الرجال، وظهورها فرادي حتى في أثناء أوبئة العقديات.
    تظهر الحمرة بعد خمج عقدي موضَّع ينشط بوجود ركودة وريدية أو لمفية، أو متلازمة كلوية، أو تربة مريض هشة لإصابته بالداء السكري أو بمناعة متدنية.
    إذا أصابت الحمرة الوجه كانت بدايتها صاعقة تتصف بعرواء، وارتفاع حرارة وآلام عضلية وصداع، ويكون الارتشاح أحمر اللون قاسياً ومؤلماً قرب منطقة دخول الجرثوم، ويتسع نحو المحيط، فيرسم الاحمرار شكل جناحي فراشة يمتدان على طرفي الأنف، ويكون الجلد المصاب مكسواً بحويصلات ونفاطات phlyctènes ويترافق بضخامة العقد اللمفية تحت الفك.
    يحدث الشفاء بعد 8 ـ10 أيام وبزمن أقل إذا تناول المريض صادات، لكن النكس كثير الحدوث لأن مدخل العقديات قد يكون غير واضح لوجوده في التهاب جلدي خلف الأذن، أو في مجرى السمع الخارجي، أو يكون نتيجة خمج سني.
    أمّا حمرة الأعضاء فأكثر ما تصيب الطرفين السفليين، وأغلب ما تشاهد في النسوة البدينات المصابات بقصور دوراني وريدي أو لمفي؛ لذا تشكل مدخَل الجرثوم قرحةٌ في الساق، أو جرح فيها، أو إصابةٌ فطرية في أظافر الأباخس.
    تتظاهر الإصابة سريرياً بساق ضخمة حمراء حارة، ويكون موضع الإصابة متوذماً، والطرف شديد الألم يزداد حدة في أثناء الحركة؛ كما يبدو الجلد أحمر لماعاً قد ترى عليه حبرات pétéchies متناثرة. ومع هذا ليس للاحمرار هنا حدود واضحة، كما هو الحال في حمرة الوجه، لعدم انتفاخ محيطه. وأما العقد اللمفية المنطقية فهي متضخمة.
    تتطلب إصابة الساق بالحمرة معالجة بالبنسلين عن طريق التروية perfusion الدائمة، مع إعطاء مضادات التخثر خشية حدوث مضاعفات كتشكل خثرات. ولابد من معالجة البؤر الجلدية المخاطية التي نشأ منها الخمج اتقاء حدوث نكس.
    ـ الحمى القرمزية: شكل من أشكال الأمراض التي تسببها العقديات، وتتميز بظهور طفح rash جلدي. لا تحدث هذه الحمى إلا إذا كانت ذرية العقديات منتجة لذيفان خارجي مولد للحمى يسمى الذيفان المحمر toxin erythrogenic، وكان المريض متحسساً لهذا الذيفان من دون أن يكون منيعاً ضده. وهناك ثلاثة أنماط مختلفة مناعياً للذيفان المسبب للاحمرار. كانت الإصابات بالحمى القرمزية في السابق كثيرة وخطرة، لكنها أضحت نادرة وذات أعراض أقل شدة، كما صار تشخيصها أكثر صعوبة. والحمى القرمزية خمج يسبب مضاعفات متأخرة كالتهاب كبيبات الكلى. لكنها تكسب مناعة، ووجود ثلاثة أنماط مستضدية للذيفان المحمر يعرض لخطر الإصابة بعقابيل. وأكثر ما تصيب الحمى القرمزية الأطفال في سن المدرسة، وهي نادرة عند الكهول واستثنائية في الرضع.
    تمتد الحضانة من 3ـ 5 أيام، وتكون البداية صاعقة تظهر بحمى تبلغ نحو 40 درجة وبآلام حنجرية وبطنية وإقياءات. ويبدي الفحص السريري التهاباً في الحلق وتضخماً في العقد اللمفية تحت الفكية، ثم تظهر اندفاعات وصفية تترافق بطفح في البدء على الصدر والعنق وجذور الأعضاء والثنايا ثم يمتد من دون أن يصيب راحتي اليدين وأخمص القدمين، كما لا يشمل الوجه، ولكن يلاحظ تورد الخدين وشحوب حول الفم. وقد يصاب المريض في الخمج الشديد بغثيان وقياء. ويحدث في أثناء النقاهة توسّف الجلد عند أطراف الأصابع والأباخس وبدرجة أقل في الجذع.
    تعالج الحمى القرمزية كما يعالج التهاب الحلق العقدي، لكن لابد من عزل المريض ومراقبة العناصر المرضية في بوله وحالة قلبه، كما يعطى المحيطون به علاجاً وقائياً بالبنسلين.
    ـ القوباء impétigo: تقيح جلدي كثير الانتشار وشديد العدوى للآخرين وللمريض نفسه. أكثر ما تصيب القوباء صغار الأطفال، وغالباً ما يتم ذلك في أواخر الصيف وفي الخريف في البلدان ذات المناخات الحارة.
    إن سبب القوباء هو المكورات العقدية A، ولكن قد يحدث خمج تال بالعنقوديات. وفي حال الإصابة بالقوباء الناجمة عن العنقوديات لابد من تمييزها من القوباء الناجمة عن العقديات لاختلاف المعالجة بينهما. قد تحدث القوباء على هيئة فاشيات.
    تتصف القوباء بظهور فقاعات حاكة حول الأنف والفم، وتتميز بأنها تحوي سائلاً قيحياً مصلياً. وسرعان ما تنفجر الفقاعات فتغطي سطحها طبقة وسوف كثيفة تسمى جُلْبة croûte.
    وهناك القوباء المتقرحة أو الأكتيمة ecthyma، وهي ضرب من القوياء تظهر حينما تكون الشروط الصحية التي يعيش فيها المريض سيئة، أو يكون مصاباً بسوء تغذية أو ذا تربة هشة جداً. وتتصف الأكتيمة أو القوباء المتقرحة، بظهور مجموعة قروح جلدية قيحية تغطيها جلبة ثخينة.
    تعالج القوباء بالبنسلين V، والأفضل منه السينرجستين synergestine مع استعمال مطهرات موضعية.
    ـ التهاب الهلل المواتي العقدي أو التهاب اللفافة الناخر fasciite nécrosante: آفة جلدية نادرة لكنها شديدة الخطورة. تصيب عادة الطرفين السفليين بعد حرق أو لدغة حشرة أو جرح، ولكن غالباً ما يبقى مدخل الجرثوم مجهولاً. تظهر في بدء الإصابة لويحة التهابية حول مدخل الجرثوم وبعد زمن يمتد من 24 إلى 48 ساعة تتحول اللوحة السريرية، إذ يأخذ الجلد لوناً توتياً تكسوه آفات فرفرية وناخرة مع ظهور فقاعات. تسير الآفة نحو الموات الجلدي مع خشارة sphacèle، وتظهر اندفاعات متقيحة ذات سطح واسع. تتصف الحال العامة للمريض بكونها سيئة مع حرارة مرتفعة واضطراب في الوعي وتجفاف.
    يظهر الفحص الجرثومي وجود عقديات مع جراثيم لا هوائية، وهناك عوامل تنشط هذه الإصابة كالبدانة والداء السكري والقصور القلبي.
    يمكن لالتهاب الهلل العقدي أن يصيب الطرفين العلويين والوجه والعنق والصدر.
    لابد في الإصابة من إجراء تشخيص سريع، ونادراً ما تكفي المعالجة بالصادات وحدها إذ لا بد من إجراء إنضارdébridement.
    ـ حمى النفاس: إصابة حادة تتظاهر بحمى وأعراض عامة وموضعية لصولة جرثومية على السبيل التناسلي وأحياناً الدوران الدموي، في مريضة بعد الولادة أو بعد الإجهاض. وكثير من الأخماج النفاسية تسببها جراثيم أخرى غيرالعقديات الحالة.
    ـ داء الرقص لسيدنهام Chorée de Sydenham: تقلصات عضلية لا إرادية، وتسبب تتابع حركات غير منتظمة وسريعة، وتقلصات في عضلات الوجه تزداد في الجهد والانفعال، وآلام مفصلية مبهمة. وهي مرض يصيب الطفولة الثانية ولاسيما الفتيات بين 5 و15 من أعمارهن. قريب جداً من الرثية المفصلية الحادة بعقابليه وتظاهراته القلبية وإسهام العقديات في إمراضه. يسير المرض نحو الشفاء في أشهر عدة ولكن النكس ممكن.
    يمكن أن تحدث عقديات من زمر أخرى أمراضاً في البشر. فالعقديات الحالة للدم بيتا من الزمرة B توجد في المهبل وقد يسبب وجودها إنتاناً في الوليد أو التهاب السحايا القيحي (أقل من أسبوع واحد من العمر)، وعقديات الزمرة D قد تسبب التهاب الشغاف تحت الحاد وأخماجاً في السبيل البولي.
    تعالج العقديات جملة بأنواع البنسلينات وقد يخفض العلاج تعرض المريض للإصابة بالتهاب كبيبات الكلي الحاد، والاريترومسين هو البديل حينما يكون المريض متحسساً للبنسلين، كما يمكن استعمال الكلنداميسين والسيفالوسبورين في حالة تعذر أخذ البنسلين أو الاريتروميسين، أما السلفوناميدات فهي غير فعالة في إزالة العقديات من الحلق ولا في منع المضاعفات غير القحية.
    عدنان تكريتي

  7. #677
    العقم

    العقم sterility أو عدم الخصوبة infertility هو عدم حدوث الحمل مع مرور سنة على زواج يُمارس فيه الجماع من دون احتياط لمنع الحمل، لذلك يسميه بعضهم فقدان الخصوبة اللاإرادي involuntary infertility تمييزاً له من عدم الحمل الإرادي باستعمال موانع الحمل.
    والعقم ليس مرضاً قائماً بذاته ولا متلازمة syndrome تتألف من مجموعة من الأعراض، وإنما هو (ظرف) أو (حالة) ناجمة عن إصابة أحد الزوجين أو كليهما بآفة أو أكثر، وهو ينجم عن آفة في الزوجة وحسب في 40% من الحالات، وعن آفة في الزوج في 40% من الحالات، وعن آفات في الزوجين معاً في نحو20% من الحالات، وتختلف هذه النسب قليلاً باختلاف الإحصاءات، لذا يجب التفتيش عن سبب العقم في الزوجين معاً لأن وجود سبب في أحدهما لاينفي وجود سبب في الثاني في الوقت نفسه، ولا تجدي لذلك معالجة أحد الزوجين إذا كانت في الزوج الآخر آفة تسبب العقم.
    والعقم نوعان: بدئي primary وثانوي secondary
    الأول هو الذي لا يحدث الحمل فيه بعد الزواج ولو مرت سنة أو سنتان أو أكثر، أما الثاني فيحدث الحمل فيه مرة أو أكثر من مرة ثم تتوقف الحمول بعد ذلك.
    يؤلف عدد مراجعات عيادات أمراض النساء من أجل العقم نحو نصف عدد المراجعات العام لكل الشكاوى النسائية الأخرى، بما فيها النزوف واضطرابات الطمث المختلفة والأورام على اختلاف أنواعها، وعدا ذلك من الآفات، وتبين في إحصاء قامت به اللجنة الوطنية لمراقبة نمو الأسرة في الولايات المتحدة الأمريكية أن نسبة العقم بلغت 13.3% في أزواج تراوحت أعمارهم بين 15 و42 سنة، وتختلف هذه النسبة باختلاف الفترة التي مضت على الزواج فقد تبين أن 50% من المتزوجات يحملن في الأشهر الخمسة الأولى من زواجهن، و50% من الباقيات يحملن في الخمسة الأشهر التالية أي إن 75% من النساء يحملن بعد عشرة أشهر من الزواج، وبعد 15 شهراً يبقى 12.5% وحسب من دون حمل، وتبين من إحصاء في الدانمارك أن 72% من النساء يحملن في الستة الأشهر الأولى من زواجهن، و82% يحملن في السنة الأولى، وبلغت نسبة الحمل في السنة الأولى في بعض الإحصاءات 90%.
    الأسباب
    لتبين أسباب العقم يجب الرجوع إلى معرفة طريقة حدوث الحمل، ولكي يحدث الحمل ويستمر يجب توافر أربعة عوامل أساسية: نطفة صالحة للتلقيح (من خصية الرجل)، وبيضة صالحة للتلقيح (من مبيض المرأة)، وطريق سليم لوصول النطفة للبيضة وتلقيحها (من المهبل وعنق الرحم والرحم حتى نهاية البوق الوحشية)، ووسط مناسب لاحتضان البيضة الملقحة ونموها (الرحم)، وكل نقص أو آفة أو اضطراب في وظيفة أحد هذه العناصر أو الأعضاء يمكن أن يؤدي إلى العقم، ولما كانت صحة كل هذه الأعضاء مرتبطة بصحة كثير من الأعضاء الأخرى، ولاسيما الغدد الصم ومفرزاتها، ومرتبطة كذلك بأسواء الشكل التي قد تكون فيها، أو بالأخماج التي قد تصيبها، أو بالرضوض التي قد تتعرض لها؛ فإن كل هذه العوامل قد تكون سبباً للعقم أيضاً.
    ويقال إجمالاً إن العقم قد يكون لسبب في المرأة أو لسبب في الرجل.
    العقم لدى المرأة
    أسبابه: يمكن تحري سبب العقم في كل عضو من أعضاء جهاز المرأة التناسلي، وقد تكون هذه الأسباب عضوية أو وظيفية:
    ـ فمن الأسباب في الفرج والمهبل: عدم انثقاب غشاء البكارة، وتشنج المهبل الشديد، والالتهابات المختلفة للفرج والمهبل بالجراثيم أو الفطور أو الطفيليات، والحجب المهبلية العرضية الكاملة، وبعض الحجب المهبلية الطولية الكاملة التي تقسم المهبل نصفين، ويكون عنق الرحم موجوداً في قعر أحد النصفين في حين يكون النصف الثاني خالياً، إذا حدث الجماع في هذا النصف الخالي.
    ـ ومن الأسباب في عنق الرحم: اضطراب مخاط عنق الرحم بفقده تماماً، أو خمجه، أو تغير نسبة حموضته pH، أو باحتوائه أضداداً ضد النطف antisperme antibodies مما قد يوقف سير النطف أو يضعفها أو يميتها.
    ـ ومن الأسباب في جسم الرحم: صغر حجمه (الرحم الطفلية) وتشوهاته الشديدة، والالتصاقات الكثيرة فيه (سواء الناجمة عن التدرن أم عن تجريف سابق جائر)، والمرجلات polypes والنويات الليفية fibromes تحت المخاطية، والعضال الغديadenomyosis.
    ـ ومن الأسباب في البوقين: سوء شكلهما، أو انسدادهما بخمج بدئي أو ثانوي حاد أو مزمن، أو إصابتهما بداء الانتباذ البطاني endometriosis، أو تزويهما بالتصاقات أو لجم خارجية بخمج صفاقي، أو بعواقب مداخلات جراحية سابقة، ولاسيماالزائدة الدودية أو انسداد الأمعاء.
    ـ ومن الأسباب في المبيضين: غيابهما أو قصورهما البدئي أو الثانوي، أو الاضطراب في المحور الوطائي hypothalamicالنخامي المبيضي، أو إصابتهما بمتلازمة المبيض المتعدد الكيسات polycystic ovary syndrome، أو بداء الانتباذ البطاني.
    ـ ومن الأسباب في محيط الجهاز التناسلي: الالتصاقات واللجم الصفاقية بسببب مداخلات جراحية سابقة، وداء الانتباذ البطاني الصفاقي، وأخماج الصفاق بالتدرن أو بالكلاميديا، والأورام التي تضغط البوقين.
    ـ وهناك العقم المناعي الناجم عن وجود أضداد في المرأة أو في الرجل تؤثر في النطف، فتمنعها من اجتياز المنطقة الشفافة zona pellucida في البيضة لتلقيحها.
    ـ وهناك العقم النفسي الذي قد ينجم عن التأثير النفسي المعروف في انقطاعات الطمث، وفي غيرها من الاضطرابات الوظيفية كالقصور اللوتئيني من منشأ وطائي نخامي.
    ـ وهناك أخيراً العقم العلاجي المنشأ iatrogenic: ذلك أن تخثير عنق الرحم قد يؤدي إلى تضيقه أو انسداده، والتجريف قد يؤدي إلى التصاقات، وتؤدي المداخلات في المبيضين أو البوقين أو في سطح الرحم الخارجي إلى التصاقات صفاقية، ويؤدي تصوير الرحم الظليل وأخذ الخزعة من باطن الرحم إلى الخمج، وكل هذه الأسباب قد تؤدي إلى العقم.
    خطة العمل
    يجب أولاً معرفة سبب العقم، ويبدأ ذلك بالاستجواب الدقيق الذي تعرف به سوابق المريضة العامة والنسائية والولادية وإذا ما كانت قد أصيبت بآفة تؤثر في وظيفة المبيضين كالتدرن والنكاف والحمى التيفية، أو بآفة من الآفات المنتقلة جنسياً، أو كانت بضعت لإصابتها بالزائدة الدودية مثلاً أو بغيرها، مما يخلف التصاقات تسد البوقين، و تُعرف به طبيعة دورتها الطمثية وما قد تشكوه من أعراض توجه نحو الإصابة بآفة ما كالبلوغ المتأخر أو تباعد الطموث، وتعرف طبيعة الجماع مع الزوج، وإذا ما كانت صحيحة، وتجري في الأوقات المناسبة أم لا، وتعرف الإصابة بآفات خارج الجهاز التناسلي قد يكون لها تأثير فيه كآفات الغدد الصم، ولاسيما النخامى والدرق والكظر.
    بعد هذا الاستجواب تفحص المريضة فحصاً سريرياً دقيقاً تكشف به آفة تعلل العقم، أو يوجه نحو الاستقصاءات الضرورية للوصول إلى معرفة السبب.
    وتسير الاستقصاءات بمراحل متدرجة، تبدأ بالتأكد من وجود البيض لدى المرأة، والنطف لدى الزوج ونفوذ الطريق الموصل بينهما، وسلامة الرحم.
    ويفحص السائل المنوي، فإن كان ضمن النسبة الطبيعية[ر. العقم في الرجل] استُبعد الزوج وأُكملت الاستقصاءات لدى الزوجة، أما إذا كان فحص السائل المنوي غير طبيعي؛ فيستكمل فحص الزوج بالوسائل الخاصة[ر. العقم في الرجل] من قبل طبيب أخصائي.
    للتأكد من وجود البيض في المبيض ثمة طرائق كثيرة منها الخزعة biopsy من بطانة الرحم واللطاخة المهبلية vaginal smearوالفحص بالصدى echography وتنظير جوف الحوض endoscopy.
    ويُعرف نفوذ الطريق الموصل بتصوير الرحم والملحقات الظليل hysterosalpingography، وبتنظير جوف الحوض، ويُفتش عن سلامة بطانة الرحم بالفحص بالصدى وبتنظير جوف الرحم hysteroscopy.
    فإذا ما وُجدت في هذه الاستقصاءات آفة ما تعلل العقم عولجت بالعلاج المناسب حتى التأكد من شفائها، فإن لم يحدث الحمل بعد ذلك، أو إن لم يكشف في الاستقصاءات التي أُجريت سبب العقم؛ أجريت استقصاءات أكثر عمقاً، كتحري السبب المناعي بإجراء اختبار ما بعد الجماع post-coital test أو الاختبارات الأخرى الدالة على ذلك، وعيار الهرمونات التناسلية النخامية والمبيضية وتحري سلامة الأعضاء والغدد التي يمكن أن يكون لأمراضها أو لاضطراب مفرزاتها تأثير في العقم كالغدد الدرقية والكظر، ويفتش أيضاً عن العوامل النفسية في أحد الزوجين أو في كليهما.
    تتطلب هذه الاستقصاءات صبراً طويلاً، فضلاً عن كلفتها الباهظة، ولذلك يجب السير فيها تدريجياً من دون إفراط في الطلب ومن دون تكرارها إلا حين الضرورة.
    وقد لا يكشف سبب العقم بكل ما ذكر من وسائل، ويقال حينئذ إنه عقم مجهول السبب أو عقم غير مفسر unexplained infertility، وتبلغ نسبة مشاهدة هذا العقم حوالي 10 إلى 15% من مجمل حوادث العقم، والمأمول أن تقل هذه النسبة مع تطور وسائل التشخيص والعلاج، ويسبب العقم لكل هذا مشكلة اجتماعية كبيرة قد يتغلب شأنها الاجتماعي هذا على شأنها الطبي في كثير من المجتمعات ولاسيما في المجتمع الشرقي.
    المعالجة
    قد تكون المعالجة بالانتظار وإسداء بعض النصائح في الحالات التي لم يكشف فيها الفحص السريري سبباً للعقم وراجع فيها الزوجان باكراً قبل مرور سنة على زواجهما على صغر في السن، أو كان الجماع يجري في غير الأوقات التي يحدث فيها الحمل.
    أما إذا عرف السبب سواء بالفحص السريري أو بالاستقصاءات المتممة فيعالج هذا السبب وتكون المعالجة:
    ـ دوائية، كما في الأخماج والاضطرابات الغدية المختلفة، وداء الانتباذ البطاني، أو المبيض المتعدد الكيسات.
    ـ جراحية بعد إخفاق المعالجة الدوائية، كما في داء الانتباذ البطاني والمبيض المتعدد الكيسات.
    ـ جراحية مباشرة، كما في استئصال النويات الليفية، وكيسات المبيض، وتشوهات الرحم الخلقية، وانسداد البوقين.
    ـ والجراحة، يمكن أن تكون حسب الحالة جراحة مدرسية، أو جراحة صغرية microsurgery، أو جراحة تنظيرية laparoscopic surgery.
    ـ ويلجأ إلى الإخصاب المساعد (طفل الأنبوب) في الحالات التي تخفق فيها المعالجات المختلفة، أو يُلجأ إليه مباشرة لدى كبيرات السن والمصابات بآفات من المعروف أن نسبة نجاح المعالجة فيها ضئيلة كانسداد البوقين أو قصور المبيضين الشديد.
    وتختلف نتائج كل هذه المعالجات بما فيها الإخصاب المساعد حسب سن المريضة ومدة العقم والمعالجات السابقة وشدة الآفات المسببة الحادة منها أو المزمنة، وإذا ما كان هناك سبب واحد أو أكثر لدى الزوجة وحدها أو في الزوجين، وغير هذا من العوامل.
    ولذلك يصعب كثيراً التنبؤ بالنتيجة، ومن المفضل أن تعرف المريضة مسبقاً كل هذه الأمور، وأن تشترك في إعطاء قرار نوع المعالجة إذا كانت هناك طرائق مختلفة، بعد شرح ميزات كل طريقة ومحاذيرها ونسبة نجاحها.
    العقم لدى الرجل
    الأسباب
    1ـ يشكو 85% من الذكور العقيمين من نقص أو خلل في إحدى مراحل تكون النطف، بدءاً من عدم تصنع الخلايا المنتشة الأصلية aplasia of germ cells الخلقي إلى توقف تام أو جزئي في إحدى مراحل تكون النطف spermatogenic arrest. وأسباب الحالة الأخيرة كثيرة منها: القصور النخامي المترافق بقصور خصوي، والقصور الخصوي البدئي (خلل وراثي في الخلايا المنتشة الخصوية)، والإصابة السابقة بعد البلوغ بالتهابات الخصية وخاصة التهاب الخصيتين النكافي، أو الإصابة بانفتال الخصيتين، وما يتلوه من حدوث ضمور فيهما، أو الإصابة بسرطان الخصية المعالج بالجراحة والأشعة ومضادات الانقسام الكيمياوية واستئصال العقد خلف الصفاق، وتعرُّض الخصيتين للأذيات الحرارية أو الشعاعية لأمد طويل.
    2ـ انسداد الأقنية الناقلة للنطف (ولاسيما بعد الإصابة بالتهاب البربخ المزدوج)، أو أذيتها إثر مداخلة جراحية (جراحةالفتوق والقيلة وإنزال الخصيتين)، أو غياب قسم منها خلقياً (فقد الاتصال بين البربخ والأسهر أو غياب الحويصلين المنويين).
    3ـ تعد العوامل الآتية من الأسباب المؤدية للعقم لكثرة مشاهدتها عند المصابين به، ولتحسن الصيغة المنوية بعد معالجة هذه الأسباب:
    ـ دوالي الحبل المنوي، والإصابة بعدم نزول الخصية أو الخصيتين، ولاسيما إذا تأخر إنزالهما لما بعد البلوغ، والقيلة المائية المزمنة، ولاسيما المزدوجة.
    ـ استعمال السراويل الضيقة التي ترفع الخصية نحو الأعلى قريباً من جوف البطن لمدة طويلة، مما يعرضها لحرارة مرتفعة، كذلك تعرض الخصيتين للحرارة الموضعية العالية كما في بعض المهن (العاملين أمام الأفران).
    ـ تعرض الخصيتين للإشعاعات، ولاسيما الأشعة السينية، إما بسبب مهني، أو في أثناء معالجة المريض بالأشعة.
    ـ عدم حصول الدفق: ويشاهد بعد المداخلات الجراحية على عنق المثانة أو استئصال الموثة (البروستات) أو بعد استئصال العقد الودية الحوضية في سياق استئصال العقد اللمفية خلف الصفاق، وقد يُشاهد عند المصابين بآفات عصبية أو بالسكري، أو يحدث لأسباب نفسية.
    الأعراض
    العرض الرئيس هو عدم الإنجاب. وينبغي الانتباه للأمور الآتية في استجواب الزوج:
    ـ الأمراض التي أُصيب بها سابقاً، ولاسيما في طفولته وفي سن البلوغ مثل: (التهاب الخصيتين النكافي، وعيوب هجرة الخصيتين: نوعها ومعالجتها والزمن الذي أُجريت فيه هذه المعالجة، والتدرن البولي التناسلي).
    ـ العمليات الجراحية ذات الصلة التي أُجريت له مثل: عمليات الفتق والقيلة وإنزال الخصية أو الخصيتين، أو ربط الأسهرين.
    ـ السوابق الرضية للخصيتين.
    ـ السوابق الالتهابية (التهاب البربخ بصورة خاصة)، التهابات الإحليل والموثة المزمنة.
    ـ هل له أولاد من زوجة سابقة؟.
    ـ تواتر الجماع وهل يتبع في ذلك نظاماً معيناً؟، وهل يحدث الدفق المنوي طبيعياً؟.
    ـ تعرضه للأذيات الفيزيائية (حرارية أو شعاعية)، أو استعماله المعالجات الكيمياوية.
    العلامات
    يُفحص الجسم عامة بحثاً عن علامات متلازمة غدية (الوزن، والطول، وتوزع الأشعار، وحالة الثديين)، وتُفحص الأعضاء التناسلية بحثاً عن الآفات المرضية أو الخلقية فيها.
    1ـ العلامات المخبرية:
    آ ـ فحص المني: هو أهم فحص في استقصاء الزوج العقيم، ويشترط في فحص المني أن يستخرج بعد امتناع عن الجماع لمدة 2 إلى 3 أيام، ويوضع كاملاً في وعاء جاف زجاجي، ويفحص خلال ساعة من خروجه ويشمل هذا الفحص عدد النطف ونشاطها وتحري الفركتوز في السائل المنوي، وقد حددت منظمة الصحة العالمية بعد دراسة الإحصاءات الأرقام الآتية بوصفها الحد أدنى للقيم الطبيعية:
    ـ حجم السائل المنوي المقذوف volume: أكثر من 2سم3.
    ـ درجة الحموضة pH: ن7.2ـ 7.8
    ـ اللزوجة: متوسطة لأن زيادة اللزوجة تترافق بنقص القدرة على الإنجاب، وينجم عن وجود كمية كبيرة من الكريات البيضفي السائل، أو عن وجود راصات مناعية فيه.
    ـ كثافة النطف في السائل المنوي: أكثر من 20 مليون/سم3.
    ـ عدد النطف في السائل المنوي المقذوف total sperm count: لايقل عن 40 مليون كل مرة من النطف الصحيحة الشكل.
    ـ الحركة motility: صُنفِّت درجة حركة النطف بين الصفر وهو انعدام حركة النطف إلى 4 وهي حركة النطف الشديدة وتقدمها نحو الأمام، ويجب ألا تقل الحركة عن الدرجة الثانية في معظم النطف، ولوحظ أن مؤشر الحركة أكبر شأناً من عدد النطف في الدلالة على القدرة على الإنجاب.
    ـ الأشكال الشاذة abnormal forms: يجب أن لا تزيد على 15 إلى 20%.
    ـ الفركتوز fructose: ن200 إلى 450 ميلي غرام/ديسي ليتر.
    ب ـ فحص البول بعد الجماع: لتحري وجود النطف في البول عند المصابين بانعدام الدفق المنوي مما يدل على أنهم مصابون بالقذف الراجع إلى المثانة.
    ج ـ معايرة الحاثة النخامية F.S.H في الدم: ويجب إجراؤها عند كل مصاب بفقد النطف، إذ إن زيادتها ضعفين أو ثلاثة أضعاف على الحد الطبيعي (1.8ـ 9 ميلي وحدة أممية/ميلي ليتر) يدل على قصور خصوي بدئي ينذر بالعقم.
    2ـ الخزعة الخصوية test-biopsy: وتُجرى في كل حالة تُفقد فيها النطاف، وتكون الخصيتان بحجم طبيعي ويكون مقدار الـF.S.H طبيعياً. وتفيد للاستدلال على وجود الخلايا المنتشة وتطورها نحو إنتاج النطف، ويمكن أن يشخص بوساطة الخزعة وقف تطور نضج النطف maturation arrest وهي حالة لاتفيد فيها المعالجة أياً كانت.
    وللخزعة حالياً شأن في معالجة بعض حالات فقد النطف من السائل المنوي أو ندرتها؛ إذ يمكن أخذ خزع من الخصية بحثاً عن حيوانات منوية ولو قليلة قد تكون موجودة في بعض أجزائها، وذلك تمهيداً لعزل هذه الحيوانات وتلقيح البيضة بها خارج الجسم، أو ما يسمى بالإلقاح المساعد بطفل الأنبوب، أو بحقن النطفة ضمن البيضة.
    المعالجة
    تكون المعالجة حسب السبب، وقد ذُكِرتْ سابقاً أهمية الإصابة بدوالي الحبل المنوي؛ إذ ثبت أن50% من المصابين بها يصبحون قادرين على الإنجاب بعد إجراء العملية الجراحية لهذه الدوالي.
    1ـ المعالجات المساعدة على الإخصاب: ويلجأ إليها عند المصابين بنقص شديد في عدد الحيوانات المنوية oligospermiaأو في نشاطها أو بانسداد في الطرق المنوية لم يمكن إصلاحه جراحياً أو بغياب خلقي في الحويصل المنوي.
    2ـ المعالجات الجراحية: تجرى للمصابين بانعدام النطف في المني بسبب انسدادي وتقوم على:
    ـ المفاغرة الأسهرية الأسهرية، والمفاغرة الأسهرية البربخية، وتتطلب خبرة في الجراحة التنظيرية.
    ـ فتح القناة الدافقة عن طريق تنظير الإحليل في حال انسدادها.
    وحين إخفاق هذه المعالجات يُلجأ إلى طرق الإخصاب المساعد، وتجرى المعالجة الجراحية اللازمة لتشوهات القضيب التي تعوق وصول المني إلى داخل مهبل المرأة، كحالات الإحليل التحتاني أو الفوقاني المتقدمة، ولاسيما المترافقة بانحناءات في القضيب.
    إبراهيم حقي، وليد نحاس

  8. #678
    العمى وعمى الألوان

    العمى la cécité هو فقد الرؤية فقداً تاماً مع غياب الإحساس بالضوء، وقد تكون كرة العين موجودة أو مستأصلة وهذا هو العمى المطلق، وهناك من الناحية الطبية الشرعية ما يدعى بالعمى القانوني الذي يعد بحكم الكفيف من كانت فيه حدة الرؤية بالعين الجيدة أقل من عشرة بالمئة أو كانت الساحة الإبصارية متضيقة لأقل من عشر درجات. وتختلف هذه النسب من بلد إلى آخر، ففي فرنسا يعد كفيفاً من كانت رؤيته بالعين الجيدة تساوي 5% أو تقل عنها، وفي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة إذا كانت الرؤية تساوي 4% أو تقل عنها.
    الانتشار
    تختلف نسبة الإصابة بالعمى بين السكان بحسب ما يكون البلد نامياً أو صناعياً، كما تختلف باختلاف العمر في الطفولة أو الشباب أو الكهولة (في الولايات المتحدة أكثر من 50% من العميان فوق سن 65)، وتختلف أيضاً حسب ما يكون العمى مطلقاً أو نسبياً أو حسب ما يستفيد المريض من المعالجة أو الوقاية، ويمكن تجنب 80% من أسباب العمى في الدول النامية. وتقدر نسبة حدوث العمى في البلاد الفقيرة عامة بحدود 2 ـ 5% وفي الدول المتطورة بحدود 1ـ 3%.
    الأسباب
    تختلف الأسباب باختلاف العمر ففي الطفولة تشاهد التشوهات الولادية والاستحالات الوراثية، وفي الكبر تشاهد الأسباب المكتسبة بالحوادث والرضوض والأورام العينية والدماغية والأمراض المرتبطة خاصة بالعمر (الساد cataracte، والزرق glaucome، وانفصال الشبكية décollement rétinien، واستحالات الشبكية واللطخة الصفراء macula lutea) والالتهابات خاصة التهاب العنبةuvéite. ويمكن إعادة الرؤية لبعض أصحاب حالات العمى (كالعمى الناجم عن الساد، وهو ما يسمى بالماء الأبيض، ويعد في طليعة الأسباب المؤدية للعمى وانفصال الشبكية)، كما يمكن تجنب حدوث العمى بمكافحة الأسباب التي تؤدي إليه كما في مكافحة التراخوما (الحثر) في البلاد النامية والفقيرة، والتهابات العين والعصب البصري ومراقية الزرق (الماء الأسود) بأنواعه الخلقي والمفتوح الزاوية والمغلق الزاوية. وإهمال المعالجة الدوائية أو الجراحية يؤدي إلى ضمور العصب البصري وفَقْد الرؤية. كذلك مراقبة سكر الدم قبل حدوث اعتلال الشبكية المنمي وفقد الرؤية، وهنا يبرز نشاط الجمعيات ومنظمات مكافحة العمى، التي تقوم بنشر الوعي الصحي وإجراء الفحوص العينية الدورية من قبل المتخصصين للكشف المبكر عن الحالات المهددة للرؤية والمؤدية إلى العمى.
    تصنيف العمى
    هناك أشكال عدة من العمى وهي: العمى المحيطي، والعمى القشري أو المركزي، وعمه الرؤية agnosie visuelle أو العمى النفسي، وهناك شكلان يطلق عليهما تجاوزاً العمى؛ وهما العمى الليلي والعمى النهاري.
    ـ العمى المحيطي cécité périphérique: يحدث بإصابة الشبكية والطريق البصري وتختلف الأسباب عند الأطفال واليفع عنها لدى البالغين والكهول.
    ـ الأسباب عند الأطفال واليفع: يأتي في طليعة الأسباب الاستحالات الوراثية للشبكية واللطخة الصفراء، والتليف خلف البلورة، وصغر المقلة microglobe، واستحالات القرنية، والتهابات الشبكية والمشيمة المركزي بسبب الإصابة بداء المقوسات (توكسوبلاسموز)، وضمور العصب البصري، والزرق الولادي (يعالج جراحياً)، والساد الولادي والرضي والمرضي (يعالج جراحياً) والرأراة nystagmus، والبهق vitiligo، وجفاف الملتحمة والقرنية، والتهابات القرنية العقبولية.
    ـ الأسباب عند البالغين والكهول: يأتي في طليعة الأسباب:
    ـ الساد بأنواعه (الرضي والشيخي والمرضي) ويعالج جراحياً بإخراج العدسة المكثفة وزرع عدسة صنعية في مكانها.
    ـ الزرق بأنواعه المختلفة الولادي والمفتوح والمغلق الزاوية والثانوي، وإن المراقبة الصارمة وتطبيق العلاج الدوائي والجراحي في بدء الإصابة يحول دون حدوث العمى.
    ـ الداء السكري: يصيب السكري غير المضبوط الشبكية بعد عشر سنوات من الإصابة، لذلك يجب مراقبة الشبكية بالفحص الدوري والمعالجة بالليزر عند ظهور اعتلال الشبكية قبل تطوره إلى اعتلال شبكية منمي، وظهور مضاعفاته السيئة التي تنتهي بالعمى.
    ـ التراخوما: وكان من أهم أسباب العمى، وقد انحسر انتشاره ولم يبق إلا في بعض البلاد النامية والمتخلفة صحياً واقتصادياً.
    ـ أسباب أخرى: الأمراض الطفيلية داء المقوسات (توكسويلاسموز) والتهاب العين (داء بهجت)، واستحالات اللطخةالصفراء المرتبطة بالعمر، وقد زادت نسبتها بارتفاع متوسط العمر، واعتلالات الشبكية الوراثية، وحسر البصر myopie الشديد والخبيث، وحوادث السير، ومن الملاحظ أن عيون المصابين بالعمى المحيطي ذات مظهر خاص تكون فيه كرة العين سليمة، وتنظر غالباً للأعلى مع رأرأة وتكون الحدقتان متسعتين وغير متفاعلتين بالضوء.
    ـ العمى القشري أو المركزي cécités centrales ou corticales: تكون الإصابة مركزية في الدماغ في الفص القفوي، والرؤية فيه مفقودة، وفيه مظهر العينين طبيعي، والحدقتان متفاعلتان وتنقبضان بالضوء؛ لأن ألياف المنعكس الحدقي المرافقة للألياف البصرية تنفصل عنها قبل أن تصل للقشر القفوي وتلتحق بالطريق الجابذ centripéte للمنعكس.
    المصاب بالعمى القشري يصاب غالباً باضطراب التوجه désorientation في الزمان والمكان فهو غير قادر على التوجه في الغرفة التي يسكنها منذ سنوات، كمعرفة موقع الباب أو تناول أغراضه الموضوعة في أمكنة ثابتة، كما أنه لا يتمكن من تحديد مصدر صوت المتكلم معه ويطلق عليه كفيف في العدم néant، بينما الكفيف المحيطي يكتسب بسرعة حس التوجه ويتمكن من التغلب على الإعاقة البصرية، فيخدم نفسه ويتنقل بمساعدة عكازه من مكان إلى آخر.
    العمى القشري الحقيقي قليل المصادفة، وهو اضطراب مؤقت عامة، يتراجع غالباً ليترك نقصاً في الساحة الإبصارية (عمى شقي hémianopsie) قد يكون دائماً.
    الأسباب: ينجم العمى القشري إما عن تخريب في القشر الدماغي البصري القفوي أو تخريب في الألياف البصرية التي ترتبط بالجسم الركبي الوحشي وتحدث هذه الإصابة إما بأسباب وعائية (النزف أو التشنج) أو أسباب سمية أو رضية أو التهابية (التهاب الدماغ أو أورام بدئية أو انتقالية).
    ـ عمى الرؤية أو العمى النفسي: هذا الشكل الخاص من اضطراب الرؤية ليس عمى حقيقياً، فالمصاب يرى الأشياء ويصف الشكل ويحدد أحياناً اللون، إلا أنه غير قادر على تعرف الأشياء إلا إذا تدخلت حاسة أخرى كاللمس أو السمع، فهو مصاب بفقدان الذاكرة البصرية amnésie optique. ينجم العمى النفسي عن إصابة في المنطقة الجدارية القفوية للقشر الدماغي.
    ـ العمى الليلي nyctalopie: ويطلق عليه العشاوة أو العشى الليلي وهو صعوبة الرؤية في الظلام أو تعذرها ويشاهد في نقص الفيتامين A أو نقص التغذية (كالدنف أو نقص امتصاص الدسم الذي ينحل فيها فيتامين A)، والتهاب الأمعاء، والتهاب الكبد المزمن. ويشفى العمى الليلي بمعالجة السبب، ويشاهد العمى الليلي كذلك في اعتلالات الشبكية الوراثية، كما في التهاب الشبكية الصباغي، وهو مرض ولادي وراثي وينتهي بالعمى، وليس لهذه الحالات أي علاج حتى اليوم، كما يشاهد في الحالات المتقدمة من الزرق، وفي الحالات المتقدمة من التهاب العصب البصري.
    ـ العمى النهاري héméralopie: وهو صعوبة الرؤية في النهار ويشاهد في الكثافات القرنية المركزية وفي الساد النووي ويمكن علاجهما، كما يشاهد في توسع الحدقة الدوائي أو المرضي وفي عمى الألوان وفي حالات المهق albinisme.
    اندماج الكفيف في المجتمع
    لا تجعل الإعاقة البصرية من الكفيف عالة على المجتمع إلا في المجتمعات المتخلفة جداً، أما في البلاد المتطورة فقد أنشئت كثير من الجمعيات والمؤسسات لمكافحة العمى والأخذ بيد الكفيف ليتغلب على إعاقته ويكون عنصراً منتجاً وفعالاً. يتعلم الكفيف القراءة والكتابة بطريقة بريل[ر] Louis Braille، كما أفادت التقانات الحديثة البصرية والسمعية كالفيديو والحاسب الصوتي، والماسحات الضوئية، والطباعة ذات الأحرف الكبيرة، وابتكارات التكبير المستخدمة في الرؤية المتدنية، والأجهزة الإلكترونية التي تحول الكتابة إلى أحرف ملموسة. وقد ألزمت الدولة السورية الوزارات والشركات تعيين نسبة من الكفيفين في وظائف تتماشى مع المهن التي يجيدونها، كالعمل على الآلة الكاتبة (سواء العادية أو الكهربائية) وفي مقاسم الهاتف. وقد برع العميان في صناعة الفراشي والسلال وتقشيش الكراسي والتدليك والمعالجات الفيزيائية، ومنهم كثير من الموسيقيين والأدباء والشعراء. والمجالات مفتوحة أمامهم ليسهموا في بناء المجتمع وتقدمه وتطوره.
    عمى الألوان cécite des couléurs
    عمى الألوان هو عدم رؤية الألوان التام أو خلل في التمييز فيما بينها، ويكون ذلك إما ولادياً وراثياً يظهر منذ الطفولة، أو يكون مكتسباً يظهر فيما بعد لإصابة في العصب البصري والشبكية.
    وليس الكشف عن اضطراب رؤية الألوان ذا أهمية من الناحية المرضية؛ إذ لا يشكو المصاب من أي إزعاج يلزمه مراجعة اختصاصي العيون، إلا أنه مع تطور الحياة والحاجة في بعض المهن للألوان كالصباغين والرسامين والكيميائيين والمزينين وكذلك تطور وسائط النقل الجوية والبرية والبحرية، كل ذلك جعل لزاماً على الأطباء أن يقوموا بالتحري عن أي خلل في رؤية الألوان واستبعاد الأفراد المصابين عن الوظائف والمهن التي تستدعي سلامة رؤية الألوان.
    من المعلوم أن الضوء يتحلل إلى ألوان الطيف المرئي بدءاً من البنفسجي والأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي وانتهاء بالأحمر إضافة إلى الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء غير المرئية. وأقصر الموجات المرئية البنفسجي وطولها 375 نانومتراً وأطولها الأشعة الحمراء وطولها نحو 760 نانومتراً. وبمزج هذه الألوان بنسب مختلفة يُحصل على ألوان عدة. وإن عدم رؤيتها أو الخلل في التفريق بينها يميز الشخص الطبيعي من المصاب.
    ـ عمى الألوان الولادي الوراثي cécité congénitale achromatopsique: هو حالة ولادية وراثية مرتبطة بالجنس، تنتقل بصفة مقهورة (صاغرة) على الصبغي X chromosome، يصادف عند الذكور بنسبة 8% وعند الإناث بنسبة 0.5%، وذلك لأن لدى الذكور الصبغيان إكس واي XY وعند الإناث إكسان XX، ويبدو أن الإصابة تنجم عن نقص أو شذوذ في الأصبغة الحساسة للضوء في المخاريط الموجودة في اللطخة الصفراء، ويمكنها في الحالة الطبيعية أن ترى جميع الألوان ولاسيما الأحمر والأزرق والأخضر trichromate، ويمكن من خلط أو مزج هذه الألوان الحصول على كل الألوان.
    ـ تصنيف عمى الألوان الولادي الوراثي: الشخص الطبيعي هو الذي يرى هذه الألوان ويميز بعضها من بعض. قد لايرى المصاب بعمى الألوان التام أي لون monochromatopsie كأنه يرى فيلماً قديماً بالأسود والأبيض، أو يرى لونين dichromatic، وعدم رؤية اللون الثالث يؤدي إلى تشويش شديد في رؤية الألوان، فالشخص الطبيعي يمكن أن يميز أكثر من 200 لون مختلف، تتركب كلها من الألوان الأخضر والأحمر الأزرق بنسب متفاوتة.
    إن عمى الألوان التام نادر جداً وما يشاهد هو عمى الألوان الجزئي أو النسبي الذي يحتاج المصاب فيه إلى معرفة اللون إلى إنارة شديدة (أكثر من 150 شمعة) وإلى وقت أطول، كما أن التلاؤم والتعب يظهران باكراً.
    ـ عمى اللون الأحمر protanopie: أو الدالتونية نسبة للكيميائي Dalton الذي كان مصاباً بهذه الحالة ووصفها جيداً بنهاية القرن الثامن عشر، فلايرى المصاب اللون الأحمر الذي يبدو قاتماً، ولا يميز بين اللون الكستنائي الغامق والأحمر القرمزي، وبين اللون الأحمر والأخضر فلايرى الكرز الناضج بين الأوراق الخضر، كما لايرى الإشارة الضوئية التي تبدو له مطفأة ويتعرفها من موقعها في القسم العلوي من عمود الإشارة، ومن هنا نشأت خطورة السائق المصاب بالدالتونية.
    ـ عمى اللون الأخضر deutéranopie: لايرى المصاب اللون الأخضر، ويرى الإشارة الضوئية الخضراء مطفأة ويميزها من موقعها في الأسفل، ومن هنا خطورة السائق المصاب بهذه الحالة، كما أنه لايميز اللون الرمادي من اللون الأرجواني، أو الأخضر من البرتقالي.
    ـ عمى اللون الأزرق tritanopie: لايرى المصاب اللون الأزرق ولايميز بين اللون الأزرق والأصفر، أو الأخضر والأصفر، أو بين الأصفر والرمادي، وهذا النوع نادر جداً.
    ليس لعمى الألوان الولادي التام علاج إلا أنه نادر جداً، وأكثر ما يشاهد هو النقص الجزئي أو النسبي للون الأحمر والأخضر والأزرق، وأخيراً يمكن أن تضاف بعض الحالات الخاصة المتعلقة بالألوان كوهن رؤية الألوان asthénopie de la visiondes couleurs الذي تكون فيه رؤية الألوان جيدة في حالة الراحة وتضطرب بعد 15 ثانية من التعرض للألوان.
    ـ عمى الألوان المكتسب achromatopsie acquise: يجب النظر في عمى الألوان المكتسب إلى عوامل عدة مرافقة، كحدة الرؤية والساحة الإبصارية وإصابات الشبكية والعصب البصري.
    غالباً ما يكون اضطراب رؤية الألوان وحيد الجانب أو حتى في جزء من الساحة الإبصارية، وذلك بحسب موقع الإصابة، فيشاهد اضطراب في رؤية الألوان على المحور أحمر ـ أخضر في أمراض العصب البصري (ضمور العصب البصري، والتهاب العصب البصري خلف المقلة) وفي الانسمام الكحولي والانسمام بالستركنين strychnine والسانتونين santonine، في حين يشاهد اضطراب رؤية اللون الأزرق في أمراض الشبكية كما في انفصال الشبكية، واعتلال الشبكية المركزي المصلي واستحالات اللطخة الصفراء.
    يكتشف المصاب بعمى الألوان المكتسب إصابته بسرعة، فقد كانت رؤيته للألوان طبيعية، ثم يلاحظ أنه طرأ عليها تغير، ولذا يمكنه أن يصف بدقة اللون المفقود والخلل الذي حدث، وعليه أن يراجع طبيب العيون من فوره ليكتشف موقع الإصابة ويصف له العلاج اللازم.
    تشخيص عمى الألوان

    اختبار متساوي اللون الكاذب "لوحات مختارة من دفتر إيشيهارا"
    لا يعتمد تشخيص عمى الألوان على استجواب المصاب لأنه يجهل إصابته، وخاصة في عمى الألوان الولادي، إلا إذا كان دقيق الملاحظة وكان عمله على صلة بالألوان. فالسائق لايرى الضوء الأحمر والضوء الأخضر ويعرفهما من موقعهما على عمود الإشارة الضوئية، ويتعلم أن ورق النبات أخضر وأن الكرز أحمر والسماء زرقاء وربما أعتقد أن كل الناس مثله في حين ينتبه المصاب باضطراب رؤية الألوان المكتسب فوراً إلى الخلل الذي طرأ على رؤية الألوان ويراجع الطبيب.
    يعتمد تشخيص عمى الألوان أو اضطراب رؤية الألوان على فحوص واختبارات عدة، وأكثرها شيوعاً وأسهلها استعمالاً، خاصة في الاختبارات الجماعية لوحات إيشيهارا Ishihara (كما في الشكل المرفق) حيث يوجد أربع لوحات مرقمه:
    ـ يقرأ الشخص السوي الرقم 5 في اللوحة 1، في حين يقرأ المصاب رقم 2 أو لايرى شيئاً.
    ـ لا يرى الشخص السوي أي رقم في اللوحة 2 في حين يرى المصاب رقم 2 فيها.
    ـ يقرأ الشخص السوي في اللوحة 3 الرقم 2، في حين لا يرى المصاب شيئاً.
    ـ يقرأ الشخص السوي في اللوحة 4 رقم 26، في حين يقرأ المصاب بعمى اللون الأحمر الرقم 6، والمصاب بعمى اللون الأخضر الرقم 2 فقط.
    المعالجة
    ليس هناك علاج لعمى الألوان ولاسيما الولادي، وقد تساعد بعض العدسات العاتمة والحمراء على تعرّف الألوان ـ نوعاً ما ـ كمرشحات كروماجين Chromagen التي تغير سوية كل لون، وتزيد من حساسية التلقي والتمييز بين الألوان، وتجرب مجموعة المرشحات على المصاب حتى إذا حسنت إحداها أوامر الألوان تعطى له على شكل نظارات أو عدسات لاصقة فهي وسيلة مساعدة وليست علاجية. أما في عمى الألوان المكتسب فيعالج السبب إذا كان له علاج.
    جوزيف فتوح

  9. #679
    العناية المشددة

    لم يعد ممكناً لطبيب، في مجال عناية المرضى الحرجين، أن يقدم العناية الناجعة بمفرده، فالمريض الذي ألمَّ به مرض هدد حياته، كما في حالات القصور التنفسي الحاد أو القصور القلبي أو السبات العميق أو ما شابه ذلك، يحتاج لمعالج يتحكم بتنفسه وبمقدار ما يتناوله من سوائل وأغذية، ويراقبه دوماً حتى يشفى. يتطلب مثل هذا الواجب الطبي إلى ما يسمى اليوم جهاز العناية المشددة أو العناية المركزة intensive care. ويعد مختبراً فيزيولوجياً بشرياً تتوافر فيه كل الوسائل لتحقيق الأهداف العلاجية كاملة.
    ترجع فكرة «العناية المشددة» إلى الزمن الذي تطورت فيها علوم الفيزيولوجية البشرية مما أدى إلى فهم حقيقي لفيزيولوجية الجسم البشري، ومعرفة أوضح لظاهرة الموت ومراحله. فأدى فهم وظيفة الأكسجة إلى القول إن ظاهرة الحياة ما هي إلا عملية كيميائية مؤكسدة كما قال الكيميائي الفرنسي أنطوان لوران لافوازييه (1743ـ 1794): «ما التنفس إلا عملية احتراق، بطيء جداً في الحقيقة، لكنه مثل احتراق الفحم تماماً». كان التركيز على إنشاق أكسجين الهواء والدعم التنفسي أمراً مألوفاًً في الإنعاش لدى الناس عامة حتى في التاريخ الطبي العربي الإسلامي؛ فقد وردت قصة إنعاش صالح بن بهلة لابن عم الخليفة الرشيد بنفخه هواءً في فم المريض ومنخريه بمنفاخ. وقد ذكر مثل ذلك أيضاً في تعليمات جمعية إنعاش الغرقى عام 1769 والجمعية الملكية الإنسانية عام 1776 في أوربا.
    وعندما دخلت المرخيات العضلية relaxants المستعملة في الممارسة الطبية في التخدير أصبحت وسائل التحكم بالتنفس من أساسيات علم التخدير. وأسهمت هذه الوسائل عام 1952 بإنقاذ المرضى، فحينما أصاب وباء شلل الأطفال عدداً من سكان كوبنهاغن، ترك الكثير منهم مشلولي التنفس، مما استدعى التحكم بتنفسهم بالطرق الصنعية اليدوية. وقام طلبة الطب بتهوية المرضى، بعد تنبيب الرغامى، بإجراء ضغط بقبضات أيديهم على أكياس مقواة لا تنخمص مملوءة بالأكسجين والهواء ذات صمام زفيري يسمح لهواء الزفير بالمرور للجو الخارجي. ودامت تهوية الناجين من الهجمة المرضية بوساطة «الرئات الحديدية»، وهي صناديق تحيط بصدر المريض وبطنه بإحكام، بإحداث ضغط سالب مما يساعد على مرور الهواء من الجو إلى الرئتين، ثم يقطع ذلك الضغط الأمر الذي يسمح للهواء الخروج من الرئتين إلى الجو مرة أخرى، وبذا تستكمل حركة الشهيق والزفير المفقودتين.
    وفي ستينيات القرن الماضي، حدث تطور مهم آخر حينما انتبه الأطباء إلى أن هناك نسبة ممن يصابون بالجلطة القلبية blood clot يمكن إنقاذهم من الموت إذا ما لوحظ اضطراب نظم rhythm قلوبهم وعولج من فوره مما استدعى إنشاء وحدات العناية المشددة القلبية، وفيها يوضع هؤلاء المرضى تحت المراقبة الدائمة مدة تمتد من 24 ساعة إلى 72 بعد الإصابة بالجلطة لرصد اضطرابات النظم المميتة ومعالجتها مباشرة. وكان لنجاعة هذه الوحدات أن امتد استعمالها إلى صنوف مختلف الاختصاصات التي تزيد على عشرين اختصاصاً.
    وصف وحدة العناية المشددة
    تتميز الوحدة بتركيز الجهود في مكان واحد من المستشفى، وفيه تجري العناية بالمرضى المتوقع شفاؤهم وتتطلب حالاتهم المرضية تقانات خاصة مثل التهوية الصناعية أو مراقبة الجهاز الدوراني، مما يستدعي وجود مهارات متخصصة قد تمتد وراء ذلك للقيام بعلاج عن طريق الصدمة shock الدورانية، أو تصفية الدم من الشوائب بجهاز الكلية الاصطناعية artificial kidney. وقد رصد في الماضي أن استعمال وحدات الرعاية المشددة يقلل من احتمال حدوث وفاة المرضى الحرجين إلى نحو 60%.
    وتتصف وحدات الرعاية المشددة بالصفات الرئيسية الآتية:
    ـ مساحة المكان المخصص والأجهزة والأفراد المساندين.
    ـ بقاء مستوى العناية نفسه على مدار ساعات النهار والليل. ودوام عمل أجهزة رصد الجهاز الدوراني، والجهاز التنفسي، والجهاز البولي وطرحه، والجهاز العصبي المركزي ومراقبة حال كل منها.
    لايمكن توافر هذه التجهيزات في قاعات المستشفى كلها لتكلفتها، ولكن يُنقل إلى الوحدات المخصصة لذلك المرضى المرجو شفاؤهم من الحال الطارئة التي تهدد حياتهم. ومن صنوف المرضى الذين ينتفعون بالعلاج في هذه الوحدات هم:
    ـ مرضى الجلطة القلبية الحادة الذين تتطلب حالهم مراقبة مؤشرات الجهاز الدوراني ورصدها.
    ـ كل مريض يحتاج إلى التهوية الاصطناعية، ودعم وظائف جهازه الدوراني بالأدوية والسوائل الوريدية، وكل مريض يحتاج إلى التحكم بجهازه البولي وطرحه.
    ـ كل مريض مصاب بآفة استقلابية كمرضى السكري الذين لم تحكم السيطرة على نسبة سكر دمهم، أو الذين أخضعوا لعمليات جراحية كبيرة على الجهاز الهضمي أو البطن عامة.
    ـ المرضى الذين أصيبوا في حادث أدى إلى أذية خطيرة مثل الأذيات الدماغية والأذيات الصدرية وما شابهها.
    ـ ضحايا الكوارث الكبيرة ممن أصيبوا بأذيات متعددة.
    مساحة وحدة العناية المشددة وبنيتها
    تختلف المتطلبات من اختصاص إلى آخر ويراعى دوماً ترابط بين الحلم والواقع المادي العملي، وأصبح من المعلوم أن كل سرير في وحدة العناية المشددة يحتاج إلى 40 متراً مربعاً، عشرون منها للسرير في الوحدة وعشرون متراً للخدمات المرافقة، وذلك في الوحدات المفتوحة بعضها على بعض، أما في غرفة السرير الواحد فتلزم مساحة 30 متراً مربعاً. تحتاج مثل هذه الأماكن إلى ضوء طبيعي أبيض أو ضوء وردي أبيض. كما تتطلب تبريداً وتدفئة مركزيين، وقد يدعو الأمر وجود وسائل تسلية كالموسيقى والتلفزيون والقراءات التي تناسب احتياج المريض.
    التجهيز
    تزود وحدة العناية المشددة بالغازات الطبية المركزية مثل الأكسجين والنيتروز المخلوط بالأكسجين، والشفط المركزي. كما تزود بعدد كاف من رفوف مخصصة لأجهزة الرصد وحوامل لمضخات تسريب المحاليل الوريدية والأدوية ومخارج كهرباء تكفي لتشغيل الأجهزة الكهربائية، وتخصيص أماكن لتنظيف الأيدي قبل المساس بالمريض وبعده لتخفيف نقل الأخماج.
    المرقاب
    تزود وحدة العناية المشددة بمرقاب يرصد معظم الوظائف الحيوية والقياسات المشتقة منها. وكان المعيار الأساس رصد تخطيط نشاط كهربائية القلب E.C.G، وسمة النبض واختلال نظمه ومبلغ تسارعه أو قياس الضغط الشرياني والنتاج القلبي في الدقيقة والضغط الوريدي الوسطي المركزي. ويشتق منها المؤشرات القلبية الأخرى.
    التهوية الصنعية
    يخصص لكل سرير منفسة خاصة به لاستعمالها على مريض واحد طوال الوقت اللازم لشفائه من دون انقطاع. وتزود وحدات العناية المشددة عادة بمنفسات قادرة على توليد كل أنواع التهوية لتلائم حالات الفشل التي تنتاب الجهاز التنفسي في أثناء المرض الحاد كلها.
    اليد العاملة
    تعتمد وحدة العناية المشددة على مجموعة تمريضية ومجموعة طبية ومجموعة مساندة.
    ويغطى العمل يومياً مستشار يدبر أمر سير العلاج، ويتفقد المرضى في الصباح والمساء، وبرئيسات تمريض وأطباء يعملون في نوبتين أو ثلاث يومياً، وتعمل ممرضة متخصصة لكل مريض على ثلاث نوبات يومياً. وتحتاج الوحدات الحديثة إلى وجود مخبري ومعالج تنفسي على مدار اليوم، كما تحتاج إلى معالج طبيعي ومجموعة من الكتاب والمراسلين وناقلي المرضى والخدم.
    التدبير الطبي والمالي
    لايمكن إخضاع حياة المريض للكلفة المادية، فاستعادة حياة مريض من مرض مميت في حد ذاته جائزة لاتقدر بثمن. ومن جهة أخرى فتكلفة العناية المشددة بتزايد دائم نظراً لاحتياجها للأدوات المكلفة والمعقدة، ولاستخدام مواد نبوذة disposablesلمنع نقل الأخماج أو الإقلال منها. يضاف إلى تلك الكلفة المادية تكلفة الرواتب والأجور لمجموعة أفراد من ذوي الخبرة والتدريب. إن هذه العوامل كلها تسهم في رفع كلفة السرير في وحدة العناية المشددة، ولذلك تجري مراقبة العلاجات والطرق الباضعة لاحتواء تلك الكلفة حتى لا تتضخم إلى حدود غير معقولة، فيراجع الاستشاري التشخيص والقراءات والعلاجات ويسمح بما هو ضروري على مدار اليوم. ويساعد على مكوث المريض في الوحدة المدة المطلوبة فقط وتقليل فرص المضاعفات من الأخماج أو من مداخلات العلاج.
    القضايا المهنية المتعلقة بالإسعاف والعناية المشددة
    ـ نقل الخمج: حينما يصاب المريض بمرض مميت تصبح بعض آليات المناعة معطوبة مما يجعله أكثر عرضة لحدوث التهابات إضافية من جراثيم تصله من العاملين الذين يعتنون به أو من زواره. لذلك يجب اتخاذ أقصى درجات الحماية والنظافة والطهارة في أثناء المعالجة، وأن يرصد طراز الإصابة بالجراثيم المعدية لتعالج فوراً بالصادات المناسبة ولمدد تمنع نشوء أجيال جديدة مقاومة من تلك الجراثيم لا تؤثر فيها الصادات المتداولة فتزيد من إمراضية العليل ومدة مكوثه تحت العلاج.
    ـ الموت الدماغي: برغم تطور وسائل الإنعاش الحديث فإن بعض المرضى لايمكن استرجاعهم بصورة كاملة. فبعد نجاح المسعفين في استعادة وظائف قلوبهم، يكتشف عند إدخالهم إلى وحدة العناية المشددة أن وظيفة أدمغتهم فقدت كلياً. فيدوم خفقان قلوبهم؛ لأن الأطباء يدعمون الجهاز الدوراني ويستعيضون عن التنفس المفقود بالتهوية الصنعية. تصبح تكلفة علاج مثل هؤلاء المرضى عالية جداً مالياً وعاطفياً. فالمريض ميت حسب اللوائح الطبية والتشريعية الحديثة الواصفه للموت، وتكون الصورة مختلفة لذويه فهم يرون جسم مريضهم على السرير مرتبط بالمنفسة، وآلات الرصد تظهر نبضات القلب ومخطط كهربائية القلب والمؤشرات الأخرى مما يؤدي إلى نشوء آمال كاذبة وتوقعات وهمية. وتحل هذه القضية بسرعة بفحص الجذع والقشرة الدماغيين، يجريه استشاريان، وبيان غياب وظيفة الدماغ والتنفس التلقائي.
    حالات كف الإنعاش
    لا يجرى الإسعاف القلبي، رحمة بالمريض، في حالات المرض النهائي أو الأمراض المزمنة التي عجز الطب عن شفائها. ولكن يجب أن يخضع الطبيب إلى أولويات كرامة البشر والجسد الآدمي، ففي أغلب المستشفيات لجنة تنظر في جدوى العلاج للحالات الميؤوس من شفائها بحسب رغبات المريض وأسرته بطريقة موضوعية لدعم أو رفض قرار كف الإنعاش.
    حالات السبات
    تبقى أحجية أخرى، في طب العناية المشددة، وهي من عقابيل الأذيات الدماغية، وبعض الأمراض الخطيرة، وذلك حينما تزول أكثر وظائف الدماغ ويكون المريض معتمداً على المنفسة أو يكون تلقائي التنفس. ويتابع هؤلاء المرضى الحياة بهذه الصورة فلا هم أموات ولا هم أحياء يعون الواقع. ويكون اتخاذ القرار بشأنهم عسيراً، خاصة فيما يتعلق بإعادة جهود الإسعاف في حال توقف قلوبهم من جديد. ويكون صعباً على الأسرة اتخاذ قرارات حول تلك الأمور ويتدخل القضاء في تحديد مصير مثل هؤلاء المرضى.
    لايمكن التنبؤ بما ستؤول إليه إمكانات العناية المشددة في المستقبل على ضوء التعامل مع الجينات (المورثات) وتطور الاحتفاظ بالجسم البشري لمدد طويلة في التبريد الشديد، فأحلام البشرية تتحقق من خلال الابتكار والاختراع.
    فهل يأت يوم يبدل الأطباء الأجهزة البدنية العاطلة بأخرى جديدة تم استنساخها، وهل يمكن اكتشاف دواء لداء يستعصي علاجه اليوم، وتبريد الجسم واستعادته حينما يكتشف العلاج الناجع؟ الإجابة عن تلك التساؤلات تقبع في قلب المستقبل.
    محمد سعيد التكروري

  10. #680
    العنقودية وأمراضها

    المكورات العنقودية أو العنقوديات staphylococcus، جراثيم شديدة الانتشار في الطبيعة ذات أنواع كثيرة تبلغ نحو 25 نوعاً، منها الممرضة وغير الممرضة؛ وتختلف فوعة virulence ذراريها اختلافاً بيناً. تتصف العنقوديات كلها بأنها مكورات إيجابية الغرام gram+ تصطف على شكل عناقيد أو أجزائها.
    يشاهد أعلى حدوث لأمراض العنقوديات في المناطق التي يكون فيها حفظ الصحة الشخصية متدنياً، وفي أماكن الازدحام السكاني. وتتباين الأمراض التي تسببها في مظاهرها السريرية، وهي شائعة، ولاسيما بين الأطفال في الطقس الدافئ. إصاباتها فرادية وقد تظهر على هيئة فاشيات في مناطق التجمعات.
    إن أهم العنقوديات الممرضة البشرية هي العنقودية الذهبية Staphylococcus aureus، وذراريها souche تفرز إنزيماً مخثراًcoagulase، ومع هذا فإن الذراري التي لا تفرز هذا الإنزيم تتزايد أهميتها المرضية، ولاسيما في النسوة المصابات بأخماج بولية وفي الذين يعالجون بالقثاطر catheters، كما تكثر في الأخماج التي تحدث في المستشفيات، وفي استعمال الأجهزة المعاوضة.
    تستوطن العنقوديات المنخرين الأماميين، ويحمل نحو 30% من الأفراد مكورات عنقودية إيجابية الخميرة المُخثِّرة. ويعد المصابون بآفة نازحة ونجيج discharge قيحي أكثر مصادر انتقال الجرثوم شيوعاً ونشراً للأخماج. وتتم العدوى بالتماس من شخص مصاب بآفة قيحية أو حامل جرثوم لآخر. والأيدي أهم وسيلة لنقل الجرثوم. أما الانتشار المنقول بالهواء فهو نادر إلا في الرضَّع ويُحدث عندهم خمجاً تنفسياً. والاستعداد للخمج بالعنقوديات أشد بين الولدان والشيوخ والمصابين بالداء السكري والتليف الكيسي، ومدمني المخدرات، والذين يعانون علةً تسبب تدنياً مناعياً. كما أن استعمال الستيروئيدات ومضادات المستقلبات antimetabolites كالسلفاميدات ومضادات حمض الفوليك تزيد من التأهب للإصابة. ولأمراض العنقوديات أنماط سريرية ووبائية مختلفة في الولدان، أو في النسوة الحائضات، أو بين مرضى المستشفيات، كما أن العنقوديات تسبب انسمامات غذائية[ر].
    تنجم عن العنقوديات آفات كثيرة منها، الجلدية كالقوباء impetigo التي تشترك بها مع العقديات (الصورة 1)؛ وقوباء الوليدهي أكثر أمراض العنقوديات التي تكتسب في المحاضن، وتتم العدوى بها حينما يستوطن الجرثوم المنخرين أو السرة أو الملتحمة أو موضع الختان، كما تسبب الدمامل والتهاب الجريبات ومتلازمة الجلد المسموط scalded skin الذي تتميز إصابته بذرار خاصة من العنقودية الذهبية، تفرز ذيفاناً يسبب تقشراً جلدياً، يشاهد في سياق أشكال سريرية مختلفة (الصورة 2)، وهذه الحالة معروفة أيضاً بداء ريتر Ritter عند الولدان (ولاسيما في الأسبوعين الأولين من الحياة)، ومتلازمة لييل Lyell في الأكبر سناً ولكن دون السنتين من العمر، وقد تكون الإصابات فرادية أو على هيئة فاشيات. تسبب متلازمة الجلد المسموط توسفاً في الجلد، فيبدو وكأنه محروق بالماء الساخن.

    الصورة (1) القوباء

    الصورة (2) متلازمة الجلد المسموط
    قد تنتقل العنقوديات إلى الدم نتيجة استعمال مزرقة واحدة عند مدمنين المخدرات، أو حين استعمال القثاطر الوريدية، لذا لابد في حالة القثاطر الوريدية الثابتة من أن تستبدل مرة كل 72 ساعة، وأن تغير وسائل التسريب الأخرى مرة كل 48 ساعة. وانتقال العنقوديات إلى الدم قد يؤدي إلى التهاب في الرئة أو خراج فيها، أو إلى التهاب العظم والنقي، أو التهاب الشغاف، أو ظهور فصال قيحي pyarthrose، وهو ضرب من التهاب المفصل القيحي، وقد يسبب انتقال العنقوديات إلى الدم خراجات في مواضع مختلفة من البدن ولاسيما في الدماغ، وقد يكون سبباً في حدوث التهاب الكلية والحويضة وفلغمونات phlegmons حول الكلية.
    ويتصف داء العنقوديات التالي للعمليات الجراحية بأنه ذو تهديد مستمر لنقاهة المريض الجراحي، ومما يساعد الإصابة تعقيد العمليات الجراحية وطول مدتها وزيادة مدة التخدير.

    الصورة (3) الأعراض الجلدية في متلازمة الصدمة السمية.
    كما أن العنقوديات الذهبية التي تفرز ذيفان متلازمةالصدمة السمية (TSST) toxic shock syndrome toxin تسبب إنتاناً دموياً وتسمماً وأعراضاً جلدية (الصورة 3).
    وترتبط هذه الذراري بالنساء الحائضات وبعض النسوة عقب عملية جراحية نسائية، وتشمل عوامل الخطر لهذه الذرية استعمال الحجاب المانع للحمل، والضمادات الإسفنجية المهبلية المانعة للحمل (ويجب ألا تترك في موضعها أكثر من 30 ساعة، كما يجب تجنب استعمال الدحسات tamponالمهبلية العالية الامتصاص). وتتصف أعراض هذه المتلازمة السمية بظهور حمى وقياء وإسهال مائي وآلام عضلية وهبوط في الضغط الشرياني ثم صدمة وإصابة خطرة لعدة أحشاء، يكون زرع الدم في هذه الآفة سلبياً، ويتم تعرف الجرثوم في بعض الحالات موضعياً بظهور التهاب مهبلي ناجم عن استعمال الدحسات واستفراد العنقوديات المفرزة لهذا الذيفان من مفرزات المهبل.
    كثيراً ما تنتشر الأخماج العنقودية في المستشفيات إثر التهاون في استعمال وسائل أو أدوات غير معقمة، فالقضاء على العنقوديات الممرضة يتطلب استمرار حرارة 80 ْ مدة ساعة على الأقل. وتتعاظم هذه الأخماج المشفوية وتزداد انتشاراً بظهور ذرار مقاومة للصادات يكثر عددها نتيجة الإسراف في استعمال هذه المواد.
    تشخص الإصابة بالعنقوديات باستفراد الجرثوم من الآفة ذاتها، أو بزرع الدم في حالة الإنتان أو بزرع النجيج أو المفرز، وذلك تبعاً للإصابة.
    ويميز النوع الممرض بالتنميط العاثوي phage typing أو بالتراص المصلي agglutination، أو الرحلان الهلامي بالساحة النبضية pulsed- field gel electrophoresis.
    تقاوم معظم العنقوديات المستفردة البنسلين G، وتقدر هذه المقاومة بنحو 85 إلى 90% من الذراري، كما أن المقاومة تتزايد بالنسبة للبنسلينات نصف التركيبية كالميتسلين والأمينوغليكوزيدات كالجنتامسين. ويدخر استعمال مركبات السيفالوسبورين للأخماج العنقودية المقاومة للبنسلين، أما الفانكومسين فيلجأ إليه في أخماج الذراري المقاومة للأكتام B.
    عدنان تكريتي

صفحة 68 من 146 الأولىالأولى ... 18586667 68697078118 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال