صفحة 50 من 146 الأولىالأولى ... 404849 50515260100 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 491 إلى 500 من 1457
الموضوع:

( علم الاحياء ) بكل مصطلحاتة ومفاهيمة وتراكيبة العلمية ستجدها هنا - الصفحة 50

الزوار من محركات البحث: 64845 المشاهدات : 321994 الردود: 1456
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #491
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسوبوتاميا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 41,243 المواضيع: 3,594
    صوتيات: 132 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 44349
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: حي الله
    آخر نشاط: منذ ساعة واحدة
    مقالات المدونة: 19
    الأذن في الإِنسان
    الأذن ear عضو السمع وتسهم أيضاً في حفظ توازن الجسم. بنية الأذن تتألف من أذن ظاهرة وأذن وسطى وأذن باطنة. تشمل الأذن الظاهرة الصيوان ومجرى السمع الظاهر. يتألف الصيوان في معظمه من غضروف مجعد يستره جلد رقيق خال من طبقة شحمية واقية ويتشكل متأخراً في الحياة الجنينية. أما مجرى السمع الظاهر فيمتد من الصيوان إِلى الأذن الوسطى طوله وسطياً 30-35مم وفيه تضيّق على بعد 7مم من نهايته العميقة, قسمه الخارجي غضروفي وقسمه الداخلي عظمي, يستره جلدٌ سميك يحمل أشعاراً في الخارج, وجلدٌ رقيق خالٍ من الأشعار في الداخل حيث ينتهي بغشاء الطبل الذي يفصله عن الأذن الوسطى.
    (الشكل -1) الأذن الوسطى

    وغشاء الطبل يقع في النهاية العميقة لمجرى السمع الظاهر ويشكل جزءاً من الجدار الخارجي للأذن الوسطى, مساحته نحو 90مم2 يميل إِلى الأسفل والداخل, ثلثه العلوي رقيق ورخو نسبياً وقسمه السفلي متين ومشدود لاحتوائه طبقة ليفية. يتألف محيطه من حلقة ليفية تثبت في ميزابة عظمية, وتلتصق على وجهه الداخلي قبضة المطرقة إِحدى عظيمات الأذن الوسطى. والأذن الوسطى جوف له ستة وجوه: الوجه الخارجي يتألف معظمه من غشاء الطبل. والوجه الأمامي يمتد منه أنبوب طويل إِلى البلعوم الأنفي يسمى نفير أوستاش, والوجه الداخلي يحوي في منتصفه بروزاً يسمى الطنف, تقع النافذة البيضية خلفه من الأعلى والنافذة المدورة خلفه من الأسفل, وتصل هاتان النافذتان الأذن الوسطى بالأذن الداخلية. ويسير العصب الوجهي (القحفي السابع) في أعلى هذا الوجه فوق النافذة البيضية في أنبوب عظمي يسمى قناة فالوب, والوجه الخلفي يحوي فتحة تصل الأذن الوسطى بخلايا النتوء الخشائي. تحوي الأذن الوسطى ثلاث عظيمات: المطرقة ولها قبضة تنطمر في غشاء الطبل وتهتز معه وتنتهي القبضة في الأعلى بعنق يتلوه رأس يقع في القسم العلوي من جوف الأذن الوسطى, والسندان وله جسم يتمفصل مع رأس المطرقة مشكلاً معه كتلة واحدة, ونتوءاً قصيراً يمتد إِلى الخلف ويشكل محوراً للحركة, ونتوءاً طويلاً يمتد إِلى الأسفل مع رأس العظم الثالث الذي يسمى الركاب لأنه يشبه ركاب الخيل, له رأس يتمفصل مع النتوء الطويل للسندان وسويقتان أمامية وخلفية تحصران بينهما فراغاً وقاعدة بيضوية الشكل تنطبق انطباقاً تاماً على النافذة البيضية وتغلقها ويصل بينهما رباط يسمح بحركة القاعدة ضمن النافذة البيضية لتنقل الاهتزازات إِلى الأذن الداخلية. وفي الأذن الوسطى عضلتان: عضلة المطرقة أو موترة غشاء الطبل عملها توتير هذا الغشاء بجذب قبضة المطرقة إِلى الداخل, وعضلة الركاب وهي أصغر عضلة في الجسم عملها جذب الركاب إِلى الخلف لتخفف اهتزازه عند التعرض للأصوات الشديدة فتحمي بذلك الأذن الداخلية. ونفير أوستاش الذي ذكر سابقاً أنبوب يمتد من الوجه الأمامي للأذن الوسطى إِلى الجدار الجانبي للبلعوم الأنفي طوله نحو 3سم, ثلثه القريب من الأذن عظمي وثلثاه الباقيان غضروفيان, وهو مغلق دوماً إِلا عند القيام ببعض الحركات كالبلع فيفتح مدة وجيزة جداً كافية لتوازن الضغط في الأذن الوسطى مع الضغط الخارجي على نحو يصبح معه الضغط متعادلاً على وجهي غشاء الطبل. أما الأذن الباطنة وتسمى التيه لتركيبها المعقد فتتوضع في صخرة العظم الصدغي, وتتألف من تيه عظمي وتيه غشائي. يتألف التيه العظمي من تجاويف في عظم الصخرة مملوءة بسائل يسمى اللمف المحيطي ويتألف من الأقنية نصف الدائرية الثلاث والدهليز والحلزون. يدور الحلزون دورتين ونصف حول عمود مركزي ترتكز عليه صفيحة عظمية حلزونية تمتد إِلى الخارج ويتصل بنهايتها غشاء يصل إِلى الجدار الخارجي يسمى الغشاء القاعدي فيقسم الحلزون بذلك قسمين منفصلين: قسم علوي يسمى المنحدر الدهليزي يتصل بالنافذة البيضية وقسم سفلي يسمى المنحدر الطبلي يتصل بالنافذة المدورة. يتصل المنحدران بمجرى ضيق عند ذورة الحلزون. ويتصل التيه العظمي بالمسافة تحت العنكبوتية في الدماغ بقناة تسمى القناة المائية الحلزونية يتصل بوساطتها اللمف المحيطي بالسائل الدماغي الشوكي. أما التيه الغشائي فيقع ضمن التيه العظمي وهو أصغر منه بكثير ويتألف من الأقنية نصف الدائرية الثلاث ومن القُريبة والكييس وتتوضع في الدهليز, ومن الحلزون. يملأ التيه الغشائي سائل يسمى اللمف الداخلي الذي يختلف تركيبه عن تركيب اللمف المحيطي. تتوضع كل من الأقنية نصف الدائرية الثلاث بشكل عمودي على القناتين الأخريين وتسمى إِحداهما القناة الأفقية والثانية القناة الخلفية والثالثة القناة العلوية, تنفتح كلها على القُريبة حيث تتسع كل منها قرب القُريبة محدثة ما يسمى المجل أو الأنبورةampulla وفي المجل يقع القسم الوظيفي حيث توجد تشكيلة تسمى القنزعة المجلية فيها خلايا مهدبة تقع أهدابها بتماس كتلة هلامية خفيفة معلقة في اللمف الداخلي تسمى القديح تتحرك بتحرك اللمف الداخلي. يحوي كل من القُريبة والكييس لطخة فيها العناصر الحساسة وهي خلايا مهدبة تقع أهدابها بتماس لوحة من مادة هلامية تحوي ذرات ثقيلة من أملاح الكلس تسمى الرمال الأذنية وهي بثقلها تجعل الطبقة الهلامية تطبق ضغطاً على أهداب الخلايا المهدبة يختلف باختلاف وضعية الرأس. والحلزون الغشائي يحده الغشاء القاعدي الذي يفصله عن المنحدر الطبلي من جهة وعن المنحدر الدهليزي - غشاء رقيق يسمى غشاء رايسز - من الجهة الأخرى. تتوضع على الغشاء القاعدي العناصر الحساسة في تشكيلة تسمى عضو كورتي ويتألف من نفق تتوضع في منتصفه وعلى الجانبين الخلايا المهدبة الحساسة تدعمها خلايا داعمة. وتقع أهداب الخلايا المهدبة بتماس غشاء رقيق يسمى «الغشاء الماس». تمتد من كل من القُريبة والكييس قناة تلتقي بالقناة الأخرى وتشكلان قناة واحدة تسمى قناة اللمف الداخلي تسير في عظم الصخرة وتتسع في نهايتها لتشكل انتفاخاً يسمى كيس اللمف الداخلي الذي يتوضع على الوجه الخلفي العلوي للصخرة تحت السحايا مما يجعله تحت ضغط السائل الدماعي الشوكي ويتعادل بذلك ضغط اللمف الداخلي وضغط اللمف المحيطي. وظيفة الأذن للأذن وظيفتان: السمع والإِسهام في حفظ التوازن. السمع: يفيد الصيوان لتعيين مصدر الصوت من الأمام أو من الخلف. وتدخل الأمواج الصوتية التي يحملها الهواء مجرى السمعالخارجي وتصطدم بغشاء الطبل فتهزه, وتهتز باهتزازه قبضة المطرقة المنطمرة فيه وينتقل الاهتزاز إِلى عظم السندان فعظم الركاب, الذي يؤدي اهتزاز قاعدته المنطبقة على النافذة البيضية إِلى اهتزاز اللمف المحيطي الموجود على جدارها الداخلي في الأذن الباطنة, وبذلك تنتقل الاهتزازات الصوتية من اهتزازات هوائية إِلى اهتزازات سائلة في اللمف المحيطي بوساطة غشاء الطبل وعظيمات السمع الثلاث. ويؤدي هذا الانتقال إِلى فقدها قسماً كبيراً من قوتها كما هو معروف في الفيزياء. وتُعوَّض هذه الخسارة بآليتين: آلية الرافعة وهي الفرق بين طول قبضة المطرقة والنتوء الطويل للسندان, وآلية المدحم وهي الفرق بين مساحة غشاء الطبل ومساحة النافذة البيضية, وهكذا تنقل الأذن الوسطى الاهتزازات إِلى الأذن الداخلية وتضخمها. وفي الأذن الداخلية يهتز اللمف المحيطي باهتزاز قاعدة الركاب فيهتز الغشاء القاعدي وتحتك أهداب الخلايا المهدبة بالغشاء الماس. وينقلبالصوت عند الخلايا المشعرَّة من حركة آلية إِلى تنبيه عصبي ينتقل بالعصب السمعي إِلى الدماغ.

    ويختلف نقص السمع بشدته من نقص بسيط إِلى فقد السمع كاملاً. ويقسم إِلى قسمين كبيرين: نقص السمع التوصيلي ونقص السمعالاستقبالي. ينتج الأول من إِصابة الجهاز الموصل للاهتزازات الصوتية أي الأذن الظاهرة و الأذن الوسطى, وينتج الثاني من إِصابة الجهاز المستقبل للاهتزازات الصوتية أي الأذن الباطنة والعصب السمعي والجملة العصبية المركزية. ويتمكن الطبيب الاختصاصي من تمييز هذين النوعين بسهولة بفحوص بسيطة. وهذا التمييز مهم جداً لأن معظم الأسباب المؤدية إِلى نقص السمع التوصيلي يمكن شفاؤها بالعلاج أو إِصلاحها بالجراحة في حين يصعب شفاء معظم الأسباب المؤدية إِلى نقص السمع الاستقبالي: ـ انسداد مجرى السمع الظاهر خلقياً أو بسبب سدادة صملاخية أو من التهاب جلد المجرى وتوذمه أو من جسم أجنبي ولج فيه. ـ وانثقاب غشاء الطبل من صفعة أو انفجار شديد أو بعد التهاب الأذن الوسطى. ـ وانسداد نفير أوستاش بسبب الناميات الضخمة في الأطفال, أو التحسس الأنفي أو انشقاق شراع الحنك أوسرطان البلعومالأنفي. ـ والتهاب الأذن الوسطى الحاد أو المزمن. ـ والاستحالة الاسفنجية في الأذن الوسطى وهو مرض وراثي يصيب الإِناث أكثر من الذكور يبدأ نحو سن العشرين بنقص سمع خفيف يزداد ببطء حتى يبلغ درجة شديدة, يحدث فيه تصلب قاعدة عظم الركاب المنطبق على النافذة البيضية فيصعب اهتزازه. ويعالج جراحياً بالاستعاضة عن عظم الركاب بقطعة صناعية ونتائج هذه المعالجة جيدة. ومن أهم أسباب نقص السمع الاستقبالي: ـ الولادية, فيولد الطفل فاقداً السمع أو يفقد السمع بعد الولادة بقليل ويبقى الطفل في هذه الحالة أبكم إِذ لابد من السمع لتعلم الكلام. وينجم نقص السمع الولادي عن الوراثة ولاسيما الزواج من الأقارب, أو عن إِصابة الأم بمرض في أثناء الحمل ولاسيماالحصبة الألمانية أو تناولها أدوية مؤذية للسمع أو محاولة الإِسقاط, أو عن الولادة العسيرة وما يرافقها من إِصابة الوليد بنقص الأكسجين, أو عن انحلال دم الوليد باختلاف الزمر الدموية, أو عن بعض أمراض الطفولة الباكرة كالتهاب السحايا والحصبةوالنكاف. ـ الانسمامية وفي طليعة سموم السمع بعض الأدوية كالستربتوميسين والديهدروستربتوميسين والنيوميسين والغاراميسين. والساليسيلات والكينين, والكحول والتبغ وغيرها. ـ رضوض الجمجمة إِذا أدت إِلى ارتجاج دماغي أو كسر في الصخرة. ـ الفجائية تحدث في إِحدى الأذنين بسبب وعائي (انفجار أو انسداد) أو التهاب بفيروس. ـ مرض منيير Méniére ونقص السمع فيه ناشئ من إِصابة الأذن الباطنة بزيادة ضغط اللمف الداخلي بأسباب مجهولة. ويرافق نقص السمع دوار نوبي شديد يستمر دقائق أو ساعات يترافق بغثيان أو إِقياء ثم يزول تماماً. ـ ورم العصب الثامن وهو ورم سليم, يرافق نقص السمع فيه طنين ودوار يعالج بالجراحة. ـ نقص السمع النفسي وهو فجائي ثنائي الجانب يشاهد في الحروب. ـ نقص السمع الشيخي ينجم عن تنكس الخلايا المشعرة في عضو كورتي أو تنكس خلايا العصب السمعي أو الجملة العصبية المركزية. ـ الرض الصوتي: بالتعرض لصوت شديد مرة واحدة كالانفجارات أو التعرض المتجدد بضجيج شديد كما في المعامل والمطارات. الإِسهام في حفظ التوازن: يتم توازن الجسم بأفعال انعكاسية تجعل البدن في الوضع الصحيح الذي يمنع السقوط فإِذا مال الرأس إِلى إِحدى الجهتين أخذت الأطراف والجذع وضعية مناسبة تمنع سقوط الشخص. ويتم ذلك بمراقبة مركز التوازن في الدماغ. ترد المعلومات إِلى هذا المركز عن كل وضعية جديدة يأخذها الجسم ليصدر الأوامر المناسبة لهذه الوضعية. وتصل هذه المعلومات إِلى المركز بثلاث طرق: العين والحس العميق و الأذن. ووظيفة الأذن إِعطاء معلومات عن وضعية الرأس في الحركة والسكون ويقوم بهذه الوظيفة الأقنية نصف الدائرية والقريبة والكييس. تتنبه الأقنية نصف الدائرية بالتسارع الزاوي الإِيجابي أو السلبي أي عند بدء الدوران أو في نهايته وذلك بسبب تحرك اللمف الداخلي وتحريكه للقديح الذي يحتك بأهداب الخلايا المهدبة في المجل. أما القريبة والكييس فتتنبهان بالتسارع الخطي وبتغيير وضعية الرأس لتأثرها بالثقالة. وهكذا تنقل الأذن إِلى مركز التوازن المعلومات عن كل حركات الرأس زاوية كانت أم خطية. والدوار شعور خاطئ بوجود حركة نسبية بين الشخص والمحيط, ينتج من خلل الآليات التي تثبت خيال الأشياء على شبكية العين. يتم توازن الجسم بفعل مركز في الدماغ تصله المعلومات عن طريق العين أو الحس العميق أو الأذن ويكون الدوار نتيجة خلل في إِحدى هذه الطرق الموصلة أو في الجملة العصبية المركزية. وللدوار أسباب كثيرة فالداء السكري والتابس يؤثران في الحس العميق, والأورام والالتهابات والتصلب المتعدد ونقص التروية تصيب الجملة العصبية المركزية, أما الأذن فمن أمراضها المسببة للدوار مرض منيير والتهاب التيه وما يسمى بدوار الوضعة. يتصف الدوار الأذني بشدته فيرى الشخص الأشياء تدور من حوله ويرافقه غثيان أو إِقياء وتعرق وبطء النبض وهبوط الضغط, وهو قصير المدة يأتي على نوبات. ويجب تفريق الدوار عن الأعراض المشابهة كما يحدث في نقص الضغط الشريانيالانتصابي وما قد يرافقه من إِغماء, وفي النوبات الصرعية أو الشعور بثقل الرأس فكل هذه الأمور ليست من الدوار لعدم شعور المصاب بها بحركة في المحيط.
    عبد الحي عباس



  2. #492
    الأرجية وفرط التحسس

    ترجع دراسة تاريخ ظاهرتي الأرجية allergie وفرط التحسس hypersinsibilité إلى عام 1837 حين سجل ماجندي Magendieالملاحظات الأولى حول هاتين الظاهرتين من دون أن يوثقهما تجريبياً. كما أن الدراسات الرائدة التي أجراها ريشه وبورتييهRichet et Portier في مطلع القرن العشرين جعلت من هاتين الظاهرتين لغزاً محيراً، ذلك أن الأمر كان يتعلق برد فعل يناقض الحماية المألوفة التي توفرها عادة الاستجابة المناعية. وعلى الرغم من أن دور الأضداد في إحداث ظاهرتي الأرجية وفرط التحسس قد اتضح بالدراسات التي أجراها براوسنيتز Prausnitz عام 1921 على مساعده كوستنر Kustner، إذ اكتشف هذا الباحث تفاعل التأق المنفعل anaphylaxie Passive، أو تفاعل براوسنيتز - كوستنر المعروف. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأساس المناعي الواضح لظاهرتي الأرجية وفرط التحسس لم يثبت إلا في عام 1966، عندما اكتشف إيشيزاكا Ishizaka وزوجته في دنفر بالولايات المتحدة الأمريكية الغلوبلين المناعي (IgE)E، وبيّنا دور الخلايا البدينة mastocytes والخلايا الأسِسَة (الأسِسَات)basophiles في حدوث هاتين الظاهرتين. ولقد سمح اكتشاف المستأرجات allergenes التي تثير التفاعلات المؤدية إلى حدوث الأرجية لأول مرة في أواخر الستينات بوضع تعريف علمي محدد للأرجية وفرط التحسس العاجل يمكن تلخيصه على النحو التالي: تنجم هاتان الظاهرتان عن التأثير المتبادل بين المستأرج والغلوبلين المناعي (IgE)E، الذي يتثبت على سطح الخلية البدينة أو الخلية الأسسَه، مسبباً زوال الحبيبات الموجودة داخل هذه الخلايا، وتحرر محتوياتها من المواد الوسيطة médiateurs(الهيستامين histamine في الإنسان) المسؤولة عن التأثيرات الموضعية والعامة. أما أنماط فرط التحسس الأخرى غير فرط التحسس العاجل، فإنها تبدأ، هي الأخرى، بتفاعل الضد والمستضد، ولا تتطلب بالضرورة وجود IgE ولا تحرر الهيستامين. وكما يتضح مما سبق، فإن التفاعلات التي تنتهي بحدوث الأرجية وفرط التحسس تبدأ بتفاعل المستضد antigéne مع الضدanticorps.
    وعلى ذلك فإن إيضاح الأساس المناعي لهاتين الظاهرتين يقتضي تلخيص الأفكار الأساسية عن الجهاز المناعي وعن الاستجابة المناعية، وذلك قبل عرض المعطيات المتوافرة عن الأرجية وفرط التحسس.
    خلايا الجهاز المناعي
    إذا كانت خاصة التعرف وخاصة اختزان المعلومات (الذاكرة) معيارين لدرجة تطور أجهزة جسم الإنسان، فإن الجهاز المناعي يأتي في المقدمة. إن خلايا الجهاز المناعي تستطيع أن تميز مكونات الجسم (الذات self أو soi)، من المواد الغريبة (اللاذات nonself أو nonsoi)، كما تستطيع الخلية الواحدة أن تتعرف جزيئات بروتينية معينة توجد على سطح خلية أخرى، فتستجيب بردود فعل محددة. كما يمكن لخلايا هذا الجهاز أن تختزن المعلومات الناجمة عن هذه الاستجابات، لتسترجعها عندما تقتضي الحالة ذلك. ومع أن معظم الكريات البيض تدخل في بنية الجهاز المناعي، فإن هذا البحث سيقتصر على الخلايا الرئيسة في هذا الجهاز، أي البلاعم macrophages والبائيات cllules B والتائيات cellules T. كما أن البحث لن نتعرض للجزيئات البيولوجية التي تفرزها هذه الخلايا (الأنترلوكينات interleukines واللمفوكينات lymphokines)، والتي تؤثر في مستوى الاستجابة المناعية.
    البلاعم: تتشكل البلاعم، شأنها شأن خلايا الدم الأخرى، في نقي العظم، وتتجول في الدم واللمف. كما تصادف بين خلايا النسج الضامة لجميع الأعضاء تقريباً، وخاصة أسناخ الرئتين، والكبد، والطحال، والصفاق، إذ تصل إلى هذه الأعضاء من الشعريات الدموية بالانسلال diapédése. وتتصف البلعميات بشكلها المتغير وأرجلها الكاذبة، وغنى سيتوبلاسماها بالجسيمات الحالة المشحونة بعدد من الأنظيمات وخاصة الأنظيمات الحالة للبروتين. وتزداد كمية هذه الأنظيمات عند تفعيل البلعميات.
    تقوم البلعميات بوظيفة تخليص الدوران والنسج من الأجسام الغريبة، فتدخل هذه الأجسام، بغض النظر عن طبيعتها، إلى سيتوبلاسماها بعملية الالتقام الخلوي endocytose، وتقوم عندئذ بحلمهة مكوناتها بوساطة أنظيمات الحلمهة. إن البلعميات تنجز إذن وظيفة دفاعية غريزية وغير نوعية. وإضافة إلى هذه الوظيفة المناعية البدائية فإن البلعميات تقوم في الفقاريات العليا، وخاصة الثدييات والإنسان، بوظيفة مناعية على درجة كبيرة من الأهمية، فهي لا تحلمه الأجسام الغريبة، وخاصة المستضدات، بغية التخلص منها فحسب، إنما تعرض على سطحها قطعاً من جزيء المستضد، يعرف باسم المحددة المستضدية determinant antigénique مربوطة إلى بروتين آخر موجود أصلاً على سطح البلعمية، وتعرف بمستضد الكريات البيض البشرية human leukocyte antigen (أو HLA-D، أصل الاسم بالإنكليزية)، وتشكل جزءاً من بروتينات معقد التوافق النسيجي الرئيسي أوcomplexe majeur d,histocompatibilité (أو CMH). فالجسم الغريب لا يصبح استضدادياً إلا إذا عرض على سطح البلعمية مرتبطاً بمستضد الكريات البيضالبشرية HLA-D، حيث تستطيع الخلية التائية تعرّفه. إن البلعمية إذن تقوم بدور خلية مقدِّمة للمستضد (CPA) cellule presentant L,antigene. إن الاستجابة المناعية لا تحدث من دون هذا التقديم.
    البائيات: اكتشف هذه الخلايا أول مرة عند الطيور في جراب فبريسيوس bourse de Fabricius (ومن هنا أتى الحرف B اسماً لهذه الخلايا). وتتشكل هذه الخلايا عند الإنسان والثدييات في نقي العظم (bone marrow - بالإنكليزية - ولهذا استبقي الاسم نفسه)، وتتمايز فيه، أي إن كل خلية بائية تصطنع نوعاً معيناً من الغلوبلين المناعي M و D (IgM) و(IgD) تضعه على سطحها فيعمل مستقبلاً نوعياً للمستضد. وتختلف نوعية كل مستقبل في كل خلية بائية عن نوعية أي مستقبل آخر في أية خلية أخرى. ويقدر عدد أنواع البائيات الوظيفية في الإنسان بنحو 1×10 7 نوع أو نسيلة clone، في حين يبلغ عدد البائيات الكلي نحو 1×10 10 خلية. وهكذا، فإن عدد خلايا النسيلة الواحدة يبلغ 1×10 3 خلية تقريباً. وكما سيأتي، فإن تفعيل الخلية البائية من قبل الخلية التائية يؤدي إلى نضجها.
    ويتضمن النضج انقسام الخلية البائية عدداً من المرات، حيث تعطي في النهاية نمطين من الخلايا، يبلغ مجموعها نحو ألف خلية وهي: الخلايا المَصوَّرية plasmocyte، التي تفرز أضداداً نوعية ضد المستضد الذي استهل الاستجابة المناعية، وخلايا الذاكرة cellules à mémoire، التي تبقى هاجعة مدة طويلة نسبياً (أحياناً بضع سنوات)، فإذا ما دخل المستضد من جديد، فإنها تتعرفه وتبدأ بإفراز الضد النوعي. وكما هو معروف فإن الضد يرتبط بمستضده في الدوران، ويتشكل معقد يسهل على الجسم التخلص منه. وكما يتضح من هذا العرض فإن البائيات مسؤولة عن المناعة الخلطية immunité humorale. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدد أنواع الأضداد التي تصطنعها البائيات يساوي عدد نسائلها (أي نحو 1×10 7 نوع، ويتجاوز هذا العدد نظرياً الرقم 1×10 9 نوع).
    التائيات: لقد تم تعرف هذه الخلايا لأول مرة في التيموس thymus، ومن هنا أتى الحرف T اسماً لهذه الخلايا. تتشكل التائيات في نقي العظم، وتنتقل بالدوران إلى التيموس، حيث تتمايز فيها وتنضج (تخضع لعملية تربية).
    أي تصطنع بروتينات تضعها على سطحها تعرف بمستقبلات الخلية التائية، وهي أداة المعرفة الأولى لهذه الخلايا. وتختلف هذه المستقبلات بين خلية وأخرى. وتتساوى التائيات تقريباً مع البائيات من حيث العدد الكلي ومن حيث عدد النسائل (أي 1×10 10 خلية، و1×10 7 نسيلة). إن تمايز التائيات ونضجها في التيموس يؤدي إلى تربية ثلاثة أنماط من التائيات:التائيات المؤازرة T helpers والتائيات الكابتة Tsuppressives والتائيات السامة للخلاياT cytotoxiques. وتتفعل الخلية التائية عندما تلتقي بالمستضد معروضاً على سطح البلعمية، أو على سطح الخلية التائية عندما تلتقي بالمستضد معروضاً على سطح البلعمية، أو على سطح الخلية البائية (التي تدخل بالالتقام الخلوي، تماماً كما تفعل البلعمية). فتصبح هذه الخلية التائية خلية تائية مساعدة نوعية، وتقوم عندئذ بتفعيل الخلية البائية التي تحمل على سطحها نوع المحددة المستضدية نفسه، التي عرضتها البلعمية، مرتبطة أيضاً ببروتين HLA- D أما الخلية التائية الكابتة فتثبط فاعلية الخلية التائية المساعدة والخلية البائية المفَعَّلة عندما يرتفع تركيز الضد في الدم فوق مستوى معين. وتتعرف الخلية التائية القاتلة للخلايا الخلية المخموجة بالحمة (بالفيروس)، والخلية الطافرة، وخلية الطعم (في حالة النسج والأعضاء المزروعة)، وتعمل على حلها.
    ويتضح من هذا العرض أن المناعة الخلوية Immunité cellulaire ترتبط ارتباطاً أساسياً بوظائف نمط من أنماط الخلية التائية (التائيات القاتلة للخلايا). ولا بد من التنويه هنا بنوع خلوي ذي أصل مجهول حالياً، يرجح أنه ينتمي إلى التائيات، ويعرف باسم القاتلة الطبيعيةNK- natural killer (أصل الاسم بالإنكليزية)، وتقوم هذه الخلايا، هي الأخرى، بقتل الخلايا الغريبة، أو الطافرة، عن طريق إطلاق جذور كيمياوية غنية فوق الأكاسيد، تحرق الخلية الهدف.
    الاستجابة المناعية
    تتلخص الوظيفة النهائية للاستجابة المناعية بحماية الجسم من المواد الغريبة (البروتينات والجراثيم، والفيروسات، والفطور، والطفيليات وغيرها). وتنجز المناعة الخلطية وظيفة التخلص من الأجسام الغريبة الموجودة بالدوران، إذ تعمل هذه الأجسام، أو مكوناتها، مستضدات، فيشكل لها الجسم أضداداً تتحد بها، فينشأ عندئذ معقد يسهل على الجسم التخلص منه بوساطة البلاعمmacrophages والبعلميات phagocytes عامة. أما المناعة الخلوية، فتحمي الجسم من الحمات (الفيروسات)، والطفيليات، والخلايا الطافرة، كما تقوم بدور في رفض الطعم، ذلك أن عملية نقل الأعضاء لا تحدث في الطبيعة، وهي عمل صنعي استحدثه الإنسان. يتضح من التعريف السابق أن الاستجابة المناعية تشتمل على جانبين اثنين:
    1ـ التأثيرات المتبادلة المناعية. 2ـ خصائص الأضداد. وفيما يلي لمحة عن هاتين الناحيتين.
    مراحل حدوث الاستجابة المناعية: تحدث الاستجابة المناعية وفقاً للخطوات التالية (الشكل1):
    (الشكل -1) تمثيل مراحل حدوث الاستجابة المناعية

    ـ دخول المستضد إلى الجسم، ويشترط في هذا المستضد أن يكون مستمنعاًimmunogénique.
    ـ يؤخذ المستضد من قبل إحدى البلعميات أو بعضها، ومن قبل خلية بائية محددة تحمل على سطحها مستقبلاً (IgD وIgM) تتطابق منطقته المتغيرة فراغياً region variable بالتتامية complémentarité مع المحددة المستضدية، أو الموضع المستضدي épitope.
    ـ تتعرف خلية تائية معينة المحددة المستضدية المرتبطة مع بروتين HLA- Dوالمعروضة على سطح البلعمية، فتتفعل الخلية التائية عندئذ، وتتحول إلى خلية تائية مساعدة.
    ـ تقوم الخلية التائية المساعدة بتفعيل الخلية البائية التي تعرض على سطحها نوع المحددة المستضدية نفسه. فتنقسم عدداً من المرات (نحو عشرة انقسامات) وتعطي 1000 خلية تقريباً (تشكل نسيلة واحدة)، معظمها يتحول إلى خلايا مصوّرية، تصطنع ضداً نوعياً، تفرزه في الدوران، في حين يتحول بعضها إلى خلايا ذاكرة، محتفظة على سطحها بالغلوبلين المناعي D، تتحول إلى خلايا مصورية (بلاسمية) مفرزة للضد عند دخول المستضد الجسم مرة ثانية. فإذا كان المستضد موجوداً في الدوران، فإن الضد الذي تفرزه الخلايا المصورية ينتسب إلى أحد صفيفات صف الغلوبلين المناعي G (IgG2 و IgG1 مثلاً). أما إذا كان المستضد موجوداً في أحد السوائل الإفرازية (اللعاب، والدموع، والعصارة الهضمية وغيرها)، فإن الغلوبلين المناعي المفرز هو (IgA) A. وإذا كان المستضد مادة مستأرجة allérgene (حبات الطلع أو الغبار المنزلي مثلاً)، فإن الغلوبلين المناعي المفرز هو IgE. وعندما يكون المستضد خلية مخموجة بالحمة (فيروس) أو خلية طافرة، أو طفيلياً (دودة البلهارسيا مثلاً)، أو خلايا من طعم أو عضو مزروع، فإن الخلية التائية التي تكتشف هذه الأجسام الغريبة تتفعل، وتصبح خليةً قاتلة للخلايا.
    خصائص الأضداد: توجد في الثدييات ومنها الإنسان خمسة صفوف classes من الغلوبلين المناعي immunoglobulines (Ig)، هي: IgM، وIgD، و IgG، و IgA، و IgE. وتتألف الصفوف IgM، و IgG، و IgA. من صفيفات sous- classes.
    وتحمل كل خلية بائية عذراء على سطحها نوعاً محدداً من IgM و IgD. وعندما تُفعل وتنضج، فإنها تفرز في الدوران IgMخماسي الجزيء.
    (الشكل -2) تمثيل جزيء الغلوبلين المناعي IgG1) G). يرمز الحرف L إلى السلسلة الخفيفة، وH إلى السلسلة الثقيلة، وV إلى المنطقة المتغيرة، وC إلى النهاية الكاربوكسيلية وS-S إلى الرابطة الثنائية الكبريت ( M.Z.Atassi et al.1984)

    يتألف جزيء الضد، بصورة عامة، من نوعين من السلاسل المتعددة الببتيد: سلسلتين ثقيلتين، يرمز لكل منهما بالحرف H (من heavy)، وسلسلتين خفيفتين، يرمز لكل منهما بالحرف L (من light) هما السلسلة لامدا والسلسلة كابا. أما السلسلة الثقيلة فلها خمسة أنواع، يحدد كل نوع صفاً من صفوف الغلوبلين المناعي، أي أن هنالك السلاسل الثقيلة التالية: ميو، ودلتا، وغاما، والفا، وابسيلون (أعطيت السلاسل أحرفاً يونانية تماثل الأحرف اللاتينيةللصفوف). وتتألف كل سلسلة من قسمين، ثابت C(من constant)، ومتغير V (من variable). وتشكل المنطقة الثابتة في السلسلة الثقيلة ربع السلسلة أو خمسها، وتتقاسم المنطقتان الثابتة والمتغيرة السلسلة الخفيفة مناصفة تقريباً. وهنالك روابط ثنائية الكبريت تربط السلاسل بعضها ببعض (روابط ضمن نوع السلسلة الواحدة، وروابط بين السلسلتين الثقيلة والخفيفة). ويأخذ الجزيء (الشكل2) شكل حرف Y منفلق الأطراف، يتألف جذعه من نصفي السلسلتين الثقيلتين، في حين يتألف كل ذراع من نصف السلسلة الثقيلة تقريباً وكامل السلسلة الخفيفة. وتأخذ نهاية كل ذراع من الذراعين (نهاية المنطقتين المتغيرتين للسلسلتين الثقيلة والخفيفة) شكلاً فراغياً محدداً، يبدو على شكل جيب سطحي، يطلق عليه اسم الموضع الضدي site d,anticorps (أو paratope). ويختلف نوع الغلوبلين المناعي باختلاف الشكل الفراغي لهذا الجيب. فهناك إذن نحو 1×10 7 نوع من الأشكال الفراغية، الذي يمثل كل واحد منها نسيلة من النسائل الخلوية البائية.
    ويلخص الجدول (1) بعض خصائص صفوف وصفيفات الغلوبلينات المناعية.
    ولا تخرج ظاهرتا الأرجية وفرط التحسس عن كونهما نمطين خاصين من أنماط الاستجابة المناعية المتطرفة.
    الأرجية
    تنجم ظاهرة الأرجية وفرط التحسس العاجل hypersensibilité immediate كما أشير في البدء عن التأثير المتبادل بين المستضد (المستأرج) وبين أحد صفوف الغلوبلين المناعي، وخاصة IgE الذي يتثبت على سطح الخلايا البدينة أو الأسسه، مسبباً تحرر الهيستامين الذي كان يوجد داخل هذه الخلايا. وقد قدمت الظاهرتان في تعريف واحد لأن الأرجية تدرس الآن على أنها شكل خاص من أشكال فرط التحسس العاجل. ولا بد من التأكيد أن تحرر الهيستامين والمواد الوسيطة الأخرى في الاستجابة المناعية السوية المتوازنة هو عمل دفاعي يسهم في
    الجدول 1ـ الغلوبولينات المناعية وخصائصها.

    الغلوبلين المناعي IgG1 IgG2 IgG3 IgG4 IgM IgA1 IgA2 *SIgA IgD IgE
    السلسلة الثقيلة غاما 1 غاما 2 غاما 3 غاما 4 ميو الفا 1 الفا 2 الفا 1 أو الفا 2 دلتا ابسيلون
    متوسط التركيز في المصل (ميكرو غرام/ميلي لتر) 9 3 1 0.5 1.5 3.0 0.5 0.05 0.03 0.0005
    ثابت التثفل (مقدراً بالوحدةS) 7 7 7 7 19 7 7 11 7 8
    الوزن الجزيئي (كيلو دالتون) 146 146 170 146 970 60 160 385 184 188
    الوزن الجزيئي للسلسلة الثقيلة 51 51 60 61 65 56 52 25-56 69.7 72.5
    السكريات (%) 2-3 2-3 2-3 2-3 12 7-11 7-11 7-11 9-14 12

    ترمز SigA إلى الغلوبلين المناعي A المفرز (S من sécrétoire).

    التخلص من المستضد ومن تأثيراته الممرضة (في حالة الخمج بالجراثيم مثلاً). أما في الأرجية وفرط التحسس العاجل فإن الاستجابة المناعية تكون عنيفة، وتُحرر، بالتالي، كمية كبيرة من الهيستامين والأمينات الأخرى الفاعلة وعائياً.
    توجد الأرجية في نحو 10 بالمئة من السكان، وتنجم إما عن غبار الطلع لعدد من النباتات، وإما عن الغبار المنزلي (الذي يحوي مفصليات أرجل دقيقة جداً تدخل الجسم عن طريق التنفس)، وإما عن وبر الثدييات أو رياش الطيور. كما يمكن أن تكون الأغذية مصدراً للأرجية لدى بعض الأفراد. ويتطلب حدوث الاستجابة المناعية الأرجية دخول المستأرج الجسم في المرة الأولى، مما يسبب تحسيس الفرد نحو هذا المتسأرج، أي إن الخلايا البائية تصطنع الغلوبلين المناعي (IgE)E. الذي يصبح في الدم، فيرتبط عندئذ بسطح الخلايا البدينة أو الأسسة. ولدى دخول المستأرج الجسم في المرة الثانية يحدث التفاعل الأرجي.
    ولأن التماس الأول مع المستأرج يسبب تشكل الغلوبلين المناعي E (التحسيس) فلقد صُمم اختبار من قبل الباحث أوفاريOvary عام 1964 للكشف في ثدييات المخبر عن وجود IgE فعال نحو مستأرج معين. وتؤخذ، في هذا الاختبار، كمية معينة من مصل أحد الثدييات (الفأر مثلاً) الذي يحتوي على IgE نوعي نحو مستضد معين، وتحقن تحت جلد الجرذ.
    ويتم في اليوم التالي حقن الجرذ عن طريق الوريد (بعيداً عن مكان الحقن الأول) بمحلول المستضد نفسه والذي أضيف إليه صباغ أزرق ايفانbleu d,Evans. وحيثما يلتقي المستضد بالغلوبلين المناعي E، الذي يكون عادة مثبتاً على سطح الخلايا البدينة للجلد، وخاصة في منطقة الحقن الأولى، يتم تحرر السيروتونين sérotonine والمواد الوسيطة الأخرى. وتسبب هذه المواد توسع الأوعية الدموية وزيادة نفوذيتها، مما يؤدي إلى تسرب جزيئات الصباغ من الشعريات الدموية في منطقة الحقن الأولى إلى النسج المحيطة، فتظهر عندئذ بقعة زرقاء. ويتناسب قطر البقعة الزرقاء مع كمية IgE التي حُقنت تحت الجلد. ولقد أطلق على هذا الاختبار تفاعل التأق الجلدي المنفعل reaction d,anaphylaxie cutanée passive (لأن الأضداد أتت من خارج الجسم). إن هذا التفاعل على درجة عالية من الحساسية، ويمكن الكشف بوساطته عن نانوغرام واحد فقط (1×10 –9 غرام) من IgE.
    أما في الإنسان، فيستخدم تفاعل بروسنيتز - كوستنر الذي يماثل أساساً تفاعل التأق الجلدي المنفعل. تُؤخذ في هذا الاختبار كمية محددة وتُحقن تحت الجلد في فرد متطوع لا أرجي. وإثر انقضاء يوم أو يومين، يحقن المستضد في منطقة الحقن الأولى، فإذا كان الضد IgE موجوداً في المصل الذي حقن أولاً، فإن الموقع الجلدي ينتفخ محمراً، ويأخذ شكل دولاب. وهذا ما يعرف أيضاً بتفاعل الدولاب والحُمامى reaction de roue d,érythéme، ويعبّر قطر الدولاب كما هي الحال في تفاعل أوفاري، تعبيراً دقيقاً عن تركيز الضد IgE الذي حقن في المرة الأولى.
    أما فيما يتعلق بآلية حدوث الاستجابة المناعية الأرجية، فتمر في طورين اثنين: طور التحسس، وطور فرط التحسس. ويمكن تلخيص الآلية الجزئية للأرجية على النحو التالي:
    ينتهي وصول المستأرج إلى الدم إلى ارتباطه بمستقبل نوعي على سطح إحدى الخلايا البائية.
    كما تأخذ هذا المستأرج إحدى البلعميات بالالتقام الخلوي، وتحلمهه، وتعرض مكونه الاستضدادي الاستمناعي على سطحها، مقروناً إلى بروتين الصف الثاني لمعقد التوافق النسيجي CMH، أي بروتين HLA-D. تتعرف عندئذ إحدى الخلايا التائية هذا المعقد، وتتحول إلى خلية تائية مساعدة، تُفَعِّل الخلية البائية التي صادفت المستأرج. تنقسم هذه الخلية عدداً من المرات، وتفرز الخلايا المصورية (البلاسمية) المشتقة منها الضد IgE النوعي للمستأرج. إن جزيء الضد هذا يرتبط بمنطقته الثابتة بمستقبلات خاصة على سطح الخلية البدينة أو الأسسة، وهذا هو طور التحسيس.
    (الشكل -3) تمثيل عام للنمط الأول من فرط التحسس. إن المستضد ينشط بمساعدة الخلية التائية المساعدة اصطناع غلوبلين مناعي lgE)E) نوعي من قبل الخلية البائية B)ε). إن lgE النوعي يرتبط بوساطة الكسرة القابلة للتبلور RFCε إلى مستقبل موجود على سطح الخلية البدينة، فتصبح خلية محسسة. وعندما يدخل المستضد مرة ثانية يعمل كجسر يربط بن جزيئين من lgE، فيؤدي هذا إلى زوال تحبحب الخلية البدينة، وتحرر المواد الوسيطة الفاعلة وعائياً، التي تسبب ظهور الأعراض المميزة لفرط التحسس العاجل، كالربو، أو حمى الكلأ، أو الأكزيمة.

    وعندما يدخل المستأرج الجسم من جديد، فإن كل جزيء منه يرتبط بجزيئين من IgEمثبتين على سطح الخلية البدينة أو الأسسة.
    ويثير هذا الارتباط سلسلة من التفاعلات، تنتهي بتمزق الحويصلات الموجودة داخل هذه الخلايا، وتحرر محتوياتها من الهيستامين والمواد الوسيطة الأخرى. وتعرف هذه الظاهرة بزوال تحبحب dégranulation الخلايا البدينة. وهذا هو طور فرط التحسس. ويمثل الشكل 3 آلية حدوث الاستجابة المناعية الأرجية.
    ولا بد من الإشارة إلى أن الدراسات الوبائية قد أظهرت وجود استعداد وراثي للإصابة بالأرجية. فلقد اتضح أن احتمال إصابة الأبناء المنحدرين من أبوين أرجيين هو قرابة ضعف الاحتمال الموجود لدى أبناء منحدرين من أبوين أحدهما أرجي، وإن هذا الاحتمال الأخير هو ضعف الاحتمال الموجود لدى أفراد منحدرين من أبوين كلاهما غير أرجي.
    فرط التحسس
    ينجم فرط التحسس عن استجابة مناعية متطرفة. فعندما يتعرض المرء لمستضد كان قد تعرض له مسبقاً تحدث استجابة مناعية، تكون عادة سوية متوازنة، وظيفتها الدفاع عن الجسم.
    (الشكل -4) تمثيل يلخص الخصائص المميزة لأنماط فرط التحسس الأربعة، النمط الأول: تثبت الخلية البدينة lgE بواسطة الكسرة القابلة للتبلور Fc، فعندما يدخل المستضد في المرة التالية يتشكل جسر بين جزيئي lgE فيؤدي ذلك إلى زوال التحبحب.
    النمط الثاني: تتشكل أضداد موجهة ضد مستضد يتوضع على سطح الخلية (خلية مستهدفة)، فيحدث عندئذ تفعيل لخلية قاتلة للخلايا K، أو يحدث حل للخلية المستهدفة بواسطة المتممة.
    النمط الثالث: يترسب معقد المناعي في النسيج فتتفعل المتممة، وتنجذب متعددات النوى إلى الموقع، مسببة آفة نسيجية.
    النمط الرابع: لدى التماس الثاني مع المستضد، تتحرر خلية تائية كانت قد تحسست بالمستضد، تحرر ليمفوكينات تحدث تفاعلاً التهابياً، مما يفعل البلعميات ويوجهها نحو الموقع.

    ولكن يحدث في بعض الأحيان أن يكون التفاعل المناعي عنيفاً، فيؤدي عندئذ إلى تلف نسيجي، تتوافق أهميته ومدى إفراط الاستجابة المناعية. وهذا ما يحدث عندما يكون تركيز المستضد مرتفعاً، أو عندما يكون مستوى الحالة المناعية الخلطية والخلوية عالياً. ووفقاً للدراسات التي قام بها كومبس Coombs وغيلGell عام 1975 يمكن تصنيف حالات فرط التحسس في الأنماط الأربعة التالية (الشكل 4):
    النمط الأول: فرط التحسس العاجلhypersensibilité immediate، وتشكل الأرجية الظاهرة الرئيسة في هذا النمط.
    النمط الثاني: فرط التحسس السام للخلايا المنوط بالضد hypersensibilité cytotoxique dépendant d,anticorps
    النمط الثالث: فرط التحسس ذو المعقد المناعي hypersensibilité à le complexe immun.
    النمط الرابع: فرط التحسس الآجلhypersensibilité retardée وفيما يلي الملامح الأساسية لكل نمط من هذه الأنماط.
    1ـ فرط التحسس العاجل: تمثل ظاهرة الأرجية الجانب الأساسي في فرط التحسس العاجل.
    والتأثير الضار للاستجابة المناعية المتطرفة غالباً ما يكون محدوداً، بيد أن هناك فرط تحسس عاجل، يتناول الجسم بكامله، ينتهي بالمصاب إلى الموت. ولقد لوحظت ظاهرة فرط التحسس العاجل الشامل هذه، أول ما لوحظت، في خنزير الهند (القبيعة) cobaye. فإذا حُقن هذا الحيوان بمقدار ميلي غرام واحد من مستضد بروتيني ما، كألبومين البيض مثلاً، فإن الحيوان لا يبدي أية ردود فعل مناعية ظاهرية، أما إذا كُرر الحقن بعد انقضاء أسبوعين أو ثلاثة على الحقن الأول، فإن القبيعة التيتم تحسيسها بالحقن الأول (طور التحسيس، يرجع إلى الأرجية) ترد رداً عنيفاً، ويحدث فيها تأق شامل فتعاني من أزيز ربويwheezing حاد، وتموت بعد بضع دقائق اختناقاً نتيجة التضيق الشديد في المجاري التنفسية، وينجم هذا التضيق عن التقلص العنيف للعضلات الملس. ويرافق ذلك توسع واضح في الأوعية الشعرية الدموية (طور فرط التحسس).
    وتحدث هذه الأعراض نتيجة زوال تحبحب الخلايا البدينة والأسسة، وتحرر كميات كبيرة من الهيستامين، والأمينات الأخرى الفاعلة وعائياً amines vasoactives ويمكن القول إن فرط التحسس العاجل هو تفاعل أرجي شامل ومبالغ فيه.
    2ـ فرط التحسس السام للخلايا المنوط بالضد: يمكن تعريفه بأنه استجابة مناعية يستهلها تفاعل ضد نوعي مع مستضد خلوي أونسيجي وتنتهي هذه الاستجابة بتدمير الخلايا الهدف والنسج المحيطة بها. إن الاستجابة المناعية تحدث إذن بسبب وجود خلايا أو نسج غريبة، تعمل بروتينات أغشيتها مستضدات.
    كما أن تدمير هذه العناصر اللاذاتية يتطلب إسهام المتممة complément، أو خلايا مستفعلة cellules effectrices، كالقاتلات الطبيعية NK والعدلات neutrophiles، والبلاعم، والوحيدات monocytes ويبدو إسهام هذه العناصر اللاخلوية (المتممة) والخلوية أمراً بديهياً إذا عرف أن الاستجابة المناعية موجهة نحو خلايا ونسج (كالخلايا الطافرة والطفيليات - دودة البلهارسيا مثلاً - والأعضاء المزروعة)، ليس ضد جزيئات بروتينية منحلة.
    (الشكل -5) تمثيل آلية تأثير المتممة في فرط التحسس من النمط الثاني (فرط التحسس القاتل للخلايا المنوط بالضد). يتثبت الضد على المستضد المحمول على غشاء الخلية المستهدفة فيفعل المكونة الأولى للمتممة Cl، مما يفسح المجال أمام المسلك المدرسي للمتممة. وتتوضع في المرحلة التالية C3 وC4b2b2b على سطح الخلية المستهدفة. وتقوم C3b بدور الطاهية opsonlsant بالنسبة لخلية تحمل مستقبلاً ملائماً. ويتفعل المسلك الانتهائي المحل للخلية المستهدفة بوساطة الأنظيم المحلمهة للمكونة C5 convertase)C5) مؤدياً إلى آفة في غشاء الخلية المستهدفة تنجم عن تأثير المعقد المحل C5-9

    إن القطاعين الثابتين الثاني والثالث من السلسلة الثقيلة للجزيء، واللذين يعرفان بالرمزين CH2 و CH3، ويشكلان جذع حرفY. إن هذين القطاعين يحملان مستقبلاً نوعياً للمتممة، ومستقبلاً نوعياً آخر للوحيدات، وربما للقاتلات الطبيعية والعدلات أيضاً. وتحدث عملية تدمير الخلايا الغريبة عندما يتم تفعيل المتممة أو الخلايا المستفعلة المشار إليها آنفاً بارتباطها بالمستقبل النوعي في جزيء الضد المقترن بالمستضد، يؤدي هذا التفعيل إلى حل lysisغشاء الخلية الهدف، أو حرقها بالجذور الغنية بفوق الأكاسيد. ويلخص الشكل 5 آلية تأثير المتممة في ظاهرة فرط التحسس القاتل للخلايا المنوط بالضد (النمط الثاني).
    والمتممة هي جملة أنظيمات بروتينية تشاهد في مصل الدم السوي، وتتحد مع المعقد المستضدي - الضدي antigen- antibody.
    تتألف المتممة من تسعة مركبات يرمز إلى كل واحد منها بالحرف C وتعطي أرقاماً متسلسلة من C1 حتى C9. وتنقسم C1 إلا ثلاثة أقسام هي: C1S و C1r و C1q.
    تحل جملة المتممة الخلايا التي تم تحسيسها بالضد النوعي فتسبب حل الجراثيم والكريات الحمر، كما أنها تقوي تأثير التفاعل بين المستضد والضد. إن أي ضد من صنف IgG أو IgM قادر على تفعيل activation العامل الأول C1 وهذا بدوره يفعِّلC4 و C2 وهما يفعلان C3 وهو العامل الموجود بمقادير أوفر من سواه في مصل الدم. ثم تتفعل العوامل التالية واحداً بعد آخر بالترتيب الرقمي ليتم تفعيل الجملة بكاملها.
    تنشطر جزيئات C3 المفعلة إلى C3a الذي ينطلق وC3b الذي يبقى متصلاً بالمستضد. يقوم C3a بعمل ذيفان متئقanaphylatoxine فيسبب انطلاق الهيستامين وسائر الكينينات Kinins فيحدث توسعاً وعائياً وازدياداً في نفوذية الأوعية وتقبضاً فيالقصبات. كما أنه يجتذب كثيرات النوى وسائر الخلايا الالتهابية إلى مكان التفاعل الالتهابي بآلية كيمياوية.
    أما الجزيء C3b فيتحد مع C1 و C4 وC2، على سطح الخلية المستهدفة target ويحرض على التصاق البلاعم وكثيرات النوى بها، ومن ثم بلعمة المعقدات المناعية.
    ويكون عمل C5 و C6 وC7 اجتذاب كثيرات النوى وسائر الخلايا الالتهابية إلى مكان التفاعل الالتهابي. ويحدث تفعيل C8 وC9 تخرب الغشاء الخلوي إذا جرى التفاعل على جرثومة أو كرية حمراء.
    3ـ فرط التحسس ذو المعقد المناعي:
    من المعروف أن يتم في كل مرة يلتقي فيه ضد بمستضده تشكل معقد مناعي يتخلص الجسم منه عادة بخلايا الجهاز البطاني الشبكي. ولكن يحدث في بعض الحالات أن يثير تشكل هذا المعقد تفاعل فرط التحسس. وهذا هو فرط التحسس ذو المعقد المناعي. ويمكن تصنيف الحالات المرضية التي تنجم عن فرط التحسس هذا في مجموعات ثلاث: ففي المجموعة الأولى عندما يكون هناك خمج مزمن، كالتهاب الشغاف الذي تسببه المكورات العقدية من النمط الفا الحالّة للدم أو المكورات العنقودية، أو كالبرداء paludisme، التي تسببها المتصورة النشيطة plasmodium vivax أو التهاب الكبد الحُمَوي (الفيروسي) المنشأhépatite virale فإن استمرار وجود العامل الخمجي المترافق مع استجابة مناعية ضعيفة، يؤدي إلى تشكل معقدات مناعية تترسب تدريجياً في النسج المصابة.
    وفي المجموعة الثانية، تنجم عن بعض الأمراض ذات المعقدات المناعية مضاعفات تزيد من حدة عدد من أمراض المناعةالذاتية maladies auto- immunes. ذلك أن التشكل المستمر لأضداد موجهة باستمرار إلى تكوّن معقدات مناعية. ولأن البلاعم والبلعميات الأخرى المسؤولة عن التقام الأجسام الغريبة، تكون مثقلة بهذه المعقدات. فإن هذه الجزيئات تترسب في النسج المعنية. وهذه هي حالة الذَّأَب الحُمامي المنتشر lupus érythémateux disséminé (LED).
    وفي المجموعة الثالثة، يمكن أن تتشكل المعقدات المناعية بوجود مستضدات «خارجية المنشأ»، وهذا ما يحدث في الرئتين مثلاً نتيجة الاستنشاق المتكرر لمستضدات نباتية أو فطرية أو حيوانية المنشأ، ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة في الأسناخ الرئوية الأرجية بمستأرج خارجي المنشأ، وذك كما هي الحال في رئتي مفرطي التدخين، أو الفلاحين الذين يتعرضون باستمرار للكلأ الرطب إذ تتشكل في دمائهم أضداد مضادة لعدد من الفطور، أو مربي الطيور الذين يستنشقون باستمرار حُمات (فيروسات) طيرية. إن الأضداد التي تتشكل ضد هذه المستضدات ليست IgE الذي يسبب عادة فرط التحسس العاجل (النمط الأول)، إنما هي IgG بصورة أساسية.
    وبديهي، وفقاً لما سبق، أن يسبب فرط التحسس ذو المعقد المناعي التهاب النسج التي تصبح مكاناً لترسب هذا المعقد، وغالباً ما ينجم هذا الالتهاب عن تفعيل بروتيني المتممة C3 و C5 (يرجع إلى النمط الثاني من فرط التحسس).
    ويتضمن هذا التفعيل شطر كل من المركبين C3 و C5 إلى قطعة كبيرة هي C3b أو C5b، وقطعة صغيرة هي C3a، أو C5a. وتتمتع القطعتان C3a و C5a بخاصتين أساسيتين: فهما ذيفان مُتئق، وجاذب كيماوي chimiotactique. إن وجود هذين البروتينين في نسيج ما يسبب تحرر الأمينات الفاعلة وعائياً amines vasoactives من الخلايا البدينة ومن الأسسات، مما يؤدي إلى ازدياد النفوذ الوعائي وتوارد عدد كبير من متعددات النوى. إن توضع المعقد المناعي في النسيج المعني يجعل التقامها من قبل متعددات النوى التي انجذبت إلى ذلك الموضع أمراً صعباً.
    ويدفع هذا الوضع بمتعددات النوى لتحرر أنظيمات جسيماتها الحالّة في النسيح المصاب، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تكوّن آفة نسيجية تنكسية.
    ويمكن دراسة تفاعل أرتوس reaction d,Arthus طرازاً تجريبياً لفرط التحسس ذي المعقد المناعي، الذي يُعد ارتكاساً موضعياً ينجم عن وجود مستضد خارجي المنشأ.
    ويعمد عملياً إلى إيضاح تفاعل أرتوس في منطقة محددة من الجسم تحتل جدار وعاء دموي وجزءاً من المنطقة المحيطية بهذا الجدار، وغالباً ما يبرهن على حدوث هذا التفاعل في الجلد. ويتم عادة تحسيس حيوان التجربة بإعطائه جرعات منتظمة من المستضد حتى يرتفع تركيز الضد القابل للترسب، وخاصة الغلوبلين المناعي (IgG) G ارتفاعاً واضحاً، وحينما يحقن المستضد تحت الجلد يحدث تفاعل التهابي، يبلغ ذروته في 4 إلى 10 ساعات (وسطياً 5 إلى 6 ساعات). وتتشكل في منطقة الحقن وذمة يتناسب حجمها وكمية المستضد المحقونة. وغالباً ما يترافق هذا التشكل مع حدوث نزف داخلي. ويتراجع التفاعل تدريجياً، ولا تبقى منه إلا آثار محدودة بعد 24ساعة.
    لقد بينت الدراسات التي استخدمت فيها تقنية التألق المناعي immunofluorescence أن المستضد، والضد، والمتممة تترسب كلها على جدار الوعاء الدموي المعني، ويعقب هذا الترسب اجتياح متعددات النوى تلك المنطقة، مما يؤدي إلى تكدس الصفيحات، التي قد تسبب، في الحالات المتطرفة، انسداد الوعاء، وحدوث نخر خلوي. ويتم بعد مضي مدة تراوح بين 24 و 48 ساعة على عملية الحقن الاستعاضة عن عديدات النوى بعدد مماثل من وحيدات النوى، ترافقها أحياناً بعض الخلايا المصورية (البلاسمية). ولقد أوضحت هذه الدراسات أيضاً أن تفعيل المتممة شرط أساسي لحدوث تفاعل أرتوس، وأن غياب عديدات النوى يجعل التفاعل مقتصراً على وذمة متوسطة الحجم غير مترافقة مع نزف داخلي.
    إن شدة التفاعل، كما هو متوقع، ترتبط بنسبة الضد إلى المستضد، إذ أن كمية المعقدات المتشكلة في حال تعادل تركيز عنصري التفاعل تكون أعلى مما لو كانت هنالك زيادة في الضد، أوزيادة في المستضد. ويكون التفاعل في الحالتين الأخيرتين كلتيهما أقل حدة.
    4ـ فرط التحسس الآجل: بناء على التصنيف الذي وضعه كومبس وغيل فإن ظاهرة فرط التحسس الآجل (فرط التحسس ذي الوساطة الخلوية hypersinsibilité à mediation cellulaire) تضم كل حالات فرط التحسس التي يتطلب ظهور الأعراض فيها أكثر من اثنتي عشرة ساعة، خلافاً لأنماط فرط التحسس الثلاثة السابقة، فإن فرط التحسس الآجل لا يمكن نقله من حيوان إلى آخر بوساطة المصل إنما يمكن نقله بالخلايا التائية، التي تؤدي، على ما يبدو، دوراً بارزاً في فرط التحسس الآجل.
    ويجمع المؤلفون على أنه يمكن وضع حالات فرط التحسس الآجل كافة في أربع مجموعات، تضم الثلاث الأولى منها حالات فرط التحسس التي يحتاج ظهور الأعراض فيها إلى مدة تراوح بين 12 و 72 ساعة بعد دخول المستضد الجسم.
    أما في المجموعة الرابعة فإن ظهور الأعراض يتطلب أسابيع. ولكن على الرغم من هذا التصنيف، الذي اتُخذ فيه زمن ظهور الأعراض معياراً أساسياً، فإن فرط التحسس الذي يصيب الأفراد غالباً ما تدخل أعراضه في أكثر من مجموعة، كما يمكن للمستضد الواحد أن يثير فرط تحسس يمكن تصنيف مراحله في مجموعتين مختلفتين، تتعاقبان الواحدة إثر الأخرى.
    المجموعة الأولى: فرط تحسس جونس موت: تظهر أعراض هذه المجموعة إثر انقضاء مدة 24 ساعة حداً أقصى على التعرض للمستضد.
    ويمكن إحداث فرط تحسس جونس موت بالقبيعة بحقن مستضد بروتيني، كألبومين البيض ovalbumine مثلاً مع مساعد فروند غير التام adjuvant incomplet de Freund (الذي هو زيت معدني خاص) في الجلد. وتظهر أول أعراض فرط التحسس عندئذ إثر انقضاء نحو 10 ساعات، وتبلغ ذروتها بعد 14 ساعة.ويتميز فرط تحسس جونس موت باجتياح الأسسات لأدمة منطقة الحقن. أما إذا حقنت القبيعة بالمستضد ذاته إنما مع مساعد فروند التام adjuvant complet de Freund (الذي هو خلاصةالجراثيم المتطفرة ممزوجة بالزيت المعدني) فتظهر عندئذ أعراض التفاعل السليني (المجموعة الثالثة)، وتجتاح المنطقة كريات بيض، لا تشكل الأسسات إلا جزءاً بسيطاً من مجموعها (خلافاً لفرط تحسس من نمط آخر يشبه كثيراً التفاعل السليني، وتظهر أعراضه متأخرة نسبياً، إذا ما حقنت القبيعة بألبومين البيض ممزوجاً مع مساعد فروند غير التام، ومن ثم عولج الحيوان بمادة السيكلوفوسفاميد cyclophosphamide.
    يتضح مما سبق أن مستضداً محدداً يمكن، إذا ما حقن بشروط مختلفة، أن يسبب ظهور أعراض مجموعتين على الأقل من المجموعات الأربع لحالات فرط التحسس الآجل.
    المجموعة الثانية: فرط تحسس التماس: يُتفق عامة على أن الحد الأدنى للزمن اللازم لظهور الأعراض الناجمة عن فرط تحسس التماس هو 48ساعة، وتصل الأعراض ذروتها إثر انقضاء 72 ساعة، على التعرض للمستضد، وتتميز هذه المجموعة سريرياً بحدوث إكزيمة (نملة) eczéma في منطقة التماس. ويشكل معدن النيكل ومادة الأكريليك، وكلاهما يدخلان في بنية الكاوتشوك، المحسس الأساس في أوربة، في حين تشكل أشجار السماق والسنديان السامة المصدر الرئيس للمستأرج في الولايات المتحدة الأمريكية.
    ولأن جزيئات هذه المواد لا تثير بمفردها استجابة مناعية بسبب صغر وزنها الجزيئي، فقد أمكن البرهان على أن هذه المواد وبعد دخولها الجسم عن طريق الجلد، ترتبط بأحد بروتينات الذات (الجسم)، بروابط تكافئية أو لاتكافئية.
    وغالباً ما يحدث هذا الارتباط بالزمرة الأمينية (NH2) للحمض الأميني الليزين الموجود في البروتين. عندئذ فقط يصبح المستأرج مستمنعاً، وتستطيع عندئذ التائيات أن تميز هذا المعقد المقترن والمؤلَّف من المستأرج والبروتين الحامل له، تميزه ككل تمييزاً نوعياً. وعلى ما يبدو، فإن ارتباط المستأرج بالبروتين الحامل يغير من الشكل الفراغي لهذا البروتين، إذ تستطيع التائيات تمييز بروتين الذات بعد أن اقترن بالمستأرج. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه أمكن التوصل إلى هذه المعلومات عن طريق استخدام المستأرج الثنائي نيترو الكلوروبنزين dinitrochlorobenzéne.
    المجموعة الثالثة: فرط التحسس السليني: كان كوخ Koch (مكتشف العصية السلية) أول من وصف فرط التحسس السليني، فقد لاحظ أن حقن مادة السلين tuberculine، وهي بروتين شحمي يستخلص من العصيات السلية، تحت الجلد يثير، لدى المرضى بالسل، تفاعلاً حمياً وتوعكاً عاماً. ويرافق هذا التفاعل تشكل جسوء induration وورم في نقطة الحقن وقد وجد فيما بعد أن مستضدات عدة قابلة للانحلال بالماء، استخلصت من المتفطرة السلية Mycobacterium tuberculosis والمتفطرةالجذامية Mycobacterium leprae، والليشمانية الاستوائية Leishmania tropica، تستطيع أن تثير تفاعلاً مماثلاً لدى أفراد محسسين نحو هذه المستضدات (أي تعرضوا مسبقاً للخمج بهذه العوامل الممرضة). وغالباً ما يستخدم هذا التفاعل الجلدي اختباراً لمعرفة احتمال أن يكون الفرد قد سبق وتعرض للخمج بجرثوم معين.
    كما اتضح من الدراسات التي أجريت في هذا النطاق أن مستضدات غير جرثومية تستطيع إحداث التفاعل السليني. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن السل والجذام يعدان مرضين من أمراض فرط التحسس ذي الورم الحبيبي.
    أما التغيرات الخلوية - النسيجية التي ترافق حدوث هذا التفاعل، فإن منطقة الحقن تصبح، بعد انقضاء مدة 24 ساعة، مشحونة بالخلايا الوحيدة النواة، التي يكون نصفها تقريباً من اللمفويات، والنصف الآخر من البلاعم.
    ويلاحظ في منطقة التفاعل لدى الإنسان ندرة متعددات النوى. ويزداد عدد اللمفويات بعد انقضاء 48 ساعة، إذ تتوضع بغزارة بين الألياف الضامة. أما نسبة البلاعم فتتناقص تدريجياً.
    وعلى الرغم من أن التفاعل يصل في هذه المرحلة ذروته، فإن تحوله من النمط السليني إلى النمط الحبيبي أمر غير بعيد الاحتمال، ذلك أن هذا التحول يعتمد على استمرار وجود المستضد.
    وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن التفاعل السليني لا يتميز بوجود عدد كبير من الأسسات في منطقة الحقن.
    المجموعة الرابعة: فرط التحسس ذو الورم الحبيبي: لأن فرط التحسس ذا الورم الحبيبي مسؤول عن معظم التأثيرات المرضية التي تشتمل على استجابة مناعية خلوية (وساطة التائيات) à médiation cellulaire T، فإن هذا النمط من فرط التحسس يعد، من الناحية السريرية، أهم أنماط فرط التحسس الآجل. وينجم فرط التحسس ذو الورم الحبيبي عن استمرار وجود مستضد ما - غالباً ما يكون أحد الأحياء المجهرية - في البلاعم التي لا تستطيع تدميره (أي حلمهة مكوناته). وقد ينجم فرط التحسس ذو الورم الحبيبي هذا عن استمرار وجود المعقد المناعي، كما هي الحال في الأسناخ الرئوية الأرجية.

    الجدول 2 خصائص مجموعات فرط التحسس الآجل
    المجموعة جونس - موت التماس
    السليني الورم الحبيبي
    زمن التفاعل 24ساعة 48ساعة 48ساعة 4أسابيع
    المظاهر السريرية تورم الجلد إكزيمة جسوء موضعي وورم قد يترافق مع حمى جسوء جلدي
    المظاهر النسيجية الأسسات واللمفيات ووحيدات النوى وحيدات النوى، تشكل وذمة،احتقان الأدمة وحيدات النوى واللمفيات والوحيدات، ندرة متعددات النوى خلايا ظهرانية ورمية، خلايا عملاقة، بلاعم نخر خلوي، تليف
    المستضد المستضدات المحقونة في الجلد، كالبومين البيض تماس جلدي مع النيكل والمطاط مثلاً أشجار السماق والسنديان السامة حقن السلين في الجلد. مستضد المتفطرات السلية والجذاميةوالليشمانيات استمرار وجود المستضد أو المعقد المناعي ضمن البلاعم، أو المادة اللااستضدادية كالطلق مثلاً

    وتؤدي الظاهرة إلى تشكل ورم حبيبي granulome، يتألف من خلايا ظهرانية èpithelioide. وعلى الرغم من أن المظهر النسيجي لفرط التحسس ذي الورم الحبيبي يختلف اختلافاً واضحاً عما يحدث في التفاعل السليني، فإن كليها يمكن أن يحدثا نتيجة تحسيس الجسم بمستضد واحد، كالمتفطرة السلية أو المتفطرة الجذامية مثلاً. وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن لأرجية الزركونيوم أن تؤدي إلى تشكل ورم حبيبي مناعي المنشأ يشبه الورم ذا الأصل الجرثومي. كما يمكن تحريض تشكل الورم الحبيبي بمواد ليست استضدادية، كالطلق talc، مثلاُ، ذلك أن البلعميات لا تستطيع تفكيك هذه المادة. ويمكن تمييز هذا الورم الحبيبي اللامناعي بغياب اللمفيات من منطقة الآفة. وعلى الرغم من أن جميع حالات فرط التحسس ذي الورم الحبيبي تتميز بوجود الخلايا الظهرانية فإن أصل هذه الخلايا لا يزال مجهولاً، ويرجع البعض أنها مشتقة من البلعميات المفعَّلة. ويلاحظ أيضاً في فرط التحسس ذي الورم الحبيبي وجود خلايا لانغرهانس Langerhans.
    وتشتمل هذه الخلايا العملاقة على عدة نوى محيطية التوضع، وعلى حويصلات تحتل المنطقة الموجودة تحت الغشاء الخلوي مباشرة، وعلى عدد من المتضمنات inclusions، كما تحوي هذه الخلايا شبكة هيولية داخلية reticulum endoplasmiqueضامرة، وتبدو المصورات الحيوية (الكوندريوم) فيها، وكذلك الجسيمات الحالة، كأنها تعاني من التنكس.
    ويمكن لهذا التنكس أن يزداد، مؤدياً إلى تخرب البنية الخلوية بأكملها، وحدوث النخر الخلوي المترافق مع التليف.
    ويلخص (الجدول 2) الخصائص الأساسية لمجموعات فرط التحسس الآجل الأربع.
    هاني رزق

  3. #493
    الإرضاع

    الإرضاع nursing هو العملية التي يقدم بها الغذاء للرضيع وله ثلاث طرائق: الإرضاع الطبيعي والإرضاع الاصطناعي والإرضاع المختلط الذي يجمع بين الإرضاعين.
    كان الإرضاع الطبيعي ولا يزال أهم طريقة لتغذية الطفل، وقد حاول الأطباء المختصون بالتغذية منذ عشرات السنين إيجاد بدائل لحليب الأم فكان الإرضاع الاصطناعي بحليب البقر أو الماعز أو الغنم بنسب وتمديدات مختلفة. ثم عرفت أصناف من الألبان التجارية المعلبة وجرى تطويرها وتنويع تركيبها مع الزمن. وكان آخر المحاولات تصنيع الألبان المركبة التي تعادل في مكوناتها حليب الأم وأُطلق عليها اسم الألبان «المؤنسنة».
    الإرضاع الطبيعي
    إن للإرضاع الطبيعي مزايا عملية ونفسية، إذ يعدّ حليب الأم أفضل الأنواع الملائمة للرضيع، لأنه يلبي حاجاته على الوجه الأكمل، فهو متوافر دائماً بالحرارة المناسبة من دون حاجة إلى تحضير، وهو طازج خال من الجراثيم، لذلك تكون الاضطرابات الهضمية الناجمة عن استعماله أقل من بقية أصناف الحليب الأخرى، وقد تبين أن الكثير من حالات الأرجية allergy وعدم تحمل بروتين حليب البقر هي المسؤولة عن نسبة كبيرة من اضطرابات التغذية عند الأطفال كالإسهال والنزف الهضمي (وهذا ما لا يشاهد في الإرضاع الطبيعي). كما أن الرَّيْل spitting والمغص والإكزيمة البنيوية أقل مصادفة في الإرضاع الطبيعي.
    يحتوي حليب الأم على أضداد الجراثيم والفيروسات، وفيه نسبة عالية من الغلوبلين المناعي IgA كما أن الأطفال المولودين من أمهات لديهن نسبة عالية من أضداد شلل الأطفال يقاومون الأخماج infections التي تحصل من لقاح الشلل الموهَّن الفوعةattenuated، وهذا الأثر واضح حينما يكون الطفل وليداً ولكن ذلك لا يتعارض مع التمنيع immunization الفعّال في الأشهر الثاني والرابع والسادس من العمر. كما تبين أن بعض المواد الموجودة في حليب الأم تحول دون الإصابة بهجمات النكافmumps والنزلة الوافدة (أنفلونزا) والتهاب الدماغ الياباني B. وقد يكون للأضداد التي تمر إلى حليب الأم فعالية ممنعة في الجهاز الهضمي ضد العضويات التي تدخل إليه فتوجد البلاعم macrophages بصورة طبيعية في اللبأ وحليب المرأة، وقد تكون قادرة على تشكيل المتممة complement والليزوزيم واللاكتوفيرين «وهو البروتين المتحد الذي يتميز بأنه مثبط لفوعة الجراثيم القولونيةE.Coli. في الأمعاء».
    كما أن (PH) البراز في الإرضاع الطبيعي أخفض منه في الإرضاع الاصطناعي وتكون محتوياته من الجراثيم من نوع العصيات اللبنية Lactobacillus أكثر إذا ما قورنت مع العصيات القولونية الشكل Coliform في الإرضاع الاصطناعي. كما أن حليب المرأة يحتوي على عامل نمو يسهل نمو العصيات اللبنية في الأمعاء، وقد يقي النبيتُ (الفلورا) المعويُّ في الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم من الأخماج ببعض القولونيات. كذلك فإن الليباز المحرَّضة بالأملاح الصفراوية تقتل الجيارديات والمتحولات الأميبية. إن حليب الأمهات اللواتي يتناولن تغذية محكمة يمد الرضيع بالعناصر الغذائية مداً جيداً في الأشهر الأولى من العمر، لكنه يحتاج بعدها إلى إضافة الفيتامين «د» والحديد إلى غذائه.
    الإرضاع الاصطناعي
    إن أساس أغلب المركبات التي تستعمل في الإرضاع الاصطناعي هو حليب البقر أو أشكاله المعدَّلة. وهناك أنواع أخرى من الحليب وبدائله متوافرة للأطفال الذين لا يتحملون حليب البقر.
    وتقلل عمليات تعقيم هذه المركبات وتبريدها من نسبة الأمراض والوفيات التي تسببها الأخماج المعوية، وإن معاملة الحليب بالغلي البسيط أو البسترة أو التجنيس أو التبخير.. تغير الجُبنين casein وتجعل الخثارات المتكونة في المعدة سهلة الهضم. وقد دلت الدراسات الموضوعية الغذائية لنمو الأطفال «فيما يخص الوزن والطول» على وجود فروق بين الأطفال الذين يتغذون بحليب البقر والذين تُرضعهم أمهاتهم.
    أما الحليب المستخدم في المركبات الاصطناعية فمنه الحليب غير المطهو raw-milk ولا ينصح به لتغذية الرضع لأنه يكوِّن خثارة كبيرة في المعدة ويتلوث بسرعة، ومنه الحليب المبسترpasteurized-m والبسترة تتلف الجراثيم الممرضة وتعدل الجبنين وتجعله أقل حجماً، ومع ذلك، يجب أن يغلي الحليب المبستر عندما يستعمل في تغذية الرضع كما يمكن حفظه في البراد مدة 48 ساعة حداً أعلى. ومن الحليب المستخدم أيضاً الحليب «المجنس» homogenized-milk: والتجنيس يحطم كريات الدسم، ومن ميزاته أن الخثارة تكون أصغر حجماً والهضم أسهل، ومنه كذلك الحليب المبخر: evaporated-milk، ويتميز بتكوين خُثارة صغيرة في المعدة.
    تحتاج تهيئة الحليب للإرضاع إلى إضافة الماء بنسبة 1:1، وأكثر أنواع الحليب المحضر مشتق من حليب البقر ومعظمها متوافر في شكلين: سائل ومسحوق. ويشبه تركيب حليب الأم ولكنهامزودة بمقادير من الفيتامين «د» وبعضالفيتامينات الأخرى الإضافية وقد يزاد على بعضها الحديد.
    وهناك أنواع أخرى معدّة لأحوال غذائية خاصة كالحليب المنخفض الصوديوم المستخدم في «تدبير» الأطفال المصابين بقصور القلب الاحتقاني، ولكن يجب استعماله بحذر.
    وهناك الحليب المنخفض المحتوى من الفنيل آلانين الذي يعد أساسياً في تغذية الأطفال المصابين ببيلة الفنيل كيتون. ثم هناك الحليب المكثف condensed milk وهو عالي السكر منخفض الدسم والبروتين، ويلجأ إليه حينما تدعو الحاجة إلى حمية غنية بالحريرات. وهناك أيضاً الحليب المجفف الكامل الدسم dried whole milk وميزاته تفوق الحليب المبخر لكن تركيبه يتغيرعند تعرضه للهواء. وهناك الحليب المجفف الخالي من القشدة dried skim m ومقدار الدسم فيه يساوي 0.5٪ أما كمية الدسم في الحليب نصف الدسم فيقدر بـ1.5٪ وكلاهما متوافر ويستعملان للأطفال المصابين بعدم تحمل الدسم. أما الحليب المحمض والمخمر acid and fermented m فنادراً ما يستخدم في تغذية الرضع لأنه يميل إلى إحداث الحماض. وهناك حليب الماعز الذي يستخدم لمن يتحسس بحليب البقر، وهو أقل شيوعاً من حليب فول الصويا أو الحليب المشتق من لحم الخروف أو من حلالات الكازئين. ويحوي حليب الماعز بالموازنة مع حليب البقر نسبة أقل من الصوديوم ونسبة أعلى من البوتاسيوم والكلور وحمض اللينوليئي وحمض الأراكيدونيك، كما أن الدسم فيه أكثر قابلية للهضم، لكنه فقير بالفيتامين د والحديد وحمض الفولي، ولذلك فالاقتصار عليه يسبب فقر الدم الكبير الكريات macrocytic anemia إضافة إلى إمكان التعرض لداء البروسيلات [ر] عند تناوله وهو متوافر بنوعين مبخر ومسحوق.
    وهناك الحليب البروتيني ويجب أن يستخدم بحذر ولمدة قصيرة. يضاف إلى كل ماسبق بدائل الحليب والحليب المنخفض القدرة على توليد الحساسية: ويستعملان للأطفال الذين لديهم قابلية التحسس بحليب البقر، ومنها مستحضرات تحوي حلالات بروتينية، وبعضها لا يحوي لاكتوزاً وبالتالي فهي مفيدة للمصابين بالغالاكتوزيميا، كما أن بعضها خال من اللاكتوز ويحوي غليسريدات متوسطة السلسلة.
    وثمة بدائل غذائية عنصرية أعدت لمواجهة المشاكل الغذائية عند الأطفال والكهول الذين يعانون من سوء الامتصاص بسبب مرض أساسي أو استئصال جراحي.
    نصائح تتصل بالإرضاع الاصطناعي
    تنصح الأمهات عند إرضاع أطفالهن بحليب غير حليبهن، تجنباً للاضطرابات الهضمية، باستخدام عدد من الزجاجات المقاومة للحرارة والملساء من الداخل والمرقمة وذات الفتحة الواسعة واستخدام عدد من الحلمات يزيد على عدد الرضعات، وغلي الزجاجات والأدوات مدة 10 دقائق. أما الحلمات المطاطية فتغلى 5 دقائق فقط.
    وأخيراً لا بد من التأكيد أن حليب المرأة هو المثالي لتغذية الرضيع في المراحل الأولى الحاسمة من تطوره ونموه السريعين، ولكن هذا لا يمنع من استخدام الحليب الاصطناعي غذاءً إضافياً عند عدم كفاية حليب الأم.
    هاني مرتضى

  4. #494
    استذابة الجراثيم

    اسْتِذَابة الجرثوم lysogeny هي مَقدرة الجرثوم على إنتاج العاثية phage وإطلاقها، وذلك بعدما يحدث ارتباطٌ نوعيٌ بين المادة الوراثية (المجين أو مجموع المورثات genome) التي تعرف بطليعة العاثية والمادة الوراثية للجرثوم. وتعد الجراثيم مُضيفاًhost لزمرةٍ خاصة من الفَيْروسات تُعرَف بعاثيات الجراثيم bacteriophages. أما الفَيْروس، وهو أصغر العوامل الخَمجَّية، فيتألف من الدنا DNA على الغالب أو الرنا RNA، وغلاف بروتيني يعرف بالقُفَيْصَة أو المحفظة capsid، ولا يُرى إلا بالمجهر الإلكتروني، ولا يستطيع التكاثر إلا بعد أن يُسَخِّر آليات مُضيفه الكيمياوية الحيوية، وعلى ذلك فهو لا يتكاثر إلا ضمن الخلايا الحيَّة فقط. وعندما يخترق «دنا» الفَيْروس (وهو العاثية هنا) الجرثوم فإما أن تحتفظ الجينات الفيروسية بخصائصها ويتكاثر الفيروس عندئذٍ مما يؤدي إلى انحلال الجرثوم ويطلق على العاثية في هذه الحالة اسم العاثية الإنباتية vegetative phage أولا تحتفظ هذه الجينات الفيروسية بخصائصها ويصبح «الدنا» الفيروسي في هذه الحالة جزءاً مادياً من صبغي الجرثوم وتعرف العاثية عندئذٍ بالعاثية المعتدلة temperate phage. فإن أَخمَجَت العاثيةُ المعتدلةُ الجرثومَ عُرف الجرثوم بالجرثوم المُستَذيب، وتتكاثر العاثية مع هذا الجرثوم لأجيال كثيرة من دون أن تبدي جراثيم هذه الأجيال دليلاً على إصابتها بالخمج.
    وتجعل العاثية المعتدلة الجرثوم مُستَذيباً بحسب الآلية التالية:
    بعد أن تخترق العاثية المعتدلة الجرثوم وتَقذِف بدناها في سيتوبلازم الجرثوم يندمج «الدنا» في صبغي الجرثوم المضيف ويصبح جزءاً مادياً منه، ويطلق عليه طليعة العاثية prophage، وتظهر مواد بروتينية تثبط تكاثر العاثية وتمنعُ انفصالَ طليعة العاثية عن المادة الوراثية للجرثوم بعد أن تندمج فيها كما تمنعُ جينات العاثية الأخرى من الاحتفاظ بخصائصها، مما يسمح بتكاثر «دنا» الفيروس.
    الشكل (1)
    دورة حل تنجم عن فعل عاثية مخمجة أو طافرة مخمجة لعهاثية معتدلة، ودورة اختزال سببها عاثية معتدلة

    يتكاثر «دنا» الفيروس كلَّما تضاعف صِبْغي الجرثوم، وهكذا تَرِثُ جميع الخلايا الوليدة نُسخةً من طليعة العاثية في صبغياتها مما يجعلها تحمل المقدِرة على إنتاج العاثية.
    ويتَّصف الجرثوم المُستذيب بالمناعة على الخمجبالعاثية التي أَخمَجته من قبل وحَمَلَ طليعة العاثية الخاصة بها. أمَّا عندما يتعرض الجرثوم غير المستذيب إلى الخمجبالعاثية فإنها تتكاثر وتحل الجرثوم.
    وتحدث الاسْتِذابة في عدد قليل من جيل ما من جراثيم مُستَنْبت مُستذيب. ومع ذلك يختلف هذا العدد القليل باختلاف أنماط الجراثيم إذْ قد يبلغ 5×10-3 في بعض الأنماط و2×10-5 في الأنماط الأخرى. أمَّا بقية جراثيم المُستَنْبت فتحتفظ بمقدرتها على إنتاج العاثية وتنقل هذه المقدرة إلى ذُرِّيتها ولعدد غير محدود من الأجيال.
    ولا بد؛ لحدوث الاسْتِذابة، من عاملٍ محرض يؤدي إلى تعطيل البروتينات الكابتة في سيتوبلازم الجرثوم وتخريبها، مما يؤدي إلى انفلات طليعة العاثية من عقالها وتكاثرها لتحدث في نهاية المطاف حل الجرثوم. وقد يَحدَث هذا التحريض تلقائياً، وهو ما يتم في انحلال الخلايا فُرَادَى أو قد تُحدِثُه الأشعةُ فوق البنفسجية التي تؤدي، فيما يبدو، إلى تراكم المحرض في سيتوبلازم الجرثوم وتعطيله لكابت العاثية. وقد تكون الحرارة مُحَرِّضاً إذ تمَّ الحصول على عاثيات طافِرة تُنتِجُ كابتاتٍ قابلة للعطب بالحرارة يمكن إتلافها برفع درجة الحرارة إلى 44ْ س.
    الشكل (2) الاستذابة

    - النقل والقلب أو التحويل: يمكن أن يُخمِج الجرثوم المستذيب جرثوماً آخر ويَستَذيبه. فالعاثية المُستَذيبة التي يحملها المضيف الأول يمكنها أن تُخمِجَ مضيفاً ثانياً، ويؤدي ذلك إلى انتقال جين واحد أو أكثر من جينات المضيف الأول إلى جينات المضيف الثاني. وهذا هو التنبيغ transduction وهو خاصية موروثة. فإن نَمَت العاثية، مثلاً، في مُستَنْبتٍ جرثومي لا يُخمِّر اللاكتوز فإن ما يقرب من 1×10-6 من جراثيم هذا المُستَنْبت يصبح مخمراً لللاكتوز إذا كان من صفات هذه العاثية تَخمير اللاكتوز.
    أمَّا في حالات أخرى فإن جينات العاثية نفسها تُحدِّد صفاتِ الجرثوم وخواصَه. فالوتَديَّات الخُنَّاقِيَّة مثلاًcorynobacterium diphtheriae لا تُطلق الذيفان إلا إذا اسْتَذابتها العاثية، أمَّا إذا أَخْمَجَت العاثيةُ السَلْمونيلَة فإنها تكسبها بنية سطحية مُستَضِدّيَّة جديدة. ويعرف ظهور خواص جديدة في الجرثوم نتيجة الخمج بالعاثية بالقلب أو التحويل conversion.
    وهكذا فإن القلب أو التحويل يختلف عن التنبيغ في وجود الجينات، التي تتحكم في الخواص الجديدة للجرثوم، في المادة الوراثية للعاثية من دون أن توجد الجينات في صبغي الجرثوم المضيف إطلاقاً.
    أمّا الأهمية السريرية للقلب أو التحويل فَتَتَّضح في الخُنَّاق «الديفتريا» وهو مرضٌ تنجم الأعراضُ الخطيرة فيه عن ذيفان خارجي له خواص سُميَّة وحالَّة ولاتُفرِزهُ إلا الوتديَّات الخُنَّاقيَّة المُستَذِيبة. والذيفان الخارجي الذي يُسبِّب الحمى القرمزية أو التسمم الوشيقي بوتوليزم botulism لا تُفرِزهُ إلا الذراري الجرثومية المستذيبة من العامل الممرض الخاص بكل من هذين المرضين.
    تجعل الاسْتِذابة الفَيْروس يتكَّيف ويتعايش مع الجرثوم على نحوٍ لا يؤذيه. ويتحقق ذلك للفيروس بقطع صلته بأسباب دعم حياته جرَّاء تعطيلها وتخريبها. كما أنَّ الاسْتِذابة تقي الجرثوم من الخمج الانحلالي. إضافة إلى أن العاثية بنقلها جينات جديدة للجرثوم عن طريق التنبيغ أو التحويل تُزيد قابلية الجرثوم للحياة وذلك لأنها تُمدُّه بأسباب مقاومته للصادات.
    - الجراثيم المستذيبة المعيبة defective: قد تُصاب العاثية المعتدلة بِطَفْرة mutation تُفقِدها مَقدرتها على إحداث الاسْتِذابة، وقد تَحدُثُ هذه الطَفْرة في أجزاء مختلفة من المادة الوراثية للعاثية.
    فإصابة الجين المُنَظِّم للعاثية تؤدي إلى عدم مقدرتها على اصطناع المادة الكابتة وإنتاجها.
    كما تؤدي إصابة الجين إلى عدم حساسية مُشَغِّل العاثية phage operator للمادة الكابتة.
    قد تصيب الطَفْرة منطقة من المادة الوراثية للعاثية تقترن مع المادة الوراثية للجرثوم فتحول دون حدوث التأشب بينهماrecombination، أو أن تَدفَعُ الطفرةُ العاثية إلى الاندماج بصِبْغي الجرثوم اندماجاً صميمياً لا انْفكاك منه ولو استُعمِلَت المُحرِّضات للحَثِّ على هذا الانفكاك. وقد تَصيب الطفرة إحدى المراحل الأساسية لإتمام دورة الانحلال. ويختلف مدى العيبdefection في الاسْتِذابة: فقد يحدث الانْحِلال في بعض الحالات بعد التحريض بوجه سوي ولكنه يؤدي إلى إطلاق عاثية ملائمة شاذة الشكل قليلاً أو كثيراًَ. وقد لا يؤدي التحريض في الحالات الأخرى إلى شيء على الرغم من انفصال المادة الوراثية للعاثية عن المادة الوراثية للجرثوم المضيف.
    ومع ذلك تبقى في سيتوبلازم الجرثوم من دون أن تتكاثر وتمر نحو الخلية الوليدة عند الانقسام الخلوي. ويُطلَقُ على وجود المادة الوراثية للعاثية في سيتوبلازم الجرثوم من دون أن تَنْدمج بمادته الوراثية الاسْتِذابة المُجْهضَة.
    محمد ياسين




  5. #495
    الإستروجينات

    الإستروجينات oestrogènes هرمونات ستيروئيدية يفرزها المبيضان و المشيمة كما تفرزها الخصية والكظر بمقادير أقل، تستقلب في الكبد وتنطرح مستقلباتها بطريق البول والبراز. تأثيرها الذي عرف أولاً إثارة الوداق oestrus ومنه اشتق اسمها باللاتينية، ولها تأثيرات أخرى في جهاز المرأة التناسلي وفي غيره من الأجهزة، وأمكن صنع إستروجينات تركيبية مختلفة.
    التركيب الحيوي والاستقلاب والانطراح
    الهيكل الأساسي في الإستروجينات كما في كل الستروئيدات ـ (عدا الدي ستيلبسترول والدينسترول) هو الـ tetra cycliquedu cyclo-perhydro - pentano- phénantrène وهناك ثلاثة إستروجينات طبيعية يحوي كل منها 18ذرة كربون سميت كلها الستيروئيدات الفينولية، لوجود وظيفة فينولية في 3من الحلقة A وهي: الإسترون أو الفوليكولين أو الهرمون الجريبي، والإستراديول والإستريول، يبين الشكل (1) صيغتها المختصرة.
    الشكل (1) الصيغ المختصرة للستيروئيدات الفينولية
    تتكون الإستروجينات في المرأة في سن النشاط التناسلي بشكل دوري يتماشى مع أطوار الدورة الطمثية، فالطبقة القشرية الداخلية من المبيضين في الطور الجريبي من الدورة الطمثية هي التي تكوّن الأندروجينات اللازمة من الكولسترول ثم تحولها إلى إستروجينات، وذلك بسلسلة طويلة معقدة من التحولات والتفاعلات الكيمياوية وبوساطة بعض الأنظيمات، وتحت تأثيرالجملة العصبية والوطاء hypothalamus وهرمونات الفص الأمامي النخامي الموجهة للمنسل (الغدة التناسلية)، وتنتهي بتشكل الإسترون من الأندروستينديون androsténedione والإستراديول oestradiol من التستوسترون testosterone، ويتوازن الإسترون والإستراديول في الجسم بتفاعلات قابلة للعكس بينهما وبفعل إنظيم نوعي .
    أما في الطور اللوتيئيني فيقوم الجسم الأصفر الوظيفي بتركيب الإستروجينات بدلاً من قشرة المبيضين.
    وفي أثناء الحمل يُنتج الجسم الأصفر الحملي في الأسابيع الاثني عشر الأولى كميات كبيرة من الإسترون والإستراديول (حتى ug500 /24 ساعة)، وتفرز المشيمة بعد ذلك كميات كبيرة من الإستريول (قد تبلغ 20- 25مغ/ 24ساعة )، وذلك بتحويل طلائع الستيروئيدات الأندروجينية التي يفرزها كظر الجنين إلى إستريول أو إلى إسترون ـ إستراديول، وتنتقل هذه الهرمونات بطريق الدم إلى الحامل. والإستريول، الذي هو المستقلب الكبدي للإسترون والإستراديول خارج أوقات الحمل، يصبح في أثنائه هرموناً مسيطراً شاهداً على حياة الوحدة الجنينية ـ المشيمية، وتبقى العلاقة بين هذه الهرمونات الثلاثة ثابتة:

    إستريول = 10
    إسترون + إستراديول
    أما في الرجل فتنتج خلايا ليديغ Leidig في الخصيتين الإستراديول والإسترون. ويحدث تقويض catabolismeالإستروجينات في الكبد بآليتين:
    ـ يتحول الإستراديول والإسترون بتأثير إنظيم معين إلى مشتق إستروني ثم إلى إستريول ويتحول جزء قليل منها إلى مشتقات متيلية. وهناك توازن فيزيولوجي بين هذه الإستروجينات الداخلية المنشأ، فالعلاقتان:
    إسترون و إستريول + إسترون
    إستراديول إستراديول
    ثابتتان نسبياً بفعل إنظيمات خاصة.
    ـ مختلف هذه الإستروجينات تصبح بعد ذلك مقترنة conjugués بشكل غلوكورونيدات (95%) أو سولفات (5%)، وتؤدي دورة معوية كبدية إلى دوران الإستروجينات في الدم، وينطرح 65% منها مع البول و10% مع البراز بشكل إسترون سولفات أو بشكل مقترن مضاعف إسترون غلوكورونيد ـ سولفات. وإن الإستروجينات التي تجول في الدم هي حصيلة التوازن بين إفراز هذه الهرمونات واستعمالها في النسج المتقبلة (الرحم والثديين والدماغ والنخامى) أو تراجعها الاستقلابي في هذه النسج. وسواء أكانت هذه الهرمونات الستيروئيدية حرة أم مقترنة فإنها مرتبطة بألبومين المصل بنسبة 90%، والهرمون الحر هو وحده الفعال لأن المركب إسترون ـ بروتئين لا يستطيع اجتياز الغشاء الخلوي.
    وتختلف كمية الإستروجينات التي تجول في الدم بحسب أطوار الدورة الطمثية تبعاً لتأثير موجهات المنسل (الغدة التناسلية) المتبادل، إذ ترتفع الإستروجينات تدريجياً بعد الطمث حتى تصل إلى الذروة قبل البيض، ثم تهبط لتعود للارتفاع من جديد بعد البيض لتبلغ ذروة جديدة توافق ذروة عمل الجسم الأصفر، ثم تهبط تدريجياً لتبلغ أخفض مستوى قبل الطمث مباشرة. وتبدو في الجدول التالي مقادير الإستروجينات الثلاثة في البول في أثناء الدورة الطمثية (ومن المعلوم أن منحنى الإستروجينات في البول يوازي المنحنى في المصل).
    أما بعد انقطاع الطمث فيهبط مقدار الإستروجينات بشدة حتى أقل من 10 Ml/Pg للإستراديول وأقل من 30 Ml/Pgللإسترون.
    التأثيرات الفيزيولوجية
    تعرف الإستروجينات بأنها هرمونات الأنثى الجنسية، وهي في الواقع كذلك، لأنها تؤثر في كثير من صفات الأنثى المميزة كتوزع الشحوم ونمو الثديين والأعضاء التناسلية الظاهرة وتؤثر في نمو كل النسج المشتقة من قناتي مولر.
    وعدا هذه التأثيرات في جهاز المرأة التناسلي وصفاتها الثانوية، تؤثر في الغدد الصم وفي مراقبة بروتئين الدم وشحومه وفي النسج الداعمة ولا سيما في الجهاز الوعائي والعظام.
    التأثير في الجهاز التناسلي: يبدأ البلوغ عند الأنثى بزيادة مفرزات موجهات المنسل النخامية التي تحرض المبيض على إفراز الإستروجينات التي تؤدي إلى سرعة نمو الرحم والمهبل والغدد التناسلية الملحقة في الأعضاء التناسلية الخارجية والحوض والثديين وأشعار العانة والإبطين.
    وفي سن النشاط التناسلي يبدو تأثير الإستروجينات في كل أعضاء الجهاز التناسلي.
    ـ فالمهبل يزداد تكاثر خلايا بشرته، وتحل فيها محل الخلايا المكعبة المنخفضة المؤلفة من طبقتين أو ثلاث طبقات، طبقات كثيرة من خلايا تتقرن السطحية منها تقرناً وصفياً تختلف شدته و نسبته تبعاً لأطوار الدورة الطمثية، وقد وصف بابا نيكولاو هذه التبدلات واتخذها وسيلة لتقدير تبدلات الإفراز الإستروجيني.
    ـ وعنق الرحم يلين مع زيادة إفراز الإستروجينات وتنفتح فوهته ويظهر المخاط الذي يفرز ويصبح سيالاً ليساعد حركة النطف في اجتيازها العنق لداخل الرحم.
    ـ وجسم الرحم يزداد حجمه وتثخن بطانته وتفرز أوعيته وتنمو غدده.
    ـ والبوقان تزداد حركتهما.
    ـ والمبيضان تنمو فيهما جريبات دوغراف ويتحرض تركيب البروستاغلاندين الذي يسهل البيض في نهاية الطور الإستروجيني للدورة الطمثية.
    ـ والثديان تنمو فيهما القنوات اللبنية وتتلون الهالة وتنتعظ الحلمة.
    التأثير في الغدد الصم: تؤثر الإستروجينات كذلك في الغدد الصم تأثيرات مختلفة.
    ـ فالنخامى، التي يؤدي موجه المنسل F.S.H الذي تفرزه إلى تحريض المبيض على إفراز الإستروجينات، تتأثر بهذه الإستروجينات تأثراً عكسياً، إذ تلجم فيها إفراز الـ F.S.H هذا منذ بدء الدورة الطمثية حتى قبيل البيض حينما تصبح كمية الإستراديول في الذروة، فتنخفض كمية الـ F.S.H وتزداد كمية L.H حتى تبلغ الذروة بعد 24-36 ساعة مما يؤدي إلى تحريض البيض.
    والوطاء يتأثر بالتلقيم الراجع feed back الإيجابي والسلبي لمراقبة إفراز موجهات المنسل النخامية.
    ويزيد فيه إفراز النوروفيزين neurophysin وهو ببتيد وطائي.
    ويحرض إفراز إنظيميين وطائيين هما الاوكسيتوسيناز oxytocynase الفاعل في تدرك degradation الاوكسيتوسين والـ L-cystin arilamydase المؤثر في تدرك الـ LRH.
    ـ والدرق يدل على تأثرها ميل النساء للإصابة بفرط نشاط الدرق والوذمة المخاطية أكثر من الرجال، وظهور هذه الآفات غالباً حين البلوغ وفي الحمل وفي سن انقطاع الطمث، كما تؤدي الإستروجينات إلى زيادة كمية التيروكسين الدموي المقترن بالغلوبولين، وبالمقابل يزيد فرط نشاط الدرق الإستروجين المقترن بالبروتين زيادة ظاهرة.
    ـ والكظر تزيد فيه كمية الكورتيزول المقترن بالبروتين وكمية الترانسكورتين.
    ـ والمعثكلة يزيد فيها إفراز الأنسولين وقد يكون ذلك عن طريق النخامى، كما تظهر البيلة السكرية في الكلاب والقردة المستأصلة معثكلتها وقد يكون ذلك عن طريق الكبد إضافة إلى زيادة إفراز الأنسولين.
    ـ والتيموس يضمر بإعطاء الإستروجينات.
    زمن الدورة الحدود الدنيا والعليا التوسط
    إستراديول إسترون إستريول إستراديول إسترون إستريول
    بدء الطمث 0-3 4-7 0-15 2 5 6
    ذروة البيض 4-14 11-31 13-54 9 20 27
    ذروة الزمن اللوتثيني 4-10 10-23 8-72 7 14 22
    كمية الإستروجينات بالـ ug/24 ساعة
    التأثير في الاستقلابات: هناك تأثير في استقلابات مختلفة منها ما يلي:
    ـ استقلاب الكلسيوم: تثبت الإستروجينات الكلسيوم في العظام، لذلك يؤدي نقصها في مرحلة البلوغ إلى عيب في التحام المشاشات، كما يؤدي نقصها الكبير بعد سن انقطاع الطمث إلى الإصابة بتخلخل العظام وكثرة حدوث الكسور المرضية ولا سيما كسور عنق الفخذ.
    ـ استقلاب البروتينات: تنبه الإستروجينات استقلاب البروتينات فيزيد عدد من بروتينات الدم النوعية ولا سيما في أثناء الحمل كالتيروكسين المقترن بالغلوبولين (وهو بروتين نقل الهرمون اليودي مما يؤدي إلى ظهور فرط نشاط الدرق عند الحامل)، والترانسكورتين (وهو بروتين نقل الكورتيزول مما يؤدي إلى ظهور أعراض فرط الكظر في أثناء الحمل كذلك)، والانجيوتانسين، والعامل المخثر التاسع IX، وفيبرينوجين المصورة.
    ـ استقلاب الشحميات: تزيد الإستروجينات استقلاب الشحميات وتؤدي إلى حدوث مجمعات شحمية في النسج تحت الجلد ولاسيما في منطقة الثديين والوركين والإليتين.
    ويرى بعضهم أن الإستروجينات تزيد خاصة الليبوبروتينات العالية الكثافة high density lypoprotein (HDL) وتنقص الليبوبروتينات المنخفضة الكثافة low density lypoprotein (LDL). ولما كان عمل الـHDL نزع الكولسترول المتراكم على خلايا جدران الأوعية وحملها إلى الكبد لتخريبها، فإن ذلك يؤدي إلى الوقاية من الأمراض العصيدية في القلب والأوعية، ومن المشاهد كثرة هذه الحوادث عند النساء بعد انقطاع الطمث أي حين تنخفض مقادير الإستروجينات انخفاضاً كبيراً.
    على أن بعض النساء اللواتي يحملن ميلاً وراثياً قد يصبن بارتفاع الضغط الشرياني إذا تناولن كمية من الإستروجينات.
    ـ عناصر الدم: تزيد الإستروجينات عوامل تخثر الدم ولا سيما العوامل II وVII وIX وX مما يؤدي إلى ظواهر الصِّماتemboli فيمن يستعملن الإستروجينات مدة طويلة كاستعمال حبوب منع الحمل.
    ـ الماء والإلكتروليتات electrolytes، تزيد الإستروجينات انحباس الماء والإلكتروليتات في النسج مما يفسر حدوث الوذمةقبل الطمث وفي أثناء الحمل.
    ـ السرطانات: يؤدي إدخال مقادير كبيرة من الإستروجينات في حيوانات التجربة إلى حدوث السرطان في النسج الحساسة بهذه الهرمونات كالرحم، ويفسر ذلك بالتنبيه الكبير للفعاليات الانقسامية activités mitotiques والانقسام الخلوي الناجمة عن إعطاء الهرمون.
    زيادة إفراز الفوليكولين: يزداد إفراز الإستروجينات بدئياً (كما في الورم الفوليكوليني المفرز في المبيض، أو الحثلdystrophy الكيسي المفرز)، أو ثانوياً لتحريض من منشأ نخامي ـ وطائي، أو نتيجة معالجة شديدة بالإستروجينات، أو بسبب فرط حساسية الرحم غير الطبيعية.
    تشاهد في هذه الحالات متلازمة الضغط قبل الطمث (احتقان الثديين، وانتفاخ البطن، والنزق) أو النزف بفرط التنسجhyperplasia الغدي ـ الكيسي أو انقطاع الطمث بفقد التوازن الإستروجيني ـ البروجستروني. ومتلازمة فرط الفوليكولين شاذة في الرجال وتنجم عن ورم في الخصية أو في الكظر وتتظاهر سريرياً بالتأنيث.
    نقص إفراز الفوليكولين: نادراً ما تكون متلازمات نقص الفوليكولين معزولة لأنها تؤدي إلى غياب البيض ونمو الجسم الأصفر، وتترافق لذلك بنقص اللوتئين، وتنشأ في الغالب عن اضطرابات مبيضية (كالتهاب المبيض وخلل تكون المبيض dysgenésie ovarienne) أو عن قصور نخامي ـ وطائي (كالإصابة بورم الفص الأمامي النخامي أو نخره بعد الولادة)، وتتظاهر سريرياً بعد البلوغ بانقطاع الطمث أو بالعقم.
    الإستروجينات التركيبية
    مركبات صنعية ستيروئيدية أو غير ستيروئيدية فعالة بطريق الفم، ويختلف استقلابها كثيراً عن استقلاب الإستراديول وتختلف تأثيراتها في مختلف الأجهزة عن تأثيرات الإستروجينات الطبيعية، وأشهر هذه المركبات الإتنيل إستراديول والدي انيسترول، والمسترانول...
    أما من ناحية الاستقلاب فالإستراديول يترك المبيض بالطريق الوريدي ويصل الى الكبد بالشرايين الكبدية، حيث يتأثر بالإنظيم الذي يقلبه إلى إستريول، أما الإستروجينات التركيبية المأخوذة بطريق الفم فتصل إلى الكبد عن طريق الجملة البابية وبمقادير أكبر ولا تتأثر بالإنظيم الذي يؤثر بالإستراديول الطبيعي، لذلك تتراكم في الكبد، الأمر الذي يفسر كثيراً من التأثيرات الثانوية بعد إدخال الإستروجينات التركيبية بطريق الفم، ولا يخلو إدخال هذه المركبات بطريق الوريد أو العضل أو تحت الجلد أو المهبل من محاذير أيضاً، ولو أن توزعها في الجسم هنا أقرب إلى ما يحدث في الحالة الفيزيولوجية بتجنب المرور الأولي إلى الكبد.
    وأما تأثيراتها في الأجهزة فتتعلق بنموذج المحضّر المستعمل وطريق الإدخال ومدة الاستعمال واستعمالها وحدها أو مشتركة مع البروجسترونات. ويمكن تلخيص هذه التأثيرات بما يلي:
    ـ الضغط الشرياني: لا يتأثر بالإستراديول الطبيعي ويرتفع بالإستروجينات التركيبية ارتفاعاً بسيطاً.
    ـ الأوعية: يقي الإستراديول الطبيعي الأوعية من الإصابة العصيدية، أما الإستروجينات التركيبية والمقترنة فتسبب آفة للأوعية إذ تثخن باطنة الشريان intima وتتكاثر البطانة endothelium من دون آفة تصلبية عصيدية، ولكنها تحدث الانسداد التدريجي بالخثار thrombose.
    ـ التخثر: لا يؤثر الإستراديول في عوامل التخثر، في حين تؤدي الإستروجينات التركيبية إلى فرط قابلية التخثر التي تبدو واضحة بزيادة الإصابة بالخثرات الدماغية والرئوية والقلبية في المريضات اللواتي يعالجن بالإستروجينات مدة طويلة، وتزيد هذه الإصابات حين استعمال المقادير العالية وعند المدخنات وحين نقص الفعالية الحالة للفيبرين في جدر الأوعية.
    لذا يجب الاقتصار على إعطاء الإستراديول بعد سن انقطاع الطمث ولاسيما فيمن لديهن سوابق خثرات صمامية thrombo- embolique.
    ـ والشحميات: يؤثر الإستراديول في استقلابها تأثيراً جيداً أما الإستروجينات التركيبية فتؤدي إلى زيادة صريحة في غليسيريدات الدم الثلاثية وكمية الليبوبروتينات المنخفضة الكثافة جداً VLDL وزيادة معتدلة في الـHDL، وتزيد هذه التأثيرات في نسبة حدوث التعصد ولا سيما حين وجود سوابق زيادة شحميات الدم.
    ـ العوارض القلبية الوعائية: تبين كيف يقي الإستراديول من هذه العوارض، في حين تزيد الإستروجينات التركيبية والمقترنة نسبة الإصابة بها سواء إذا استعملت مانعة للحمل عند النساء أو لمعالجة سرطان الرئة عند الرجال، وتزيد نسبة الإصابة بعد سن الأربعين وفي المدخنات، أما بعد سن اليأس فلهذه الإستروجينات فعل واق مهما كان نوع المحضر المستعمل، لذلك يقال إن للإستروجينات التركيبية من هذه الوجهة فعلاً سيئاً قبل انقطاع الطمث وفعلاً حسناً بعده.
    ـ والسكريات: يُحسِّن الإستراديول، مهما كانت طريقة إدخاله، تحمُّلها، أما الإستروجينات التركيبية والمقترنة فتؤدي إلى اضطراب تحمّل السكريات في33%من النساء، وإلى تحسن تحمّلها في 7% منهن فقط.
    ويبدو الاضطراب بارتفاع مخطط تحمل السكر وبازدياد أنسولين الدم الارتكاسي.
    ـ الكبد: لا يؤثر الإستراديول في الكبد، والاختلاطات الحادثة فيها محصورة بالإستروجينات التركيبية التي يؤدي استعمالها إلى نقص وظيفة الإفراغ الصفراوي الثابت والمتناسب وكمية الإستروجينات المستعملة، مما يؤدي إلى حدوث اليرقانولاسيما في النساء المستعدة لهذه الإصابة، كسوابق اليرقان أو الحكة الحملية أو الآفات الإرثية في إفراغ الصفراء (كداء جونسون مثلاً) أو الآفات المكتسبة (كتشمع الكبد والتهاب الكبد الإنتاني الحاد).
    ويؤدي استعمال الإستروجينات التركيبية كذلك إلى زيادة نسبة الإصابة بالحصيات الكولسترولية، والإصابة بالأورامالكبدية ـ كالورم الغدي adenome أو فرط التصنع العقدي البؤري hyperplasie nodulaire focale، ومحذور تسرطن هذه الأورام أو تمزقها يدعو إلى إيقاف المعالجة فوراً واستئصال البؤر.
    ـ الجملة العصبية المركزية: فعل الإستروجينات الطبيعية والتركيبية واحد في الجملة العصبية المركزية، وللمقادير الكبيرة منها فعل مولد للصرع، وترتبط التهيجية irritabilité في المتلازمة قبل الطمث بفرط إستروجينات الدم النسبي في حين يرتبط الميل للاكتئاب في زمن الطمث بانخفاض مقادير الإستروجينات الشديد، ووجد ارتفاع الإستراديول في 90% من المصابات بالتهيجية بعد انقطاع الطمث في حين وجد انخفاض مستوى الإستراديول في 90% من المصابات بالاكتئاب، وتؤكد المعالجات هذه الملاحظات إذ يفيد إعطاء البروجسترون (وهو المضاد الفيزيولوجي للإستروجين) في معالجة التهيجية في حين تفيد الإستروجينات في معالجة الاكتئاب.
    ـ السرطان: يتشابه فعل الإستروجينات الطبيعية والتركيبية في إحداث سرطان الرحم والثدي، ولو أن الاتهام يوجه أكثر للإستروجينات التركيبية، لذا يجب ألا توصف الإستروجينات وحدها حين وجود آفة سليمة في الثدي، والحذر حتى حين توصف مع البروجسترون، كما يجب إيقاف المعالجات أو استعمال حبوب منع الحمل حين ظهور آفة سليمة في الثدي.
    استعمالات الإستروجينات الدوائية
    تستعمل في المعالجات الإستروجينات الطبيعية كالإستراديول وإستراته وفاليريانات الإستراديول والإستروجينات المقترنة بالكبريت ذات المنشأ الإنساني أو الخيلي، أو تستعمل الإستروجينات التركيبية كالإتنيل إستراديول والدي إتيل ستيلبسترول وغيرهما.
    ويختلف تأثير الإستروجينات الطبيعية أو التركيبية بحسب ألفتها affinité مع المستقبلات المختلفة، وسرعة افتراقها عن المعقد مقتبل ـ إستروجين.
    أما الألفة فتختلف بين محضر وآخر، فإذا كانت نسبة ألفة الإستراديول 100% كانت النسبة 15% للإستريول و35% للإسترون و120% للاتنيل إستراديول.
    أما سرعة الافتراق فأكبر في الإستريول والإسترون منها في الإستراديول وهي أبطأ من ذلك في الإتنيل إستراديول والدي إتيل ستيلبسترول...
    وهذا من جملة ما يفسر اختلاف فعالية المستحضرات المعطاة بالمقدار نفسه. ومن جهة أخرى يختلف الامتصاص الهضمي للإستروجينات بحسب الأشخاص، ولذا تختلف كمية الإتنيل إستراديول مثلاً في المصورة من 1إلى 3 من أجل مقدار واحد أعطي بطريق الفم، وهذا ما يفسر اختلاف الفعالية الدوائية والتأثيرات الجانبية الحادثة باختلاف الأشخاص والمركبات المدخلة وطريق إدخالها.
    ـ تستعمل الإستروجينات في استطبابات مختلفة مدداً قصيرة أو طويلة.
    أما في الاستعمالات القصيرة الأمد فلا تزيد مدة المعالجة على عشرين يوماً، لذا تكون التأثيرات الجانبية قليلة في الغالب وذلك في الحالات التالية:
    ـ الدورات الصنعية: وتعطى هنا الإستروجينات التركيبية وبعدها البروجسترون، أو تعطى الإستروجينات وحدها أولاً ثم مع البروجسترون.
    ـ النزوف الرحمية أو النزوف الوظيفية: الغاية من إعطائها هنا وقف النزف بترميم باطن الرحم ترميماً سريعاً، ويستعمل لذلك مقدار كبير من الإستروجينات التركيبية بطريق العضل أو طريق الفم، ويقف النزف في بضع ساعات تُعطي الطبيب بعدها الفرصة لدراسة المريضة ووضع التشخيص وتوجيه المعالجة المناسبة.
    ـ نهي الدَّرة: ويستعمل لهذا الغرض مقدار عالٍ من الإستروجين التركيبي مدة 4 ـ 6 أيام بعد الولادة، على أن التعرض للصمات الخثرية بهذه المعالجة يجب معه العدول عنها إلى إعطاء البروموكريبتين.
    ـ تحسين مخاط عنق الرحم كماً وكيفاً عند غياب البروجسترون.
    ـ منع الحمل: يؤدي إعطاء مقدار كبير من الإستروجين في الـ 72 ساعة التي تلي البيض إلى اضطراب هجرة البيضة داخل البوق، وبطء سيرها فيه يؤدي إلى عدم توافقها مع غشاء باطن الرحم فيمتنع بذلك انغراس البيضة، ويفضل إشراكالبروجسترون مع الإستروجين لهذا الغرض.
    ـ معالجة التهاب المهبل الضموري: والمعالجة هنا موضعية، ومع ذلك فإنها قد تؤدي إلى بعض الآثار الجانبية ولا سيما النزوف البسيطة.
    وأما الاستعمالات الطويلة الأمد فتقتصر على أمرين: معالجة انقطاع الطمث ومنع الحمل.
    ـ معالجة انقطاع الطمث: ويستطب لأن الإستروجينات تمنع حدوث تخلخل العظام و التعرض للعوارض القلبية الوعائية، كما تمنع ظهور الهبات والبدانة وعلامات الشيخوخة الظاهرية ونقص الرغبة الجنسية والتهابات المهبل الضمورية والمتلازمات الاكتئابية.
    ولا تعطى الإستروجينات التركيبية لهذا الغرض و إنما يستعمل الإستراديول ويفضل إعطاؤه بطريق الجلد مشركاً معالبروجسترون.
    ـ منع الحمل: وهو الاستعمال الأكثر شيوعاً بالحبوب اليومية التي تمنع حدوث البيض بفعل التلقيم الراجع الذي يوقف إفراز موجهات المنسل، وتعطى لهذا الغرض الإستروجينات التركيبية ولاسيما المسترانول مشركة مع مادة بروجسترونية لبقاء انتظام الدورات الطمثية في المستقبل.
    مضادات الاستطباب
    يشمل بعضها كل أنواع الإستروجينات الطبيعية والتركيبية، ويختص بعضها بنوع منها فقط.
    مضادات الاستطباب الشاملة: سرطان الثدي وأورامه السليمة، وسرطان باطن الرحم، وسرطان عنق الرحم، وفرط تنسج بطانة الرحم، والأورام الليفية الرحمية، والانتباذ البطاني (الاندومتريوز)، والحمل أو الشبهة بوجوده، وأورام النخامى، وفرط برولاكتين الدم، والصرع، والآفات الكبدية الصفراوية.
    مضادات الاستطباب الخاصة بالإستروجينات الطبيعية: مضادات الاستطباب هنا نسبية ليست مطلقة كارتفاع الضغط الشرياني وسوابق الإصابة بالتهاب الوريد، والحوادث القلبية الوعائية والسكري المرتبط بالأنسولين.
    مضادات الاستطباب الخاصة بالإستروجينات التركيبية والمقترنة: ارتفاع الضغط الشرياني، والسوابق القلبية الوعائية، والسوابق الخثرية الصمامية، والسكري غير المرتبط بالأنسولين، واضطراب شحوم الدم، ونقص مضاد الخثرين antithrombine IIIوعدم الحركة الطويل الأمد، كما في النوم في الفراش لمرض مزمن أو بعد مداخلة جراحية أو التثبيت بالجبس..
    وهناك بعض مضادات استطباب نسبية كالسكري المرتبط بالأنسولين، إذ تزيد الإستروجينات التركيبية محذور الإصابة القلبية الوعائية المرتفع من قبل، وكذلك وجود حالة وريدية سابقة أو انسمام تبغي أو بدانة أو سوابق أسرية من اضطراب شحومالدم.
    لكل هذا يجب عدم وصف الإستروجينات إلا بعد التفتيش الدقيق بالفحص السريري وبالفحوص المتممة عن كل حالة من حالات مضادات الاستطباب التي تمنع استعمالها. وتجب مراقبة المريضات حين استعمالها ولاسيما في المعالجات الطويلة الأمد بالفحوص السريرية والمخبرية المكررة حتى إذا ما ظهر اختلاط ما أوقفت المعالجة أو عدلت المقادير المعطاة لحفظ التوازن إستروجين ـ بروجسترون. وظهور أعراض متلازمة قبل الطمث يعني زيادة كمية الإستروجينات المستعملة في حين يعني ظهور الهبات أو العلامات الوظيفية الأخرى نقص كميتها.
    إبراهيم حقي

  6. #496
    الاستقلابية (الأمراض ـ)

    الاستقلاب metabolism هو مجموعة الأفعال الكيمياوية الحيوية والفيزيائية التي تحدث في خلايا الكائنات الحية فتفيد في تمثل مواد الأغذية والحصول منها على الطاقة اللازمة للجسم، كما تساعد على نمو هذه الكائنات وتجدد أنسجتها وصيانتها .
    تتألف مواد الاستقلاب من السكريات والدسم والبروتينات، ويتواسط الأفعال الاستقلابية عدد من الإنظميات الخاصة، وتضبطها مجموعة من الهرمونات والفيتامينات والشوارد المعدنية. تجري أفعال الاستقلاب في جميع خلايا الجسم ولاسيما في الكبد والكلية.
    تشمل أمراض الاستقلاب مجموعة من الأمراض تتسبب عن خلل في قدرة الجسم على القيام بفعالياته الكيمياوية السوية، ومن ثم إنتاج الطاقة اللازمة وبناء أنسجة الجسم وتجددها. وهذه الاضطرابات إما أن تكون خلقية وراثية، إذ تحدث أمراض استقلابية عدة بسبب عوامل وراثية تؤدي إلى إحصار أو تبدل في سبل الاستقلاب الكيمياوية الحيوية في الجسم يطلق عليها «أخطاء الاستقلاب الخلقية الوراثية»، وإما أن تكون مكتسبة تنتج من عوز اغتذائي أو مرض في الغدد الصم أو الكبد أو المعثكلة (البنكرياس).
    وفيما يلي موجز عن أمراض الاستقلاب وأمثلة عليها :
    العوز الغذائي: تحدث عدة أمراض استقلابية لنقص الوارد من الحريرات و البروتينات أو الفيتامينات أو المعادن أو الدسم. و لما كانت كميات الغذاء في الأقطار الفقيرة قليلة فإن الأطفال يصابون بسوء التغذية ولا سيما في مراحل ما بعد الفطام التي يكون النمو فيها سريعاً. يأخذ العوز الغذائي أحد شكلين: في الشكل الأول ينقص المتناول من الحريرات والبروتينات بقدر متساوٍ تقريباً، فيصاب الطفل في هذه الحالة بالسَغَل (الهزال) marasmus فيتدنى وزنه مع كثرة تعرضه للأخماج، وقد يشكو الطفل المصاب من تكررالإسهالات والتجفاف. يموت كثير من هؤلاء المصابين في السنتين أو الثلاث الأولى من العمر.
    وفي الشكل الثاني يقل المتناول من البروتين في حين تكون الحريرات كافية فيصاب الطفل بالكُواَشَرْكُور kwashiorkorالذي ينقص فيه تركيز البروتين في الدم ويتورم الوجه واليدان والقدمان مع تبدلات في الجلد ولون الشعر الذي يصبح أحمر أو رمادياً. و تتطلب هذه الحالة معالجة عاجلة بالحموض الأمينية.
    أما الفيتامينات فهي مركبات عضوية تفيد في الاستقلاب الخلوي ونمو الجسم، فإذا نقصت كمياتها أو ازدادت أصيب الجسم باضطرابات في بنيته أو وظائفه. ففي عوز الفيتامينات (أ) يحدث جفاف العين (نقص إفراز الدمع وجفاف الملتحمة ومن ثم جفاف القرنية وتلينها) والعمى الليلي وجفاف الجلد وثخانة الأغشية المخاطية. وفي عوز الفيتامين (ب1) تحدث اضطرابات قلبية (ضخامة القلب واسترخاؤه )، وعصبية (التهاب الأعصاب المحيطية). وفي عوز الفيتامين (ب2) يحدث اضطراب في الرؤية والتهاب في الجلد وفي ملتقى الشفتين مع فقر الدم. وفي عوز الفيتامين (ب6) تحدث الهيوجية irritabilityوالاختلاجات. وفي عوز الفيتامين (ب12) يحدث فقر الدم الضخم الأرومات megaloblastic anemia واضطرابات في الجملة العصبية . وفي عوز الفيتامين (ث) يحدث داء البثع scurvy، أي توذم اللثة ونزفها والآلام العضلية والمفصلية. وفي عوز الفيتامين (د) يصاب المريض بالكساح rickets (تشوهات في الهيكل العظمي مع ضعف المقوية العضلية واضطراب النمو، وفي الحالات الشديدة قد يحدث تكزز عضلي ونوب اختلاجية). وفي عوز الفيتامين (ك) تحدث أنزفة عند حديثي الولادة.
    وإن لبعض الشوارد والمعادن الزهيدة أيضاً أهميتها في المحافظة على استتباب الجسم. ويؤدي عوز الصوديوم إلى الغثيان والإسهال والمَعَص العضلي cramp والتجفاف في حين تؤدي زيادة البوتاسيوم إلى إحصار القلب وتوقفه.
    أمراض الغدد الصم وأمراض الكبد والكلية والمعثكلة (البنكرياس): تؤدي أمراض الغدد الصم إلى اضطرابات الاستقلاب إذا زادت كمية الهرمونات التي تفرزها الغدة المعنية أو نقصت. ففي قصور الغدة الدرقية مثلاً تنقص شدة الاستقلاب وتؤدي إلى اضطرابات جلدية وقلبية وعقلية، ونقص في النمو إذا حدثت الإصابة باكراً، في حين يزداد الاستقلاب في فرط نشاط الدرق ويؤدي إلى اضطرابات قلبية وجلدية ونقص الوزن. كما تتدخل الغدد الصم الأخرى كالنخامى وقشر الكظر والدريقات والخصيةوالمبيض في الاستقلاب فتؤدي أمراضها إلى اضطراباته.
    تؤدي أمراض الكبد والصفراء إلى اضطرابات استقلابية، من هذه الأمراض التهاب الكبد بالفيروسات وتشمع الكبد وتليفه الذي يتلو الانسمام بالمركبات الهالوجينية وكذلك بالكحولية المزمنة التي تؤثر في الكبد مباشرة إضافة إلى نقص المتناول من البروتينات. كما تؤدي أمراض المرارة والطرق الصفراوية إلى تشكل حصيات مرارية تعيق جريان الصفراء إلى الأمعاء.
    تؤدي أمراض الكلية إلى اضطرابات استقلابية، من هذه الأمراض التهاب الكبب والكلية وتشوهات الكلية والطريق البولي المفرغ الذي يؤدي إلى إعاقة جريان البول وبالتالي إلى تخريب النسيج الكلوي.
    تفرز غدة المعثكلة عدداً من الهرمونات أهمها الأنسولين، الذي يؤدي نقصه إلى حدوث الداء السكري . وهو مرض استقلابي جهازي يصيب جميع الأعمار من الجنسين، يحدث فيه ارتفاع سكر الدم وظهور السكر في البول، ويؤدي فيما بعد إلى مضاعفات تصيب شبكية العين وأوعية الدماغ والقلب والكلية والطرفين السفليين. كما تفرز المعثكلة عدداً من الإنظيمات التي تفرز في الأمعاء فتساعد على استقلاب السكاكر والدسم والبروتينات ويؤدي نقصها إلى إسهالات دهنية متكررة.
    أخطاء الاستقلاب الخلقية الوراثية: في عام 1908 صاغ العالم أ. جارود نظريته حول أخطاء الاستقلاب الخلقية الوراثية ووضع الأسس العامة لهذه الاضطرابات.
    يبدأ الاضطراب الاستقلابي في الأيام أو الأسابيع الأولى من العمر وتميل الإصابة إلى أن تكون عائلية ويكثر حدوثها في الزواج بين الأقارب. وتنشأ هذه الاضطرابات عن إحصارات وراثية محددة في سبل الاستقلاب. فإذا افترض أن مركب (أ) يتحول في خطوات متتالية إلى مركبات (ب) و(ج) و(د) فإن أي خطوة في هذا التحول تحتاج إلى جملة إنظيمية خاصة. فإذا غاب أحد هذه الإنظيمات أو كان غير فعال (إحصار إنظيمي) تراكم المركب الذي يسبق موضع الإحصار مباشرة ونقص المركب الذي يلي الإحصار مباشرة. ويضبط إنشاء كل هذه الإنظيمات السابقة وعمله جينة مفردة خاصة.
    ولقد وصف ما يقرب من مئتي اضطراب خلقي وراثي، وعلى الطبيب أن يحدد: أعراض المرض وعلاماته السريرية، وطبيعة الخلل الكيمياوي فيه، ونمط الوراثة في هذا الاضطراب ومنها إمكان كشف حَمَلَةِ المرض في عائلة المصاب، والفحوص المخبرية المناسبة لتأكيد التشخيص، ووضع المعالجة المناسبة.
    وتذكر الغلاكتوزيمية (زيادة غلاكتوز الدم) مثالاً على هذه الاضطرابات، فهي مرض وراثي يتميز بعجز خلقي عن تحويل الغلاكتوز إلى غلوكوز بسبب نقص إنظيم غلاكتوز ـ1ـ فسفات بريديل ترانسفراز مما يؤدي إلى تراكم مركب غلاكتوز ـ1ـ فسفات (المركب الذي يسبق موضع إحصار الأنظيم مباشرة) الذي يحدث ساداً عينياً وأذية كبدية. كما ينقص تركيز الغلوكوز في الدم الذي يحدث تخلفاً عقلياً. تنتقل الغلاكتوزيمية صفةً جسمية متنحية recessive. فإذا تزاوج حاملان لهذه الصفة فأنجبا أربعة أطفال، أصيب أحدهم بالمرض وحمل اثنان هذه الصفة وبقي الرابع سوياً.
    والدلالة المخبرية في هذا المرض وجود الغلاكتوز في البول وارتفاعه في الدم. ويؤكد التشخيص بإجراء اختبار كمي لإنظيم غلاكتوز ـ1ـ فسفات بريديل ترانسفراز في الكريات الحمر. وقد وضعت برامج ماسحة للتحري عن عوز هذا الإنظيم في الأطفال لكشف المرض وتدبيره قبل ظهور الأعراض السريرية، بحذف اللاكتوز والغلاكتوز من طعام المصابين (حليب خال من اللاكتوز).
    اضطراب استقلاب الحموض الأمينية: وصفت عدة اضطرابات لاستقلاب الحموض الأمينية في البشر، منها ما يصيب كامل الجسم و منها مايصيب آلية النقل في الأغشية السطحية للأنابيب الكلوية أو الأمعاء. وقد عرف موضع الإحصار الاستقلابي وحدد نمط الوراثة فيه وكشف حَمَلة هذه الصفة وطورت الفحوص المخبرية الماسحة لمعرفة الأطفال المصابين وكشف الاضطراب في كريات الدم البيض. وقد بين استخدام هذه الفحوص على نطاق واسع بين الولدان أن اضطرابات استقلاب الحموض الأمينية لا تترافق جميعها بمرض سريري أو اضطراب عقلي. ونأخذ بيلة الفينيل كيتون والتيروزين مثالاً على هذا الاضطراب، فقد كشفت الدراسات الكيمياوية عن طبيعة اضطراب استقلاب الحمض الأميني فينيل ألانين إلى تيروزين، وأن غياب إنظيم فينيل ألانين هيدروكسيلاز يؤدي إلى بيلة الفينيل كيتون.
    اضطراب نقل الحموض الأمينية: إن الخلايا الحية قادرة على أن تحافظ على تركيبها الداخلي مختلفاً عن محيطها الخارجي، فتنتقل الأملاح والسكاكر والحموض الأمينية بحرية إلى داخل الخلية وخارجها عبر غشائها بنقل فاعل بحسب مدروج gradient يتطلب طاقة تأتي من الفعالية الاستقلابية للخلية. وتقوم جينات خاصة بضبط آليات النقل النوعية لمواد الاستقلاب، أي إن جينة معينة تضبط مجموعة معينة من الحموض الأمينية. ويشمل الضبط الجيني مجموعات مختلفة من الخلايا، فاضطراب نقل الحموض الأمينية في بيلة السستين مثلاً يصادف في أنابيب الكلية وغشاء الأمعاء المخاطي. ومن الأمثلة المهمة على اضطراب نقل الحموض الأمينية: بيلة السستين التي يضطرب فيها نقل عدة حموض أمينية، وبيلة الأمينوغليسين الناجمة عن عيب في نقل الغليسين والبرولين والهيدروكسي برولين.
    اضطراب استقلاب السكريات: تعد الغلاكتوزيمية وبيلة البنتوز وبيلة الفركتوز وأدواء خزن الغليكوجين وفقر الدم الانحلالي واضطراب استقلاب السكريات المعوي من أهم اضطرابات استقلاب السكريات الخلقية الناجمة عن عوز إنظيمي.
    أدواء خزن الغليكوجين: مجموعة اضطرابات خلقية وعائلية تتصف بتوضع كميات كبيرة من الغليكوجين الشاذ في الأنسجة. فالغليكوجين هو الشكل الرئيس لخزن السكريات في الجسم، تتألف جزيئاته من سلاسل من وحدات ألفا ـ غلوكوز تصطف بشكل متفرع كأغصان الشجر. يتم تركيب الغليكوجين وتفككه في سلسلة متتالية من خطوات إنظيمية. يكون تركيب الغليكوجين سوياً في داء خزن الغليكوجين فيما يعرف بالنمط الأول والثاني والخامس والسادس، في حين يكون شاذاً فيما يعرف بالنمطين الثالث والرابع. يشكو المصاب في النمط الثاني من الضعف واسترخاء القلب ويموت قبل سن السنتين، في حين يصاب الأطفال في النمط الأول والثالث والرابع والسادس بضخامة في الكبد، أما في النمط الخامس فلا يستطيع المريض القيام بأي جهد إذ إن الغليكوجين لا يقوم بتزويد الجسم بالطاقة.
    اضطراب استقلاب السكريات المعوي: تحوي الأمعاء الدقيقة عدداً من الأنظيمات الخاصة تقوم بتحطيم السكاكر المضاعفة إلى سكاكر أحادية، فإذا غابت إحدى هذه الأنظيمات أصيب الطفل بإسهال مزمن ولا يزيد وزنه في طفولته الباكرة. يقسم هذا المرض إلى نمطين: سوء امتصاص اللاكتوز الوراثي، وعدم تحمل ثنائي السكاريد الوراثي. يحدث في الأول عوز في إنظيم اللاكتاز المعوي يؤدي إلى عدم تحمل الأطفال المصابين حليب الأم أو البقر في حين يتحسن المصاب بتناول مشتقات الحبوب (قمح، ذرة ....) وإنقاص المتناول من السكر. وفي النمط الثاني يغيب إنظيم السكاراز (انفرتاز) و الايزومالتاز في الأمعاء فيصاب الطفل بالأعراض السابقة نفسها إلا أن السكر الذي لا يستطيع امتصاصه هو السكاروز .
    كثيرات السكاريد المخاطية: يوجد صنفان من المركبات المعقدة هما: البروتيوكليكان والغليكوبروتينات، تتضمن جزيئاتها فروعاً سكرية منغرسة على جذع بروتيني. تقوم الغليكوبروتينات بوظائف مختلفة في الجسم إذ تدخل في تركيب جدر الخلايا والعظام ومفرزات المخاط، كما يسهل بعضها نقل الفيتامينات والدسم والمعادن و يتدخل بعضها الآخر في عمل الجملة المناعية. توجد عدة أمراض لهذه المعقدات تدعى أمراض كثيرات السكاريد المخاطية تنجم عن عيوب في الإنظيمات التي تدخل في تقويض الغليكوبروتين والبروتيوكليكان .
    اضطراب استقلاب مواد أخرى:
    الشحوم: تقع اضطرابات استقلاب الشحوم (الدسم) في مجموعتين، تتناول الأولى الشحوم في الدم في حين تتناول الثانية الشحوم المختزنة في مختلف أعضاء الجسم ونسجه.
    تنتقل معظم مواد الاستقلاب (سكاكر، حموض أمينية، معادن...) من مكان إلى آخر في الجسم بوساطة الدم الذي تنحل فيه، في حين لاتستطيع الشحوم المرتبطة التي لا تنحل في الماء أو في المصورة الدموية (بلزما) plasma أن تنتقل إلا إذا تشاركت مع حامل بروتيني. توجد عدة أصناف من هذه المركبات المشاركة تدعى البروتينات الشحمية (ليبوبروتينات) يتميز بعضها من بعض بخصائصه الفيزيائية وطريقة تشكله ونقله وتخربه النهائي. يتعرض استقلاب هذه المركبات إلى عيوب استقلابية عدة أصبحت معروفة بوصفها أسباباً لأمراض استقلابية نوعية.
    ومن بين الشحوم المختزنة توجد كميات كبيرة من الشحميات السكرية (غليكوليبيد) والشحميات الفسفورية (فسفوليبيد) لها تركيب خاص يدعى السيراميد ceramide. وقد تحدث أمراض استقلابية خلقية بسبب عوز الإنظيمات التي تدخل في تقويض مركبات السيراميد والسفنفوزين والشحوم فتؤدي إلى اختزانها، ومن بين هذه الأمراض: داء غوشر Gaucher’s disease وهو مرض وراثي يبدأ في سن الطفولة ويترقى ببطء شديد. من أعراضه ضخامة الطحال وتلوّن اللحف بلون أصفر وفقر الدم وتأخر النمو النفسي الحركي، وداء نيمان ـ بيك Niemann -Pick وهو آفة ولادية أسرية في غالب الأحيان، تصيب الرضع في الشهر الثالث أو الرابع من العمر، وتتصف بضخامة الكبد والطحال والعقد اللمفية وتوقف النمو وظهور اضطرابات هضمية ونفسية، وداء تاي ـ ساكس Tay-Sachs، وهو مرض وراثي تظهر أعراضه في الشهر الخامس من العمر وتتسم بتأخر عقلي وحركي متدرج وفقدان الرؤية وحدوث نوبات تشنجية، وداء فابري Fabry، ويسمى أيضاً التقرن keratosis الوعائي الجسمي المنتشر وهو علة وراثية تصيب الذكور وتتصف بظهور حطاطات papules صغيرة في منطقة الحوض مع تشوش الحس paresthesia وآلام عظمية عضلية واضطرابات عينية وآفات حشوية خطرة، وغيرها من الأمراض.
    البرفيرية والأصبغة الصفراوية: توجد في الجسم عدة مواد تتدخل في نقل الأكسجين واستهلاكه، منها الخضاب (هيموغلوبين) والغلوبين العضلي (ميوغلوبين) وإنظيمات تنفسية أخرى هي البرفيرينات. فالبرفيرينات مركبات معقدة تحوي ذرة معدنية هي الحديد في العادة. تتشكل هذه المركبات في سلسلة من التحولات الكيمياوية الحيوية تحتاج كل مرحلة منها إلى إنظيم خاص، فإذا اكتمل إنشاء البرفيرين وقام بعمله تماماً عاشت الكرية الحمراء مايقرب من ثلاثة أشهر ثم تتحطم بفعل إنظيمات أخرى متحولةً إلى بيلروبين وأصبغة أخرى تطرح خارج الجسم. أما إذا حدث عوز في الإنظيمات التي تتوسط هذه السبل الاستقلابية حدثت البرفيرية أو اليرقان. فعوز إنظيم غلوكورونيل ترانسفراز سبب لإخفاق تحول صباغ البيلروبين إلى نواتجه فيرتفع مقداره في الدم ويحدث يرقاناً دائماً.
    وتوجد حالات أكثر شدة تدعى اليرقان الولادي اللاانحلالي (داء غريغلر ـ نجار) تؤدي إلى يرقان شديد منذ الأيام الأولى للولادة وتميت الطفل في السنة الأولى من العمر.
    اضطراب استقلاب البورين purine والبريميدين pyrimidine: تقوم النوكليوتيدات كالأدينوزين ثلاثي الفسفات ATPبوظائف لا تحصى في الجسم. وقد يطرأ على استقلاب الحموض النووية إحصارات تتسبب عن عوز أي من الإنظيمات التي تتواسط هذا الاستقلاب فيؤدي إلى اضطرابات فيزيولوجية. تعد النوكليوتيدات مشتقات للبورين والبريميدين.
    يؤدي اضطراب استقلاب البورين إلى متلازمة ليش نيهان Lesch- Nyhan syndrome (وهي علة وراثية تشاهد في الذكور وحدهم، وأوضح اضطراباتها تشويه المريض لذاته بعضّه لسانه وشفتيه وأصابعه، وظهور حركات لا إرادية في الأطراف والوجه إضافة إلى التخلف العقلي) وإلى بيلة الكزانتين. في حين يؤدي اضطراب استقلاب البريميدين إلى بيلة حمض الأوروتيorotic aciduria. فالنقرس يتسبب عن اضطراب إنظيمي يؤدي إلى زيادة تركيب البورين الذي يحدث هجمات من التهاب مفصلي حاد وحيد المفصل يصيب الرجال عادة، وأكثر المفاصل إصابة المفصل المشطي السلامي الأول للقدم وكذلك الكاحل والعقب والركبة. تتحرض الهجمات بالرض والكحول وإفراط الطعام والأخماج. وقد يكون هذا المرض تالياً لنقص إطراح حمض البول في الكلية كما في القصور الكلوي المزمن واستعمال المدرات الثيازيدية وغيرها.
    محمد خير الحلبي

  7. #497
    الإسهال



    الإسهال diarrhee زيادة عدد التغوط على مرتين يومياً أو زيادة كمية البراز وسيولته ولو كان مرةً واحدة يومياً. يشمل هذا التعريف معظم حالات الإسهال، ولكن معرفة فيزيولوجية الهضم معرفة جيّدة من جهة، ومعرفة تركيب البراز الكيمياوي من جهة ثانية، سمحا بتوسيع تعبير الإسهال ليشمل إفراغ كمية زائدة من البراز الطبيعي التركيب (أكثر من 300غ يومياً)، أو إفراغ كمية من البراز تحوي عنصراً غذائياً من الكتلة الطعامية لا يشاهد في الحالة الطبيعية أي لم تمتصه الأمعاء، ويكون البراز في هذه الحالة غزيراً ولكنه غير متعدد وعجيني القوام غير سائل. وعلى هذا فإن تعبير الإسهال يشمل عدة حالات متغايرة.

    تكثر مركبات البراز كلها في معظم الحالات وتنخفض كمية البقية الجافة (عن 22%) بزيادة كمية الماء، ويجذب الماء معه شوارد الصوديوم والبوتاسيوم والكلور، وغالباً ماتزداد كمية بعض البقايا القابلة للهضم كالنشاء (الأميدون) والسلولوز.

    وللإسهال آليات عدة تختلف باختلاف أسبابه: فبعضها حلولي كما يحدث بعد تناول الملينات الملحية والسكرية إذ تجر هذه الملينات السوائل إليها من الدوران المعوي وتسبب الإسهال وبعضها الآخر إفرازي ينجم عن زيادة كمية السوائل المفرزة من مخاطية الأمعاء، كما هو الحال في التهاب المخاطية وتقرحها.

    وقد ينجم الإسهال عن سوء امتصاص المواد الغذائية من جدر الأمعاء، أو يحدث من نقصان المواد الضرورية لهضم المواد الغذائية وامتصاصها كما هو الأمر في قصور المعثكلة (البنكرياس) ونقص الأملاح الصفراوية، وقد يكون سببه إصابة القسم العلوي للأمعاء الدقيقة ببعض الأمراض مثل داء كرون Crohn ومتلازمة قصر القناة الهضمية بعد قطع الأمعاء.

    ويكون البراز في الآلية الأخيرة غالباً عجينياً أكثر منه سائلاً وقليل التكرر ومن دون ألم، ويكشف بالتحليل ارتفاع كمية الدهن فيه (الإسهال الدهني stéatorrhée)، وزيادة المركبات الآزوتية créatorrhée، وقد تكشف فيه بعض الأغذية، ويوضع التشخيص الصحيح بالتصوير الشعاعي والخزعة من مخاطية الأمعاء الدقيقة واختبارات العناصر المشعة isotopiques.

    وعلى العكس قد يفرغ شخص ما على نحو متقطع برازاً سائلاً قد يكون أحياناً مخاطياً ويكون البراز بين هذه الهجمات قاسياً كثيفاً كبراز الإمساك، فهناك إذن إسهال كاذب ناجم عن فرط إفراز انعكاسي reactionnelle في القولون المخرّش بوجود براز جاف بقي فيه مدة طويلة، ويجب أن تعالج هذه الحالة كما يعالج الإمساك.

    وينجم بعض الإسهالات عن زيادة الحركة المعوية، كما في فرط نشاط الدرق ومتلازمة تهيج القناة الهضمية. ويجب أن يذكر هنا أن الإسهال قد يكون الجواب المعبّر عن شدةٍ عاطفية المنشأ تؤدي إلى اضطراب المرور في الأمعاء.

    وقد تشترك عدة آليات معاً في إحداث الإسهال، كما في التهاب القولون القرحي الذي يحدث فيه نقص امتصاص السوائل والشوارد وزيادة مفرزات مخاطية القولون وزيادة حركيته.

    الأسباب

    منها الجرثومية التي تسبب غالباً الإسهالات الحادة، كالحمى التيفية، والأدواء السلمونيلية الأخرى وأدواء الشيغلة Shigella(الزحار العصوي) وبعض العصيات القولونية ولاسيما عند الرضع والأطفال على شكل جائحة في دور الحضانة أو المشافي، والذيفان العنقودي toxine staphylococcique، وبعض الفطريات كالمبيضات البيض Candida albicans، ومنها الطفيلي كالزحارالناجم عن المتحولات الحالة للنسج Entamoeba histolytica وبعض الديدان أو اللمبلية. ومنها الناجمة عن الانسمامات العارضة منها أو الإرادية بأملاح المعادن الثقيلة ولاسيما الزئبق، أو الدوائية بالديجتالين وخلاصة الدرق والكولشيسين وبعض الأدوية المضادة للسرطان. أو الناجمة عن الأمراض العامة. فحين يستمر الإسهال ولاسيما السائل مدة طويلة يجب التفكير بالأمراض العامة كفرط نشاط الدرقية أو السكري، وبعض أنواع سرطان الدرقية وقصور الكلية المتقدم. ومنها الناجمة عن الآفات الهضمية كالإصابة بسرطان القولون أو بآفة التهابية في الأمعاء الدقيقة أو الغليظة كالتدرن ومرض كرون ويؤكد التشخيص بإجراء تنظير الأحشاء والتصوير الشعاعي. وقد يحدث إسهال ثابت بعد استئصال قطعة طويلة من الأمعاء الدقيقة أو من القولون.

    الوقاية

    تجنب تناول الملينات والمسهلات وجميع المشروبات والأطعمة التي تؤدي إلى الإسهالات كمركبات السنامكي وزيت الخروع وأملاح المغنزيوم والملينات الحركية. وتجنب تناول الأطعمة الملوثة ولاسيما التي تباع في المحلات العامة وغير المراقبة صحياً، وتجنب تناول الخضروات والفواكه النيئة غير المعقمة جيداً فقد تحمل هذه أو تلك الجراثيم والفيروسات والطفيليات ولاسيما الزحار الأميبي مؤدية إلى إسهالات شديدة قد تكون مميتة. وتجنب العمليات الجراحية لتقصير الأمعاء التي تجرى لتخفيض الوزن. وتجنب تناول الكحول لأنه يؤذي المعثكلة والكبد فيسبب التهاب المعثكلة المزمن وتشمع الكبد مما يؤدي إلى نقص إفراز الخمائر المعثكلية ونقص إفراز الأملاح الصفراوية.

    المعالجة

    قد يؤدي إعطاء بعض الأدوية كالبلادون إلى إيقاف الإسهال بشل حركة جهاز الهضم ولكنها تحول دون كشف السبب الحقيقي. لذا من الواجب معرفة سبب الإسهال قبل معالجته، بزرع البراز وتحري الطفيليات والجراثيم والفطريات وكشف الآفات العضوية لتوجيه المعالجة بعد ذلك بالسولفاميدات أو الصادات الخاصة أو المعالجات النوعية أو العمليات الجراحية. أما سوء الامتصاص فمعالجته دقيقة وللحمية فيها شأن كبير.

    علي سعدة

  8. #498
    الأشعة (المعالجة بـ ـ)

    المعالجة بالأشعة radiotherapy هي استعمال المنابع المشعة الطبيعية والصنعية في شفاء بعض الأمراض أو تلطيفها، ولتطبيق ذلك يلجأ إلى الأجهزة التي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أصناف:
    ـ الأجهزة المولدة للأشعة السينية[ر] وهي نوعان: نوع يراوح فيه التوتر بين 50 و250 كيلو فولط ويستعمل لمعالجةسرطان الجلد أو السرطان القليل العمق، وكان يستعمل سابقاً لمعالجة بعض الأمراض الجلدية السليمة وغيرها من الأمراض غير السرطانية.
    أما النوع الثاني والتوتر فيه أعلى من الأول وقد يصل إلى 40 ألف كيلو فولط كما في المسرعات الخطية، ويستعمل للسرطانات العميقة.
    ـ أجهزة تشبه الأجهزة السابقة توضع فيها منابع مشعة بدل أنبوب الأشعة، وهذه المنابع تصدر أشعة غاما مثل معدن الراديوم الطبيعي أو النظائر المشعة الصنعية كالكوبالت60 والسيزيوم 137.
    ـ إبر أو بزور مجوفة من البلاتين تغرز في النسج، أو حجيرات من البلاتين أو أنابيب من اللدائن توضع في الجوف الطبيعي المصاب بالسرطان كالفم أو الرحم وتحوي كلها منابع مشعة طبيعية أو صنعية.
    الأسس الحيوية للمعالجة
    ينجم التأثير الحيوي للأشعة في الأنسجة الحية من اصطدام الفوتونات بالإلكترونات المحيطية لذرات هذه الأنسجة، فالفوتون يطرد الإلكترون المحيطي فيحصل تشرد (تأيّن) في الذرات.
    ولما كانت الإلكترونات المحيطية هي التي تحدد الخواص الكيمياوية للعناصر فإن هذه الخواص تتغير، ثم إن الإكترون المحيطي المطرود يطرد إلكتروناً من ذرة أخرى ويتكرر ذلك مرات كثيرة، تبدأ بعدها مجموعة الأحداث الفيزيائية الكيمياوية الحيوية التي تنتهي أخيراً بتأثيرات الأشعة المشاهدة في الأنسجة. إن القسم الأكثر تأثراً في الخلية الحية هو الصبغيات، ولاسيما في أثناء الانقسام.
    ترتكز المعالجة الشعاعية للسرطان على قدرة الأشعة على إحداث التبدلات التي ذكرت، فإذا كانت بكميات صغيرة أحدثت اضطراباً حيوياً خفيفاً في الخلايا، مثل احمرار الجلد وسقوط الشعر المؤقت واحتقان الأغشية المخاطية في المنطقة المعرضة للأشعة ثم تستعيد الخلايا عافيتها بالتدريج، أما إذا كانت كمية الأشعة كبيرة فإنها تقتل الخلايا فلا تعود إلى حالتها الطبيعية.
    إن تأثر الخلايا السرطانية بالأشعة أشد من تأثر الخلايا الطبيعية لأنها تكون في حالة انقسام دائم، لذلك إذا أعطيت الكمية الكافية من الأشعة ماتت الخلايا السرطانية وتأثرت الخلايا الطبيعية تأثراً قليلاً من دون أن تموت. هذا الفرق بالتأثر هو الذي جعل المعالجة الشعاعية للسرطان ممكنة.
    حساسية الأنسجة بالأشعة
    تختلف حساسية الأنسجة الطبيعية بالأشعة، فبعضها حساس جداً كالغدد التناسلية والأنسجة المكونة لعناصر الدمكالطحال والعقد اللمفية ونقي العظام، وبعضها حساس قليلاً كالرئة والغدد المختلفة والكلية، وبعضها غير حساس تقريباً مثل العظام والغضاريف والجملة العصبية والأنسجة الليفية. كما أن حساسية السرطانات المختلفة بالأشعة تختلف، فالورم المفلي اللمفاوي مثلاً أكثرها تأثراً في حين لا يتأثر الورم القتاميني والورم الدِّبقي العصبي بأكبر الجرعات الشعاعية.
    طرائق المعالجة بالأشعة
    هناك ثلاث طرائق للمعالجة بالأشعة: المعالجة الخارجية، والمعالجة الخلالية، والمعالجة الاستقلابية.
    المعالجة الخارجية: عندما توجه الأشعة من خارج الجسم بالأجهزة المختلفة، لمعالجة إصابة جلدية سرطانية، تعطى على الجلد بساحة أوسع قليلاً من المنطقة المصابة لتشمل هامشاً من النسج السليمة حول المنطقة المصابة، والأشعة المستعملة في هذه الحالة هي القليلة النفوذ. أما إذا كان الورم عميقاً فتستعمل الأشعة الشديدة النفوذ عبر الجلد بحزمتين متقابلتين تلتقيان في منطقة الورم. أما إذا كانت الإصابة عميقة جداً فتعطى الأشعة عبر ثلاث ساحات من ثلاثة اتجاهات تتجمع كلها في مركز الورم وتسمى النيران المتقاطعة. إن امتصاص الأشعة من قبل الأنسجة الواقعة بين الورم والجلد هو الذي يدفع إلى إعطاء المعالجة عبر عدة ساحات، فالمقدار الأعظم من الأشعة يكون على الجلد ثم ينقص تدريجياً كلما توغلت الأشعة في الجسم، ولولا هذه الطريقة لاحترق الجلد من دون أن يحترق الورم.
    إن الأشعة الشديدة النفوذ كأشعة الكوبالت 60 (أشعة غاما) توصل كميات أكبر من الأشعة إلى الأعماق من دون أن تؤذي الجلد كثيراً، ولذا كانت المفضلة في معالجة الأورام العميقة.
    المعالجة الخلالية: إن الأورام الصغيرة التي يسهل الوصول إليها تعالج أحياناً بزرع مواد مشعة فيها، أشهرها الراديوم وهو المعدن المشع الطبيعي، ويوضع داخل إبر البلاتين الموصوفة سابقاً بشكل مسحوق هو كلور الراديوم ، ولهذه الإبر رأس مدبب، ويسهل إدخالها في الأنسجة المصابة. وقد يستعمل الذهب المشع في بزور مجوفة من البلاتين، أو يستعمل الكوبالت المشع بشكل أسلاك مختلفة الطول موضوعة في أنابيب أو في محافظ من اللدائن.
    هذه المنابع كلها تصدر أشعة غاما النافذة، وبعضها يصدر أشعة ألفا وبيتا القليلتي النفوذ إضافة إلى أشعة غاما. توزع المنابع المزروعة في الأنسجة بانتظام في الورم لتصيب إشعاعاتها جميع أقسامه كما تصيب هامشاً حوله من الأنسجة الطبيعية للتحقق من إتلاف جميع الخلايا الورمية. هذا الزرع هو غالباً وقتي ويحسب الزمن الواجب بقاؤه في الورم لتنزع هذه المنابع بعده وقد يكون الزرع مستديماً أي يترك في مكانه إن كان النظير المشع يفقد إشعاعه بسرعة، ويحتاج كل ذلك إلى حسابات رياضية وفيزيائية دقيقة جداً.
    تكون الجرعة الشعاعية في الزرع الدائم خفيفة وتستمر زمناً طويلاً، فتعطي بذلك الفرصة للخلايا السليمة كي تتراجع فيها الأذية التي حصلت، في حين تكون الخلايا السرطانية قد تخربت.
    هذه الطريقة لها مزية تخريب الورم موضعياً من دون إصابة باقي الجسم بضرر. وفيها تزرع المنابع بشكل يطابق شكل الورم، وتستعمل غالباً في أورام المثانة والرحم والفم، وبذلك يكون تأثر وظيفة العضو المعالج أقل ما يمكن، وتستجيب الأورام لهذه الطريقة إن كانت صغيرة وسريعة النمو واكتشفت باكراً.
    المعالجة الاستقلابية: تعطى بعض النظائر المشعة أحياناً للمعالجة بالوريد أو بطريق الفم مع قليل من الماء فتستقلب وتدخل في تركيب نسيج ما أو بمفرز ما، مثل إعطاء اليود المشع 131 فيدخل في تركيب التيروكسين المفرز الداخلي للغدة الدرقية. يعطى هذا اليود في بعض حالات فرط نشاط الغدة الدرقية فتؤثر أشعة غاما التي يشعها هذا النظير في خلايا الدرق فيضعفها، وقد يقضي على بعضها ويخف بذلك نشاط الدرق وتتحسن حالة المريض، وقد يعطى مقدار إضافي منه إذا لم تتحسن الحالة بما فيه الكفاية، وقد تعالج بالطريقة ذاتها بعض حالات سرطانات الدرق الآخذة لليود، كما قد تعالج بها بعض حالات الانتقالات من سرطان الدرق الآخذ لليود وذلك بعد استئصال الدرق.
    يعالج بعض ابيضاضات الدم بالفوسفور المشع 32، بإعطاء المريض كمية منه مع قليل من الماء بطريق الفم، فيدخل في استقلاب العناصر المكونة للدم ويقلل إنتاج الكريات البيض، كما يعطى في حالات احمرار الدم فيؤثر بالطريقة نفسها بانقاص إنتاج الكريات الحمر.
    المعالجة بالأشعة في غير السرطان
    كانت الأشعة السينية تستعمل في الماضي لمعالجة عدة أمراض سليمة لا علاقة لها بالسرطان مثل: الأورام الوعائية السليمة والعُدّ (حب الشباب) في الجلد، كما كانت تستعمل في علاج تعرق اليدين والقدمين المفرط، وكذلك الجدرة الجلدية التي قد تحدث بعد المداخلة الجراحية لدى بعض المرضى وهي تسمك الجلد واحمراره مكان الجرح الجلدي. وكانت تستعمل أيضاً لإسقاط الشعر الوقتي في معالجة القرع، واستعملت كمعالجة عرضية وقتية للنزف الرحمي الناجم عن الورم الليفي السليم ولإحداث الضهى الشعاعي أي إيقاف دم الطمث نهائياً.
    وكان بعض الأطباء يستعملون الأشعة السينية لمعالجة فرط نشاط الدرق والتهابه، وضخامة الغدة السعترية والتهابات المفاصل المزمنة والداء الفقري الرثياني حتى بالغ بعضهم واستعملها لالتهاب الجيوب المزمن.
    أما اليوم فلا يجوز مطلقاً استعمال الأشعة في معالجة هذه الأمراض السليمة خوفاً من عواقبها الوخيمة، مثل حدوث سرطان الجلد في مكان المعالجة ولو أن حدوثه أمر شديد الندرة. ثم إن عدداً كبيراً من هذه الأمراض اكتشفت له أدوية شافية، وبعضها قد يتراجع من ذاته.
    مسؤولية الطبيب المختص بالمعالجة بالأشعة
    تقع مسؤولية المعالجة بالأشعة على عاتق الطبيب الاختصاصي بها الذي يجب أن يكون على معرفة تامة بالتشريح وبطبيعة جميع أنواع السرطانات وانتشاراتها الممكنة، ومتمكناً من الفيزياء الشعاعية، وملماً بالتشريح المرضي.
    إن الطبيب المتخصص هو الذي يعين الساحات التي تطبق عليها أو عبرها المعالجة ويعين مساحاتها وأشكالها واتجاهاتها، والمقدار اليومي المطبق عليها، ومقدار الأشعة الواجب وصوله إلى الورم (كل الورم) والمدة التي تستغرقها المعالجة، يساعده فيزيائي متخصص بالمعالجة بالأشعة. ويجب أن تكون الجرعة (المقدار) المطبقة على الورم هي اللازمة الكافية إذ لو كانت أقل من اللازم لا يتخرب الورم وإذا كانت أكثر احترقت النسج الطبيعية المحيطة به، وإضافة إلى ذلك يجب أن تكون الجرعة متجانسة أي متساوية في كل أقسام الورم كي يتخرب بكامله.
    إنها مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الطبيب المعالج علماً بأن المريض له فرصة واحدة للشفاء، فإن أخفقت فلا يمكن تكرارها مع الأمل بالشفاء كما كان في المعالجة الأولى. وتبقى المعالجة الشعاعية في المرة الثانية بقصد تخفيف المرض فقط.
    الأذيات الشعاعية
    قد تحدث بعض الأذيات نتيجة للمعالجة بالأشعة أهمها:
    ـ احمرار الجلد أو حدوث حروق من الدرجة الأولى أو الثانية.
    ـ جفاف البلعوم بعد معالجة أورام العنق.
    ـ التهاب الأمعاء الشعاعي بعد معالجة أورام البطن.
    ـ تكثف الجسم البلوري في العين إن تعرضت للأشعة في أثناء المعالجة.
    ـ تأذي البيوض في المبيض أو الخلايا المنسلية في الأنابيب المنوية.
    ـ تأذي الأعضاء اللمفية في الطحال والعقد اللمفية والتوتة (الغدة السعترية)، لذا تنقص الكريات البيض بعد المعالجة الشعاعية ولاسيما بعد معالجة الجذع، أما العناصر المولدة للكريات الحمر في نقي العظام فأقل تأثراً.
    ولخبرة الطبيب المعالج شأن أساسي في اتقاء حدوث هذه الأذيات. أما التصوير الشعاعي فليس له أذيات إذا أجري بيد خبير، عدا تصوير البطن عند الحامل في الأشهر الثلاثة الأولى فلا يجوز إجراؤه إلا في حالة الخطر على حياة الأم.
    داء الإشعاع
    قد يبدي بعض المرضى المعالجين بالأشعة بعد بضع ساعات ما يسمى بداء الإشعاع، ويتظاهر بدرجات متفاوتة من الغثيان والقيء والقَمَه (قلة الشهوة للطعام) قد تكون مزعجة عند بعضهم.
    إن معالجة البطن ولاسيما قسمه العلوي هي التي ترافقها غالباً هذه الأعراض، علماً بأنها قد تحدث بعد معالجة أقسام أخرى من الجسم. ويعتقد بأن انحلال النسيج الورمي بتأثير الأشعة وامتصاص البروتين الناجم عنه وتأثير الأشعة على الغشاء المخاطي لأنبوب الهضم والخلايا الكبدية هي الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الأعراض، لكن الآلية الحقيقية مازالت مجهولة، وإنه من البدهي أن هذه الأعراض قد تظهر عند بعض المرضى بسبب نفسي فقط لأن بعض الأصدقاء أو المرضى قد قالوا لهم إن المعالجة الشعاعية تحدث هذه الأعراض.
    راتب كحالة

  9. #499
    الأشعة السينية







    الأشعة السينية rayon X هي نوع من الإشعاعات الكهرمغنطيسية الشديدة النفاذ التي تتميز بطول موجة قصير جداً وتشابه في طبيعتها الإشعاعات فوق البنفسجية[ر] وإشعاعات غاما γ.



    وليس هناك حد فاصل صريح بين الأشعة السينية وإشعاعات غاما، ويراوح طول موجة الأشعة السينية بين 10-7-10-1سم أو ما يعادل 0.1- 100 انغستروم.



    اكتشف ولهلم كُنْراد رونتغن الأشعة السينية عام 1895، وأعطاها اسم الأشعة السينية أو المجهولة (أشعة X) لجهله طبيعتها آنذاك، ويطلق عليها بعضهم اسم أشعة رونتغن تخليداً لذكراه.



    وقد لاحظ رونتغن أن هذه الأشعة ذات طبيعة نافذة تؤثر في ألواح التصوير الحساسة للضياء على الرغم من سترها بطبقات متعددة من الورق المقوى، وأنها تنطلق من جدران أنبوب زجاجي مفرغ من الهواء تمر بين طرفيه شرارة كهربائية.



    صدور الأشعة السينية
    تصدر الأشعة السينية في كل مرة تتعرض فيها المادة للاصطدام بإلكتروناتٍ سريعة ذات قدرة حركية عالية. ويتألف أنبوب الأشعة الحديث من زجاج مفرغ من الهواء يحوي سلك وشيعة قابلاً للتوهج هو المهبط cathode، وقطعة من المعدن هي المصعد anode. وعندما يتوهج السلك بازدياد درجة حرارته عند تطبيق تيار كهربائي على طرفيه، تصدر عنه إلكترونات عدة بفعل الحادثة الفيزيائية المعروفة بالإصدار الحراري الشاردي (الإيوني)، فإذا طبق فرق كمون عال بين هذا السلك المتوهج (المهبط) والقطعة المعدنية (المصعد) تتسارع حركة الإلكترونات وتتجه نحو المصعد لترتطم به وتصدر عن هذا الارتطام فوتونات ذات طاقة متفاوتة يؤلف مجموعها الأشعة السينية وكمية كبيرة من الحرارة توجب تبريد المصعد تبريداً مستمراً، إذ إن الأشعة السينية الصادرة تكوّن 1% من طاقة الإلكترونات الحركية عند اصطدامها بالمصعد ويضيع القسم الأكبر من هذه الطاقة حرارياً.



    تتألف الأشعة السينية الناجمة عن تصادم الإلكترونات والمادة من نوعين رئيسين يكون الأول منهما طيفاً متصلاً لأشعة ذات أطوال موجية متقاربة لا علاقة لها بنوع المادة الكيمياوي للمصعد، في حين يتمتع الثاني بطول موجة خاص يتميز على منحنى طيف الأشعة الصادرة بشكل خط حاد ذي علاقة بنوع المادة الكيمياوي للمصعد. لذلك سمي هذا النوع الأخير من الأشعة السينية الصادرة الأشعة المميزة.



    تتعلق قدرة اختراق الأشعة للمادة أو نفوذها بطول موجتها، وبالتالي بالطاقة الحركية للإلكترونات المتصادمة مع المصعد، فكلما كانت طاقة هذه الإلكترونات عالية كان طول موجة الأشعة السينية قصيراً، وكانت شديدة النفوذ أو قاسية. وبالعكس كلما خفت هذه الطاقة كان طول موجة الأشعة السينية الصادرة طويلاً وكانت الأشعة قليلة النفوذ أو لينة، وتزداد طاقة الإلكترونات الحركية طرداً مع زيادة فرق الكمون المطبق (فولتاج) فاذا اقترب هذا من 500.000 فولط كان طول موجة الأشعة السينية الصادرة قريباً من أطوال موجة أشعة غاما.



    خصائص الأشعة السينية



    تمكن رونتغن منذ اكتشافه الأشعة السينية من دراسة خصائصها النوعية ولخصها بأن هذه الأشعة تسبب تفلور عدد من المواد من بينها مركب سيانيد البلاتين مع الباريوم. وتؤثر في المستحلبات الفضية المستخدمة في التصوير الضوئي. وتزيل الشحنة الكهربائية للمواد. ومعظم المواد شفافة لها. وتسير وفق خط مستقيم. ولا يغير اتجاهها مرورها عبر ساحات مغنطيسية، لذلك فهي ليست سيلاً من جزيئات مشحونة. وتصدر عندما تصطدم الأشعة المهبطية بأي مادة. وإن العناصر الثقيلة أكثرمردوداً من حيث إصدارها. ولا تنعكس ولا تنكسر بسهولة كالأشعة الضوئية.
    صورة شعاعية للمعدة (في وضعية الوقوف)
    وقد عكف الفيزيائيون منذ اكتشاف الأشعة السينية على دراسة خصائصها بالتفصيل وتبين لهم فيما بعد أنها تحدث بمرورها في المادة تأيناً ionisation في ذرات هذه المادة تختلف نسبته باختلاف طاقة فوتوناتها.



    استعمال الأشعة السينية



    استعملت الأشعة السينية في مجالات الطب والصناعة، وكان الأطباء أول المستفيدين من استعمالها بسبب اختلاف نسب امتصاصها في الأنسجة الحية باختلاف نوع هذه الأنسجة، فاستخدمت خاصة الفلورة في التنظير الشعاعي ودراسة حركية الأعضاء، ثم استخدمت الدارة التلفزيونية في نقل الصورة المتفلورة إلى شاشة التلفاز الذي أصبح يستخدم في التنظير الشعاعي، وبذلك تناقصت كمية الأشعة اللازمة للحصول على الصورة المفلورة المتلفزة.



    وكذلك استعملت الأشعة السينية في التصوير الشعاعي لمختلف أعضاء الجسم، ثم أدخل استعمالها مع الحواسيب للحصول على صور أكثر دقة وتفصيلاً للأعضاء المختلفة (أجهزة التصوير الطبقي المحوري).



    واستخدمت الأشعة السينية أيضاً في معالجة الأورام الخبيثة ومنع انتشارها، وجهد الفيزيائيون في زيادة قدرة نفوذها في الأنسجة المختلفة للجسم للوصول إلى الأورام العميقة، فاستعملت المسرعات الخطية التي أصبحت اليوم من أحدث أجهزة المعالجة الشعاعية.



    استخدمت الأشعة السينية أيضاً في الصناعة لكشف الهنات والشقوق في القوالب المعدنية والأخشاب المستعملة في صناعة الزوارق، كما ساعدت دراسة طيف امتصاص هذه الأشعة في المادة على جعل الأشعة السينية طريقة لكشف العناصر الداخلة في تركيب المواد المختلفة وتحليلها. وتستعمل في هذه الحالة الأشعة السينية التي تميز كل عنصر من العناصر الكيمياوية.



    تبين منذ السنوات العشر الأولى لاستعمال الأشعة السينية في الطب (التشخيص والمعالجة) أن هذه الأشعة لا تخلو من التأثيرات المؤذية. فقد عرف منذ البدء، عندما استخدمها الأطباء في التنظير الشعاعي لجبر كسور العظام، أنها تحدث حروقاً في أيدي الطبيب الفاحص وأن لها تأثيراً في خلايا نقي العظام والغدد التناسلية. وأظهرت الدراسات الخلوية الحيوية فيما بعد أن التأثيرات المؤذية للأشعة تسبب حتى بمقادير قليلة أحياناً تبدلات في صبغيات نواة الخلية الحية (طفرات) مع ما يتلو ذلك من تشوهات ولادية أو من اضطراب تكاثر هذه الخلايا وبالتالي موتها.



    وثبت أن تأثيرات الأشعة السينية في الخلية الحية تقع في أثناء الطور الثالث للانقسام الخلوي، لذلك كانت الأنسجة الحية ذات الانقسام الخلوي النشيط أشد تأثراً بها كأنسجة نقي العظام والغدد التناسلية.



    لذلك فقد أحجم الأطباء عن استعمالها على المرأة الحامل في الأشهر الأولى من الحمل، واستخدمت الواقيات الرصاصية لحماية العاملين بها. كما أن الهيئة الدولية للطاقة الذرية واللجان المتفرعة عنها قامت بنشر توصيات الحماية والأمان الخاصة بالأشعة السينية في منشورات خاصة تناولت القوانين الناظمة لاستعمالات هذه الأشعة وفرضت معايير وأسساً لصناعة الأجهزة الشعاعية ألزمت الشركات الصانعة التقيد بها، كما حددت المقادير والجرعات الشعاعية العظمى المسموح بها التي لا تحدث ضرراً يذكر.



    بسام الصواف

  10. #500
    اضطرابات الكلام





    الكلام، في اللغة، أصوات تامة مفيدة، فإذا عراها نقص أو تشوّه، أو قلت فائدتها، أو انعدمت،لأي سبب من الأسباب، كان النطق مَعيباً والكلام مضطرباً. والكلام في الاصطلاح نظام اتصال رمزي Code System له، شأن اللغة التي يجري بها،أربعة مستويات هي المستوى الصوتي والمستوى الصرفي (المورفولوجي) والمستوى البنائي أو مستوى النظم والمستوى الدلالي؛ فإذا اختل أحد هذه المستويات أو اختل تناسقها اضطرب الكلام واضطربت معه قدرة الفرد على التواصل مع أقرانه والتكيف مع محيطه.


    فاضطراب الكلام speech disorder هو انحراف المتكلم عن القواعد والمبادئ التي يقوم عليها نظام الكلام، والتي يجري وفقها كلام أقرانه ومعاشره وبني قومه، في بيئته المخصوصة؛ سواء تعلق الأمر بالانحراف عن النظام الصوتي، (عيوب النطق أو عيوب اللسان) أم بالنظام الإدراكي، المعرفي،(اضطراب الكلام). فأصوات الكلام بهيئاتها المعروفـة في لغات البشـر، أي بحروفها، مفردةً ومركبةً، وحدات متناسقة في نظام صوتي وثيق الصلة بالنظام الإدراكي - المعرفي أو المنطقي الذي تعبر عنه مبادئ الصرف والنحو وفنون البيان وأنساق الخطاب وعمليات إنتاج المعنى؛إذ يتغير الصوت بحسب موقعه في الكلمة وما يجاوره من أصوات مجهورة أو مهموسة مفخمة أو مرققة، صامتة أو صائتة، ويختلف معنى الكلمة في الجملة باختلاف النبرstress، ويختلف معنى الجملة أيضاً بالتنغيم intonation. والنبر والتنغيم كلاهما يفرقان بين المعاني المختلفة للكلمة الواحدة في الجملة وللجملة الواحدة في درج الكلام، في ضوء المحددات أو الهاديات البنائية والدلالية التي تحكم لغة المتكلم وتوجه عمليات إنتاج المعنى. وقد تكون عيوب اللسان من أسباب اضطراب الكلام وإن تكن أسبابها عضوية محضة.


    وتجدر الإشارة إلى أن الجهاز الصوتي عند الإنسان يستطيع أن ينتج عدداً كبيراً من الأصوات، لكن اللغة الطبيعية لا تستخدم إلا عدداً محدوداً منها. فالوحدات الصوتية، في جميع اللغات، لا تزيد على ثمانين وحدة، لكن اللغات لا تستعين إلا بنصف هذا العدد أو بأقل من ذلك. فاللغة العربية مثلاً تعتمد على نيف وثلاثين صوتاً تصنف بحسب مخارج الأصوات وبحسب صفاتها التي تقع في السمع، يتألف منها ما لا حصر له من المفردات والجمل والتراكيب التي تحمل ما لا حصر له من المعاني والدلالات والإيحاءات والتصورات والعواطف. وكلها ينتجها الدماغ وتسهم في إنشاء صورة الواقع في ذهن الإنسان وفي تحقيق التواصل الاجتماعي والإنساني.


    المسألة عند علماء العربية وفلاسفتها


    اهتم علماء اللغة والفلاسفة العرب المسلمون بالبحث في أصل اللغة ومنشأ الأصوات وسلامة النطق ووضوح الدلالة وقوة البيان، وكشفوا عن العلاقات الضرورية بين الأصوات والكلمات والمعاني ورصدوا عدداً من عيوب اللسان واضطراب الكلام، ووضعوا لها أسماءها المعروفة اليوم؛ فقد رأى ابن سينا (ت428هـ) أن «أصوات الكلام تحدث من تموِّج الهواء دفعة، بسرعة وبقوة من أي سبب كان. أما التموّج فإنه يفعل الصوت، وأما حال التموج نفسه من اتصال أجزائه وتملّسها أو تشظّيها وتشذّبها فيفعل الحدّة والثِّقل. أما الحدّة فيفعلها الأولان، وأما الثقل فيفعله الثانيان. وأما حال التموج من جهة الهيئات التي يستفيدها من المخارج والمحابس في مسلكه فيفعل الحرف. والحرف هيئة للصوت عارضة له يتميز بها عن صوت آخر مثله في الحدة والثقل تميزاً في المسموع». وقال الكندي: «ومتى تغيرت آلة النطق وزالت عن الأماكن الواجبة للنطق فسد لذلك المنطق وأتى بخلاف ما قصد له الناطق». وفساد المنطق، عند علماء العربية وفلاسفتها، ضربان: أحدهما ناجم عن فساد آلة النطق وآلة الكلام أو عطب في مراكزه، والثاني ناجم عن عجز في إنتاج الكلام وبلوغ المعاني وإبلاغها، وهذه، أي الم عاني، عند الجرجاني (ت471هـ)، صور ذهنية توضع لها ألفاظ مناظرة لا يبين معناها ولا تُبلغ الغاية منها إلا بالنظم. وهذا ما ذهب إليه الجاحظ (ت255هـ) من قبل. فاضطراب الكلام من هذه الجهة عجز عن إنتاج المعنى وبلوغ القصد وإظهار ما خفي وسُتر، وعجز، من ثم، عن الفهم أو التأويل، وهو آخر الأمر وعاقبته كما يقول ابن فارس (ت395هـ). فغاية الكلام هي الفهم والتفاهم والتعارف والتواصل.


    ومن أبرز العيوب التي كشفها علماء العربية ما يلي:


    ـ البكم: وهو الخرس مقيداً بالعيِّ، وذهب بعضهم إلى أنه الخرس نفسه.


    ـ التأتأة: وهي التردد في نطق التاء عند التكلم.


    ـ التعتعة: وهي كلام فيه تردد ولثغة.


    ـ التلعثم أو اللعثمة: وهو تباطؤ في اللسان يحدث من مرض أو اضطراب طارئ كالحرج العاطفي والخوف ونحوهما.


    ـ التمتمة: وهي تردد اللسان في التاء أو في التاء والميم.


    ـ التهتهة والهتهتة: وهي التواء في اللسان يوصف به العييُّ الألكن. وتظهر في إخراج صوت الهاء مع جريان النفس بسرعة مصاحباً الكلمات المنطوقة.


    ـ الحبسة: وهي كالرُّتة من عيوب النطق، تكون في اللسان بحيث يُحبس عن النطق. ويطلق عليها الاحتباس أيضاً.والحُبْسة هي تعذر الكلام عند إرادته.


    ـ الحَصَر: وهو العي في الكلام ونقص القدرة على مواصلته والترسل فيه.


    ـ الرُّتة: وهي عجلة في الكلام وقلة أناة فيه. وهي عند ابن منظور(ت 711 هـ) قلب اللام ياء. وعند الثعالبي(ت 429 هـ) حبسة في لسان الرجل وعجلة في كلامه. والرترتة هي التردد بين الحبس والإطلاق.


    ـ الرَّتَج: وهو امتناع الكلام عند إرادته،فإذا ما جاء منه شيء اتصل.ويقال أرتج على القارئ، أي لم يقدر على القراءة.


    ـ الطمطمة: وهي إبهام الكلام وتداخله فلا يفهمه السامع.


    ـ العُقلة: وهي احتباس الكلام من ثقل في حركة اللسان.


    ـ العِيُّ: وهو عيب في اللسان يقعده عن الترسل في الكلام.


    ـ الغمغمة: وهو نوع من الكلام لا يميز السامع صوت حرف منه ولا يتبين معناه؛ لأن أصواته مختلطة لا يفصل بينها فاصل.


    ـ الفأفأة: وهي كثرة تردد الفاء في الكلام .


    ـ الفَحَم: وهو الانقطاع عن الكلام والعجز عن تأليفه.


    ـ الفَعَم: وهو عيب في الفم تتقدم معه الثنابا السفلى إذا ضم الرجل فاه فلا تقع عليها الثنايا العليا.ويؤدي إلى عيب في إخراج الأصوات الأسنانية خاصة.


    ـ اللثْغة: وهي تحول اللسان من حرف إلى حرف كالذي ينطق الراء غيناً أو لاماً أو ياء أو ظاء أو ينطق الضاد فاء والسين ثاء أو تاء.


    ـ اللَّجْلَجة: وهي ثقل في الكلام وضعف القدرة على الترسل فيه،وجولان اللسان في الشدق عند صوغه،وعدم الإبانة والتردد بين إخراج الكلام وحبسه.


    ـ اللقلقة: وهي سرعة حركة اللسان في الحديث والجلبة وتقطيع الأصوات.


    ـ المقمقة: وهي التكلم من أقصى الحلق.


    ـ الوأوأة: وهي التلعثم في النطق والعسرة في الاسترسال.


    ـ الورورة: وهي الإسراع في الكلام من غير تفكير ولا روية .


    وهناك أيضاً الوسوسة والوشوشة والولولة وهي كلام خفي في اختلاط.


    وإصدار الكلام هو نتيجة سلسلة من العمليات المتسقة والمتكاملة تبدأ في الدماغ الذي ينظم حركة أعضاء التصويت والنطق وعملية تحويل الأصوات إلى كلام مفيد. فالدماغ هو أساس جميع العمليات المعرفية والنفسية وجميع الاستجابات التي تولدها مثيرات داخلية وخارجية ويطلق عليها اسم السلوك. أما أعضاء التصويت والنطق فهي: الرئتان والحنجرة والحلق الجوف الأنفي والجوف الفمي والشفتان واللسان والحافة اللثوية والحنك والطبق واللهاة .


    وتجدر الإشارة إلى تلازم الكلام والسمع، وأهمية حاسة السمع في القدرة على فهم الكلام وإنتاجه. ومن البديهي أن فهم الكلام يسبق إنتاجه، وأن الصمم والبكم أو الخرس خلقةً متلازمان. فما يصيب حاسة السمع من أعراض يؤثر في فهم الكلام وفي إنتاجه.وإلى أن جهاز التنفس هو نفسه جهاز التصويت وجزء أساسي من جهاز النطق أو آلته. وكل ما يصيب جهاز التنفس وجهاز النطق عامة من أعراض يؤثر في عملية النطق والكلام. فعملية الكلام وظيفة مكتسبة، مع أن الاستعداد للكلام فطري في الإنسان، ولهذه العملية أساس حسي وعصبي وحركي، وأساس ذهني ـ نفسي، وللتوافق بين هذه جميعاً أهمية كبيرة في نمو اللغة لدى الطفل. وكلما كان هذا التوافق طبيعياً وسليماً كان الكلام كذلك.وتحتاج عملية الكلام إلى توافق وظيفي بين مراكز النطق ومراكز السمع والتذكر والتصور ومراكز الحركة وغيرها من المراكز المتعلقة بفهم الكلام وإنتاجه في الدماغ، فإذا لم يكن ثمة توافق حدث الاضطراب.كما أن الشروط الاجتماعية الاقتصادية والثقافية والسياسية والأخلاقية والطبيعية تؤثر في صحة الأفراد الجسدية والنفسية والعقلية، ومن ثم في قدرتهم على فهم الكلام وإنتاجه ملفوظاً أو مكتوباً. ويبين علم اجتماع اللغة أن الشروط الاجتماعية تؤثر، فضلاً عن ذلك، في طول الجملة أو قصرها وفي القدرة على التعبير عن الفروق الدقيقة بين الأشياء والظواهر، وفي صوغ العبارة على قد المعنى وغلبة الجانب العقلي على الجانب العاطفي أو العكس.


    أسباب اضطرابات الكلام


    لاضطرابات الكلام وعيوب النطق أسباب فيزيائية وعضوية تتعلق بحاسة السمع وجهاز التنفس وبالفم والأسنان. وأخرى، تتعلق بمراكز النطق والكلام، في الدماغ. وثالثة تتعلق بالجانب غير المادي، أي بالجانب الذهني ـ النفسي.


    العوامل الفيزيائية والعضوية


    تحدث أصوات اللغة بفعل هواء الزفير الذي يخرج من الرئتين بتأثير الحجاب الحاجز الذي يضغط على القفص الصدري فيمضي الهواء في ممرات ضيقة يمكن التحكم بها وتتألف من الحنجرة ثم التجويف الحلقي، ثم الفم لإنتاج الأصوات الفمية أو إلى الأنف لإنتاج الأصوات الأنفية، وهذه وتلك متنوعة بحسب شدة تيار الهواء في الحبس والإطلاق، وبحسب الموضع الذي يتم فيه اعتراض هذا التيار؛ فيتغير شكل الممرات (غرف الرنين) تبعاً لنظام معين، ويصدر الصوت وفق أوضاع معينة تتخذها أعضاء النطق.


    ولا بد من توافر ثلاثة عوامل لحدوث الصوت، هي: تيار الهواء والممرات القابلة للإغلاق جزئياً أو كلياً لحبس الهواء وإطلاقه، واعتراض تيار الهواء في نقاط محددة مختلفة من جهاز النطق. وكما تتغير الأصوات وتختلف عند النقر على وتر مشدود أو النفخ في مزمار ذي ثقوب تتغير الأصوات اللغوية على نحو أكثر تعقيداً لارتباطها فضلاً عن الحرارة والرطوبة وسلامة الأعضاء بسرعة تيار الهواء وسعته وبعوامل حركية وعضوية ونفسية معقدة. فكل عارض يصيب جهاز النطق أو جزءاً منه، وكل اختلاف أو تغير في درجة حرارة الجسم ورطوبة ممر الهواء، وأي عطب يصيب هذا الجهاز كله أو بعضه وأي خلل في وظائف أعضائه يؤثر في أصوات الكلام ويخرجها عن المعتمد والمألوف، إذ إن اضطرابات جهاز النطق تؤثر في شدة الصوت وارتفاعه ونوعه. فالغُنَّة والخنخنة والغمغمة واللُّثْغة والمقمقة وغيرها من عيوب اللسان ناجمة، على الأغلب، عن عوامل فيزيائية وعضوية.


    تتعلق اضطرابات التصويت (وخاصة فقدان الصوت aphonia وعسر التصويت dysphonia) بالحبلين الصوتيين واللسان والحنك والبلعوم، كما يؤثر في الصوت خزل حركات التنفس، كما في التهاب سنجابية النخاع (شلل الأطفال) والتهاب الأعصاب المتعددة الخمجي الحاد أو كجزء من آفة خارج الهرم extrapyramidal [ر. الجملة العصبية]؛ وذلك بسبب نقص الهواء اللازم للتصويت والكلام. ومن الشائع أن يعزى نقص حجم الكلام إلى ضعف حركات التنفس فلا يستطيع المريض أن يتكلم إلا همساً. ويؤدي خَزْل الحبلين الصوتيين إلى فقدان تام للتصويت. أما عند شلل أحدهما فيصبح الصوت أبحَّ، منخفض الطبقة، خشناً. كما أن تورم العصب القحفي التاسع في أحد الجانبين، مثلاً، قد يؤدي إلى الخنخنة لأن المنخرين الخلفيين لا يقترب أحدهما من الآخر في أثناء التصويت. فالصوامت كالباء والنون والكاف تتبع هروب الهواء إلى الممرين الأنفيين. ويعد عسر التصويت التشنجي اضطراباً عصبياً غير مفهوم جيداً؛ ذلك أن كثيراً من المرضى الذين هم في منتصف العمر، أو في خريفه (وهم أصحاء عادة) يفقدون، بالتدريج، القدرة على التكلم بهدوء وطلاقة؛ إذ يؤدي الجهد المبذول في التحدث إلى تقلص عضلات جهاز النطق، فيغدو الصوت نهيكاً والتصويت متعباً، وتختلف هذه الحالة عن الصرير strido الناجم عن تشنج عضلات الحنجرة في حالة الإصابة بالكزاز. ويتصف هذا الاضطراب بأنه غير مترقٍ (غير متدرج)، ولكنه قد يشترك مع اضطرابات خارج الهرم مثل تشنج الأجفان والصعر torticollis. وفي حالة ضعف جريان الهواء أو حدوث أذية في الحبلين الصوتيين أو اضطراب في وظيفتهما أو في وظيفة الحنك الرخو، يضعف توليد الكلام، وقد يكون الكلام شديد النعومة أو مبحوحاً أو أجش، ويضطرب التلفظ بالصوامت القاصية كالباء والميم إذا لم يتمكن الحنك الرخو من إغلاق الفتحة البلعومية الأنفية، مما يؤدي إلى الخنخنة فتقلب الراء نوناً. ويؤدي تأذي الحبلين الصوتيين الشديد إلى فقدان تام للتصويت.


    ويمكن تقسيم عيوب التلفظ إلى رُتّة خزلية ورُتَّة تشنجية وصملية ورتة رقصية ورمعية (اختلاجية) ورنحية.


    فالرتة الخزلية تنجم عن ضعف أو شلل عصبي أو بصلي في عضلات التلفظ. فيكون هناك صعوبة خاصة في تصحيحنطق الأحرف المهتزة كالراء. ويبدي الصوت لحناً أنفياً بسبب ضعف الحنك. وإذا اشتد الشلل غابت الأحرف الساكنة الشفوية واللسانية، وفي المراحل المتقدمة يغدو اللسان ضعيفاً عاطلاً ويتوضع في قاع الفم، وترتخي الشفتان وتصابان بالارتعاش.


    وتشمل الأسباب الشائعة لهذه الحالة الشلل البصلي واعتلال الأعصاب المحيطية وأمراض العضلات ومنها الوهن العضلي الوبيل.


    وتتصف الرُّتَّة التشنجية والصملية بضعف في التلفظ ناجم عن الأمراض التي تصيب السبل القشرية البصلية وتحت القشرية ولاسيما سكتة جذع الدماغ. وعلى النقيض من الشلل البصلي الناجم عن إصابة العصبون neuron السفلي، فإن هذه الحالة لا تشتمل على ضمور في العضلات المشلولة التقلصات الحزمية. كما أن منعكسات الوجه الأخرى تكون مشتدة، في حين تبقى المنعكسات الحنكية سليمة. وأما التحكم الانفعالي فيضطرب (ضحك وبكاء مرضيان) ويصبح التنفس دورياً أحياناً (تنفس شاين ـ ستوكس) وعندما يصاب الوصاد operculum الجبهي فقط يتجلى اضطراب التلفظ في حدوث رتة صرفية، لكن من دون اضطراب في التحكم الانفعالي عادة. وقد يكون المريض مصاباً، في البداية، بعُقْلة anarthria وفقدان كامل للصوت، فإذا تحسن المريض أو كانت إصابته أخف، فإن الكلام يكون بطيئاً وغليظاً وغير واضح. ويشبه هذا الاضطراب اضطراب الكلام لدى المصاب بالشلل البصلي الجزئي. ويمكن أن تحدث الرتة الرقصية والرمعية والرنحية في داء هنتنغتن Huntington والمتلازمات المخيخية ورمع الحنك. ويكون الكلام، معها، غير منتظم وانفجارياً سيئ اللفظ ولا يمكن التنبؤ به.


    ـ العوامل المتعلقة بمراكز النطق والكلام في المخ


    ينقسم المخ إلى شقين أو نصفين: أيمن وأيسر. ويحتوي شقه الأيسر، غالباً، (لدى من يستعملون اليد اليمنى) على منطقة مهمة للسلوك اللغوي، هي أكبر منها في الشق الأيمن ولهذا توصف بالمنطقة المسيطرة. والعكس صحيح عند من يستخدمون اليد اليسرى. فثمة عدم تناظر تشريحي وعدم تناظر وظيفي بين نصفي الكرة المخيين ويبدو عدم التناظر الوظيفي جلياًً في مجال النشاط اللغوي.


    وتعد باحة اللغة الخلفية (باحة فيرنكة Wernicke) التي تقع في القسم المسيطر من المنطقة الصدغية الجدارية مهمة لفهم الكلام المسموع واختيار الكلمات أو العبارات المراد إيصالها. وترتبط هذه الباحة أو المنطقة بمنطقة الكلام الأمامية (باحة بروكا نسبة إلى الطبيب الفرنسي بروكا Broca الذي كشفها عام 1881) في التلفيف الجبهي الثالث السفلي بوساطة الحزمة المقوسة التي تتألف من ألياف تمر بالمراكز الحسية البصرية والسمعية.
    آليات اللغة والكلام
    وتؤدي آفات منطقة الكلام الأمامية إلى عسر في التعبير يتجلى في ضعف الطلاقة ونقص إنتاج الكلمات. وعلى النقيض من ذلك ما يحدث في أذية المنطقة الجدارية الصدغية؛ إذ يحتفظ المصاب بالطلاقة وبالقدرة على تأليف الجمل ومراعاة القواعد، لكنه يخطئ المعنى المطلوب ويتلفظ بأحرف أو بكلمات غير ملائمة (حُبْسة التسميةparaphasia) أو يرتجل كلمات جديدة (استحداث اللغة neologism)، فضلاً عن صعوبة فهم الكلام المسموع (عسر الكلام الاستقبالي receptiv dysphusia). أما الأذيات التي تصيب الحزمة المقوسة حول شق سلفيوس فذات صفات مشتركة مع كل من الحُبْسة التعبيرية والاستقبالية. وحين يضعف الجهاز المسيطر على عضلات الكلام أو تصاب عضلات الكلام نفسها يحدث عسر التلفظ أو الرتة dysarthria. كما تؤدي الآفات التي تصيب القسم الخلفي من شق سلفيوس إلى حُبْسة فيرنكة، أما آفات ناحية شق سلفيوس الأمامية الواقعة على مقربة من القشرة الحسية الحركية الخاصة بالحركات الحلقومية فتؤدي إلى اضطراب عملية الكلام. ويراوح ذلك بين الصمات (الخَرَس) واضطراب التلفظ والأداء حتى اضطراب الانتقال من لفظ إلى آخر واضطراب أسلوب التعبير ونغمة الصوت ولحنه (اتساق الأصوات). وتؤدي الآفات التي تصيب المنطقة الواقعة خلف القسم السفلي من منطقة رولاندو تماماً إلى سوء وضع اللسان والشفتين والبنى الأخرى في الحلقوم. وينتج عن ذلك أخطاء في بعض الألفاظ .


    وأما الآفات التي تصيب القسم السفلي من شق سلفيوس والقسم العلوي من الفص الصدغي وتلافيفه السمعية فتحدث اضطراباً في فهم الكلمات المنطوقة. وتؤدي أذية الأقسام الخلفية التي فوق الأجزاء الوحشية اليسرى من الفصين الجداري والقذالي إلى اضطراب في القراءة. وأما أذيات المناطق البعيدة عن شق سلفيوس، ولاسيما الأجزاء الأنسية والحجاجية فتحدث غالباً نقصاً في الانتباه والاستجابة (فقدان الإرادة abulia) وصولاً إلى حالة صمات وِنائية يكون المريض معها في حالة صمت ناجمة عن فقدان إرادة الكلام وعجز أعضاء الكلام عن أدائه، ويكون كلامه مقتضباً مع وقفات طويلة بين فواصله. وتؤدي أذية المنطقة القذالية الواسعة إلى اضطراب وظيفة القراءة وإلى نقص في استعمال المنبهات البصرية والمعجمية. كما تؤدي الآفات المهادية الخلفية والآفات العميقة في الفص الصدغي المجاور إلى تناثر الكلمات والعبارات واستحداث معانٍ جديدة لها وإلى الإسهاب والثرثرة.
    مواضع النطق والكلام في المخ تشريح القشرة المخية
    العوامل النفسية


    تتعلق هذه العوامل بالانفعالات عامة ولاسيما الخوف والخجل والارتباك والحرج العاطفيين والشعور بالإحباط. كما تتعلق بالاضطرابات النفسية والعقلية كالفصام والتخلف العقلي. ويفضي أسلوب التربية القائم على القسوة في المعاملة والعقاب المستمر وإثارة الانفعالات الشديدة والقهر النفسي الاجتماعي إلى اضطرابات في الكلام وعيوب في اللسان أيضاً.


    أنواع العيوب والاضطرابات


    الحُبْسَةُ (الأفازيا aphasia) أو عسرة الكلام dysphasia وهي فقدان القدرة على فهم اللغة والتعبير بها، نتيجة الإصابة في مناطق الكلام النوعية في نصف الكرة المخية السائد. ويمكن أن تحدث الحبسة قبل اكتساب اللغة أو بعده. وللحبسة أنواع هي:


    الحبسة التامة أو الشاملة: وهي العجز عن قراءة أبسط الكلمات أو كتابتها، والعجز كذلك عن فهم كلام الآخرين والعجز عن التعبير سوى بجمل مختصرة في بعض الحالات. وتحدث في الإصابة الجبهية-الصدغية من نصف الكرة السائد. ومعظم المرضى بها مصابون بفالج شقي أيمن،وبصيرتهم ضعيفة وحظهم في الشفاء ضئيل.


    حبسة بروكا Broca’s aphasia (الحبسة الحركية الرئيسة): وهي متلازمة معقدة يضطرب فيها الكلام والكتابة بشدة، وترافقها حبسة نحوية في الكلام والكتابة مع اضطراب أقل في فهم اللغة. وتنتج عن إصابة منطقة بروكا، ومعظم المصابين بها مصابون بفالج أو خزل شقي أيمن بسبب التوسع الوعائي وإصابة المحفظة الداخلية الموافقة. ويمكن أن تحدث حبسة بروكا التعبيرية وحبسة فيرنكة المستقبلة بأشكال ناقصة أو مختلطة، ولكن القاعدة هي ارتباط حبسة بروكا التعبيرية بآفات الفص الجبهي وارتباط حبسة فيرنكة المستقبلة بالآفات الصدغية الجدارية. ومثال ذلك ما يحدث في حبسة التوصيل المعروفة بكلام متدفق يشبه ما يشاهد في حبسة فيرنكة، مع قدرة المريض على ترديد ما يقوله الطبيب الفاحص من جمل وإن كانت طويلة. ويشير ذلك إلى سلامة الارتباطات الرئيسية بين المنطقتين،وأن الآفة هي قرب مناطق الكلام الأولية لا فيها ذاتها.


    الحبسة الحركية البسيطة: وتشبه الحبسة الحركية الرئيسة، إلا أن المصاب بها يستطيع أن يفهم الكلمات المنطوقة والمكتوبة فهماً جيداً.


    حبسة فيرنكة (الحبسة المركزية أو الرئيسة): وتسمى أحياناً بحبسة الاستقبال وهي اضطراب في فهم الكلام المسموع والمكتوب وفقدان القدرة على تعرف طبيعة المنبه الحسي الرمزي أو معناه، ومن ذلك اللغة، وعدم القدرة على ربط الكلمات المتعلمة بالأفكار الداخلية أو الذكريات المختزنة. فالمصابون بها لايستطيعون فهم معنى أي رسالة، سواء باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة، باستثناء بعض الأوامر الفجائية، مثل:«قف». ومع ذلك يتكلمون كلاماً لا معنى له بتنغيم طبيعي. وتكون بصيرتهم ضئيلة وإنذار الشفاء التام ضئيل أيضاً. والآفات المسببة تخرب القسم العلوي الخلفي من الفص الصدغي وما يجاوره.


    متلازمات الحبسة المركزية: وأهم هذه المتلازمات حبسة التوصيل واللاقرائية واللاكتابية وعزل باحات الكلام. أما اللاقرائية مع اللاكتابية فهي متلازمة غالباً ما تكون مضاعفة متأخرة لمتلازمة حبسة فيرنكة الكبيرة وتتخذ مظهراً بصرياً يتضح في أثناء القراءة والكتابة، وتحدث العيوب في الاستجابة للمنبهات القرائية. على أن الفهم السمعي يكون أقل خللاً من الفهم البصري. وتنجم عن إصابة المناطق الجدارية والقذالية. أما عزل باحات الكلام، فهو متلازمة نادرة تنبع أهميتها من أن فعل التكرار بصوت عال يمكن أن ينجز من غير مشاركة الأجزاء الرئيسة في الفصوص الجدارية والصدغية والقذالية، ولكن يعد نقص الأكسجة المديد نتيجة توقف القلب أو نقص ضغط الدم،فيحدث إفقار دماغي قد يصيب مناطق الحواف الوعائية. وتكون الاستجابة المنطوقة عند المرضى شبيهة بتكرار الأصوات عند الببغاء (صُداء لفظي echolalia) وتحدث علامات خفيفة دالة على الفهم أو المحادثة مع الذات، مما يدل على إصابة واسعة خارج مناطق الكلام.

    التظاهرات السريرية الموضع التشريحي المسببات الأعراض السريرية المرافقة
    المتلازمات الرئيسية
    الحبسة الشاملة نقص الكلام، حبسة غير طليقة، نقص فهم الكلمات المنطوقة والمكتوبة. آفة كبيرة في الفص الجبهي والجداري والصدغي والعلوي المسيطر. احتشاء، أو رضح (رضTrauma)، أو ورم. فالج بالجانب المقابل، فقط حس شقي، عمى نصفي.
    حبسة بروكا حبسة غير طليقة، كلمات غير نحوية، نقص التلفظ، عسر التلفظ أو التصريفdysprosody، وقد يكون هناك صمات. آفة قشرية أو تحت القشرة في المناطق الجبهية وقبل الجبهية. احتشاء، نزف، ورم. خزل شقي بالجانب المقابل، نقص حسي خفيف أو معدوم، لا يوجد اضطراب في الساحة البصرية، لا أدائية فموية، رتة قشرية.
    حبسة فيرنكة (حبسة مركزية أو حسية). كلام طليق، عدم فهم تام للكلام المنطوق، عجز عن قراءة الكلمات أو تكرار الأصوات أو الكلمات، لا قرائية، لا كتابية، ومن الشائع حدوث حبسة التسمية. البنى الخلفية حول منطقة سلفيوس للفص الجداري والصدغي. احتشاء، ورم، التهاب الدماغبالحلأ البسيط Herpes. عيوب حسية ناجمة عن الفص الجداري، عمى نصفي، لا يوجد اضطراب حركي.
    متلازمات الحبسة المركزية الصغيرة
    حبسة التوصيل حبسة التسمية، صعوبة في تكرار الكلام والقراءة بصوت عال، عدم إدراك الاضطراب، فهم كاف للكلمات المنطوقة والمكتوبة. الطبعة العلوية من قشرة سلفيوس، الفصيص الجداري السلفي. احتشاء. فرط حسي شقي أو عمى نصفي مماثل بالجانب المقابل، رأرأة عينية حركية شاذة.
    حبسة سمعية رئيسية (صمم كلمات صرف) اضطراب الفهم السمعي، العجز عن تكرار الجمل أو كتابة الإملاء. آفة في التلفيف الصدغي العلوي. احتشاء، ورم، خراج. صمم نادر.
    حبسة بصرية رئيسية (عسر قراءة مع عسر كتابة) اضطراب اللغة البصرية أكثر من السمعية، لا يستطيع المصاب القراءة ولا الكتابة. آفة جدارية قذالية. احتشاء، ورم، نزف فصي. عمى نصفي.
    متلازمات أخرى
    عمى الكلمات الصرف سواء اللغة المنطوقة أو الكتابة، مع العجز عن القراءة. القشرة القذالية المخططة اليسرى، وقشرة الترابط المجاورة والجسم الثفني الخلفي. احتشاء، ورم، نزف فصي. عمى نصفي.
    عزل باحات الكلام كلام مثل الببغاء، صداء لفظي Echolalia. نقص ضغط الدم الجهازي أو نقص الأكسجة، توقف القلب. احتشاء (جلطة). نقص التيقظ والاستجابة، ضعف الساقين.
    حبسة عسر تسمية نسيانية عجز عن تذكر أسماء الأشياء أو أجزاء الأشياء، صعوبة في الذاكرة الحديثة. آفات عميقة في الفص الصدغي. ورم، داء ألزهيمر، احتشاء، التهاب الدماغ بالحلأ البسيط. لا أدائية (خرق)، لا يوجد اضطرابات حركية أو حسية، اضطرابات الربع العلوي من الساحة البصرية.

    حبسة عسر التسمية النسيانية: وهي صعوبة تذكر الأسماء المطلوبة، مع وقفات في الكلام ومحاولة البحث عن الكلمات واستبدال كلمة بأخرى أو مقطع بمقطع آخر.


    ـ صعوبة الكتابة dysgraphia وهي العجز عن كتابة الكلمات في صورتها الصحيحة.


    ـ صعوبة التذكر والتعبير الصحيح dysnomia-apraxia: وهي صعوبة تذكر الكلمة المناسبة للمعنى المراد التعبير عنه.


    ـ صعوبة فهم الكلمات أو الجمل echolalia agnosia


    ـ صعوبة القراءة dyslexia.


    ـ عيوب تركيب الجملة language deficit: وفيها يركب المصاب الجملة تركيباً مخالفاً للمعنى ولقواعد اللغة اللازمة لأداء المعنى الصحيح، ولا يستطيع وضع الكلمة المناسبة في المكان المناسب (جدول أنماط الحبسة).


    علاج اضطرابات الكلام


    يراعى في علاج اضطرابات الكلام تعدد أساليب العلاج النفسي والعضوي والطبي. وهناك مداخل كلامية في علاج هذه الاضطرابات مثل التحليل النفسي والعلاج المعرفي السلوكي والعلاج الجماعي بين الأشخاص. وحينما يرافق العلاج الطبي والنفسي هذه المداخل يمكن أن تسهم مجتمعة في تخفيف وطأة الاضطرابات الكلامية، كأن يلجأ الجراح إلى إزالة تشوه الأسنان أو تشوّه أجهزة النطق الأخرى. وأن يمارس الطفل تدريبات معينة. ونجاح هذه المعالجات والوصول بها إلى نتائج مرضية قد يخففان تدريجياً من اضطرابات التأتأة.


    وقد يجلس المصاب بالاضطراب أمام أجهزة تساعده على التحكم في نطقه وتخفف من حدة قلقه النفسي فيستعيد توازنه النفسي ونطقه وقدرته على التعبير. وأبسط الأجهزة البصرية هو المرآة يقف المصاب أمامها في أثناء الكلام ويقوم بالنفخ والتنفس والنطق والكلام. ويعرف نتيجة عمله بالتغذية الراجعة feedback ويستمر على هذا المنوال حتى يقترب من النموذج الصحيح ويسجل كلامه على شريط تسجيل أو يستخدم أجهزة التغذية الراجعة الحيوية bio feedback التي تخفف من قلقه وتزيد من نجاحه. وبعد عدة جلسات يحتمل أن يتوصل المصاب إلى تخفيف اضطراباته إلى حد مقبول. ويستغرق التدريب العلاجي جلسات كثيرة وتدريباً متواصلاً قد لا يتوافر للكثيرين القدرة على المثابرة عليها بسبب ما تكلفهم من مال وجهد ووقت. إلا أن توافر الوسائل الحديثة والجمع بين مختلف أساليب المعالجة من بداية العلاج قد يؤديان إلى النجاح ويشجعان على المثابرة.ولذلك فإن الأنشطة التي يقوم بها المصاب نفسه قد تسهم في تحسين حالته العضوية والنفسية وتخلصه من الاضطراب.


    وأبسط أنواع التدريب هو النفخ والتثاؤب والشهيق العميق ونطق الحروف الساكنة والمتحركة وتسجيل الكلام ثم الاستماع إليه مرات عدة، فيتحسن النطق في كل مرة إلى أن يصل إلى النموذج الصحيح. وقد يتم علاج الأطفال خاصة عفوياً عن طريق اللعب فيتعلمون اللغة والتعبير والتواصل مع الآخرين بوساطته.


    وهناك تمرينات نوعية خاصة بالشفتين واللسان والحلق يمكن أن تسهم في تحسين النطق أو الكلام، مع استخدام وسائل تقنية كالذبذبات الإلكترونية المستخدمة في التدريب الكلامي للأشخاص الذين يعانون مشكلات في الكلام والسمع. والرسمالبياني الذي يشاهده كل من المدرب والمتدرب يسهم، في أثناء التدريب، في الاقتراب من نموذج النطق السليم والصحيح. وهذا الاقتراب التدريجي يزيد من الثقة بالنفس والشعور بالتقدم في العلاج، مما يحفز المتدرب على المثابرة لتحقيق المزيد من النجاح وإتقان الكلام.


    وتسهم الوسائل الحديثة كالهاتف وأجهزة التسجيل وأجهزة الفيديو والحواسيب في تخفيف اضطرابات الكلام؛ لأن المتدرب عليها يتعامل مع آلات تركز الإجابة الصحيحة من دون أن ترافقها انطباعات وتعليقات من الآخرين قد تسبب هي ذاتها اضطرابات نفسية وكلامية. لذلك فإن العلاج المعرفي السلوكي بهذه الطرائق قد يسهم في علاج اضطرابات الكلام عند الأشخاص الذين يملكون العزم والتقنيات اللازمة للوصول إلى الهدف.





    سهاد مللي، حسان قمحية، جاد الكريم الجباعي

صفحة 50 من 146 الأولىالأولى ... 404849 50515260100 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال