صفحة 58 من 146 الأولىالأولى ... 8485657 58596068108 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 571 إلى 580 من 1457
الموضوع:

( علم الاحياء ) بكل مصطلحاتة ومفاهيمة وتراكيبة العلمية ستجدها هنا - الصفحة 58

الزوار من محركات البحث: 64847 المشاهدات : 322135 الردود: 1456
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #571
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسوبوتاميا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 41,251 المواضيع: 3,594
    صوتيات: 132 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 44361
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: حي الله
    آخر نشاط: منذ ساعة واحدة
    مقالات المدونة: 19
    الجُذَام

    الجذام lèpre مرض خمجي مزمن يصيب الجلد والأعصاب، وقد يؤدي لتشوهات شكلية ووظيفية.
    يعد الجذام من أقدم الأمراض التي تسببت في جائحات عبر القرون، وعامله الممرض هو المتفطرة الجذاميةmycobacterium leprae وهو خمج لا يصيب إلا البشر لذا فهو المستودع والناقل للداء.
    لمحة تاريخية
    الجذام من الأمراض المعروفة منذ أقدم العصور، فقد عرف منذ عهد الفراعنة وورد ذكره في أوراق البردي نحو عام 2000ق.م كما عرف في الصين واليابان قبل المسيح بـ 1100 عام.
    ذكر المرض منذ البدء على أنه مرض معدٍ يتظاهر ببقع ناقصة الصباغ وينظر للمصابين به نظرة خاصة، وقد ورد ذكره في الإنجيل.
    يعتقد أن المرض ظهر في البدء في إفريقية الوسطى وامتد منها إلى وادي النيل ومن ثمّ إلى آسيا الوسطى وبعد ذلك إلى اليونان. أما انتشاره في أوربة فقد تأخر حتى عودة المحاربين من الحروب الصليبية، وانتشر في القارة الأمريكية بعد اكتشاف كريستوف كولمبوس لهذه القارة.
    عرف العرب القدامى هذا المرض ووصفوا له عدة أشكال وأول مجذمة شيدت بالتاريخ هي التي أنشأها الخليفة الأمويالوليد بن عبد الملك في دمشق.
    ينتشر المرض اليوم في العالم كله وتقدر إصاباته بنحو 12 مليون إصابة، ويكثر في أماكن معينة كإفريقية والهند وآسيا الشرقية وجنوب أمريكة ووسطها.
    العامل الممرض والأسباب
    اكتشف الطبيب النروجي هنسن Hansen الجرثوم المسبب للجذام عام 1874 ويسمى المتفطرة الجذامية، شكلها عصوي وهي مقاومة للحموض والأسس تتلون بطريقة تسيل نلسن Ziehl Neelsen ويتعذر زرعها في المستنبتات الاصطناعية.
    تدخل المتفطرة الجذامية من خلال خدوش الجلد حينما تكون بتماس مع مفرزات المصابين بالجذام وقشعهم.
    مدة حضانة هذا الداء طويلة، تمتد من عامين إلى عشرة أعوام، وقد تصل عشرين عاماً، ويكثر المرض في الأوساط المعيشية المتدنية.
    أنواع الجذام وتظاهراته وعقابيله
    يتظاهر الجذام بعدة أشكال سريرية تقسم إلى قطبين كبيرين هما الجذام الدرني والجذام الجذمومي، وإلى شكلين غير وصفيين هما الجذام غير المحدد والجذام الحافي.
    - الجذام الدرني lèpre tuberculoïde: في هذا الشكل يكون دفاع المصاب قوياً تجاه المتفطرة الجذامية، ويتظاهر ببقع قليلة العدد ناقصة الصباغ حوافها مرتفعة قليلاً وغير متناظرة، البقع فاقدة الحس وعديمة التعرق ولا تحوي إلا القليل من العصيات الجذامية.
    أما العلامات المميزة لهذا الشكل فهي الأذيات العصبية المبكرة التي تتظاهر بضخامة بعض الأعصاب المحيطية. الإصابة العصبية غير متناظرة تؤدي إلى شلول عصبية كالقدم الهابطة والسحنة الأنطونية وينجم عن إصابة الأعصاب اضطرابات اغتذائية عظمية وعضلية تؤدي إلى الإصابة المخلبية باليد وإلى قرحات وداء ثاقب بالقدم وإلى فقدان الأظافر وبعض الأصابع أحياناً. وهذا الشكل لا يصيب الأغشية المخاطية ونادراً ما يؤدي إلى تساقط الأشعار.
    تفاعل الجذامين فيه إيجابي وهو شكل غير مُعْدٍ. يبدي التشريح المرضي للأدمة رشاحة حبيبومية غرناوية مؤلفة من خلايا لمفية وناسجة، وقد لا يظهر تلوين تسيل نلسن عصيات جذامية أو يبدي القليل منها.


    الجذام الجذمومي، وتظهر فيه القرحات النمطية الثاقبة الناجمة عن الاعتلال العصبي. وقد تقرح الجلد على السطح الجانبي إلى درجة ظهر فيها رأس مشط القدم. ويرافقه خمج موضعي كما أن إبهام القدم قد زال
    - الجذام الجذمومي lèpre lépromateuse: في هذا الشكل تكون مقاومة العضوية للمتفطرة الجذامية ضعيفة أو معدومة ويعرف بالشكل الخبيث ويكون تفاعل الجذامين فيه سلبياً، ويتظاهر سريرياً بعدة اندفاعات متناظرة تكون في البدء بقعاً حمامية ترتشح لتصبح عقيدات تعرف بالأورام، وهي حساسة للحرارة وتحوي عدة عصيات جذامية توضعها الانتقائي على الأماكن المكشوفة مثل الوجه وشحمة الأذن والأنف والحاجبين مع ضمور الأشعار يؤدي إلى ما يسمى بالسحنة الأسدية في الحالات المتقدمة.
    تصاب الأغشية المخاطية في وقت مبكر لذا فهذا الشكل معدٍ، كما تصاب المنضمة والقرنية والقميص الوعائي بالعين والأغشية التنفسية، وتصاب بهذا الشكل أيضاً الأعضاء الداخلية مثل ضخامة العقد اللمفية وإصابة الخصيتين التي تؤدي إلى العقم وإصابة الكبد والطحال والتثدي والإصابة العظمية تؤدي إلى جذوع خاصة بالقدمين واليدين في حين تبقى الأظافر سليمة.
    التظاهرات العصبية في هذا الشكل قليلة وهذا الشكل معرض لتظاهرات اشتدادية كظاهرة لوسيو Lucio التي تتصف باندفاعات أغلب ما تكون في الأطراف وبقع حمراء مؤلمة تتطور نحو التقرح والحمامى العقدة الجذامية، ويظهر التشريح المرضي رشاحة أدمية منتشرة من بالعات رغوية كبيرة تحتوي على العصيات الجذامية تسمى خلايا فيركوف.
    - الجذام غير المحدد lèpre indéterminée: وهو شكل مرحلي وعابر غير مستقر وقد يشفى أحياناً، يتظاهر ببقع حمامية أو بقع ناقصة الصباغ قد يكون حس الألم والحرور ضعيفين أو مفقودين.
    وقد يحدث بهذا الشكل التهاب أعصاب عديد، الصورة النسيجية في هذا النوع تبدو بشكل رشاحة التهابية غير نوعية بالأدمة، عصيات الجذامين فيها قليلة العدد، أما تفاعل الجذامين lépromine فقد يكون إيجابياً أو سلبياً.
    - الجذام الحافي: وهو جذام يقع بين القطبين الرئيسيين الجذمومي والدرني وعلاماته السريرية تكون خليطاً من الشكلين، ويكون تفاعل الجذامين سلبياً أو إيجابياً على نحو ضعيف.
    العلاج والوقاية
    تقوم معالجة الجذام على المشاركة الدوائية وتحسين الشروط المعيشية للمصابين.
    الأدوية الفعالة تجاه العصية الجذامية هي السلفون والايتيوناميد والريفامبيسين والكولفازمين، وتختلف المشاركة الدوائية والمدة العلاجية حسب نوع الجذام.
    أما الوقاية فتقوم على تحسين الشروط الصحية والغذائية وعزل المصابين بالأشكال المعدية من الجذام.
    لا يوجد لقاح فعال حتى اليوم ولكن ينصح بتلقيح أهل المصابين وأقاربهم بلقاح الـ BCG الذي يعطى للوقاية من التدرن[ر].
    سلمى المنجد

  2. #572
    الجراثيم

    الجراثيم bacteria كائنات صغيرة جداً لا ترى بالعين المجردة ويتألف كل واحد منها من خلية واحدة أولية النواة البسيطة التركيب. واكتشفت الجراثيم أول مرة في القرن السابع عشر على يد الهولندي فان لوفنهوك Van Leeuwenhoek الذي اخترع المجهر، وقاده اختراعه هذا إلى الكشف عن وجود كائنات دقيقة لا ترى بالعين المجردة، ولكن المعرفة المعمقة للجراثيم ودورها الممرض لم يكتمل إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر على يد باحثين مثل الألماني كوخ Koch والفرنسي باستور Pasteurوالإنكليزي ليستر Lister.
    وللجراثيم أنواع كثيرة تنتشر في كل مكان في الطبيعة فقد توجد في التراب والماء وعلى النباتات، كما يمكن أن تشاهد على سطوح أجساد الحيوانات والإنسان، وفي بعض أجزاء الجسم المفتوحة على الوسط الخارجي كالفم والجهاز الهضمي والتناسلي. وتدعى الجراثيم المستقرة في هذه الأماكن بالجراثيم المطاعمة وهي تستفيد من الجسم وتفيده، ويطلق عليها اسم النبيت الجرثومي الطبيعي (الفلورا flora).
    تمتاز الجراثيم بقدرتها على البقاء في ظروف شديدة التباين، وحتى في تلك الظروف التي لا تلائم الكثير من الكائنات الأخرى. وتقوم الكثير من الأنواع الجرثومية بدور هام في توازن البيئة المحيطة بالإنسان، وتحصل الجراثيم على الطاقة اللازمة لها من التفاعلات الكيمياوية التي تقوم بها على المركبات العضوية وغير العضوية في الوسط الذي تعيش فيه.
    أشكال الجراثيم وبنيتها
    تكون الخلية الجرثومية من حيث الشكل الخارجي إما بشكل كروي (مكورة) وإما بشكل متطاول مستقيم (عصية) وإما متطاولة دقيقة مع بعض الانثنائات (ملتوية)، ويقيس الجرثوم وسطياً بين ميكرون واحد وعدة ميكرونات، (الميكرون = 1/1000 من الملمتر)، أما من حيث البنية الدقيقة للجرثوم فهو يتكون من أغلفة خارجية تحيط بالهيولى الخلوية التي هي مادة هلامية تحوي المادة الوراثية الجرثومية (الصبغي الجرثومي) الذي يضم المعلومات الوراثية الخاصة بالجرثوم، ولا يحيط به غشاء نووي، إضافة إلى الأجسام الريبية وبعض الحبيبات الادخارية. وتحاط الهيولى الجرثومية بغشاء رقيق يدعى الغشاء الهيولي، وهو محاط بغلاف ثخين وقاس نسبياً هو الجدار الخلوي الجرثومي الذي يتكون بصورة رئيسية من مادة فريدة تدعى الببتيدوغليكان peptidoglycan الموجودة في الجراثيم فقط، وهي شبكة معقدة تتركب من مواد بروتينية وعديدات السكاريد، ويحوي الجدار الخلوي إضافة إلى الببتيدوغليكان مركبات أخرى شحمية وسكرية.
    وتقسم الجراثيم بحسب بنية جدرها الخلوية وتركيبها، ومن ثم تلونها بطريقة معينة تدعى طريقة غرام Gram، إلى جراثيم إيجابية الغرام وجراثيم سلبية الغرام.
    تملك بعض الجراثيم طبقة هلامية مكونة من عديدات السكاريد تحيط بالجدار الخلوي وتدعى المحفظة الجرثومية، كما تملك بعض الجراثيم استطالات بروتينية دقيقة تدعى السياط تساعد الجرثوم على الحركة.
    تستطيع بعض الأنواع الجرثومية حين تعرضها إلى ظروف قاسية غير مناسبة لبقائها، أن تتحول إلى شكل خامل استقلابياً لكنه شديد المقاومة يدعى البوغ spore، الذي يتحول مرة أخرى إلى جرثوم نشيط استقلابياً حين توافر الظروف المناسبة.
    تكاثر الجراثيم وفيزيولوجيتها
    تتكاثر الجراثيم بوساطة الانشطار الثنائي، إذ ينقسم الجرثوم إلى جرثومين متماثلين حين وصوله إلى درجة معينة من النمو. وتختلف سرعة انقسام الجرثوم من نوع جرثومي إلى نوع آخر، فهي تتحمل وسطياً نحو عشرين دقيقة في الجراثيم المعوية، في حين قد تمتد إلى ساعات أو أيام في جراثيم أخرى كالعصيات السلية. ولابد لنمو الجراثيم وتكاثرها من توافر العناصر الغذائية الضرورية كالكربون والنتروجين وغيرها إضافة للشوارد المعدنية المختلفة. وتستطيع بعض الجراثيم استخدام النتروجين الجوي الذي تثبته وتحوله إلى أملاح نشادرية، وهذه الجراثيم تقوم بدور هام في دورة الحياة على سطح كوكبنا وتؤمن خصوبة الأرض، أما بالنسبة لحاجة الجراثيم للأكسجين فهي تختلف بحسب الأنواع الجرثومية، إذ إن بعضها لا يستطيع الحياة بدونه (جراثيم هوائية مجبرة) وبعضها على نقيض ذلك لا يستطيع العيش بوجوده (جراثيم لا هوائية مجبرة) وهناك أنواع تستطيع البقاء في الحالتين معاً (جراثيم لا هوائية مخيرة). وقد استطاع الإنسان اعتماداً على معرفته الدقيقة بفيزيولوجية الجراثيم واحتياجاتها الغذائية إيجاد أوساط صنعية مختلفة تحوي المواد الضرورية لنموها، تدعى الأوساط الزرعية الجرثومية، وهي تستخدم في المخابر لتنمية الجراثيم ودراستها وتشخيص أمراضها.
    ولابد، إضافة إلى توافر المواد المغذية الضرورية لنمو وتكاثر الجراثيم أيضاً من توافر الظروف المناسبة كدرجة الحرارة والرطوبة ودرجة الحموضة وغيرها. تفضل معظم الجراثيم درجات الحرارة المعتدلة، وتعد الدرجة 37 مئوية درجة الحرارة المثالية للجراثيم الممرضة للإنسان والحيوان، في حين تتلف معظم الجراثيم (ما عدا الأبواغ) بالحرارة المرتفعة فوق 80 درجة خلال عدة دقائق، أما البرودة فإنها لا تقضي على الجراثيم إنما توقف نموها وتكاثرها، كما يؤثر الجفاف والحموضة والإشعاعات المختلفة سلباً على معظم الأنواع الجرثومية، وتقاوم الأبواغ هذه العوامل كلها.
    ويدعى القضاء التام على الجراثيم -بما فيها المبوغة- وعلى غيرها من الأحياء الدقيقة التعقيم sterilization، في حين تسمى العملية التي تمكن من القضاء على معظم الجراثيم -باستثناء الأبواغ والأشكال المقاومة منها- التطهير disinfection.
    إمراضية الجراثيم
    على الرغم من التنوع الهائل للأنواع الجرثومية المحيطة بالإنسان، فإن معظم هذه الأنواع الجرثومية تعيش على المواد العضوية المختلفة في الطبيعة وعلى نحو مستقل عن الإنسان مسهمة في كثير من النشاطات البيئية وتدعى الجراثيم الرمامة، كما تعيش أنواع كثيرة من الجراثيم على نحو متعايش (مطاعم) على سطح الجسم أو الأغشية المخاطية. ولا تؤلف الأنواع التي يمكن أن تسبب المرض عند الإنسان سوى نسبة محدودة من عالم الجراثيم الواسع، وتدعى الجراثيم الممرضة النوعية، ويسمى المرض الذي تسببه هذه الجراثيم الخمج الجرثومي bacterial Infection. وتتصف الجراثيم الممرضة بإمكانية التغلب على مناعة الجسم واختراق حواجزه الدفاعية، وإحداث أذيات مختلفة الشدة والطبيعة، وتنجم قدرة الجراثيم الممرضة على إحداث المرض عن عوامل عدة أهمها قدرة هذه الجراثيم على الالتصاق بالأنسجة وخاصة بالأغشية المخاطية والتغلغل فيها واختراقها، يساعدها في ذلك بعض الصفات مثل وجود المحفظة الجرثومية أو بعض المركبات الأخرى على سطح الجرثوم والتي تساعده على التصاقه بالأنسجة، إضافة إلى قدرة كثير من الجراثيم الممرضة على إفراز مواد سامة تدعى الذيفانات toxins، أو إفرازها إنزيمات مختلفة تسهم في تخريب أنسجة الجسم أو أذيتها. وتقسم الذيفانات التي تفرزها بعض الجراثيم الممرضة إلى ذيفانات خارجية وذيفانات داخلية. فالذيفانات الخارجية مواد بروتينية شديدة السمية تفرزها على الأغلب جراثيم إيجابية الغرام في أماكن تكاثرها في العضوية وتنتشر إلى أعضاء الجسم المختلفة مسببة تأثيرات خطرة ومميتة أحياناً، كما يحدث في مرض الكزاز أو التسمم بالذيفان الوشيقي. أما الذيفانات الداخلية فليست مواد تفرزها الجراثيم إنما هي في حقيقة الأمر أجزاء من المواد المكونة للجدار الخلوي للجراثيم سلبية الغرام تنطلق حين موت هذه الجراثيم وانحلالها داخل الجسم، وهي مكونة من عديدات سكاريد ومواد شحمية، تؤدي إلى تأثيرات عديدة أهمها ارتفاع الحرارة والتوسع الوعائي وانخفاض الضغط، وقد يصل الأمر أحياناً إلى حدوث حالة خطيرة جداً تدعى الصدمة الإنتانية toxic shock.
    إضافة إلى الجراثيم الممرضة النوعية، فإن كثيراً من الجراثيم المتعايشة والرمامة يمكنها، وفي ظروف خاصة كنقص مناعة الجسم أو عند وصولها إلى أماكن عقيمة في الجسم، أن تسبب بعض الأخماج التي تدعى بالأخماج الانتهازية، كما يشاهد ذلك مثلاً عند مرضى متلازمة عوز المناعة المكتسب (الإيدز).
    انتقال الجراثيم
    لابد لحدوث العدوى بالجراثيم الممرضة من وجود مصدر للعدوى وطرق لانتقالها من مصدر العدوى إلى الشخص السليم. ويشكل المرضى والناقهون من المرض والأشخاص الذين توجد الجراثيم في أجسامهم دون أن تسبب لهم مرضاً والذين يدعون حملة الجراثيم، المصادر الرئيسية للعدوى بالجراثيم الممرضة، إذ يمكن لهذه الجراثيم أن تنتقل إلى الأشخاص السليمين بشكل مباشر بوساطة التماس أو الطريق الجنسي أو عن طريق الرذاذ، أو بشكل غير مباشر بوساطة الأدوات والأشياء والأطعمة والأشربة الملوثة، كما يمكن بعض الحشرات أن تنقل بعض أنواع الجراثيم من شخص لآخر.
    مداواة الأمراض الجرثومية
    تستخدم لمعالجة الأمراض الجرثومية مواد مختلفة التركيب تدعى الصادات[ر] antibiotics، وهي تؤدي لقتل الجراثيم أو وقف تكاثرها داخل الجسم بآليات مختلفة دون أن تسبب أذية لجسم المريض إذا أعطيت بالجرعات المناسبة، وذلك باستهدافها بنىً تشريحية ووظيفية خاصة بالجرثوم وغير موجودة في خلايا الجسم. وقد أسهم استخدام الصادات واكتشاف أعداد كبيرة منها بشكل مستمر على الحد من الأمراض الجرثومية وتخفيف أخطارها في الخمسين سنة الأخيرة، إلا أن بعض الجراثيم تبدي مقاومة طبيعية أو مكتسبة للعديد منها، وذلك بآليات مختلفة كإفراز إنزيمات تخربها مثل إنزيم البينيسيليناز penicillinase الذي يخرب البنسيلين، أو تغير بنيتها، وقد أدى الاستخدام الواسع وغير الرشيد للصادات في السنوات الأخيرة إلى زيادة ملحوظة في عدد الأنواع والذراري الجرثومية المقاومة لعدد من الصادات مما يسبب مشكلة طبية حقيقية خاصة في المستشفيات.
    صلاح شـحادة

  3. #573
    الجراحة (تاريخ ـ)

    لم يميَّز الجراح عن الطبيب الباطني على نحو واضح إلا في القرن السادس عشر. كان الطبيب نفسه، قبل ذاك التاريخ، هو الذي يقوم بالمداخلات الجراحية البسيطة التي كانت تتطلبها حالات الإسعاف السريعة في ذاك الزمن. وعهدت هذه المهمة بعد ذلك إلى الحلاقين، وأصبحت الجراحة شعبة تتميز عن الطب الباطني، بل هي نفسها تشعبت بعد ذلك إلى اختصاصات ازدادت عدداً مع تقدم الأيام.
    يبدو أن أول عمل جراحي قام به الإنسان هو نقب القحف trépanation وعدد الجماجم المتوافرة اليوم، منذ ما قبل التاريخ، التي جرى عليها النقب عديدة جداً ولا يمكن الجزم فيما إذا كانت عملية النقب تجرى لشفاء بعض الأمراض كالاختلاجات والصرع أو أنهم كانوا يقومون بها وسيلةً من وسائل تعذيب البشر، علماً أن بعض المومياءات الفرعونية تظهر أنها خضعت لعملية النقب. وتشاهد على بعض الجداريات الموجودة في الأقصر رسوم فرعونية تمثل أعضاء مبتورة وأدوات جراحية يشبه بعضها ما يستعمل اليوم، كما لوحظت بعض الرسوم التي تعود إلى 25 قرناً قبل الميلاد تظهر عملية الختان.
    كانت الأعمال الجراحية عند الصينيين والسومريين والكلدانيين بسيطة تخضع لحكم الضرورات كالكسور والتقيحات والبواسير، ولم يسهم الإغريق في تقدم الجراحة إلا إسهاماً بسيطاً، حتى إن ما يتصل بالجراحة في الكتب المنسوبة إلى أبقراط[ر] قليلة جداً، ففي كتابه عن المفاصل وصف خلع الكتف، وفي كتابه عن الكسور تحدث عن الكسور المفتوحة، ووصف في كتب أخرى الجروح والبواسير والنواسير، ولكن هذه العلل كلها كانت معروفة قبله وتخضع لبعض المعالجات. ولابد من الإشارة إلى أن أبقراط وصف بعض الأجهزة لمعالجة الكسور وصفاً دقيقاً.
    في كتاب الطبيب الروماني سيلس Celse المسمى «في فن الطب» De art medica الذي جمع فيه مقتطفات من طب القدماء منذ عهد أبقراط وصفٌ لبعض الطرق لإيقاف نزف الجروح. وقد عاش سيلس في القرن الأول بعد الميلاد وهو يمثل مدرسة الإسكندرية في الحقبة الرومانية.
    ولابد من الإشارة إلى أنه وجدت في مدينة بومبيي pompei في إيطالية التي قضى عليها بركان فيزوف عام 79م أدوات جراحية مصنوعة من البرونز يشبه بعضها ما يستعمل اليوم، ومما يلفت الانتباه وجود منظار للمهبل ذي ثلاثة أطراف تستطيع أن تتباعد مع بقائها متوازية، وقد بقي العالم ينتظر القرن التاسع عشر حتى اكتشف روكامييه Recamier هذا المنظار.
    لم تنظر الكنيسة في أوربة في القرون الوسطى بعين الرضا إلى المداخلات الجراحية، فقد أعلن المجمع المسكوني الذي عقد عام 1163م أن الكنيسة تخشى الدماء، لذا لم يتطور تعليم الطب والجراحة في أوربة في العصر الوسيط، وكان معظم الذين يقومون بالمداخلات الجراحية هم الحلاقون الذين كانوا على درجة كبيرة من الجهل.
    وانتظرت أوربة القرن الثاني عشر حتى تؤسس أول مدرسة لتعليم الطب والجراحة في مدينة مونبيلييه في جنوبي فرنسة، إذ كان النشاط العلمي يلاحظ عند العرب والمسلمين في مشرق بلادهم ومغربها، وكان أساتذة هذه المدرسة الأولون من الذين تعلموا في الأندلس، ومع هذا كانت ضعيفة من الناحية الجراحية.
    ويعود الفضل إلى العرب في حفظ العلوم حين اجتاح البربر أوربة وأتلفوا الكتب. ويمكن القول إن الأطباء العرب والمسلمين كانوا لا يجرون العمليات إلا في حالات الضرورة القصوى، ومع ذلك وصفوا عدة مداخلات جراحية من الولادة القيصرية إلى بعض الجراحات المعقدة في العيون.
    وقد تقدمت صناعة الأدوات الجراحية والمشارط بأنواعها عندهم، وكان معظم هذه الأدوات يجمع بين الإتقان وجمال الصنعة، وبقي بعضها دون تغيير عصوراً، وجلّ هذه الأدوات يرجع إلى ما وصفه الجراح الأندلسي أبو القاسم الزهراوي[ر] في مؤلفه «كتاب التصريف» واشتهر هذا العالم في الغرب باسم أبولكاسيس Abulcasis. والقسم الثالث عشر من هذا الكتاب كان دليل الجراحين المعتمد، وهو يقدم وصفاً دقيقاً للجراحة، زين النصوص فيه برسوم الأدوات الجراحية التي كان يستخدمها. وقسم الجراحة في هذا الكتاب يضم ثلاثة أجزاء أولها في الكي ويقترحه لعلاجالصرع وثانيها في العمليات التي تجرى بالمشرط وعمليات العيون والفم وثالثها في أنواع العظام وخلعها وفي التوليد. وقد لاقى كتاب الزهراوي ذيوعاً واسعاً في الغرب بفضل ترجمته إلى اللاتينية من قبل جيرار الكريموني، وترك أثراً كبيراً في جراحي إيطالية وفرنسة واستمر الاهتمام به حتى العصر الحديث.
    وقد ظهر في الوقت نفسه طبيب عيون بارز هو عمار الموصلي وكان ابن الهيثم[ر] قد قام بدراساته على العين.
    اهتمت الجراحة في البلاد الإسلامية بالكي الذي كان يستخدم في العصور الوسطى على نطاق واسع والذي لم يقتصر استعماله للقضاء على الأخماج بل لأغراض أخرى كمعالجة البواسير، وكان له دور في بتر الأطراف والقضاء على بعضالأورام.
    وفي عصر النهضة بدأت المعارف التشريحية تزداد وبفضلها تقدمت الجراحة. ولابد من الإشارة إلى البلجيكي أندريه فيزال (1514-1564) A.Vesali وهو من أكبر مشرحي عصره. ألف كتاباً في تشريح الجسم البشري وزينه بعدد كبير من الصور التوضيحية، وظهر في تلك الحقبة أمبرواز باريه (1509-1539) A.Paré ويعد من مؤسسي الجراحة الحديثة، فقد اخترع طريقة ربط الأوعية، وله مؤلفات جراحية عدة. وبقي الأمر على هذه الحال حتى القرن التاسع عشر حينما حدثت الثورة الجراحية التي استندت إلى اكتشاف التخدير والتعقيم.
    يعود اكتشاف التخدير إلى طبيبي أسنان أمريكيين هما هراس ويلز (1815-1848) Hrace Wells وكان أول من استعمل بروتوكسيد الآزوت عام 1844 في بعض عملياته السنية، ووليم مورتُن (1819-1868) W.T.G.Morton الذي استعمل الأثير في تلك المداخلات.
    وفي سنة 1846 أجرى الجراح الأمريكي J.Collin Warren في بوسطن أول عملية جراحية، قام مورتُن بتخدير المريض فيها، وكان هذا مصاباً بورم دموي.

    وفي تلك الحقبة كانت الأخماج تصيب الجروح ومواضع المداخلات حتى جاء الإنكليزي جوزيف ليستر (1827-1912)J.Lister فأدخل طريقة تطهير الجروح بالماء ومن ثم في عام 1871 بحمض الفِنيك الممدد.
    وفي عام 1886 أدخل لويس تيرييه (1837-1908)L.Terrier تعقيم الأدوات الجراحية والقفازات وتطهير الجلد بصبغة اليود وقام باستئصال المبيضين وجراحة الطرق الصفراوية والفتوق.
    وفي القرن العشرين تقدمت الطرق الجراحية باتجاهات مختلفة منها التحسن المطرد الذي طرأ على الأدوات المستعملة والقيام بالتجارب الجراحية على الحيوانات قبل تطبيقها على البشر وفق المبادئ التي وضعها كلود برنارد [ر] (1813-1878).
    كما أن المواد التي تستعمل في التخدير تقدمت بخطى واسعة فبعد أن كان الأثير والكلوروفورم لا يسمحان بنوم المريض أكثر من ساعة ونصف، أصبح متاحاً أن يستمر زمن المداخلة الجراحية مدة طويلة تبلغ بضع عشرة ساعة، وتقدمت طرق الإنعاش كثيراً مما خفف «الصدمة الجراحية» إلى أقصى حدودها. ويُلجأ في الإنعاش إلى عدد كبير من التقنيات واستعمال المواد الكيمياوية للتوصل إلى ذلك.
    وهكذا يلاحظ أن الأعمال الجراحية التي كانت تعيقها بعض الأخماج تميل إلى الزوال بفضل اللقاحات واستعمالالصادات.
    وقد أصبح بالإمكان اليوم السيطرة على جراحة الطعوم سواء أكانت طعوماً أم غرائس كالكليتين والقلب، وغالباً ما يعود سبب إخفاق المداخلة إلى عوامل مناعية وغير جراحية.
    ويسير تقدم الجراحة اليوم في الاتجاهات التالية: الجراحة القلبية الوعائية، وجراحة الدماغ، وجراحة نقل الأعضاء وزرعها، وجراحة الوليد لتصحيح بعض الأمراض الولادية، والجراحة التجميلية، والجراحة التنظيرية، والجراحة المجهرية.
    عدنان تكريتي

  4. #574
    صديق مشارك
    تاريخ التسجيل: September-2014
    الدولة: بغداد
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 94 المواضيع: 5
    التقييم: 12
    آخر نشاط: 10/April/2015
    عاشت الايادي

  5. #575
    الجـرب

    الجرب scabies آفة جلدية معدية، تتظاهر بحكة شديدة متوضعة أو متعممة.
    وأول من وصف العامل الممرض للجرب هو الطبيب العربي الأندلسي أبو مروان عبد الملك بن زهر الإيادي (464-557هـ/1071-1161م) في كتابه الشهير «التيسير في المداواة والتدبير»، إذ قال في كلامه على الجرب: «ويحدث في الأبدان في ظاهرها شيء يعرفه الناس بالصؤاب، وهو حكة تكون في الجلد ويخرج إذا قُشِّر الجلد في مواضع منه حيوان صغير جداً يكاد يفوت الحس».
    والجرب مرض شائع جداً، ومعروف منذ القديم، يصيب جميع الناس من مختلف الأعمار والأجناس، وأكثر ما يتفشى في الأوساط الفقيرة ذات الأسر الكبيرة، لعيش أفرادها محشورين في أماكن ضيقة، ونوم عدة أشخاص منهم في فراش واحد.
    وهذا مما يسهل انتشار العدوى، وإصابة جميع أفراد الأسرة الواحدة. وينطبق ذلك على التجمعات الكبيرة كطلاب المدارس وخاصة الداخلية ومعسكرات الجيش.
    العامل الممرض
    ينجم الجرب عن العدوى بالقارمة الجربية الإنسانيةSarcoptes scabiei hominis (وهي نوع من رتبة الحلم من صنف العناكب)، التي تتطفل على جلد الإنسان تطفلاً دائماً.
    وأنثى القارمة الملقحة هي التي تنقل العدوى من إنسان إلى إنسان ويحدث ذلك في الليل غالباً.
    تحفر الأنثى الملقحة نفقاً في القسم العميق من الطبقة المتقرنة للبشرة، وتبيض فيه بمعدل 1ـ5 بيضات يومياً، وتفقـس البيوض بعد 3ـ7 أيام.
    أما ذكر القارمة فهو أصغر من الأنثى، وهو لا يحفر أنفاقاً بل يعيش تحت الوسوف، ويقتصر عمله على التلقيح فقط.
    طرق العدوى
    كثيرة. وأهمها المصافحة، وخاصة في الليل، والنوم في فراش واحد. وهذا ما يفسر الإصابات العائلية، والإصابات الناجمة عن الاتصالات الجنسية، وعدوى أغطية الفراش في الفنادق والمعسكرات.
    المظاهر السريرية
    يتظاهر الجرب، سـريرياً، بالحكة pruritis، وخاصة ليلاً، حين خلع الثياب، ودخول الفراش، وفي الدفء.
    وللجرب علامات سريرية مهمة هي:
    1- الأتلام أو الأخاديد: وهي خطوط دقيقة جداً، متعرجة، تبدو بارزة على سطح الجلد كخدوش الإبر وتوافق الأنفاق التي تحفرها الأنثى الملقحة في الطبقة المتقرنة للبشرة.
    ترى الأخاديد بوضوح على اليدين وخاصة فيما بين الأصابع (الأفوات)، وعلى المعصمين، وعلى الحشفة، وعلى أخمص القدمين عند الرضع، وعلى هالة الثديين عند المرضع.
    2- الحويصلات اللؤلؤية: وهي حويصلات قاسية، شفافة، بارزة فوق سطح الجلد، وتصادف في أحد طرفي التلم، وتتمركز فيها أنثى القارمة، ويمكن إخراجها منها بإبرة رفيعة.
    3- التقيحات الجلدية والتأكزم: تنجم هذه التقيحات عن الحكة والتخريـش والخمج الثانوي. ولذا فقد أطلق القدماء اسم (الجرب) على كل آفة جلدية حاكة ومتقيحة، وأرجعوا سبب ذلك إلى قلة الاستحمام وقذارة الثياب.
    التوضعات
    لتوضعات الجرب أهمية كبرى في التشخيص. وهو أكثر ما يتوضع في الأماكن الرقيقة من الجلـد، كالوجوه الجانبية للأصابع (الأفوات) والمعصمين والمرفقين والقسم الأمامي للناحيتين الإبطيتين والبطن (موضع الحزام) والناحيتين الأُربيتين والإليتين والأعضاء التناسلية، ويتوضع على أخمص القدمين عند الرضع، وعلى هالة الثديين عند المرضع.
    تطور المرض
    إذا لم يعالج الجرب معالجة فعالة، فإنه يدوم أشهراً وسنين، وكثيراً ما يعدي جميع أفراد الأسرة ومن يخالطها. وغالباً ما يصاب بالالتهاب والتقيح والتقوبؤ والتأكزم.
    وفي بعض الحالات قد تفضي التقيحات إلى التهاب الكلية المزمن المترافق بالوذمة والبيلة الآحية أو الدموية.
    والجرب آفة ناكسة جداً، وقد تنكس مرات عدة إذا لم تحسن معالجتها. لذا فهو يوقع المرضى العصبيين في قلق دائم، وتدعى حالتهم هذه (رهاب الجرب).
    المعالجة
    يتبع في مكافحة الجرب، المبدأ الهام القائل بوجوب معالجة جميع أفراد الأسرة، في آن واحد. ويتحاشى الاختلاط بالأشخاص المصابين خوفاً من العدوى.
    وتعتمد المعالجة على النظافة التامة والاستحمام وتبديل الثياب الداخلية وأغطية الفراش وتنظيفها وغليها. وتستعمل الأدوية الموضعية الحديثة كمركبات بنزوات البنزيل benzyl benzoate، ومبيدات القارمة الجربية كمحلول البرميترين permethrine.
    وقد أهملت المركبات القديمة المخرشة وذات الرائحة الكريهة الفاضحة كالكبريت والقطران وما شابههما.
    عبد الكريم شحادة

  6. #576
    الجلد (أعراض وأمراض ـ)

    لكل مرض جلدي أعراض خاصة وعلامات سريرية يتميز بها من سواه من الآفات الجلدية المختلفة. غير أن هنالك أعراضاً مشتركة تُرى في أكثر الإصابات الجلدية.
    وفي بعض الحالات، قد تقتصر شكوى المريض على أحد هذه الأعراض فقط.
    ومن أهم هذه الأعراض:
    الحكة والحمامى والسخونة الموضعية والوذمة والاضطرابات الحسية وضخامة العقد اللمفية.
    1- الحكة pruritus: ترافق الحكة عدداً كبيراً من الأمراض الجلدية، بل تكاد تكون، في أغلب الأحيان، العرض الجلدي الوحيد الذي يشكو منه المريض ويحثه على مراجعة الاختصاصي.
    وهي إحساس خاص، يترافق بشعور غامض يشبه الوخز أو اللدغ أو الكي بالنار، ويستدعي الحك بالأظافر أو بأي آلة مدببة.
    تختلف شدة الحكة باختلاف الإصابة الجلدية، كما تختلف بحسب الأشخاص وحالتهم النفسية. قد تسبق الحكة الاندفاع الجلدي، وقد ترافقه منذ البدء، وقد تكون تالية له. وهي إما أن تكون مستمرة أو متقطعة، وإما أن تكون ليلية أو نهارية. وهي، في بعض الحالات، قد تكون مؤلمة ومؤذية، وتنجم عنها تخريشات وتقيحات جلدية مختلفة، وقد تسبب مضاعفات موضعية أو عامة مهمة جداً.
    كما أنها، في بعض الحالات الأخرى، تكون مريحة، وقد ترافقها لذة، حتى إن بعض الأشخاص يعترفون بأن الحكة في ناحية الجهاز التناسلي تؤدي بهم إلى شعور شبقي.
    والحكة إما أن تكون متوضعة في ناحية معينة، وتسمى (الحكة المحصورة)، كالحكة الشرجية، والحكة الفرجية، والحكة الصفنية. وإما أن تكون متعممة تصيب الجسم كله، وتسمى (الحكة المتعممة)، كحكة الشرى، وحكة الجرب، وحكة داء هودجكِن، وحكة الداء السكري، وحكة الشيخوخة.
    يميز للحكة نوعان رئيسيان:
    - الحكة البدئية أو الأساسية: وهي حكة مستقلة عن الأمراض الجلدية ولا تنجم عنها. والحكة في هذه الحالة، لا تعد عرضاً، بل تكون مرضاً، أو تكون العرض والمرض معاً.
    يصادف هذا النوع من الحكة في سرطانات الدم، وسرطان العقد اللمفية (داء هودجكِن) وفي الاضطرابات العصبية والنفسية، وفي الانسمامات الدوائية والغذائية، وفـي الداء السكري، وفي اليرقانات، وفي اليوريمية uremia.
    - الحكة الثانوية أو التالية: وتدعى الحكة العرضية أيضاً. وهي تشكل عرضاً هاماً يرافق كثيراً من الأمراض الجلدية، أو يكون تالياً لها، كالجرب والإكزيمة[ر] والشرى والاندفاعات الجلدية الدوائية.
    2- الحُمامى erythema: وهي تبدل يطرأ على لون الجلد فيصبح وردياً أو أحمر قاتماً. وهي غالباً ما تترافق بسخونة موضعية.
    تكون الحمامى إما متوضعة محدودة، كالحمامى الناجمة عن الضغط والفرك، وإما متعممة، كحمامى الأمراض الخمجية (الحمى القرمزية والحمرة)، وحمامى التسممات الدوائية والغذائية، وحمامى ضربة الشمس sunstroke.
    3- السخونة الموضعية: تترافق بعض الإصابات الجلدية بحرارة موضعية يشعر بها المريض ويشكو منها أكثر من أي عرض آخر، ففي الالتهابات الجلدية الحادة تكون الحرارة الموضعية مرتفعة ومحسوسة، وكذلك في الحمامى العقدة.
    4 ـ الوَذمة edema: وهي انتفاخ وتورم مؤقت يطرأ على الجلد، وخاصة في الأماكن المكشوفة منه، كالوجه واليدين والرجلين والنحر.
    تكون الوذمة واضحة في الوجه والأجفان، فينتفخ الوجه وتتغير معالمه وتنطمر العينان.
    وإذا أصابت الوذمة الطرفين السفليين فإنها تضفي على الساقين والرجلين ضخامة كبيرة تمنع صاحبها من المشي ولبس الحذاء.
    5- الاضطرابات الحسية: ترافق بعض الآفات الجلدية اضطرابات حسية مختلفة، وقد تكون النذير الذي ينبه المريض إلى إصابته الجلدية فيراجع الاختصاصي بشأنها (كما هي الحال في الجذام).
    والاضطرابات الحسية متنوعة ومختلفة، ففي الجذام تفقد صاحبها حس الألم والحرارة، بينما يبقى حس اللمس سليماً، وفي الإفرنجي (السفلس)[ر] تفقده حس الألم واللمس والحرارة.
    6- ضخامة العقد اللمفية: قد تصاب العقد اللمفية بالضخامة، في سياق بعض الآفات الجلدية الالتهابية المتقيحة، كـداء الدمامل، والقوباء المتعممة، والجرب المتقيح، أو في سياق بعض الأمراض الجلدية غير المتقيحة، كالإفرنجي، وتسمى «ضخامة العقد اللمفية الحارة».
    وقد تحدث الضخامة في سياق الآفات السرطانية المتوضعة أو المتعممة، وتسمى «ضخامة العقد اللمفية الباردة».
    أمراض الجلد
    يتعرض الجلد ولواحقه لأمراض كثيرة لا حصر لها:
    - إما بسبب عوامل ممرضة خارجية مؤذية كالجراثيم والفيروسات والفطور والطفيليات والحشرات.
    - وإما بسبب عوامل داخلية تفاعلية كالتحسس وعدم التحمل واضطراب المناعة.
    - وإما بسبب عوامل محيطة كالحر والقر والإشعاعات وما شابهها.
    - كما أن هنالك أمراضاً خلقية وراثية تتظاهر على الجلد بأشكال مختلفة.
    وتصنف أمراض الجلد: إما بحسب عواملها الممرضة المعروفة، وإما بحسب أشكال اندفاعاتها الجلدية.
    فيما يلي موجز عن أهم الأمراض الجلدية التي يصاب بها الإنسـان.
    1- الأمراض الجلدية الناجمة عن العوامل الحية
    وهي الأمراض الناجمة عن:
    أ - الجراثيم: تتسلط بعض الجراثيم على الجلد فتسبب له آفات جلدية شائعة جداً. منها:
    - المكورات العقدية والعنقودية: التي تسبب التقيحات الجلدية السطحية والعميقة كالقوباء والدمامل والتهاب الجريبات الشعري والجمرة الحميدة والتهاب الغدد العرقية.
    - العصيات: كالجمرة الخبيثة والقرحة اللينة والعصيات السلية التي تسبب السل الجلدي (الذأب السلي، الخنزرة) والعصيات الجذامية التي تسبب الجذام.
    - اللولبيات: التي تسبب الإفرنجي.
    ب - الفيروسات: وهي كائنات حية دقيقة جداً، ولها أنواع عدة.
    ومن أهم الفيروسات التي تسبب الأمراض الجلدية:
    - الفيروسات الحَلَئية: ومن أمراضها الحَلأ البسيط والحَلأ النطاقي والحماق.
    - الفيروسات البثرية: ومن أمراضها الجدري والوقس (جدري البقر) والمليساء المعدية.
    - الفيروسات نظيرة المخاطية: ومن أمراضها الحصبة والحصبة الألمانية.
    - الفيروسات البابوفية: ومن أمراضها الثآليل (الشائعة والفتوية والأخمصية والزهرية) وخلل البشرة الثؤلولي الشكل.
    - الفيروسات البيكورنية: ومن أمراضها الخناق العقبولي، داء اليد والقدم والفم.
    ج- المتدثرات: وهي عوامل ممرضة تدعى الكلاميديا chlamydiae أو البيدسونيا bedsoniae، وتسبب الورم الحبيبي اللمفيالزهري (داء نيقولا فافر) وداء خمش القط.
    هـ - الفطور: وهي أحياء دقيقة تتطفل على الجلد ولواحقه (الأشعار والأظفار)، وتسبب له أمراضاً كثيرة. منها:
    - الفطارات السطحية أو السعفات: ومنها فطارات البشرة (سعفة الجسد وسعفة اللحية وسعفة الفخذ وسعفة القدم). ومنها سعفات الرأس (السعفة الجازة والسعفة القرعية). ومنها فطارات الأظفار.
    - أمراض المبيضات: وهي الأمراض التي تنجم عن فطور ناقصة (شبه خميرية) كالمبيضات البيض التي تسبب، مذح المبيضات والتهاب الأظفار وما حولها بالمبيضات وداء المبيضات الفموي (السُلاق) وداء المبيضات التناسلي الفخذي والإصابات الحشوية والأرجية.
    - الفطارات العميقة: تنجم هذه الفطارات عن أنواع من الفطور تصيب طبقات الجلد العميقة والنسيج تحت الجلد، وقد تنتشر إلى العضلات والعظام والأحشاء، ومنها الفطار الشعّي وفطار الشعريات المبوغة والفطار المادوري.
    و- الأوالي: وهي كائنات حية دقيقة جداً، مؤلفة من خلية واحدة، تتطفل على جلد الإنسان وأغشيته المخاطية وأحشائه فتحدث له إصابات مختلفة. ومن إصاباتها الجلدية الشائعة:
    - داء الليشمانيات الجلدي (دمل الشرق أو حبة حلب).
    - داء المتحولات الجلدي.
    ز- المفصليات: وهي الحشرات كالبعوض والبراغيث والبق والقمل والعناكب التي تتطفل على الجلد فتسبب له آفات جلدية مختلفة. منها:
    - الأمراض الجلدية الناجمة عن المفصليات ذات التطفل المؤقت: كلسع الحشرات (البعوض، الفواصد، البراغيث، البق)، والحرارة والشرى الحطاطي.
    - الأمراض الجلدية الناجمة عن المفصليات ذات التطفل الدائم: كالقمال (قمل الرأس وقمل الجسم وقمل العانة).
    - الأمراض الجلدية الناجمة عن العناكب: كالجرب.
    2- الأمراض التحساسية
    وهي أمراض أرجية تنجم عن اضطراب في مناعة الإنسان، أي في تفاعلات عضويته تجاه العوامل الممرضة ومحاصيلها السامة. ومن أهمها: الشرى urticaria والإكزيمة (إكزيمة التماس، الإكزيمة البنيوية) والاندفاعات الدوائية.
    3- الأمراض البقعية
    وهي الأمراض التي تتظاهر على الجلد بعناصر مرضية أولية تبدو على شكل بقع patchs أو لطخ macules أو وكتspots. ومن أهمها:
    أ- الحماميات erythemas: كالحماميات الحصبية الشكل والحماميات الفرفرية الشكل وحمامى الإفرنجي وحماميات الاندفاعات الدوائية وحماميات الانسمامات الغذائية وحمامى الضغط وحمامى الحفاظ وحمامى المذح وحمامى النار وحمامى البرد وحمامى الأشعة والحمامى الشمسية والحماميات السمية والحمامى الانفعالية واحمرار الأطراف المؤلم والحمامى متعددة الأشكال والحمامى العَقِدة.
    ب - الفرفريات وتوسع الشعيريات telangiectases purpuras
    د - بقع خلل التصبغ dyschromia وهي إما أن تكون من منشأ ميلاني، وهي قسمان:
    - بقع فرط التصبغ (كالنمش والكلف والبقع المصطبغة الشيخوخية والبقع الكبدية وتملن الجلد في داء أديسون).
    - بقع نقص التصبغ (كالمهق والبهق).
    وإما أن تكون من منشأ غير ميلاني: (كبقع أصبغة الدم وبقع الأصبغة العضوية وبقع المواد الدوائية والوشم).
    وإما أن تكون ولادية كالوحمات.
    4- الأمراض الحطاطية papular diseases
    وهي أمراض جلدية تتصف بظهور اندفاعات حطاطية حاكة غير متوسفة تنتشر على سطح الجلد، ومنها: الحزاز المنبسط lichen planus.
    5- الأمراض الحطاطية التوسفية erythemato-squamous diseases
    وهي أمراض تتظاهر على الجلد باندفاعات بقعية أو حطاطية متوسفة، تتوضع في مناطق معينة من الجسم، أو تعم الجلد كله، ومنها: النخالية الوردية pityriasis rosea والصداف psoriasis ونظائر الصداف parapsoriasis والاحمرارات الجلديةerythrodermas.
    6ـ التقرانات keratoses
    وهي آفات جلدية وراثية تنجم، في معظم الحالات، عن اضطراب في التقرن الجلدي. ومنها:
    - السُماكات ichthyoses (كالسُماك الشائع والطفل الكولوديوني والجنين الهارليكوني وفرط التقران الانحلالي البشرة).
    - تقرانات الجلد الراحية الأخمصية palmoplantar keratodermas.
    - التقرانات الجُريبية follicular keratoses (كالتقران الشعري وداء داريي والنخالية الحمراء الشعرية).
    - الشُواك الأسود acanthosis nigricans.
    7- الأمراض الفقاعية bullous diseases
    هي الأمراض التي تتصف بظهور فقاعات على سطح الجلد، وهي كثيرة جداً.
    - منها ما هو معروف الأسباب: وينجم عن عوامل مؤذية (فيزيائية أو كيمياوية أو آلية أو نباتية أو حيوانية أو خمجية).
    - ومنها ما هو مجهول الأسباب: كالفقاع الشائع ونظير الفقاع والتهاب الجلد الحلئي الشكل والحلأ الحملي وانحلال البشرة الفقاعي والحمامى متعددة الأشكال الفقاعية.
    8- أمراض النسيج الضام أو أمراض المغراء (الكلاجين) connective tissue diseases or collagen diseases:وهي أمراض تصيب عناصر النسيج الضام المكونة للأدمة (الألياف المغراوية، الألياف المرنة، الألياف الشبكية، المادة الاستنادية، الخلايا الأدمية).
    ومن أهم هذه الأمراض: الذأب الحمامي lupus erythematosus والتهاب الجلد والعضل dermatomyositis والتصلبات الجلديةsclerodermas والضمورات الجلدية atrophies of the skin والجلد المفرط المرونة cutis hyperelastica وتهدل الجلد cutis laxa.
    9- أورام الجلد
    هي تشكلات جلدية ورمية، غير التهابية، مختلفة لوناً وحجماً وقواماً، وهي مجهولة الأسباب. وتقسم إلى قسمين رئيسيين:
    - أورام الجلد الحميدة: ومن أهمها الوحمات الخلوية والوحمات النسيجية والوحمات الوعائية والورم الشائكي القرني والتقران الشيخوخي والجدرات والكيسات الظهارية والأورام الصفر.
    ـ أورام الجلد الخبيثة أو سرطانات الجلد: ومن أهمها: الورم الظهاري القاعدي الخلايا والورم الظهاري الوسفي الخلايا والورم الميلاني الخبيث (الملانوم الخبيث).
    وتلحق بها الأورام التي تتظاهر على الجلد في أثناء الإصابات ببعض الأمراض الدموية الخبيثة كابيضاضات الدموالشباكات وداء هودجكِن وغرن كابوزي والفطار الفطراني.
    10- أمراض لواحق الجلد
    وهي الأمراض التي تعتري الأشعار والأظفار والغدد العرقية.
    - أمراض الأشعار: ومن هذه الأمراض: الحاصات البقعية (الثعلبة) والحاصات المنتشرة والحاصات الفطرية والجرثومية والصلع وعيوب بنية الشعر والشيب والشعرانية.
    - أمراض الأظفار: ومن أهمها: الظفر الناشب والظفر الأبيض وتملن الأظفار وتقعر الأظفار وغلظ الأظفار وانعدام الأظفار.
    - أمراض الغدد العرقية: ومن أهمها: فرط التعرق والصنان واللاعرقية وخلل التعرق وتلون العرق والتهاب الغدد العرقية.
    11- أمراض الأغشية المخاطية
    وهي الأمراض التي تصيب الأغشية المخاطية الفموية والتناسلية والشرجية.
    - فمن أمراض الأغشية المخاطية الفموية: أمراض الشفاه والقلاع الفموي وداء بهجت وآفات اللسان المختلفة والطلوان.
    - ومن أمراض الأغشية المخاطية التناسلية المذكرة: التهاب الحشفة والآفات الورمية القضيبية والصفنية وموات القضيب والآفات التنبتية والآفات التقرحية.
    - ومن أمراض الأغشية المخاطية التناسلية المؤنثة: التهاب الجلد التماسي وأخماج الفرج والتهاب الفرج والمهبل وضمورات الفرج وأورام الفرج والحكة الفرجية ولوان الفرج.
    - أمراض الأغشية المخاطية الشرجية: الشقاقات والتقرحات والآفات الالتهابية والآفات الورمية وأورام الشرج الخبيثة والحكة الشرجية.
    عبد الكريم شحادة

  7. #577
    الجمرة الخبيثة (داء ـ)

    الجمرة الخبيثة anthrax: داء خمجي عامله الممرض هو العصوية الجمريةbacillus anthracis وهو داء حيواني المصدرzoonosis يصيب الحيوانات الآهلة والوحشية، وينتقل منها إلى الإنسان الذي يعمل بتماسّ مباشر معها أو مع منتجاتها وحوائجها أو الذي يعمل في بيئة ملوثة بالعامل الممرض.
    لمحة تاريخية
    تميز داء الجمرة الخبيثة بحدثين هامين:
    الأول: كونه أول داء خمجي اكتشف عامله الممرض ورسخت به وحدة الأمراض الخمجية.
    الثاني: عودة هذا المرض في مطلع الألفية الثالثة إلى الصدارة بعد أن خبا ذكره وندرت حوادثه، فشُغل به الرأي العلمي والعام لتصدره قائمة الأسلحة الحيوية ـ البيولوجية.
    الأسباب
    تنتقل العدوى في هذا الداء إلى الإنسان بطرق متعددة: أولها طريق الجلد المؤوف أو المتسحج، أما الجلد السليم فلا تخترقه العصوية الجمرية والثاني طريق الاستنشاق كما في الأدواء الزراعية والصناعية والأسلحة البيولوجية.
    والثالث طريق الابتلاع بتناول لحوم الحيوانات المريضة، وتقاوم الأبواغ تأثير العصارة المعدية إلا أنها تتلف في حرارة غليان الماء خلال عشر دقائق.
    الإمراض
    تمتلك العصوية الجمرية في فوعتها ثلاثة عناصر أساسية:
    الأول: عامل ناهٍ للبلعمة يتألف من حمض د - غلوتاميل عديد الببتيد المحفظي D-glutamil polypeptide capsule.
    والثاني: ذيفان موذم edema toxin يتألف من عناصر بروتينية تشكل عاملاً وذمياً (EF) ومن بروتين ناقل يشكل عاملاً واقياً ويعرف بالمستضد الحامي (PA) protective antigen.
    والثالث: ذيفان مميت lethal toxin يتألف أيضاً من عاملين: من عامل مميت (LF) ومن المستضد الحامي (PA).
    يعمل المستضد الحامي الموجود في الذيفانين السابقين على الارتباط بالمستقبلات المنتشرة على سطح الخلايا ويتيح بذلك لشريكيه: العامل الوذمي والعامل المميت, النفوذ إلى داخل الخلايا, حيث ينشط العامل الوذمي محدثاً الوذمات الهلامية الشكل، كما ينشط الذيفان المميت مؤدياً إلى حدوث الصدمة والموت.
    الوبئيات
    ينتشر داء الجمرة الخبيثة في أنحاء مختلفة من العالم ويعدّ مستوطناً في بعض بقاع آسيا (كالهند والباكستان ومنغولية والشرق الأوسط) وفي أماكن من إفريقية وأميركة اللاتينية، وبخاصة في الأرياف التي تقل فيها الرقابة الصحية. وفي البلاد المتقدمة صناعياً سجلت حوادث عديدة منه بين العاملين في اللحوم والمشتقات الحيوانية كالصوف والأشعار والجلود والعظام،كما ذكرت حوادث أصابت العاملين في المخابر.
    ومن النادر حدوث الخمج بهذا الداء عن طريق لدغ حشرات ناقلة كذلك لم يعرف انتقال المرض مباشرة من مصاب إلى إنسان سليم.
    المظاهر السريرية
    تراوح مدة الحضانة في هذا الداء بين يوم وثلاثة أيام (وقد تمتد إلى سبعة أيام)، وتصنف المظاهر السريرية في الإنسان في ثلاثة أشكال رئيسة:
    - الجمرة الخبيثة الجلدية: وتدعى أيضاً (بالبثرة الخبيثة) وهي أكثر الأشكال الثلاثة شيوعاً وتشكل نحو 95% من مجموع الإصابات وتكون الإصابة مفردة وقد تكون متعددة، وتتوضع غالباً على الأماكن المكشوفة من الجلد كاليدين والذراعين والعنق والوجه وهي الأماكن التي تكون عرضة للجروح والخدوش.
    تبدأ الأعراض ببقعة حمامية صغيرة، لا تلبث أن تأخذ شكلاً حطاطياً احمرارياً يتطور خلال ساعات (أو أيام) إلى مظهر فقاعي يمتلئ بسائل مصلي مدمّى يأخذ بالاتساع وتحيط به وذمة شديدة تأخذ بالاتساع أيضاً. يعقب ذلك انبثاق عفوي في الفقاعة النزفية وتبدو البشرة تحتها نخرية ويتشكل مكانها خشارة eschar (خشكريشة) سوداء ترافقها وذمة شديدة وتحيط بالخشارة بثور حمراء وحويصلات دقيقة غير منتظمة وهذا المظهر السريري دعا إلى تسميتها بهذا الاسم.
    تترافق الأعراض الموصوفة باعتلال العقد اللمفية الناحيوية، وقلّ أن يرافقها التهاب الأوعية اللمفية كما تترافق بأعراض عامة مختلفة الشدة كالحمى والدعث والإعياء. أما الأعراض الشخصية الموضعية كالألم الموضعي فيكاد يكون معدوماً في الجمرة الخبيثة إلا إذا خالطها خمج ثانوي.
    تكون الوذمة شديدة في الحالات التي تصيب الأجفان أو الشفتين وقد تعمّ الوجه بحيث تغير معالمه وتخفي بين طياتها مظاهر الجمرة الوصفية.
    - الجمرة الخبيثة الاستنشاقية: وهذا الشكل شديد الخطورة، يبدأ بأعراض خمجية لا نوعية كالحمى التي تأخذ بالارتفاع والإعياء والانزعاج الصدري والآلام العضلية والسعال الجاف وتشبه بذلك النزلة الوافدة، وبعد هجوع قصير تشتد الأعراض الصدرية وبخاصة المنصفية فيصعب التنفس ويزداد الضيق الصدري ويبدو الزراق ونفث الدم لإصابة الأسناخ الرئوية والمنصف بخمج نخري نزفي وقد يعقب ذلك إنتانميّة والتهاب سحايا يؤديان إلى الموت السريع.
    وفي حالات خاصة قد يتظاهر الخمج بالتهاب جيوب حاد يترافق بمفرزات أنفية كثيفة مدماة.
    - الجمرة الخبيثة المعدية المعوية: وهي أقل الأشكال حدوثاً وتنجم عن ابتلاع الأبواغ, يصيب الخمج الأمعاء غالباً ويتظاهر بآلام بطنية وغثيان وإقياء وتغوط أسود أو بإسهال مدمى ويعقبه التجفاف وهبوط الضغط والإعياء، وإذا ما انتقل الخمج إلى الصفاق ازدادت الأعراض سوءاً وحدث الحبن المدمى وارتفعت الحمى.
    وذكرت حالات خاصة في هذا الشكل دعيت بالجمرة الخبيثة الفموية البلعومية وتجلت بالتهاب بلعوم شديد وعسرة في البلع وتقرحات في اللوزتين وقاعدة اللسان ورافق ذلك اعتلال ظاهر في العقد اللمفية المجاورة في العنق.
    التشخيص
    يبنى التشخيص على الأعراض الوصفية وعلى الحال الوبائية التي تواجد فيها المصاب ويؤكد التشخيص بالفحوص المخبرية النوعية.
    التشخيص السريري والتفريقي: في الجمرة الخبيثة الجلدية تشكل الوذمة الشديدة والخشارة السوداء وانعدام الألم الأعراض الوصفية. ويشمل التشخيص التفريقي فيها عدداً من الأمراض أهمها: الجمرة العنقودية والتهاب الهلل cellulitis (وهما يتميزان بالألم) والقريح والفطار البرعمي والشعرية المبوغة وجدري البقر وقروح الكي بالنار وغيرها.
    والتشخيص السريري في كل من الجمرة الخبيثة الاستنشاقية والمعدية المعوية أكثر صعوبة ويبنى على السيرة الوبائية والأعراض العامة الشديدة والأعراض الخاصة المشار إليها ويؤكد بالفحوص الشعاعية (كالتهاب المنصف وتوسعه) والمخبرية.
    التشخيص المخبري: ترى العصوية الجمرية بسهولة في المسحات المأخوذة من الآفات الجلدية ومن المضاعفات الدموية والسحائية سواء مباشرة أو بعد الزرع. ويتم تفريقها عن العصويات الهوائية الأخرى المشابهة لها بتلقيح حيوانات المخبر حيث يحدث الخمج بالعصوية الجمرية، أو باستخدام عاثية جراثيم نوعية specific bacteriophage.
    كما يمكن استخدام تقنية الأضداد المتألقة المباشرة. وتتوفر في التشخيص المخبري: اختبارات مصلية للتشخيص الراجع تقوم على معايرة تراص الحمر غير المباشر وعلى الرحلان الكهربي المناعي لتحري أضداد المستضد الحامي (PA) وعلى اختبار المقايسة المناعية المرتبطة بالإنزيم (ELISA) لتحري أضداد المستضد المحفظي.
    التشريح المرضي
    يبدي التشريح المرضي ائتكالاً في مركز البشرة وتسفنجاً حويصلياً في جوانبها، أما التبدلات الرئيسة فهي في الأدمة حيث تبدو وذمية متسعة العروق، ونخرية مرتشحة بأعداد كبيرة من العدلات والكريات الحمراء، وإذا ما لونت مقاطع منها بالغرام فيرى العامل الممرض فيها بكثرة ووضوح.
    السير والإنذار
    تشفى الجمرة الخبيثة الجلدية بالعلاج شفاء تاماً خلال أسبوعين أو ثلاث مخلفة ندبة مكانها، وإن معدل الوفيات في الحالات التي لم تعالج يراوح بين 5-20% ويشير إلى سوء الإنذار شدة الأعراض العامة واتساع الوذمات وعلامات الانسمام والمضاعفات.
    وفي الجمرة الخبيثة الاستنشاقية يكون السير سريعاً (أياماً) والإنذار أشد سوءاً حتى في الحالات المعالجة بشكل متأخر إذ إن معدل الوفيات فيها يراوح بين 80 -100% من الحالات.
    أما في الجمرة الخبيثة المعدية المعوية فالإنذار أقل سوءاً من سابقتها وإن معدل الوفيات في هذا الشكل يراوح بين 25-50%.
    الوقاية
    من الواجب إبلاغ السلطات المسؤولة بكل إصابة تحدث بهذا الداء. وتتم الوقاية بحصر مصدر الداء، وتمنيع الحيوانات الآهلة باللقاحات الخاصة، ولا يوجد للإنسان لقاح نوعي نموذجي بعد ويمكن استخدام بعض أنواع اللقاحات (كاللقاح التي تحضره الهيئات الصحية في ميشيغن) ويعطى على جرعات متعددة (6 جرعات) للأشخاص المعرضين للعدوى. وتجدر الإشارة إلى أن الإصابة بالجمرة الخبيثة في الإنسان لا تخلف مناعة دائمة.
    ينبغي أن لا يجرى تداخل جراحي على الإصابة الجلدية خشية انتشار الخمج إلى الأعضاء الداخلية أو حدوث إنتانمية بل تطبق لها الضمادات الواقية. وللوقاية في الحالات الاستنشاقية يمكن استعمال الأقنعة الخاصة والكمامات الواقية ويكتفى للوقاية من الإصابات المعوية بالطهي الجيد.
    المعالجة
    إن معظم الصادات وسيعة الطيف فعالة وشافية في الأشكال الجلدية وفي معالجة الحالات الأخرى المشتبهة عند إعطائها باكراً دون انتظار النتائج المخبرية.
    وفي إصابات الجمرة الخبيثة التي حدثت مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية كان المضاد الحيوي المنتخب والمفضل هو السيبروفلوكساسين ciprofloxacin ويعطى بطريق الفم (وفي الحالات الشديدة يعطى وريدياً 500ملغم كل ثماني ساعات).
    وكان البنسلين ولا يزال، وبخاصة البنسلين G، العلاج الاقتصادي الأول والفعال، ويعطى عضلياً ووريدياً بكميات عالية في البدء (4 ملايين وحدة كل 6 ساعات) ثم يتابع إعطاؤه فموياً. وفي حال وجود أرجية للبنسلين عند المصاب فتعطى الصاداتالأخرى كالسيبروفلوكساسين والاريتروميسين والتتراسيكلين وبخاصة الدوكسيسيكلين الموصى به في هذه المعالجة ويعطى فموياً بمقدار 100ملغ كل اثنتي عشرة ساعة للبالغين ولمدة بضعة أسابيع.
    وتشير الأبحاث المستجدة إلى معالجة جديدة واعدة تمكن فيها الباحثون من (هندسة) أضداد antibodies متعددة تعدلneutralize الذيفانات التي تفرزها العصوية الجمرية وتبطل مفعولها.
    مأمون الجلاد

  8. #578
    الجنين

    الجنين fetus لغة: هو الولد ما دام في بطن أمه، وجمعه أجنة، ويقال أجنّت المرأة ولداً. والجنين هو ذلك الكائن المتشكل في رحم الأم وينتج من لقاء نطفة الأب ببييضة الأم. وإن كلاً من النطفة والبييضة تحوي نصف ما تحويه الخلايا الناضجة من الصبغيات أي تحوي كل منها ثلاثة وعشرين صبغياً، اثنان وعشرون منها صبغي جسمي وصبغي جنسي واحد هو في البييضة من النوع X دائماً، أما في النطفة فيكون إما من النوع X وإما من النوع Y، فإذا لقحت البييضة بنطفة فيها الصبغي الجنسي من النوع X كان ناتج الحمل جنيناً أنثى، أما إذا لقحت بنطفة الصبغي الجنسي فيها من النوع Y كان الحمل جنيناً ذكراً.
    وينتج عن الإلقاح ما يدعى بالبيضة الملقحة التي تحوي ستة وأربعين صبغياً ويتم الإلقاح في الثلث البعيد من البوق (وهو الذي يقوم بنقل البييضة من المبيض إلى الرحم ويقوم بنقل النطاف من الرحم باتجاه البييضة الموجودة في البوق).
    تبدأ البيضة الملقحة بالانقسام في البوق وهي في طريقها إلى الرحم الذي تصل إليه بعد نحو 5ـ6 أيام من الإلقاح، إذ تبدأ بالتعشيش فيه ويتمايز فيها بالتدريج نوعان من الخلايا: النوع الأول هو الذي سيشكل الجنين لاحقاً، والنوع الثاني هو المسؤول عن تشكيل ملحقات الجنين (المشيمة والأغشية الجنينية والحبل السري) التي ستؤمن للجنين احتياجاته من العناصر الغذائية والأكسجين وتطرح فضلاته وغاز ثاني أكسيد الكربون، إضافة لدورها في صنع الحاثات المشيمية.
    تبدأ الخلايا المسؤولة عن تشكيل الجنين بالتكاثر والانقسام والتمايز لتشكيل أعضاء الجنين وأجهزته بالتدريج وتكون فترة الأسابيع الاثني عشر الأولى هي الأهم والأخطر، إذ فيها تتشكل الأعضاء وتتكون الأجهزة، وتعرض محصول الحمل لأي تأثيرات مرضية أو دوائية أو إشعاعية قد تؤدي إلى حدوث تشوهات فيه. أما في الفترة التالية أي بعد الأسابيع الـ 12 الأولى وهي فترة نمو وتطور الأعضاء التي تشكلت سابقاً فإن التأثيرات المرضية والدوائية تكون أقل بكثير من فترة الأسابيع الـ 12 الأولى.

    تبدأ المرحلة المضغية في بداية الأسبوع الثالث من الإخصاب، ويتكون في هذه المرحلة القرص المضغي الذي تتميز فيه طبقتان: عميقة تسمى الوريقة الباطنة وسطحية تسمى الوريقة الظاهرة، ثم لا تلبث أن تظهر بين هاتين الوريقتين وريقة جديدة تسمى الوريقة المتوسطة.
    وبين الأسبوعين الرابع والثامن يتميز في كل من الوريقات الثلاث عدد من النسج ومن الأعضاء، فالوريقة الخارجية تعطي النسيج العصبي واللحف، والوريقة المتوسطة تعطي الصقل (الهيكل العظمي) والنسج الضامة والعضلات وجهاز البول وجهاز الدوران، والوريقة الباطنة تعطي جهاز الهضم وغدده الملحقة وجهاز التنفس.
    في الأسبوع الرابع يكون طول المضغة 4-5ملم ويتكون القلب وبراعم اليدين والقدمين، وفي نهاية الأسبوع السادس يكون طول المضغة 22-24ملم ويتكون الرأس الذي يكون كبيراً بالنسبة للجذع، وتتكون أصابع اليدين والقدمين والأذن الخارجية. وفي نهاية الأسبوع التاسع يبلغ طول المضغة 2.5-3سم باندفاع الكبد والأمعاء نحو الخارج بدءاً من الأسبوع الثاني عشر من أول أيام آخر طمث أي في الشهر الثالث من الحمل.
    وفي نهاية الشهر الثالث يكون طول الجنين 10سم ووزنه نحو 55غ، ويخف بروز البطن ويتم تكون الأعضاء التناسلية الظاهرة ويمكن تعرف الذكر من الأنثى، وتظهر نقاط تعظم في بعض المناطق.
    وفي نهاية الشهر الرابع من الحمل يبلغ طول الجنين 16-20سم ووزنه نحو 270غ، وتظهر الأوبار على جلده ويكون الأنبوب الهضمي قريباً من شكله النهائي وتبدأ الكبد عملها.
    وفي نهاية الشهر الخامس يبلغ طول الجنين 25-30سم ووزنه نحو 650غ، وتظهر الأشعار في رأسه. وفي هذا الشهر يبدأ الجنين بتحريك أطرافه.
    وفي نهاية الشهر السادس يبلغ طول الجنين 30-35سم ووزنه نحو 1000غ، وتستر جلده الأحمر أوبار غزيرة وطلاء دهني وتتكون الطبقة الشحمية تحت الجلد وتظهر الأظافر.
    وفي نهاية الشهر السابع يبلغ طول الجنين 35-40سم ووزنه نحو 1750غ، ويصبح الجلد بلون أبيض وردي وتثخن الطبقة الشحمية. وإذا ولد الجنين في هذا الوقت يكون قابلاً للحياة إذا توافرت له العناية الخاصة.
    وفي نهاية الشهر الثامن يكون طول الجنين 40-45سم ووزنه 2500غ، وتزول تجعدات جلده بنمو الطبقة الشحمية تحته، وقابليته للحياة أفضل.
    وفي نهاية الشهر التاسع أي في تمام الحمل يكون طول الجنين نحو 50سم ومتوسط وزنه 3250غ، وهو في الذكور أكثر منه في الإناث إجمالاً، ويكون جلده بلون أحمر وردي مستوراً بمادة دهنية بيضاء تتكاثف في بعض المناطق كالنقرة والظهر وثنايا الإبطين والمغبنين تدعى الطلاء الدهني، وتكون الأظافر صلبة والرأس مشعراً يراوح طول الشعر فيه بين 1 و3سم وتكون الخصيتان في الصفن. تدل كل هذه الصفات على نضج الجنين كما يدل على ذلك ظهور نقاط تعظم تكشف شعاعياً في مشاشة الظنبوب العليا وفي مشاشة عظم الفخذ السفلى.
    تفيد المعلومات السابقة في مراقبة سير الحمل ونمو الجنين وما إذا كان طبيعياً أم غير طبيعي، كما تفيد في تحديد سن الحمل في الحالات التي لا يكون فيها سن الحمل معروفاً لجهل الحامل تاريخ آخر طمث رأته.
    تدل الأرقام المذكورة على أن الجنين يزداد طوله بشكل لا يمكن أن تتسع له الرحم إذا بقي دون انحناء، وقد تبين أن المضغة تكون منعطفة على نفسها بشدة منذ الأسبوع الرابع من الحمل، ويزداد هذا الانعطاف مع كبر الجنين حتى يكون في نهاية الحمل منطوياً على نفسه بشكل شديد فيكون رأسه منعطفاً بشدة على جذعه والطرفان العلويان متصالبين أمام الجذع والفخذان مثنيتين على الجذع والساقان مثنيتين على الفخذين والقدمان متصالبتين أمامهما، فيشبه الجنين بذلك البيضة، يشكل رأسه أحد قطبيها وهو الصغير ويشكل مقعده قطبها الثاني وهو الكبير ويكون الرأس في الأسفل في 97% من الحالات في نهاية الحمل. وقد يكون في الأعلى في 3% من الحالات أو يكون في أحد الجانبين في حالات نادرة، ووضع الجنين هذا له شأن في آلية الولادة.
    يصاب الجنين ببعض الأمراض أو التشوهات في أثناء الحمل إصابة مباشرة أو لمرض في الحامل، وبالعكس قد تتأثر الحامل من وجود الجنين في رحمها فتصاب ببعض الأمراض بسبب الحمل، لذلك يجب مراقبة الحامل والجنين وفحصهما فحوصاً دورية سريرية ومخبرية وبالصدى لكشف هذه الآفات أو التشوهات ومعالجتها إن أمكن، أو الوقاية منها إذا كان من المتوقع حدوثها نظراً لسوابق المريضة.

    صلاح شيخة

  9. #579
    الجوع (آلية ـ)

    تعرف منظمة الصحة العالمية الجوع la faim بأنه: مجموعة إحساسات تنشأ من الحرمان الغذائي، وتحض الإنسان على البحث عن الأغذية التي يؤدي تناولها إلى زوال تلك الإحساسات. ويجب أن يوفر الغذاء المقادير اللازمة من الحريرات والعناصر المغذية التي تحقق نمو الجسم وتكاثر خلاياه وتجددها. فالحياة تساير الموت في كل كائن حي وذلك لتلف وتجدد مستمرين يجريان في جميع عناصر الجسم. فهناك أفعال فيزيولوجية تحصل في جميع خلايا الجسم باستمرار تتطلب إمدادها المتواصل بالمواد الغذائية ويؤدي انقطاعها إلى توقف الحياة.
    إن الهدف الأساسي من إشباع حس الجوع هو تأمين التغذية اللازمة لتجديد مختلف أجزاء الجسم والقيام بالأعمال الفيزيولوجية الموكلة إليه.
    يدفع حس الجوع الإنسان لتناول الطعام الذي يغطي حاجاته الغذائية من جهة كما يسد حاجاته النفسية من جهة أخرى، فالغذاء هو المادة الوحيدة التي تجمع دائماً بين اللذة والحاجة.
    تنظيم حس الجوع
    يتدخل في تنظيم حس الجوع عدد من العوامل:
    1- لقد تبين أنَّ مراكز الجوع والشبع تتوضع في الدماغ البيني diencéphale من الجملة العصبية المركزية، وتخضع هذه المراكز لعدة محرضات عصبية ـ هرمونية ذات مصدر عصبي مركزي أو محيطي.
    يقع مركز الجوع عند الإنسان في منطقة من الدماغ تدعى الوطاء (تحت المهاد) hypothalamus. ويتأثر تنظيم هذا المركز بصورة مباشرة بوسائط كيمياوية خاصة مثل الأندورفينات وغيرها التي تحرضه، مما يدفع لشعور شخصي بالحاجة إلى تناول الطعام.
    2- وهناك أيضاً دور أساسي لطعم المواد المتناولة وتذوقها في تنظيم الإحساس بالجوع. فالمستقبلات الذوقية الموجودة على اللسان تنقل المعلومات عن طعم المواد المتناولة إلى جذع الدماغ، وهذا يتم أيضاً بفعل مواد كيمياوية معينة وإشارات عصبية خاصة.
    3- والعامل الثالث في تنظيم حس الجوع والشبع وتناول الطعام يرتبط بالجهاز الهضمي. فبعد تناول الطعام يحدث تمدد في الجدار المعدي وهذا يدفع بالشخص للشعور بحس الامتلاء وبالتالي كبح حس الجوع وإيقافه. وإضافة إلى فعل التمدد الفيزيائي لجدران المعدة والأمعاء هناك مواد إفرازية خاصة تنتجها جدران الأمعاء بعد تناول الطعام مثل البومبيزين bombésineوالكوليسيستوكينين cholécystokinine وغيرهما والتي تفرز للدوران لتصل إلى مركز الجوع بالدماغ فتعمل على تثبيطه وإنهاء حس الجوع لدى الإنسان.
    وهناك هرمونات داخلية أخرى تحرض حس الجوع وتناول الطعام كالهرمونات المفرزة في الجهاز الأدرينالي الفعلadrénérgiques. إضافة إلى هبوط مستوى سكر الدم المحرض بالأنسولين.
    وقد تبين أن التأثيرات المحيطية الناتجة من تبدل مقدار الغذاء ونوعه، وتبدلات التوازن الاستقلابي (ومنها كمية الدسم المدخرة في الأنسجة المحيطية) ترسل تنبيهات مستمرة إلى مراكز منطقة الوطاء إذ يعمل تراكم الدسم بالمدخرات على تثبيط مركز الجوع. ونتيجة لذلك يتوقف تجمع الدسم عند حد معين مما يعمل على وقف كل بدانة إضافية. وبعد تثبيت هذه الكمية المعينة من الدسم، والخاصة بكل فرد بحسب برنامجه الوراثي، فإن النسج المشتملة عليها تحول دون نقصها وذلك بتنبيه حس الجوع بتأثير هرموني يعرف باسم اللبتين leptine وغيره. تؤثر هذه العوامل على مراكز حس الجوع وتنبيهها في كل مرة تبدأ مدخرات الدسم في البدن بالنقص.
    وهكذا فإن النسيج الشحمي في البدن ليس هو مركز إدخار عاطل بل هو نسيج وظيفي له قدرته الحركية الدائمة ويرتبط بجهاز دقيق من الاتصالات العصبية والغدية التي لها شأن في تنظيم حس الجوع. تحدد هذه العوامل المقدار المتناول من الغذاء وما ينجم عنه من استقلاب وادخار.
    إن وجود مراكز الجوع في الدماغ المتوسط قريبة من مراكز عصبية لها دورها في صفة العدوانية agressivité عند الإنسان، مما يفسر تحريض هذه المراكز بالمجاورَة عند بعض الأشخاص في سياق حالات الجوع غير المشبع، ويجعل هؤلاء الأشخاص عدوانيين وشرسين حينما يشتد حس الجوع عندهم. فالحاجة للغذاء عند هؤلاء الأشخاص وعدم إشباع حس الجوع قد يوقد جذوة العدوانية التي توجه في معظم الحالات نحو الآخرين، ويتبدى هذا بالغضب الشديد والاعتداء الظاهر أو الحقد الخفي. وفي بعض الحالات قد تنصرف هذه العدوانية باتجاه جسم الفرد نفسه فتتولد عنها شواشات نفسية جسمية متباينة.
    اضطرابات الجوع
    يمكن أن تقسم هذه الاضطرابات إلى نوعين متناقضين: نقص الشهية أو القمه ووفرة الشهية أو النهم.
    - نقص حس الجوع hypophagie: يُعرف نقص الشهية أو نقص حس الجوع عند الإنسان بالقمه anorexie، وهو عرض شائع المصادفة في حالات مرضية متعددة ومختلفة كفقدان الشهية مثلاً عند المرضى المصابين بالأورام المتقدمة. ولكنه قد ينجم عن اضطرابات نفسية أيضاً، وفي هذه الحالة يكون تقنين تناول الطعام وتثبيط حس الجوع عند هؤلاء الأشخاص بدافع إرضاء نظرتهم لأنفسهم وشعورهم باستقلاليتهم autonomie مما يحقق لهم شعوراً نفسياً بقدرتهم على السيطرة على أبدانهم. وفي حالات أخرى قد ينجم القمه عن نظرة شخصية خاطئة لحالة أجسامهم الفيزيائية.
    - النهم boulimie (hyperphagie): وهو الإفراط في تناول الطعام ويؤدي غالباً إلى البدانة وزيادة الوزن. وقد يترافق أحياناً بوجود حالة اكتئابية أو حالة قلق خفية ومقنعة، يعاوض عنها الشخص بسلوك وظيفي شاذ وهو الإفراط في تناول الطعام، كما يمكن مشاهدة هذه الحالة في أمراض نفسية أخرى. وقد وجد أيضاً أن هناك بعض الحالات المرضية العضوية التي يمكن أن تترافق مع إفراط في تناول الطعام، وهي الحالات التي تؤدي إلى توازن سلبي للطاقة في الجسم. ويعود ذلك إما إلى فقدان زيادة الاستقلاب بالجسم كما هي الحال في فرط نشاط الغدة الدرقية، أو إلى حالات ضياع وفقدان موارد الطاقة في الجسم كما في الداء السكري مثلاً أو في حالات سوء الامتصاص المعوي، وفي هذه الحالات لا يترافق الإفراط في تناول الطعام عادة مع حدوث البدانة.
    يستنتج أن الكثير من حالات الاضطرابات المرضية العضوية والنفسية والاجتماعية تقوم بدور مهم في تبديل وتغيير حساسية مراكز الجوع عند الإنسان وتنظيمها، وبالتالي إلى تبديل تصرفاته تجاه تناول المواد الغذائية.
    رائد أبو حرب

  10. #580
    الجينات (المورثات)

    الجينات (المورثات) genes هي وحدات صِغْرية مسؤولة عن نقل كل خِلال (ج خِلّة) الوراثة، كما إنها مسؤولة عن إدارة اصطناع البروتينات وضبطها. تتألف الجينة من بضع قطع أو شُدَف segments من حمض الدنا النووي desoxyribonucleic acid (DNA). ويتألف الدنا من سلسلتين من النوويدات nucleotides تلتف إحداهما على الأخرى مثل سلّم حلزوني. تتألف جوانب هذا السلّم الحلزوني من سكر خماسي هو الدي أوكسي ريبوز ومن حمض الفوسفور، أما دَرَجات هذا السلّم فتتألف من أربعة أسس نيتروجينية: اثنان من البورينات purines وهما الآلانين alanine (A) والغوانين guanine (G) واثنان من البيريميدينات pyrimidinesوهما الثيامين thymine (T) والسيتوزين cytosine (C). ويرتبط (A) من السلسلة الواحدة مع (T) من السلسلة الثانية، على مستوى درجة واحدة، تدعى الدرجة T-A، ويتم هذا الارتباط برباطين من الهدروجين. بالشكل نفسه ترتبط (C) مع (G) ولكن ارتباطهما يتم برابطة ثلاثية الهيدروجينات، ونتيجة لذلك يكون ارتباط GC أمتن من ارتباط AT وبالتالي أصعب تفريقاً. وتكون نتيجة ارتباط هذين الجزيئين المتماثلين من الدنا ظهور الدنا المضاعف المسؤول عن نقل كل المعلومات الوراثية الآتية من الأبوين، من جيل إلى جيل. وبحسب نمط توالي هذه الأسس في كل سلسلة من هذه السلاسل يتحدد الرمز الوراثي genetic code.
    توزعها في الصبغيات
    يبلغ عدد الجينات في الإنسان (نحو40.000) جينة، تتوضع كلها في نواة كل خلية، ولأن حمض الدنا إذا تمّ مطّه وتقويمه يبلغ طوله مترين فقد بيّن كل من واطسون وكريك Watson & Crick من جامعة كمبردج عام 1953 أن هذا الحمض يتوضّع داخل النواة على شكل حلزون مزدوج. ومن الصعب تصوّر وجود مترين من الدنا، هما أطوال 46 عروة صبغية ملفوفة ضمن نواة يبلغ قطرها (6- 8 ميكرومتر). والوحدة القياسية للجينة هي زوج الأساس (زأ) (bp) base pairs وتقدّر كمية المجين الفردانية haploid genome بثلاث مليارات (زأ). يبلغ عدد العرى الصبغية في الإنسان (23) زوجاً تتوضع فيها الجينات التي تكون أيضاً على شكل أزواج، وإلى جانبها أيضاً تتوضع كميات كبيرة من الإنزيمات والبروتينات، أغلبها يتألف من عدة جزيئات صغيرة إيجابية الشحنة الكهربية تدعى الهيستونات، ويتألف بعضها الآخر من مئات آلاف الجزيئات. وحين انقسام الخلية تنتسخ replicate الصبغيات بكل ما تحويه من جينات ويبقى كل زوجين صبغيين متصلين أحدهما بالآخر في نقطة قريبة من الوسط تدعى القُسيم المركزي centromere (ويدعيان بشقي الصبغي chromatids) حتى حدوث الانقسام.
    أنواعها ووظائفها
    تشير الدلائل إلى أن كل جينة مسؤولة عن تجميع «عديد بيبتيد» polypeptide واحد. فعندما يحتاج الجسم إلى منتوج جينة بعينها يبادر حمض الدنا الحاوي على هذه الجينة إلى الانشطار طولياً مما ينجم عنه تشكل جديلة أو خيط فرْدٍ من حمض الرنا (الحمض النووي الريبي) ويدعى هذا الخيط الفرد من الرنا بالرنا المِرسال mRNA لأنه ينتقل فيما بعد من النواة إلى الهيولى ومن ثم إلى العُضيّات organelles المدعوة بالريباسات ribosomes حيث ينقل المعلومات اللازمة لاصطناع البروتينات. وهناك نمط ثان من الرنا هو الرنا النقّال tRNA لأنه يتّحد مع أحد الحموض الأمينية ليحوّله إلى ريباسة. وتنتظم مجموعة من النوويدات مع سلسلة من الحموض الأمينية لتشكل سلسلة من عديد البيبتيد، وتتشكل البروتينات من سلسلة أو من سلاسل من عديدات البيبتيد المترابطة. وتدعى فرضيّة تخصص الجينة بفرضية «جينة واحدة لعديد بيبتيد واحد». وأظهرت التجارب أن العديد من الجينات في خلية ما قد تبقى عاطلة inactive معظم الوقت أو كلّه. كما أظهرت أن أي جينة يمكن تشغيلها أو تعطيلها في أي لحظة. وقد درست هذه الظاهرة، من تفعيل أو تعطيل، في الجراثيم. وتبين أن للجراثيم ثلاثة أنماط من الجينات: البنيانية structuralوالفعالة operator والمنظّمة regulator. الأولى تُرمّز لاصطناع بعض عديدات البيبتيد النوعية. والثانية تحتوي الرمز الضروري لبداية عملية انتساخ transcription رسالة الدنا من واحدة أو أكثر من الجينات البنيانية إلى مرسال الرنا mRNA. وهكذا فإن الجينات البنيانية ترتبط مع قريباتها الفعّالة بوحدة وظيفية تدعى المَشْغَل operon. وفي الختام فإن نشاطات هذا المشغل تبقى تحت سيطرة ورقابة الجينة المنظّمة التي تنتج بروتيناً صغير الجزيء يدعى بالكاظم repressor. يرتبط هذا الكاظم بالجينة الفعالة فيمنعها من اصطناع البروتين المطلوب من المشغل. ولذلك فإن وجود بعض الجزيئات الكاظمة أو غيابها هو الذي يحدد ما إذا كان مشغل ما عاطلاً أو فعّالاً. وينطبق هذا على الجراثيم. أما التنظيم الجيني في العضويات الأعلى فما زال أقل وضوحاً. وقد تحدُثُ بعضُ الطفرات إذا تمزّقت أحد الأسس أو إذا تبدّل ترتيبها في الجينة. فقد تختبن delete النوويدات أو تتضاعف duplicateأو يتبدل ترتيبها أو يتغير موضعها، ولكل من هذه التغييرات أثره الخاص. وغالباً ما لا يكون لهذه الطفرات أي أثر أو يكون لها أثر طفيف. أما إذا غيّرت الطفرة أمراً ما في العضوية فغالباً ما يكون هذا التغيير مميتاً. والطفرات التي يتزايد تكررها في مجتمع ما تغدو هي الأمثولة. يمكن القول إن الجينات مسؤولة عن التحكم بكل وظيفة في الجسم، فعلى سبيل المثال لا يتم انقسام أي خلية في الجسم إلا بإشراف جينات دورة انقسام الخلية (داخ) cell-division-cycle (cdc) genes، كما يتوجّب على الخلية المرور بنقطتي مراقبة في مرحلتين من الانقسام حيث يتم التأكد مما إذا تمّ إصلاح أي أذى قد يكون تعرّض له الدنا. كذلك تتحكم جينات معينة بعمر الخلية، أي خلية في الجسم، وبتحديد أجلها المبرمج programmed cell death (apoptosis)، ويتطلّب تحديد هذا الأجل تآثراً معقّداً ما بين عدة جينات من بينها :cl-2,c-myc,p53,ced-9 . وبالمقابل فإن خلايا السرطان لا تستجيب إلى الإشارات السويّة التي تطلب منها التوقف عن التكاثر بل ولا تتعرّف عليها. ومن بين الجينات التي تشارك في تنظيم نمو الخلايا ووظائفها مولّدات الورم البدئية proto-oncogenes ومثبطات الورم tumor suppressor genes وتنضوي تحت كليهما أعداد كبيرة من الجينات. تتأثر الجينات في أداء وظائفها بالكثير من الإشارات الآتية من خارج الخلية كعوامل النمو والهرمونات الستيروئيدية والسيتوكينات، وغالباً ما لا تكون أمانة الجينة تامة فينجم عن هذه الأخطاء الجينية شذوذات في بنية الخلايا وفي وظائفها، وقد أمكن كشف مثل هذه التبدلات في أكثر أعضاء الجسم بما في ذلك التبدلات الورمية السليمة والخبيثة وما قبل الخبيثة. لهذا فإن ظهور طفرات في هذه الجينات قد يسهم في ظهور السرطان. تأخذ هذه الطفرات شكل التضخيم amplificationأو شكل طفرات النهاية عندما تحدث تغيرات في تواليات الرامزة codon أو الخَبْن وتغيّرات الترتيب deletions & rearrangementsحيث تحدث تغيرات هامة في مرصاف template الدنا مما يؤدي إلى تغير في إنتاج البروتين. وغالباً ما تتطور وتتزايد هذه الشذوذات جيلاً إثر جيل مما يؤدي لظهور زيْغان (ج زَيْغ) إضافية. هذا ولا توجد جينة مفردة مسؤولة عن حدوث السرطان بل إن تراكم الطفرات على مرّ الزمن هو الذي قد يسببه، لاسيما عندما يتجاوز عددها حداً حرجاً ما.
    اضطراباتها وتأثيرها في التشوهات والأمراض
    قد تحدث شذوذات في عدد الصبغيات في أثناء الانقسام الفتيلي mitosis أو الانقسام الانتصافي meiosis بسبب عدم انفصال شقّي الصبغي مما ينتج منه عدم سواء الصيغة الصبغية aneuploidy التي تكون عادة ضُعف الصيغة الفردانية، مثل وحدانية الصبغي (متلازمة تورنر 45X) أو تثليث الصبغي (تثليث الصبغي 13 أو متلازمة باتاو Patau syndrome، تثليث الصبغي 18 أو متلازمة إدوارد، تثليث الصبغي 21 أو متلازمة داون، ومتلازمة كلاين فلتر 47XXY Klinefelter)، أو أن تنتج منها حالة فسيفسائية mosaicism عندما توجد سلالات من الخلايا مختلفة في أعداد صبغياتها، أو أن ينجم عنها تعدد الصيغة الصبغية polyploidy حيث تبلغ أضعاف الصيغة الفردانية وتكون سبباً للإسقاط التلقائي. أو أن تحصل شذوذات بنيانيةstructural سببها تحطم أجزاء من الصبغي بسبب الإشعاع أو الأدوية أو الفيروس، وقد ينجم عن ذلك حدوث إزفاء (أي تبديل في الموقع) translocation إذا حدث تبادل في المادة الوراثية ما بين صبغيين غير متماثلين، ويدعى هذا الإزفاء متوازناً إذا لم يحدث ضياع في المادة الوراثية، ويُدعى مثل هذا الشخص بحامل الإزفاء. كذلك هناك عيوب جينية مفردة وهي غالباً ما تتلو حدوث طفرات في جينة أو جينات معينة، وهي تنتقل بحسب قوانين مندل Mendel الوراثية: كالسائدة الجسمية (1) والصاغرة الجسمية (2) والصاغرة المرتبطة بصبغي(3)X ونادراً السائدة المرتبطة بالصبغي(4)X . ومن الأمثلة على الحالة الأولى رقص هنتنغتون Huntington chorea والورم الليفي العصبي neurofibromatosis ومتلازمة مارفان. ومن الحالة الثانية تليّف المعثكلة الكيسي وفقر الدم المنجلي sickle cell anemia. ومن أمثلة الحالة الثالثة (والتي ينقلها الأب المصاب إلى بناته فقط، ولا يظهر المرض إلا إذا كنّ متماثلات الزيجية homozygous) عمى اللونين الأحمر والأخضر والناعور من نمط hemophilia A.
    دراستها ومعالجة اضطراباتها
    لم تتيسر هذه المرحلة إلا بعد ظهور علم الحيويات الجُزيئية. وأمام صعوبة دراسة بنية وهندسة الدنا الكبيرة جداً فقد اكتشف العلماء إنزيمات موجودة في العديد من الجراثيم تفكك الدنا التابع للحُمات الراشحة التي تحاول أن تستعمرها، وهي ـ أيالجراثيم ـ تقطّع أوصال الدنا الغازي إلى قطع أو أشداف وبذلك تحمي نفسها من أذى هذه الحُمة. وتدعى هذه الإنزيمات بالحاصرة restriction enzymes or endonucleases وقد سميت هذه الإنزيمات حسب الجرثومة التي اكتشفت فيها وهكذا. وأتت بعدها الخطوة الثانية وهي تمكن العلماء من إدخال هذه الأشداف في جرثوم حامل vector يبادر إلى تكرارها وإكثارها حتى تتوافر كميات كبيرة منها للدرس وللاستعمال العلاجي. ومن أمثلة هذه الإنزيمات مكوثرة الدنا DNA polymerase التي تكوثر النوويدات لتكوّن منها حمض دنا، وعلى شاكلتها تعمل مكوثرة الرنا. وهناك إنزيمة الدناز DNAase التي تستطيع إقصاء النوويدات، ومن مشاركة هاتين الإنزيمتين تمكن العلماء من إدخال نوويدات موسومة شعاعياً في تركيب جزيء الدنا دعوها بالمسبار الدنوي، وهو الذي يكشف متوالية محددة من الدنا مثل ما في المعايرات المناعية. وهناك أيضاً إنزيمة الانتساخ العكسي reverse transcriptase وهي مكوثرة تؤثر في الرنا، وسميت عكسية لأنها تعكس اتجاه الإعلام فيغدو من الرنا إلى الدنا أي بعكس الاتجاه الطبيعي، وهي تتمكن من نسخ أي جزيء رنا إلى جزيء دنا وحيد الطاق، ويدعى بالدنا المتمّم وله وظيفة هامة في قراءة مساحات واسعة من الروامز الخارجية exons. وبما أن كلاً من الدنا والرنا مشحون كهربياً فإنهما يهاجران حين وجودهما في حقل كهربي، وبالإمكان دراسة أشدافَ منهما بحسب سرعة أو بطء رحلانها الكهربي على الهلام. وهناك اليوم طرق عدة لدراسة الجينات منها تحليل تفشّيات ساوذرن Southern blot analysis باسم العالم الذي ابتدعه، وتحليل تفشّيات الشمالnorthern blot التي تتقصّى دخائل الرنا، وسمي التحليل شمالياً لأن الرنا يعد صورة مقابلة للدنا. كذلك ظهر تحليل التفشّي الغربيwestern الذي يفكك البروتينات ويدرسها، وتتالت هذه التحاليل مثل تفشّي النقطة والشق dot & slot، وهناك طرق التهجين التي تزاوج ما بين طاقين من الدنا يكون أحدهما موسوماً شعاعياً للتمكن من كشفهما، وهناك تفاعل البوليمراز السلسي polymerase chain reaction (PCR) وطريقة الفيش أو التهجين الموضّع التألقي fluorescent in situ hybridization (FISH).
    استعمالاتها في تحديد جنس الجنين وفي تحسين النسل وفي الاستنساخ
    انطلق مشروع دراسة الخارطة الجينية للإنسان ولبعض المخلوقات الأخرى للمقارنة، مثل الفأرة وفراشة الثمار والإشريكية القولونية. غايته تحديد موضع كل جينة على الصبغيات وتعيين بنيتها الكيمياوية وبالتالي توضيح وظائفها في حالتي الصحة والمرض. وقد ظهر من مقارنة بنية الجينات فيما بين الإنسان وغير الإنسان أن هناك تشابهاً كبيراً فيما بينها مما يشير إلى وحدانية منشأ الحياة على الأرض. هذا وسيكون لهذا المشروع فوائد كبيرة في كل مجالات الحياة وإن كان هناك تخوف من أن يساء استعماله إذا ارتكز على أسس غير أخلاقية من تمييز ما بين الألوان والأجناس والمعتقدات ومن احتمال تدخل الانسان في خصوصيات الأفراد وحرياتهم، وربما استنساخ[ر] أنماط محددة من المخلوقات البشرية. ومن نتائج هذا المشروع تحديد جنس المواليد وتحسين مواصفات الإنسان حسب متطلبات القوة المفردة العظمى التي تخطط للهيمنة على كوكب الأرض. هذا وتستعمل كل وسائل التشخيص الجيني قبل التعشيش pre-implantation genetic diagnosis (PGD) حالياً في مراكز الإخصاب المساعد حيث يتم اقتناص خلية أو أكثر من البيضة الملقحة في الزجاج وتتم عليها دراسة جينية للتأكد مما إذا كانت البيضة سويّة فتنقل إلى جوف الرحم أو كانت مؤوفة فتتلف. كذلك مكّنت الهندسة الوراثية من تصنيع كميات هائلة من علاجات مهمة (كانت تستخلص من الحيوانات) وذلك بتأشيب recombination حمض الدنا ثم بزرعه في مزارع جرثومية تقوم باصطناع الهرمونالإنساني بسرعة مثل الأنسولين وهرمون النمو والغلوبولين المضاد للناعور. والتأشيب تعديل طبيعي أو صناعي يطرأ على توزع الجينات ويؤدي إلى ظهور أنماط جينية جديدة. وهناك معضلات أخلاقية ودينية وصحية برزت وتبرز بعد انتشار هذه الطرق الحديثة من الهندسة الوراثية ومن تقانات الإخصاب المساعد تحتاج إلى وضع ضوابط ناظمة ودراستها ومحاكمتها كي لا تنحدر الإنسانية في متاهات المفاهيم المادية الصرفة أو تتعرض لأخطار بيئية كونية.
    صادق فرعون

صفحة 58 من 146 الأولىالأولى ... 8485657 58596068108 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال