صفحة 67 من 146 الأولىالأولى ... 17576566 67686977117 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 661 إلى 670 من 1457
الموضوع:

( علم الاحياء ) بكل مصطلحاتة ومفاهيمة وتراكيبة العلمية ستجدها هنا - الصفحة 67

الزوار من محركات البحث: 64847 المشاهدات : 322119 الردود: 1456
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #661
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسوبوتاميا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 41,251 المواضيع: 3,594
    صوتيات: 132 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 44361
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: حي الله
    آخر نشاط: منذ 18 دقيقة
    مقالات المدونة: 19
    الطب المعلوماتي

    الطب المعلوماتي أو المعلوماتية الطبية medical informatics هو حقل جديد من المعرفة يُعنى بالمهام الاستعرافية cognitiveومعالجة المعلومات والاتصالات المتعلقة بممارسة الطب وتعليمه وبحوثه. والطب المعلوماتي هو مجال يتعلق بعدة اختصاصات interdisciplinary في صميمه، ينهل من الطب وعلم الحاسوب والذكاء الصنعي artificial intelligence وعلم المعلومات وعلم النفس الاستعرافي وغيرها. لم يتلقّ الباحثون الرواد تدريباً في الطب المعلوماتي تحديداً، وهذا هو شأن كل المجالات العابرة للاختصاصات في مستهلها، ولكن مع مرور الزمن نشأت رابطات متخصصة (مثل الرابطة الدولية للمعلوماتية الطبية) وظهرت مجلات وأُسست أقسام الطب المعلوماتي وأُلِّف كتاب مدرسي textbook وأصبح من الممكن الحصول على مؤهل علمي عالٍ في الطب المعلوماتي من جامعات متعددة.
    عندما أصبحت الحواسيب الرقمية متوافرة في الخمسينيات، بدأت الممارسة الطبية بأتمتةِ النشاطات غير السريرية (مثل إصدار الفواتير) وتبديل الجداول الورقية بالحواسيب وبرمجياتها، وحتى بأتمتة نشاطات الأطباء الاستعرافية cognitive (التشخيص الحاسوبي مثلاً). وقد أُثير الأطباء بهذا المنظور، أي بأن الحواسيب تستطيع مواجهة المشكلات الناجمة عن النمو الأُسّيexponential للمعلومات الطبية بأن تخدم كأدمغة مساعدة.
    يستمد مجال الطب المعلوماتي جذوره من المحاولات الباكرة هذه، وما زال يتعقب مشكلات البحوث الأصيلة إضافةً إلى تفحُّص شتى المواضيع ذات العلاقة بالمعلومات والطب والتي تتكاثر باستمرار.
    إن الفقر المعلوماتي من المشكلات الرئيسة التي تواجه محترفي الرعاية الصحية في العالم الثالث، وتعلق بصورة خاصة على الطب المعلوماتي آمال واعدة لحل هذه المشكلة. فعلى سبيل المثال، يستفيد الأطباء في بعض مشافي الأردن والسعودية من خبرة زملائهم في مستشفى ماساتشوستس العام ومستشفى مايو الجامعي، على الترتيب، عن طريق وسائل الاتصال المباشر التي توفر تكلفة سفر المرضى إلى الخارج.
    وفي حين أن هذا التطبيق الأخير مكلفٌ نوعاً ما، هناك تطبيقات أخرى أقل تكلفةً. تزود المكتبات المسجَّلة على (أقراص مدمجة) CD-ROM البلدانَ النامية بأحدث التطورات الطبية تعفيها من الكلفة أو التأخير الناجمين عن شحن أطنان من الورق. يقوم الأطباء في دول إفريقيّة عديدة بالبحث في Medline، ويسألون أسئلةً تجيب عنها المراكز الطبية الرائدة في العالم، ويستشيرون زملاءهم الأطباء في كافة أنحاء العالم بوساطة البريد الإلكتروني. ويتم ذلك من خلال محطة أرضية تتصل بقمر صنعي منخفض الارتفاع تملكه منظمة SatelLife عديمة الربح تستعمل تقانات technologies الاتصالات لمساعدة الأطباء في الدول النامية. لقد استطاعت زامبيا، عن طريق توظيف أقل من 15000دولار، أن تقتني الحواسيب والبرمجيات اللازمة من أجل هذا المشروع، وأن تدرب فريقاً من الموظفين. وقد رُبِطَت المحطة المركزية نفسُها، باستعمال أسلاك الاتصالات المحلية، بوزارة الصحة و20مستشفى في المحافظات لتخدم البلد بأكمله، ويكرر تجربةَ زامبيا اليوم 16بلداً إفريقياً.
    أهم التطبيقات وفوائدها
    ـ أتمتة نشاطات السريريين الاستعرافية: كان تطوير برامج حاسوبية تستطيع القيام بالتشخيص أو اتخاذَ قرارات علاجية هدفاً رئيسياً للطب المعلوماتي. وقد كان البحث الرائد المنشور في مجلة Science عام 1959 هو الأول الذي اقترح أن نظرية الاحتمالات وعلم المنطق الافتراضي propositional logic ونظرية القرارات decision theory يمكن أن تخدم أساساً حسابياً لمثل هذه البرامج. وشهدت الستينيات تطبيقاً مباشراً لهذه الفكرة في نطاق التشخيص الاحتمالي لأمراض القلب الولادية والبطن الحاد، وأُسست برامج أخرى على العديد من تقنيات الذكاء الصنعي (مثلاً MYCIN، وهو نظام خبير expert system مشهور لعلاج تجرثمالدم والتهاب السحايا مطوَّر في جامعة ستانفورد، وبرنامج INTERNIST التشخيصي في ميدان الطب الباطني والمطوّر في جامعة بتسبرغ)، وأثمرت بعض هذه المشروعات منتجات متاحة تجارياً. وهناك دليل متوافر بجميع أنظمة الذكاء الصنعي.
    أدت برمجة الحواسيب لتقوم بالتشخيص إلى فهم كيفية تفسير (وسوء تفسير) البيانات السريرية من قبل السريريين، والأهم من ذلك، إلى تطوير تقنيات للتفسير الصحيح للبيانات السريرية (مثلاً، تأثير حساسية sensitivity اختبار ما ونوعيتهspecificity في الاحتمال اللاحق posterior probability للتشخيصٍ مع وجود نتيجة الاختبار). كذلك قدّم هذا العمل تقنياتٍ كميةً لقياس ودمج خيارات المرضى في القرارات عالية الخطر. ويُدرَّس العديد من هذه المواضيع اليوم ضمن مناهج كليات الطب، ويتخلل الأدبَ السريري المنشور.
    قبل أن يتبنى الطبيب الممارس أحد هذه البرامج في ممارسته الشخصية؛ عليه أن يدرك أن كلاً من هذه البرامج مبني على طراز model محدّد للتشخيص يتضمن افتراضات مبسِّطة، فمثلاً؛ تفترض برامج كثيرة أن المريض مصاب بأحد الأمراض التي يعرفها البرنامج (مثلاً؛ لا يستطيع البرنامج أن يشخص السواء normal)، وتفترض بعض البرامج أن المريض مصاب بمرض واحد فقط، ولا يستطيع أغلبُها أن يعزو علامة (مثل الطفح) إلى دواء ما، بل يحاول أن يجد مرضاً يفسر هذه العلامة، والأثر النهائي لهذه الافتراضات الطرازية هو أن البرامج قد تخطىء في التشخيص، فأسلم سياسة هي إدراك محدودية البرنامج، واستعمال التشاخيص المقترَحة كمنبه للذاكرة فقط. كذلك يجب أن يؤخذ توافق البرنامج مع الممارسة السريرية بعين الاعتبار، فالبرامج التشخيصية تتطلب عادة أن يُدخِلَ الطبيب الأعراض والعلامات السريرية ونتائجَ الاختبارات المخبرية يدوياً، وكثيراً ما يؤثر الزمن اللازم لإدخال البيانات في جدوى هذه الأنظمة.
    ـ تبديل اللوائح الورقية بالحواسيب: كان تبديل اللوائح charts الورقية بأخرى إلكترونية من الأهداف الطويلة الأمد للطب المعلوماتي، تتميز اللوائح الإلكترونية بإمكانية الوصول إليها في وقت واحد من قبل سريريين عديدين من مواضع متعددة. إضافة إلى ذلك؛ يمكن عرض البيانات بأشكال عديدة لتناسب مختلف المستخدِمين، ويمكن ضبطها آلياً لكشف أخطاء كامنة، كالتأثر الدوائي.
    ولما كان الغالب أن اللوائح الإلكترونية تشبه الجداول الورقية؛ فإن الأطباء الممارسين يجدونها مفهومة ولا يحتاجون إلى معرفة الكثير عنها، اللهم إلا إذا دُعوا للمشاركة في اختيار نظام لها، فعندها توجد أدبيات كثيرة يمكن الرجوع إليها للاستشارة.
    فيمايأتي مثالان لمعاير criteria مهمة:
    أ ـ يجب قبل تبني السجلات الإلكترونية في ممارسة الطبيب الانتباه إلى الموازنة بين الوقت الإضافي الذي سيحتاج إليه لتسجيل البيانات وفائدة تواجد البيانات إلكترونياً. سيجد الأطباء الذين اعتادوا إملاء البيانات أو تسجيلَها في لوائح ورقية أن إدخال البيانات نفسها في لائحة إلكترونية يحتاج إلى وقت أكثر، ولكن حالما أُدخلت البيانات؛ تشكل سهولةُ الوصول إليها وإمكانيةُ عرضها أو طبعها بأشكال عديدة مزايا معاوضة. ومن ثم؛ فأسئلة التقييم الرئيسية هي: ما عدد الدقائق الإضافية الذي تتطلبه عملية التوثيق لكل مريض؟ هل يمكن اختصار هذا الوقت؟ هل تفوق المزايا المعاوضة الوقتَ المستهلك؟
    ب ـ يراجع الكثير من المرضى عدة سريريين (متخصصين وعامين)، فيمكن أن تُسجَّل بيانات مريض من قبل العديد من الممارسين المتوزعين في منطقة جغرافية ما، إذا كانت هناك رغبة في صب هذه البيانات في قالب واحد لتصبح سجلاتٍ مترابطةً للرعاية الطبية؛ فيجب تفضيل الأنظمة الحاسوبية القادرة على التعامل فيما بينها وعلى استعمال تراسيم ترميز البياناتdata coding schemes نفسها (عن طريق تقيدها بالمعايير الموجودة).
    يلاحظ أن الأنظمة التجارية المتوافرة لعيادات أو مستشفيات فردية هي منتجات ناضجة ومدروسة، ولكن الأنظمة القادرة على التعامل فيما بينها لا تزال قيد الإعداد؛ وقد تستحق الانتظار إذا كانت إمكانية تقاسم المعلومات مهمة في الممارسة.
    ـ أنظمة التذكير والإنذار: نظام التذكير reminder system هو نظام مؤسَّس على الحاسوب، يقوم بالتمحيص في سجل طبي إلكتروني ليحدد تحقق شروط معينة فيه، فمثلاً؛ عند تسلم نتيجة جديدة لقياس الكرياتنين، يتحقق النظام مما إذا كانت قيمة الكرياتنين الحالية قد ارتفعت مقارنةً بالسابقة وما إذا كان المريض يعالج بدواء سام للكلية أو مطروح عن طريقها، فإن كانت هذه هي الحال قام النظام بإنذار الطبيب. الأسماء الأخرى لمثل هذه الأنظمة هي أنظمة الإنذار alerting systems أو أنظمة الترصد surveillance أو مناطِر الأحداث السريرية clinical event monitors.
    وضعت أنظمة التذكير قيد الاستعمال في السبعينيات من قبل ماكدونالد في معهد ريجنستريف Regenstrief في إنديانا ومن قبل الباحثين في مستشفى القديسين المعاصرين LDS Hospital في مدينة سولت ليك بولاية يوتا. وقد برهن عقدان من البحوث بشكل مؤكد على فعالية التذكير، إذ حين يُذكَّر الأطباء فإنهم يقدمون رعاية وقائية أكثر ويصححون الحالات الشاذة أسرع من الأطباء الشواهد controls. وتقلل التذكيراتُ من الأخماج عند المرضى الذين تستطب لهم الصادات بعد الجراحة، وتختصر مدة المكث في المستشفى للمرضى الذين كانت قيم الفحوص المخبرية لديهم تشير إلى حالة مهددة للحياة، وتخفض معدل الأذيات الكلوية لدى المرضى المعالجين بأدوية سامة للكلية، وتحسِّن مراضة النزلة الوافدة (الأنفلونزا) في سنوات الأوبئة لدى المرضى الواجب تلقيحهم.
    كذلك يُطبَّق نموذج التذكير في الزمن الحقيقي لحظة تدوين أوامر الطبيب. ويمكن لهذا النمط من التدخل أن يخفض رسوم معالجة مرضى المستشفيات والعيادات بنحو 13% عن طريق صياغة نماذج العلاج للأطباء والتقليل من أخطاء العلاج وغيرها. إن تطوير أنظمة تدوين أوامر الأطباء physician-order-entry systems هو أحد الأهداف الراهنة في مستشفيات كثيرة.
    يجب أن يدرك الأطباء القدرة الكامنة لأنظمة التذكير وأنظمة تدوين أوامر الأطباء، بحيث تغدو مثل هذه الأنظمة تدريجياً مكونات معيارية للسجلات الطبية الإلكترونية.
    ـ تخفيض فرط حجم المعلومات: يعد النمو الأسّي للمعرفة الطبية العامة مشكلة طويلة الأمد سبقت اختراع الحواسيب الرقمية، ويسبب هذا النمو مشكلتين للأطباء الممارسين، أولاهما أنه يُتوقَّع من الأطباء الممارسين أن يتذكروا حجماً عظيماً من معلومات تفصيلية تتجاوز بلا ريب حدود ذاكرة الإنسان، وثانيتهما أن هذه المعلومات متغيرة وبذلك يجد الممارسون صعوبة في المحافظة على حداثة معلوماتهم. لقد كانت الاختصاصات الفرعية حلاً لهذه المشكلة؛ إذ يوزع علم الطب على مجالات ممارسة أصغر ليصبح حجم المعرفة المطلوب، وكذلك عدد المجلات الواجب متابعتها لمواكبة الحاضر، محدوداً.
    تقول وجهة النظر السائدة: إن الأطباء لا ينبغي أن يُتوقَّع منهم أن يتذكروا كل الحقائق التي قد يحتاجون إليها، بل يكفيهم تعلم مهارات أساسية (كالفحص العصبي مثلاً) والحقائق الضرورية عموماً، شرط أن يكون لديهم مهارة استخدام أنظمة المعلومات للوصول إلى معلومات إضافية حسب الحاجة. إن واحدة من أهم غايات الطب المعلوماتي هي تطوير مراجع إلكترونيةٍ (مثلاً؛ كتب مدرسية إلكترونية، ككتابَيْ سيسل وهاريسون، وقواعد بيانات بيبليوغرافية، مثل MEDLINE) وأنظمة حاسوبية وتراسيم فهرسة لتأمين مثل هذا الوصول. لقد كانت هذه الغاية الأخيرة في العقد الماضي الهدف الرئيسي لمشروع نظام اللغة الطبية الموحد للمكتبة الوطنية للطب National Library of Medicine في الولايات المتحدة.
    ـ التدريس والبحوث بمساعدة الحاسوب: يدرك ذوو الضمير الحي من الأطباء أن الانفجار في المعرفة الطبية الحيوية يجعل ما تعلموه في كلية الطب ناقصاً أو قديماً. ولذا يستعمل الكثير من الأطباء اليوم منتجات تعليمية مؤسسة على الحاسوب لزيادة اطلاعهم وتجميع وحدات التعلم الطبي المتواصل continuing medical education credits المطلوبة من قبل مجالس الولايات أو الجمعيات المهنية. تستعمل بعض هذه المنتجات تقانة الوسائط العديدة multimedia ذات الأصوات والصور المتحركة والرسوم البيانية لتأكيد فكرة أساسية أو علامة أو لمحاكاة حالة سريرية. يقوم المجلس الوطني لفاحصي الأطباءNational Board of Medical Examiners في الولايات المتحدة بتطوير برنامج محاكاة الحالات السريرية لتقييم معرفة الأطباء وسلوكهم السريريَّين في الجزء الثالث من امتحان المجلس الوطني National Board Examination، أحدِ المتطلبات اللازمة للترخيص بممارسة الطب.
    يعتمد الباحثون الطبيون بشكل متزايد في بحوثهم على البيانات المجمَّعة منوالياً (روتينياً) بوساطة أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية، وقد طوروا تقنياتٍٍ لاكتشاف العلاقات السببية من هذه البيانات آلياً. وهذا العمل بالغ الأهمية لأن التكلفة العالية للدراسات المنضبطة المعشّاة randomized controlled trials تحول دون استخدامها إلا للإجابة عن الأسئلة البحثية الأكثر إلحاحاً. ويُلاحظ أن مصداقية الاستنتاجات المستنبطة من البيانات المجمعة منوالياً تعتمد على دقة هذه البيانات، وقد درس الطب المعلوماتي دقةَ البيانات في السجلات الإلكترونية والسجلات المؤسسة على الحاسوب ووجدها مشكلةً ذات شأن.
    التطورات المستقبلية
    تخضع ممارسة الطب إلى تطور سريع بسبب التغيرات في المعرفة الطبية وفي طريقة تقديم الرعاية الصحية health care deliver إن الحاجات المعلوماتية والاتصالاتية لهذه البيئة المتغيرة باستمرار هي بؤرة العمل الجاري في الطب المعلوماتي.
    وفي الوقت الذي يتغير فيه الطب وتقديم الرعاية الصحية؛ فإن تقانة المعلومات المتزايدة التعقيد تسمح بمواجهة مشكلات جديدة تماماً، أو بمواجهة المشكلات المعتادة بطرائق جديدة. فمثلاً، تمكن التطورات التقانية من المعالجة الإلكترونية للصور الطبية ونقل المعلومات عبر الاتصالات اللاسلكية ومخاطبة الحواسيب بلغات البشر وتحسين أداء الأنظمة الطبية الخبيرة، ومن المتوقع أن الإنترنت والشبكة العنكبوتية ستغير طبيعة تفاعل الطبيب والمريض جذرياً. سوف يستمر الطب المعلوماتي بصفته أحد العلوم الأساسية في تطبيق تقانات جديدة لحل المشكلات القديمة والجديدة، وفي تقييم هذه التطبيقات.
    أحمد هاشم

  2. #662
    الطب النفسي البدني





    الطب النفسي البدني psychosomatic medicine أو الاضطرابات النفس ـ بدنية هو فرع من الطب يبحث في العلاقات المتبادلة بين النفس والبدن، وتطبيق الانفعالات والعوامل النفسية الأخرى على مشكلات المرض. ويستند هذا الفرع من الطب إلى الحقيقة القائلة: إن الدوافع النفسية الابتدائية قد تتظاهر في النفس وأعضاء الجسد المختلفة على قدم التساوي. كما يبحث هذا الطب في تفاعل الجملة الودية مع المؤثرات الانفعالية والعُصَابات neuroses المختلفة مثل القلق والاكتئاب [ر] التي لايكون المريض على علم بها، أي إن الاضطرابات أو الأمراض النفسية البدنية هي تغيرات فيزيولوجية مرضية مرتبطة بالانفعالات والعصابات والشدات (الكروب) النفسية الحادة acute psychological stress التي لها شأن أساسي في حدوث هذه الأمراض، أو تزيد في شدتها إذا كانت موجودة.


    وتدل بعض الإحصائيات الطبية على أن نسبة الأمراض النفسية البدنية تساوي 35% من مجموع الأمراض المختلفة التي تستقبلها المستشفيات الأوربية والمراكز الصحية والعيادات الطبية الخاصة في تلك الدول.


    تبدأ اختلافات الرأي في الطب النفسي البدني مع بدء تعريفه؛ فبعضهم يراه في الاضطرابات الوظيفية والآفات العضوية التي تسببها العوامل النفسية، في حين يعده آخرون مجموع «التجسيدات somatization»؛ وهناك فئة ثالثة تفضل أن تراه من خلال المنظور الطبي العام. ومع هذا لاتزال المشكلة مطروحة على الرغم من تباين الإجابات.


    أما اختلاف النظريات التي تفسر الآليات النفسية البدنية فهي شيء آخر؛ إذ يمكن، على أقل تقدير، تمييز نوعين من التفسيرات، بعضها ذو أساس نفسي يسعى لتحديد طبيعة الاضطرابات النفسية أو التي تصيب الشخصية فتعرض ِلإصابات بدنية، في حين أن بعضها الآخر ذو أساس فيزيولوجي مرضي يحاول أن يفسر كيف تجري الأحداث المرضية. فالنظريات الأولى تعتمد على أسباب الإصابة etiology، في حين ترتكز الثانية على الآلية الإمراضية pathogenic، وليس بين هاتين السلسلتين من النظريات تضاد بل هناك تكامل. ومن المحتمل وجوب قبول آليات عدة، ومن ثَمَّ عدة نظريات، سواء في المضمار النفسي أو في المضمار الفيزيولوجي المرضي. ومهما يكن الأمر، فإن اختلاف الآراء من النواحي النظرية لايؤثر في النواحي السريرية clinic.


    العصابات النفسية البدنية


    وهي العصابات النفسية التي تسبب الانفعال النفسي الشديد الذي يؤدي إلى الاضطرابات أو الأمراض النفسية البدنية، هذه العصابات تزيد الأزمة أو الشدة النفسية التي تسبب بدورها التغيرات الفيزيولوجية المرضية في جسد المريض وأعضائه. وأهم هذه العصابات هي: عصاب القلق، وعصاب الرهاب، وعصاب الاكتئاب، وعصاب الغضب وعصاب السلوك الانفعالي، وعصاب الهراع hysteria بأنواعه، كما أن للهذيانات العقلية دوراً كبيراً في ظهور هذا المرض قبل ظهور مرض الذهان العقلي أو بعده.


    دور الانفعال في الجهاز العصبي الودي والغدد الصم والاستقلاب ووظائف الأجهزة


    يسبّب الانفعال الناتج من العصابات النفسية، حسب اختلاف شدته، تغيرات فيزيولوجية مرضية بسبب تأثيره في مركز الوطاء hypothalamus (تحت السرير البصري) والبصلة (النخاع المتطاول) في الدماغ التي هي بدورها تؤثر في الجملة العصبية الودية التي تغذي كل أعضاء البدن. وتصيب هذه التغيرات المرضية كل أعضاء الجسم وخاصة الضعيفة منها أو المريضة، إذ ينتج عنها تشوش في التوازن الذاتي للعضوية الذي يؤدي إلى ظهور المرض النفسي البدني في الأعضاء الحشوية لأجهزة البدن المختلفة، ولذلك سمي هذا المرض (عصاب العضو organ-neurosis)، وهو يصيب معظم أجهزة الجسم التي هي: جهاز الدوران (القلب والأوعية) وجهاز الهضم وجهاز التنفس والجهاز البولي التناسلي والجهاز العصبي والغدد الصم والجلد والفم واللثة والأسنان.


    الآفات العضوية ذات الأسباب النفسية


    يمكن تصنيف هذه الآفات أو الأمراض النفسية البدنية حسب الأجهزة أو الأعضاء التي تصيبها كمايأتي:


    1ـ أمراض جهاز الدوران (القلب والأوعية) النفسية البدنية: وأهم هذه الأمراض:


    ـ العصاب القلبي: يشعر المريض فيه بألم في ناحية القلب وتسرُّعٍ في الضربات والخفقان وضيق التنفس والأرق والتعب.


    ـ عصاب خناق الصدر: يشكو المريض من الألم الصدري وضيق التنفس والقلق الشديد والخوف من الموت.


    ـ عصاب ارتفاع الضغط الشرياني الأساسي: يحدث هذا العصاب بسبب التوتر النفسي المزمن الناتج من القلق النفسي الشديد الذي يؤدي إلى تغيرات مرضية في جدران الشرايين والأوردة، فيحدث ارتفاع الضغط الشرياني الأساسي المزمن.


    ـ الصداع التوتري: ينتج من الانفعال النفسي توسُّعُ أوعية الرأس الدموية واحتقانها مما يسبب الصداع.


    ـ عصاب الضعف العصبي الدوري: ويصاب فيه المريض بالهيجان والدوار والصداع واحمرار الوجه.


    2ـ أمراض جهاز الهضم النفسية البدنية: هنا تحدث الإصابة المرضية في الأنبوب الهضمي الغني بالألياف العصبية الودية فتظهر مرضاً عضوياً في جهاز الهضم، وأهمها:


    ـ القرحة الهضمية في المعدة والعفج.


    ـ التهاب القولون بأنواعه القرحي والتشنجي والمخاطي وفرط الغازات المعوية.


    ـ الآلام البطنية المختلفة التي تشبه آلام التهاب الزائدة أو آلام المرارة.


    ـ أمراض الفم واللثة والأسنان: وتظهر ضززاً trismus في الأسنان ليلاً أو تشنجات شديدة في الفكين وآلام الأسنان.


    3ـ أمراض جهاز التنفس النفسية البدنية: قد يتظاهر القلق النفسي والانفعالات النفسية الشديدة وبعض الصراعات النفسية المزمنة بظهور الأمراض التنفسية الآتية:


    ـ متلازمة فرط التهوية: يصاب المريض بالهيجان وسرعة التنفس وضيق الصدر والشعور بالاختناق والخوف.


    ـ الربو القصبي: يسبب الانفعال النفسي الشديد اضطراباً في العوامل المؤرجة أو زيادة التحسس، ويؤدي إلى حصول نوب الربو الناتجة عن زيادة تشنج عضلات الرغامى وازدياد إفراز الغدد المخاطية.


    4ـ أمراض الجهاز البولي التناسلي النفسية البدنية: وتحدث هذه الأمراض نتيجة الاضطرابات أو العصابات النفسية، مثل القلق والخوف والشعور بالإثم والذنب أو الكره الشديد لأعضاء هذا الجهاز، أو للغدد التناسلية التابعة له، فتسبب أمراضاً في هذا الجهاز وأهمها:


    ـ الضعف الجنسي أو العجز الجنسي أو العنانة impotence في الرجال.


    ـ البرودة الجنسية frigidity في النساء.


    ـ عسرة الطمث وآلام الجماع في النساء.


    ـ الآلام الحوضية والحكة التناسلية في النساء.


    5ـ أمراض الجلد النفسية البدنية: يعد الجلد من أوثق الأنسجة ارتباطاً بالجهاز العصبي الودي، فالقلق النفسي المزمن والاكتئاب والشدة النفسية والانفعالات النفسية المختلفة الحادة والمزمنة تسبب الأمراض الجلدية ذات المنشأ النفسي وأهمها:


    ـ مرض الحاصة أو الثعلبة alopecia.


    ـ الحكة والأكزيمة الجلدية urticaria.


    ـ داء الصدف psoriasis.


    ـ التهاب الجلد العصبي النفسي neurodermatitis.


    ـ العد الشبابي acne vulgaris.


    6ـ أمراض الجهاز العصبي النفسية البدنية: قد يؤثر الانفعال النفسي الشديد الناتج من العصابات في أمراض الجهاز العصبي فيشعر المريض بشدة المرض أو العجز العصبي بأكثر من الواقع أو أقل منه مثل الشعور بشلل أحد الأطراف أو أعضاء الجسم على نحو شديد ومبالغ فيه، أو الشعور بأحاسيس عصبية جلدية خاصة غير موجودة على الجلد أصلاً، أو تكون الإصابة العضوية غير موجودة في هذا الشلل لذلك سمي (بالشلل النفسي) كأن يشعر المريض بعدم الرؤية بعينيه (العمى النفسي)، أو غير قادر على الكلام (الخرس النفسي)، أو غير قادر على السمع (الصمم النفسي). وتحدث هذه الإصابات دون سببٍ أو مرض عضوي، بل نتيجة تعرض المريض لأزمة نفسية شديدة، أو موقف صعب غير قادر على مواجهته، أو صراع نفسي مزمن أدى إلى ظهور هذا الشلل الكاذب في هذه الأطراف أو الحواس الخمس.


    7ـ أمراض الغدد الصم النفسية البدنية: وتحصل هذه الأمراض نتيجة تأثير الانفعال الناتج من العصابات النفسية أو الذهانات العقلية المزمنة في الغدد الصم وأهمها:


    ـ الجدرة الدرقية وقصور الدرق واضطراب الاستقلاب: وتحصل نتيجة تأثير الانفعال في الغدة الدرقية.


    ـ متلازمة الإياس menopause الهمودي أو الاكتئابي: ويحصل نتيجة تأثير الانفعال الشديد في المبيضين الذي يحدث اضطراباً في إفراز الهرمونات الأنثوية.


    ويمكن تقسيم المرضى المصابين بالأمراض النفسية البدنية حسب علاقة السبب النفسي (الانفعال) مع السبب العضوي (المرض العضوي) إلى ثلاث فئات:


    ـ الفئة الأولى: هي فئة المرضى غير المصابين بمرض عضوي ثابت أو مشخص سريريّاً أو شعاعيّاً أو مخبريّاً، وهؤلاء هم المرضى الوظيفيون، أي إنهم مصابون بمرض عصابي نفسي فقط بدون إصابة عضوية مرضية.


    ـ الفئة الثانية: وتضم المصابين بعلة مرضية عضوية ناتجة من سبب انفعالي حاد أو مزمن.


    ـ الفئة الثالثة: هم المصابون بمرض عضوي ولكن بعض أعراضهم المرضية، أو معظمها، ناتجة من أسباب نفسية انفعالية تزيد من شعورهم بالأعراض المرضية.


    خصائص الآفات النفسية البدنية


    حدد هوليداي Halliday ست ميزات أو صفات للمرض النفسي البدني وهي:


    ـ وجود سبب نفسي انفعالي لدى المريض.


    ـ وجود نوع خاص من الشخصية المرضية في أغلب الأحيان.


    ـ وجود أسباب أو عقد جنسية خاصة.


    ـ وجود سبب وراثي أسري في الغالب.


    ـ عدم ثبات الشكايات أو الأعراض المرضية بل تغيرها بين الحين والآخر.


    ـ حدوث فترات شفاء أو تحسن قصيرة أو طويلة بين النكسات المرضية.


    فكرة عن معالجة الأمراض النفسية البدنية


    إن الطرق العلاجية مختلفة. ويرتبط انتقاؤها، إلى حد كبير، بشخصية المريض، أي بقدراته النفسية على التخلص من أعراضه، وبوسطه الأسري، كما يرتبط بشخصية الطبيب النفسي البدني؛ أي بصفاته النفسية الخاصة وبمقدرته العملية أيضاً.


    ويمكن القول: إن على الطبيب الممارس معرفة انتقاء زميله المختص بالطب النفسي البدني، تبعاً لنمط المريض ونوع المعالجة.


    وقد يفرض أحياناً عدم إعطاء علاج في أثناء التقصي نظراً لشخصية المريض نفسه.


    وغالباً ما يكون العمل على اكتشاف المريض نفسه لعوامل نفسية جسدية أمراً يسمح بالتخلي عن استقصاءات متممة لا ضرورة لها، وعلاجات دوائية مفرطة لا يمكن أن تخلو من تأثيرات سيئة ناجمة عنها.


    لما كان تعريف المرض أو الاضطراب البدني النفسي أو كما يدعى بـ (عصاب الأعضاء): أنه استجابة مرضية انفعالية تصيب أي عضو من أعضاء الجسم نتيجة أي عصاب أو انفعال نفسي كالقلق في أكثر الأحيان، لذا فإن المعالجة تقوم أولاً على معالجة الانفعال أو العصاب النفسي المسبب للمرض، وثانياً على معالجة الإصابة أو الأعراض المرضية أو المرض العضوي الناتج من هذا الانفعال، سواء بالمعالجة النفسية أو بالأدوية الكيمياوية لإزالة هذه الإصابة النفسية، والتغيرات العضوية المرضية الجسدية التي سببها هذا المرض. ويمكن تلخيص هذه المعالجة كمايأتي:


    ـ معالجة العصاب أو الانفعال النفسي المسبب للمرض: تكون أولاً بالمعالجة النفسية لهذا العصاب عن طريق طمأنة المريض وإزالة قلقه الشديد على سلامة جسده، والإيحاء، سواء بالجلسات النفسية أم بالتدواي النفسي، أنه سليم الجسم وأنه غير مصاب بآفة أو مرض عضوي، وإزالة هذه الأسباب المرضية والموانع والعقد النفسية الناتجة من مشكلات أسرية أو بيئية اجتماعية، وذلك بالتداوي السلوكي والبيئي والأسري. وقد كان أبو بكر الرازي ينصح الطبيب بأن «يوهم المريض بالصحة ويرجيه بها ولو كان غير واثق بذلك لأن مزاج البدن تابع لأخلاق النفس».


    وثانيا:ً قد تتطلب الحاجة استعمال بعض الأدوية الكيمياوية من مهدئات نفسية، أو الأدوية المؤثرة عقليّاً في حالة المرض العقلي (الذهان) مثل الهالوبيردول والفيتوتيازمين، أو الأدوية العقلية كسولبرايد sulprid حتى تتم السيطرة على هذا السبب النفسي وشفاء المريض.


    ـ معالجة الإصابة المرضية العضوية: وتكون بمعالجة أعراض المرض العضوية ومعالجة التغيرات المرضية التي حدثت في العضو أو الطرف المريض، وذلك بالأدوية الكيماوية المضادة للتشنج في حالة التهاب القولون والآلام الحشوية البطنية، والأدوية المضادة للتحسس والمضادة للسعال وموسعات القصبات في حال الأزمة الربوية، والأدوية الموسعة للشرايين الإكليلية في حالة خناق الصدر، والأدوية المنومة في حالة الأرق وعدم النوم، والأدوية المخفضة للضغط الشرياني في حالة ارتفاع الضغط الشرياني الأساسي، واستعمال الأدوية الكيمياوية المقوية للجنس وبعض الهرمونات الجنسية في الإصابة بالعنة عند الرجال، وبعض المركبات الجلدية الكيمياوية في حال الإصابة بالعد الشبابي أو الأمراض الجلدية المختلفة، وكل ذلك وفق رأي الطبيب المعالج.


    الاضطرابات أو الأمراض النفسية البدنية عند الأطفال


    يتجه علماء الطب النفسي البدني إلى تأكيد العلاقة بين الأمراض النفسية والأمراض الجسدية عند الأطفال كما هي عند الكبار البالغين، وأن الجسم والنفس عند الطفل أيضاً ينتجان معاً هذه الاضطرابات أو الأمراض النفسية البدنية نتيجة وجود اضطرابات نفسية أو عقلية أو سلوكية تظهر على هيئة تغيرات مرضية حركية، أو اضطرابات نفسية بدنية حسب شدة هذه الإصابة النفسية. وفيمايأتي أهم هذه الإصابات الحركية والاضطرابات النفسية البدنية في الطفل:


    ـ الاضطرابات النفسية الحركية لدى الطفل psychomotor diseases: تظهر هذه الإصابات بإحدى الحركات الوسواسية غير الهادفة، كقضم الأظافر ومص الإصبع والتأرجح والتمايل والتلعثم والتأتأة والرعشة.


    وتُعرّف بأنها حركات جسمية وسواسية متكررة وغير هادفة ولها سبب نفسي، وتسمى بالعرات النفسية tic.


    ـ الاضطرابات النفسية البدنية لدى الطفل: تظهر هذه الاضطرابات بأحد الأمراض الآتية: الإغماء أو الخجل أو فرط التعرق أو الدوار أو الغثيان أو الصداع أو نوب الربو أو الإسهال والقمه النفسي (عدم الشهية العصبي النفسي).


    وتعالج هذه الأمراض النفسية البدنية والحركية لدى الأطفال كمعالجتها عند الكهول، وتعتمد على نوعين من المعالجات: المعالجة النفسية للانفعال أو العصاب النفسي، والمعالجة العضوية الدوائية للأعراض المرضية أو الإصابة العضوية إذا وجدت. ويمكن تلخيصها:


    ـ المعالجة النفسية والدوائية للاضطرابات النفسية والوجدانية والسلوكية لدى الطفل تكون بالجلسات النفسية لتطمين الطفل وتفريغ الكبت عن طريق إزالة الأسباب الأسرية والتربوية والبيئية المسببة لهذه الاضطرابات، وقد تدعو بعض الحالات لاستعمال العقاقير النفسية كالمهدئات ومضادات القلق والفيتامينات لإزالة هذه الأسباب.


    ـ معالجة الأعراض المرضية والإصابات العضوية إذا وجدت في أعضاء الطفل أو جسمه بالعقاقير والأدوية الكيمياوية التي تخفف هذه الإصابات العضوية المرضية أو تزيلها من أجهزة جسم الطفل المريض وأعضائه.


    عبد الحميد غنامة

  3. #663
    الطبي (التشريح ـ)

    التشريح الطبي medical anatomy هو دراسة بنية الجسم على نحو موجه للاستفادة منها في الممارسة الطبية بغية تحديد البنى الطبيعية وتمييزها من البنى غير الطبيعية، مما يفيد في الفحص الطبي للمريض ويسهّل شرح الفحوص التكميلية ويسمح بتشخيص الأمراض وعلاجها. وقد تقدم علم التشريح حديثاً تقدماً كبيراً، مستفيداً من الثورة التقنية التي لم تعد تتوقف عند حد، وعلى نحو أصبح بمقدور الأطباء اليوم رؤية البنى التشريحية في الجسم الحي وبطرائق متعددة ومتقدمة باطراد. دُرِّس التشريح رسمياً أول مرة في مصر القديمة، واستأنف سيره في الحضارة الإغريقية، ثم استمر تطوره لدى العرب في القرون الوسطى. وقد انطلق التشريح من جديد في عصر النهضة في أوربا مع بقية العلوم، إذ أصبحت دراسة التشريح على حين غرة منهجاً موضوعياً مستنداً إلى المشاهدات المباشرة والمبادئ العلمية؛ وأصبح تشريح الجثث معلماً مهماً في كليات الطب الأوروبية في القرن السابع عشر، وأقيمت متاحف تشريحية في كثير من المدن. وقد صدر قانون التشريح في بريطانية عام 1832، حيث شرِّع تشريح جثث المتبرعين أو الجثث التي لا يطالب بها ذوو المتوفين.
    وسائل دراسة تشريح الأعضاء
    يتطلب فهم التشريح الطبي دراسة الأعضاء منذ تشكلها في المرحلة الجنينية حتى سن الكهولة. وتستخدم من أجل ذلك طرائق مختلفة هي:
    ـ التشريح العياني gross anatomy: وهو يستند إلى تشريح الجثث، فيسمح بدراسة الأعضاء والأجهزة المختلفة بالعين المجردة، كما يدرس العلاقات بين الأعضاء المختلفة في ناحية واحدة.
    ـ التشريح المجهري microanatomy: بدأ استخدام المجهر الضوئي في دراسة أنسجة الجسم في منتصف القرن الثامن عشر، وتعززت هذه الدراسة باستخدام المجهر الإلكتروني وأصبح التشريح المجهري، أو علم الأنسجة histology، علماً مستقلاً شكّل صلة أساسية بين التشريح والفيزيولوجية. كما أن هذه التقنية سهلت دراسة تطور الجنين.
    ـ التصوير الطبي medical imagery: أحدث هذا الاختصاص الطبي ثورة في دراسة التشريح لدى الشخص الحي، إذ استفاد من تقنيات مختلفة مكَّنت الأطباء من رؤية أعضاء الجسم الحي. وهذه التقنيات هي:
    ـ الأشعة السينية x-rays: تجرى صور شعاعية بسيطة وصور شعاعية ظليلة تعطي صوراً للأعضاء من داخلها وخارجها. وقد سمح استخدام الحاسب بإجراء التصوير المقطعي المحوسّب computerized tomography (CT) لأقسام الجسم المختلفة، مما زوّد الأطباء بمقاطع شبيهة بالمقاطع التشريحية. إن المواد الظليلة كثيرة وأهمها: اللقمة الباريتية في أنبوب الهضم؛ والمواد اليودية التي تحقن في الأوعية لتصوير الشرايين أو الأوردة أو الأوعية اللمفية، أو للطرح عن طريق المسالك البولية (تصوير الجهاز البولي) أو الطرق الصفراوية، أو للحقن ضمن الأجواف من مفاصل وغيرها والهواء المعقم الذي يحقن مباشرة في الأجواف الطبيعية للجسم.
    ـ النظائر المشعة radioactive isotopes التي تحقن في الجسم وتتثبت في بعض الأعضاء، فتسمح بالتقاط صور عن الأعضاء من خارج الجسم مثل الكبد والدرق والرئتين والمعثكلة (البنكرياس) والكليتين.
    ـ التصوير بالأمواج فوق الصوتية ultrasonography (الإيكوغرافي أو التصوير بالصدى): يسمح بدراسة الأحشاء المملوءة بأنسجة أو سوائل، وبخاصة في البطن.
    ـ التصوير بالرنين المغناطيسي magnetic resonance imaging (MRI): يعطي مقاطع شبيهة بمقاطع التصوير الطبقي المحسب، لكنها أكثر دقة ووضوحاً في بعض مناطق الجسم.
    أقسام التشريح الطبي
    يستند التشريح الطبي إلى دراسة بنيوية تحليلية للأنسجة والأعضاء، ودراسة تطور الإنسان وتحليل التحولات المتتالية التي يتعرض لها ومقارنة تشريحه بتشريح الكائنات الحية الأخرى، ويجب أن يستكمل بدراسة وظيفية للأجهزة المختلفة على نحو يفيد كمدخل لفحص المريض سريرياً ويسهل شرح الفحوص التكميلية المتزايدة باستمرار مع التقدم الهائل الذي يطرأ على الأجهزة الطبية، كماً ونوعاً. وأقسام التشريح كثيرة أهمها:
    ـ التشريح العام: وهو دراسة البنى الأساسية للجسم، من أنسجة وأعضاء وأجهزة.
    ـ التشريح المقارن comparative anatomy: ويعنى بمقارنة تشريح الإنسان بتشريح الكائنات الأخرى. وقد أسهم التشريح المقارن كثيراً في معرفة تشريح الإنسان وفيزيولوجيته. ينقسم التشريح المقارن إلى فرعين هما: تطور الفرد ontogeny الذي يعنى بدراسة التحولات التي تتم من الإلقاح حتى سن الكهولة، وتطور السلالات phylogeny الذي يعنى بدراسة تحولات النوع.
    ـ التشريح التطوري developmental anatomy أو علم الجنين embryology: ويعنى بالنمو والتمايز بدءاً من البيضة وحيدة الخلية حتى الولادة. ومن المستحيل فهم كل البنى الموجودة لدى الكهل بوضوح من دون قدر معقول من معرفة التشريح التطوري.
    ـ تشريح التشوهات: يعنى بدراسة الشذوذات والامِّساخ teratogenesis مع كل التعديلات التشريحية التي تختلف عن النموذج الطبيعي.
    ـ التشريح الوصفي: يدرس كل الأعضاء والأجهزة المختلفة التي تكوّن جسم الإنسان.
    ـ التشريح الوظيفي: يدرس العلاقات التي تربط الشكل بالوظيفة. ويتطلب معرفة علوم مختلفة مثل مبدأ الروافع في وظائف المفاصل، والظواهر الكهربائية لأجل دراسة الدفعة العصبية nerve impulse، ومبادئ الضوء لأجل دراسة العين.
    ـ التشريح الناحي regional anatomy (الطبوغرافي): هو دراسة نواحي الجسم. تعنى هذه الطريقة بالعلاقات بين بنى أجزاء الجسم في الناحية المدروسة، ومرتسمها على الهيكل. وتستند أغلب الدروس المخبرية إلى تشريح النواحي مثل ناحية الصدر، وناحية الإبط وغير ذلك.. يسهّل الحاسوب بعض الجوانب التعليمية مثل إظهار صور المقاطع المحوسبة (CT) والتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) وإظهار الصور المجسمة.
    ـ التشريح السطحي surface anatomy: يدرس أشكال الجسم الحي في حالة الراحة أو الفعالية. ويهدف إلى تحديد شكل البنى الواقعة تحت الجلد. يشمل ذلك تبارزات العظام والعضلات، وأوضاع المفاصل والشرايين والأوردة السطحية وتجسيدها في صور ذهنية واضحة. يقدم التشريح السطحي معلومات ثمينة لأجل الممارسة الطبية، إذ يتعين على الطبيب في حالة الأشخاص المصابين بجروح الأدوات الحادة مثلاً أن يكون قادراً على إظهار البنى العميقة التي يمكن أن تكون مصابة. ويمكن لمعرفة التشريح السطحي أن تسعف الذاكرة عند الحاجة لأن الجسم متاح دوماً للمشاهدة والجس. إن فحص جسم المريض هو تطبيق سريري للتشريح السطحي، كما أن جس نبض الشرايين مثلاً هو جزء من أي فحص طبي. والتشريح السطحي هو أيضاً التشريح الذي يدرسه الرسامون والنحاتون.
    ـ التشريح الجهازي systemic anatomy: يعنى بدراسة أجهزة الجسم التي هي:
    ـ الجهاز اللحافي integumentary system: ويتكون من الجلد وملحقاته مثل الأشعار والأظافر والغدد العرقية.
    ـ الجهاز الهيكلي skeletal system: ويشمل العظام والغضاريف.
    ـ الجهاز المفصلي articular system: ويتكون من المفاصل وأربطتها.
    ـ الجهاز العضلي muscular system: ويتكون من العضلات التي تحرك أقسام الجسم. ويعرف مجموع الأجهزة الهيكلي والمفصلي والعضلي باسم الجهاز الحركي locomotor system.
    ـ الجملة العصبية nervous system: وتتكون من قسمين هما الجملة العصبية المركزية والجملة العصبية المحيطية. ومن بين أجهزة الجسم، شاع استخدام مصطلح «الجملة العصبية» للتعبير عن الجهاز العصبي.
    ـ جهاز الدوران circulatory system: ويتكون من الجهاز القلبي الوعائي والجهاز اللمفي.
    ـ الجهاز الهضمي digestive system: ويشمل الأعضاء المعنية بتناول الأطعمة ومضغها وبلعها وهضمها وامتصاصها وطرح الفضلات المتبقية بعد امتصاص الغذيات.
    ـ الجهاز التنفسي respiratory system: يشمل الطرق الهوائية والرئتين اللتين تزودان الجسم بالأكسجين وتطرحان ثاني أكسيد الكربون.
    ـ الجهاز البولي urinary system: ويضم الكليتين (اللتين تصفيان الدم وتنتجان البول) والحالبين (اللذين ينقلان البول) والمثانة (خزان البول) والإحليل (الذي يعمل مع المثانة على طرح البول بشكل متقطع).
    ـ جهاز التكاثر reproductive system أو الجهاز التناسلي genital system: يشمل الأعضاء التناسلية (على سبيل المثال المبيضين والخصيتين والأعضاء التناسلية الخارجية) المعنية في التكاثر.
    ـ جهاز الغدد الصم endocrine system: يضم الغدد المحرومة من قنوات مفرغة، مثل الغدة الدرقية التي تنتج هرمونات ينقلها جهاز الدوران إلى كل أقسام الجسم.
    يوسف مخلوف

  4. #664
    الطبية (النباتات ـ)

    عرفت القيمة الغذائية والعلاجية والتجميلية للنباتات الطبية منذ أقدم العصور، وما زالت بعض الأدوية ذات المنشأ النباتي كالأسبرين والديجيتالين لها دور مهم في المعالجة الحديثة، كما تعد النباتات الطبية اليوم مصدراً أساسيّاً لاستنباط أدوية جديدة كنبات الطقسوس الذي تستخرج منه مادة التاموكسيفين المضادة للأستروجين المستعملة في معالجة أورام الثدي.

  5. #665
    الظُفُر وأمراضه

    الظُفُر nail صفيحة قرنية تغطي الوجه الظهري لنهاية الأصابع. وللظفر أهمية كبيرة من الناحية العملية والجمالية، فهو يتيح مسك الأشياء الدقيقة، كما يسمح بإرضاء رغبة الحك والدفاع عن النفس في بعض الحالات.
    ويبدي من الناحية التشخيصية والعلاجية معضلة كبيرة، لأن العديد من الأمراض الجلدية تتجلى بمظاهر متشابهة عند إصابتها الظفر، كما تتطلب معالجة الظفر، إذا ما وضع التشخيص الصحيح للآفة، زمناً طويلاً نظراً لبطء نموه، إذ يقدر هذا النمو بنحو 3 إلى 4ملم شهرياً. هذا وإن نمو أظفار اليدين أسرع من نمو أظفار القدمين. فظفر اليدين يحتاج كي يتجدد تجدداً كاملاً نحو 5 إلى 6أشهر، في حين يحتاج ظفر القدمين ليتجدد إلى زمن يتراوح بين 10 إلى 12شهراً، علماً بأن نمو الأظفار يزداد في عدد من الأمراض الجلدية كالصداف الشائع، ويتناقص في آفات أخرى كالحزاز المسطح، وفي فصل الشتاء. ويختلف نمو الظفر أيضاً لدى البدينين عما هو عليه عند النحيلين أو الرياضيين، إضافة لذلك فإن حجم الأظفار وثخانتها تختلف بين شخص وآخر، وقد تحدث ثخانة الأظفار وتسمكها في بعض الأمراض الجلدية مثل ثخن الأظفار الولادي.
    مظهر إيضاحي، ومقطع سهمي للظفر 1ـ مطرق الظفر 2ـ المنطقة المولدة للتقرن 3ـ فراش الظفر 4ـ ماتحت الظفر 5ـ صفيحة الظفر 6ـ الهليل 7ـ الجليدة 8ـ طيلة الظفرالدائية

    ويضطرب نمو الظفر ويعتل باضطراب النسيج المفرز له (اضطراب رحم الظفر)، وقد يتأثر نمو الظفر أيضاً ولو قليلاً باضطراب مجراه.
    يتكون الظفر من صفيحات متقرّنة، وهو من منشأ بشروي، كما ويتعلق في اللحافة الجلدية بثلاثة أرباع حافاته، لكنه يبقى حرّاً في حافته القاصية، أما نهايته الدانية التي تغوص تحت الطية الظفرية الخلفية فتدعى بجذر الظفر، ويدعى الجلد الذي يغطي الجذر بالطية فوق الظفرية. أما القسم الظاهر من الظفر والذي يرتبط بوجهه السفلي باللحافة التي تدعى سرير الظفر فيسمى بجسم الظفر، هذا وتنفصل الحافة الأمامية للظفر، والتي يجرى لها تقليم مستمر، عن سريره مبتعدة عن لب الإصبع بفرضة تدعى الفرضة الأمامية للظفر. يدعى الجزء الأبيض الهلالي الشكل من القسم الداني للظفر والذي يشكل القسم القاصي لرحم الظفر بالهُلَيْل lunula. تتولد الصفيحة الظفرية التي تمتد بين 3 إلى 6ملم تحت طية الظفر الدانية.
    أمراض الأظفار شائعة، وتنجم عن أسباب عديدة، منها ما هو وراثي ومنها ما هو كسبي موضع (رضي أو فطري)، كما تنجم أمراض الأظفار عن مرض جلدي عام يتناول الظفر في أثناء سيره، يضاف إلى ذلك أمراض أو آفات ظفرية تظهر عند الإصابة بأمراض عامة، أو عند إصابة الجهاز الغدي الداخلي باضطرابات.
    أما آفات الأظفار الوراثية فعديدة جدا،ً وغالباً ما تترافق مع اضطرابات وراثية أخرى منها: ثخن الأظفار الولادي، وغياب الأظفار كلها أو بعضها، متلازمة الظفر الرضفة (حثل الأظفار، لا تنسج في الرضفة، عيوب كلوية)، ومن الأسباب المكتسبة الموضعية التي تؤثر في الأظفار الرضوض والفطور وقضم الأظفار، وأما الأمراض الجلدية التي تؤثر في الأظفار فهيالصداف والأكزيمة والحزاز المسطح والثعلبة، وأخيراً من الأمراض العامة التي تؤدي إلى آفات تظهر على الأظفار صلابة الجلد المجموعي، والآفات الرئوية المزمنة، والآفات الكلوية، والآفات المعدية المعوية.
    وأمراض الصفحة الظفرية وآفاتها عديدة جداً أهمها:
    انشقاق الظفر
    انفكاك الأظفار الهلالي
    ـ انشقاق الظفر onychoschizia: وهو انشطار الصفيحة الظفرية إلى صفيحات مرصوفة أفقياً بدءاً من الحافة الحرة للجزء القاصي، وهي شديدة الشيوع لدى النساء. ويمثل ذلك الانشطار خللاً في التحام الخلايا المتقرنة. أما الأسباب المحتملة المؤدية إلى ذلك الانشقاق فهي العوامل الرضية كالعزف على بعض الآلات الموسيقية مثل البيانو والآلات الوترية، وقد يحدث أيضاً نتيجة تخرب كيميائي فيزيائي يصيب الصفيحة الظفرية من جراء الغسل المتكرر أو الإكثار من تطبيق طلاء الأظفار أو مزيلات الجليدة (منطقة ما فوق الظفر)، كما يجب التفكير في الأسباب المؤدية إلى الانشقاق بعوز الحديد أيضاً.
    وتعالج هذه الحالة بتجنب الآليات المسببة إضافة إلى تطبيق مراهم الأظفار أو حمامات الأظفار في زيت الزيتون الحار.
    ـ انفكاك الأظفار onycholysis: كثيراً ما يحصل انفكاك جزئي للصفيحة الظفرية عن سرير الظفر، ويبدأ الانفكاك عادة من الحافة الحرة ثم يتقدم نحو الطرف الداني للظفر، وأقل من ذلك فإن الانفكاك قد يبدأ من القسم الداني للصفيحة الظفرية ومنه يتجه نحو الحافة الحرة. هذا وقد يحدث الانفكاك في نقطتين أو ثلاث ومن ثم ينتشر مؤدياً إلى اتحاد تلك الانفكاكات وبهذا يصبح كامل القسم القاصي للظفر منفكاً.
    أما اللون الذي يأخذه الانفصال فيكون بنيّاً مصفرّاً. لكن منطقة ما تحت الظفر المنفصلة عن الظفر تبدو خضراء أو سوداء أو زرقاء وذلك نتيجة الأخماج المحدثة عن الجراثيم أو الخمائر. وقد يصاب ظفر أو أكثر بالانفكاك.
    أما أسباب انفكاك الأظفار فهي موضعية أو كيميائية أو جهازية.
    ـ الأسباب الموضعية: يمكن لانفكاك الأظفار أن ينجم عن الرضوض المحدثة بالخدوش والوخز والطعن وغرس الأجسام الغريبة، كما يمكن أن ينجم انفكاك الأظفار أيضاً عن كل من الأخماج الفطرية أو المقيحة (جرثومية) أو الفيروسية (حلأ بسيط herpes simplex).
    ـ الأسباب الكيميائية: هناك عدد من المواد الكيميائية تؤدي لانفكاك الأظفار، منها مذيبات طلاء الأظفار والمصلبات الظفرية المحتوية في تركيبها على الفورمالين، والماء القلوي الحار الذي تغطس فيه أصابع اليدين، إضافة إلى ذلك هناك انفكاك الأظفار الضوئي والذي ينجم عن تناول بعض مركبات التتراسكلين مع التعرض للشمس.
    ـ الأسباب الجهازية أو المجموعية: يلاحظ انفكاك الأظفار خلال الإصابة بأمراض جهازية مثل قصور الدرقية أو فرط نشاطها والحمل والإفرنجي والصداف الراحي والتهاب الجلد التأتبي والشذوذات الولادية للأظفار.
    تكون المعالجة بتجنب الرضوض كلية كما تجب المحافظة على فراش الظفر جافاً، أما الجزء المصاب من الظفر فيجب تقليمه، لكن المعالجة الأكثر فعالية تقوم على تطبيق مختلف الأدوية المشتملة على محاليل قطرا نية، أو رهيمات ستروئيدية قشرية، وصادات موضعية، وعوامل مضادة للفطور، إضافة لإبقاء الأظفار قصيرة.
    ـ الأظفار الصفراء yellow nails: تصبح الأظفار صفراء في كل من عطب الوريقة الخارجية الخلقي، ومتلازمة الظفر الأصفر (تتألف هذه المتلازمة من ثلاثة أعراض هي: اصفرار الأظفار، ووذمة لمفية محيطية، وانصباب جنبي) إضافة لذلك فان اصفرار الأظفار يشاهد عند المصابين بالصداف والافرنجي وبعض السرطانات، كما وأن هنالك العديد من الأدوية التي يؤدي تناولها لاصفرار الأظفار كمركبات التتراسكلين، وقد ينجم اصفرار الأظفار عن منشأ خارجي، كما هي الحال عند بعض المرضى الجلديين الذي يتعالجون خارجيّاً بكل من الانترالين والرزورسين، إضافة لذلك ما يحدث من اصفرار للأظفار عند المدخنين والمصورين من جراء كل من مادة النيكوتين الموجودة في السجائر، وملامسة الأصابع للمواد المظهرة للأفلام.
    وتقوم معالجة الأظفار الصفراء على تجنب العامل المسبب ومداواة الأمراض الداخلية التي أدت لحدوث الاصفرار، وعدم تناول مركبات التتراسكلين إلا تحت إشراف طبي.
    تعجر الأظفار الضخامي
    ـ تعجر الأظفار الضخامي clubbing nails: وتبدو الأظفار بهذا المرض عريضة ومدورة ذات شكل محدب من كل حوافها (الأظفار بشكل زجاجة الساعة) علماً بأن التغيرات المرضية لا تحدث على الأظفار فحسب، وإنما تتناول أيضاً السلاميات النهائية التي تصبح عريضة على شكل مضرب الطبل من جراء فرط النسيج الخلوي تحت الجلد. وقد وصف أبقراط هذه الأظفار عند المصابين بالدبيلة empyema، لذا فقد دعيت أيضاً بالأصابع الأبقراطية. وغالباً ما تشاهد الأصابع الأبقراطية في آفات الرئتين (كالتدرن وتوسع القصبات وذات الرئة والدبيلة وأورام الرئة)، وكذلك تشاهد في الاضطرابات القلبية الوعائية وعيوب القلب الولادية، كما تشاهد في الاعتلال العظمي المفصلي الضخامي وثخن الجلد والسمحاق وعند المصابين بأمراض الغدة الدرقية. كما تشاهد الأصابع التعجرية عند المصابين بالتشمع الصفراوي والتهاب القولون القرحي، وفي أمراض المناطق التي يعصبها العصب المبهم.
    ويعتقد بأن للتعجر أهمية تشخيصية قليلة، ذلك لترافقه بما لا يقل عن 50مرضاً مختلفاً. كما يمكن أن يظهر دون أن يكون خلفه أي مرض على الإطلاق، ويعالج التعجر بمعالجة المرض المسبب.
    ـ خطوط بو Beau’s lines: خطوط بو هي أخاديد معترضة، تبتدئ من أم الظفر، ثم تتقدم نحو الطرف القاصي في أثناء نموه، وتحدث نتيجة اضطراب مؤقت في نمو الظفر خلال مرض حاد مثل ذات الرئة والأخماج الحادة والنكاف والحصبة، كما تحدث في الإفرنجي. إضافة إلى ذلك شوهدت خطوط بو عند المصابين بعوز الزنك، والمصابين بخثرات إكليلية، وبعد التعرض للرضوض والبرد الشديد. كما قد تحدث أيضاً عند الانسمامات الكيميائية وعند إصابة النسج المجاورة للظفر بالالتهاب.
    يبلغ معدل نمو الظفر نحو 0.5 إلى 0.3ملم في الأسبوع، ويستطيع المرء أن يستنتج متى أصيب المريض بالانسمام من بعض المواد أو بمرض حاد من قياس الطول ما بين الطية الظفرية الخلفية وخط بو. لذا فإن لهذا الخط أهمية كبيرة فيالطب الشرعي. وتعالج خطوط بو بمداواة الآفة المسببة.
    ملانوم ظفري
    ـ الملانوم تحت الظفر melanoma under the nail: يتصف هذا الورم النادر بأنه أكثر الأورام الجلدية خباثة من جراء غزوه الموضعي السريع، وانتقالاته الباكرة. يحدث هذا الورم بخاصة عند كبار السن، وغالباً ما يتوضع على نهاية إصبع الإبهام أو إصبع الابخس (إبهام القدم) الكبير. تتوضع الإصابة بهذا الملانوم إما على رحم الظفر وإما على سريره وإما على الطيات الظفرية الدانية أو القاصية أو الجانبية. ويصعب كشف الإصابة في بدء المرض لعدم إيلامها وأخذها لوناً بنياً خفيفاً يضرج جزءاً من الصفيحة الظفرية أو يصبغ الخطوط الطولانية للظفر، لكن ذلك اللون الخفيف لايلبث بعد زمن قصير أن يأخذ بالاغماق والاتساع والارتشاح متحولاً إلى عُقَيدة بنية سوداء لاتلبث أن تتقرح على الأغلب مؤدية إلى تخريب الصفيحة الظفرية، ومما يجدر ذكره بهذا الصدد أن هذا الورم قد يتظاهر أيضاً باندفاعات بنية وردية عديمة الصباغ، مما يدعو لتسمية هذا النمط من الورم بالملانوم اللاملاني أو الورم عديم الصباغ.
    الوقاية: يُعَدّ الكشف والعلاج المبكران لهذا الملانوم خاصة، والأورام الخبيثة عامة، من المميزات الحيوية بالنسبة للمريض، لذا فعلى المريض أن يراجع الطبيب في حال مشاهدة أية بقعة سوداء أو بنية، أو ملاحظة أي تنشّؤ حمامي أو وردي على الظفر وطياته. وتعد الجراحة الإجراء الواجب القيام به في حالات الملانوما الخبيثة بوضع تشخيص مبكر لها.
    كما ويعتقد عدد من أطباء الجلد بأن إجراء الخزعة لوضع تشخيص لهذا الورم مضاد للاستطباب، لما يتلوها من تأذٍّ ثابت، إضافة إلى إمكانية إحداثها نقائل لمفية أو دموية. ولابد من متابعة المرضى المعالجين للكشف عن حدوث النكس أو النقائل السريعة.
    ـ الوبش (ابيضاض الأظفار) leukonychia: إن التنقطات أو الخطوط البيضاء الظفرية هي أكثر تبدلات الأظفار مشاهدة، كما أنها أكثر ما تشاهد لدى اليُفْعان. وقد طرحت تفاسير عديدة لتعليل حدوث البياض في الأظفار، منها أنّ اللون الأبيض ينجم عن تقرنات غير تامة يصيب الصفيحة الظفرية، وهكذا فإن غياب نفايات النوى وانحباسها في الصفيحة الظفرية يؤدي لهذا الاضطراب الظفري، كما قيل: إن سبب البياض يعود لحدوث فراغات هوائية ضمن الصفيحة الظفرية. وتأخذ التنقطات أو الخطوط البيضاء إما تشكلات نقطية أو مخططة تكون جزئية أو شاملة.
    الوبش المخطط
    ـ الوبش النقطي: وهو شائع جداً وفيه يشاهد عدد متفاوت من النقط الصغيرة البيضاء مضرجة لظفر واحد أو لعدة أظفار، وقد قيل إن سبب هذا التنقيط يرجع إلى رضوح أو أخماج فطرية، أو اضطرابات جهازية مثل الحمى التيفية أو التهاب الكلى.
    ـ الوبش المخطط: يبدأ هذا الشكل من الوبش في الهلل عادة، وبعدها تتقدم الخطوط البيضاء المستعرضة نحو الأمام باتجاه الحافة الحرة للظفر، كما أنها كثيراً ما تتكرر مما يجعل الظفر مخططا؛ ويمكن أن يكون الوبش المخطط وراثياً، إضافة إلى المسببات الرضحية.
    ـ الوبش الجزئي: لايصيب هذا الوبش الجزئي كامل الأظفار، وقد يرافق التدرن والتهاب الكلى وداء هودشكن Hodgkinوالجذام.
    ـ الوبش الكامل: يصيب جميع الأظفار، وتتلون في هذا الشكل من الوبش كامل الصفيحة الظفرية بلون أبيض حواري متجانس، كما وتصبح الأظفار هشة لدرجة أن الحافة الحرة للظفر نادراً ما تصل إلى ما فوق الظفر، ويبدى أكثر المرضى كيسات بشروية مرافقة. أما سبب الوبش الكامل فقد يكون وراثيّا،ً وربما ترافق مع الحمى التيفية والجذام وتشمع الكبد والتهاب القولون القرحي وقضم الأظفار.
    المعالجة: تقوم معالجة الوبش على تجنب العوامل الآلية والمداخلات التزويقية المتعلقة بالجليدة، كما تقوم على معالجة كافة الأمراض وبخاصة الجهازية المرافقة للوبش إذا ما وجدت.
    ـ تقعر الأظفار (الأظفار الملعقية) koilonychia: تكون كامل الصفيحة الظفرية تقريباً في تقعر الأظفار مقعرة، أو بشكل الملعقة على نحو لو وضعت قطرة من الماء على ذلك الظفر لما سقطت. وغالباً ما تكون الأظفار عند الأطفال خلال السنة الأولى من العمر مقعرة، وقد يشاهد تقعر أظفار عند الكهول دون أن يكون لذلك ثمة دلالة مرضية. يصيب تقعر الأظفار، أظفارَ عدة أصابع أو أباخس في أغلب الأحيان، لكنه نادراً ما يصيب الأظفار جميعها. وتكون الصفيحة الظفرية في الأظفار الملعقية رقيقة تميل للتهشم من حوافها الحرة (هشاشة الأظفار onychorrhexis). يمكن أن تنجم الأظفار الملعقية عن خطأ في استقلاب الحديد، حيث يكون استقلاب السستئين منخفضاً، وهي أحد أعراض متلازمة بلومر فنسون (عسرة بلع + أظفار ملعقية + لسان مؤلم أملس بلون لحمي)، كما أن هنالك أشكالاً أخرى لتقعر الأظفار تنجم عن مرض وراثي لصبغي جسدي سائد، إضافة إلى ذلك فقد تنجم الأظفار الملعقية عن أسباب آلية، بخاصة عند العمل في جو حار رطب، أو عند استعمال صوابين قلوية أو التماس المديد مع المواد الكيميائية أو منظفات أو منتجات بترولية، كذلك تنجم الأظفار الملعقية عن الرض المتكرر كما هي الحال عند ميكانيكيّي السيارات وصانعي الأحذية.
    أما الأمراض الجلدية التي تترافق مع تقعر الأظفار فمنها: الحزاز المسطح، وصلابة الجلد، وضخامة النهايات، وفرط الدرقية. كما لوحظت الأظفار الملعقية عند المصابين بالإفرنجي وفي كثرة الكريات الحمر وفي الداء الإكليلي.
    المعالجة: يعالج عوز الحديد إذا ما كان هو السبب، كما ينصح بعدم استخدام الصوابين القلوية، إضافة إلى تجنب الأسباب الآلية ومزيلات طلاء الأظفار التي تزيد الحالة سوءاً. ويجب معالجة الأمراض الجلدية والجهازية إذا كانت مرافقة لتقعر الأظفار. كما أن ترطيب الأظفار بمرهم دهني طوال الليل يفيد في المعالجة.
    عبد الرحمن القادري

  6. #666
    العُد

    العد acne مرض جلدي التهابي يصيب المناطق الغنية بالجريبات الشعرية الزهمية (الدهنية) sebaceous، ويبدو بتشكل اندفاعات جلدية متعددة كالزؤان comedo والحطاطات papules والبثور pustula والكيسات والعقيدات، لذا فهو يعرف باسم (العد المتعدد الأشكال). يتوضع العد في الوجه والعنق والعضدين والقسم العلوي من الجذع.
    والعد الشائع acne vulgaris أكثر أنواع العد مصادفة، ويصيب 90% من الفتيان والفتيات في سن المراهقة، لذا يدعى أيضاً باسم العد الفتوي، وباللغة الدارجة حب الشباب.
    تبدأ معظم حالات العد الشائع بين سن 15 و18، وقد تبدأ بعض حالاته قبل سن البلوغ، كما قد لايظهر في السيدات إلا بعد سن الحادية والعشرين، وربما استمر في ظهوره حتى الثلاثينات أو أكثر. تكون الإصابة مزعجة جداً في الحالات الشديدة، لذا فإن للعد أهمية جمالية من جهة، وآثاراً نفسية عميقة من جهة أخرى.
    يتكون الاندفاع بأكمله في الشكل البسيط للعد الشائع من الزؤانات المنتشرة على جلد زيتي، والزؤان شرانق صغيرة مؤلفة من مفرزات دهنية، ووسوف ناجمة عن فرط التقرن، الذي يصيب فوهات الجريبات الشعرية، وترى الزؤانة على سطح الجلد بشكل نقطة سوداء تعرف باسم الرأس الأسود blackhead، إذا ضُغِطَتْ خرجت بشكل دويدة بيضاء مصفرة ذات رأس أسود. يؤدي انسداد الجريب الشعري الزهمي المحدث بسبب الزؤان إلى توسع فوهة الجريب، وتتشكل الحطاطات لحدوث التهابات حول الزؤانات. تبدو الحطاطات بشكل ارتفاعات جلدية حمراء التهابية مقببة تحيط بالزؤانات، وتزول الحطاطة بعد الشفاء، ولا تترك مكانها ندبة وهذا أمر مطمئن في العد الشائع البسيط.
    قد تتعرض الحطاطات حول الجريبية للتقيح، فيُرى فوقها بثرات صغيرة، لا تلبث أن تفرغ محتواها، أو تجف تاركة قشرة سمراء اللون، تُخَلِّفُ عند سقوطها ندبة مؤقتة أو دائمة، وعندما تكون البثرات كبيرة أو يكون الالتهاب الجريبي عميقاً تتشكل دمامل أو عقيدات التهابية صلبة مؤلمة أو خراجات عميقة.
    للعد الشائع أشكال سريرية متعددة، منها ما يرتبط بالاندفاعات الجلدية التي مرّ ذكرها كالعد الحطاطي papular acne، والعد البثري pustular acne، والعد الكيسي cystic acne، ومنه ما له صفات خاصة كعد الطفولة infantile acne، كما يجب تمييز العد الشائع من العد السيتروئيدي steroid acne، الناجم عن تناول كميات معتدلة أو عالية من السيتروئيدات القشرية لفترة طويلة من الزمن، ويتصف العد السيتروئيدي بظهور مفاجئ لحطاطات التهابية تتوضع بالخاصة على القسم العلوي من الجذع وعلى العضدين، وقد تصيب الوجه. هذه الآفات هي حطاطات أكثر منها زؤانات وهي ليست جريبية، كما أن تطبيق التريتينوئين tretinoin في شهرين تقريباً بشكل رهيم cream يزيل هذا العد ولو استمر المريض بتناول الستيروائيدات القشرية بجرعات عالية.
    أسباب العد الشائع
    لفرط السيلان الدهني وتقيح فوهات الجريبات الشعرية الدهنية شأن مهم في حدوث الزؤان والآفات الجلدية الالتهابية، وترتبط هاتان الحادثتان المرضيتان بعوامل عديدة مسببة للعد، ومن أهم هذه العوامل:
    ـ العامل الوراثي: هناك استعداد إرثي للعد، إذ من المحتمل ظهور العد عند الأولاد في سن البلوغ بنسبة 50% إذا كان الأب والأم قد أصيبا به، كما لوحظ حدوث إصابات في عدة أشخاص من الأسرة نفسها بالعد الندبي الشديد، وللإرث أيضاً علاقة بحجم الجريبات الزهمية.

    العُد الصماوي
    ـ العوامل الغدية: تنمو الجريبات الشعرية الدهنية بعد البلوغ بتأثير الأندروجينات androgens، وتبدأ بعدها بإفراز الزهم (الدهن)، ويترافق العد باضطراب في المفرزات الهرمونية الجنسية الأندروجينية والإستروجينية estrogensالموجودة في الرجل والمرأة، وقد عرف منذ زمن بعيد أن العد لا يصيب المخصيين، كما لايُشاهد في حالات عدم تشكل المبيض، أو بعد استئصاله.
    ينكس العد الشائع لدى كثير من الفتيات مع كل دورة طمثية، ويعرف هذا باسم العد الحيضي menstrual acne، وتصاب النساء المتزوجات اللواتي يستعملن حبوب منع الحمل بالعد الشائع، وكل هذا يدل ما للعوامل الغدية من تأثير في ظهور العد وتطوره.
    ـ العوامل الخمجية: تستعمر عصيات جرثومية دقيقة تدعى الوتدية العدية Corynebacterium acne الجريبات الزهمية وتؤثر في استقلاب الزهم، وتؤدي إلى حدوث حموض دهنية حرة، وهذه الأخيرة ذات أثر بالغ في آلية تشكل الزؤان والحطاطات العدية والبثور. ومن الجراثيم الأخرى التي لها شأن مهم في عدد من الآفات، الوبيغاء البيضاوية Pityrosporom ovale والعنقوديات البيضاء Staphylococcus albus.
    ـ العوامل الغذائية (القوت diet): يعتقد الكثير من الباحثين بعدم تأثير الغذاء في كمية الزهم أو تركيبه، وعدم تأثيره في التقران الجريبي وإنتاج الزؤان وفي الالتهاب الذي يحول الزؤان إلى بثور حطاطية، لذا فإن الامتناع عن التوابل واللحوم والشوكولاته وغيرها من الأطعمة المحببة ليس ضرورياً، ويفضل بعضهم مع ذلك تناولها باعتدال.
    ـ العوامل الانفعالية والنفسية: عرف أثرها منذ أمد بعيد، وتعزى آليتها إلى زيادة إنتاج الأندروجينات عندما يقع المصاب تحت تأثير الشدة النفسية (الكرب النفسي) stress، وتؤدي هذه الزيادة إلى زيادة في المث seborrhea، كما لوحظ بأن العد الشائع يزداد سوءاً في أثناء الامتحانات، إذ يصاب الطلاب بنوع من العد، يدعى العد المتسحج excoriated.
    ومن العوامل الأخرى المساعدة لنشاط العد ودوامه عدم التعرض لأشعة الشمس والهواء الطلق، وعدم المثابرة على إجراء التمارين الرياضية، والفراغ والبطالة.
    غالباً ما يشفى العد تلقائياً في سن الرشد المبكرة، وقد تستمر الأشكال الشديدة من العد الشائع عشرات السنين أو طوال الحياة، وعموماً يمكن للطرق العلاجية أن تقصر سير الداء وتخفف من حدته، كما يمكنها أن تجنب المريض حدوث المضاعفات كالتندب.
    تختلف المعالجة حسب درجة الإصابة، وتقسم إلى موضعية وعامة.
    تهدف المعالجة الموضعية إلى إبقاء الجلد نظيفاً، وإلى توسيف البشرة كي تبقى فوهات الجريبات الشعرية مفتوحة، تستخدم الصوابين المضادة للجراثيم لغسل الوجه والأيدي والاستحمام العام. ويمكن تخفيف الزهم موضعياً باستخدام المحاليل الغولية، والصوابين الخاصة، أو التنظيف البسيط باستعمال الورق الماص للزهم عدة مرات يومياً. ومن الأدوية الموضعية يمكن استخدام المركبات الكبريتية واليودية والحمض الصفصافي. يستخدم بيروكسيد البانزويل benzoyl peroxide بشكل رهيمات، أو هلامات لتأثيره القوي المضاد للجراثيم، فهو يكبت الوتديات العدية، وينقص من ثَمَّ الحموض الدهنية الحرة في الجريبات الشعرية. أما حمض الريتينوئيك retinoic acid فهو فعال وخاصة في الزؤان الدقيق الذي يصعب استخراجه بمستخرج الزؤانcomedo extractor، وهو أقل تأثيراً من العد البثري والكيسي، كما تستخدم مضادات الجراثيم الموضعية وعلى رأسها الكليندامايسين، الذي يستخدم محلوله بنسبة 1%، كما يمكن استخدام الإريترومسين erythromycin والميكلوسيكلين meclocycline والتتراسكلينtetracycline وهذه الصادات الحيوية جميعها متوافرة بأشكال صيدلانية متعددة في الأسواق.
    يجب أن يزال الزؤان بمستخرج الزؤان، كما يجب أن تفتح البثرات الكبيرة بإبرة معقمة، ثم تمسح بالمطهرات البسيطة المعروفة. ومن المعالجات الموضعية أيضاً حقن السيتروئيدات القشرية خلال الآفة، ويجب أن يكون الحقن سطحياً لتجنب الضمور. كما يمكن تطبيق المعالجة القرية cryotherapy بغية إحداث التوسيف والتبيغ (التقشير) peeling في الجلد باستخدام ثلج ثنائي أكسيد الكربون المسحوق، وينبغي عدم الإفراط في تطبيق هذا الثلج لتجنب الحروق الشديدة، أما المعالجة بالأشعة فوق البنفسجية ultraviolet light فإنها تحدث تقشراً في الجلد يفيد في معالجة العد الشائع وخصوصاً في حالات الزؤان الغزير ووجود حطاطات وعقيدات التهابية سطحية. يندر أن يلجأ في معالجة العد إلى الأشعة السينية X- Ray ويكاد يكون استطبابها الوحيد حالياً مقتصراً على العد الكيسي الشديد والمعند في الرجال والنساء، الذين هم في سن العشرينات، والذين أخفقت في معالجتهم جميع الطرق المعروفة. أما سنفرة الجلدdermabrasion ، وتعرف أيضاً بتسوية الجلد skin planning فهي طريقة فعالة في إزالة الندبات التالية للعد أو في تحسينها. وتجرى السنفرة على نواحي الوجه وحسب، إذ إنها قد تخلف ندبات شديدة في القذال والجذع والعضدين، ولو تمت سنفرة هذه المناطق باعتدال.
    يلجأ إلى المعالجة العامة في الحالات الشديدة وخصوصاً ما ترافق منها بالبثور. ومن الأدوية المستخدمة خارجياً مضادات الجراثيم، وفي مقدمتها التتراسكلين، فهو الصادة المفضلة منذ أكثر من نصف قرن، يؤخذ والمعدة فارغة كي يُمتص قبل ارتباطه بكلسيوم الطعا،م مما يُنْقِصُ امتصاصه حتى النصف. يقوم التتراسكلين بقتل الوتديات العدية، ومن ثَمَّ ينقص تركيز الحموض الدهنية الحرة في الجريب الزهمي، وآثاره الجانبية محتملة ولو استخدم فترات طويلة، ولايحتاج تناوله المديد إلى مراقبة بفحوصات مخبرية دورية. يعطى الإريتروميسين بديلاً عن التتراسكلين عند الذين لايستطيعون تناول التتراسكلين بسبب تأثيراته الجانبية. كما يمكن استخدام المينوسيكلين minocycline، وهو صادة فعالة جداً في العد الشائع، ويُستخدم أيضاً الكلندامايسين في علاج العد. إلا أن حدوث التهاب القولون الغشائي الكاذب في بعض الحالات النادرة حَدَّ من استعماله، وتستخدم السلفاميدات sulfonamides أيضاً في معالجة العد الشائع، أما الهرمونات التناسلية فلاينصح باستعمالها، ولاسيما لدى الشابات، فقد ينجم عن استخدامها عواقب وخيمة.
    إن نتائج استعمال حبوب منع الحمل في معالجة العد في البنات العازبات كانت حسنة في بعض الحالات، وسيئة في حالات أخرى، وذلك حسب التركيب الهرموني للحبوب المانعة للحمل، وتحال حالات العد المترافقة باضطراب واضح في الدورة الطمثية إلى طبيب الأمراض النسائية لمعالجة الاضطراب أولاً.
    إن السيتروئيدات القشرية فعالة كعامل مضاد للالتهاب في حالات العد الشديدة والمعندة، على الرغم من أنها قد تسبب العد السيتروئيدي، وهي أكثر فعالية في العد الكيسي والعد المكبب من فعالية الصادات فيهما، والمقادير اللازمة من السيتروئيدات للمعالجة هي مقادير زهيدة، ولكن ينبغي مع ذلك مراقبة المريض لتجنب التأثيرات الجانبية للمعالجة الكورتيزونية المفرطة. يفيد إعطاء الفيتامين أ فموياً في معالجة الحالات المعندة، وخاصة عندما تكون الآفات جافة مفرطة التقرن قليلة الالتهاب وغير بثرية. وفي النهاية لابد من ذكر فائدة خميرة الجعة الغنية بالفيتامين ب المركب في معالجة العد البثري المعند، كما يجب الإشارة إلى فائدة المياه المعدنية، وخاصة الكبريتية، في معالجة جميع أنواع العد المعندة.
    وردية الوجه rosacea

    العد الوردي: يبدي هذا المريض حطاطات وبثرات تتوضع على جلد احمراري عامة.
    آفة شائعة نسبياً تبدأ بالظهور في العقد الثالث أو الرابع من العمر، وتبلغ ذروتها في عمر يراوح بين 40 إلى 50 سنة. دعيت سابقاً بالعد الوردي rosacea acme، وهي آفة عدية الشكل التهابية مزمنة، تصيب الوجه وخاصة الأنف، وتتميز بالحمامى والبثرات وتوسع الشعيرات الدموية، وبضخامة الغدد الزهمية، تحدث غالباً لدى النساء متوسطات العمر، علماً أن أكثر الأشكال شدة شوهدت في الرجال. تُصادف وردية الوجه على نحو خاص لدى الشرهين والكحوليين، والذين يكثرون من تناول التوابل والبهارات، كما تصادف لدى النساء بعد سنالإياس. يبدو وجه المصاب بالعد الوردي أحمر محتقناً مع توسع في الشعيريات، ويكون الجلد سميكاً مفتوح المسام غزير المفرزات الدهنية. هنالك عوامل عدة ذات علاقة بسببيات هذا الداء ومعظم حالاته تترافق بحالات متّية. ويعتقد بوجود عوامل صماوية، وهنالك عامل آخر هو تقلقل المحركة الوعائية vasomotor lability الذي يتزايد في سن الإياس، والذي قد تكون له صلة وثيقة بسببيات وردية الوجه، يثار هذا التقلقل عند الإسراف باستعمال المنبهات كالكحول والقهوة والشاي والشوكولاته والكولا. كما أن للبؤر الخمجية شأناً في إحداث بعض الأشكال البثرية من هذا الداء، وخاصة خمج الأسنان واللوزتين والجيوب، وكذلك فإن الإفراط بالطعام والإمساك وآفات المرارة تعد جميعها من العوامل التي ترافق العد الوردي.وإن وجود الدويدية الجريبية demodex folliculorum باستمرار، وبأعداد كبيرة في البثور الملتهبة من إصابات العد الوردي الحادة، يوحي كثيراً بأنها عامل إمراضي ومن ضمن العوامل المسببة لهذا الداء.
    يترافق العد الوردي في معظم الحالات بالحرقة والحكة، وفي بعض الحالات قد تنجم عنه الفيمة الأنفية rhinophymaالمتصفة بوجود كتل عقيدية كبيرة متبيغة وضخامية تتوضع حول النصف القاصي للأنف، كما قد يترافق العد الوردي بالتهاب القرنية، والتهاب الملتحمة، وغالباً ما يشعر المريض بوخز وحرقة في العين. ينكس العد الوردي باستمرار، ويستمر سنوات عديدة. ومن الأمور المهمة في المعالجة الوقائية: الإقلال من الطعام، والأكل ببطء، والابتعاد عن المشروبات الكحولية، والأطعمة الدسمة، والتوابل. ويجب مكافحة الإمساك، والاضطرابات المعوية في حال وجودها، وينصح باجتناب أشعة الشمس المحرقة، والحر اللافح، والبرد الشديد. أما المعالجة الموضعية فتعتمد على المركبات المستخدمة في معالجة العد الشائع كالمواد المطهرة والقابضة ومضادات الخمج، مثل: مركبات اليود والكبريت، وتضاف لها رفادات حمض البوريك المثلجة في حال الالتهاب وتشكل البثور. وتعتمد المعالجة العامة بشكل رئيس على إعطاء التتراسكلين بطريق الفم فترة طويلة، وهي معالجة كابتة وليست شافية كما تعطى السيتروئيدات القشرية في حال سورة الداء الحادة.
    العد التسحجي acne excorieedes
    يُرى عند الفتيات المصابات بالعصاب غالباً، وهو شكل سطحي من العد تكون فيه الآفات الأولية معدومة أو طفيفة جداً، ولكن العادة العصبية القسرية لنقب الجلد أو لعصر الزؤانات الدقيقة فيه تحدث آفات ثانوية قد تشكل ندبات دائمة. تميل هؤلاء الفتيات لأن يكن نظيفات بشكل مبالغ فيه، حتى إنهن يلجأن لاستعمال مرآة مكبرة لتعقب آفاتهن الجلدية الوهمية غالباً. تشمل المعالجة الاهتمام بالحالة النفسية للمريضات ومعالجة العد.
    العد المكبب acne conglobata
    هو الشكل الشديد غير العادي من العد، يُحْدِثُ تخريبات، ويخلف تشوّهات في الوجه والجذع. يصيب الذكور غالباً، ويتألف من عناصر عدية مختلفة تتجمع على شكل كتل، وهذه العناصر هي الزؤان الغزير، والخراجات الكبيرة العميقة، والكيسات المملوءة بسائل لزج رائق، والعقيدات الالتهابية المتجمعة بعضها إلى بعض. يمكن للعد المكبب أن ينتشر في أنحاء الجسم جميعه، غير أن مناطقه المختارة هي: النقرة، والفروة، وأعلى الجذع، وجذور الأطراف.
    عد المراهم pomade acne
    شكل من عد المزوقات يغلب حدوثه في العرق الأسود، وعند الذكور الذين يعالجون شعرهم المجعد بمراهم دهنية، وقد ثبت تأثير هذه المراهم المكون للعد.
    تتألف الآفات العدية في هذا الشكل من زؤان مغلق، وتتوضع عادة على الجبهة والصدغين والخدين والذقن، يمكن وصف الزيت المعدني للذين يصعب عليهم تجنب المراهم تجنباً تاماً، لأن تأثيره المولد للعد ضعيف.
    العد المهني الانسمامي occupational acne venenata
    يؤدي تماس الجلد مع المواد الكيميائية المولدة للعد إلى تشكل الزؤان، فحدوث العد الانسمامي، ومن أكثر هذه المواد إحداثاً للداء مواد تنظيف الجلد وتجميله والمزوقات، أما الحالات الأشد من الداء فتظهر عند التماس مع زيت النفط والقطران الحجري والإسفلت.
    يُعالج هذا النوع بإيقاف التعرض للعوامل الكيميائية المحدثة واستعمال التريتينوئين tretinoin موضعياً.
    المتلازمة الأندروجينية
    يمكن أن يتحول الشكل المعتدل من العد إلى عدد مكبب شديد عند النساء اللواتي يرتفع عندهن مستوى الهرمون المذكر (الأندروجين)، نتيجة إصابتهن بأورام، أو فرط تنسج منتج لهذا الهرمون كمتلازمة المبيض المتعدد الكيسات polycystic ovary syndrome، تكون الإصابة غالباً في المبيضين أو قشر الكظر. وإن العلامات الأخرى لهذه المتلازمة الأندروجينية هي: البدانة، وفرط الأشعار، وخاصة أندروجينية من النمط الذكري، وتغيرات في الصوت.
    نضر حقي

  7. #667
    العرق والتعرق

    العرق sweat سائل تفرزه الغدد العرقية، التي تتوضع في الطبقات العميقة في أدمة الجلد، وينفرغ عبر أقنية صغيرة في الجلد تنفتح خارجاً بمسام دقيقة في أعلى الطبقة المتقرنة أو عبر الجراب الشعري. تتألف الغدد العرقية من ثلاثة أنواع من الغدد ذات إفراز مختلف: الغدد العرقية الناتحة، والغدد العرقية المفترزة، والغدد العرقية المفترزة الناتحة.
    ـ الغدد العرقية الناتحة (خارجية الإفراز) exocrine sweat glands: هي غدد كبيه أنبوبية مجهرية تتوضع في أدمة الجلد، يزيد عددها على 2 إلى 4 ملايين غدة موزعة على جميع أنحاء الجسم. إن المجموعة الكتلية للغدد العرقية الناتحة تعادل وزن كلية واحدة تقريباً، وذلك على الرغم من أن كل غدة تزن فقط 3 إلى 4 ميكروغرام. تكون الغدد العرقية الناتحة عند الكهول أكبر عدداً وكثافة في الراحتين والأخمصين، إذ يبلغ عددها نحو 620 غدة في السنتمتر المربع، في حين يصبح هذا العدد 64 في الظهر.
    ـ آلية الإفراز: تفرز الغدد العرقية الناتحة العرق عادة على نحو دائم مع فترات استراحة تستمر دقائق عدة لكل مجموعة غدية، ويكون العرق غير مرئي بالعين المجردة، ويتبخر مباشرة من سطح الجلد. يؤلف هذا العرق المفرز باستمرار كمية 10 إلى 30% من العرق المائي الجلدي.
    هناك نوعان من الألياف العصبية التي تعصب هذه الغدد: الألياف العصبية الودية sympathetic التي تزيد التعرق عندما يكون الشخص مُنفَعلاً، متوتراً أو خائفاً، والألياف العصبية اللاودية (نظيرة الودي) parasympathetic التي تنقص التعرق في الجلد.
    يحرر الجسم في النهايات العصبية مواد كيميائية خاصة هي النواقل العصبية neurotransmitters التي تحمل الإشارة الكهربائية من الأعصاب إلى الخلايا الغدية قرب النهايات العصبية. والأستيل كولين acetylcholine هو الناقل العصبي للغدد العرقية الناتحة.
    هناك محرضات عدة تحث الجهاز العصبي على تحرير الأستيل كولين، ومن ثمَّ تؤدي إلى حدوث نوبات من فرط التعرق مثل: الرائحة القوية، والطعام الغني بالتوابل، ويزيد البيلوكاربين pilocarpine (مماثلات نظير الودي)، في حين ينقصه الأتروبين atropine (حالات نظير الودي)، والطقس الحار، والتمارين الرياضية، والانفعال العاطفي الشديد، والكرب stress (الشدة النفسية) والتوتر العصبي.
    لا يتبع الإفراز العرقي الارتكاسات الدورانية الوعائية الحركية، لكن المحرضات العصبية تثيره عادة. وهناك اختلاف شخصي واضح في درجة الاستجابة لمحرضات التعرق كالحرارة والجهد العضلي، يضاف إلى ذلك أن الرجال يتعرقون عموماً أكثر من النساء.
    ـ الوظيفة: لتبخر العرق دور رئيس في تنظيم حرارة الجسم. تعمل المحرضات الحرارية بوساطة مراكز التعرق في الوطاءhypothalamus، في حين تعمل المحرضات الانفعالية النفسية بوساطة عصبونات neurons قشرية، وتأثيرها أسرع، وعلى نحوٍّ ثانوي يمر الطريق المنعكس مباشرة عبر العقد الودية (العقد النجمية)، أو يقتصر على المنعكس المحواري axon. يمكن أن يحدث التعرق الموضع مباشرة، دون وساطة عصبية وعائية في مكان تطبيق حرارة عالية جداً. ويعد الأستيل كولين المفرز حول الكبب الغدية glomera المحرض الأساس لمعدل إفراز العرق عند الإنسان، إذ يكون هذا التحريض أعلى بـ 5 إلى 10 مرات من المحرضات الأدرينالينية الفعل adrenergic ألفا وبيتا.
    ـ تركيب العرق: يحتوي العرق على 99% ماء و1% أملاح معدنية (كلور البوتاسيوم خاصة، والكلسيوم والمنغنيز والحديد) ومواد عضوية (نصفها بولة). وطرح البولة urea عبر العرق ضعيف جداً قياساً إلى طرحها الكلوي على الرغم من أن تركيزها في العرق أعلى مرتين من تركيزها في الدم.
    وتطرح مع العرق مواد آزوتية أخرى مثل الكرياتين وحمض البول وحموض أمينية مختلفة والبروستاغلاندينات والفيتامينات، كما يطرح الأمونياك بكمية أقل بـ 10 مرات من كميته في عرق الغدد المفترزة، ولذا فهو أقل حموضة. كما يوجد في العرق أيضاً الغلوكوز ويكون تركيزه أقل بكثير من تركيزه في الدم، كما يوجد حمض اللبن lactic acid الذي تزيد كميته مع الجهد العضلي، وتطرح أحياناً بعض الأدوية كالزرنيخ، والزئبق، والكحول، والكيتوكونازول ketoconazole.
    يكون عرق الغدد العرقية الناتحة حامضياً (يراوح pH بين 4 إلى 6)، وتنجم هذه الحموضة عن حمض اللبن أو الحموض الأمينية.
    لايمكن للغدد العرقية أن تعوض عن عمل الكلية ولو جزئياً. وأهم وظيفة لها هي تنظيم حرارة البدن، وذلك بالتنبيه العصبي المركزي لمراكز تنظيم الحرارة في الوطاء، وخاصة في أثناء الترفع الحروري، أو ارتفاع الحرارة المحيطية.
    يساعد العرق على تشكيل غطاء مائي شحمي يسهل التبخر، ويوفر ترطيب الجلد ومرونته، ويسهم في الدفاع ضد العوامل الغازية.
    ـ الغدد العرقية المفترزة apocrine sweat glands: هي غدد أنبوبية كبية مرتبطة بالجهاز الشعري الزهمي sebaceous. تتوضع هذه الغدد في الإبطين، وفوق القص، وفي منطقة الحلمة، والناحية المحيطة بالسرة، وعلى جبل العانة mons pubis، والمنطقة التناسلية الشرجية، كما تشاهد أيضاً على الرأس والجذع بأعداد قليلة.
    يكون حجم الغدد المفترزة وكمية إفرازها أكبر عند الذكور من الإناث، كما تكون عند العرق الأسود أكبر من العرق الأبيض.
    ـ آلية الإفراز: تبدأ وظيفة الغدد بإفراز العرق عند البلوغ، وعند الفتيات في سن أصغر من الفتيان، وتكون تحت تأثير الدورة المبيضية (تزيد قبل الطمث)، والحمل (تنقص)، وسن الإياس (نقص وتراجع شكلي في الغدد). يكون الإفراز في هذه الغدد نَبضياً pulsatile، وتستجيب للمحرضات الانفعالية بعد سن البلوغ وحسب، وقد تتنبه بالايبينفرين epinephrine أو النورابينفرينnorepinephrine المطبق موضعياً أو عن الطريق العام. تعصب الغدد العرقية المفترزة بالأعصاب الأدرينالينية الفعل، ولا يزيل تعصيب الغدد الاستجابة للمحرضات الانفعالية، مما يدل على إمكانية تحريضها بالايبينفرين أو النورابينفرين الجوال في الدم. ويظهر العرق بعد 15 ثانية من التحريض، وتتبعه فترة مقاومة للتحريض تستمر ساعات عدة.
    ـ الوظيفة: ينتج من تنبيه الغدد العرقية المفترزة كميات معتدلة من سائل لزج أبيض مصفر، غير شفاف، وأقل حموضة من العرق المفرز من الغدد العرقية الناتحة (يراوح pH بين 5 إلى 6.5). يكون هذا السائل عقيماً، عديم الرائحة في الأصل، ويحتوي على كميات وافرة من الشحميات وخصوصاً الكوليسترول 75% وثلاثي الغليسيريد، والحموض الدهنية 20%، إضافة إلى كميات قليلة من استرات الكوليسترول، وإسترات الشمع، والسكوالين. ويحتوي على مواد آزوتية (الأمونياك)، وحديد، ومواد مولدة للون تعطيه اللون الأزرق بتماس الهواء، وحموض دسمة طيارة مثل حمض الكابريليك (لها دور في حدوث الرائحة)، كما يحتوي على مقادير ضئيلة من الستيروئيدات الأندروجينية مثل: دي هيدروابي اندروستيرون dehydro epiandrosteroneوالأندروسيترون. ويبدو أن المكورات الوتدية الشكلCoryneform cocci التي تشاهد على سطح الجلد تقوم على الأرجح بتحويل هذين المركبين إلى مركبات ذات رائحة كريهة جداً، وهي المسؤولة عن الرائحة الحادة الوصفية لعرق الغدد المفترزة، لأن العرق إذا أخذ مباشرة بالقثطرة من الأقنية، أو إذا طبقت عليه محاليل قاتلة للجراثيم موضعياً يكون عديم الرائحة. وهذه الرائحة أشد عند النساء من الرجال، وتكون في العرق الأسود أشد من غيره.
    ـ وظيفة العرق: دور عرق الغدد المفترزة محدود جداً عند الإنسان، ويساعد على تسهيل الحركة لبعض المناطق المشعرة، ويتشارك في إحداث طبقة رقيقة مائية شحمية. ولرائحة العرق في الجذب الجنسي دور عند بعض الثدييات، ولكن لم يبرهن عليه عند الإنسان، وذلك بسبب البيئة، وضعف حاسة الشم.
    ـ الغدد العرقية المفترزة الناتحة: اكتشفت هذه الغدد في الإبط وهي تتشكل في أثناء البلوغ، لذا تشاهد عند الكهول. ويكون عددها عند المصابين بفرط التعرق الإبطي كبيراً، إذ قد تشكل 50% من الغدد العرقية لديهم. تكون هذه الغدد كولينية الفِعل cholinergic وأدرينالية الفِعل، ويكون معدل إفرازها أكبر بـ 10 مرات من الغدد العرقية الناتحة، لذا لها دور مهم في فرط التعرق الإبطي. وتستجيب الغدد العرقية المفترزة الناتحة على نحو شديد ومماثل للأستيل كولين والايبينفرين. قد تكون هذه الغدد في أساسها غدداً ناتحة تحولت إلى مفترزة نتيجة عوامل النمو growth factors الموضعة لذا قد يحدث تطور مماثل في مناطق أخرى من الجسم تحت تأثير عوامل نمو موضعية مماثلة.
    فرط التعرق hyperhidrosis
    هو التعرق الشديد وهو حالة مرضية، وليس لها سبب واحد وحسب، لأنها ليست مرضاً في ذاتها، بل قد يكون عرضاًsymptom لمرض ما في البدن. وقد لا يكون هناك سبب واضح لفرط التعرق عند بعض الأشخاص، وهذا ما يسمى بفرط التعرق الأساسي، أو الغامض أو الأولي idiopathic، الذي قد ينجم عن فعالية زائدة للأعصاب الودية. يشاهد هذا الشكل عند بعض الأسر، مما يدل على دور العامل الوراثي في إحداثه. وقد يكون فرط التعرق معمماً أو موضعياً.
    فرط التعرق المعمم generalized hyperhidrosis: يشاهد فرط التعرق المعمم في:
    ـ أمراض مترافقة بترفع حروري، ويمثل طريقة التنظيم الحروري العادية في هذه الحالات، وقد لا تواكب هجمات فرط التعرق دائماً هجمات الترفع الحروري، مما يدل على عدم استقرار المراكز المنظمة للتعرق في أثناء الترفع الحروري، وقد يدوم عدم الاستقرار هذا أسابيع عدة بعد الشفاء.
    ـ هناك آلية مشابهة لآلية الترفع الحروري تكون مسؤولة عن فرط التعرق المعمم، وتُشاهَدُ عند الذين يعاقرون الخمر، والسكريين، وفي سياق فرط الإفراز الدرقي، كما تشاهد في سن الإياس، وعند البدينين.
    ـ فرط التعرق المعمم في أذيات سابقة للحبل الشوكي، والاعتلالات العصبية المحيطية، وأذيات الدماغ الرضية والوعائية في منطقة الوطاء.
    ـ فرط التعرق المرافق للآفات والأورام داخل الصدر: يكون فرط التعرق شديداً في الوجه والعنق والصدر، وهو وحيد الجانب عادة.
    ـ فرط التعرق المرافق لتناول بعض الأدوية، أو الانسمامات مثل مضادات الاكتئاب، والانسمام الزئبقي والبيريدوستغمينpyridostigmine.
    ـ التعرق الليلي: يشاهد أحياناً مرافقاً للسل، والتهاب شغاف القلب، واللمفوما، وفرط نشاط الدرق، والسكري، وداء هودجكين Hodgkin.
    ـ فرط التعرق المعاوض compensatory hyperhidrosis يحدث فرط التعرق في الجذع والساقين بعد إجراء قطع ودي صدري جراحي لمعالجة فرط التعرق الراحي.
    ـ يكون الانفعال أحياناً مسؤولاً عن فرط التعرق المعمم ولكن فرط التعرق الانفعالي يكون غالباً موضعاً (اليدين والقدمين والإبطين والوجه).
    فرط التعرق الموضع localized hyperhidrosis يشمل:
    ـ فرط التعرق الوحيد الجانب المحدد المجهول السبب idiopathic unilateral circumscribed hyperhidrosis: تكون المساحة المصابة محددة ووحيدة الجانب ولا تتجاوز 10 × 10سم2. يحدث بصورة رئيسية على الوجه والأطراف العلوية، ويستمر التعرق الشديد مدة 15 إلى 60 دقيقة، تحرضه الحرارة والمحرضات الفكرية والذوقية، ولا يترافق هذا النوع من فرط التعرق مع اعتلالات عصبية حسية أو حركية، والآلية المرضية لحدوثه مجهولة.
    ـ فرط التعرق الموضع المترافق مع أمراض الجلدlocalized hyperhidrosis associated with cutaneous diseases: يحدث في الوحمة المطاطية الزرقاء وفي محيط الورم الكبي.
    ـ التعرق الذوقي gustatory sweating: يتنبه الإفراز العرقي بالمضغ، وهو ناجم عن فرط نشاط الفعالية الودية، ويحدث في الوجه والعنق في الإصابة بالتهاب الدماغ، وفي ورم الجذر العصبي الودي في الرقبة، وفي تكهف النخاع، كما يحدث عقب قطع الودي.
    ـ المتلازمة الأذنية الصدغية: auriculo-temporal syndrome يحدث فرط التعرق الذوقي الخفيف بعد رض المنطقة أمام الأذن أو الرض الناجم عن استئصال النكفة.
    ـ التعرق الدمعي lacrimal sweating: تعرق شديد ومستمر لمنطقة فوق الحجاج وحيد الجانب ناجم عن اعتلال الأعصاب الودية المعصبة للمنطقة.
    التعرق الانفعالي emotional sweating: يشمل فرط التعرق الراحي الأخمصي، وفرط التعرق الإبطي.
    ـ فرط التعرق الراحي الأخمصي hyperhidrosis of the palms and soles: يحدث في أثناء الشدة النفسية، ويمكن أن يترافق مع تسرع قلب وعدم استقرار المحرّك الوعائي. يمكن لفرط التعرق الراحي أن يعوق عمل اليدين، ويزيد نسبة حدوث التهاب الجلد بالتماس التحسسي. إن مركز التعرق الوِطائي الذي يسيطر على التعرق الراحي الأخمصي، وعلى التعرق الإبطي عند بعض المرضى؛ يحدث بصورة رئيسية بالمحرضات الانفعالية، ولا يتأثر بالمحرضات الحرارية، لذا لا يحدث فرط التعرق الراحي الأخمصي في أثناء النوم، ولا يزيد مع ازدياد حرارة المحيط.
    يؤدي فرط التعرق الراحي الأخمصي الشديد إلى انخفاض حرارة الجلد في اليدين والقدمين، نتيجة تبخر العرق الزائد، وهذا يزيد السيالة الودية، مما يؤدي إلى تفاقم فرط التعرق.
    من المعالجات المفيدة في فرط التعرق الراحي الأخمصي زيادة حرارة الجلد بمقدار 5.2 درجة مئوية، مما يساعد على تخفيف الحلقة المعيبة للمنعكس الودي.
    ـ فرط التعرق الإبطي hyperhidrosis of the axillae: يخضع فرط التعرق الإبطي للمحرضات الانفعالية، إلى جانب استجابته للمحرضات الحرارية، ويترافق لدى 25% من الأشخاص بفرط تعرق راحي أخمصي ومن النادر أن يؤدي فرط التعرق الشديد إلى ظهور رائحة كريهة.
    ـ معالجات فرط التعرق الراحي الأخمصي والإبطي: لإنقاص الإفراز العرقي يجب قطع السيالة العصبية إلى الغدد العرقية، أو منع تحرر الأستيل كولين، أو إتلاف الغدد، أو إغلاق الأقنية العرقية، وبذلك لايستطيع العرق أن يصل إلى سطح الجلد. ويتحقق هذا بالأدوية العامة عن طريق الفم أو بتطبيقها موضعياً، أو باللجوء إلى الجراحة.
    آ ـ المعالجات العامة: يمكن أن تعطى بعض الأدوية المضادة للكولين مثل البروبانتين pro-bantine أو الأتروبين، ولكن مقاديرها المفيدة كثيرة المضاعفات، إذ قد يحدث جفاف بالفم، وزرق glaucoma، واختلاجات. يستمر تأثير هذه الأدوية مدة 4 إلى 5 ساعات لذا قد يلجأ إليها بالمناسبات الخاصة باستمرار.
    كما يمكن استعمال مضادات الهيستامين، وبعض مضادات الاكتئاب antidepressants، وبعض المهدئات tranquilizers. قد يفيد الديليتازيم diltiazem والكلونيدين clonidin.
    ب ـ المعالجات الموضعية:
    ـ مضادات التعرق: antiperspirant الطريقة الرئيسة لإنقاص العرق هي تطبيق دواء على سطح الجلد يحدث انسداداً غير دائم للأقنية العرقية.
    يطبق كلورهيدرات الألمنيوم aluminum chlorhydrat بنسبة 25% مع الإيتانول ethanol على جلد جاف، غير ملتهب وغير مخرَش مدة سبعة أيام إلى عشرة يومياً قبل النوم مع مراقبة المريض حتى الحصول على نتيجة مُرضية، ثم يطبق العلاج مدة يومين متتاليين كل أسبوع للمحافظة على النتيجة. إن هذا الدواء جيد التحمل حتى عند الأطفال، ويعد الدواء المفضل لفرط التعرق الإبطي، إلا أنه غير كاف دائماً في فرط التعرق الراحي الأخمصي، لذا يستخدم الفورمول formol بنسبة 10% في ماء كحولي مرة إلى مرتين أسبوعياً ولكنه سيئ التحمل أحياناً.
    قد يستعمل الغلوتر ألدهايد glutaraldehyde ن10% مع ماءات البيكربونات مرتين أسبوعياً، وهو جيد التحمل، لكنه يصبغ الجلد باللون الأسود، لذلك يُحدّد استخدامه في أخمص القدم.
    ـ التشردن: iontophoresis إن استعمال التشردن الكهربائي مفيد جداً في معالجة فرط التعرق الراحي الأخمصي والإبطي. ويُجْرى بتطبيق تيارات كهربائية ضعيفة الشدة (15 إلى 8 ميلي أمبير) عبر الجلد، مما يسبب اضطراباً في وظيفة الغدد العرقية. يصدم هذا التيار الغدد العرقية التي تتوقف عن إفراز العرق.
    تطبق هذه الطريقة عدة مرات أسبوعياً لنحصل على جفاف الجلد في المنطقة المعالجة، ويُتَابَعُ العلاج لأسابيع عدَّة، وهناك أجهزة خاصة لمعالجة فرط التعرق في المنزل.
    ـ الذيفان الوشيقي botulinum toxin: من المعالجات الحديثة لفرط التعرق الموضع حقن ذيفان الجراثيم الوشيقية في الجلد، مما يسبب حصار الأستيل كولين في الوصل العصبي العضلي، لأشهر عدة، ويمنع من ثمَّ التعرق في منطقة صغيرة بقطر1.2سم حول مكان الزرق، لذا يجرى الزرق بفاصل 1 إلى 2.5سم في منطقة فرط التعرق. ويظهر تأثير الدواء في أسبوع. ويستمر مدة 6 إلى 12 شهراً، وتعاد المعالجة متواترة للحصول على فائدة طويلة ومستمرة. يحقن الدواء ضمن الجلد، ويكون الزرق مؤلماً، لذا يحتاج إلى تخدير المنطقة. فيجرى تخدير جذعي للعصب الكعبري ulnar والعصب المتوسط.
    قد تحدث تأثيرات جانبية محتملة وخفيفة لحقن الذيفان، تشمل حدوث ضعف خفيف وعابر بعضلات اليد، وقد يتشكل ورم دموي خفيف. إن كلفة هذه المعالجة عالية جداً، وخاصة أن فائدتها تقتصر على مدة محدودة، ولابد من إعادتها.
    ج ـ المعالجة الجراحية surgical treatment: يُلجأ للمعالجة الجراحية في الأشكال الموضعيَّة الشديدة والتي لم تعن للمعالجات المحافظة. يفيد قطع الودي العلوي sympathectomy بمعالجة فرط التعرق الراحي. ويتوقف إفراز العرق من الراحتين تماماً وتكون النتيجة جيدة عند ثلثي المرضى، ونتائج الثلث الباقي غير مرضية، إذ يحدث فرط تعرق معاوض.
    يعد قطع الودي الصدري بالتنظير من الإجراءات الجراحية السليمة في معالجة فرط التعرق الراحي والوجهي المتوسط الشدة إلى الشديد، وفي فرط التعرق الإبطي المرافق أيضاً. وتؤدي هذه الطريقة إلى الشفاء التام تاركة ندبة صغيرة في ذروة الإبط.
    يمكن شفاء فرط التعرق الأخمصي المعزول بقطع الودي القطني بفتح البطن الجراحي، وهي جراحة راضة قد تؤدي إلى اضطرابات في الوظيفة التناسلية، ولا يُنْصح بها.
    د ـ المعالجة النفسية: psychotherapy لها تأثير محدود جداً في المشكلات النفسية التي تنشأ نتيجة الإصابة بفرط التعرق ولا تسببه، لذا لايمكن للمعالجة النفسية أن تشفي هذا الداء لكنها قد تساعد المريض على التلاؤم مع إصابته.
    هـ ـ المعالجات الأخرى:
    ـ الطب البديل alternative medicine: لا تفيد المعالجة بطرق الطب البديل على اختلافها، والتي تشمل: المعالجة المِثْلِيّةhomeopathy، والتدليك، والوخز بالإبر، والأدوية العشبية phytotherapeutic drugs.
    ـ التنويم المغناطيسي hypnosis: لاتوجد دراسات حول هذه الطريقة، ولكن المرضى الذين عولجوا بها لم يلحظوا أي تحسن في حالتهم.
    صُنان الغدد العرقية المفترزة apocrine bromhidrosis
    يتصف الصُنان بإفراز عرق نتن الرائحة غني بالمواد العضوية، خاصة في الإبطين والأخمصين، مما قد يكون له انعكاسات سلبية على الحياة العائلية والاجتماعية والمهنية.
    يحدث الصُنان عادة عند الإنسان بعد سن المراهقة، ويصادف في العِرق الأسود أكثر من العِرق الأبيض، ولدى الآسيويين. وهناك قصة عائلية في معظم الحالات.
    ليس للصُنان في الأخمصين علاقة بالفصول، إذ إنه يتحرض بالانفعال العاطفي، وليس بالحرارة، في حين يكون صُنان الثنيات الناجم عن الغدد العرقية الناتحة أكثر مشاهدة في الصيف، إذ إنه ينجم عن فعل الجراثيم في الطبقة المتقرنة المبللة بالعرق.
    عرق الغدد المفترزة الملون aprocrine chromidrosis
    هو إفراز العرق الملون من الغدد العرقية المفترزة، وهو مرض موضع في الإبطين والوجه، ونادراً في منطقة الحلمتين. يُنتج الصباغ المسؤول عن اللون ـ وهو من نوع ليبوفوسين lipofuscine ـ من الغدد العرقية نفسها، وهذا ما يميزه من تلون العرق الكاذب، أو الخارجي الناجم عن فعل الجراثيم والفطور والأصبغة. يكون العرق الخارج أصفر اللون أو أخضر أو أزرق، يُشاهد بعد سن البلوغ وهو أكثر مشاهدة في العرق الأسود، وليس للجنس أو العمل أو التبدلات المناخية أو الفصول أي دور في حدوث هذا المرض. تغيِّرُ المحرضات الانفعالية مثل الغضب والخوف والألم إفراز هذا العرق، وقد يسبق ظهوره خاصة على الوجه أوْرَة aura من الحرارة أو الشعور بالوخز. وليس هناك معالجة ناجعة، وقد يفيد فيها تطبيق مادة الكبسيسينcapsaicin موضعياً.
    ليديا عوض

  8. #668
    العصبية (الأسباب الوراثية لآفات الجملة ـ)

    من المعلوم أن الإنسان يخضع لإرادة قاهرة في بعض أموره لا مفر له منها، ومن ذلك ما يرثه عن والديه من صفات كلون البشرة وزمرة الدم، فهذه الصفات تنقلها المادة الوراثية التي عمادها الحمض النووي nucleic acid الذي يتكون من سلسلة مزدوجة من الحموض الأمينية amino acids (أدينين، غوانين، سيتوزين، تيمين)، التي ترتصف بشكل هندسي خاص مبني على ارتباط كل حمض بما قبله وبعده من حموض، وبارتباطه بالحمض الذي يقابله في السلسلة الثانية، ثم إن الحمض النووي يجتمع في 46 زوجاً من الجسيمات المجهرية المسماة بالصبغيات chromosomes؛ هناك زوج منها يحدد جنس المولود، وهو في الذكرXY وفي الأنثى XX، والبقية تسمى الصبغيات الجسمية (غير ذات العلاقة بالجنس) يرد نصفها من أحد الأبوين ونصفها من الآخر؛ فالصبغيات هي التي تنقل الأوامر المحددة لمواصفات الجسم الحي الجديد المتشكل «الجنين» ولا يقتصر أثرها فيما يحصل قبل الولادة، بل يمتد إلى الحياة كلها، وقد يكون المرض وراثياً، لكن أعراضه لاتبدأ بالظهور إلا في عمر الأربعين أو الخمسين.
    كان تحديد دور الوراثة أمراً بالغ التعقيد لكن البحوث قادت إلى طرائق سريعة ودقيقة يسرت كشف الحمض النووي، ومن أهم هذه الطرائق التفاعل التسلسلي للبوليميراز polymerase chain reaction ويمكن تحري الحمض النووي بالبحث عما يكوِّنه من مواد بروتينية أو خمائر أو غير ذلك.
    والأشياء المحددة بالوراثة على أنواع، منها ما ينتقل بطريقة بسيطة تسمى المندلية نسبة إلى مندل Mendel الذي وصفها، وهي تتفرع إلى وراثة جسمية قاهرة (أو سائدة) dominant يكفي وجودها على أحد زوجي الصبغي لظهور المواصفات المتعلقة بها. ولما كان المرء يرث نصف جيناته من أحد أبويه، فوجودها عند أحد الأبوين يعني احتمال انتقالها بنسبة تقدر بـ 50% في كل مرة يحصل تشكل جنين جديد. وفي الوراثة الجسمية المقهورة (صاغرة) recessive لابد من وجود صفة ما على كل من زوجي الصبغي لظهور أثر الجين، ولذلك لاتظهر هذه للصفة على الجنين الجديد ما لم توجد عند كل من الأب والأم معاً، ومع ذلك فاحتمال الإصابة بالمرض يكون 25%. لكن حمل الجين المقهور على أحد زوجي الصبغي يجعل المرء حاملاً للصفة وإن لم تصبه بوزرها، وأخيراً تنتقل بعض الخصائص الوراثية مع الصبغي المحدد للجنس.
    وقد يكون انتقال الصفة الوراثية أشد تعقيداً، إذ لاتنتقل بصبغي واحد معلوم، وإنما باجتماع صبغيات عدة، أو أن الوراثة فيه لا تُحْدِثُ المرض مباشرة، لكنها تجعل صاحبها أكثر استعداداً له، ثم تؤدي عوامل البيئة عملها سلباً بإبعاد هذه الصفة، أو إيجاباٍ بترسيخها كما في مرض السكري.
    ويتألف الجهاز العصبي من جزء مركزي هو الدماغ والنخاع الشوكي، وجزء محيطي هو الأعصاب، التي تنتشر في كل الجسم، موزعة الأوامر إلى مناطق الجسم كلها، وكما أن الأمراض قد تكون من أصل وراثي أو مكتسب فإن الجملة العصبية لا تخرج عن هذه القاعدة، وفيما يأتي أمثلة لطرائق الانتقال الوراثي المختلفة.
    ـ مرض هنتنغتون Huntington‘s disease: وهو مرض أخذ اسمه من العالم الذي وصفه، وهو يصيب الجملة العصبية المركزية، وينتقل بصفة وراثية قاهرة على الصبغي الرابع، ويتسبب بثلاثة أعراض رئيسة؛ أولها تراجع المَلَكَات العقلية، وثانيها حصول حركات لا إرادية رقصية choric معاودة، وثالثها اضطراب سلوكي ونفسي عميقين. تبدأ أعراض هذا المرض بالظهور في الثلاثينيات بينما تحدث بنسبة 10% فقط قبل العشرين أو بعد الخمسين من العمر، وهذا المرض مثال صريح لمرض وراثي لا تبدو أعراضه منذ الولادة ولكن بعد سنين طويلة من الحياة الطبيعية.
    ويعد الخلل الوراثي في مرض هنتنغتون ذا طبيعة فريدة كشفت في العقدين الأخيرين، تتكرر الحموض الأمينية بتسلسل خاص يسمى ثلاثية triplet في الحالة الطبيعية ضمن عدد معين، فإذا تجاوزه أصبح مسبباً للمرض، وحدود تكررها الطبيعي من 11 إلى 26، مرة فإن تكررت أكثر من أربعين مرة كان حدوث المرض محققاً حتماً. ويختلف احتمال حدوث المرض باختلاف تكرار الثلاثية بين هذين الحدين، وقد وضح الظاهرة الوراثية التي تعرف بالنفوذية penetratio، وهي تعني أن وجود المادة الوراثية شرط لازم ولكن غير كاف لظهور الأعراض، فوجودها ليس من قبيل كل شيء أو لا شيء، ولكنه أمر نسبي، فقد يوجد الجين، ثم لاتظهر الأعراض الخاصة بها (نفوذية غير كاملة).
    ومن مفهوم النفوذية هذا يتفرع أمر بالغ الخطورة فتحري الحمض النووي للمرض عند من لم يظهر عنده أي عرض للداء، في حين أن أحد والديه مصاب، سيبعث القلق، ولكن كشف هذا الحمض لايعني ضرورة أنه سيصاب، بل لابد من معرفة حجم الجين للحكم على الحالة، كذلك فإن هذا النوع من المرض يوضح ظاهرة وراثية أخرى هي الاستباق anticipation، إذ يزداد عدد تكرار الثلاثية من جيل إلى الذي يليه وكلما ازداد عدد مرات تكرار الثلاثية أصبحت أعراض المرض تظهر في سن مبكرة أكثر.
    ـ الحثل العضلي التأتري myotonic dystrophy: وهو مرض ينتقل بصفة وراثية جسمية قاهرة ويصيب العضلات مسبباً ضعفاً متزايداً فيها مع صعوبة حصول استرخاء إثر تقلصها الإرادي، ومرد الوراثة هنا تكرار ثلاثية سيتوزين تيمين غوانين في الصبغي رقم 19علماً أنها (بخلاف داء هنتنغتون) تحصل في مكان من الحمض النووي غير مسؤول عن إعطاء الأوامر الوراثية non-coding area، وحجم التكرار الذي يسبب المرض بوضوح هنا يتجاوز 1000 مرة فوق الحد الطبيعي.
    ـ المتلازمات العصبية الجلدية (أو العدامية) phacomatosis: وهي تظهر بعد أمراض عصبية وراثية تصيب الجملة العصبية المركزية والمحيطية معاً، إضافة إلى الجلد وقد تمتد إلى أجهزة أخرى، ومن أكثرها شيوعاً الداء العصبي الليفيneurofibromatosis والتصلب الحدبي tuberous sclerosis، فالتصلب الحدبي مرض يصيب أجهزة عديدة من الجسم أهمها الدماغ ثم القلب والكلية والجلد وينتقل بوراثة جسمية قاهرة، وقد يكون الخلل في الصبغي رقم 9 أو رقم 16. أما الداء العصبي الليفي فهو نمطان كلاهما وراثته جسمية قاهرة؛ ففي الأول منهما يصطبغ جلد المريض ببقع عدة من لون القهوة بالحليب مع ورم دبقي في عصب العين وأورام عصبية محيطية ليفية، ومع تبدل خاص في قزحية العين، كما تحصل أيضاً بعض الآفات العظمية. وفي الثاني منهما يحصل ورم في عصبَي السمع.
    ـ إصابة المتقدرات mitochondrial disease: وهي مثال آخر على مجموعة أمراض المشكلة الأساسية فيها هي إصابة الجملة العصبية والعضلات، لكنها قد تمتد إلى أجهزة أخرى، ومما يميزها من غيرها أن الإنسان يرثها حصراً عن أمه، وأن كل الحمض الأميني فيها فعال ليس فيه جزء لا عمل له (no introns or non-coding area). والمتقدرات هي جهاز الاحتراق الأساسي للخلية لتزويدها بالطاقة اللازمة، ومن الأمثلة عليها مرض ضمور عصب العين لليبر Liber‘s optic atrophy ومرضالصرع الخلجاني المترافق بالحثل العضلي وفقد السمع وغير ذلك.
    ـ الأمراض الناجمة عن البريون prionic disease: وهي طائفة متميزة من الأمراض العصبية تعد فتحاً جديداً في علم الوراثة؛ إذ يمكن فيها أن يحدث المرض بسبب الإرث كما يحصل بعلة مكتسبة (تناول منتجات حيوانية مصابة أو ازدراعها في الجسم كزرع القرنية). والبريون بروتين يوجد طبيعيَّاً في معظم خلايا الجسم ولكنه لعيبٍ ما يتحول من شكله السوي غير الممرض إلى شكله الممرض مسبباً أحد أمراض عدة كجنون البقر (التهاب دماغ إسفنجي)، ومرض كرويتزفلد جاكوب Creutzfeldt - Jakobومرض الأرق العائلي القاتل fatal familial insomnia وغير ذلك.
    ـ مرض دوشين وبيكر Duchenne-Becker: وهما مثالان للوراثة في الصبغي المحدد للجنس والتي تكون الأنثى فيها عادة حاملة للمرض لا مصابة به (يوجد المرض على أحد صبغيي الجنس، فتكون الأنثى حاملة للمرض، ولو وجد على كليهما لما تمكنت من الحياة من شدة الإصابة)، والعلة في كل من دوشين وبيكر ينجم عنها مشكلة في أحد البروتينات المكونة لغشاء العضلة المسمى ديستروفين، إذ ينعدم تماماً في دوشين (الأعراض أشد) ويضطرب في بيكر. والعلة في الحمض النووي قد تأخذ أشكالاً متعددة، فقد يحدث حذف جزء منه أو تضاعف جزء منه أو استبدال حمض نووي بآخر، وتبقى في كل من هذه الحالات أعراض المرض نفسها، وهي ضعف متزايد في عضلات الجسم، ولاسيما التي في جذور الأطراف (الفخذ والعضد)، وعضلات الجذع وتنتهي بالمريض إلى الكرسي النقال في نحو العاشرة من عمره في دوشين وبعد ذلك بسنين طويلة في بيكر.
    سـالم الحلبي

  9. #669
    العصبية المستقلة (الجملة ـ)

    الجملة العصبية المستقلة autonomic nervous system (أو الجملة العصبية الذاتية) قسم من الجملة العصبية يتحكم بوظائف الجسم التي تتم تلقائياً، ويشمل ذلك فعالية العضلة القلبية والعضلات الملساء والغدد. وعلى الرغم من وصف هذه الجملة بأنها مستقلة، أو ذاتية، فإن عملها ليس مستقلاً استقلالاً تاماً ومستمراً، فالجلد المعرض للهواء البارد مثلاً، يصبح أبيض أو شاحباً بسبب تقلص الأوعية تقلصاً انعكاسياً ناجماً عن تحريض الهواء البارد للمستقبلات الجلدية، ومن ثمَّ يثار منعكس شوكي يهدف إلى الاحتفاظ بالحرارة؛ ولكن الدفعة العصبية تبلغ مستوى الوعي في الدماغ فيتولد الشعور بالبرودة.
    ينجم عن تنبيه الجملة العصبية المستقلة التأثيرات الآتية: تغيرات في معدل نبض القلب وقوته، وتحريض إفراز الغدد أو تثبيطه، والتقبض الوعائي أو توسعه، والتقبض القصبي أو توسعه، وتغيرات في حجم حدقتي العينين.
    تنشأ الأعصاب الصادرة (الحركية) efferent (motor) nervous للجملة العصبية المستقلة من خلايا عصبية في الدماغوالنخاع الشوكي، وتنبثق من مستويات مختلفة ما بين الدماغ المتوسط mesencephalon والمنطقة العجزية من النخاع الشوكي. يسير كثير من هذه الأعصاب والأعصابَ المحيطية ضمن الغمد العصبي ذاته، كي تصل الأعضاء التي تعصبها.
    تقسم الجملة العصبية المستقلة إلى قسمين: ودي sympathetic (النتاج الصدري القطني)، ونظير ودي parasympathetic(النتاج القحفي العجزي).
    ثمة فوارق بنيوية ووظيفية بين القسمين، وهما يعملان طبيعياً متعاكسين، لكن على نحو منسَّق، مما يمكّن من موازنة الحركات اللاإرادية والمحافظة على الاستتباب، وتنزع الفعالية الودية إلى الاشتداد في حالات الشدة، في حين تغلب الفعالية نظيرة الودية في أثناء الراحة.
    يمتلك كل قسم عصبونين صادرين في الطرق المحيطية الممتدة بين الجملة العصبية المركزية والأعضاء المستهدفة. هذان العصبونان هما: العصبون (أي الخلية العصبية) قبل العقدي، والعصبون بعد العقدي.
    يقع جسم العصبون قبل العقدي في الدماغ أو النخاع الشوكي، وتشتبك نهاياته المحوارية axons (أي الاستطالات التي تنشأ من الخلية العصبية، وهي ذات اتجاه محدد)، مع جسم خلية لعصبون بعد عقدي واقع في عقدة ذاتية autonomic ganglion خارج الجملة العصبية المركزية. ينقل العصبون بعد العقدي الدفعات (السيالات) إلى الأعضاء المستهدفة.
    الجملة العصبية الودية
    تنقل العصبونات الدفعات من مناشئها في الوطاء hypothalamus، والتشكيل الشبكي والنخاع المتطاول (البصلة) إلى الأعضاء المستفعلة والأنسجة، ويقع الجسم الخلوي للعصبون الأول في الدماغ، ويمتد ليف هذا العصبون إلى داخل النخاع الشوكي.

    الشكل رقم (1) مخطط يظهر تأثيرات الجهاز الودي على مختلف الأعضاء: النتاج الودي، البنى الرئيسة المعصًّبة وتأثيرات التنبيه، الخطوط الحمراء المتواصلة: ألياف قبل عقدية، الخطوط المنقطة: ألياف بعد عقدية، وهناك جذعان وديان أيمن وأيسر
    ـ العصبون قبل العقدي preganglion neuron: يقع جسمه الخلوي في العمود الوحشي للمادة السنجابية lateral column of grey matter في النخاع الشوكي بين مستويات الشدف النخاعية من الصدرية الأولى حتى القطنية الثانية، ويغادر ليفُ هذه الخلية العصبي النخاعَ الشوكي عبر الجذر الأمامي للعصب الشوكي، وينتهي في أحد عقد الجذع الودي sympathetic trunk(المكوّن من سلسلة عقد جانب العمود الفقري)، أو يسير عبر هذا الجذع إلى إحدى العقد أمام الفقرية prevertebral ganglia. الناقل العصبي هنا هو الأستيل كولين.
    ـ العصبون بعد العقدي postganglion neuron: يقع الجسم الخلوي لهذا العصبون في إحدى العقد، وينتهي ليفه في العضو أو النسيج المعني به، والناقل العصبي المعتاد هنا هو النور أدرينالين (أو النور إيبينفرين).
    ـ العقد الودية: تتوضع الأجسام الخلوية للعصبونات الودية بعد العقدية في موقعين، هما العقد جانب الفقرات، والعقد أمام الفقرات.
    أـ العقد جانب الفقرات paravertebral ganglia متصل بعضها ببعض لتشكل الجذعين الوديين sympathetic trunks الأيمن والأيسر المتوضعين على جانبي العمود الفقري، والممتدين على طول هذا العمود، يحصل الاتصال بين العقد بوساطة ألياف عصبية، ويمكن للعصبونات قبل العقدية التي تنبثق من النخاع الشوكي أن تشتبك مع جسمَ عصبون بعد عقدي في المستوى نفسه، أو تصعد أو تنزل عبر الجذع متجاوزة عقدة أو أكثر قبل تشابكها، فمثلاً يخرج العصب الذي يوسع الحدقةَ من النخاع في مستوى الشدفة النخاعية الصدرية الأولى، ويصعد عبر الجذع الودي، ليصل العقدة الرقبية العلوية قبل تشابكه مع جسم العصبون بعد العقدي، ثم تنطلق ألياف العصبونات بعد العقدية ذاهبة إلى العين.
    ب ـ العقد أمام الفقرات عددها ثلاث، وتقع في جوف البطن، قرب منشأ الشرايين التي لها الأسماء نفسها: العقدة البطنية (الزلاقية) coeliac ganglion، والعقدة المساريقية العلوية superior mesenteric ganglion، والعقدة المساريقية السفلية.
    تتألف العقد من أجسام خلوية منتشرة في شبكة من ألياف عصبية تشكل ضفائر، وتمر الألياف الودية قبل العقدية عبر الجذع الودي كي تصل هذه العقد.
    الجملة العصبية نظيرة الودية
    يتشارك عصبونان (قبل عقدي وبعد عقدي) في نقل الدفعات العصبية من مراكزها إلى الأعضاء المحيطية المستهدفة. ويشتبك العصبون قبل العقدي مع العصبون بعد العقدي، ويشتبك العصبون بعد العقدي بالعضو المستهدف، والناقل العصبي هو الأستيل كولين في كلا المشبكين.

    (الشكل رقم 2) مخطط يظهر تأثيراj الجهاز نظير الودي على مختلف الأعضاء: النتاج نظير الودي، البنى الأساسية المعصًّبة وتأثيرات التنبيه، الخطوط الزرقاء المستمرة: ألياف قبل عقدية، الخطوط المنقطة: ألياف بعد عقدية، حيثما لا توجد خطوط منقطة يكون العصبون بعد العقدي موجوداً في جدار العضو.
    ـ العصبون قبل العقدي: يقع جسمه الخلوي في الدماغ أو في النخاع الشوكي العجزي، وتنشأ ألياف العصبونات قبل العقدية الدماغية من نوى في جذع الدماغ (في الدماغ المتوسط والجسر والبصلة)، وتغادر الدماغ مع الأعصاب القحفية الثالث والسابع والتاسع والعاشر. أما ألياف العصبونات قبل العقدية العجزية فهي تنشأ من أجسامها الخلوية الواقعة في العمودين الوحشيين للمادة السنجابية في الشدف النخاعية العجزية الثانية والثالثة والرابعة، أي إزاء النهاية البعيدة للنخاع الشوكي، تغادر هذه الألياف النخاع مع الأعصاب العجزية الثانية والثالثة والرابعة، وتشتبك مع العصبونات بعد العقدية الكائنة في جدران الأعضاء الحوضية، أو في عقد قريبة من هذه الجدران.
    ـ العصبون بعد العقدي: يقع جسمه الخلوي إما في عقدة أو في جدار العضو المعني.
    وظائف الجملة العصبية المستقلة
    تتدخل الجملة العصبية المستقلة في مجمع من الفعاليات الانعكاسية، التي تعتمد على واردات حسية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي، وعلى صادرات حركية. وفي هذه الحالة، يظهر تأثير المنعكس في تقلص سريع للعضلة اللاإرادية (الملساء أو القلبية) أو تثبيط لهذا التقلص، أو يظهر تأثيره في تحريضه الإفرازَ الغديَّ أو تثبيطه. تخضع هذه المنعكسات إلى التنسيق في الدماغدون مستوى الوعي، أي دون مستوى المخ، تصل بعض المعلومات الحسية إلى مستوى الوعي، وقد تفضي إلى تثبيط مؤقت لعمل المنعكس، مثال ذلك منعكس التبول الذي يمكن تثبيطه مؤقتاً.
    معظم أعضاء الجسم مزوّدة بأعصاب ودية، وأعصاب نظيرة ودية، ذات تأثيرات متعارضة على نحو ينجم عنها توازن يضمن الوظيفة المثلى للعضو، والاستثناء الرئيس لهذا التعصيب المزدوج هو عدم وجود تعصيب نظير ودي في الغدد العرقية والجلد والأوعية الدموية للعضلات الهيكلية، فهذه البنى معصبة بألياف ودية فقط، والناقل العصبي لبعض هذه الألياف هو الأستيل كولين، في حين هو الأدرينالين (الإيبنفرين) والنور أدرينالين (النور إيبنيفرين) لبعضها الآخر، ومن ثم تكون تأثيراتها جامعة للتعصيبين الودي ونظير الودي.
    يحضِّر التنبيه الودي sympathetic stimulation الجسم إلى التعامل مع حالات الإثارة والشدة مقوياً ـ على سبيل المثال ـ دفاعاته عند الخطر، وعند الحدود القصوى لحرارة المحيط. وتُحرَّض الغدتان الكظريتان على إفراز الأدرينالين والنور أدرينالين في الدورة الدموية، ويقوي هذان الهرمونان تأثيرات التنبيه الودي، ويطيلان أمد التأثير، وقد قيل أحياناً إن التنبيه الودي يدفع الجسم إلى القتال أو الهرب.
    أما التنبيه نظير الودي parasympathetic stimulation فهو ينزع إلى إبطاء عمليات الجسم، عدا هضم الطعام وامتصاصه ووظائف الجهاز البولي التناسلي، وتأثيره العام شبيه بتأثير ناظم خطى يوجِّه العمليات الوظيفية نحو الحفاظ على الطاقة وتجديدها بهدوء ورفق.
    وفي الظروف الطبيعية، تعمل الجملتان معاً للحفاظ على نظم قلبي منتظم، وحرارة طبيعية، ووسط داخلي منسجم مع المحيط الخارجي المباشر.
    تأثيرات تنبيه الجملة العصبية المستقلة في الأجهزة والأعضاء
    أـ الجهاز القلبي الوعائي:
    ـ التنبيه الودي:
    ـ يمارس تأثيراً مسرعاً في العقدة الجيبية الأذينية في القلب، مُزيداً بذلك نبض القلب تواتراً وقوة.
    ـ يسبب توسع الشريانين الإكليليين مُزيداً بذلك تروية العضلة القلبية.
    ـ يسبب توسعاً في الأوعية الدموية المغذية للعضلة الهيكلية، مُزيداً بذلك التزوّد بالأكسجين والمواد الاغتذائية والتخلص من نواتج الفضلات الاستقلابية، ومُزيداً قدرة العضلة على العمل.
    ـ يرفع الضغط المحيطي والضغط الدموي بوساطة تقبيضه الشرايين الصغيرة والشرُيِّنات في الجلد، وبهذه الطريقة، تُوفرّ تروية العضلة الهيكلية والقلب والدماغ.
    ـ يقبِّض الأوعية الدموية في الغدد الإفرازية في جهاز الهضم، منقصاً بذلك إفراز العضلات الهضمية، وهذا ما يسمح بجريان كمية أكبر من الدم في الأوعية الدموية المتسعة.
    ـ يحدث تخثر الدم بسرعة أكبر بسبب التقبض الوعائي.
    ـ التنبيه نظير الودي:
    ـ يُنقص معدل نبض القلب وقوته.
    ـ يسبب تقبضاً في الشرايين الإكليلية منقصاً بذلك تروية العضلة القلبية.
    تمارس الجملة العصبية نظيرة الودية تأثيراً بسيطاً أو منعدماً في الأوعية الدموية، ما عدا الشريانين الإكليليين.
    ب ـ الجهاز التنفسي:
    ـ التنبيه الودي: يُحدث هذا التنبيه توسعاً في الطرق الهوائية، وخاصة القُصيبات، سامحاً بدخول كمية أكبر من الهواء إلى الرئتين في كل شهيق، ويزيد معدل التنفس، وترافق زيادة معدل النظم القلبي زيادة أخرى في استخلاص الأكسجين وطرح ثاني أكسيد الكربون.
    ـ التنبيه نظير الودي: يحدث تقبضاً في القصبات.
    ج ـ الجهازان الهضمي والبولي:
    ـ التنبيه الودي:
    ـ يحول الكبد كمية كبيرة من الغليكوجين إلى غليكوز (سكر العنب)، مما يوفر قدراً أكبر من السكريات للاستخدام المباشر لإنتاج الطاقة.
    ـ تحرَّض الغدتان الكظريتان adrenal (suprarenal) glands على إفراز الأدرينالين والنور أدرينالين اللذين يطيلان أمد تأثيرات التنبيه الودي .
    ـ في المعدة stomach والمعي الدقيق small intestine، يُثبِّط التقلص وإفراز العصارات الهضمية، مما يؤخر الهضم، والتمعّج (حركة الأمعاء الطبيعية) وامتصاص الطعام.
    ـ يزداد التواتر العضلي في المصرتين الإحليلية والشرجية urethral and anal sphincters، مما يثبط التبول والتبرز.
    ـ ترتخي جدران المثانة.
    ـ يزداد معدل الاستقلاب metabolic rate كثيراً.
    ـ التنبيه نظير الودي:
    ـ في المعدة والمعي الدقيق، يزداد معدل هضم الطعام وامتصاصه.
    ـ في المعثكلة (البنكرياس) pancreas، يزداد إفراز العصارة المعثكلية وهرمون الأنسولين.
    ـ ترتخي المصرة الإحليلية الداخلية ويرافق ذلك تقلُّصَ عضلة جدار المثانة ويحدث التبول. ويحصل ارتخاء شبيه في المصرة الشرجية الداخلية، وارتخاء يرافق تقلص عضلة المستقيم، ويحدث التبرز. وفي كلتاالحالتين، هناك ارتخاء إرادي في المصرتين الخارجيتين.
    د ـ العين:
    ـ التنبيه الودي: يسبب هذا التنبيه تقلص الألياف العضلية القزحية المتشععة، مما يوسع الحدقة، ويحدث انكماش في العضلتين رافعتي الجفنين، مما يزيد من انفتاح العينين ويعطي مظهر التنبيه والإثارة، ويحصل ارتخاء خفيف في العضلة الهدبية التي تعدل ثخانة العدسة.
    ـ التنبيه نظير الودي: يسبب هذا التنبيه تقلص الألياف العضلية الحلقية للقزحية، مما يقبض الحدقة، وينزع الجفنان إلى الإطباق، مما يعطي مظهر النعاس.
    هـ ـ الجلد:
    التنبيه الودي:
    ـ يسبب زيادة في إفراز العرق، مؤدياً إلى ازدياد الفقد الحراري من الجسم.
    ـ يُحدث تقلصاً في العضلات الناصبة للأشعار (عضلات في الجريبات الشعرية للجلد) مما يعطي مظهر جلد الإوزة أو الدجاجة.
    ـ يسبب تقبض الأوعية الدموية، فيحول دون فقد الحرارة.
    ليس هناك تعصيب نظير ودي إلى الجلد، ويُلاحظ هنا أن بعض الألياف ذات استثارة أدرينالينية تُحدث تقبضاً دماغياً، وبعضها ذات استثارة كولينية تحدث توسعاً وعائياً.
    يوسف مخلوف

  10. #670
    العصبية (الفحوص الطبية للجملة ـ)

    يعرض هذا البحث لمحة عن الفحص السريري للجهاز العصبي والاستقصاءات المختلفة التي تستخدم عادة لتشخيص الأمراض التي تصيبه.
    تعد المعلومات التي يقدمها المريض إلى الطبيب، وتسمى القصة المرضية، مهمة وأساسية، وإن كانت لاتعطي إلا فكرة مبدئية عن طبيعة المرض.
    ويهدف الفحص السريري بشكل رئيسي إلى تحديد مكان الآفة في الجهاز العصبي ودرجة تأثيرها، أما الاستقصاءات الإضافية، من مجهرية، وصور شعاعية وغيرها، فتهدف إلى تأكيد تشخيصٍ ما أو نفيه، وتحديد إنذاره، ووضع خطة للعلاج والمتابعة.
    الفحص السريري للجهاز العصبي
    يعد استجواب المريض وفحصه سريرياً من أهم الخطوات في تشخيص مرضه، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، وعادة ما يتركز هذا الاستجواب حول نقاط أساسية عدة هي الشكوى الرئيسة للمريض كالصداع، أو صعوبة في النطق أو المشي، أو نوبات اختلاجية، ومدتها، وكيفية بدء الشكوى، ووصفها بالتفصيل، وتواتر حدوثها، والعوامل التي قد تزيد من حدتها أو تخففها، وتطورها مع الزمن، وأي شكاوى أخرى مرافقة. وتختلف الأسئلة التي يسألها الطبيب باختلاف الشكوى.
    كما يستفسر الطبيب عن أمراض أخرى مرافقة أو سابقة عانى منها المريض، وعن الأدوية والعلاجات التي استخدمها، كما يستفهم عن أمراض أصيب بها أقرباؤه، وعن بعض عاداته كالتدخين وتناول المشروبات الكحولية، وطبيعة عمله المهني إلى غير ذلك.
    يجري الطبيب الفحص السريري بعد الانتهاء من أخذ القصة المرضية، فيفحص العلامات الحيوية من ضغط، ونبض، وحرارة، وتنفس، وكذلك يجري فحصاً شاملاً للمريض (القلب والصدر والبطن). وتختلف درجة تفاصيل هذه الفحوص باختلاف شكوى المريض وحالته، ويفحص الجهاز العصبي للمريض.
    يهدف الفحص السريري بشكل رئيسي إلى تحديد مكان الإصابة (النخاع الشوكي أم الأعصاب أم العضلات). ومن ثم يستخدم ذلك مع المعلومات المستقاة من الاستجواب لوضع تشخيص مبدئي، وفي المرحلة التالية يقوم الطبيب بإجراء استقصاءات مخبرية أو شعاعية معينة بحسب الحالة لتأكيد هذا التشخيص ووضع الخطة الأمثل للتدبير.
    أما النقاط الأساسية للفحص السريري للجهاز العصبي فيمكن إيجازها من خلال (الشكل رقم1).

    (الشسكل رقم 1) مخطط مبسط لمراحل الفحص السريري للجهاز العصبي.
    الاستقصاءات والفحوصات المخبرية للجهاز العصبي وأمراضه
    تزداد أهمية الفحوصات المخبرية في تشخيص الأمراض العصبية وتدبيرها.
    وفيما يأتي عرض وجيز لأهم الاختبارات التي تجرى في مجال الأمراض العصبية.
    1ـ الاستقصاءات الشعاعية:
    ـ الصورة البسيطة: تمت الاستعاضة عنها في كثير من الحالات بالاستقصاءات الشعاعية الأحدث (مثل التصوير الطبقي المحوري CT scan والمغنطيسي MRI، وإن كانت ماتزال تستعمل عند الاشتباه بوجود كسر أو ورم ذي تأثير على العظام.

    (الصورة رقم 1) صورة شعاعية بسيطة للعمود الفقري الرقبي.
    (الصورة رقم 2) صورة طبقية محورية للدماغ نظهر وجود نزيف دماغي /السهم الأسود/
    ـ التصوير الطبقي المحوري: أصبح متوافراً بكثرة، ويعد من الفحوصات العصبية الأساسية، ويتضمن إجراؤه استعمال أشعة سينية تبث وتستقبل بطريقة معينة، ومن ثم معالجة النتائج بالحاسوب على نحو تعطي صوراً على شكل مقاطع عرضية للدماغ أو العمود الفقري، وهو من الاستقصاءات المفيدة في دراسة أمراض الدماغ، مثل الجلطات والنزيف والأورام وغيرها، وكذلك دراسة العمود الفقري. ولايستغرق تصوير الدماغ بهذه الطريقة أكثر من دقائق معدودة.
    يمكن أحياناً حقن مادة ظليلة في الوريد للمساعدة على كشف بعض الآفات المرضية أو تحديدها.
    ـ التصوير بالرنين المغنطيسي magnetic resonance imaging (MRI): يعد من أهم طرق تصوير الجهاز العصبي. وقد أصبح الطريقة الأمثل لاستقصاء أمراض عدة من هذا الجهاز، وغيره من أجهزة الجسم.

    (الصورة رقم 3) صورة رنين مغنطيسي للعمود الفقري القطني العجزي تظهر وجود فتق نواة لبية "ديسك"
    وتعتمد هذه الطريقة على استعمال أجهزة يمكن تشبيهها بمغنطيس عملاق قادر على دراسة كثافات الجزيئات المائية التي تتنوع وتختلف من نسيج لآخر ضمن الجسم البشري، ومن ثم الاستعانة ببرنامج معلوماتي معين يركب تلك المعطيات بشكل يسمح بإعطاء صور فائقة الدقة للدماغ وغيره من أعضاء الجسم. ويمكن أحياناً إعطاء مادة عن طريق الحقن الوريدي للمساعدة على إظهار بعض الآفات بشكل أوضح.
    وينبغي الإشارة إلى أنه لايمكن إجراء هذا النوع من التصوير إذا كان في جسم المريض مواد ذات خواص مغنطيسية أو يمكن أن تتأثر بآلية عمل الجهاز (مثل بعض الأعضاء الاصطناعية أو الجهاز المنظم لدقات القلب، وغيرها).
    وأخيراً يذكر بأن شكل آلة المرنان المغنطيسي (الذي يوضع المريض بداخله فترة التصوير نحو 20 دقيقة تشبه النفق الضيق) والصوت الذي تصدره هذه الآلة مع شكلها الأنبوبي كثيراً ما يسببان درجة عالية من الانزعاج لدى بعض المرضى، إلا أن العديد من الآلات الحديثة (المفتوحة) أسهمت في التقليص من هذه الإشكالات إلى حد كبير.
    ـ التصوير بالمواد الفعالة شعاعياً: ويعتمد من حيث المبدأ على زرق مادة مشعة ومن ثم تحري كيفية توزعها في الدماغ، التي تختلف في حال وجود حالة مرضية معينة في إحدى مناطقه. ومن الناحية العملية فإن هذه الاستقصاءات أقل استعمالاً بكثير من التصوير الطبقي المحوري والرنين المغنطيسي.
    ـ التصوير بالأمواج فوق الصوتية: تستخدم هذه الطريقة في تصوير شرايين العنق والرأس بالأمواج فوق الصوتية، وفيها يوضع مسبار probe على الجلد فوق الشريان المدروس، ويتم إرسال أمواج فوق صوتية بهذا المسبار. ينعكس جزء من هذه الأمواج من على بعض العناصر والأنسجة في الجسم (مثل جدار الشريان والعضلات وغيرها) حيث يتم تحويل الأمواج المنعكسة إلى طاقة كهربائية تعرض على شكل صورة على شاشة الحاسوب، كما يمكن دراسة سرعة واتجاه جريان الدم في الشريان المدروس مما يقدم معلومات مهمة حول وجود تضيق في الشريان ودرجة هذا التضيق.
    ولهذا الاختبار أهمية قصوى في تشخيص العديد من حالات الجلطات الدماغية ومعالجتها والوقاية منها، وهو غير مؤلم ويعد من الإجراءات الآمنة جداً نسبياً.
    ـ تصوير الشرايين الظليل angiography: وتدخل قثطرة عبر الشريان الفخذي وصولاً إلى شرايين العنق والدماغ وحقن مادة ظليلة ضمن الأوعية ثم أخذ الصور الشعاعية، ويمكن بهذه الطريقة رؤية لمعة الشرايين والأوردة بدقة ومن ثم دراسة وجود تضيق شرياني أو خثار وريدي أو تشوهات وعائية وغير ذلك.

    (الصورة رقم 4) صورة بطريقة "SPECT" في مريض يعاني داء ألزهايمر يلاحظ وجود نقص في التروية الدموية في المناطق الصدغية والجدارية من الدماغ.
    وبالرغم من تناقص استعمال هذه الطريقة لصالح تصوير الشرايين بالأمواج فوق الصوتية والرنين المغنطيسي مايزال لها إسهام مهم في عدد من حالات الأمراض الوعائية الدماغية.
    إن تصوير الشرايين الظليل هو من الإجراءات الآمنة نسبياً عندما يتم بأيد خبيرة، إلا أنه لايخلو من احتمال حدوث مضاعفات ومنها: حدوث قصور كلوي، وحدوث جلطة دماغية (بمعدل أقل من 1 لكل 1000 مريض)، وحدوث ورم دموي hematoma في منطقة إدخال القثطرة بالشريان الفخذي، أو حدوث تحسس من المادة الظليلة.

    (الصورة رقم 5) مخطط كهربائية الدماغ.
    2ـ الاستقصاءات السريرية الفيزيولوجية للجهاز العصبي clinical neurophysiology: تسمح التقانات والأجهزة الحديثة بدراسة نواح عدة من وظائف الجهاز العصبي وفيما يأتي لمحة عن أهم تطبيقاته العملية:
    ـ تخطيط كهربائية الدماغ: تسجيل (الإشارات) الكهربائية التي يصدرها الدماغ، ويكون ذلك بوساطة أقراص معدنية صغيرة متصلة بأسلاك توضع في مواقع معينة على فروة الرأس.
    لتخطيط كهربائية الدماغ فائدة في تشخيص بعض الحالات المرضية العصبية المهمة (مثل الصرع، واعتلالات الدماغ والموتالدماغي وغيرها)، وكذلك في تحديد الإنذار والتدبير ومتابعة تطور الحالة مع الزمن.
    ـ الكمونات المثارة evoked potentials: وهي إشارات كهربائية تصدر من الجهاز العصبي كاستجابة لمنبهات حسية (ومنها: السمعية، والحسية، والحركية، أو البصرية حيث يتم إحداث منبه بصري معين ومن ثم تسجل الإشارة الصادرة عن منطقة الدماغالمسؤولة عن الرؤية)، وتعد بشكل عام امتداداً للفحص السريري للجملة العصبية، فهي تفيد في التحقق من وجود خلل وظيفي في جزء ما من الجهاز العصبي عندما تكون الموجودات السريرية غير حاسمة.
    ـ تخطيط الأعصاب والعضلات electromyography:
    أـ تخطيط كهربائية الأعصاب: يجري تخطيط كهربائية الأعصاب لدراسة قدرتها على نقل المنبهات الكهربائية، ويكون ذلك بإحداث تنبيه كهربائي (بوساطة ما يدعى مسرى كهربائي (الكترود) منبِّه stimulating electrode) في منطقة معينة من الجلد فوق مسار عصب معين، ومن ثم استقبال هذا المنبه (بوساطة ما يدعى مساري كهربائية مسجِّلة recording electrodes) في منطقة أخرى على مسار هذا العصب، بوساطة قياسات عدة، وبدراسة سرعة انتقال المنبه وحجم هذا التنبيه يمكن استخلاص نتائج مهمة عن سلامة وظيفة العصب المدروس أو اضطرابها.

    (الصورة رقم 6) تخطيط إحدى عضلات اليد.
    ب ـ تخطيط العضلات: يكون ذلك بتسجيل الفعالية الكهربائية ضمن عضل ما، فيدخل مسرى كهربائي على شكل إبرة رفيعة جداً في العضلة وبذلك تدرس التبدلات غير الطبيعية في نشاطها الكهربائي بحالي الراحة والتقلص.
    3ـ الدراسات النسيجية والخلوية: وتعتمد على أخذ عينات من الجهاز العصبي ودراستها مجهرياً.
    ـ فحص السائل الدماغي الشوكي (البزل القطني): تقوم عناصر معينة من الدماغ (ولاسيما ما يدعى بالضفائر المشيمية) بإفراز سائل رائق عقيم بشكل دائم. يملأ هذا السائل تجاويف الدماغ كما يحيط به وبالنخاع الشوكي من الخارج ويعاد امتصاصه دوماً.
    تطرأ على هذا السائل تبدلات معينة في بعض الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي مثل التهاب السحايا والنزف تحت العنكبوتية وبعض التهابات الأعصاب وغيرها، ومن هنا فإن دراسة نموذج من هذا السائل قد يكون مهماً عند الشك بوجود أحد هذه الأمراض.
    يحصل على نموذج من السائل الدماغي الشوكي بوساطة إبرة خاصة تدخل في الفواصل بين الفقرات في أسفل الظهر إلى أن تصل إلى القناة المحيطة بالنخاع الشوكي ومن ثم تؤخذ الكمية اللازمة لإجراء فحوصات معينة (مثل تعداد الكريات البيضوالحمر والتحري عن وجود جراثيم وغير ذلك).
    وبالرغم من أن هذا الإجراء هيِّن وعديم الخطورة في معظم الحالات، إلا أنه لايخلو من احتمال حدوث مضاعفات منها الصداع، أو تجمع دموي داخل القناة الشوكية أو حدوث تخريش سحائي أو رؤية مزدوجة أو غير ذلك.
    ـ الخزعة biopsy: يمكن أخذ نموذج صغير من نسيج العصب أو حتى الدماغ لدراستها تحت المجهر، هذا وقد أدى تطور الوسائل التشخيصية الأخرى وتزايد فائدتها العملية إلى تضاؤل دور الخزعة في تشخيص الأمراض العصبية، على نحو تندر الحاجة إليها إلا في حالات الأورام وبعض الأمراض الوراثية أو الالتهابية.
    ـ الفحوص الوراثية genetic testing: شهدت العقود الأخيرة تطوراً سريعاً ومهماً في تفهم ودراسة الأمراض الوراثية للجهاز العصبي، وقد أصبح بالإمكان إجراء فحوصات الدنا DNA (الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين) وغيرها من الفحوصات التي تساعد على تشخيص العشرات من الأمراض العصبية (منها بعض أمراض العضلات والتخلف العقلي واضطراب التوازن وغيرها)، ويتم ذلك عادةً من خلال فحص خلايا من دم المريض.
    هذا ويمكن الاستفادة من تلك الفحوصات أيضاً في تشخيص الحالة قبل أن تبدأ أعراضها بالظهور (وأحياناً قبل الولادة)، وكذلك في تشخيص المريض الحامل لمرض معين carrier (والذي قد يقوم بنقله إلى ذريته من دون ظهور أعراض المرض).
    قطعت الفحوصات والاستقصاءات الشعاعية وغيرها شوطاً كبيراً في المساعدة على تشخيص أمراض الجهاز العصبي وتدبيرها؛ ويلاحظ إن التطور التقني واستمرار البحث العلمي على نحو كثيف وحثيث يَعِدُ بإضافة الجديد من الوسائل التشخيصية على الدوام، ووضعها في خدمة الطبيب بهدف الوصول إلى تشخيص أدق وفهم أفضل للأمراض التي تصيب الجهاز العصبي، ومن ثمَّ تقديم العلاج الأمثل لمرضاه.
    طارق وزان

صفحة 67 من 146 الأولىالأولى ... 17576566 67686977117 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال