صفحة 52 من 146 الأولىالأولى ... 2425051 52535462102 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 511 إلى 520 من 1457
الموضوع:

( علم الاحياء ) بكل مصطلحاتة ومفاهيمة وتراكيبة العلمية ستجدها هنا - الصفحة 52

الزوار من محركات البحث: 64845 المشاهدات : 322027 الردود: 1456
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #511
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسوبوتاميا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 41,243 المواضيع: 3,594
    صوتيات: 132 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 44359
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: حي الله
    آخر نشاط: منذ 11 دقيقة
    مقالات المدونة: 19
    الالتــهاب

    الالتهاب inflammation مجمل ارتكاسات الأنسجة الحيَّة تجاه الأذيَّات المختلفة الواقعة عليها. وقد تكون هذه الأذيات ذات طبيعة فيزيائية، أو كيمياوية، أو مناعية أو تكون بفعل العوامل الممرضة الحية كالجراثيم و الطفيليات والحُمات (الفيروسات).
    وصف سلسيوس Celsius الروماني الالتهاب في القرن الأول الميلادي وعرَّفه بعلاماته الرئيسة الأربع المشهورة: الاحمرار والتورم والحرارة والألم.
    تُعد الحادثة الالتهابية وسيلة يُدافع فيها البدن عن ذاته ويسعى بوساطتها إلى حصر العامل المؤذي وتعديل فعله وإزالته، ثم إعادة الأنسجة إلى حالتها الطبيعية. وهي حادثة معقدة تتداخل فيها عناصر مختلفة تدور حوادثها في النسيج الضام حيث تكثر الأوعية الدمويَّة.
    وتتصف الحادثة الالتهابية دوماً أياً كان العامل المسبب بخواص عامة متماثلة، وتمر بمرحلتين متتاليتين: الأولى سريعة الحدوث، تدوم من بضع ثوان حتى عدة ساعات تسمّى المرحلة الوعائية، والتالية أبطأ سيراً، تتكامل في غضون عدة أيام وتدعى المرحلة الخلوية.
    مرحلة الالتهاب الوعائية
    تتضمن هذه المرحلة مجموعة من الارتكاسات هي: تبدل قطر الوعاء في البؤرة الالتهابية وزيادة نفوذيته مع تكون الوذمةالالتهابية.
    1ـ تبدل قطر الوعاء وكمية الدم الجارية: تتقبض الشريِّينات في منطقة الأذية تقبضا سريعا يزول بعد برهة وجيزة، يتلوه دور أكثر تطوراً في المرحلة الوعائية هو التوسع الوعائي، فيتسعُ الوعاء، وتغزُر كمية الدم الجارية فيه، مما يسبب احمرار المنطقة المصابة وارتفاع درجة حرارتها، ويزداد ضغط المصورة السُّكوني فَترشحُ كمية من السائل من داخل الوعاء إلى خارجه من خلال جدارِه تكون محمَّلَةً بكمية قليلة من البروتينات فيدعى السائل الراشحُ آنذاك بالرشحة transudate.
    2ـ زيادة النَّفُوذية الوعائية وتكوّن النضحة exudate: تتكامل المرحلة الوعائية من الحادثة الالتهابية بازدياد نفوذية مجمل الأوعية الدقيقة من شُريينات ووُرَيِّدات وأوعية شَعرية، إذ يسمح جدار الوعاء بمرور كميات كبيرة من السوائل والبروتينات إلى الأنسجة خارج الوعاء، وتدعى هذه السوائل الغنيّة بالبروتينات النضحة. وتحوي النضحة معظم أنماط كُريينات (غلوبولينات) المصورة إضافة إلى مولِّد اللِّيفين الذي يتخثَّرُ ويترسب على شكل ليفين في البؤرة الالتهابية خارج الوعاء. يؤدي تكوّن النضحة إلى تورم المنطقة المصابة وحدوث الوَذمة الالتهابية edema.
    وللنضحة شأن كبير في الدفاع عن البدن، فبفضل السائل المتراكم تتمدد ذيفانات الجراثيم السامة وترفد البؤرة الالتهابية بالأضداد المعدِّلة لها. وهي تُسهمُ في عملية ابتلاع العوامل الممرضة بما تحتويه من خلايا وتساعد في تصريف نواتج العملية الالتهابية إلى الأوعية اللمفاوية. يؤدي ترسب الليفين خارج الوعاء الدموي إلى تكوين عائق آلي في وجه العوامل الممرضة وانتشارها.
    وللخلية البطانية شأن مهم في زيادة النفوذية الوعائية بفضل ما تُفرِزُه من مواد تؤثر في زيادة هذه النفوذية، مع الإشارة إلى أن بطانة الوعاء ليست كتيمة فهي تمتلك فَضَوَات تفصل بين الخلايا، وجملة من الفجوات والقنيات الدقيقة داخل الهيولى الخلوية تدعى بحويصلات الاحِتساء pinocytosis ويزيد تَخَرُّب الخلايا البطانية أو تقلُّصها بتأثير بعض العوامل المؤذية من اتساع هذه الفَضَوَات ومن فعالية حُويصلات الاحِتساء مما يسمح لكمية كبيرة من السوائل والمواد البروتينية الكبيرة الحجم بمغادرة لُمعة الوعاء نحو الأنسجة المجاورة.
    المرحلة الخلويَّـة
    تتضمن هذه المرحلة التبدلات التي تطرأ على الخلايا الداخلة في عملية الالتهاب من كثيرات نوى معتدلة وحَمِضَة ووحيدات ـ بَلاعِم ولِمفاويات وخلايا بدينة mast cells وهذه التبدلات هي:
    1ـ التوضُّع الهامشي: يتلو التوسع الوعائي مرحلة من الركود الدموي تتوضع الكريات الحمر من جرائها في مركز الوعاء، في حين تتجه الكريات البيض نحو محيطه وتبطؤ حركتها، ويمهد هذا التوضع الهامشي لالتصاق الكريات البيض على بطانة الوعاء، ويساعد على ذلك وجود شاردة الكلسيوم.
    2ـ الانْسِلال diapedesis: هو اجتياز الكريات البيض جدار الوعاء الدموي وأول من وصف هذه الحادثة الألماني كونهايمCohnheim. ويستلزم حدوث الانسلال تخرب في الغشاء القاعدي لكن سرعان ما يترمم بعد انسلال الكرية البيضاء. وتختلف سرعة انسلال الكريات البيض باختلاف أنواعها ففي حين يتطلب مرور مُفَصَصة النوى أربع ساعات يتطلب انسلال الوحيدات ـ البَلاعم وقتاً أطول يراوح حدُّه الأقصى ما بين 18 - 24 ساعة. ويعود هذا الاختلاف إلى الجذب الكيمياوي.
    3ـ الجذب الكيمياوي chemotaxis: هو تحرك الخلايا تحركاً وحيد الاتجاه بتأثير تبدل كثافة بعض المواد الكيمياوية. وهو الأساس في حركة الكريات البيض في البؤرة الالتهابية. ومن عوامل الجذب الكيمياوي: النواتج الجرثومية، ومركبات جملة المتممةcomplement system والـ «لوكوتريين» leukotrienes. ولكل من هذه العوامل مستقبلات receptors خاصة على غشاءالكريات البيض الخلوي، وهكذا تتحرك الكرية البيضاء باتجاه البؤرة التي تتركز فيها عوامل الجذب الكيمياوي.
    4 ـ البَلْعَمة phagocytosis: أول من وصَفَها متشنيكوف Metchnikoff. وتقوم بها خلايا متخصصة ذات فعالية سريعة تدعى البلاعم، وهي إما مُفَصَّصَة النوى المعتدلة أو الحَمِضَة وتعرف بالبليعمات microphages أو خلايا جملة الوحيدات ـ البلاعم monocytes macrophages. تتم عملية البلعمة على مراحل إذ تبدأ بتعرف الخلية الجسمَ المرشح للابتلاع ثم الالتصاق به ويستلزم ذلك تغليف هذا الجسم بمواد بروتينية منشؤها من المصورة تدعى بالطاهيات opsonines، وقد يحدث هذا الالتصاق بصورة فاعلة بوساطة معقَّد الضد ـ المستضد ـ المتممة، الذي يثبت الجسم الغريب على الخلية. تتلو ذلك مرحلة الابتلاع ingestion إذ تُرسل البَلْعَمُ اثنتين من أرجلها الكاذبة فتحيط بالجسم الغريب وتُدخله إلى هيولاها ثم تبدأ عملية هضم المادة المبتلعة وقتل العامل المُمرض الحي بآلية معقدة، أما نواتج الهضم فتختزن في هيولى البلعم أو تُلفظ خارج الخلية.
    5 ـ دور اللمفاويات والخلايا البدينة: تُعد اللمفاويات والمصوريات عماد الدفاع المناعي للجسم فهي تعاضدُ البلاعم في الحادثة الالتهابية وفي عملية الاستجابة المناعية. أما الخلايا البدينة فتقوم بدور فعَّال في بدء الارتكاسات الالتهابية وفي نهايتها، إذ إنها تحتوي على مواد مضادة للتخثر ومقبضة للأوعية ومواد كالهستامين والهيبارين والسيروتونين يكون لها شأن بارز في بداية الالتهاب، ولمفرزات الخلايا البدينة تأثير في بناء النسيج الضام في أثناء عملية الترمُّم.
    العوامل الكيمياوية الوسيطة في الالتهاب
    الارتكاس الالتهابي ثابت المظاهر ولو اختلفت طبيعة الأذية ويبقى مدة طويلة بعد زوال تأثير الأذية المباشر في الأنسجة، مما يدل على وجود عوامل وسيطة تتدخل في العملية الالتهابية وقد ثبت أنها من طبيعة كيمياوية. ولهذه العوامل مصدران أولهما من المصورة والآخر نسيجي.
    1 ـ العوامل الوسيطة الآتية من المصورة: وهي تشمل ما يأتي:
    آـ جملة الكينينات kinines: وأهمها البراديكينين bradykinin الذي كشفه روشا وسيلفا Rocha-Silva عام 1949، وهي أكثر العوامل إحداثاً للنفوذية الوعائية إذ تؤدي إلى تقلص العضلات الملس وإثارة الألم والتوسع الشديد في الأوعية الشعرية مع زيادة نفوذيتها، وليس للكينينات تأثير معروف في عملية الجذب الكيمياوي.
    ب ـ جملة المتممة: تتألف مع نواتج انشطارها من ثماني عشرة مُركِّبة بروتينية موجودة في المصورة، لها عمل الوسيط في عدد من التفاعلات المناعية، وتؤدي إلى مقاومة العوامل الجرثومية وزيادة النفوذية الوعائية والجذب الكيمياوي وتسهل أيضاً عملية الطهو opsonization تمهيداً للبلعمة، ولها أثر في حل الجراثيم والخلايا.
    ج ـ جملة التخثر: يرافق تحول مولد الليفين إلى ليفين في نهاية عملية التخثر تكون الفيبرينوببتيدات fibrinopeptidesالتي تزيد النفوذية الوعائية والجذب الكيمياوي. أما البلازمين plasmin فتأثيره معقد إذ إنه يهضم مولد الليفين ويسهم في تنشيط شلال المتممة وانشطارها إلى نواتج ذات شأن في عملية الجذب الكيمياوي.
    2 ـ العوامل الوسيطة من منشأ نسيجي: وهي تشمل الأمينات الفعالة في الأوعية والبروستاغلاندين واللوكوتريين والجسيمات الحالة واللمفوكينات:
    آـ الأمينات الفعالة في الأوعية vasoactive amines: وتضم الهستامين histamin والسيروتونين serotonin، أما الأول فيتحرر من الخلايا البدينة بتأثير الكُرَيين المناعي IgE ومن الصفيحات الدموية. وتأثيره فوري وعابر يشمل المقوية الوعائية وزيادة النفوذية. أما السيروتونين فيماثل الهستامين في تأثيره إلا أنه يدوم مدة أطول، وتفرزه الخلايا البدينة والصفيحات والخلايا المعوية أليفة الكَرُوم enterochromaffins.
    ب ـ البروستاغلاندين prostaglandin واللوكوتريين leukotrienes: وهي مواد شحمية حامضة طويلة السلسلة تتحرر من الخلايا المحسَّسة ولها تأثير مقبض في العضلات الملس وتأثير في النفوذية الوعائية.
    ج ـ الجسيمات الحالّة lysosomes: تفرز محتواها إلى الوسط الخارجي محررة مجموعة من البروتينات والإنظيمات التي تؤذي الأوعية ولها تأثير جاذب كيمياوي ومولد الحرارة وقاتل الجراثيم. تستطيع بعض مركباتها تخريب الغشاء القاعدي وتركيب الكينينات من بروتينات المصورة المجزأة، وهي تخرب الليفين والغضروف.
    د ـ اللمفوكينات lymphokines: بروتينات تحررها اللمفاويات التائية المحسسة وتُعد عوامل وسيطة، بعضها يزيد النفوذية الوعائية وبعضها تعد عوامل جذب كيمياوي أو عوامل مُحدثة للطفرة. ولها دور بارز في ارتكاسات فرط التحسس المتأخر وفي عملية الاستجابة المناعية.
    سير الحادثة الالتهابية
    الغاية من حدوث الارتكاس الالتهابي هي الدفاع عن سلامة البدن التشريحية والوظيفية، ويتم ذلك كما ذكر من قبل عن طريق تكوّن النضحة الالتهابية وبفضل ما تقوم به الخلايا من مقاومة للعوامل الممرضة. ففي الأذيات الخفيفة يتبدَّد الارتكاس الالتهابي وينطفىء، أما في الأذيات الشديدة كالجروح الشديدة والحروق البليغة والإنتانات الشديدة فلا بد للبؤرة الالتهابية من أن تترمَّم ويحدث ذلك على النحو التالي: تقوم البلاعم بتنظيف البؤرة من نواتج العملية الالتهابية كأشلاء الخلايا الميتة والجراثيمالتالفة والأجسام الغريبة، وتُرتَشَفُ الوذمة، وتقوم آنذاك الأَرُوْمَات الليفية fibroblasts بالتكاثر وإفراز ألياف الغراء والمادة الأساسية، وتتكاثر كذلك الأوعية الشعرية، فيتكون نسيج ضام حديث السن يعوض الضياع المادي الذي سببته الأذية، وتدعى هذه العملية بالترمم، ويدعى النسيج الضام المُستَحْدَث، مع ما يحتويه من خلايا، بالبرعم الحبيبي الالتهابي granulation tissue وبمرور الوقت يقل عدد الأرومات الليفية وتغْزُر الألياف وتتكون الندبة.
    يحدث الالتهاب المزمن حينما تدوم الحادثة الالتهابية عدة أسابيع أو عدة أشهر ويكون الارتكاس آنذاك خلوياً أكثر منه نضحياً وتتعدد أشكال الخلايا، وتسيطر اللمفاويات والمصوريات والناسجات. ويمكن أن يتوقف الالتهاب المزمن بزوال السبب المؤدي إليه، إلا أن غزارة النسيج الضام المتكون تؤهب لحدوث التليف fibrosis الذي يُخشى من عقابيله التشريحية والوظيفية الخطرة.
    المعالجة

    يعالج الالتهاب بالعمل على إزالة السبب فتستعمل الصادات في الالتهابات الجرثومية المنشأ (الأخماج) وبالعمل على تخفيف الظواهر العامة والموضعية المرافقة للعملية الالتهابية كالوذمة والألم والترفع الحروري فتعطى الأدوية المضادة للالتهاب والمُركنات ومضادّات الحمَّى. وقد مهَّد تعرُّف آليات الالتهاب والعوامل الكيمياوية الوسيطة لتركيب عقاقير جديدة مضادة للالتهاب ذات فعالية شديدة.
    شريف سالم


  2. #512
    التهابات اللثة

    يعد تعبير التهاب اللثَة gingivite دلالة سريرية على أمراض لِثَويّة كثيرة. ويعد الالتهاب من وجهة النظر هذه عَرَضاً وليس مرضاً بحد ذاته. ويقال، وهو خطأ شائع، إن أمراض اللثة ترجمة لمجال الاختصاص الذي يدرس هذه الأمراض، والأصح أن يقال أمراض الأنسجة الداعمة، أو الأنسجة المحيطة بالسن وهي تضم: اللثَة gencive والعظم السنخي os alveolaire والرباط السنخي السني ligament alvéolo-dentaire والِملاط cément. وقد تصيب الأمراض هذه المجموعة من الأنسجة كلها وتسمى عندئذٍ: أمراض الأنسجة الداعمة، أو تصيب اللثة فقط وتسمى عندئذٍ: أمراض اللثة.
    أما الالتهاب اللثوي بصوره المختلفة فهو عرض مرضي أو نهج مرضي وليس مرضاً بحد ذاته.
    النواحي التشريحية في التهابات اللّثة
    لابد لفهم الآلية المرضية من الحديث عن المنطقة التي يقع فيها الالتهاب وفيها أربعة أنسجة تتظاهر فيها أمراض الأنسجة الداعمة، مجتمعة أو في واحد منها، وهذه الأنسجة هي: اللثة، والعظم السنخي أو الداعم أو المحيط بالسن، والملاط، والرباط السنخي السني أو الغشاء السنخي السني أو الغشاء حول السن أو الرباط المعلِّق كما يسمى في اللغة الإنكليزية.
    1ـ اللثة: هي النسيج الرخو الذي يحيط بالسن ويغلف العظمالسنخي ويبدو سريرياً بلون وردي فاتح، ولتغير هذا اللون إلى أي درجة من درجات اللون الأحمر دلالة مرضية. وتقسم اللثة إلى ثلاثة أجزاء رئيسة (الشكل 1):
    أ ـ اللثة الحرة أو الحفافية أو الهامشية: وهي الجزء الذي يحيط بعنق السن دهليزياً ولسانياً أو حنكياً محدداً بهذه المجاورة فراغاً بينه وبين السن يُدعى التلَم اللثوي السني sillon gingivo dentaire ويعدّ تحول هذا التلَم إلى عمق يتجاوز 3مم دلالة مرضية صريحة ويدعى التلم عندئذ الجيب اللثوي poche gingivale.
    ب ـ اللثة الحليمية أو بين الأسنان أو اللسينات اللثوية: وهي الجزء من اللثة الذي يتوضع في الفرجات بين الأسنان من الجهة الدهليزية واللسانية أو الحنكية، ويأخذ شكلاً هرمياً ومثلثياً، وتتصل الحليمة اللثوية الدهليزية مع مثيلتها الحنكية أو اللسانية بجزء آخر صغير يدعى عنق اللثة ويتوضع في أسفل نقطة التماس بين الأسنان.
    ج ـ اللثة الثابتة أو الملتصقة: ويؤلف هذا الجزء استمراراً تشريحياً للجزأين السابقين فهو يغطي العظم السنخي، ويتصل به بألياف غرائية كثيفة ومتينة لتقاوم فعل المضغ، ويتصل دهليزياً بالغشاء المخاطي الدهليزي ولسانياً بمخاطية الفم اللسانية وحنكياً بأنسجة قبة الحنك.
    وهناك جزء نسيجي من اللثة يُدعى الارتباط الظهاري attache epitheliale يؤلف قاع التلم اللثوي، ويتحد مع سطح السن فيكوّن سداً محكماً وفاصلاً بين التلم الدهليزي والفم من جهة والأنسجة العميقة من جهة أخرى، ويتخرّب هذا الارتباط في سياق المرض اللثوي فيزداد عمق التلم ويتحول إلى جيب مرضي.
    2ـ العظم السنخي: يقصد بهذا الجزء ما يسمى تشريحياً الناتئ السنخي procis alvéolaire من الفك السفلي الذي يتألف من صفيحة خارجية وأخرى داخلية، وهذه الأخيرة تؤلف الأسناخ alvéoles أو الحفر التي تتوضع فيها جذور الأسنان، ومن هنا يُتوقّع وجود حجب أو ارتفاعات عظمية بين الأسنان والجذور. وتدعى الصفيحة الداخلية اصطلاحاً بالصفيحة القاسية lamina-dura، وتتبدل أوصافها مرضياً عندما يصاب العظم بنقص التكلس أو الارتشاف الشاقولي أو الأفقي بحسب العامل المرضي المسبب. ويخضع هذا الجزء من العظم لجميع العوامل العامة التي تسيطر على العظام، من عوامل هرمونية ومرضية جرثومية أو مناعية أو استحالية، إضافة إلى تعرضه للعوامل الفموية الموضعية من ميكانيكية وجرثومية ومناعية.
    3ـ الرباط السنخي السني: هو النسيج الضّام الكثيف الذي يشغل الفراغ المحيط بجذر السن ويربط بين ملاط السن من جهة والعظم من جهة أخرى ويتألف أساساً من ألياف ضامة غرائية تتوزع وفق مجموعات مختلفة تتناسب واتجاه القوة المطبقة على تاج السن، ويبدو أنّ السن ليست ملتصقة بالعظم بل هي معلقة به بوساطة هذه الألياف مما يزيد من مرونتها وتحملها للقوى الميكانيكية، وتعدّ ظاهرة الالتصاق بين السن والعظم ظاهرة مرضية.
    يتمتّع هذا النسيج بكل مقومات النسيج الضام، فهو ذو أوعية دموية وعناصر عصبية وله مادة أساسية وعناصر خلوية مختلفة وله فعلٌ داعمٌ ومبدد للقوى ومغذٍ ومرمم.
    4ـ الملاط: هو النسيج القاسي المتمعدن الذي يغطي جذر السن، ويصنف ضمن الأنسجة الداعمة لمشاركته في ضم ألياف الرباط السنخي السني، وهو طبقة رقيقة تزداد ثخانة بدءاً من عنق السن وباتجاه نهاية جذرها، ويحدث أن يفقد هذا الملاط معادنه أو يتلين أو يتقشر أو يرتشف في سياق الأمراض المختلفة التي تصادف في إصابات الأنسجة الداعمة.
    التشريح النسيجي
    ويقتصر البحث فيه على دراسة نسيج اللثة لأن دراسته تنعكس على الناحية السريرية وطرائق العلاج. ويمكن القول فيما يتصل بتشريح اللثة النسيجي إنّ اللثة نسيج ضام مغطى بالبشرة الرصفية المطبقة التي تتقرن في مستوى اللثة الملتصقة، وتصبح غير متقرنة أو نظيرة المتقرّنة في مستوى مركز بشرة الحليمات اللثوية، وغير متقرنة نهائياً في مستوى اللثة الحرة وعنق اللثة والارتباط الظهاري. ويختلف عدد طبقات خلايا البشرة من منطقة إلى أخرى. فهو عدد نموذجي في اللثة الملتصقة أي إن هذه البشرة تتمتع بطبقة قاعدية مولِّدة وطبقة خلايا شائكة ثم طبقة خلايا حبيبية وأخيراً طبقة خلايا متقرنة، في حين أن طبقة التقرن تغيب في اللثتين الحرة والحليمية وأن طبقة التقرن والطبقة الحبيبية تغيبان في عنق اللثة والارتباط الظهاري. وتتصل خلايا البشرة فيما بينها بما يسمى الجسيمات الرابطة desmosomes التي توجد بكثرة في اللثة الملتصقة وتكون قليلة جداً في بشرة الارتباط، الأمر الذي يعني زيادة المسافات بين الخلايا ويعني نقطة ضعف مهمة جداً.
    تُفصل البشرة عن النسيج الضام بما يسمى الغشاء القاعدي الذي يتألف من الجسيمات الرابطة النصفية والطبقة الشافَّةlamina lucida والطبقة الكثيفة lamina densa وبعض الألياف الغرائية المقوية الآتية من النسيج الضام والتي تنغرز في الصفيحة الكثيفة لتزيد في التثبيت. أما النسيج الضام المبطِّن للثة فهو نسيج ضام تقليدي ذو أوعية دموية وعناصر عصبية وغني جداً بالعناصر الدفاعية الخلوية والبروتينية المناعية التي يمكن أن تهاجر منه ومن خلال البشرة والتلم مؤلفة ما يسمى السائل اللثوي.
    آلية حدوث المرض اللثوي
    يحدث المرض اللثوي حين يتحول التلم اللثوي إلى جيب لثوي، ويرافق هذا التحول تبدلات سريريه كثيرة في صفات اللثة وتبدلات التهابية مناعية كثيرة.
    تعزى أمراض اللثة والأنسجة الداعمة إلى ثلاث مجموعات من الأسباب:
    1ـ الأسباب الحيوية: وهي تتمثل باللويحة الجرثومية plaque microbienne أو اللويحة السنية plaque dentaire. ومن العوامل التي تساعد أو تشارك في تكوّن هذه اللويحة: الإهمال أو استعمال فرشاة الأسنان استعمالاً سيئاً، وسوء وضع الأسنان، والترسبات القلحية وتصبغات الأسنان، والتدخين، والمضغ الوحيد الجانب، والأطعمة الملتصقة.
    2ـ الأسباب الوظيفية: أو ما يسمى الإطباق الرضِّي occlusion traumatique، تغير هذه المجموعة من الأسباب من طبيعة القوى المطبقة على الأسنان أو تغير من مدى احتمال الأنسجة الداعمة للقوى الإطباقية، ومن هذه العوامل الوظيفية صريف الأسنان الليلي والنهاري bruxisme وسوء وضع الأسنان والقلع غير المعوض والعادات الفموية السيئة: كمص الإصبع والشفة واللسان وقضم الأظافر والأجسام الأجنبية وغيرها.
    3ـ الأسباب الثانوية: هناك أيضاً مجموعتان ثانويتان من الأسباب هما الأسباب التشريحية والأسباب العامة.
    أ ـ الأسباب التشريحية: وتضم اللثة الملتصقة غير الكافية والنسيج العظمي الرقيق واللسان الكبير وسوء تكوّن الأسنان وغيرها.
    ب ـ الأسباب العامة: كأمراض الدم والغدد الصم والعظام وأمراض الاستقلاب وغيرها، وهذه الأمراض لا تُحدِث وحدها مرضاً لثوياً، ولا تقلب وحدها التلم اللثوي إلى جيب لثوي ما لم تتضافر مع العوامل الموضعية أو الحيوية تحديداً.
    ج ـ الأسباب المباشرة: إن الثابت اليوم أن الأسباب المباشرة فموية موضعية وهي اللويحة الجرثومية التي تعدُّ المسؤول الأساسي عن أمراض اللثة. وهذه النقلة في الأسباب من عامة إلى موضعية تلتها نقلة أهم منها في التشخيص والمعالجة فأضحى التشخيص هو الآخر موضعياً فموياً في البداية ثم جهازياً عاماً عند اللزوم، وغدت المعالجة فموية موضعية كأساس ثم عامة أحياناً كمعالجة مساعدة ووسيطة. ومن هذا المنظار سيكون التركيز على موضوع اللويحة أساساً والإيجاز في موضوع الإطباق على ما يخص أمراض اللثة فقط.
    تعد اللويحة الجرثومية (الشكل 2) مستعمرة متخصصة تتوضع على سطوح الأسنان وضمن التلم، تختلف في تركيبها من شخص إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى في الفم الواحد ومن عمر إلى آخر في المريض نفسه، وتضم عدداً كبيراً من المتعضيات الدقيقة التي تنتظم تدريجيا وتباعاً إلى أن تصل إلى نضجها التام؛ وهي تختلف عن الزمرة الجرثومية الطبيعية الفموية، وتبدأ تكوّنها ملتصقة على غشاء من البروتينات السكرية والمخاطية الآتية من اللعاب والملتصقة بسطح السن. وأول الجراثيم ترسباً المكورات الإيجابية الغرام مع بعض العصيات مثل النسرية Neisseria، والنوكاردية Nocardia، والعقديات الدموية. ومع ازدياد ثخن اللويحة تميل الجراثيم إلى أن تصبح لا هوائية وسالبة الغرام، ويتم التغذي بنواتج الاستقلاب الجرثومية والمواد التي في لحمة اللويحة وبين الجراثيم. ومع النضج يزداد عدد المكورات السالبة الغرام، ثم تترسب الجراثيم المغزلية Fusobactéries والفطور الشعاعية Actinomycètes والفيونيلةVeillonella غير الهوائية ثم تتكون الملتويات Spirochètes وتزداد أعدادها جميعاً، ولاسيما الفطور الشعاعية المسماة نسلونديNasslundi، وتتناقص العقديات لتحل مكانها العصيات الخيطية، وتوجد الحمات مع الجراثيم المغزلية تحت اللثة. هذه هي العناصر الأساسية في اللويحة ولكن هناك دراسات كثيرة تتناول هذا الموضوع كل عام وأصبح العلماء يتكلمون عن لويحات جرثومية بدل لويحة، وعن لويحة لكل مظهر التهابي سريري، وكشفوا عناصر مهمة جداً في أمراض اللثة منها العصوانية الميلانينية Bacteroides melaninogenicus وهي جرثومة شديدة الفوعة تثير وحدها الارتشاف العظمي وتنشط جملة المتممة وجرثومة عصوية شعاعية توجد بكثرة في داء انحلال الأنسجة الداعمة عند الأطفال وعند عدد كبير من المرضى المصابين بداء أُسْـلَر Osler.
    تؤثر اللويحة بإحدى آليات ثلاث:
    الآلية الأولى: تتحول اللويحة إلى قَلح tartre وهو عامل مخرِّش ميكانيكي يعد حاملاً لأنواع أخرى من اللويحات، أماالجراثيم التي ضمنه فتعدّ ميتة متكلسة وغير فعالة. ويوجد منه أنواع كثيرة تحت اللثة وفوقها، ويتكون بتأثيرٍ من اللعاب من جهة ومن مصل الدم من جهة أخرى، ويزال بالتقليح détartrage الذي يختلف عن تنظيف الأسنان، ويتم بأدوات يدويةٍ تُدعى مقالح أو بأدوات آلية كجهاز الاهتزازات فوق الصوتية cavitron.
    الآلية الثانية: تفرز جراثيم اللويحة خمائر كثيرة وسموماً تحل الارتباطات بين الخلايا فتسبب تقرح البشرة وتفكك النسيج الضام الذي يبطنها ثم انكشافه مما يتيح لزمر خمائرية كثيرة الولوجَ فيه وإثارة تفاعل التهابي شديد. وتتكاثر البشرة هنا كرد فعل دفاعي، ولكنها تخفق قي تغطية النسيج الضام لأنه ملتهب، فتهاجر هذه البشرة باتجاه الرباط وأسفل السن مؤلفة الجيب اللثوي.
    الآلية الثالثة: وهي الآلية المناعية التي يقوم فيها أحد مكونات الجراثيم مقام مستضد antigène فيتكوَّن لها في النسيج الضام وأحياناً في السائل اللثوي جسمٌ ضدي anticorps ثم يتكوّن ما يسمّى المعقد المناعي الذي يثير تفاعلات مناعية كثيرة ومتطوِّرة تزيد من حدة التخريب والموت الخلوي، وتنشط في سياق هذه العملية جملة المتممة، وتُلاحَظُ أجزاء منشطة كثيرة منها، وتتطور كل مراحل التفاعلات المناعية، انطلاقاً من الصدمة التحسسية عندما يتثبت كُرَيِّين (غلوبولين) مناعي E فوق خلية بدينةmastocyte، إلى تفاعل الانسمام الخلوي cytotoxicité ثم إلى مجمل المناعة الخلطية التي تنهض بها المصوريات وجملة المتممة وأخيراً إلى المناعة الخلوية التي تنشط فيها ذراري اللمفاويات.
    وباختصار: المرض اللثوي نهج التهابي مناعي نقطة البداية فيه اللويحة.
    الأعراض والعلامات
    عندما تصاب اللثة والأنسجة الداعمة بالتهاب أو استحالةٍ تظهر سريرياً أعراض وعلامات يعد معظمها مصدر قلق للمريض، وأكثر ما يدعو المريض إلى مراجعة الطبيب من هذه الأعراض ما يلي:
    1ـ النزف اللثوي: الذي يحدث من ضمن التلم ثم من بين الأسنان فالمناطق الضعيفة بالتدريج بسبب رقة البشرة في هذه المناطق، ويكون موضَّعاً أو معمماً بحسب شدة الالتهاب، وهو نوعان: نزف مثار لدى استخدام فرشاة الأسنان أو الأطعمة القاسية، ونزف عفوي، ولو من غير حركة، يثير القلق إذ يظن أنه دلالة على مرض دموي خبيث، ولكن هذا النزف العفوي يجب أن يكون غزيراً جداً وقلما يرقأ ليظن أنه ناجم عن سرطان الدم.
    2ـ الانحسار اللثوي: المقصود به تراجع اللثة الذي تنجم عنه حساسية الأسنان من جهة وتطاولها الظاهري من جهة أخرى (الشكل3). والنُّساع، في العربية، هو انكشاف اللثة عن الأسنان واسترخاؤها. والسبب المباشر في الانحسار هو الالتهاب والإطباق الرضي، والسبب غير المباشر هو كمية اللثة الملتصقة غير الكافية. والانحسار كذلك، موضَّعاً أو معمماً، هو كثير الحدوث في القواطع السفلية والأرحاء العلوية بسبب ثخانة الجذر، ويشخص سريرياً بالنظر ويعالج بالتغطية الجراحية وتعديل الإطباق.
    3ـ ضخامة اللثة: هي فرط نمو اللثة الناجم عن زيادة عدد العناصر الخلوية hyperplasie وعن كبر حجم الخلاياhypertrophie، مما يغيّر من شكل اللثة ويعوق استعمال فرشاة الأسنان فيتوضع الالتهاب ويزداد إمكان حدوث النزف، وتكون الضخامة موضعة أو معممة، حادة كالخراجات أو مُزْمِنة في معظم أشكالها، وتصنف بحسب السبب كما يلي:
    أ ـ الضخامة التنسجية: وهي كتلك التي تشاهد عند المرضى المصابين بالصرع والأمراض العصبية الذين يتناولون المهدئاتالعصبية. وسبب الضخامة هنا فرط نشاط الخلايا المولدة للأليافfibroblast.
    ب ـ الضخامة الالتهابية: وهي التي تسببها اللويحة الجرثومية (الشكل 4).
    ج ـ الضخامة المختلطة: وهي التي تكون من منشأ التهابي وتنسجية (الشكل5).
    د ـ الضخامة المشروطة: وهي التي تشاهد في سياق الحمل وتسمى الورم الحملي، أو في مرحلة البلوغ أو في سياق ابيضاض الدم ونقص الفيتامين C، وكلمة مشروطة هنا تعني أن الضخامة غير قادرة على الظهور ما لم يوجد أحد هذه العوامل.
    هـ ـ الضخامة الأُسْريّة أو الوراثية أو المجهولة.
    وهناك أخيراً مجموعة الضخامات الورمية أو الأورام التي تخرج عن نطاق هذا البحث. وتعالج الضخامة بقطع اللثةgingivectomie.
    4ـ الجيب اللثوي والجيب حول السن: هو أصلاً المرض اللثوي نفسه، ولكن القصد منه هنا العرض أو العلامة، فيقال جيب لثوي عندما يزداد عمق التلم اللثوي، ولكن من دون هجرة خلايا بشرة الارتباط، أي إن الجيب هنا سببه زيادة نمو اللثة نحو التاج. ويقال جيب حول السن عندما يزداد عمق التلم بهجرة خلايا الارتباط ونمو اللثة معاً (الشكل 6).
    وتصنف الجيوب كما يلي: جيوب بسيطة عندما تصيب جداراً واحداً، وجيوب مركبة عندما تصيب جدارين أو أكثر، وجيوب معقدة عندما تبدأ من نقطة وتلتف حول الجذر، وهنالك جيوب فوق العظم وجيوب تحته.
    5ـ الارتشاف العظمي: لا يشاهد هذا الارتشاف resorption إلا شعاعياً ويكون موضَّعاً أو معمماً، أفقياً عندما يكون السبب التهابياً، وشاقولياً عندما يكون السبب رضياً، ومختلطاً عندما يكون السبب مركباً أي التهابياً ورضياً معاً، وتسمى الآفة التي يسببها الارتشاف تسمية تتفق وشكلها، وتدعى هذه الآفات عيوباً عظمية (الشكل 7).
    6ـ حركة الأسنان: وهي علامة مرعبة للمريض لإحساسه باقتراب فقده أسنانه (الشكل 8)، والأصل في سبب الحركة هو الارتشاف العظمي، وتكون باتجاه أمامي خلفي أو جانبي أو عمودي، وتتقدم مع بقاء السبب، وتتباعد الأسنان فيما بينها وتغير من أوضاعها لتصبح مائلة أو مفتولة، وتختبر الحركة باليد أو الملقط، وهناك جهاز خاص أحياناً لقياسها يدعى مقياس الحركة. وتعالج الحركة بالجبائر اللثوية مشتركة مع المعالجات اللثوية النوعية.
    7ـ الألم اللثوي: قلما يكون المرض اللثوي مؤلماً إلا في بعض الحالات الحادة التي يكون الألم فيها عرضاً مهماً مثل الحالات الآتية:
    أ ـ التهاب ماحول التاج «التُواج»: ولاسيما «تواج» الرحى الثالثة السفلية، والتواج هو التهاب اللثة حول سن في طور البزوغ، يترافق بالتهاب العضلات مسبباً الضزز trismus (ضيق الشدقين أو الكزاز الفموي)، وينتقل ألمه إلى الأذن والرأس واللوزتين وقعر الفم والبلعوم، ويسبب أعراضاً مبهمة حادة أحياناً في جميع هذه المناطق، ويعالج التواج بحسب الحالة بجراحة اللثة أو قلع السن المسببة إضافة إلى المعالجة الدوائية.
    ب ـ التهاب الفم واللثة العُقبولي الحاد.
    ج ـ التهاب اللثة النخري المواتي الحاد.
    د ـ التهاب الأنسجة الداعمة الشبابي الحاد.
    وهذه الأمراض لا تحتاج إلى تفصيل لندرتها، أما المرض الأخير فخطير جداً.
    8ـ بَخَر الفم: وهو النكهة الكريهة التي تصدر عن بعض الأفواه، والسبب فيها الإهمال وتفسخ فضلات الطعام بجراثيم اللويحة وأحياناً تخمر الدم والقيح، ومن هنا يمكن ذكر عدة أنواع من البخر الفموي الذي تسببه اللثة أو نخر الأسنان أو التعويضات، وهناك بخر فموي أنفي أو جيبي أو لوزي، وهناك بخر من منشأ عام كالبخر الرئوي والهضمي والجلدي كالمشاهد عند السكريين أو المصابين بأمراض هضمية أو كلوية. والأصل في معالجة البخر إزالة السبب.
    9ـ أعراض أخرى: هناك أعراض وعلامات كثيرة أخرى لا تحتاج إلى تفصيل إما لندرة مظاهرها السريرية وإما لندرتها، منها: تغير لون اللثة وقوامها (الشكل 9)، وإصابات في مفترق الجذور، وخراجات اللثة، والالتهاب اللثوي علامةً أو عرضاً لا مرضاً، وأعراض وعلامات أخرى.
    تشخيص أمراض اللثة والأنسجة الداعمة
    يعتمد تشخيص هذه الأمراض اعتماداً رئيسياً على الفحص السريري الذي يتم بتحري العلامات اللثوية الطبيعية والانحراف الذي ينجم عنها، فيُدرس وضع اللثة ولونها وقوامها وثباتها، وتختبر حركة الأسنان، وتُسبر الجيوب ويقاس عمقها، وهناك فحوص ثانوية متممة كالفحص الشعاعي لاختبار شكل الجذور ودرجة الارتشاف ومفترق الجذور والرباط السنخي السني، وقد يلجأ إلى إجراء فحوص عامة عندما يشك في وجود مرض عام دموي أو غدي أو استقلابي أو غيره.
    معالجة أمراض اللثة والأنسجة الداعمة
    يُعدّ موضوع المعالجة في غاية الاتساع والدقة والأهمية، وتسهم فيه عوامل كثيرة تتداخل فيما بينها لتحدد مايسمى إنذار (توقع) المعالجة pronostic، ومن هذه العوامل: عمر المريض وصحته العامة ومدى تعاونه ومستواه الثقافي الاجتماعي وعدد الأسنان الباقية، والارتشاف العظمي.
    وعلى طبيب الأسنان وضع خطة معالجة كاملة وشاملة تحدد مستقبل الفم كاملاً، وتتواتر خطوات المعالجة وفق التسلسل التالي:
    ـ توعية المريض وتثقيفه وتعريفه بأسباب المرض وإفهامه أنّ الوقاية هي في استخدام فرشاة الأسنان ووسائل التنظيف الأخرى (الشكلان 10 و11).

    ـ التقليح أو إزالة الترسبات القلحية عن الأسنان وتلميعها وتنظيفها (الشكل 12).
    ـ قلع الأسنان السيئة الإنذار والمفرطة الحركة.
    ـ المداواة المحافظة واللُّبية (الشكل 13).
    ـ التجريف اللثوي.
    ـ الجبائر اللثوية والوسائل الأخرى في تثبيت الأسنان.
    ـ تعديل الإطباق وتصحيح أوضاع الأسنان (الشكلان 14 و15)
    ـ الجراحة اللثوية بمختلف أنواعها بحسب الاستطباب.
    ـ التعويض الدائم عن الأسنان المفقودة.
    ـ الزيارات الدورية.
    وهذه الخطوات لا تحتاج إلى تفصيل ما دامت لا تنجز إلا بيد الطبيب.



    الوقاية من أمراض اللثة والأنسجة الداعمة
    تنطبق حكمة «درهم وقاية خير من قنطار علاج» انطباقاً مطلقاً في مجال أمراض اللثة، إذ إن السبب المباشر فيها هو الإهمال، ويشارك المريض مشاركة فعالة في إنجاح معالجته واستمرار نتائج هذه المعالجة، وتولي جميع الدول وقاية الأسنان اهتماماً كبيراً ويشار، فيما يتصل بالوقاية، إلى دور الصحة المدرسية والاتحادات والمؤسسات الإعلامية والعلمية المختلفة التي ينبغي عليها أن تنشر سبل الوقاية وأن تبرز شأنها وأن توضح أن فقد الأسنان بسبب إصابة اللثة يفوق جميع أسبابه الأخرى. وتبلغ الوقاية غايتها حين تشمل القناعةُ بأهميتها كل فرد في المجتمع.
    وتشمل الوقاية:
    ـ الوقاية الأولية لمنع حدوث المرض.
    ـ الوقاية الثانوية لمنع الاختلاطات في أثناء حدوث المرض.
    ـ الوقاية الثالثية لمنع النكس والعودة.
    ـ وتتم الوقاية من قبل المريض باستعمال فرشاة الأسنان والمعجون من جهة، وبأساليب الوقاية الأخرى من جهة ثانية ومنها:
    ـ الخيوط السنية لإزالة اللويحة بين الأسنان (الشكل 17).


    ـ الأعواد الخشبية (الشكل 18).
    ـ منشطات اللثة المطاطية لتنشيط الدورة الدموية.
    ـ مواد المضمضة الفموية بمختلف أنواعها.
    عاطف درويش

  3. #513
    الألدوسترون

    الألدوسترون aldosterone مركب عضوي من فصيلة الستيروئيدات، وهرمون تفرزه غدة الكظر، ينضوي تحت زمرة الهرمونات الكظرية القشرية المعدنية التي يعد أهم عنصر فيها، لأن له الفعل الرئيس في تنظيم التوازن المائي والملحي في البدن، كما أن له فعلاً محدوداً جداً في استقلاب الدسم والسكريات.
    تمَّ كشف العلاقة الوطيدة بين قشر الكظر واضطرابات التوازن المائي والملحي في البدن في العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين. إذ لوحظ أن الحيوانات المستأصل كظرها أو المرضى المصابين بداء أديسون Addison's disease يعانون ارتفاع مستوى البوتاسيوم في الدم مع انخفاض تركيز الصوديوم والمغنزيوم. وتبين إمكان تحسين الحالة العامة للمرضى وإطالة عمر حيوانات التجربة بإعطاء أملاح الصوديوم باستمرار مع إنقاص كمية البوتاسيوم في الغذاء، وقد عُزِلَ الألدوسترون من غدة الكظر في البقر عام 1953، كما تم تعَرُّف تركيبه عام 1954 وأمكن تصنيعه فيما بعد في المختبر بدءاً من الستيروئيدات القشرية الأخرى عام 1955.
    يتم تصنيع الألدوسترون في البدن في القطاع الكبي من المنطقة القشرية الكظرية، وهذا القطاع متخصص في تصنيع الألدوسترون، والمركب الذي يشتق الألدوسترون منه مباشرة هو الكورتيكوستيرون، ويتوسط هذه الخطوة إنظيم محدد، ومن المعروف حالياً أن كل الهرمونات الستيروئيدية القشرية تشتق من ركيزة أولية مشتركة هي الكولسترول الذي يخضع لتأثير إنظيمات معينة مختَلفة في قشر الكظر وفي الغدد التناسلية في خطوات محددة، توجه استقلاب الكولسترول في اتجاهات مختلفة لتركيب الهرمونات الستيروئيدية المتعددة، وتعتمد نوعية الهرمون المنتج على مكان تركز هذه الإنظيمات المختلفة ودرجة تفعيلها، والكولسترول مركب يمكن أن يحصل البدن عليه من مصادر مختلفة، كما يمكن أن يصنعه أيضاً من ركيزة أبسط منه متاحة في البدن بكثرة هي الأسيتات وذلك بفضل الفعاليات الإنظيمية.
    وتقدر الكمية المنتجة من الألدوسترون يومياً بين 100و150 مكروغرام. يرتبط الألدوسترون في الدم بأحد بروتينات المصل، أو ينتقل حراً ليصل إلى مراكز تأثيره في الكلية وغيرها ولا يتجاوز تركيز الألدوسترون الطبيعي في المصل (0.1) عشر المكروغرام في اللتر، ويتم تقويضه بشكل رئيس في الكبد. وتفرز نواتج استقلابه عن طريق الكلية في البول، ويمثل قياس كمية هذه المستقلبات في البول طريقة مناسبة لتقدير فعالية إفراز الألدوسترون وباقي الهرمونات الستيروئيدية في البدن. والألدوسترون جزيء عالي الفعالية الحيوية وهذا ما يفسر ضآلة الكمية المفرزة منه مقارنة بالستيروئيدات الأخرى.
    يقوم الألدوسترون بتنظيم استقلاب الماء والأملاح المعدنية في البدن ويؤدي غياب هذا الهرمون إلى ضياع الصوديوم من الجسم عن طريق إفرازه في البول ويزداد إفراغ الماء مع الصوديوم الضائع، وهذا ما يؤدي إلى إنقاص حجم الدم كأثر ثانوي.
    إن آلية تأثير هرمون الألدوسترون في استقلاب الأملاح والمعادن تعتمد على فعله المتخصص في الجزء القاصي (البعيد) من الأنابيب الكلوية distal tubule حيث يزيد نفوذية الغشاء الأنبوبي للصوديوم مما يؤدي إلى زيادة عود امتصاص الصوديوم من السائل الأنبوبي إلى الدم، ويترافق عود امتصاص الصوديوم عادة بإفراز البوتاسيوم والهدروجين في الاتجاه المعاكس من الدم إلى السائل الأنبوبي، وللألدوسترون أيضاً شأن في زيادة عود امتصاص الصوديوم في الغدد اللعابية والعرقية وفي الكولونات المعوية، وهو يزيد إفراز المغنزيوم في البول.
    وتعتمد آثار الألدوسترون الاستقلابية على زيادة فعالية تصنيع الإنظيمات المسؤولة عن نقل الكهرليات (الشوارد)electrolytes من خلال الأغشية الحيوية، ويتحد الألدوسترون بمستقبلات خاصة في الخلايا الأنبوبية، ويؤدي هذا الاتحاد إلى تفعيل بعض المورثات (الجينات) التي في نوى الخلايا والتي تحمل الراموز الخاص لتصنيع البروتين الإنظيمي، فتزيد من نشاطها في استنساخ الدنا DNA وتركيب الرنا RNA الذي يغادر النواة إلى السيتوبلازما ليزيد من تصنيع الإنظيم المطلوب.
    يعتمد تنظيم إفراز الألدوسترون من قشر الكظر اعتماداً رئيسياً على فعالية جملة الرينين ـ الأنجيوتنسين، والرينين إنظيم تفرزه خلايا الجهاز المجاور للكبب في الكلية، وينطلق هذا الإنظيم في الدم ليؤثر في طبيعة الأنجيوتنسين الجائلة في الدمويحولها إلى أنجيوتنسين فعال. والأنجيوتنسين محرض فعال جداً لإفراز الألدوسترون من قشر الكظر وباستطاعته زيادة الكمية المفرزة إلى عشرات أضعاف الكمية الطبيعية. وللأنجيوتنسين أيضاً تأثيرات إضافية فهو يقبض العضلات الملس في جدران الأوعية الدموية ويرفع الضغط الشرياني، ويؤثر تأثيراً ضعيفاً في الكلية مباشرة لإنقاص إفراغ الصوديوم إضافة إلى الأثر غير المباشر والقوي جداً عن طريق تحريض إفراز الألدوسترون.
    ويعتمد إفراز الرينين من الجهاز المجاور للكبب في الكلية على حجم السائل داخل الجهاز الدوراني، إذ يؤدي أيُّ نقص في حجم هذا السائل ـ كما يحدث في النزف أو التجفف أو نقص الملح في الطعام ـ إلى زيادة إفراز الرينين وزيادة الأنجيوتنسين ثم الألدوسترون الذي يقوم بحبس الماء والصوديوم وزيادة حجم السائل خارج الخلايا ومن ثم تصحيح الخلل الأصلي.
    قد يتأثر إفراز الألدوسترون جزئياً بالهرمون النخامي الحاث لقشر الكظر ACTH، ولكن هذا التأثير محدود، وقد يكون مهماً في تهيئة القطاع الكبي من قشر الكظر للاستجابة لتأثير الأنجيوتنسين. كما قد يتأثر إفراز الألدوسترون بانخفاض مستوى الصوديوم في المصل أو ارتفاع مستوى البوتاسيوم، ويؤدي حدوث أي من هذين التغيرين إلى زيادة الكمية المفرزة من الألدوسترون في الغدة الكظرية زيادة محدودة، وإن انخفاض مستوى البوتاسيوم في الدم يثبط إفراز الألدوسترون، وقد أضيف مؤخراً إلى العوامل المشاركة في تنظيم إفراز الألدوسترون هرمون كُشف حديثاً يفرزه القلب ويطلق عليه اسم الببتيد الأذيني المدر للصوديوم atrial natriuretic peptide (ANP) ويزداد إفراز هذا الهرمون استجابة لاختلالات حجم سوائل الجسم أو زيادة الضغط الأذيني القلبي، ويؤدي هذا المركب إلى تثبيط إفراز الألدوسترون من قشر الكظر وإلى تثبيط إفراز الرينين من الجهاز المجاور للكبب في الكلية.
    ومن المعروف سريرياً أن الألدوسترون يفرز بكميات زائدة في حالات الجراحة والقلق والنزف ونقص الصوديوم في الغذاء والوقوف المديد وقصور القلب وتشمع الكبد، وترافق هذه الحالات زيادةٌ كبيرة في إفراز الحاثة المنشطة للكظر من النخامى أو نقصٌ بيّن في الضغط الدموي الكلوي مما يؤدي إلى تفعيل إفراز الرينين، وتؤدي زيادة الألدوسترون في هذه الحالات إلى زيادة حجم الماء في البدن مع رفع مستوى الصوديوم، وتحسين الضغط الدموي وإزالة السبب الذي أدى إلى زيادة الألدوسترون.
    قد يزداد الألدوسترون زيادة مرضية بسبب ورم سليم أو خبيث في قشر الكظر، وينجم عن هذه الزيادة اضطرابات متعددة كارتفاع الضغط الدموي والضعف العضلي واضطراب الحس والتكزز مع انطراح البوتاسيوم في البول وانخفاض مستواه في الدم، وارتفاع مستوى الصوديوم في المقابل.
    أما نقص الألدوسترون فعلامة مميزة لقصور قشر الكظر المزمن (داء أديسون).
    ومع أن هذه الحالة تتميز بقصور إفراز كل هرمونات قشر الكظر فإن نقص الألدوسترون الشديد يهدد الحياة ويسببالموت في مدة محدودة ما لم يعالج المريض بتعويض السوائل والأملاح أو باستعمال الهرمونات التركيبية العلاجية.
    عصام المارديني

  4. #514
    الإمساك

    الإمساك constipation تأخر إفراغ محتوى الأمعاء، والتغوط مرة كل يومين أو أكثر، أو التغوط يومياً مع قلة كمية البراز وقساوة قوامه.
    يستغرق مرور الطعام مروراً طبيعياً من الفم حتى الشرج مدة 24 - 36 ساعة وسطياً. ولا يدوم مروره في الأمعاء الدقيقة أكثر من 4 - 8 ساعات، ويصل إلى القولون يومياً نحو 800 سم3 من محتوى الأمعاء، وفي أثناء الـ 20 - 30 ساعة الباقية تمتص من الكيموس المعوي chyme intestinal كمية كبيرة من الماء والملح، وتهضم بعض ماءات الفحم هضماً إضافياً بفعل الزمرة الجرثومية وبانضمام المفرزات المخاطية وأملاح البوتاسيوم الآتية من الغدة القولونية، ويكون الكيموس المعوي مشتملاً على جزأين: جزء قابل للامتصاص يسمى الكيلوس chyle وجزء يمثل البقايا الغذائية ويؤلف المواد البرازية، ويكون البراز النهائي متماسكاً لا قاسياً ولا عجينياً ويختلف وزنه بين 120 - 130 غ يومياً.
    يكون الإمساك صريحاً إذا لم يفرغ البراز إلا كل ثلاثة أو أربعة أيام أو أكثر من ذلك أحياناً، أما إذا أفرغ البراز الطبيعي كل يومين فالحالة على حدود الإمساك.
    يظن البعض أنهم مصابون بالإمساك مع أنهم يتبرزون كل يوم ولكنهم لا يفرغون كما يقولون إلا كمية قليلة من البراز وهذا الوصف الشخصي غير كاف وحده ليقال إنهم مصابون بالإمساك، وعلى العكس إذا كان التبرز يومياً ولكن البراز قاس مقاوم ويفرغ بصعوبة ويشبه أحيانا الكرات الصغيرة أو بعر الماعز فذلك يدل على الإمساك، ويحدث أحياناً أن يجر ذلك إلى فرط إفراز القولون المخرش ويؤدي إلى براز سائل يمكن أن يشبه الإسهال، ويكون هناك في الواقع مزيج فيه قطع قاسية، فهو إذن إسهال كاذب يقنّع الإمساك.
    آلية الإمساك
    لحدوث الإمساك احتمالان ممكنان: الأول استمرار بقاء محتوى الأمعاء في مجمل القولون ويشاهد ذلك في زيادة طول القولون dolichocolon أو في بطء الحركات التمعجية (الحوية) peristaltic الشامل أي حركات الأمعاء كلها. والثاني هو طول مدة بقاء ذلك المحتوى في المستقيم السيني (الجزء الأخير من القولون الأيسر) rectosigmoid، والبراز الذي يصل طبيعياً إلى هذه القطعة الأخيرة من جهاز الهضم يتجفف بامتصاص الماء بشدة من جديد، ويؤدي تراكم المواد المجففة في حالات الإمساك الشديدة إلى تكون كتلة حجرية أو ما يسمى ورماً غائطياً fecalome قد يكون من الصعب أحياناً إخراجها بالطرق الطبيعية. وقد يستطيع المخبر، بمعرفة مركبات البراز، تحديد الآلية السببية.
    يؤكد الإمساك أولاً بأن تكون البقية الجافة أكثر من 22غ من 100غ من البراز الكامل، ثم أن البراز الذي يسير إجمالاً ببطء يصبح أكثر قساوة أي إنه يصبح غير محتو أبداً على مركبات ماءات الفحم أو محتوياً على كمية قليلة جداً منها، والزمر الجرثومية التي هضمت هذه المواد مثل الاشريكية القولونية وأمثالها Escherichia coli تتخرب هي نفسها أيضا نتيجة بقاء البراز طويلاً في القولون الأيسر. وعلى العكس إذا كان تجفف البراز في المستقيم السيني فقط فإنه يحوي بقايا سيلولوزية، أما في حالة الإسهال الكاذب فيؤدي نقص المواد الجافة في البراز (25غ/100) إلى أن يصبح كالبراز في الهضم الجيد الطبيعي.
    أسباب الإمساك
    يرجع الإمساك إلى أحد الأسباب الآتية:
    ـ اضطراب حركة الأمعاء كما في متلازمة تهيج الأمعاء وداء الرتوج المعوي وطول القولون أو ضخامة القولونmegacolon.
    ـ انسداد الأمعاء الكلي في انفتال الأمعاء وحين وجود كتلة سادة كديدان الأسكاريس، أو انسدادها الجزئي بآفات مضيقة كداء كرون Crohn's disease (أي التهاب الأمعاء الموضع)، ولمفوما الأمعاء وتليف الأمعاء الناجم عن العلاج الشعاعي أو التالي لعمليات مفاغرة معوية - معوية، أو تضيق الأمعاء بضغط خارجي ناجم عن ورم في الأحشاء المجاورة.
    ـ أمراض الشرج والمستقيم كالشقوق الشرجية والنواسير وأورام الشرج السادة والتهاب المستقيم وأورامه وتدليه prolapse.
    ـ سوء استعمال الملينات والإدمان عليها مما يؤدي إلى شلل حركة الأمعاء وكسل في وضع الكتلة البرازية وحدوث إمساك (معند).
    ـ استعمال بعض الأدوية كالمسكنات ومضادات الكولين ومركبات الحديد ومضادات الهمود.
    ـ بعض الأمراض الاستقلابية كداء السكري وقصور الدرق والبورفيريا (أي وجود البورفيرين المشتق من الخضاب في البول والبراز) ونقص البوتاسيوم وزيادة كلس الدم والحمل.
    ـ بعض الأمراض العصبية كنقص العقد العصبية الولادي أو المكتسب كما في داء شاغاس (أو داء المثقبيات الأمريكية) وهو داء يصيب العقد العصبية في نهاية القولون فيسبب توسعه، وكذلك آفات النخاع الشوكي كانقطاعه وأورامه والآفات المخية كالضمور الدماغي الشيخي وداء بركنسون.
    معالجة الإمساك
    عند الإصابة بالإمساك يجب تحري السبب أولاً ثم معالجته المعالجة النوعية أو الجراحية الخاصة به. ويجب في الإمساك الوظيفي الامتناع عن وصف المسهلات المخرشة التي تتلف مخاطية الأمعاء وتؤدي إلى اضطرابات كبيرة في الشوارد، كما يجب الامتناع عن استعمال التحاميل (اللبوسات)، وعلى العكس يمكن إزالة الإمساك بالحمية الغذائية، والقيام بالتمرينات العضلية ولاسيما المشي، وكذلك التبرز في أوقات معينة، واستعمال اللثأ mucilage وهي من المواد التي تحتوي بقاياها على كميات كبيرة من السيلولوز كما في الجزر والخضار والفواكه، وخلاصات الطحالب algues والصموغ وزيت البارافين. وتؤثر الأدوية التي تعدل التوتر السطحي للسوائل الحالة في منع تجفف البراز.
    علي سعدة

  5. #515
    الإنتان الدموي

    الإنتان الدموي septicemia حالة مرضية تغزو فيها كميات كبيرة ومتكررة من الجراثيم الممرضة الدوران الدموي بدءاً من بؤرة خمجية معلومة أو مجهولة. وقد يولد هذا الغزو بؤراً ثانوية تالية. وتنتج عن هجرة الجراثيم من بؤرتها إلى الدوران أعراض سريرية خطرة يسببها انسداد أحد الأوعية الدموية أو اللمفاوية، أو تأثير الذيفانات الجرثومية. ولا يشمل هذا التعريف «تجرثم»الدم العابر، كما أنه لا يشمل الأخماج المتعممة التي يسببها بعض الطفيليات والفيروسات وغيرها.
    الجراثيم المسببة ومداخلها إلى الدم
    يمكن لمعظم الجراثيم الممرضة أن تحدث إنتاناً دموياً، لكن أكثر الإنتانات الدموية المشاهدة اليوم ناشئة من المكورات العنقودية والعقدية والرئوية والسحائية والسلمونيلات التيفية والإشِريكيات القولونية والكِلِبْسيلاَّت الرئوية والزوائف الزِنجارية (العصيات الزرق) والمتقلبات وبعض الجراثيم اللاهوائية.
    قد يكون المدخل الأول للجرثوم إلى البدن الجلد أو الجروح أو الدمامل أو اللوزتين، كما قد يكون مداخلة جراحية بسيطة كقلع سن من الأسنان، أو خَمَجاً حاداً كذات الرئة أو إحدى الحميات التيفية. وحين تدخل الجراثيم الدم تنشط الكريات البيض لمقاومتها، فإذا كان عدد هذه الأحياء الدقيقة كبيراً وكان جسم المريض على مبلغ كبير من الضعف استطاعت أن تنتقل إلى أجهزة أخرى لتكون فيها بؤراً تتكاثر فيها وتنطلق منها إلى الدوران فتسبب الإنتان الدموي. وهناك ثلاث بؤر أساسية هي:
    1ـ التهاب الوريد الخُثاري: وهو أكثر شيوعاً، والبؤرة التي تتكاثر فيها الجراثيم وتنطلق منها إلى الدم هي أحد الأوردة، وتنتقل الجراثيم إليه من الجهاز البولي أو التناسلي أو الهضمي أو غيرها. وحينما يصاب أحد هذه الأجهزة بخمج، يظهر تفاعل التهابي يُحدث توسعاً في أحد أوعيته الدموية تتكدس فيه الكريات البيض والصفيحات الدموية مشكلة خثرة تؤلف مكاناً صالحاً لتكاثر الجراثيم.
    غير أن الإنظيمات الحالّة للبروتين والحالّة للألياف التي تفرزها تلك الجراثيم تحل الخثرة وتجزئها فتنتقل هذه إلى الدم. ويمكن لمعظم الجراثيم أن يحدث هذا النمط من الإنتان الدموي وعلى وجه الخصوص تلك التي تفرز الخميرة المخثرةcoagulase كالعنقوديات الممرضة؛ وقد ينشأ الإنتان الدموي أيضاً من المكورات العقدية وبعض العصيات السلبية الغرام كالقولونيات والمتقلبات والكلبسيلاّت والزوائف وبعض الجراثيم اللاهوائية.
    2ـ التهاب الشغاف الجرثومي: ويقتضي حدوثه وجود مدخل للجراثيم تنفذ منه إلى الدوران وغالباً ما تكون الأسنانُ هذا المدخل أو جرح صغير أصيب بخمج. وتتوضع الجراثيم - التي غالباً ما تكون العقديات - عند نفوذها على دسامات القلب أو الشغاف الجداري أو الطبقة الباطنة لشريان فتؤلف بؤرة خمجية أساسية تنتشر منها إلى الدوران باستمرار. ومما ينشط هذا التوضع إصابة المريض بآفة قلبية سابقة كقصور الأبهر أو التاجي أو آفة قلبية ولادية.
    3ـ الإنتان الدموي اللمفاوي: وفيه تدخل الجراثيم البدن عن طريق جهاز الهضم وتصل إلى العقد اللمفاوية المساريقية وتتكاثر فيها، ومنها تنطلق بالكيموس إلى الدوران عن طريق القناة الصدرية فتسبب الإنتان الدموي. وتصاب العقد في أثناء بعض الأمراض وتطورها. ويقتصر هذا النمط من الإنتانات الدموية على الإصابة بالسلمونيلات في الحميات التيفية وبالبروسيلات في الحمى المالطية.
    الأعراض
    إن لكل الإنتانات الدموية أعراضاً سريرية مشتركة وأعراضاً خاصة تعود إلى الجرثوم المسبب وإلى مكان توضعه. وتكون البداية على العموم «صاعقة» فيصاب المريض بعُرواءات شديدة يتبعها ارتفاع في حرارته يبلغ الأربعين درجة مئوية أو أكثر مع تسرع في ضربات قلبه ونظم تنفسه. وقد يحدث هبوط مفاجئ في درجات الحرارة في أحوال خاصة. وتكون الحالة العامة للمريض سيئة جداً وينتابه وهن وضعف شديدان وهياج وتعرق غزير وقلة في البول، وربما رافق ذلك كله أعراض هضمية أو ضخامة خفيفة في الطحال.
    تنجم عن الإصابة أحياناً مضاعفات خطرة كالصدمة بذيفانات الجراثيم أو بقصور كلوي ويتطلب كلاهما معالجة إسعافية خاصة.
    التشخيص والمعالجة
    يجب تمييز الأعراض السريرية في الإصابة بالإنتان الدموي من الإصابة بحالات حموية حادة أخرى كالبرداء (الملاريا) وبعض الآفات الدموية والإصابة ببعض الفيروسات وغيرها.
    يُظهر فحص الدم في الإنتان الدموي ارتفاعاً شديداً في عدد الكريات البيض وفي نسبة المعتدلات منها، إلا في الإصابة بالسلمونيلات التيفية إذ تنقص الكريات البيض؛ ولكن لا يتم التشخيص الأكيد إلا بزرع الدم لكشف الجراثيم فيه. إن الدم عقيم في الحالات السوية، كما أنه في البشر وسط لا يلائم نمو الجراثيم، ولا يكون عددها فيه وافراً حتى في حالة الإنتان الدموي؛ ويضاف إلى ذلك كله أن هجرة الجراثيم إلى الدم من البؤرة الأساسية قد لا تكون مستمرة، لذا يجب اتباع قواعد محددة عند أخذ عينة الدم لزرعها أهمها: سحب الدم من الوريد في وقت مبكر من تطور الإصابة قبل أن يتناول المريض أي دواء مضاد للجراثيم، على أن يتم ذلك حينما تكون الحرارة في ذروتها، أي بُعيد ظهور العرواءات أو في أثنائها. كما أنه لابد من القيام بعدة زروع لدم يؤخذ عدة مرات في اليوم الواحد ولمدة ثلاثة أيام أو أربعة متعاقبة، ويجري زرعها في المستنبتات الخاصة لكشف الجراثيم الهوائية واللاهوائية فيه.
    وحين تنمو الجراثيم في الأوساط الزرعية ويتم تعيين هويتها، يجري اختبار تحسسها للصادّات antibiotics لمعرفة أكثرها فائدة بغية تسيير المعالجة التي لابد من متابعتها مدة أربعة أسابيع أو خمسة. وتستعمل فيها صادتان معاً بمقادير دوائية كبيرة من بين الصادات التي تتآزر في فعلها وفي تكاثفها في البؤرة الأساسية. ولا يُعتمد في تقرير الشفاء على زوال الأعراض السريرية وحدها، بل لابد من إعادة زرع الدم والتأكد من سلبية نتيجة الزرع. وربما تطلبت المعالجة إجراء مداخلة جراحية على البؤرة الأساسية إذا كانت الصادات لا تنفذ إلى داخلها.
    وإذا لم يعالج إنتان الدم ظهرت انتقالات جرثومية في مناطق أخرى من البدن كالرئتين والكليتين والكبد والعظام وغيرها، وربما أدت إلى مضاعفات خطرة.

    عدنان تكريتي

  6. #516
    الإنترفرون

    الإنترفرونات interferons مجموعة بروتينات تنتجها خلايا الفقاريات عندما تتأثر بمحرض معين، وتتصف بخاصة إكسابها الخلايا حالة مقاومة لخمج فيروسي. تؤلف هذه الإنترفرونات قسماً من وسائل الدفاع غير النوعية تجاه الفيروسات يطلقها البدن بسرعة. فإذا دخل فيروس ما في الخلية دفع إلى تركيب هذه المادة التي تنتشر في الوسط وتكوّن حالة في الخلايا السليمة تؤدي إلى تثبيط نسخ replication أنواع كثيرة من الفيروسات حتى في حالة اختلاف تركيبها المستضدي antigenic.
    تم اكتشاف الإنترفرون سنة 1957 من قبل أ. إيزاك Issac الإنكليزي وج. لندمن Lindemann السويسري حينما لاحظا أن الحيوان المخموج بفيروس ما يصبح - على الجملة - مصوناً من الإصابة بفيروسات أخرى. وقد قوبل هذا الكشف يومئذ بحماسة بسبب الافتقار إلى مواد تفعل في الفيروسات فعل الصادات antibiotics في الجراثيم. ويعد الإنترفرون اليوم من المواد الحيوية المهمة التي تمت معرفتها إبان العقود الأخيرة. وقد اشتق اسم الإنترفرون من البرهان الذي أظهر أن الخلايا المخموجة بفيروس تفرز جزيئاً يتداخل interfere في نسخ الفيروس في الخلايا التي لم تُصب في البدء، وعلى هذا يكون معناه «المتداخل». وقد وجدت فيه وسيلة دفاع مبكرة للبدن تجاه الأخماج الفيروسية، كما عرف أن تأثيره يمتد إلى الجهاز المناعي كله وأن له فعلاً مضاداً لبعض الأورام.
    أنواعه وأنماطه
    تنحصر فائدة الإنترفرون في النوع species الذي ينتجه، ولذا فالإنسان لا يستفيد إلا مما تصطنعه منه خلاياه. ويصنف الإنترفرون البشري اليوم في ثلاثة أصناف هي: الإنترفرونات ألفا IFNα، وبيتا IFNβ وغاما IFNγ.
    الإنترفرون ألفا: وهو زمرة من جزيئات أمكن تحديد أكثر من 22 نوعاً جزيئيا لها عن طريق الأضداد وحيدات النسائلmonoclonal antibodies تبعاً لصفاتها الفيزيائية والكيميائية. ويقع وزنها الجزيئي بين 17000 و20500، وتتوضع مورثاتها (جيناتها) على الصبغي 9.
    الإنترفرون بيتا: ويشبه في تركيبه الإنترفرون - ألفا، فهو يماثله بنسبة 25% في متواليته الببتيدية peptidic sequenceويتوضع جينه على الصبغي 9 كما هو الأمر في الإنترفرون ألفا.
    الإنترفرون غاما: ويختلف اختلافاً بيناً عن الصنفين السابقين، فهو يؤلف جزءاً من مجموعة السيتوكينينات، ووزنه الجزيئي يساوي 17500، وجينه يتوضع على الصبغي 12. والسيتوكينينات هي جزيئيات منخفضة الوزن الجزيئي تنتجها الخلايا اللمفاوية الشبكية استجابة لعدد من المنبهات كالخمج والرض والأذيات وتقوم بدور كبير في تنظيم الارتكاس المناعي وتوليد خلايا الدم والتفاعل الالتهابي.
    اصطناع الإنترفرون
    لا تصطنع الخلايا الإنترفورن في حالتها الطبيعية السوية، ولكن حينما تنخمج الخلية بفيروس ما فإنها تفرزه، فيرتبط بالمستقبلات receptors النوعية للخلايا.

    الإنترفونات البشرية
    الإنترفرون ألفا بيتا غاما
    الاسم البديل إنترفرون الكريات البيض إنترفرون الأرومة الليفية الإنترفرون المناعي
    المصدر الأساسي الخلايا وحيدات النوى جميعها الخلايا وحيدات النوى جميعها اللمفاويات التائية
    العامل المحرض الخمج الفيروسي الخمج الفيروسي مستضد ما
    عدد الأنواع 22+كل نوع يرمَّز من قبل جين معين 1 1
    توضع الجين في الصبغي 9 9 12
    الفاعلية المضادة للفيروس +++ +++ +
    الوزن الجزيئي 17000ـ20500 20000 17500

    يصطنع الإنترفرون ألفا البشري جمهرةٌ فرعيةٌ من اللمفاويات lymphocytes التي يختلف تفعيلها باختلاف نمط الفيروس. ففيروس الحلأ herpes مثلاً يحرض اللمفاويات غير التائية T وغير البائية B على اصطناعه. وتفرز وحيدات النوى هذا الإنترفرون بوجود الفيروسات المخاطانية paramyxovirus (وهي فيروس الحصبة والنكاف والفيروسات التنفسية والنزلانية). وتنتجه اللمفاويات البائية بعد الخمج بفيروس إبشتاين بار، كما يمكن للأرومات الليفية fibroblasts أن تكوِّن كمية ضئيلة منه.
    ويتم اصطناع الإنترفرون بيتا في خلايا الأرومة الليفية، والخلايا الظهارية epitheliales، والبطانية endotheliales، بيد أن هذا التحريض يتطلب وجود رنا RNA فيروسي ثنائي الطاق.
    ويتم إنتاج الإنترفرون غاما من قبل اللمفاويات التائية التي تم تفعيلها بالانترلوكين ـ2 interleukin-2 أو بمستضدات مختلفة الطبيعة بشرط أن تكون الخلايا التائية قد تحسنت بهذه المستضدات سابقاً.
    يتكون الإنترفرونان ألفا وبيتا في خلال 24 ساعة من حدوث الخمج الفيروسي، ويؤلفان القسم الأكبر من الاستجابة المبكرة للإصابة.
    أما الإنترفرون غاما فيكون إفرازه متأخراً برغم حدوث استجابة مبكرة له في بعض الحالات من قبل الخلايا الفتاكة الطبيعية natural killer cells (NK)، وقد تبين أخيراً أن بعض الكائنات الحية من غير الفيروسات، كالريكتسيات والمتفطراتmycobacteria ومختلف الحيوانات الأوالي protozoa يمكنها أن تحرض اصطناع الإنترفرون غاما. ولابد من الإشارة إلى أن الإنترفرونات جميعها تثبط نسخ الفيروسات من دون أن تؤذي الخلية المضيفة.
    ظهور الإنترفرون في الدم
    لا يمكن كشف الإنترفرونات في دم الأفراد الأسوياء ولا في سائلهم الدماغي الشوكي، ولا يتم تحريض اصطناع الإنترفرونين ألفا وبيتا إلا بعد حدوث خمج فيروسي. ولا تؤدي الإصابات الجرثومية إلى ظهورهما في الدم مع أن بعض الجراثيمتستطيع أن تحرض اصطناع الإنترفرون ألفا بتركيز عال في وحيدات النوى في الزجاج in vitro. أما الإنترفرون غاما فيمكن كشفه في الدم في أثناء المرض الفيروسي أو الجرثومي أو الطفيلي.
    يظهر الإنترفرون في الدم في وقت مبكر من الإصابة بخمج حاد، ويتزامن مع العلامات الالتهابية الأولى، ومدة بقائه فيه قصيرة تمتد من 3 أيام إلى 7 تبعاً للفيروس الخامج. ويختلف المقدار الجائل منه في الدوران باختلاف نوع الفيروس ووفق الزمن الذي أخذت عينة الدم فيه بعد ظهور العلامات السريرية. وعلى هذا يتفاوت مقداره في المصل بين أربع وحدات وألف وحدة.
    أما وجوده في الدم في الأخماج المستمرة فيختلف باختلاف الفيروس الخامج. فلا يشاهد مثلاً في التهاب الكبد البائي المزمن الفعال، ولكنه يكشف في الأخماج الفيروسية التي تترافق بتدني المناعة كفيروس عوز المناعة البشري HIV وفيروسالحصبة الألمانية الولادية، ويمتد إفرازه في مثل هذه الحالات عدة أشهر. كما يشاهد الإنترفرون ألفا في بعض أمراض المناعةالذاتية كالذأب lupus وتصلب الجلد scleroderma والتهاب المفاصل الرثواني rheumatoid في أثناء هجمات هذه الآفات من دون أن يُتهم أي فيروس حتى اليوم في إمراضيات هذه العلل.
    آلية تأثير الإنترفرون
    وهي تشمل آلية التأثير المضادة للفيروسات وآليات التأثيرات الأخرى.
    آلية التأثير المضادة للفيروسات:يمتد طيف تأثير الإنترفرونات ليشمل الفيروسات كلها من دون النظر إلى تركيب حمضها النووي سواء أكان رناRNA أم دنا DNA، ولكن توقف نسخ بعض الفيروسات يكون أشد في بعضها من بعضها الآخر. ففيروس التهاب الكبد الجيمي hepatitis C حُماق (جدري الماء) varicella يتم توقف نسخهما في الخلايا بسهولة أكبر من غيرهما حينما تعالج هذه الخلايا بالإنترفرون. كما أن هناك الكثير من الفيروسات التي تخفق في تحريض الكمية اللازمة منه وهو ما يحدث في التهاب الكبد البائي hepatitis B.
    والإنترفرون عاجز عن تعطيل الجزيئات الفيروسية مباشرة أو إبطال مفعولها. وينحصر تأثيره في دورة نسخ الفيروس التي تتم بوساطة الخلية المضيفة. فالإنترفرونات تتصل بمستقبلات نوعية موجودة على سطح معظم الخلايا. وهناك مستقبلات لألفا وبيتا وأخرى لغاما. والتأثير المتبادل بين الإنترفرون والمستقبل يسبب تحريض عدة جينات تعمل على إفراز إنظيمات تتدخل في الآلية التي يستخدمها الفيروس لنسخه. وأهم هذه الإنظيمات اثنان هما:
    البروتين كيناز protein kinase و2-5 أوليغو - أدينيلات سنتيتاز oligo 2-5 adenylate synthetase. فالأول منهما يثبط تركيب بروتين الفيروس، في حين يُدَرَّك degrade الآخر الرنا الرسول m RNA.
    آليات التأثير الأخرى: يؤثر الإنترفرون في الانقسام الفتيلي mitosisللخلايا السوية والورمية، فيبطئ سرعة نموها. ولعل أهم تأثير يلاحظ هو تنبيه تركيب مستضدات معقد التوافق النسيجي الرئيسي major histocompatibility complex (MHC) من الصنفين الأول والثاني في الخلايا التي تظهرهما على نحو تلقائي. ومن التأثيرات التي تلاحظ أيضاً زيادة في الفعل السام للخلاياcytotoxic وعلى نحو خاص في الخلايا الفتاكة الطبيعية NK واللمفاويات التائيةT.
    تنجم التأثيرات المضادة للأورام عن الأسباب السابقة ويزداد فعلها بتأثير سيتوكينينات أخرى كعامل النخر الورميtumour-necrosis factor (TNF).
    استحصاله وتطبيقاته الدوائية
    كان الإنترفرون يستحصل صناعياً من الكريات البيض البشرية، أما الآن فيمكن الحصول عليه بكميات كبيرة عن طريق الهندسة الوراثية بتقنية إعادة تركيب الدنا recombinant DNA بوساطة الخمائر والجراثيم.
    إن الإنترفرونات ذات تأثير كبير في منع نسخ الفيروسات في الزجاج وفي بعض الأخماج التجريبية، ولكن تطبيقاته السريرية خيبت الآمال في أحيان كثيرة لعدة أسباب منها أن نصف حياته في الدوران قصير، الأمر الذي يصعب معه التثبت من وصول المقادير الملائمة إلى ناحية الخمج. ومع هذا فقد بينت التجارب السريرية فائدته في معالجة داء المنطقة zonaوالحُماق عند منقوصي المناعة. كما تم التوصل إلى نتائج جيدة في الوقاية من الكَلَب حين تعزيز الإنترفرون باللقاح والغلوبولينات غاما. وتبين أيضاً أن إعطاء مقادير كبيرة منه مفيد في معالجة التهاب الكبد المزمن البائي B والتهاب الكبد المزمن الجيمي Cوالتهاب الكبد المزمن الدالي D، وكذلك في مداواة بعض أخماج الحلأ وإن لم يكن يستعمل فيها منهجياً.
    وقد أظهرت الاختبارات السريرية جدوى الإنترفرون في معالجة بعض الابيضاضات الدموية ولاسيما الابيضاض النقوي المزمن myeloid leukemia كما برهنت على فائدته في 30% من الإصابات بغرَن كابوزي Kaposi sarcoma وهناك بحوث قائمة لمعرفة تأثيراته في أورام أخرى بإعطائه مرافقاً للمداواة الكيمياوية أو من غيرها.
    والإنترفرون مفيد في معالجة الورم الحليمي papilloma الحنجري عند الأطفال والورم اللقمي التناسلي، اللذين هما من منشأ فيروسي.
    وهناك دراسات تُجرى لمعرفة تأثيره في مجالات أخرى كالتصلب المتعدد multiple sclerosis.
    تأثيراته الجانبية
    يظهر الكثير من المرضى المعالجين بالإنترفرون أعراضاً تشبه أعراض النزلة الوافدة (الكريب) كالحمى والآلام العضلية والمفصلية والدعث (الوعكة) والصداع.
    كما شوهد في المعالجات التي أعطيت فيها مقادير كبيرة حدوث قلة في الكريات البيض leukopenia وقلة في الصفيحاتthrombocytopenia وتأثيرات في الجملة العصبية المركزية وبعض الأعراض النفسية.

    عدنان تكريتي

  7. #517
    الأندروجينات

    تندرج الأندروجينات androgens، وعددها كبير، تحتَ تصنيف الهرمونات الستيروئيدية المذكِّرة، إلى جانب تأثيرها الابتنائي anabolic فيما يتصل بالبروتين والنمو. تُشتقُّ كل الهرمونات الستيروئيدية من الكولسترول، وتُقسمُ إلى: هرمونات ستيروئيدية كظرية قشرية وهرمونات ستيروئيدية جنسية. وهذه الأخيرة ثلاثة أصناف: هرمونات مُذَكّرة أندروجين، هرمونات مؤنِّثة أو مثيرة للوداق oestrogens، وهرمونات بروجسترونية progestogens قادرة على ضمان علوق البيضة في جدار الرحموبقائها وتناميها، والاسم الكيمياوي للبروجسترون 4-preg-ene-3.20-dione (صيغة البروجسترون).
    تركيب الأندروجينات
    تتشابه الهرمونات الستيروئيدية كثيراً، وتتألف كلّها من ثلاث حلقات سُداسية مع حلقة خماسية. ويدعى هذا المركَّب - الأصل: سيكلو بنتانو بيرهيدرو فينانترين cyclo pentano perhydro phenantrene، وتدلّ هذه التسمية على أنّه مُركّب هيدروكربوني يتألف من أربع حلقات واحدةٌ منها خماسية pentano وعلى أنّه مُشبَع perhydro. يتألّف هذا المركّب - الأصل من سبع عشرة ذرةً من الكربون، ويختلف عدد ذرات الكربون في كل نوعٍ من الهرمونات، فعلى سبيل المثال يحتوي التستوستيرون - وهو الأندروجين الرئيس - تسع عشرة ذرةً من الكربون، ويتميَّز بوجود رابطة ثنائية بين الكربونين رقم 4 و5، وبوجود مُشتقّ هيدروكسي OH _ في الفحم رقم 17، ومشتق كيتوني =O في الكربون رقم 3، لذا فاسمه الكيمياوي التفصيلي: Δ4-androstene-17trans-ol-3-one (صيغة التستوستيرون) ويشير حرف الدلتا يتبعه رقم 4 إلى مكان الرابطة الثنائية. أما بقية الأندروجينات فالتأثير المذكر فيها كلها أضعف من التستوستيرون، فهو أهمّ هذه المجموعة وأقواها فعلاً.
    الأندروجين عند الرجل والمرأة
    أ - عند الرجل: يُفرز التستوستيرون عند الرجل في خلايا ليديغ Leydig الخلالية الموجودة في الخصية، في المسافات بين الأنابيب المولّدة للنُطَف، ومن موضعها اشتُقَّ وصفها بالخلالية. تحوِّل هذه الخلايا الكولسترول بسلسلة من التفاعلات إلى التستوستيرون (صيغة الكولسترول) ويتحوّل التستوستيرون في بعض النسج المستهدفة target إلى دي هيدروتستوستيرونdehydrotestosterone. لا يمكن لهذه المراحل أن تتم إلا بوجود أنظيمات (خمائر) نوعية جداً خاصة بكل مرحلة استقلابية بذاتها، وإن فقدان أيٍّ من هذه الأنظيمات يؤدي إلى توقّف هذه المسيرة الاستقلابية وما يتبع ذلك من اضطرابات هرمونية في الجنسين. كذلك تُفرز أندروجينات أخرى من قشر الكظر في الطبقتين الحُزْمية zona fascicularis والشبَكيّة z.reticularis.
    ب - عند المرأة: تفرز المرأة الطبيعية الأندروجين، بكميّات زهيدة في سدى stroma المبيضِ وسُرّته hilus، كما أن إفراز الهرمونات الجنسية الأنثوية (الإستروجينات) في المبيض يمرّ في بعض مراحله بالأندروجين، مما يفسّر ظهور أعراض التذكير عند بعض النساء حين فقدان بعض الأنظيمات الخاصة بالمسيرة الاستقلابية، كما أن بعض أورام المبيض تفرز الأندروجين مؤدية إلى أعراض تذكير شديدة.
    تفرز الأندروجينات أيضاً في قشر الكظر عند المرأة كما في الرجل وفي المشيمة في أثناء الحمل.
    الانتقال والاستقلاب
    يجول 97% من التستوستيرون في مصورة الدم مربوطاً بالبروتين: يرتبط 40% منه بغلوبولين بيتا يُدعى الغلوبولين الرابط للستيروئيد المنسلي gonadal binding globulin (G.B.G). والمنسل gonad هو الغدة التناسلية سواء أكانت المبيض عند الأنثى أم الخصية عند الذكر. وترتبط الـ 40% الأخرى بالألبومين وأما الـ17% الباقية فترتبط ببقية البروتينات.
    كذلك يربط الغلوبولين الرابط للستيروئيد المنسلي الإستروجين في الجنسين. ويبلغ مستوى تستوستيرون المصورة (الحر منه والمربوط) عند الرجل البالغ مقدار 0.65ميكروغرام/ديسي ليتر(وهو ما يَعْدِلُ 100ميليلتر) وهذا يساوي 22.5 نانو مول/ ليتر أما في المرأة البالغة فلا يزيد التستوستيرون على 0.03 ميكروغرام/دل وهو ما يساوي 1 نانو مول/ل. وتتضاءل مقاديره في الذكر مع تقدّم السن. تُستقْلب الأندروجينات ومنها التستوستيرون في الكبد لتتحول إلى 17ـ كيتوستيروئيدات تنطرح كلها في البول. ومنشأ ثلثي هذه الـ 17ـ كيتوستيروئيدات المطروحة في البول من قشر الكظر، أما الثُلُثُ الباقي فهو خَصويّ المنشأ. وتجدر الإشارة إلى أنه ليست كل الـ 17ـ كيتوستيروئيدات ذات فعل مُذكِّر، وأنه ليست كل الأندروجينات ذات تركيب 17ـ كيتوستيروئيدي.
    تنظيم الإفراز
    يفرز الفصّ الأمامي للغدة النخامية، الموجودة في الوجه السفلي للمخ هرموناً «ملوتناً» luteinizing hormone يُحرِّض خلايا ليديغ الخلالية على إفراز التستوستيرون. ويخضع هذا الفصُّ إلى هرمونات مُحرِّرَة releasing hormones. تنطلق من منطقة الوِطَاء hypothalamus الموجودةِ في قاعدة المخ أي فوق الغدّة النخامية مباشرة. لذا تؤدي أمراض هذه المنطقة إلى ضمور الخلايا الخلالية وإلى تناقص إفراز التستوستيرون. وبالمقابل فإن إفراز التستوستيرون وجولانه في الدم يؤدّي إلى نهي إفراز الهرمون «الملوتن» LH من الفص الأمامي للنخامة، ويدعى هذا التوازن المزدوج بين النخامة والخصية بآلية التغذية الراجعةfeed back mechanism: يرسلُ الوطاءُ الرُسُل إلى النخامة التي تَحُضّ الخلايا الخلالية على الإفراز، فإذا تمّ هذا الإفراز وصل بعضُه إلى الوطاء فيثبّط نشاطه مما يؤدي لانخفاض مستوى التستوستيرون في الدم فتتأثر بذلك منطقة الوطاء فتعود إلى الحضِّ والتحريض وهكذا ينقلب التستوستيرون في بعض الأعضاء التناسلية كالموثة prostate والأعضاء التناسلية الظاهرة إلى دي هيدروتستوستيرون dihydrotestosterone (DHT) بفعل الأنظيم 5α المُرجِع 5a reductase وهذا الأخير DHT هو الهرمونالفعّال المؤثّر في هذه الأعضاء وفي غيرها كشعر الوجه وخطّ الشعر وغير ذلك لذا لا يمكن لهذه الأعضاء الحسّاسة أن تتكوّن وتنمو إلا بوجود هذا الشكل الفعال للهرمون، ولا يوجد هذا الشكل DHT إذا لم يوجد الأنظيم الخاص به (5α المُرجع). وفي حال فقدانه أو قصوره الولادي تحدث متلازمة الخصية المؤنّثة testicular feminizing syndrome. أما نموّ القضيب والصفنscrotum والعضلات والدافع الجنسيّ الذكري والكَرَع (الشهوة الجنسية) libido فتقع كلها تحت تأثير التستوستيرون وحده. كذلك تجول في دم الرجال كميات ضئيلة من الاستراديول (الهرمون المؤنّث) ينتج أكثرها 70% من انقلاب التستوستيرون إلى أندروستين ديون بالتعطير aromatization. أما البقية 30% فتفرز في الخصية نفسها، ومن المحقق أن لهذا الهرمون المؤنّث وظائفه في أجسام الذكور، ويعتقد أن له شأناً في تنظيم الحاثّة المنشّطة للأجربة follicle hormone stimulating وتزداد مقاديره تدريجياً مع تقدّم السنّ، ولعلّ في ذلك ما يفسر تراجع مظاهر الذكورة عند المسنّين من الرجال.
    الفعْل الفيزيولوجي
    وهو يشمل الفعل الاستقلابي والفعل المكون للشكل والتطبيقات الدوائية.
    الفعل الاستقلابي: الأندروجينات ضرورية لتطوّر الجهاز التناسلي الذكري ولنموّه. ويمكن البرهان على ذلك بخصي ذكور الحيوانات قبل بلوغها فلا يحدث عندها نضج جنسي ولاتنمو أعضاؤها التناسلية، وبالمقابل يمكن إحداث هذا النضج تجريبياً بحقن الأندروجين في فترات محددة. كما أن حقن الذكور البالغين بالأندروجينات يؤدي إلى زيادة حجم الأعضاء التناسلية وإلى زيادة نشاطها. كذلك يؤدي خصي الذكور إلى ضمور الأعضاء التناسلية وإلى تراجعها. والأندروجينات عدا هذا ضرورية لتوليد النطف (الحيوانات المنوية).
    الفعل المكون للشكل morphogenetic effect : تؤثر الأندروجينات في الشكل الخارجي للجسم، أي في ظهور الخصائص الجنسية الثانوية في سن البلوغ. فقبل هذا السن قلّما تتميز أجسام الذكور من أجسام الإناث وإذا كانت هناك فوارق نفسية طفيفة فمنشؤها بيئي يعود إلى الفوارق الاجتماعية والى التمييز في تربية الأطفال من الجنسين. وحين تبدأ الخصية بإفراز التستوستيرون ويبدأ جولانه في الدم. تظهر تبدلات تكوينية مهمة جسمية ونفسية يمكن تلخيصها بما يلي:
    أ - الأعضاء التناسلية الظاهرة: ينمو القضيب ويزداد طوله ومحيطه، كذلك يكبُرُ الصفن ويزداد اصطباغه وثنياته.
    ب - الأعضاء التناسلية الباطنة: يكبر الحويصلان المنويان ويبدأ فيهما إفراز سكر الفواكه (الفروكتوز) الضروري لتغذية النُطَف. وتنمو الغدد الملحقة كالموثة والغدد الإحليلية - البصلية bulbo-urethral glands.
    ج - الصوت: تكبر الحنجرة وتتّسع ويزداد طول الحبال الصوتية وثخنها مما يؤدي إلى تبدّل صوت الصبي وانخفاض طبقته.
    د - نموّ الشعر: يظهر الشعر على الوجه (اللحية والشارب) ويتغيّر خط الشعر في الجبهة فهو مدوّر ومدفوع نحو الأمام عند النسوة والصبية، أما بعد البلوغ فيتراجع عند الذكور في الجانبين ليترك مثلثاً أجرد في كل من جانبىّ الجبهة. ويظهر الشعرُ في منطقة العانة وفي الإبطين وعلى الصدر وحول فوهة الشرج، كما يزداد الشعر عموماً في كل أنحاء الجسم، وللعوامل الوراثية هنا شأنها زيادة أو نقصاً.
    هـ - التبدلات النفسية والفكرية: يغدو الصبي بعد البلوغ أكثر عدوانية ونشاطاً، ويزداد اهتمامه بمن حوله كما يبدأ اهتمامه بالجنس الآخر بالظهور والتطوّر. والتبدلات السلوكية أوضح في الحيوانات منها عند الإنسان بسبب تأثير التربية والبيئة والمجتمع.
    و - المظهر العام للجسم: تعرُضُ الكتفان وتكبر العضلات.
    ز - الجلد: تزداد كمية إفرازات الغدد الدهنيّة ولزوجتها مما يؤهب للإصابة بالعُدّ (حب الشباب) acne.
    التطبيقات الدوائية: يُستَطَبُّ إعطاء التستوستيرون أو أحد مشتقاته الصيدلانية في قصور الخصية وفي حالات الخصي. وتؤدي هذه المعالجة إلى نموّ القضيب الضامر وكبره طولاً وقطراً وإلى نمو الصَفَن والحويصلين المنويين والموثة وشعر العانة وشعر الإبطين والأطراف، كما تنمو الحنجرة وتتبدّل طبقة الصوت. وتؤثر المعالجة بالأندروجين في نفسية الإنسان وشخصيته فيزول عنه الشعور بالنقص ويتحسّن تفكيره وتركيزه.
    كذلك يستطبّ إعطاء التستوستيرون أو مشتقاته في العَنانة إن ظهر نقص مستوى تستوستيرون الدم، ولكن أغلب حالات العنانة ناجمة عن أسباب نفسية لا أكثر، وإذا أفاد إعطاء الأندروجين فالغالب أن ذلك ناجم عن التأثير النفسي.
    الإياس عند الرجل
    هناك خلاف في الرأي حول حدوث إياس عند الرجل مماثل لما يحدث عند المرأة. لاشك في أن إفراز الأندروجينات يتناقص مع تقدّم السنّ ما بين الـ 50 و90عاماً ولكن هذا التراجع شديد البطء مما يجعل حدوث أعراض إياس عند الرجل أمراً بعيد الاحتمال. وقد لوحظ أن المناسبات الجنسية تقلّ عند المتزوجين مع تقدّم العمر ولاشك في أن للعوامل النفسية والاجتماعية شأناً كبيراً في زيادة النشاط الجنسي عند الرجل والمرأة أو نقصه. لقد حلم الإنسان ومنذ القِدَم بإطالة أمد شبابه إنْ لم يَرْنُ إلى إدامته، وقد بدأت في بدايات القرن العشرين محاولات زرع خصية الحيوانات (كالديكة) عند الإنسان دون نجاح ملموس، وأحياناً مع نتائج وخيمة ناجمة عن رفض جسم الإنسان للأعضاء الغريبة، وغير ذلك من محاولات مثل ربط الأسهرين (القناتين الناقلتين للمني) أملاً في أن تؤدي المحافظة على المني إلى استمرار الشباب.
    ويعتقد بعضهم اليوم أن إعطاء مشتقات الأندروجين الحديثة مثل المستيرولون mesterolone إعطاء دائماً أو شبه دائم يؤدي إلى تحسّن النشاط الجنسي وعودة النشاط الفكري والجسمي.
    يعطى التستوستيرون حقناً عضلياً بمقدار 50ملغ مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع. وهناك مستحضرات بطيئة الامتصاص تعطى بمقدار 100ملغ أو أكثر مرة كل شهر، وحبوب مؤثرة تؤخذ عن طريق الفم مثل ميتل تستوستيرون وفلو أوكسي مستيرون fluoxymesterone والمستيرولون mesterolone وهو أكثر نجاحاً.
    يؤدي إعطاء الأندروجين إلى تسريع سير سرطان الموثة إنْ وجد، لذا يجب نفي وجود سرطان موثي والتأكد من ذلك قبل البدء بالمعالجة بالأندروجين.
    صادق فرعون

  8. #518
    الانسمامات

    الانسمام intoxication حالة مرضية تصيب الشخص نتيجة دخول كمية قليلة من إحدى المواد الغريبة إلى جسمه، وقد تنتهي هذه الحال المرضية في الانسمامات الشديدة بالوفاة، أو قد تترك بعض العقابيل الدائمة بعد الشفاء.
    ويشترط أن تبلغ الجرعة المأخوذة من السم حداً معيناً خاصاً بكل مادة حتى تظهر على الشخص الأعراض التي تزداد شدتها مع زيادة الجرعة. وبذلك يختلف الانسمام عن عدم التحمل الذي ينجم أيضاً عن دخول مادة غريبة إلى جسم الإنسان، إلا أن ظهور الأعراض وشدتها في هذه الحال لا علاقة لهما بمقدار المادة الغريبة الداخلة إلى الجسم.
    تصنيف السموم
    يضم الوسط الذي نعيش فيه عدداً كبيراً من السموم يصعب حصره لذلك عمد الباحثون في هذا المجال إلى تصنيفالسموم تسهيلاً لدراستها. إلا أن هناك تصنيفات كثيرة تختلف باختلاف الأساس الذي تقوم عليه. فالكيميائيون يقسمون السموم إلى أربع فئات بحسب الطرق المستعملة لاستخلاصها وكشفها وهي:
    ـ السموم الغازية مثل أكسيد الفحم وأكاسيد الآزوت، والسموم الطيارة مثل الكحول الإتيلي وحمض سيان الماء، والسمومالمعدنية وتشمل المعادن وأشباهها كالرصاص والزرنيخ وأملاحها، والسموم العضوية وتضم القسم الأعظم من المستحضرات الدوائية والسموم المستعملة في الزراعة.
    وهناك من يقسم السموم بحسب مصدرها إلى: سموم حيوية سواء كانت من منشأ حيواني أو نباتي أو جرثومي (الذيفانات)، وسموم صناعية يتعرض لها العاملون في الصناعات المختلفة ولاسيما الصناعات الكيمياوية، وسموم دوائية أكثر ضحاياها من المرضى الذين يتناولونها بمقادير تزيد على الحد المقرر.
    وهناك تصنيفات تستند إلى طبيعة تأثير السم في الجسم أو إلى الغاية التي يستعمل السم من أجلها.
    يدخل السم الجسم عن طريق الأنبوب الهضمي في الغالبية العظمى من الحالات، ويسبب في هذه الحال الإقياء والإسهالات التي تساعد على طرح كمية من السم قبل امتصاصها وتخليص الجسم من أثرها السيء. أما دخول السم عن طريق الرئتين فأقل مصادفة إلا أنه شديد الخطورة لأن السم في هذه الحال يصل بسرعة إلى الجهاز الدوراني وينتشر في سائر الجسم، وهو ما يحصل عند استنشاق الأبخرة والغازات السامة. يسمح الجلد بدخول أبخرة بعض السموم كالزئبق واليود، كما أن المواد الوَلوع بالشحوم يمكنها أن تجتازه. أما التسمم عن طريق الزرقات الوريدية أو تحت الجلد فأمر نادر جداً.
    يتوزع السم بعد وصوله إلى الدورة الدموية في أنحاء الجسم المختلفة إلا أن تركيزه يكون عالياً جداً في بعض الأعضاء كما هو الحال في المنومات والمخدرات التي تتوضع في الجملة العصبية خاصة، كما أن الكبد تثبت عدداً كبيراً من السمومالمعدنية كالرصاص والزرنيخ تمهيداً لطرحها عن طريق الصفراء. تقوم الكبد بدور رئيس في تخريب السموم وتحويلها إلى مركبات أقل سمية قبل طرحها، ويتم ذلك بإخضاع تلك السموم لبعض التفاعلات الكيماوية كالأكسدة والإرجاع والْمتيَلة methylationوالتحليل المائي أو إضافة أحد الحموض العضوية أو المعدنية إليها مما يجعلها أكثر ذوباناً في الماء وأكثر طرحاً عن طريق الكليتين. والكلية هي العضو الرئيس الذي يقوم بطرح السموم ومستقلباتها مع البول، كما تطرح الكبد السموم المعدنية مع الصفراء، أما السموم الغازية والطيارة كأكسيد الفحم والكحول فتطرح عن طريق الرئتين مع هواء الزفير.
    آلية تأثير السم
    تؤثر السموم في مختلف أعضاء الجسم في آن واحد إلا أن التأثيرات السامة قد تكون أكثر شدة في عضو من الأعضاء، مما يؤدي إلى ظهور أعراض إصابة خطيرة في هذا العضو قد تنتهي بالوفاة. فأملاح السيانور مثلاً تعطل خميرة السيتوكروم أوكسيداز في جميع خلايا الجسم مما يؤدي إلى الوفاة السريعة، في حين تؤثر سموم أخرى في الكبد خاصة، مثل رابع كلور الفحم والفسفور وذيفان الفطر المسمى الأمانيت القضيبي Amanita phalloides، مما يؤدي إلى ظهور أعراض القصور الكبدي الخاطف أما غاز أول أكسيد الفحم فيتحد بالهيموغلوبين الدموي مؤلفاً الكاربوكسي هيموغلوبين، وهو مركب شديد الثبات يعوق تزويد الأنسجة بالأكسجين اللازم لعملها ومن ثم حدوث الوفاة. وتؤثر سموم أخرى مثل غاز الهدروجين الزرنيخي في الكريات الدموية الحمر فتحلها ويؤدي ذلك أيضاً إلى الموت.
    ومن السموم ما يؤثر في العضلة القلبية مباشرة ويعطل عملها كما يحصل عند استنشاق أبخرة البنزين أو الفحوم المفلورةfluoro-carbon التي تجعل ألياف العضلة القلبية تتقلص تقلصاً غير متواقت يعجز معها القلب عن دفع الدم إلى الأعضاء المحيطة مما يسبب الوفاة المفاجئة. ومع أن الدراسات والتجارب التي أجريت كثيرة فما تزال آلية عمل كثير من السموم مجهولة حتى اليوم.
    الأنواع الطبية الشرعية للانسمام
    وهي تشمل الانسمامات الإرادية والعارضة والجنائية:
    الانسمامات الإرادية: إن تناول إحدى المواد السامة قصداً طريقة مألوفة في الانتحار، كأن يتناول الشخص الذي يحاول الانتحار ما يقع تحت يده من مواد سامة كالأدوية مثل الأسبرين والمنومات والمهدئات والمركنات ومضادات الاكتئاب، وكلها أدوية شائعة الاستعمال جداً وكثيراً ما يؤدي الانسمام بها إلى الوفاة.
    ومن المواد الشائعة الاستعمال في الانتحار أيضاً المستحضرات الجاهزة التي تستعمل في المنازل للتنظيف وإزالة البقع أو التلوين أو التجميل بسبب احتوائها على مواد كيماوية سامة. أما في الأوساط الريفية فيكثر استعمال مبيدات الحشرات والقوارض أو مبيدات الأعشاب في الانسمام الإرادي لسهولة الحصول على هذه المواد في تلك الأوساط. وتدل الإحصاءات في بعض الدول على أن أكثر من نصف الانسمامات المميتة سببها الانتحار. وتقع أكثر حوادث الانتحار في مرحلة الكهولة الباكرة (بين 18 و25 سنة)، ويتوزع بالتساوي بين الرجال والنساء.
    الانسمامات العارضة: وسببها الإهمال وقلة الاحتراز اللذان يؤديان إلى تناول بعض المواد السامة خطأ بمقادير مرتفعة. والانسمام العارض قد يكون دوائياً عندما يتناول المرضى خطأ كمية من الدواء تزيد على الجرعة المقررة. ويزداد إمكان حدوث الانسمام في هذه الحالات إذا كانت الجرعة الدوائية الفعالة قريبة من الجرعة السامة. والشيوخ معرضون أكثر من غيرهم للانسمامات الدوائية العارضة بسبب ما يقعون فيه من أخطاء في حساب الجرعات الدوائية المأخوذة. يحصل الانسمام العارض في المنازل أيضاً بالمنظفات وغيرها من المستحضرات الجاهزة أو مبيدات الهوام pesticides على اختلافها، ومما يساعد على ذلك وضع هذه المواد في عبوات لا تحمل اسم المادة التي فيها مما يسبب الالتباس واستعمالها خطأ في تحضير الطعام أو الشراب. والأطفال عموماً، أكثر الناس تعرضاً للانسمامات العارضة في المنازل سواء بالأدوية أو غيرها من المواد الكيماوية السامة التي يبتلعونها من دون تمييز. ويقدر بعض المختصين أن واحداً بالألف من هذه الانسمامات العارضة عند الأطفال ينتهي بالوفاة. تحدث الانسمامات العارضة أيضاً في المصانع حيث يتعرض العمال لتناول بعض المواد السامة أو استنشاقها بكميات كبيرة كما يحصل عند انثقاب الأنابيب الناقلة لهذه المواد، أو انكسار الأواني التي تحفظ فيها. ولكن لوحظ أن هذه الانسمامات الصناعية بدأت بالتراجع في العقود الأخيرة بسبب تطور أساليب الوقاية وازدياد اللجوء إلى الآلة في العمليات الصناعية الخطرة. وأكثر ما تصادف هذه الانسمامات في صناعة الأصبغة والمذيبات وفي معامل المواد المتفجرة.
    الانسمامات الجنائية: وقد كانت شائعة في الماضي للقضاء على الخصوم، وكان المتسمم يقضي نحبه بعد أن تظهر عليه أعراض مرضية شديدة كانت تعزى إلى الإصابة ببعض الأمراض الحادة المعروفة بخطورتها. إلا أن هذه الطريقة في القتل قلت كثيراً في الوقت الحاضر بسبب تطور الكيمياء التحليلية الذي جعل كشف هذه الانسمامات ممكناً مهما كانت كمية السم المعطاة قليلة، وأصبح الالتباس بين الانسمام والأمراض العضوية الأخرى ذات الأعراض المشابهة أمراً بعيد الاحتمال. وقد كان الزرنيخ وما يزال من أكثر السموم استعمالاً لهذه الغاية، وكذلك المبيدات الحشرية والسموم الزراعية عامة. ويمكن أن يدخل في هذا الباب أيضاً السموم الحربية التي يقذف بها المتحاربون للقضاء على حياة خصومهم أو لشل حركتهم وإفقادهم القدرة على متابعة القتال. ومع أن استعمال السموم في الحرب أمر حرّمته المعاهدات الدولية فإن وسائل الإعلام تحمل من آن إلى آخر أنباء استعمال هذه السموم في الحروب الداخلية والدولية على حد سواء.
    الأشكال السريرية للانسمامات
    يمكن تقسيم الانسمامات اعتماداً على أعراضها السريرية قسمين رئيسين:
    1ـ الانسمامات الحادة: وهي التي تنجم عن تناول كمية كبيرة من السم دفعة واحدة مما يدعو لظهور الأعراض المرضية الحادة بعد مدة قصيرة نسبياً من دخول السم إلى الجسم وتتطور هذه الأعراض بسرعة، وقد ينتهي الانسمام في الحالات الخطيرة بالوفاة.
    يضطرب عمل جميع أجهزة الجسم بفعل المادة السامة، وتظهر على المتسمم أعراض تشير إلى إصابة مختلف أعضاء جسمه، إلا أن أكثر الأجهزة تأثراً في الانسمامات الحادة هو:
    أ - الجهاز الهضمي: تظهر الأعراض الهضمية عندما يدخل السم الجسم عن طريق الفم وهو ما يحدث في الغالبية العظمى من الحالات، وتتجلى على شكل آلام بطنية شديدة مع إقياء متكرر وإسهالات حادة مما يسبب نقصاً شديداً في سوائل الجسم قد ينتهي نهاية سيئة. وقد يوحي لون القيء بنوع السم المأخوذ مثل اللون الأزرق الذي يشير إلى الانسمام باليود، كما أن بعض السموم يتصف برائحة خاصة مميزة يمكن تعرُّفها في القيء كالسيانور والفسفور والكحول.
    ب - الجهاز العصبي: وتتظاهر إصابته بالسبات الذي قد يكون سباتاً هادئاً يشبه النوم العميق كما هي الحال في الانسمام بالمنومات ومثبطات الجملة العصبية المركزية عموماً، أو أنه سبات يترافق باختلاجات كما هي الحال في التسمم بمركبات الكلور العضوية المستعملة في إبادة الحشرات مثل (د.د.ت). وقد يترافق السبات في بعض الانسمامات بالهياج كما في الانسمام بالكوكائين ومضادات الهستامين وغيرها.
    ج - الجهاز التنفسي: ويصاب خاصة عند استنشاق الغازات أو الأبخرة السامة وتتجلى أعراض الإصابة في سعال وزُلَّة تنفسية (ضيق النفس) وزرقة. إلا أن الأعراض التنفسية قد تكون هي المسيطرة على اللوحة السريرية في بعض الانسمامات التي يدخل فيها السم عن غير طريق التنفس كالانسمام بمركبات الفسفور العضوية (باراثيون) الشائعة الاستعمال في إبادة الحشرات الزراعية التي تسبب وذمة رئوية حادة أو الانسمام بالمورفين ومشتقاته التي تثبط التنفس بشدة.
    تضطرب وظيفة الكلية في كثير من الانسمامات ويبدو ذلك في قلة البول أو انقطاعه وما يرافق ذلك من أعراض عامة.
    وتتأثر الكبد في كثير من الانسمامات، ويشير إلى ذلك ظهور اليرقان وتضخم الكبد. وتترافق أكثر الانسمامات الشديدة بوهَط قلبي دوراني يكون السبب المباشر في الوفاة.
    2ـ الانسمامات المزمنة: تنتج عن دخول السم إلى الجسم بكميات قليلة لا تكفي لظهور الأعراض الحادة. إلا أن تكرر دخول هذه المقادير القليلة يؤدي إلى تراكم السم في الجسم إلى أن يبلغ حداً كافياً لإحداث خلل في عمل الأجهزة المختلفة وظهور الأعراض المرضية الدالة على إصابة هذه الأجهزة.
    إلا أن تراكم المادة السامة ليس ضرورياً لحدوث التسمم المزمن كما في التسمم المزمن بأول أكسيد الفحم. وتختلف أعراض الانسمام المزمن كثيراً عن أعراض الانسمام الحاد وهي على العموم أعراض خفيفة تتعارض مع الأعراض الصاخبة المشاهدة في الانسمام الحاد، وتتجلى على هيئة اضطرابات هضمية غامضة، أو قصور خفيف في وظائف الكبد، أو اضطراب في وظيفة الكلية، أو أعراض قلبية مترددة، أو اندفاعات جلدية متنوعة، أو اضطرابات عصبية ونفسية. وهي في جميع الأحوال أعراض غير وصفية تصعب جداً نسبتها إلى سبب سُمي.
    إن أكثر الناس تعرضاً للانسمامات المزمنة هم العاملون في بعض الصناعات التي تجعلهم على تماس دائم ببعض المواد السامة كالرصاص والزئبق أو المذيبات العضوية وغيرها. إلا أن تطور سبل الوقاية المستعملة في هذه الصناعات أدى عموماً إلى تراجع عدد هذه الانسمامات المزمنة.
    أما الانسمامات المزمنة العارضة التي تحدث في الوسط المنزلي فهي قليلة جداً وكذلك الأمر في الانسمامات المزمنة الجنائية التي عرفت في الأزمنة الغابرة لكنها أصبحت نادرة في الوقت الحاضر. إلا أن الاتجاه الذي يشاهد اليوم في مختلف البلدان نحو استهلاك الأدوية بكميات كبيرة ودون مراقبة طبية في كثير من الأحوال قد يكون السبب في حدوث انسمامات مزمنة دوائية كثيرة.
    الاعتياد
    يؤدي تناول بعض المواد الكيماوية أو الأدوية مدة طويلة نسبياً إلى الاعتياد عليها وفي هذه الحال يشعر الشخص عندما يتوقف عن تناول هذه المواد باضطرابات عصبية نفسية أو جسمانية تدفعه بقوة إلى إعادة تناولها والاستمرار في ذلك دون انقطاع، أي إنه يصبح مدمناً على تناول هذه المواد، وكثيراً ما يتطلب الأمر زيادة المقادير المأخوذة تدريجياً للحصول على التأثير المنشود نفسه من وراء تناولها. إن معظم المواد التي تسبب الاعتياد والإدمان تدخل في زمرة الأدوية التي تستعمل لمعالجة الأمراض العصبية والنفسية مثل المهدئات والمنشطات (امفتامين) أو مسكنات الألم كالمورفين ومشتقاته، على أن هناك مواد أخرى غير دوائية تسبب الإدمان أيضاً مثل الحشيش والكحول الإتيلي. ويعد الإدمان مهما كان نوع المادة التي تسببه شكلاً من أشكال الانسمام المزمن ذا نتائج خطيرة صحية واجتماعية واقتصادية على المستوى الفردي والعام، لذلك تعمد جميع الدول في العالم إلى مكافحة هذا النوع من الانسمام وتبذل في سبيل ذلك الكثير من الجهد والمال، وتتركز كل هذه الجهود غالباً على مكافحة إدمان المخدرات في حين تهمل جميع الدول تقريباً مكافحة إدمان الكحول الذي لا يقل خطره على المدى الطويل عن خطر إدمان المخدرات ولاسيما أنه أكثر أنواع الإدمان انتشاراً في العالم.
    تشخيص الانسمام
    إن أكثر الأمور إثارة للشبهة بالانسمام الحاد حدوث أعراض مرضية مفاجئة ومتشابهة عند أشخاص تناولوا طعاماً أو شراباً واحداً. وفي الحالات التي تصيب الأعراض المرضية شخصاً بمفرده فإن شدة الأعراض وبدأها المفاجئ وتطورها السريع تدعو للشبهة بالانسمام. والواقع أن عدداً كبيراً من الآفات المرضية يبدأ حاداً ويتطور بسرعة فائقة، لذلك من الممكن أخذ التسمم على أنه مرض طبيعي، كما أن العكس ممكن إذ قد يشك بالانسمام في عدد من الحالات المرضية الحادة التي قد تنتهي بالوفاة السريعة، لذا لا يمكن أن يتم التشخيص الجازم للانسمام إلا بعد إجراء التحاليل المخبرية وكشف السم في النماذج المفحوصة وعياره فيها. يفتش عن السم عادة في مفرغات المصاب كالبول والبراز والمواد المقيئة أو في نموذج يؤخذ من دم المتسمم. وفي الحالات التي ينتهي فيها الانسمام بالوفاة يفتش عن السم في نماذج تؤخذ من الأحشاء المختلفة.
    يتم التحليل السمي للنماذج المأخوذة على مرحلتين: عزل السم واستخلاصه ثم تعيين طبيعة السم وعياره. والواقع أن عزل السم واستخلاصه عملية معقدة وصعبة لأن الأمر في أكثر الحالات يتضمن عزل كمية زهيدة جداً من السم من وسط يحوي عدداً كبيراً من المواد العضوية المعقدة التركيب. وتختلف الطريقة المتبعة في ذلك باختلاف التركيب الكيمياوي للسم وكونه سماً معدنياً أو عضوياً، وباختلاف خواصه الفيزيائية أيضاً، وكونه من السموم الغازية أو الطيارة أو سواها.
    أما تعيين طبيعة السم وعياره فقد أصبح يعتمد في الوقت الحاضر على عدد من الطرائق الفيزيائية الحساسة مثل التخطيط الاستقطابي للسموم المعدنية polarography والقياس الضوئي الطيفي للسموم العضوية spectrophotometry والاستشرابchromatography بأشكاله المختلفة (الاستشراب على الورق والاستشراب الغازي والاستشراب على الطبيقات الرقيقة).
    ويجب أن تفسر نتائج التحليل السمي بحذر، ذلك أن مجرد كشف أحد السموم في النماذج المفحوصة لا يعني أن هذا السم هو السبب في الأعراض المرضية التي انتابت الشخص أو في وفاته، لأن عدداً من السموم يوجد في جسم الإنسان في الأحوال الاعتيادية، فكشف هذه السموم بالتحليل لا يكفي لتشخيص الانسمام بل يجب أن تكون المقادير الموجودة زائدة على الحد السوي، وأن ينتبه كذلك إلى إمكان تناول مثل هذه السموم لغاية علاجية مما يزيد مقاديرها في الجسم على الحدود السوية المألوفة.
    وبالمقابل فإن عدم كشف أي سم لا ينفي حدوث الانسمام إذ إن بعض السموم تختفي من الجسم بسرعة وخاصة السمومالغازية والطيارة التي تطرح مع هواء الزفير في بضع ساعات لذلك يجب الانتباه عند تفسير النتائج إلى وقت أخذ النماذج وتأكيد ضرورة الإسراع في ذلك دوماً.
    الانسمامات الحيوية المنشأ
    ينتج بعض الحيوانات والنباتات والعضويات المجهرية مواد سامة يؤدي دخولها جسم الإنسان إلى إصابته بأعراض مرضية متفاوتة الشدة وقد تودي بحياته، وقد أطلق بعضهم على هذه المواد السامة اسم الذيفانات الحيوية biotoxins وهي إما أن تكون ذيفانات نباتية phytotoxins وإما حيوانية zootoxins وإما عضوية مجهرية microbial toxins إلا أن الأطباء اصطلحوا على إطلاق اسم الذيفانات على السموم التي تنتجها الجراثيم خاصة وتنتشر الجراثيم المولدة للذيفانات في جميع أنحاء العالم، أما النباتات والحيوانات السامة فإنها أكثر انتشاراً في المناطق الاستوائية والحارة منها في المناطق المعتدلة والباردة. وقد تدخلالذيفانات الحيوية إلى جسم الإنسان عن طريق اللدغات أو الوخزات أو بمجرد التماس المباشر للجلد، إلا أن الغالبية العظمى من حالات الانسمام تتم إثر دخول الذيفان عن طريق الأنبوب الهضمي عند تناول النباتات السامة (كالفطور) أو الحيوانات السامة ولاسيما البحرية، أو لدى تناول المواد الطعامية الملوثة بالعضويات المجهرية أو ذيفاناتها، لذلك يطلق على الحالات المرضية الناجمة عن ذلك اسم الانسمامات الغذائية التي ينشأ معظمها عن تلوث الطعام بالجراثيم المولدة للذيفان.
    1ـ الانسمامات الغذائية بالكائنات المجهرية: وتضم الأقسام التالية:
    أ - الانسمام الغذائي الجرثومي: ينجم عن تناول الأطعمة الملوثة ببعض أنواع الجراثيم أو ذيفاناتها، وتدل الإحصاءات في بعض الدول على أن الانسمام الغذائي الجرثومي يؤلف أكثر من ثلثي حوادث الانسمام الغذائي بصفة عامة.
    هناك تسعة أصناف من الجراثيم التي تسبب الانسمام الغذائي أولها وأكثرها أهمية السالمونيلات التي تسبب خمسين بالمئة من حالات الانسمام الغذائي، تليها المكورات العنقودية المذهبة المسؤولة عن ربع حالات الانسمام الغذائي، ويأتي بعد ذلك المِطَثيات الحاطمة Clostridium perfringens (11%) ثم الشيغلاتShigella (9%)، وهناك أخيراً المطثيات الوشيقيةClostridium botulinum والضمات الهيضية Vibrio cholerea والأشريكيات القولونية Esherichia coli المولدة للذيفان، أما العصية الشمعية Bacillus cereus والضمة الحالّة للدم المشبهة Vibrio parahaemolyticus فيندر أن تكونا السبب في الانسمام الغذائي. وأهم المواد التي تدخل عن طريقها الجراثيم أو ذيفاناتها الجسم اللحوم والبيض واللبن ومشتقاته والحيوانات البحرية في بعض الحالات.
    تسبب الذيفانات التي تفرزها هذه الجراثيم أعراضاً هضمية حادة تبدأ بالظهور بعد مدة قصيرة من الحضانة تختلف من جرثوم إلى آخر، وتُراوح بين عدة ساعات وعدة أيام، وتتجلى على هيئة آلام بطنية شديدة مع إسهالات حادة وغثيان وإقياء متكرر. وقد تحدث الحمّى في بعض الحالات فتتأثر الحالة العامة في الانسمامات الشديدة وقد ينتهي الأمر بالوفاة.
    أما الانسمام الوشيقي botulism فإن أعراضه تختلف كلياً عما تقدم لأن الذيفان الذي تفرزه المطثيات الوشيقية يشل العضلات المعصبة بالألياف العصبية الكولينية، ويتظاهر ذلك على شكل اضطراب في الرؤية مع عسرة في البلع والتلفظ وشلل متدرج في الأطراف إضافة إلى شلل العضلات التنفسية الذي كثيراً ما ينتهي بالوفاة.
    ب - الانسمام بالفطور: ومن العضويات المجهرية microbe التي قد تسبب الانسمام بعض أصناف الفطور التي تنتج ذيفانات فطرية mycotoxins شديدة السمية. تضم أسرة الفطور fungi عدداً كبيراً جداً من الأنواع يمكن تقسيمها قسمين كبيرين استناداً إلى حجمها وهي الفطور المجهرية microfungi والفطور الضخمة macrofungi ومن أهم الفطور المجهرية السامة فطر الدابرة الأرجواني (الدبوسية الأرجوانية) Claviceps purpurea الذي ينتج ذيفان الأرغوت ergotoxin وهو مجموعة من أشباه القلويات السامة التي يؤدي تناولها إلى ظهور أعراض هضمية حادة مترافقة بأعراض عصبية كالاختلاجات، ومنها كذلك الرشاشيات الصفراء Aspergillus flavus التي تنتج ذيفاناً يسمى أفلاتوكسين aflatoxin له تأثيرات سامة حادة في الكبد والكلية، كما أن لتناول كميات زهيدة منه مع الطعام لمدد طويلة تأثيراً مسرطناً في الكبد، الأمر الذي يحدث على نطاق واسع في البلدان الاستوائية حيث تتلوث الحبوب المخزونة بهذا النوع من الفطور السامة.
    أما الفطور الضخمة السامة فتدخل في جنس genus «أمانيتا»، وله أنواع متعددة أهمها الفطر السمي الأمانيت القضيبي الذي يحوي ذيفاناً يدعى أمانيتين amanitine وفالوئيدين phalloidine. يؤدي تناول هذه الفطور البرية إلى ظهور أعراض هضمية حادة تتلوها أعراض إصابة كبدية شديدة مع اليرقان، وتنتهي غالباً بالوفاة.
    ج - الانسمام بالطحالب: الطحالب algae عضويات مجهرية تحوي الكلوروفيل، وهي واسعة الانتشار في الأوساط المائية ولاسيما في البحار. ومن أهم الزمر التي تنتج الذيفان الزمرة المسماة السوطيات «المخيطة» dinoflagellates أو البيريدينيات وتضم أنواعاً كثيرة جداً. وهي وحيدات خلية تعيش غالباً في المياه الباردة وتعد غذاء رئيساً للأصداف البحريةshell fish. إذا تناولت هذه الأصداف الأنواع السامة من هذه السوطيات تراكم السم في جهازها الهضمي، وعندما يأكل الإنسان هذه الأصداف يصاب بأعراض سمية يطلق عليها اسم الانسمام الصدفي الشللي shellfish poisoning paralytic الذي يصادف لدى سكان الشواطئ الشرقية والغربية من أمريكة الشمالية.
    2ـ الانسمامات النباتية: هناك عدد قليل جداً من النباتات السامة التي يؤدي تناولها عن طريق الفم أو التماس بها إلى ظهور أعراض سمية حادة. ويعود هذا التأثير السام إلى ما تحويه من مواد كيماوية فعالة مثل أشباه القلويات وأشباه السكريات وعديدات الببتيد والأمينات وغيرها. وقد تكتسب بعض النباتات صفات سامة في بيئة معينة بسبب ما تراكم فيها من سموم معدنية كالرصاص والنحاس والمنغنيز وغيرها. ومن البذور السامة بذور الخروع والشوكران والأمانيت القضيبي الذي سبقت الإشارة إليه.
    3ـ الانسمامات الحيوانية: هناك عدد كبير من الحيوانات السامة التي تعيش على اليابسة أو في البحار. قد تدخل السمومالحيوانية جسم الإنسان عن طريق الفم مع الطعام، كما هي الحال في الانسمام الناجم عن تناول بعض أنواع الأسماك السامة أو تناول المحار التي تغذت من قبل بأنواع معينة من الطحالب السامة، وقد يؤدي تناول واحدة فقط من هذه المحار إلى حدوث انسمام مميت عند الإنسان.
    إلا أن أغلب الانسمامات الحيوانية المنشأ ينجم عن دخول السم عن طريق الجلد لدى تعرض الإنسان للدغات الحيوانات السامة كالزواحف والعنكبوتيات.
    معالجة الانسمامات
    يجب البدء بمعالجة المصاب بالانسمام الحاد بأقصى سرعة ممكنة لأن أي تأخر مهما كان قليلاً قد يكون خطراً على الحياة في بعض الحالات. وبعد تقديم الإسعافات الأولية للمصاب يجب على الطبيب أن يحاول معرفة نوع المادة السامة التي تعرض لها المصاب حتى يستطيع متابعة العلاج على الوجه الأمثل. ولما كانت المواد السامة المتداولة في الوقت الحاضر كثيرة جداً يصعب حصرها وكثيراً ما يضم المستحضر الجاهز مجموعة من المواد السامة في آن واحد فقد أحدثت كثير من الدول مراكز خاصة لمكافحة الانسمامات مهمتها جمع المعلومات عن مختلف السموم المتداولة في البلد تشمل تركيبها الكيمياوي وأعراض الانسمام بها وطرائق معالجتها، ووضع هذه المعلومات تحت تصرف المواطنين عامة والأطباء خاصة الذين يمكنهم الحصول عليها عن طريق الاتصال الهاتفي ليل نهار مما يسهل مهمتهم في تشخيص هذه الانسمامات ومعالجتها.
    يتبع في معالجة الانسمامات على اختلافها الخطوط العامة التالية:
    وقف امتصاص السم أو تأخيره ثم إخراجه من الجسم: عندما يدخل السم إلى الجسم عن طريق الفم يمكن تأخير امتصاصه بإعطاء المريض أحد السوائل التي تنقص من تركيزه في المعدة وتقلل بذلك من امتصاصه. والسائل المفضل في هذه الحالة هو الماء ويستحسن أن يضاف إليه الفحم النباتي النقي الذي يمتز المادة السامة ويمنع امتصاصها، وذلك بمقدار ملعقة صغيرة لكل كأس ماء. أما إخراج السم من المعدة فيتم عن طريق تحريض القيء بعد تخريش البلعوم أو إعطاء المقيئات مثل شراب الإيبيكا، أو عن طريق غسل المعدة بكمية كبيرة من الماء. ولا يستطب غسل المعدة أو تحريض القيء في الانسمام بالمواد الكاوية كالحموض والقلويات الشديدة خشية حدوث انثقاب المريء أو المعدة، وكذلك الأمر في الانسمام بالبترول ومشتقاته ولاسيما الكيروسين (زيت الكاز) خشية تسرب هذه المواد إلى المجاري التنفسية وحدوث التهابات رئوية خطيرة.
    وإذا دخل السم عن طريق الجلد تغسل الناحية التي تلوثت به بكمية غزيرة من الماء لجرف ما علق بالجلد من مادة سامة ومنع امتصاصها. أما إذا دخل السم عن طريق الاستنشاق فيكتفى بإخراج الشخص من الجو الذي يحوي الأبخرة أو الغازات السامة، وينشق الأكسجين ويجرى له التنفس الاصطناعي إن لزم الأمر.
    المعالجة العرضية والداعمة: وتتضمن تسكين الألم الذي قد يكون شديداً جداً وتعويض السوائل والشوارد التي يفقدها الجسم، وإنشاق الأكسجين وتطبيق التنفس الاصطناعي عند ظهور أعراض القصور التنفسي على المريض، إلى غير ذلك من التدابير التي تقتضيها حالة المصاب.
    إعطاء الترياق المناسب: الترياق هو الدواء الذي يعطى للمتسمم لتخليصه من الآثار السيئة الناجمة عن تناول السم. يتحد الترياق أحياناً بالمادة السامة فيفقدها خواصها السمية مثل الترياق الذي يعطى في الانسمام بالزئبق أو الزرنيخ (الترياق الكيمياوي). أو أن يكون للترياق تأثير فيزيولوجي معاكس لتأثير السم كالأتروبين الذي يعاكس تأثير المبيدات الحشرية الفسفورية (الترياق الفيزيولوجي). إلا أن الغالبية العظمى من السموم ليس لها مع الأسف دواء يمكن أن يطلق عليه هذا الاسم.
    المعالجة المنقّية: التي تهدف إلى تسريع طرح السم من الجسم ويتم ذلك إما عن طريق زيادة الإدرار البولي وما يتبع ذلك من زيادة طرح السم، ويشترط في تحقيق ذلك أن تكون وظيفة الكلية جيدة، وإما عن طريق تطبيق الكلية الصناعية أو التحال الصفاقي peritoneal dialysis عند وجود قصور في الكليتين.
    زياد درويش

  9. #519
    الأنسولين

    الأنسولين insulin هو هرمون متعدد الببتيد polypeptide يفرز من جزر لنغرهنس islets of Langerhans في البنكرياس[ر] (المعثكلة)، وهو الهرمون الخافض لسكر الدم. سمي هذا الهرمون بالأنسولين اشتقاقاً من كلمة insula اللاتينية وتعني الجزيرة، نسبة إلى جزر لنغرهنس.
    اكتشف الأنسولين عام 1921 في تورونتو Toronto بكندا، الطبيبان فريدريك بانتنغ Fredrick Banting وتشارلز بيست Charles Best، وقد مهد لهما الطريق إلى ذلك عمل الباحثين السابقين وجهدهم فقد وجدوا أن استئصال غدة البنكرياسيؤدي إلى ظهور الداء السكري عند حيوانات التجربة. ويعد اكتشاف الأنسولين من أهم الاكتشافات في الطب الحديث، وقد جلب الأمل للكثيرين من المرضى المصابين بالداء السكري الذين كانوا معرضين للموت المبكر نتيجة مرضهم ومن هنا كان استخدام الأنسولين في الطب علاجاً تعويضياً substitution therapy.
    تركيب الأنسولين
    الأنسولين بروتين طبيعي يتألف من 51 حمضاً أمينياً، تشكل سلسلتين، السلسلة آ وتتضمن 21 حمضاً أمينياً، والسلسلة ب وتتضمن 30 حمضاً أمينياً، يربط بين السلسلتين جسران من ثنائي الكبريتيدdisulfide bridgeوجسر مماثل إضافي يربط الحمض الأميني السادس بالحمض الأميني الحادي عشر من السلسلة آ (الشكل1). يختلف أنسولين الإنسان بعض الاختلاف عن الأنسولين الحيواني المستعمل في العلاج. فالأنسولين الخنزيري يختلف عن أنسولين الإنسان بحمض أميني واحد فقط، إذ يشغل الآلانين alanine مكان الثريونين threonin في الموضع 30 من السلسلة ب، أما الأنسولين البقري فيختلف عن أنسولين الإنسان بثلاثة حموض أمينية، الآلانين بدلاً من الثريونين في الموضع 8 من السلسلة آ وكذلك في الموضع 30 من السلسلة ب، والفالين valine بدلاً من الإيزولوسين isoleucine في الموضع 10 من السلسلة آ.
    إنتاج الأنسولين وإفرازه في البنكرياس
    تتوضع مورثة أنسولين الإنسان insulin gene على الذراع الصغير للصبغي رقم 11، ويتم أولاً تركيب جزيء طليعيpreproinsulin يتألف من سلسلة طويلة من الحموض الأمينية ووزنه الجزيئي 11.500، يتم تركيبه في الشبكة السيتوبلازمية الخشنة من خلايا بيتا في البنكرياس، ويدير تركيب الحمض الريبي النووي RNA الرسول المركب طبقاً للتعليمات الوراثية التي يحملها الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين DNA الذي يشكل المورثة. يفكك الجزيء الطليعي بعد تركيبه إلى طليعة الأنسولين proinsulin من قبل إنظيمات enzymes الجسيمات الصغرية (الميكروزومات) الخلوية ثم ينقل إلى جهاز غولجيGolgi حيث يختزن ويتحول إلى أنسولين.
    تفرز غدة البنكرياس الطبيعية نحو 40 - 50 وحدة من الأنسولين في اليوم، ويبلغ التركيز الأساسي للأنسولين في الدم في حالة الصيام نحو 10 ميكرو وحدة/مل. ويزداد إفراز الأنسولين بعد 8 - 10 دقائق من تناول الطعام ويصل إلى ذروة تأثيره بعد 30 - 40 دقيقة، ويعمل ذلك على تخفيف مستوى غلوكوز المصورة (البلازما) ليصل إلى حده الطبيعي بعد 90 – 120 دقيقة من تناول الطعام.
    يعد الغلوكوز أقوى محرض لإفراز الأنسولين، ويحتاج إفراز الأنسولين من خلايا بيتا إلى وجود شاردة الكلسيوم. ويؤثر في إفراز الأنسولين الكثير من العوامل الهرمونية والعصبية.
    مستقبلات الأنسولين وعمله
    يبدأ عمل الأنسولين بارتباط الأنسولين بمستقبل receptor موجود على سطح الغشاء الخلوي للخلية الهدف. إن معظم خلايا الجسم تملك مستقبلات نوعية للأنسولين في الكبد والنسيج الشحمي والعضلات. يرافق ارتباط الأنسولين بمستقبلاته ظهورُ استجابة له في هذه النسج. هذه المستقبلات ذات نوعية specificity عالية للأنسولين، كما أن ولعها بالأنسولين عالٍ لدرجة تمكنها من الارتباط به حتى لو كان موجوداً في الدم بتراكيز منخفضة.

    التأثيرات الاستقلابية للأنسولين: إن الوظيفة الأساسية للأنسولين هي تحريض الأنسجة على اختزان العناصر الغذائيةnutriments وخاصة الغلوكوز، ولا يحتاج بعض الأعضاء والأنسجة كالدماغ والكريات الحمر والأنابيب الكلوية وبطانة الأمعاء إلى الأنسولين ليتمكن من الاستفادة من السكر.
    التأثيرات الغدية للأنسولين: يؤثر الأنسولين على نحو أساسي في الكبد والعضلات والنسيج الشحمي.
    آ - التأثير في الكبد: العضو الأول المهم الذي يصل إليه الأنسولين المفرز من البنكرياس هو الكبد ويتضمن تأثير الأنسولين في الكبد التحريض على تركيب الغليكوجين وفي الوقت نفسه الحد من تحلله، كذلك يحرض الأنسولين على تركيب البروتين والشحوم الثلاثية الغليسريد triglycerides ويثبط استحداث السكر gluconeogenesis ويثبط من صنع الأجسام الخلونية ketogenesis.
    ب - التأثير في العضلات: ينشط الأنسولين تركيب البروتين في العضلات تنشيطاً أساسياً عن طريق زيادة دخول الحموض الأمينية إلى الخلية العضلية، وإضافة إلى ذلك ينشط تركيب الغليكوجين لتعويض الغليكوجين المستهلك في أثناء العمل العضلي، ويتم هذا عن طريق زيادة دخول الغلوكوز إلى داخل الخلية العضلية وما يتلو ذلك من تغيرات استقلابية، وتبلغ كمية الغليكوجين المختزنة في عضلات شخص وزنه 60كغ نحو 500 - 600غ.
    ج - التأثير في النسيج الشحمي: يعد ادخار الدهن أو الدسم fat أهم وسيلة لادخار الطاقة في الجسم ويعمل الأنسولين على ادخار الدهن في الخلايا الشحمية بعدة آليات:
    ـ يحرض على إنتاج خميرة ليباز البروتين الشحمي lipoprotein lipase وهي الخميرة المرتبطة بالخلايا البطانية في أوعية النسيج الشحمي وفي الأعضاء الأخرى، وهي تعمل على تحلل الشحوم الثلاثية الغليسريد الموجودة في الدوران.
    ـ يعمل الأنسولين على دخول الغلوكوز إلى داخل الخلايا الشحمية مما يوفر الغليسيرول الضروري لتركيب الشحوم.
    ـ يثبط الأنسولين تحلل الشحوم المختزنة وذلك بتثبيط خميرة الليباز داخل الخلوية المسماة الليباز الحساسة بالهرمون.
    الأنسولين في الحالات المرضية
    فرط الأنسولين: يفرز الأنسولين إفرازاً زائداً ويرتفع مستواه في الدم في الكثير من الحالات أهمها البدانة الشديدة التي ترافقها مقاومة لفعل الأنسولين، وفي الإصابة بأورام البنكرياس المفرزة للأنسولين المسماة أورام خلايا بيتا.
    أ - مقاومة الأنسولين: إن اضطراب عدد مستقبلات الأنسولين على سطح الخلايا واختلاف ولعها بالأنسولين يؤثر في عمل الأنسولين. وكذلك فإن ازدياد مستوى الأنسولين ازدياداً مستمراً كما يحدث في البدانة، وعند تناول كميات كبيرة من الأنسولين تزيد على حاجة الجسم وعند تناول كميات كبيرة من السكريات، يؤدي إلى نقص عدد المستقبلات وإلى تناقص ولعها بالأنسولين مما يخفف من تأثيره. أما الصيام والرياضة فيؤديان إلى مفعول عكسي ففيهما ينقص مستوى الأنسولين في المصل ويزداد تأثيره.
    ب - أورام البنكرياس المفرزة للأنسولين: يتميز ورم البنكرياس المفرز للأنسولين insulinoma بأنه ورم صغير، سليم في 90% من الحالات ومفرد غير منتشر في معظم الحالات ويتوضع في البنكرياس في 99% من الحالات، أما في 1% من الحالات فيكون هنالك انتقالات ورمية إلى أماكن أخرى من الجهاز الهضمي مثل جدار العفج (الأثنا عشري).
    ـ الأعراض: إن نقص السكر العفوي في حالة الصيام عند إنسان صحيح الجسم ولا يتناول أي أدوية يعود غالباً إلى إصابته بهذا الورم، والصورة النموذجية للحالة السريرية هي نقص السكر الذي يتجلى باضطراب في وظائف الجملة العصبية المركزية يشابه الصرع أو الأمراض النفسية أو نوب نقص التروية الدماغية. وبعض المرضى يتعلمون كيف يتخلصون من الأعراض بتناول الطعام. تشاهد البدانة عند 30% من المصابين بالأورام المفرزة للأنسولين.
    ـ التشخيص: العلامة المخبرية المميزة للورم المفرز للأنسولين هي استمرار ارتفاع الأنسولين على الرغم من انخفاض سكر الدم، ويتم عادة إجراء اختبار الصيام المديد تحت المراقبة في المستشفى، ويستمر الاختبار من 24 إلى 72 ساعة. وعندما تظهر أعراض نقص السكر على المريض يتم سحب عينة من الدم لمعايرة السكر والأنسولين وينهى الاختبار.
    ـ العلاج: عند ثبوت التشخيص بالاختبارات المناسبة يجرى العمل الجراحي المناسب لاستئصال الورم.
    عوز الأنسولين: الأنسولين هو الهرمون الأساسي الذي يعمل على إدخال السكر إلى داخل الجسم لتتم الاستفادة منه في العمليات الاستقلابية أو لاختزانه بشكل غليكوجين، أما في الداء السكري فيحصل اضطراب في إفراز الأنسولين أو في تأثيره.
    آ - النمط الأول من الداء السكري: أو الداء السكري المعتمد على الأنسولين يفقد فيه البنكرياس قدرته على إفراز الأنسولين بسبب تخرب الخلايا المفرزة ويكون عوز الأنسولين شديداً وتظهر جميع المظاهر العوزية وخاصة ارتفاع سكر الدم وزيادة تحلل الدسم وتركيب الأجسام الخلّونية في الكبد ويتجلى ذلك بحالة تسمى الحماض الخلّوني السكري diabetic ketoacidosis وهي حالة خطيرة تهدد الحياة، وتعالج هذه الحالة بالأنسولين والسوائل الوريدية ومحاليل الشوارد مثل الصوديوم والبوتاسيوم، وأحياناً الفوسفات، والبيكربونات، ويعد الأنسولين ضرورياً للحياة عند مرضى الداء السكري من النمط الأول.
    ب - النمط الثاني من الداء السكري: أو الداء السكري الكهلي أو غير المعتمد على الأنسولين، وهو نمط تنضم تحته نماذج كثيرة من الداء السكري تتميز جميعاً بكون الأنسولين غير ضروري للحياة فيها، إلا إذا فشل العلاج بالوسائل الأخرى كالحمية وخافضات السكر الفموية، ولا يتعرض المريض للحماض الخلوني السكري إذا لم يتناول الأنسولين إلا نادراً عندما يصاب بمرض حاد وشديد مثلاً. في هذا النمط من الداء السكري يغلب أن يكون مستوى الأنسولين في الدم طبيعياً أو مرتفعاً ولكن تقل فعاليته بسبب وجود مقاومة محيطية أو نقص في التأثير على الخلايا مع وجود كمية كافية في الدوران، ولهذه المقاومة آليات وأسباب مختلفة أهمها البدانة كما ذكر آنفاً.
    ج - الداء السكري الحملي: هو نمط من الداء السكري يظهر أثناء الحمل ويعد الأنسولين العلاج الأساسي فيه بسبب عدم إمكانية إعطاء خافضات السكر الفموية.
    الأنسولينات المستخدمة في المداواة
    المصادر: كان المصدر الوحيد للأنسولين المستعمل في العلاج إلى عهد قريب هو المصدر الحيواني، إذ استخلص الأنسولين من بنكرياس البقر والخنازير، أما اليوم فإن التقنيات المستخدمة لتصنيع الأنسولين المطابق في تركيبه لأنسولين الإنسان قد أصبحت متقدمة لدرجة كبيرة، ويتوقع أن يحل هذا الأنسولين محل الأنسولين الحيواني حلولاً تاماً في السنوات القادمة. تعتمد تقنيات صنع الأنسولين على ضم مورثة صنع الأنسولين البشري إلى مورثات جرثومة الإشريكية القولونية E.coliأو الفطرية السكرية الجعوية Saccharomyces cerevisiae وتقوم هذه الجراثيم أو الخمائر بصنع الأنسولين الذي يستخلص وينقى ويحضر بأشكال مختلفة للاستعمال.
    صفات الأنسولين المستخدم في المداواة: تختلف صفات الأنسولين حسب التركيز، ومدة التأثير والزمن اللازم لبدء التأثير، وطريق الإعطاء.
    آـ تركيز الأنسولين: يتوافر الأنسولين في معظم بلاد العالم بتركيز 100 وحدة/مل، وللاستعمال في حالات مقاومة بدن المريض للأنسولين يتوفر أنسولين عالي التركيز 500 وحدة/مل.
    ب - مدة التأثير وزمن البدء: تتوافر ثلاثة أصناف أساسية من الأنسولين يختلف بعضها عن بعض من حيث الزمن اللازم لبدء التأثير بعد إعطاء الزرقة والمدة القصوى للتأثير (الجدول رقم 1)

    نوع الأنسولين بدء التأثير ذروة التأثير مدة التأثير
    سريع التأثير نظامي regular 15-30 دقيقة 1-2 ساعة 5-7 ساعات
    متوسط التأثير لنت (بطيء)، بروتافان مونوتارد، إنسولاتارد NPH 2-4 ساعات 8-10 ساعات 18-24 ساعة
    منأخر التأثير الترالنت (بطيء جداً)، التراتارد 4-5 ساعات 8-14 ساعة 25-36 ساعة
    الجدول 1

    ـ الأنسولين سريع التأثير: الأنسولين النظامي regular insulin هو أنسولين سريع التأثير يبدأ تأثيره فور إعطائه زرقاً بالوريد أو بعد 15 دقيقة من زرقه تحت الجلد ويصل إلى ذروة تأثيره بعد 1 - 3 ساعات ويستمر تأثيره 5 - 7 ساعات وهو الصنف الوحيد الذي يمكن إعطاؤه وريدياً، وهو يستعمل في علاج حالات الحماض الخلوني السكري وعندما تكون الحاجة إلى الأنسولين متغيرة بسرعة، مثلاً خلال العمليات الجراحية أو عند الإصابة بمرض حاد، كما يستعمل ممزوجاً بالأصناف الأخرى أو وحده في علاج الداء السكري للحصول على تأثير سريع بعد الوجبات.
    ـ الأنسولين متوسط التأثير: يتوافر الأنسولين المتوسط التأثير intermediate acting بصنفين رئيسين:
    الأنسولين البطيء insulin lente وهو يعطى تحت الجلد فقط، يبدأ تأثيره بعد 2ـ4 ساعات من إعطاء الزرقة ويصل إلى ذروة التأثير بعد 8 -10 ساعات، ويستمر تأثيره من 18 إلى 24 ساعة. وفي معظم الأحيان يحتاج المريض إلى جرعتين يومياً للتمكن من ضبط مستوى السكر ضبطاً جيداً.
    أنسولين Neutral Protamine Hagedorn (NPH) يبدأ تأثيره أسرع قليلاً من الأنسولين البطيء ولكن ذروة التأثير ومدة الفعالية مماثلة له.
    ـ الأنسولين متأخر التأثير: يبدأ تأثيره بعد 4 - 5 ساعات من إعطاء الزرقة تحت الجلد ويصل إلى ذروة تأثيره بعد 8 - 14 ساعة ويستمر حتى 36 ساعة. وأنسولين الإنسان منه يملك مدة تأثير أقل قليلاً أي نحو 24 - 28 ساعة. يستعمل هذا النوع من الأنسولين لتزويد الجسم بمستوى قاعدي من الأنسولين. وتعطى جرعات كثيرة قبل الوجبات من الأنسولين النظامي في محاولة ضبط مستوى السكر ضبطاً جيداً.
    ـ الأنسولين الممزوج: تسهيلاً للصعوبات التي قد تواجه في بعض المرضى في خلط الأنسولين فقد تم إنتاج أنسولين ممزوج mixed بنسب ثابتة من الأنسولين نصف المتأخر والنظامي ويتوافر بنسب 70% نصف متأخر و30% نظامي وأحياناً بنسب أخرى مثلاً 80: 20 و100: 90.
    طرق إعطاء الأنسولين
    يعطى الأنسولين زرقاً، وهو غير فعال عن طريق الفم. والأنسولين النظامي يمكن أن يعطى عن طريق الزرق الوريدي أو العضلي أو تحت الجلد أما الأصناف الأخرى فلا تعطى إلا تحت الجلد. وثمة دراسات على إعطاء الأنسولين رذاذاً في الأنف.
    محاقن الأنسولين والإبر (الشكل 2): تستعمل محاقن سعة 1مل وهي مدرجة بحسب تركيز الأنسولين المستعمل، فالأنسولين ذو التركيز 40 وحدة/مل يزرق بمحقنة سعة 1مل مقسمة إلى 40 تدريجة تعادل كل تدريجة منها وحدة واحدة من الأنسولين. أما الأنسولين ذو التركيز 100وحدة/مل فيحقن بمحقنة سعة 1مل مقسمة إلى 100 تدريجة تعادل كل تدريجة وحدة واحدة من الأنسولين. يجب دائماً اختيار المحقنة المناسبة لتركيز الأنسولين للحيلولة دون وقوع المريض في خطأ في قياس الجرعة المتناولة، وفي حال عدم توافر المحقنة المناسبة يمكن اتباع القواعد التالية:
    ـ إذا كان تركيز الأنسولين 100 وحدة/مل وتدريجات المحقنة 40 تدريجة/مل فإن كل تدريجة على المحقنة تعادل 2.5 وحدة من الأنسولين.
    ـ إذا كان تركيز الأنسولين 40 وحدة/مل وتدريجات المحقنة 100 تدريجة/مل فإن كل تدريجة على المحقنة تعادل 0.4 وحدة من الأنسولين.
    توجد محاقن للأنسولين ذات سعات صغيرة وتدريجات عريضة مما يسهل إعطاء الجرعات الصغيرة ويقلل من خطأ القياس ما أمكن كما توجد في بعض البلاد مكبرات تسهل على ضعاف البصر رؤية التدريجات الدقيقة على المحقنة.


    مواضع الزرق
    أي مكان في الجسم مغطى بجلد حر ورخو يمكن أن يصلح لحقن الأنسولين وتستعمل على الخصوص المواضع التالية: جلد البطن، الوجه الأمامي للفخذ، الوجه الجانبي للعضد، الخاصرتان، الربع العلوي الوحشي أي الخارجي للأليتين. يكون امتصاص الأنسولين أسرع في الأماكن العليا من الجسم منه في الأماكن الأخرى مثل الفخذ والألية. وبسبب اختلاف سرعة الامتصاص من مكان إلى آخر وتأثير ذلك على ضبط السكر، ينصح بعدم تبديل منطقة الحقن تبديلاً مستمراً، وإنما يبدل مكان الحقن ضمن منطقة واحدة. مثلاً يمكن دائماً استعمال جلد البطن لحقن جرعة الأنسولين الصباحية ويغير مكان الحقن ضمن تلك المنطقة يومياً، ويستعمل جانب العضد لإعطاء الجرعة المسائية ويغير مكان الحقن ضمن تلك المنطقة من يوم إلى آخر ويمكن الانتقال من العضد الأيمن إلى الأيسر وبالعكس دون أن يغير ذلك من سرعة الامتصاص.
    إعطاء الأنسولين في الأنف: توجد دلائل أولية على إمكانية إعطاء الأنسولين رذاذاً في الأنف، وتفيد هذه الطريقة في التقليل من ارتفاع سكر الدم بعد الوجبات، ولكن المزيد من العمل والبحث مطلوب قبل أن تصبح الطريقة شائعة، كما أن المستحضرات الخاصة بهذه الطريقة غير متوافرة.
    أجهزة إعطاء الأنسولين
    إضافة إلى المحاقن المعروفة طورت أجهزة حديثة لإعطاء الأنسولين:
    جهاز إعطاء الأنسولين ذو الدارة المغلقة: هو جهاز آلي يعمل بمساعدة الحاسوب. يتصل بوريد يتم منه سحب عينات من الدم سحباً متكرراً. يقوم الجهاز بقياس مستوى سكر الدم فيها ثم يحقن جرعات مناسبة من الأنسولين لكي يحافظ على سكرالدم ضمن مستوى محدد، وقد نجح استعمال هذا الجهاز في تدبير الحالات الحادة المؤقتة مثل الحماض الخلوني السكري وفي العمليات الجراحية. أما الاستعمال الدائم فصعب بسبب الحجم الكبير للجهاز وضرورة اتصاله بالوريد اتصالاً دائماً. وتجري محاولات لتطوير أجهزة صغيرة ذات صفات مماثلة ويمكن زرعها تحت جلد البطن ولكن المشكلة التي تواجه هذه النماذج من المضخات هي تعطل المسبار probe الذي يدخل أحد الأوردة بسبب تراكم الليفين fibrin فوقه.
    جهاز إعطاء الأنسولين ذو الدارة المفتوحة: ويسمى كذلك لأنه يعطي الأنسولين بحسب التعليمات المعطاة من قبل المريض ولا يقوم بسحب الدم لقياس سكر الدم ويوجد منه صنفان:
    أ - مضخة الأنسولين المحمولة: هي مضخة صغيرة الحجم تقدر بحجم راحة اليد، تحوي مستودعاً للأنسولين بشكل المحقنة وتتصل بالجسم بأنبوب لدن (بلاستيكي) رفيع وإبرة تغرز تحت الجلد ويبدل موضعها كل عدة أيام. ويمكن برمجة المضخة لإعطاء كمية ثابتة من الأنسولين باستمرار، إضافة إلى إعطاء جرعات مناسبة قبل الوجبات، واستعمالها يحتاج إلى عناية وانتباه، وقد يؤدي انثناء الأنبوب الواصل بين المضخة ومكان الزرق أو نزع هذا الأنبوب من مكان دخوله تحت الجلد، إلى توقف وصول الأنسولين إلى الجسم وارتفاع شديد في سكر الدم.
    ب - مضخة الأنسولين المزروعة: هناك نتائج مشجعة لاستعمال مضخة الأنسولين التي تزرع تحت جلد البطن وتتصل بأنبوب دقيق يفرغ الأنسولين في جوف الصفاق (البريتوان)، ويمكن ملء مستودع الأنسولين فيها بمحقنة عبر جلد البطن، وتتم السيطرة على عمل المضخة وإعطائها الأوامر بوساطة موجات راديوية باستعمال جهاز خاص مقترن بالمضخة، إذ يقوم المريض بتعديل نظام عمل المضخة بحسب الخطة الموضوعة من قبل الطبيب وبحسب نتائج تحليل سكر الدم المتكرر والذي يبلغ عدة مرات يومياً.
    محقنة الأنسولين بشكل القلم: تتألف هذه المحقنة من زجاجة أنسولين توضع ضمن حامل بشكل قلم الكتابة وتركب على رأسه إبرة الحقن، ويمكن تحديد كمية الأنسولين بالوحدات قبل الحقن، وكلما فرغت زجاجة الأنسولين استبدل بها واحدة جديدة. تفيد هذه المحقنة في إعطاء الأنسولين للمرضى الذين يحتاجون إلى جرعات متعددة يومياً ويخفف من حمل الزجاجات العادية والمحاقن.
    زرع الخلايا المفرزة للأنسولين وزرع البنكرياس: هذه الطريقة معروفة لتوفير بديل للبنكرياس العاجز عن إفراز الأنسولين إفرازاً كافياً، ولكن لم تلق النجاح بسبب المخاطر الشديدة والتأثيرات الجانبية الناجمة عن الاستعمال الدائم لمثبطاتالمناعة التي لابد منها لمنع الرفض المناعي للأعضاء أو الخلايا المزروعة.
    حفظ الأنسولين
    إن حفظ الأنسولين ليس بالمشكلة الصعبة. يجب أن تحفظ زجاجات الأنسولين الإضافية في البراد بدرجة +4 مئوية تقريباً، ويجب الانتباه إلى منع تجمد الأنسولين فالتجميد أسهل وسيلة لإزالة فعالية الأنسولين. أما الزجاجة التي هي قيد الاستعمال فيمكن حفظها في درجة حرارة الغرفة على أن لا تزيد درجة الحرارة على 24 درجة مئوية، في هذه الشروط يمكن أن يبقى الأنسولين فعالاً من 6ـ 8 أسابيع كما يجب عدم تعريض الأنسولين لأشعة الشمس المباشرة.
    بعد إنتهاء مدة الفعالية المكتوبة على الزجاجة يفقد الأنسولين فعاليته فقداناً تدريجياً بطيئاً لا فقداناً كاملاً فورياً، ويجب فحص زجاجة الأنسولين عند كل استعمال فقد تظهر ترسبات في بعض أصناف الأنسولين (أنسولين NPH). وإذا ما استعملت الزجاجة مدة طويلة أو تعرضت لرج متكرر فقد تظهر جزيئات صغيرة ترسب على جوانب الزجاجة، في هذه الحال يجب رمي الزجاجة واستعمال عبوة جديدة.
    جرعات الأنسولين
    الطبيب المعالج هو المسؤول الوحيد عن تحديد الجرعات المناسبة لكل مريض على حدة، ولا ينصح المريض بتعديل الجرعة إلا وفق المعايير التي يوصي بها الطبيب.
    غسان حمص

  10. #520
    الإنعاش

    الإنعاش réanimation بمعناه الواسع مجموعة الطرائق والتقنيات القادرة على إعادة المريض المخطر أو الجريح المخطر إلى الحياة، وبمعناه الحديث فن تطبيق المعلومات الطبية في دعم تركيب الوسط الداخلي صنعياً.
    وتستخدم في سبيل الإنعاش كل وسائل التنفس الصناعي، وتسريب الماء والشوارد والبروتين إلى الدم، وتنقيةُ فضلات الاستقلاب، والأدويةُ الواقية والمنبهة.
    ولما كان الإنعاش يتطلب درجة من الاختصاص فقد أحدثت شعب مختلفة لكل اختصاص كالإنعاش القلبي والكلوي والجراحي والطبي. ولكن مراكز الإنعاش العام الكبيرة تستقبل المرضى المصابين بآفات شديدة التنوع من التسمم بأوكسيد الفحم حتى الحروق والصدمات الجراحية والقصور الكلوي وغير ذلك.
    لمحة تاريخية
    حاول فزاليوس Vesalius في القرن السادس عشر إجراء الإنعاش القلبي بنفخ الهواء في الرغامى بوساطة أنبوبة من القصب. ولم يظهر أي اهتمام بموضوع الإنعاش حتى القرن الثامن عشر، حين أقبل الأوربيون على التبرع لأعمال الخير فأثمر ذلك بناء كثير من المشافي وتأسيس جمعيات ذات أهداف إنسانية.
    ففي عام 1767 تأسست في أمستردام جمعية إنقاذ الغرقى ثم قامت في باريس بعد أربع سنوات جمعية خيرية ذات غايات إنسانية. ولم تمضِ ثلاث سنوات حتى ظهرت الجمعية الإنسانية الملكية في إنكلترة. وقد عممت على الناس تعليمات عن طرائق إنعاش الغرقى بهزهزة أطرافهم وتدفئتها ووضع المصاب بين شخصين أو بدسه في رماد ساخن.
    وفي عام 1796 نشر العالمان الدنماركيان هيربولت وراسن Herbeld & Rasn كتيباً عنوانه «تدابير منقذة لحياة الغرقى ومعلومات عن أنجع الطرق لإعادة الحياة لهم» فيه وصف لعملية التنفس الصنعي من الفم للفم وإصرار على أهمية تنظيف طريق الهواء وإغلاق الأنف وذكر لإدخال أنبوبة في الرغامى وخزع الرغامى.
    وأول من نصح بإجراء التنفس الصنعي بضغط الصدر لوروا ديتوال Leroy d'Étoiles في فرنسة عام 1829 وبعده بمدة وجيزة أوصى الجراح الإنكليزي دالريمبل Dalrymple بوضع أرجوحة عريضة حول الصدر يؤدي شدها وإرخاؤها إلى دخول الهواء إلى الصدر وخروجه منه. وفي عام 1856 وصف مارشال هول Marshall Hall طريقته التي تتلخص في دحرجة المريض بعد وضعه على جانبه والضغط على ظهره كلما أخذ وضع الاستلقاء البطني.
    وبعد سنة من هذا التاريخ نشر هنري سيلفستر Henry Silvester طريقته التي تتلخص برفع الساعدين ببطء سعياً وراء تبعيد الأضلاع والسماح للهواء بدخول الصدر ثم إعادتهما إلى الجانب وضغط الصدر بهما. وفي عام 1904 نشر شافر Schaferنتائج تجاربه على الكلاب وعلى متطوعين توقف تنفسهم بعد إجراء فرط للتنفس فقد أشار بوضع المريض على بطنه ورأسُه مدارٌ إلى الجانب ثم الضغط على الناحية السفلية من الصدر ضغطاً متواتراً. أما الكولونيل هالغرنيلسن Helger Nielsen من الدنمارك فإنه نشر طريقة جديدة عام 1932 تتلخص بجلوس المسعف خلف رأس المصاب ويجري الزفير بالضغط على الناحية السفلية من الصدر ويحدث الشهيق برفع ساعدي المصاب إلى الأعلى من المرفقين.
    تطور معنى الإنعاش
    تبدل مدلول كلمة الإنعاش على مر الزمن ففي حين كانت تعني في القرن الثامن عشر إنقاذ الغرقى من الموت وإعادة الحياة إلى من أشرف منهم على الهلاك، أصبحت إبان الحرب العالمية الثانية تعني نقل الدم للجرحى النازفين. وقد ظهرت كلمة إنعاش أول مرة في العصر الحديث على أبواب وحدات العناية المتخصصة مضافة إلى كلمة نقل الدم. وهكذا ولد الإنعاش الحديث تحت الخيام الصحية للجيوش المتحاربة بين عامي 1944 و1945.
    وفي فترة ما بعد الحرب في أوائل الخمسينات أطلق الفرنسيون كلمة الإنعاش الطبي réanimation médicale على كل التدابير والمعالجات التي تهدف إلى إعادة الوظائف الحيوية لمختلف الأجهزة المضطربة فأطلقت كلمة إنعاش تنفسي على الأعمال التي تسعى إلى توفير التنفس بوساطة بديل عن الرئة، وكلمة إنعاش دوراني على نقل الدم والسوائل وحقن رافعات الضغط، وإنعاش هضمي على إيقاف القيء وإعطاء الغذاء عن طريق الوريد أو المستقيم أو القثطرة الأنفية، وإنعاش كلوي على معالجة انقطاع البول أو تطبيق الكلية الاصطناعية مما حدا بهامبورجيه Hamburger إلى تعريف الإنعاش بأنه فرع من فروع الطب يتضمن مجموع الأعمال العلاجية التي من شأنها المحافظة على التوازن الخلطي أقرب ما يكون إلى الحالة الطبيعية في أثناء الحالات المرضية الحادة مهما كان سببها. ولكن سرعان ما تبدل هذا المفهوم، إذ أطلق الأمريكيون كلمة العناية المشددةعلى جميع تلك المعالجات سواء منها الجراحية أو الداخلية التي تتطلب خبرات متعددة وعناية من اختصاصيين متعددي الاهتمامات.
    وهكذا تقلص معنى كلمة إنعاش منذ أوائل الستينات وأصبحت تعني على وجه التخصيص الإنعاش القلبي الرئويcardiopulmonary resuscitation الذي يرمز له بأحرفCPR .
    أسس الإنعاش الحديث
    استند نشوء الإنعاش القلبي الرئوي وتطوره إلى الأفكار والمعارف القديمة التي أعيد كشفها وسبر أغوارها في الخمسينات من القرن العشرين وقد كانت مسارح العمليات الحربية إبّان الحرب العالمية الثانية وحربي كورية وفييتنام ميادين لإجراء الاختبارات وتطبيق الخبرات المكتسبة، فقد أعيد كشف التهوية الصنعية بالضغط المتناوب intermittent positive pressure ventilation الذي يرمز له بأحرف IPPV الذي بدأه فزاليوس Vesalius عام 1543، كما أعيد تقويم التنفس من الفم إلى الفم الذي تكلم عليه توساش Tossach عام 1771، وتأكد لدى إيلام Elam عام 1954 أن هواء الزفير صالح للتنفس، وأقام سافار Safarعام 1958 الدليل على أن التهوية بهواء الزفير (ودون أدوات) أفضل من طريقة الضغط على الصدر ورفع الساعدين، وأعيد كشف الضغط القلبي الخارجي وتطويره من قبل كوينهيفن Keuwenheven عام 1960، وكشف بيك Beek عام 1947 نزع الرجفان fibrillation القلبي الداخلي، كما كشف زل Zell عام 1956 نزع الرجفان الخارجي، وثبتت فائدة تعليم الجمهور الإنعاش على دمى شبيهة بالإنسان من تصميم ليردال Laerdal عام 1960.
    الأسس الفيزيولوجية للإنعاش القلبي الرئوي
    تتوقف الحياة العضوية على دوران الدم في النسج. ويترافق توقف القلب أو قصوره الوظيفي مع حالة قابلة للانعكاس تتوسط بين الحياة والموت تسمى الموت السريري أو الظاهر، وتتطلب تدخلاً فورياً يعيد الوظيفة القلبية الدورانية أو يكون بديلاً عنها ريثما تستعيد عفويتها، وتبعاً لسرعة هذه المعالجة وكفايتها يمكن تحاشي إلحاق الأذى بأجهزة أخرى ولاسيما المخ. والسبب الرئيسي لتأذي أي جهاز هو عوز الأكسجين، أي اضطراب التنفس الخلوي في النسج، لذلك يجب توجيه الإنعاش نحو تصحيح الاستقلاب على مستوى الخلايا والأجهزة في الوقت نفسه بدءاً بالجهاز القلبي الرئوي لأنه هو الذي يمد الخلايا بالأكسجين وبالمواد اللازمة لتوليد الطاقة، ويضمن طرح النفايات الاستقلابية الحامضة. لذا كان لاستمرار عمل هذا الجهاز واستعادته لوظيفته بسرعة عند حدوث أي خلل الشأن الكبير. أحدث تطبيق الإنعاش القلبي الرئوي (CPR) إبّان العقدين الماضيين تبدلاً جذرياً في تدبيره وفي إنذاره prognosis ، فقد تبين أن ضغط القلب الخارجي ضغطاً جيداً يوفر بين 20-40% من المردود القلبي الطبيعي (ما يقرب من 1ـ1.5 ليتر/دقيقة) حين يكون متوسط الضغط الشرياني بين 30-40ملم/زئبق. وإن جريان الدميتطلب ضغطاً محيطياً شريانياً وريدياً متدرجاً gradient ويعتقد أن تناقص الضغط الدموي المتزايد في أثناء ضغط القلب الخارجي ينتج من الاختلاف في نسبة وهط الأوعية ويعكس انخفاض الضغط الصدري عندما ينتقل إلى الشرايين والأوردة خارج الصدر.
    فأول ما أدخلت طريقة «تمسيد القلب» ساد الاعتقاد بأن فائدتها ناجمة عن ترتيب البنى التشريحية للمنصف mediastinumوانتشرت الفكرة التي تقول إن انخفاض عظم القص يؤدي إلى ضغط أجواف القلب بين عناصر المنصّف الخلفية والعمود الفقري مما يدعو إلى تدفق الدم وجريانه، ولكن اتضح مؤخراً على نحو مقنع أن جريان الدم الشرياني واستمرار تقدمه يتم بسبب رفع الضغط الدموي العام داخل الصدر، وقد يسهم ضغط القلب في ذلك أحياناً، كما أكد عدد من المشاهدات أن ارتفاع الضغط الدموي المرحلي داخل الصدر هو القوة المحركة في الإنعاش القلبي الرئوي، وثبت عجز القلب عن العمل كمضخة وحيدة الاتجاه لأن جميع دساماته تكون بحالة قصور شديد.
    وقد أظهر تصوير الأوعية أن البطين الأيسر يحافظ على حجمه الصغير الثابت نسبياً طوال دورة الضغط الدموي الخارجي، وأوضحت مناظرة monitoring دينميات الدم في أثناء الإنعاش تساوي الضغط في الوريد الأجوف العلوي والبطين الأيمن والشريان الرئوي والبطين الأيسر والأبهر. والمفهوم السائد في الوقت الحاضر يؤكد أن القلب ممر منفعل يجري فيه الدمالشرياني بسبب ارتفاع الضغط العام داخل الصدر في أثناء دورة الضغط.
    ومع أن مفهوم المضخة الصدرية تفسير فيزيولوجي صحيح لآلية المردود القلبي في أثناء الضغط الصدري المغلق فإنه ليس بالتفسير النهائي في الوقت الحاضر.
    أما الإنعاش الرئوي فيبدأ بفتح الطريق الهوائي وتوفير التهوية بهواء الزفير، ففي الحالة الطبيعية يحتوي الهواء المستنشق على20.94 حجماً % من الأكسجين و0.04 حجماً % من ثاني أوكسيد الكربون، أما هواء الزفير فيحتوي تقريباً على 15.5حجماً% من الأكسجين و4% حجوم من ثاني أوكسيد الكربون. وقد يتوصل المريض إذا ما أجرى فرطاً في تهويته الذاتية إلى رفع محتوى هواء زفيره من الأكسجين إلى 18 حجماً مع تنزيل نسبة ثاني أوكسيد الكربون إلى حجمين % مما يغني تركيز الأكسجين الذي سيستنشقه المريض fraction of inhalated oxygen الذي يرمز له بأحرف (FIO2)، إضافة إلى أن الهواء سيصل إلى المريض بقوة تعادل 70سم من عمود الزئبق وبحجم تبادلي يراوح بين 1000- 1250مل، وقد وجد أن التهوية الصنعية بالضغط الإيجابي إذا ما أجريت على نحو سوي ودون أدوات تنفسية تمكن من الوصول بضغط الأكسجين الشرياني القسميarterial O2 tension (PAO2) إلى أكثر من 75ملم من عمود الزئبق (إشباع الهموغلوبين من الأكسجين بنسبة 90%)، وضغط ثاني أكسيد الكربون الشرياني القسمي arterial CO2 tension (PACO2) بين 30- 40 مم من الزئبق، وقد أثبتت دراسات كثيرة على الإنسان والحيوان أن هذه المعالم الرئوية كافية لتأمين التهوية وأكسجة النسج.
    تطبيق الإنعاش
    يتم الإنعاش في ثلاث مراحل: ففي المرحلة الأولى يجب توفير التهوية الرئوية المجدية والاستمرار فيها حتى يتمكن المصاب من القيام بها بنفسه، وذلك بفتح طريق الهواء بإمالة الرأس نحو الخلف، ورفع الرقبة ودفع الذقن إلى الأمام، وتنظيف الفم والبلعوم بالإصبع، ومص المفرزات من البلعوم، وتنبيب البلعوم وتنبيب الرغامى، ومص المفرزات الرغامية القصبية وخزع الرغامى إن لزم الأمر ويلي ذلك توفير الدوران الصنعي بالضغط على القلب والسيطرة على النزف ورفع الطرفين السفليين لمعالجة الصدمة، ويجب الاستمرار في هذا العمل الإسعافي مدة لا تقل عن ساعة (حين وجود القناعة بأن الحالة قابلة للإنقاذ).
    وفي المرحلة الثانية يتم الدعم المتقدم للحياة، واستعادة الدوران التلقائي، واستقرار الجهاز القلبي الرئوي ونقل الأكسجين الشرياني نقلاً قريباً من الطبيعي إلى كل الأجهزة والنسج المحيطة وذلك بإعطاء الأدوية والمصول عن طريق الوريد، وتخطيط القلب ومعالجة الرجفان بالصدمة الكهربائية.
    أما المرحلة الثالثة فتهدف إلى تطبيق العناية المشددة التالية للإنعاش، وتحديد سبب توقف القلب ومعالجته، ودراسة إمكانات إنقاذ المريض، وبذل الجهد لمعالجة الاضطراب الفكري، بتطبيق طرائق جديدة في إنعاش المخ إضافة إلى إطالة أمد العناية إلى أن يستعيد المريض وعيه، أو يتفق رأي الأطباء على كتابة شهادة بموت الدماغ، وتتكوَّن لديهم القناعة بأن الإصابات المرافقة بليغة لدرجة تجعل أي جهود إنعاشية إضافية مضيعة للوقت.

    برهان العابد

صفحة 52 من 146 الأولىالأولى ... 2425051 52535462102 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال