صفحة 22 من 146 الأولىالأولى ... 122021 2223243272122 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 211 إلى 220 من 1457
الموضوع:

( علم الاحياء ) بكل مصطلحاتة ومفاهيمة وتراكيبة العلمية ستجدها هنا - الصفحة 22

الزوار من محركات البحث: 64847 المشاهدات : 322135 الردود: 1456
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #211
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسوبوتاميا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 41,251 المواضيع: 3,594
    صوتيات: 132 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 44361
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: حي الله
    آخر نشاط: منذ ساعة واحدة
    مقالات المدونة: 19
    تنفس الحيوانات

    التنفس هو مجموعة العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تؤدي إلى تحرير الطاقة الكيمياوية الموجودة في المادة الغذائية بأكسدة جزيئاتها العضوية.
    والتنفس نوعان: تنفس يؤمن استخلاص الأكسجين من الوسط وطرح ثنائي أكسيد الكربون، ويسمى التنفس الخارجي أو التبادل الغازي، وتنفس يتم على مستوى الخلايا سيعالج في موقع آخر تحت عنوان «تنفس الخلايا»[ر].
    يتم التبادل الغازي بين الخلايا والوسط الخارجي، سواء كان هوائياً أو مائياً، بوساطة جهاز خاص يسمى جهاز التنفس. ولكي تتأمن حركة غازي الأكسجين وثنائي أكسيد الكربون بين الوسط الخارجي والمتعضية، لابد من توفر سطوح تنفسية يتم تبادل هذين الغازين عبرها. ولكي يحدث هذا التبادل بفعالية، يجب أن تحقق هذه السطوح التنفسية الصفات الآتية:
    ـ النفوذية: إذ يجب أن تكون هذه السطوح نفوذة بحيث تستطيع الغازات أن تمر عبرها، وهذا يتطلب أن تكون رطبة أيضاً.
    ـ الرقة: يجب أن تكون رقيقــة، لأن انتشار الغازات عبرها يحدث بكفاءة عبر مسافة لا تزيد على 1مم.
    ـ الوسعة: يجب أن تكون واسعة بحيث يجري تبادل كميات كبيرة من الغازات تفي بمتطلبات المتعضية.
    وتحصل الحيوانات على الأكسجين إما مباشرة من الهواء الجوي في الحيوانات البرية، وإما من الأكسجين المنحل في الماء في الحيوانات المائية. فهناك فرق واضح في تركيز المحتوى الأكسجيني للهواء والماء، فوحدة الحجم من الهواء تحتوي على أكسجين أكثر بكثير مما يحتويه الحجم نفسه من الماء. وينتج من ذلك أن متعضية مائية كالسمكة يجب أن تُمَرِّر على سطح تبادلها الغازي كميات من الماء أكبر بكثير مما تمرره متعضية اليابسة، لكي تحصل على ما يكفيها من الأكسجين لسد حاجاتها الاستقلابية.
    أنماط أعضاء التنفس
    يتمتع سطح الجسم لدى بعض الحيوانات بخصائص الغشاء التنفسي، وهذه حالة الحيوانات الصغيرة أو رقيقة الجسم. إلا أن معظم الحيوانات يقتصر وجود هذا الغشاء على جزء من جسمها فيما يسمى جهاز التنفس. يميز من هذه الأجهزة: الغلاصم (الخياشيم)، والأسناخ الرئوية، والقصبات الهوائية.
    فالغلاصم عبارة عن لواحق تمتد خارج الجسم بشكل صفائح أو خيوط غلصمية، إما أن تبقى خارج الجسم، كما في سمادل الماء، وإما أن تكون محمية ضمن غرف غلصمية، كما في الأسماك.
    أما الرئات فهي أكياس كبيرة نسبياً تمتد ضمن أجسام الحيوانات تظهر في بدايات أنبوبها الهضمي، يتوسع سطحها الداخلي غالباً بتشكل جيوب فرعية غزيرة تسمى الأسناخ الرئوية. في حين أن القصبات الهوائية الموجودة لدى الحشرات، هي انخماصات أنبوبية تمتد إلى داخل الجسم أيضاَ، إلا أنها تختلف عن الرئات بعددها الكبير الذي ينتشر على طول الجسم، وعلى الجانبين، بحيث تصل فروعها إلى معظم خلايا الجسم.


    وتوجد الأنماط الأربعة سابقة الذكر (التنفس الجلدي، والتنفس الغلصمي، والتنفس الرئوي، والتنفس القصبي) لدى الحيوانات المائية والبرية على السواء. إلا أنه يغلب وجود التنفس الجلدي والتنفس الغلصمي لدى الحيوانات المائية، في حين تعد القصبات والرئات من مزايا الحيوانات البرية.
    تنفس الحيوانات المائية: تتنفس الحيوانات المائية بالغلاصم التي توجد لدى شوكيات الجلد[ر] Echinodermata والقشريــات[ر] Crustacea(الشكل-1), والرخويات Mollusca والأسماك[ر] وسمادل الماء من البرمائيات (الشكل-2).
    وتتألف الغلاصم لدى الأسماك، سواء كانت عظمية أو غضروفية، من أقواس غلصمية ترتكز عليها خيوط غلصمية، تتوضع عليها من الأعلى والأسفل صفائح أخرى ثانوية، يتم تبادل الغازات عبر سطوحها (الشكل-3). ويلاحظ دوماً أن جريان الدم في صفائح الغلاصم هو بعكس تيار الماء بين الصفائح. ولهذا الترتيب من «الجريان المتعاكس» أهميته، لأنه يوفر كفاءة أكبر في التبادل بين الوسطين الدموي والمائي، بعكس ما إذا كان التيار يتم بشكل متواز.
    تنفس الحيوانات البرية: من مزايا الوسط البري وفرة الأكسجين فيه مقارنة مع الوسط المائي. إلا أن الحياة على اليابسة تسبب للمتعضيات التي تعيش عليها مشكلة تتمثل بإمكانية خسارة كميات كبيرة من ماء الجسم عبر السطوح التنفسية الرطبة الرقيقة النفوذة والغنية بالأوعية الدموية. لذا فإن معظم الحيوانات البرية كَيّفَت نفسها لتتلاءم مع الوسط البري، فطورت أجهزةً تنفسيةً خاصة تتمثل بالقصبات الهوائية والرئات التي تكون أغشيتها التنفسية عميقة ضمن الجسم بحيث تتوفر نسبة كبيرة من الرطوبة، مع أقل خسارة ممكنة من الماء، لتكون هذه الخسارة في حدودها الدنيا.
    فالقصبات الهوائية منتشرة في مفصليات الأرجل البرية ( شكل-4)، و تُمَثِّل أحسن تكيف وظيفي للرد على وجود الهيكل الكيتيني الخارجي الكتيم حول جسمها. وهي تؤمن وصول الأكسجين إلى الخلايا مباشرة دون وساطة الدم. فهي انخماصات من جدار الجسم انغرست ضمن الأنسجة، لذا فإن لجدارها البنية العامة المعروفة لجدار الجسم، تمتد معها الطبقة الكيتينية، التي تبطنها من الداخل على شكل شريط حلزوني يساعد في بقاء القصبات مفتوحة دوماً.
    تمتد بعض القصبات الهوائية لدى بعض المفصليات، فتشكل أكياساً هوائية تسهم، بانضغاطها واسترخائها، في عمليات التهوية لدى الحيوان (الشكل-5).
    أما فيما يتعلق بالرئات، فإنها توجد لدى الكثير من اللافقاريات البرية، كالحلازين الأرضية (الرئويات Pulmonata) وغيرها، في حين طورت العناكبوالعقارب لنفسها أجهزة تنفسية من نمط رئوي أيضاً يسمى الرئات الكتبية lung books (الشكل-6)، هي عبارة عن صفائح ورقيــة يصطف بعضــها إلى جانب بعض، يتم التبادل الغازي عبر جدارها.


    أما رئات الفقاريات[ر] فقد تكونت من جيوب تظهر في بداية أنبوب الهضم، تستعملها بعض الأسماك التي تعيش في مستنقعات الأوساط الاستوائية قليلة الأكسجين. أما الأسماك الأخرى فقد تحولت الرئات لديها، إلى كيس هوائي (مثانة هوائية) يقوم بدور مهم في التوازن في أثناء السباحة لدى الحيوان، لذا يطلق على هذا الكيس أيضاً اسم «الكيس السباحي»، الذي يحتوي على نسبة كبيرة من الأكسجين، الأمر الذي يجعله خزاناً احتياطياً يستعمله الحيوان حين تُقَصِّر الغلاصم في وظيفتها.


    أما البرمائيات فمراحلها اليرقانية تتنفس بوساطة الغلاصم، في حين تستعمل مراحلها البالغة (عدا السمادل) رئات مكونة من أكياس بسيطة تبرز في سطحها الداخلي انثناءات خفيفة (الشكل-7)، تزداد غزارتها في الزواحف (الشكل-7). أما في الثدييات فقد ازدادت الانثناءات بشكل واسع مكونة أسناخاً رئوية تعطي الرئة بنية إسفنجية (الشكل-8).


    ويتعقد الأمر لدى الطيور بتكون تسعة أكياس هوائية (الشكل-9)، ممتدة بين العضلات والعظام، تسهم، إلى جانب عملها في المبادلات الغازية، في تخفيف وزن الحيوان وخفض وزنه النوعي ليساعده في الطيران وخفض درجة حرارة العضلات في أثناء ذلك.

    حسن حلمي خاروف

  2. #212
    تنفس الخلايا

    تنفس الخلايا هو مجموعة التفاعلات الكيمياوية التي تجري ضمن الخلية الحية لأكسدة الجزيئات العضوية، وتحرير الطاقة المختزنة في المادة الغذائية. من هذه التفاعلات ما يجري بوجود الأكسجين فيسمى التنفس عندها تنفساً هوائياً، أما إذا حدثت بغياب الأكسجين كان التنفس لا هوائياً.
    مخازن الطاقة الخلوية
    تتحطم الجزيئات العضوية، السكريات والدهون، بسلسلة من التفاعلات التي تحكمها أنزيمات مختلفة، تتحرر في كل مرحلة كمية من الطاقة، تُحَمَّل في جزيئات تسمى الأدينوزنين ثلاثي الفسفات ATP (الأتب) المؤلف من أساس آزوتي (الأدينين) وسكر خماسي الكربون (ريبوز)، ويعرف كلاهما باسم الأدينوزين، وثلاثة جزيئات من حمض الفسفور (الشكل-1).


    ويختزن الـ ATP عادة الطاقة المتحررة من عمليات التنفس في الروابط التي تربط مجموعات الفسفات بالأدينوزين. وبما أن هناك ثلاثة جذور من حمض الفسفور، لذلك توجد ثلاث روابط فسفورية، إلا أن اثنتان منها تحمل كل منهما طاقة تساوي 30.6 كيلو جول، أما الثالثة فتحمل فقط 13.8 كيلو جول، لذلك يرمز إلى الروابط الأغنى بالطاقة بالرمز ~ تمييزاً لها من الرابطة الثالثة الأفقر بالطاقة والتي يرمز لها بالرمز -، كما في التفاعل الآتي:

    وعندما يتفكك الــ ATP تتحرر الطاقــة العاليــة (30.6 كيلو جول) ويتكون نتيجة ذلك الأدينوزين ثنائي الفسفات ADP(انظر المعادلة السابقة). وعندما يتفكك الـ ADP تتحرر الرابطة الثانية العالية الطاقة، ويتشكل الأدينوزين أحادي الفسفات AMP. وفي حالات خاصة يتفكك الـ AMP إلى أدينوزين وحمض فسفور وتتحرر الطاقة المنخفضة، وهي 13.8 كيلو جول. وبسبب ارتباط عملية الفسفرة بالأكسدة البيولوجية، فإن العملية تسمى «الفسفرة التأكسدية oxidative phosphorilation».
    الأكسدة البيولوجية ونزع الهدروجين وحمل الإلكترونات
    تحدث أكسدة المادة العضوية، بصورة عامة، وفق ثلاثة أنماط رئيسية:
    1ـ في النمط الأول تحدث الأكسدة مباشرة بالأكسجين الجزيئي الحر:

    أو بالحصول على الأكسجين من مادة تحمله، فتقوم بذلك بدور المادة المؤكسِدة:

    2ـ في النمط الثاني تحدث الأكسدة بنزع الهدروجين من مادة أخرى حاملة له:

    وهكذا تتأكسد المادة A بنزع الهيدروجين منها ونقله إلى المادة B، التي تعد لذلك مادة مُرْجِعَه. وإذا حملت المادة Aالهدروجين إلى مادة أخرى، فإنها تعد «ناقلاً» للهدروجين. وبما أن حادثتي الأكسدة والإرجاع تحدثان في الوقت نفسه، تسمى هذه الطريقة بالأكسدة الإرجاعية.
    3 ـ في النمط الثالث تحدث الأكسدة بنقل الإلكترونات، مثل أكسدة أيون الحديد Fe2+ إلى شكل آخر Fe3+

    وهكذا فإن إضافة الأكسجين أو نزع الهدروجين أو نقل إلكترون من مركب ما، ما هو إلا أكسدة تتحرر نتيجتها الطاقة.
    الملامح العامة للتنفس الخلوي الهوائي
    تتمثل المواد التي تتأكسد لتحرير الطاقة منها، بالمواد الغذائية المختلفة، التي تمثل الكربوهيدرات (السكريات) الخيار الأول لمعظم الخلايا. والواقع أن خلايا دماغ الثدييات لا تستخدم إلا الغلوكوز، كما أن السكريات المتعددة السكاريدpolysaccharides تتحلمه hydrolysed إلى أحادية سكاريد monosaccharides قبل دخولها مسلك التنفس.
    أما الشحوم فتمثل المخزون الأول للطاقة، وتستخدم بشكل رئيسي عندما يستنفد مخزون الكربوهيدرات. ومع ذلك إذا توافر الغلوكوز والحموض الدسمة في خلايا العضلات الهيكلية فإن هذه الخلايا تستعمل الحموض وتفضلها على الغلوكوز.
    وبما أن للبروتينات وظيفة أساسية أخرى هي بناء الخلايا، فإنها لا تستخدم إلا بعد أن يستهلك المخزون من الكربوهيدرات والشحوم ونفاذها من الخلايا، كما يحدث عند الجوع الطويل الأمد.
    وعندما يُسْتَخْدَم الغلوكوز مادة في التنفس الخلوي، فإن أكسدته تتم في ثلاث مراحل متميزة: التحلل السكري glycolysis، ودورة كريبس Krebs، وسلسلة نقل الإلكترونات electron transport chain (الشكل-2). وتجدر الإشارة إلى أن التحلل السكري يحدث في سيتوبلاسما الخلية، وهو لا يتطلب وجود الأكسجين، في حين تحدث المرحلتان التاليتان في الجسيمات الكوندرية (المتقدرات) للخلية.
    التحلل السكري: ويسمى أيضاً مسار إمبدن مايرهوف Embden-Meyerhof. يحدث التحلل السكري في مرحلتين: يتم في المرحلة الأولى فسفرة الغلوكوز (6 ذرات من الكربون)، ومن ثم انشطاره إلى جزيئتين من مادة تحوي كل منهما 3 ذرات من الكربون، تتحولان إلى حمض الحصرم (حمض البيروفي pyruvic acid)، الأمــر الذي يتم، كما ذكر في الأسطر السابقة، في السيتوبلاسما، ولا يحتاج إلى الأكســجين. وتتضمن هذه المرحلة عدداً كبيراً من التفاعلات يصل عددها إلى 11 تفاعلاً، يستخدم ناتجُ كلٍ منها مادةً للتفاعل الذي يليه، ويتحرر نتيجة ذلك قدر من الطاقة يختزن في الـ ADP الذي يتحول إلى ATP.
    ويتوقف المصير النهائي لحمض البيروفي على توافر الأكسجين في الخلية، فإذا وجد هذا الغاز دخل حمض البيروفي إلى الجسيمات الكوندرية (المتقدرات) وتأكسد بكامله، بمرحلتي دورة كريبس و سلسة نقل الإلكترونات، إلى ثنائي أكسيد الكربون وماء (تنفس هوائي)، وإذا لم يتوافر الأكسجين انقلب حمض البيروفي إلى كحول إتيلي (إيتانول) أو حمض اللبن (تنفس لا هوائي).
    دورة كريبس: وتسمى أيضاً دورة حمض الليمون citric acid cycle أو دورة الحمض ثلاثي الكربوكسيل TCA tricarboxylic acid تحتاج هذه المرحلة، بعكس التحلل السكري، إلى الأكسجين، وتحدث كلها ضمن الجسيمات الكوندرية. ويميز هنا عدة مراحل (الشكل -2):
    يتم في البداية تجريد حمض الحصرم من الكربوكسيل -COOH الموجود فيه، ليتكون حمض الخل acetic acid (تحوي كل منها ذرتي كربون)، ويتحرر قليل من ثنائي أكسيد الكربون وقليل من الطاقة، تختزن أيضاً في الـ ATP. في الواقع لا يكون حمض الخل عادة حراً، وإنما مرتبطاً بما يسمى تميم الأنزيم آ co-enzyme A، بحيث يتكون تميم الأنزيم آ الخلي acetyl co-enzyme A.
    وفي مرحلة ثانية يرتبط تميم الأنزيم آ الخلي (ذرتا كربون) بجزيئة من حمض الخل الحماضي (4 ذرات كربون) oxalo-acetic acid لتتكون جزيئة جديدة مؤلفة من 6 ذرات كربون، هي حمض الليمون، التي يطرأ عليها عمليتا أكسدة متتاليتان، وذلك بنزع الكربوكسيل منها decarboxylation ليتكون حمض السـوكسـين (4 ذرات كربون) succinic acid، وتتحرر جزيئتا ثنائي أكسيد الكربون وطاقة تختزن في الـ ATP، ثم لا يلبث حمض السوكسين أن يتأكسد ويتحول ثانية إلى حمض الخل الحماضي، الذي يرتبط بجزيئة جديدة من حمض الخل، لتتكرر الدورة مرة ثانية.
    تسمى هذه الدورة من الأكسدة والإرجاع باسم دورة حمض الليمون cytric acid cycle نسبة إلى حمض الليمون الذي يتكون في نهاية كل دورة منها، وباسم هانز أدولف كريبس Hans Adolf Krebs الألماني الذي اكتشفها عام 1947، وحصل من أجل ذلك على جائزة نوبل في الكيمياء (بالاشتراك مع الأمريكي ألماني الأصل فريتز ألبرت ليبمان Fritz Albert Lipmann الذي اكتشف تميم الأنزيم أ).
    سلسلة نقل الإلكترونات: تتمثل بنقل الهدروجين (بشكل الإلكترونات التي تحررت بعمليات الأكسدة) (عمليات تجريد الهدروجين dehydrogenation) بسلسلة من النواقل (NADH وFMN وCoQ أو سيتوكرومات) (راجع الشكل 2 وبحث الاستقلاب) إلى الأكسجين الذي يقوم بدور المُتَقَبِّلْ النهائي، وذلك من أجل إنتاج الماء.
    في المحصلة العامة فإن جزيئة الغلوكوز تنتهي بتكوين 6 جزيئات من ثنائي أكسيد الكربون و6 جزيئات من الماء، وتحرير الطاقة نفسها التي تتحرر من الاحتراق العادي: 6 جزيئات من الـ ATP من مرحلة التحلل السكري، و6 جزيئات لدى تحول حمض البيروفي إلى تميم الأنزيم آ الخلي، و24 جزيئة ATP من دورة كريبس، بمجموع قدره 36 جزيئة. وتقدر الطاقة المتحررة من هذه الأكسدة بـ 686 حرة، تختزن نحو40٪ منها، أي نحو 252 حرة، بشكل «روابط ذات طاقة عالية» في الـ ATP.
    وحالما تتكون جزيئات الـ ATP فإنها تُنْقَل خارج الجسيمات الكوندرية، ليدخل بدلاً منها مباشرة جزيئات معادلة من الـ ADP.
    التنفس اللاهوائي: في حال غياب الأكسجين يتحول حمض البيروفي الذي تكون في أثناء التحلل السكري، إما إلى حمض اللبن وإما إلى الكحول العادي (إيتانول)، وذلك بحسب نوع الخلية. ففي الخلايا العضلية، ولدى قيامها بجهد كبير، يتكون حمض اللبن:


    أما في برميل مغلق يحوي عصير فواكه وخلايا خميرية فيتحول حمض البيروفي إلى كحول عادي.


    وهكذا، في حالة التنفس الهوائي تحرر جزيئة الغلوكوز 36 جزيئة ATP، تكفي المتعضية لتقوم بفعالياتها المختلفة، أما في حالة التنفس اللاهوائي، فتحرر جزيئة الغلوكوز جزيئتين فقط من الـ ATP، وهي كمية كافية لتقوم الخلايا العضلية بفعالياتها الفورية إلى أن يعود تزويد الخلية بالأكسجين إلى حاله الطبيعي، وكذلك تكفي لتحافظ خلايا الخميرة على حياتها وتقوم أنزيماتها التي تفرزها بتفاعلات التخمر اللازمة لتشكل الخمر.

    حسن حلمي خاروف

  3. #213
    التنفس لدى النباتات

    ينطوي التنفس لدى النباتات la respiration chez les vegetaux، كما هي الحال لدى الحيوانات، على امتصاص الأكسجينO2 وطرح غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 ويمكن التأكد بسهولة من وجود هذه الظاهرة لدى النباتات غير اليخضورية، كالفطريات على سبيل المثال أو الدرنات أو الجذور أو البذور في بداية إنتاشها début de germination؛ حيث يكفي عندئذ وضع هذه الأعضاء في حيز مغلق وسحب عينات من الهواء المحيط بالأعضاء الحية المدروسة، وذلك في بدء التجربة وفي أثناء سيرها، وتحليل هذه العينات أو اللجوء إلى طريقة الهواء المتجدد، وذلك بإرسال تيار هوائي مستمر حول الأعضاء المستخدمة في التجربة وتحليل الهواء الداخل والخارج، وفي الحالتين يُلاحظ تناقص نسبة الأكسجين وازدياد نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون حول النبات. أما في النباتات اليخضورية المعرضة للضوء، فإن شدة التنفس تكون أضعف بكثير من شدة عملية التركيب الضوئيphotosynthèse ولهذا فإن هذه الظاهرة الأخيرة تطغى على ظاهرة التنفس وتحجبها بحيث تبدو المحصلة وكأن عملية التنفس معكوسة، ولهذا يتوجب العمل في الظلمة لإظهار حجم المبادلات الغازية التنفسية وتقديرها في مثل هذه النباتات.
    يلاحظ، إضافة لما سبق، أن الوظيفة التنفسية لدى النباتات تترافق، كما هي الحال في المملكة الحيوانية، بتحرير كمية من الحرارة؛ وأن ارتفاع درجة حرارة الوسط المحيط، في أغلب الحالات، تكون ضئيلة، غير أن الأمر يختلف حول البذور المنتشة، حيث يمكن أن ترتفع درجة الحرارة بحدود 20 درجة مئوية خلال سبعة أيام لدى وضع بذور البازلاء المنتشة في وعاء ذي جدران مضاعفة (أي ما يعادل 5 كيلو كالوري لكل غرام من المادة النباتية الحية) أما في حبوب القمح فإن الحرارة ترتفع بمعدل درجة مئوية واحدة لكل 10غ من الحبوب؛ إن مردود التفاعلات التنفسية في هذه الحالة ضعيف للغاية لأن 95٪ من الطاقة الناتجة تتحول إلى حرارة، ولهذا تتعرض مخازن الحبوب للاشتعال إذا بلغت الرطوبة حداً يكفي لحدوث عمليةالإنتاش. ترتفع حرارة النباتات كذلك في مرحلة الإزهار la floraison إذ تفقد النباتات كمية كبيرة من الطاقة على شكل حرارة؛ وهكذا يمكن أن تصل درجة الحرارة بالقرب من أعضاء التكاثر في ازهرار نبات اللوف Arum المحاطة بالقنابة الملونة إلى 45 درجة مئوية، في حين لا تزيد درجة حرارة الوسط الخارجي على 15 درجة مئوية.
    تتبدل شدة التنفس intensité respiratoire (معبراً عنها بحجم غاز ثاني أكسيد الكربون المطروح أو حجم الأكسجين الممتص في زمن محدد من قبل كمية محددة من المادة النباتية الحية) خلال مراحل حياة النبات المختلفة؛ حيث تكون مرتفعة في أثناء الإنتاش وتستقر في أثناء النمو الإعاشي لترتفع من جديد في مرحلة الإزهار. تلاحظ مثل هذه التبدلات عند قياس شدة التنفس في الأعضاء النباتية المختلفة فهي شديدة في النسج القسومة كالمريستيم والقُلْبْ Cambium وفي الأزهار، كما ترتفع شدة التنفس في المناطق المعرضة لجروح traumatiome وبخاصة بعد حدوث الجروح مباشرة وهذا ما يعرف «بتنفس النمو r.de croissance»، وتنخفض شدة التنفس في الأوراق والسوق وتسمى عملية التنفس في هذه الحالة «بتنفس الصيانة r.d’entretien».
    تتأثر شدة التنفس ببعض العوامل الخارجية، وفي مقدمة ذلك نسبة الأكسجين في الجو إذ تزداد شدة التنفس بتزايد نسبة الأكسجين من صفر إلى 20٪ (علماً أن 20٪ هي القيمة المعادلة لنسبة الأكسجين في الهواء الجوي) أما في النسب الأعلى فإن شدة التنفس تبقى ثابتة إن لم تنخفض بعض الشيء. وتتأثر الأعضاء الهوائية أكثر لدى وصول نسبة الأكسجين إلى أقل من 9٪، في حين تتحمل الجذور انخفاض نسبة الأكسجين حتى 5٪، ومن هنا تأتي أهمية حراثة الأرض لتهويتها وظهور جذور هوائية لبعض الأنواع النباتية التي تحيا في مناطق المستنقعات مما يجنبها الاختناق. ويوضح ما سبق أهمية سقاية النباتات بمقادير محسوبة كي لا تتعرض الجذور للاختناق.
    أما العامل الخارجي الثاني فهو نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو؛ ذلك أن نسبة 15٪ من هذا الأخير تؤدي إلى إضعاف التنفس كثيراً (يستفاد من هذه الخاصية في حفظ الثمار) أما في الأجواء العادية فإن نسبة CO2 أقل من ذلك بكثير وهي من رتبة 0.03٪ ويعود الفضل في ذلك إلى عملية التركيب الضوئي التي تحد من تزايد نسبة CO2 في الجو الخارجي. إن تزايد درجة الحرارة ما بين الصفر و40م تؤدي إلى تنشيط التنفس، وتبلغ شدة التنفس حدها الأقصى بالدرجة 40م . أما في الدرجات الأعلى (50-60م) فيلاحظ هبوط فجائي لشدة التنفس؛ ذلك أن مثل هذه الدرجات تلحق أذى بالسيتوبلاسما لا يمكن إصلاحه. وينطبق ذلك على جميع الظواهر الحيوية، علماً أن الحرارة المثلى تتغير بحسب نوع النبات. وفيما يخص الضوء فقد تبين أنه يؤثر في التنفس، إلا أن هذا التأثير يبقى محدوداً. أما الأملاح المعدنية فإنها تنشط التنفس بصفة عامة وكذلك الحال لدى استخدام المخدرات بتراكيز منخفضة، أما في التركيز الأعلى فإن شدة التنفس تتناقص بوضوح، مما يؤدي إلى موت النبات. هناك بعض الغازات التي تنشط عملية التنفس كما هي الحال في غاز كالإيتلين والأستيلين كما أنها تسرع عملية نضج الثمار (حمضيات وموز)، وعلى العكس من ذلك فإن السيانور والزرنيخ وغاز الكربون تؤدي إلى تثبط التنفس.
    إن نسبة حجم غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عملية التنفس إلى نسبة الأكسجين الممتص في زمن محدد وفي نبات محدد تعرف بالمعادل التنفسي quotient respiratoire أو Q.R. إن دراسة هذا المعادل التنفسي تقدم معلومات مهمة عن طبيعة المركبات التي تتفكك في أثناء عملية الأكسدة الخلوية. والتجارب المجراة على بعض الفطريات العفنية مثل الستيريغماتوسيت الأسود stérigmatocystis nigra تبين مقدرتها على العيش بصورة أساسية على السكاكر glucides أو البروتيدات protides أو الشحوم lipides، وفي الدراسات الدقيقة التي تمت على هذا الفطر، وفي أوساط سكرية، تبين أن المعادل التنفسي يساوي Q.R =1ويهبط هذا المعدل دون ذلك مع الشحوم المعروفة باسم غليسيريدات glycérides إذ تبين أنه بحدود 0.7 في حالة ثلاثي الزيتينtrioléines وكذلك مع البروتيدات التي تحتاج إلى كمية أكبر من الأكسجين كي تتأكسد، أما في حالة الحموض العضوية الغنية بالأكسجين فإن المعادل التنفسي يرتفع لدى تحطم هذه الحموض إذ يلاحظ أن Q.R تساوي /1.33/ في حالة حمض التفاحacide malique.
    وفي أثناء عملية الإنتاش في البذور الزيتية تُستهلك الشحوم المدخرة أولاً ويكون معامل التنفس منخفضاً للغاية (0.3-0.5) ويكون المعادل التنفسي أكبر من الواحد (Q.R > 1) عند تركيب هذه المواد الادخارية. أما خلال عملية نضج الثمار وتشكل الحموض العضوية فإن المعادل التنفسي يكون أقل من الواحد (Q.R < 1) غير أن هذا لا يستمر لأن تفكيك تلك الحموض سيرفع المعادل التنفسي مجدداً ليصبح أكبر من الواحد. إذا كان هناك إرجاع للنترات فإن الهدروجين المتحرر بفعل التنفس يتثبت على هذه الأخيرة دونما حاجة للأكسجين مما يؤدي إلى ارتفاع قيمة الـ Q.R. تسمح دراسة المعادل التنفسي بمتابعة الظواهر الكيمياوية على مستوى الخلية؛ مثل تحول السكاكر إلى حموض عضوية وكذلك إرجاع النترات وظهور عمليات تخمرية fermentaires.
    إن الظواهر العميقة لعملية التنفس داخل الخلايا النباتية شديدة القرابة مع تلك التي تتم في الخلايا الحيوانية؛ ففي الحالتين يتم تفكيك المستقلبات métabolites تدريجياً مع تحرر الطاقة. إن آلية التفكيك أو تحلل المستقلبات هي غاية في التعقيد, ذلك أن الأكسدة لا تتحقق عن طريق تثبت الأكسجين إلا نادراً؛ فلو تم تقديم الأكسجين الغازي الموسوم بالنظير الثقيل o18O إلى كائن ما، لما عثر عليه في CO2 المنطلق وعلى العكس من ذلك فإن وسم المستقلبات كالسكاكر مثلاً بهذا النظير تجعله يظهر في غاز ثاني أكسيد الكربون المطروح C 18O2. ذلك أن أكسدة المستقلبات يمكن أن تتم بنزع الهدروجينdéhydrogénation أو فقدان الالكترونات؛ وإن نزع الهدرجين وغاز ثاني أكسيد الكربون CO2 من الجزيئة عمليتان مترابطتان وتشكلان معاً ما يسمى بعملية نزع CO2 تأكسدية: décarboxylation oxidative ويتم ذلك بفضل أنزيمة من نمط décarboxylase فيما يتم تسريع نزع الهدرجين بأنزيمة من نمط ديهيدروجيناز déhydrogénase ويتم نقل الهدرجين المحرر إلى الأكسجين التنفسي بفضل سلسلة من النواقل لتحقق بذلك عمليات أكسدة وإرجاع oxydoréduction. والسلسلة طويلة عموماً ويتم في كل مرحلة من مراحل هذا المرور تحرير كمية من الطاقة التي يمكن إقتناصها. ويعتقد بأن الماء الأكسيجيني هو المركب المرحلي الذي يتشكل ويتفكك بسرعة كبيرة بمساعدة أنزيمة من نوع كاتالاز إلى ماء وأكسجين وتسمى هذه العملية كاتاليز Catalyse وتتم على النحو الآتي:

    ليتراكم الهدروجين أبداً بكميات مهمة داخل المتعضيات organismes الأمر الذي يحول دون حدوث إشكالات خطيرة في عملية الاستقلاب. يتم في أغلب الحالات استخدام السكاكر أثناء عملية التنفس, فالنشاء الموجود في مدخرات الخلية يتحول إلى سكاكر بسيطة بمساعدة مجموعة من أنزيمات ألفا وبيتا أميلاز amylase a et b في النباتات الراقية والايزوأميلاز في الخمائرlevures ولكن عملية الفوسفوروليز phosphorolyse تبدو الأكثر أهمية وهي تتم بمساعدة أنزيمة من نوع الفوسفوريلاز.
    ذلك أن السكاكر البسيطة أو الآزوت oses تستخدم بشكلها المفسفر أثناء عملية التنفس، علماً أن الجزيئات التي لم تفسفر بهذه الطريقة سيتم فسفرتها قبل الدخول في أية تفاعلات استقلابية لاحقة، ويتطلب هذا الأمر وجود جزيئات الأدنيوزين ثلاثي الفوسفات أو A.T.P التي تتمتع بالمقدرة على التخلي عن بقايا حمض الفوسفور والطاقة بفضل أنزيمة من نمط هكزوكينازhexokinases. سيتحول الغليكوز فوسفات، أياً كان مصدره، إلى فريكتوز 1-6 ثنائي فوسفات بمساعدة جزيئة ثانية من الـ A.T.P. وتدخل عدد من الأنزيمات. يتعرض الفريكتوز 1-6 ثنائي فوسفات إلى عملية قطع لتحولها إلى جزيئتي تريوز trioseمفسفرتين، وتتحول هاتان الجزيئتان بدورهما لإعطاء ألدهيد الفوسفوغليسري. ويتحول هذا الأخير بوجود الأكسجين إلى حمض الفوسفوغليسيريك ثم حمض البيروفي (أو حمض الحصرم) مع إعادة تشكيل الـ A.T.P.
    يدخل حمض البيروفي في جملة تفاعلات معروفة باسم حلقة كريبس cycle de Krebs فيتم تفكيك حمض البيروفي كلياً، وتشرح حلقة كريبس عملية أكسدة جذر الأستيل CH3-CO- الذي يدخل إلى الحلقة لتكوين مركبات سداسية ذرات الكربون (C6) كحمض الليمون acide citrique الذي يفقد شيئاً فشيئاً H2CO2 ليتحول إلى حمض الحماض الخلي الذي يحوي أربع ذرات كربون (C4)، بتأثير عدة أنزيمات وتترافق هذه التفاعلات بتشكيل الـ A.T.P. لوضعها تحت تصرف الخلية لتحقيق التفاعلات الضرورية لحياتها وهكذا توضع كميات جديدة من الطاقة التي كانت مخزنة في السكاكر تحت تصرف المادة الحية، ويتحقق كل ذلك تقريباً داخل الميتوكوندريات mitochondries التي تعد المكان الذي تتحقق فيه أغلب تفاعلات ظاهرة التنفس.

    عبد الجبار الضحاك

  4. #214
    التنوع الحيوي

    يعرف التنوع الحيوي biodiversity بأنه يشمل كل شكل من أشكال الحياة من أصغر كائن حي إلى أضخم حيوان. وهو، بمفهوم التصنيف الحيوي، مجموع الكائنات الحية والمتعضيات التي تحيا وتعيش على سطح كوكب الأرض، التي تمتد على كامل سلم التصنيف البيولوجي، بدءاً من أدناها في التطور، كالفيروسات والجراثيم، إلى أعلاها في التطور كالثديات وغيرها، وذلك بما تمتلك من تشابهات واختلافات في عالمي الحيوان والنبات. ويضم هذا المجموع ما يقارب المئة مليون من الأنواع الحيوانية والنباتية موزعة على بيئات ونظم بيئية مختلفة ومتكيفة، علما أن عدد الأنواع المدروسة والمصنفة لا تصل إلا لما يقارب 1.7 مليون نوع، منها 750 ألف نوع من النباتات، ويتكون الباقي من مجموعة مركبة من اللافقاريات والفطريات والطحالبوغيرها من الكائنات الحية الدقيقة.
    وتُعَرِّف اتفاقية التنوع البيولوجي المنبثقة عن مؤتمر قمة الأرض لعام 1992 التنوع الحيوي بأنه توصيف لعدد المتعضيات الحية وتوزعها، وتعبِّر عن ذلك بمصطلحات المورثات (الجينات) والأنواع والنظم البيئية التي هي نتاج ثلاثة آلاف مليون سنة من التطور. ولما كان الإنسان يعتمد على التنوع البيولوجي لتأمين حياته وحياة البشرية، كان يمكن استخدام تعريف التنوع بمصطلح مماكب وهو الحياة على الأرض.
    أما على المستوى الوراثي فيعرف التنوع البيولوجي بأنه تنوع الجينات (المورثات) في المنظومات البيئية، بل هو تنوع مورثات الـ د.ن.ا DNA وتوزعها في هجين جميع المتعضيات والكائنات الحية، باعتبار أنَّ سر الحياة وجوهرها يتجليان في سفرها ومعجمها الوراثي الجيني العظيم الذي هو الـ د.ن.ا وما يحتويه من مليارات الروامز التي تضمن نمو وسلامة واستمرار كل أشكال الحياة في مختلف الجماعات من أدناها إلى أعلاها في سلم التصنيف، والتي تعيش على سطح كوكب الأرض بكل ما يمتلك من بيئات متكيفة وموائل مختلفة ضمن نظم بيئية متوازنة. ولهذا يؤخذ في مفهوم التنوع البيولوجي مصطلح المنظومة البيئية التي هي تعريفاً مجموعة كبيرة من الأنواع الحية، تتعايش معاً جنباً إلى جنب في موقع أو موئل معين محدد جغرافياً وبيئياً، بحيث تتفاعل عناصره الحية من حيوان ونبات وكائنات دقيقة مجهرية بعضها مع بعض، ومع عناصر الموائل البيئية غير الحية الفيزيائية والكيميائية، بحيث ينشأ نوع من التوازن بين هذه العناصر المختلفة، مما يعطي للنظام البيئي حالة الاكتفاء الذاتي عن طريق سلسله من العلاقات الغذائية على مستويات متعددة يتم من خلالها انتقال الطاقة وتوزعها بحيث تتلاءم وتنسجم دورات حياتها وشبكات غذائها في شبكة من الدورات والحلقات الطبيعية البيئية، مما يجعل المنظومة متوازنة ومنيعة وأكثر قدرة على الاستمرار في موئل وبيئة متكيفة. وإنَّ أي تدهور كلي أو جزئي يحدث لأي عنصر من عناصر هذه المنظومة سيؤدي إلى تدهور خصائص النظام البيئي وتوازنه وتناغمه، وبذلك يعد علم التبيؤ ecology جزءاً من علم الحياة يهتم ويدرس العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية وبيئاتها.
    أهمية التنوع البيولوجي
    يعد التنوع البيولوجي الثروة الحقيقية للنوع البشري، ومنبع الثروة المادية والغذائية والدوائية له، ومصدر الطاقة والقوة والجمال والصحة والسلامة والقدرة على استمرار البشرية ومستقبلها. فالبشرية تستخلص كل طعامها وحاجاتها الصناعية والدوائية والغذائية من مختلف الأنواع من المحاصيل الزراعية والحيوانية. وجرَّب الإنسان سبعة آلاف نوع نباتي وحيواني، وهناك أكثر من خمسة وسبعين ألف نوع آخر حيوي قابل للاستخدام وإنتاج المواد الغذائية. كما أن هنالك أكثر من سبعة آلاف مركب طبي في دساتير الأدوية الغربية مشتقة من النباتات تزيد قيمتها على 40 مليار دولار في السنة. ويُضَمِّن العالم العربي ابن البيطار في كتابه «الجامع في مفردات الأدوية والأغذية» شرحاً لألف وأربعمئة نبته طبية في القرن الثالث عشر الميلادي، وقام العالم الأمريكي توماس آيسنر بدراسة نحو 10000 مستحضر نباتي طبي لمعالجة مرض السرطان والإيدز. ويرى رجل الثورة الخضراء نورمان بورلوغ أنّ مضاعفة الإنتاج النباتي يعود إلى الإبداع الوراثي الهائل في توليد الأنواع والسلالات الجديدة. ويصل عدد مجموعات الموارد الوراثية المحصولية الموجودة خارج مواقعها الطبيعية في مختلف أنحاء العالم والمخزونة في بنوك الجينات، بما في ذلك أقاربها البرية، إلى ما يقارب 4.2 مليون عينة، منها أكثر من مليوني عينه من الحبوب وحدها. أما عدد العينات الفريدة فتقع في حدود نصف عدد العينات المخزونة، أي نحو مليوني عينة. كما يصل عدد المدخلات الوراثية النباتية في بنوك منظمة إيكاردا في حلب إلى ما يزيد علي مئة ألف مدخل وراثي. أمّا الموارد الوراثية الحيوانية الأهلية الأليفة أدّت إلى استخدام نحو 40 نوعاً من الحيوانات التي تستخدم في الأغذية والزراعة على نطاق واسع، وفقا لبيانات المسح العالمي الموجودة في بنك البيانات، والتي تبين أن هذه الأنواع تشتمل على أكثر من أربعة آلاف سلالة، منها 1200 سلالة مهددة بالانقراض. ويسعى العالم اليوم إلى التركيز على المحميات الطبيعية لإبقاء التنوع على ما هو عليه، حتى أنَّ مساحةالمحميات وصلت اليوم إلى 485 مليون هكتار أي ما يصل 2.3% من مساحة سطح الأرض.
    التنوع الحيوي في العالم
    يعد التنوع الحيوي، بمفهومه الحالي، من أهم القضايا الحاسمة في العالم، ويحتل المكانة المتقدمة في سلم اهتمامات المجتمع الدولي. وتجلى الاهتمام العالمي بهذا الموضوع في مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992 الذي أكد أن الإنسانية تقف الآن في نقطة حاسمة من تاريخها في مواجهة استمرار تدهور النظم البيئية وانقراض الأفراد الحية، إذ فقد العالم بين مؤتمري البيئة عام 1972 وعام 1992 مئتي مليون هكتار من الأحراج والغابات، كما خسر مزارعو العالم ما لا يقل عن خمسمئة مليون طن من التربة الزراعية، وتحوَّلت بعض البحيرات والأنهار إلى مجارير ومستنقعات صناعية، كما اختفت عشرات الألوف من العناصر النباتية والحيوانية.
    لم تقم الطبيعة بتدمير ذاتها على هذا النحو المخيف، بل كان ذلك نتيجة أنماط السلوك، والنمو التقليدي والأنشطة العشوائية للبشرية، والاستثمار الجائر للتنوع الحيوي، والثورة الصناعية ثم دخول عصر الهندسة الوراثية والتلاعب بالمورثات.
    ولذلك أجمعت الأمم المتحدة في قمة الأرض على إعطاء الأهمية الأولى للحفاظ على التنوع الحيوي، بوصفه القلق المشترك للبشرية وجزءاً لا يتجزأ من التطور المستدام، وأقرَّت اتفاقية التنوّع الحيوي المؤلفة من 42 مادة ترمي إلى صيانة التنوع الحيوي واستثماره استثماراً رشيداً ضمن إدارة متوازنة تحقق التنمية المستدامة لأسرة هذا الكوكب الواحد، لتستبقيه متمتعاً بالغنى الحيوي، مما يحقق رفاهية البشرية ورفاهية الأجيال القادمة، ضمن بيئة سليمة ومتوازنة مثلما وجدتها البشرية أوّل مرة. ووقع الاتفاقية المتعلقة بالتنوع الحيوي أكثر من 180 دولة، ومضمون هذه الاتفاقية أمر لا يخص فقط أكثر النباتات والحيوانات المجهرية ونظمها البيئية، بل إنه يخص أيضاً البشر وحاجتهم إلى الأمن الغذائي والأدوية والهواء والماء النقيين والمأوى والبيئية النظيفة الصحية التي نعيش فيها. فالمحافظة على التنوع الحيوي واستعمال مكوناته بشكل مستدام والتشارك في الفوائد الناشئة عن الموارد الجينية بإنصاف وتكافؤ، يسير جنباً إلى جنب مع تلبية الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للإنسانية. فالتنوع الحيوي يضم كل العمليات الضرورية والوظائف والتفاعلات بين الكائنات الحية والبيئة، بما في ذلك البشر بكل تنوعهم الثقافي. ومن هذا المنظور فإنَّ الإدارة المتكاملة للأرض والمياه والموارد الحية تصير هي أفضل طريقة للمحافظة والاستعمال المستدام والتشارك المتكافئ لمكونات التنوع الحيوي.
    التنوع الحيوي في سورية
    صادقت سورية على اتفاقية التنوع الحيوي في 10/12/1995، ثم قامت بدراسة التنوع الحيوي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNDP لحصر الثروة الحية في القطر، ولوضع استراتيجية وخطة لصيانة التنوع الحيوي وجعله خيراً ورفاهيةً للإنسان حاضراً ومستقبلاً ضمن مسيرة البشرية جمعاء، وذلك تنفيذاً لاتفاقية التنوع الحيوي التي صيغت في شكلها النهائي في ريو دي جانيرو عام 1992، لتصير بذلك الصك الدولي الرئيسي لمعالجة قضايا التنوع الحيوي والقيم البيئية والجينية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتعليمية والثقافية والترفيهية والجمالية للتنوع الحيوي وعناصره وللاستخدام المستدام لمواردهالبيولوجية .
    أظهرت الدراسة الوطنية التي قام بها أكثر من مئتي مختص في حقل البيولوجية من جميع الوزارات والجامعات والمنظمات، على وجود ما يزيد على 7145 نوعاً من الأنواع النباتية والحيوانية الموثَّقة في سورية، كما في الجدول (1).

    الرقم المجموعات الحية عدد الأنواع الموثقة في سورية عدد الأنواع في العالم النسبة المئوية
    1 الطيور 641 46983 1.36%
    2 البكتريا 55 26900 1.47%
    3 الطحالب 754 30600 2.4%
    4 باديات الإلقاح 10 750 1.33%
    5 خفيات الإلقاح 3100 22000 1.4%
    6 الحشرات 1500 751000 0.1%
    7 الأسماك 452 19056 2.37%
    8 البرمائيات 16 4184 0.38%
    9 الزواحف 127 6300 2.01%
    10 الطيور 360 9040 3.98%
    11 الثدييات 125 4000 3.12%
    الجدول (1) مجموعة الأحياء الموثقة والموجودة في سورية مقارنة مع العالم

    واعتُمِدَت الاستراتيجية القصيرة والطويلة الأمد؛ لتعزيز المحافظة على التنوع الحيوي، وتوفير الأمن الغذائي والسلامة الحيوية، وبناء القدرات الوطنية، ودعم البحث الذي هو أساس وجوهر المعرفة والتقدم العلمي، وتوفير فرص العمل لأكثر مما يزيد على نصف سكان سورية. والعمل على تحديد المتطلبات الوطنية لدرء الأخطار المهددة للأحياء المائية والبرية وللنباتات في البادية والمناطق الجافة والرطبة وفي الغابات والمناطق الحراجية، ودراسة المخاطر النابعة من الأنشطة السكانية، وتحديد المتطلبات لتامين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والقانونية لوقف تلك الأخطار المهددة للتنوع الحيوي، والعمل البنّاء على مختلف المستويات الوطنية للمحافظة على الثروة الحية للتنوع الحيوي وعناصرها ومستلزماتها في كل مناطق الحياة، وفتح كل الخزائن الوراثية للكائنات الحية لاستثمارها الاستثمار الرشيد لتحقيق رفاهية الإنسان وسعادته حاضراً ومستقبلاً. ويدعم التنوع الحيوي العمليات الطبيعية التي تساعد على وقف انجراف التربة، وعلى تنقية المياه والهواء، وعلى إعادة تدوير الكربون وتأمين الأوكسجين وتوفير أسباب الصحة والعافية.
    صيانة التنوع الحيوي (البيولوجي)
    تمثِّل الاتفاقية العالمية للتنوع البيولوجي لعام 1992 أساساً قوياً لصيانة التنوع البيولوجي في العالم وعلى سطح الأرض، وتؤكد ضرورة استخدام موارده الحيوية استخداماً مستديماً. وعلى هذا يُعرّف مصطلح الموارد الحيوية بأنه يتضمن الموارد الجينية أو الكائنات الحية أو أجزاء منها أو أيَّ فصائل أو عناصر حيوانية أو نباتية تكون ذات قيمة فعلية أو مفيدة للبشرية. كما يُعرّف مفهوم الاستدامة بأنه استجابة التنوع الحيوي بكل عناصره للوفاء باحتياجات سكان العالم من الموارد من اجل التنمية وتحقيق مستويات أعلى في المعيشة مع المحافظة على ازدهار الموارد الحيوية وعلى إنتاجيتها، من أجل الأجيال الحاضرة والأجيال القادمة في مسيرة الحياة. أما التنمية غير المستدامة فستعمل على تفاقم المشكلات البيئية وتحميل النظم البيئية الطبيعية فوق استطاعتها، ممّا يؤدي إلى اختلال التوازن والتناغم بين العناصر الحية ومكونات البيئة. فاستغلال الموارد الحيوية على نحو جائر غير مسؤول بقصد الأرباح المتزايدة، عن طريق إجهاد البيئة، قد يؤدي إلى سلبيات ستدفع الأجيال اللاحقة ثمنها. لهذا يتعين على سكان هذا الكوكب أن تعمل على الالتزام وتطبيق اتفاقية التنوع البيولوجي لصيانته وعدم استباحة موارده الحيوية، على أن تكون هنالك تنمية مستدامة دون استنزاف أو تدمير للتنوع الحيوي، وتلبّي حاجات الجيل الحاضر دون أن تعرّض للخطر قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها والعيش بسلام وتوازن مع البيئة ومواردها البيولوجية.
    ويدخل التنوع الحيوي في مواجهة عنيفة مع البيئة والهندسة الوراثية والتقانة (التكنولوجية) الحيوية ومنتجات الثورة الصناعية، مما يهدد بانقراض جديد للتنوع الحيوي، يُذكِّر بالانقراضات السابقة، ممّا يشكّل خطراً على النوع البشري نفسه وعلى مستقبله، إذ دُمِّرَ ما يزيد على ستين ألف نوع نباتي، وانكمش السطح المغطى بالغابات إلى 55% ممّا كان عليه، كما انقرض ستة آلاف نوع حيواني. حتى إن إبادة الفقاريات وصلت إلى نصف تعدادها الذي كانت عليه في نهاية القرن التاسع عشر، وإن قطع الغابات المطرية والاستوائية مستمر بنحو سبعة عشر مليون هكتار سنوياً. وتعطي التقديرات على أن الأرض ستفقد نحو 8% من مجمل الأنواع الحية في السنوات القادمة إذا استمر قطع الغابات على ما هو عليه. وهكذا دخل التنوع البيولوجي في مفهوم الزمان إذ أنه يقف أمام كارثة محتملة تهدد بالانقراض العام، ما لم تتدخل كل الجهود الإنسانية للأسرة العالمية لوقف الكارثة وإعادة التوفيق والتلاؤم بين الحياة والبيئة ليعود للتنوع الحيوي نجاحه وازدهاره وقابليته للاستمرار.
    محيي الدين عيسى

  5. #215
    الاصطفاء الحيواني

    الاصطفاء الحيواني animal selection هوعلم تزاوج الحيوانات وتقانته للحصول على سلالات تحمل صفات معينة وخواص محسَّنة مرغوب فيها، مثل إنتاج الحليب والبيض ونوعية اللحم وسرعة النمو وغيرها.
    الأساس الوراثي للتحسين
    التحسين هو علم الوراثة التطبيقي الذي يتعامل مع آلية نقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء.
    ويعد علم التحسين اليوم من العلوم الحيوية الرئيسة، وإن الصبغيات[ر] (الكروموزومات) التي توجد في نواة الخلية تكون مسؤولة عن حمل الصفات الوراثية. فانقسام الخلايا يرافقه انشطار الصبغيات. لذا تكون الصبغيات الجديدة مشابهة للصبغيات الأولى وحاملةً الصفات الوراثية نفسها. وتكون هذه الصبغيات مزدوجة في الخلايا الجسمية، أما في الخلايا التناسلية الناضجة فتُختزل الصبغيات إلى النصف. وعند تلقيح البييضة بالنطفة الذكرية فإن نصف الصبغيات في البيضة الملقحة يأتي من النطفة والنصف الثاني من البييضة. وبهذه الطريقة فإن الأبناء يأخذون صفاتهم الوراثية من الأب والأم.
    وتدعى وحدة التوريث بالمورِّثة (جين)، وهي التي تحمل المعلومات الوراثية التي تؤثر في صفة معينة ومحددة. وأصبح الأساس الجزيئي للوراثة في السنوات القليلة الماضية، نتيجة للأبحاث المتعددة، أكثر وضوحاً من ذي قبل، ومعروف اليوم أن أهم المواد الوراثية في نواة الخلية هو الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين deoxyribonucleic acid (ويرمز له اختصاراً بالدنا DNA) ذو الوزن الجزيئي الكبير. وهو يتكون من وحدات مكررة لأربعة أسس عضوية هي الغوانين، والسيتوزين، والأدنين، والتيمين، تكون متحدة مع سكر وحمض الفسفور. وإن تركيب هذه الأسس الأربعة في الدنا هو الدليل أو جهاز الترميز(الشِفْرة) في نقل المعلومات من خلية إلى أخرى في أثناء انشطار الخلايا. وبإمكان الخلية نقل هذه الرموز لصنع بروتينات أو إنظيمات محددة التركيب تقرِّر المظهر الأساسي للخلية وفعالياتها المختلفة. وتتحكم المعلومات الوراثية في تحديد اختصاصات الخلايا المختلفة وتمايزها لتؤلف في النهاية نسجاً وأعضاء مختلفة.
    مفهوم الاصطفاء الحيواني
    الاصطفاء هو اختيار أنسب الحيوانات وأحسنها استجابة لاحتياجات الإنسان، مع استبعاد الحيوانات التي لا تنطبق صفاتها على الصفات النموذجية الجيدة. ويهدف الاصطفاء إلى جَعْلِ الأجيال اللاحقة تماثل الأجيال الحالية أو تفوقها في خصائصها. وهذا يتضمن التحسين المستمر في إنتاج القطيع.
    وبِغَض النظر عن نظام التربية المتبع للحصول على الحيوانات المرغوب فيها فإنه يجب أن يُتخذ القرار المناسب لاصطفاء الأفراد من أجل التربية، لأن الاصطفاء في الوراثة يؤدي إلى اختيار أفضل الحيوانات لتكون آباء الجيل القادم وأمّاته. وللوصول إلى الهدف المتوخى من عملية التربية يجب أن يتم انتخاب الأفراد التي يُتوقع أن تنتج سلالة متفوقة. إذن فإن مفتاح النجاح في أي برنامج تحسين يتوقف على اختيار الأفراد الجيدة.
    والاصطفاء هو الوسيلة الثانية، إلى جانب طرائق التربية، التي يستطيع بها المربي أو الباحث تغيير وراثة حيواناته. وهو من أكثر الوسائل فعالية في هذا السبيل سواء كان الاصطفاء طبيعياً تقوم به الطبيعة أو صناعياً يقوم به الإنسان، وقد كان الطريق الأساسي الذي أمكن به إيجاد سلالات كثيرة من الأغنام المتخصصة في الصوف أو اللحم أو الحليب أو الفراء، وسلالات كثيرة من الماشية لإنتاج اللحم والحليب، وسلالات من دجاج اللحم أو البيض. وقد نشأت السلالات الثنائية الغرض أو المتعددة الأغراض. وكذلك الحال فيما يتصل بالخيل والكلاب وغيرها من الحيوانات.
    إن هدف المربي أو الباحث هو اصطفاء حيوانات ممتازة تماثل دائماً أبويها في الصفات أو تفوقهما، ومتابعة ذلك في كل جيل من الأجيال المتلاحقة، وهذا ما يعرف بالتحسين المستمر. فعلى المربي أن يتحقق أولاً بصورة قاطعة من أن الصفات الممتازة التي يجدها في حيوان ما أو مجموعة من حيواناته هي صفات قابلة للتوريث وليست مكتسبة ترجع لتأثير البيئة، لأن الصفات المكتسبة لا تُوَرَّث عن طريق الخلايا التناسلية، فهي صفات اكتُسبت من عوامل ومؤثرات خارجية وليست وراثية. وعموماً فإن ممارسة الاصطفاء مصحوباً بالتربية الداخلية يساعد على سرعة حدوث التغيرات لأنه في هذه الحالة تَقلُ نسبة الأفراد المختلفة اللواقح heterozygous وتزداد نسبة تشابه اللواقح homozygosity في التركيب الوراثي للصفات المنتخَبة، مما يؤدي في النهاية إلى إنتاج السلالات النقية، وهي الغاية المثلى للاصطفاء.
    لقد اعتمد الإنسان في تحسين السلالات الحيوانية على معايير خاصة وضَعَتْها وحَدَّدتها جمعيات السلالات الحيوانية المختلفة. إلا أن إجراء الاصطفاء صناعياً ليس بالأمر الهين، فهو يتضمن عدة عمليات منظمة ترمي إلى الحصول على حيوانات جيدة.
    طرائق الاصطفاء
    تقسم عمليات الاصطفاء الحيواني إلى قسمين رئيسين، هما:
    الاصطفاء بحسب الشكل الظاهري phenotypic selection: ويقع تحت هذا القسم نوعان:
    ـ الاصطفاء بالجملة mass selection: وهو استبعاد الأفراد غير الجيدة من القطيع.
    وهذه الطريقة سلبية يقتصر فيها عمل المربي على استبعاد الأفراد التي لا تُطابق صفاتُها صفات النموذج المطلوب. ويكون معظم العوامل الوراثية التي تقابل هذه الصفات من النوع المُتَنَحّي. وكثيراً ما تبقى هذه العوامل المتنحية في القطيع، وتنتقل من جيل إلى آخر من دون أن تظهر صفاتها في الأفراد التي تحملها، وتحمل معها في الوقت نفسه عوامل سائدة. وفي هذه الحالة يترك المربي مثل هذه الحيوانات ذات التركيب الوراثي الخليط تتناسل. لذا كانت هذه الطريقة أبطأ طرائق الاصطفاء جميعاً للوصول إلى الغاية المطلوبة.
    ـ الاصطفاء الفردي individual selection: وهو اختيار أفراد جيدة في شكلها الظاهري ثم تربيتها من دون غيرها. وهو يُبنى على أساس أن المظهر المتمثل في إنتاجية فرد ما يعدّ دليلاً على القيمة الوراثية لذلك الفرد.
    إن عملية الاصطفاء هذه تكون بسيطة، وكل ما تحتاج إليه هو تمييز الأفراد التي تحمل بعض الصفات المرغوب فيها. أما الصفات المتعددة، ولاسيما ذات الأهمية الاقتصادية والتي تتأثر بعدة مورثات مختلفة فإن الافتراض السابق لا ينطبق عليها أبداً، وتكون النتيجة غير مضمونة العواقب. وهذا ليس ناتجاً من وجود مورثات متعددة فقط وإنما من تأثير الشروط البيئية في قدرة هذه المورثات على التعبير عن نفسها تعبيراً جلياً. وهذا النوع من الاصطفاء يكون مبنياً على الكفاية الإنتاجية الظاهرة. وقد يكون اصطفاءُ صفةٍ وراثيةٍ معينةٍ فعالاً في المدى المنخفض إلى المتوسط، إلا أنه غير فعال كلياً في المدى العالي. وخير مثال على ذلك هو إنتاج بيض الدجاج، إذ لا يوجد شك في أهمية الاصطفاء الفردي لتحسين إنتاج البيض ليصل معدل إنتاجه إلى 180 أو حتى إلى 200 بيضة سنوياً للدجاجة. ويعتمد مدى الزيادة على نوع السرب، وكذلك على الشروط البيئية التي يتعرض لها هذا السرب. وغالباً ما يؤدي الاعتماد على هذا النوع من الاصطفاء إلى خيبة أمل عند الوصول إلى الحد الذي لا يمكن بعده تجاوز زيادة الإنتاجية. ولقد أحرز تقدم كبير في أسراب كثيرة من الدواجن نتيجة تطبيق هذا النظام على نطاق واسع ومحكم، ولاسيما في التخلص من الأفراد غير المرغوب فيها، مثل البطيئة النمو والقليلة الإنتاج، والتخلص من الأفراد التي يكون مظهرها مغايراً للمظهر العام للسرب.
    وهناك قطعان أو أسراب كثيرة يمكن تطويرها وتحسينها باتباع هذه الطريقة. ولكن عند زيادة معدل إنتاج القطيع أو السرب فإنه يتحتم اتباع طريقة أخرى أكثر فعالية إذا أُريد الاستفادة من الحد الأقصى للقدرة الإنتاجية للقطيع. وهذه الطريقة هي الاصطفاء بحسب التركيب الوراثي.
    الاصطفاء بحسب التركيب الوراثي genotypic selection: ويتم بإحدى الطرائق الآتية:
    ـ الاصطفاء تبعاً لاختيار النسل progeny selection: وهو دراسة التركيب الوراثي للفرد بعد دراسة الصفات الاقتصادية في نسله. فعندما تكون أسلاف الحيوان معروفة فإنه بالإمكان عند برمجة التحسين الوراثي للقطيع إجراء موازنة بين إنتاج الحليب أو إنتاج البيض للآباء والأبناء. ولكن لسوء الحظ لا يمكن الاستدلال مؤكداً على تركيبه الوراثي الصحيح بناء على مظهر الفرد فقط، ولو كانت مظاهر أسلافه معروفة. فمن الناحية الإنتاجية لا يمكن التحقق مثلاً من قدرة نسل دجاجة تستطيع إنتاج 280 بيضة سنوياً. ويصح الشيء نفسه عندما تؤخذ إنتاجية أخوات ذكر ما مقياساً لاختياره لأغراض التحسين ولاختيار النسل بدقة، إذ يلقح الذكر عدداً مناسباً من الإناث ثم يُوازن بين إنتاجها وإنتاج بناتها عندما تصل إلى سن الإنتاج.
    إن هذه الطريقة ذات نفقة وتستغرق وقتاً طويلاً عند الموازنة بينها وبين الطرائق المتبعة، ولاسيما أن القدرة على إنتاج البيض للنسل الناتج لا يمكن تقديرها إلا بعد عدة أشهر من التزاوج، ويجب الاحتفاظ بسجلات الكفاية الإنتاجية لجميع الأفراد في السلالة.
    وعندما ينصب الاهتمام على صفات متعددة قد تصل إلى 8 أو 10 تصبح السجلات الواجب تنظيمها والمعلومات اللازمة كبيرة جداً. ولكن عند معرفة الذكور والإناث العالية الإنتاج نتيجة لتطبيق هذه الطريقة فإن عملية التحسين الوراثي تكون أسرع من الطرائق الأخرى التي قد تكون عقيمة أحياناً. وقد تكون المدة أطول عند تطبيق هذه الطريقة على فروج اللحم. وفي الدجاج البَيَّاض يمكن استخدام البيض المُنتَج لمدة أقل من سنة دليلاً على مقدار الإنتاج. وبهذا يمكن اختصار المدة التي يجب أن تتم فيها عملية الاصطفاء.
    ويعد الاصطفاء تبعاً للنسل إحدى طرائق الاصطفاء المهمة في حقل تربية الحيوان. ويُتّبع عادة لاصطفاء الذكور، ولاسيما فيما يتصل بالصفات المرتبطة بالجنس التي لا يمكن أن تقاس على الآباء مثل إنتاج الحليب أو البيض. وبالطبع تقاس مظاهر تلك الصفات على النسل من الإناث فقط.
    وقد تُجرى طريقة الاصطفاء بالنسل في الإناث التي تعطي عدداً كبيراً من الأفراد كالدجاج والفئران والأرانب والخنازير، ولو أن هذا غير شائع الاستعمال.
    وكلما كان عدد الأبناء لكل ذكر كبيراً كان الحكم دقيقاً على الكفاية الإنتاجية لهذا الذكر. وهناك نقطة مهمة يجب الانتباه إليها في هذا المقام وهي أنه كلما قلَّ عدد الذكور المختبَرة زاد مُعامل التربية الداخلية في القطيع.
    وهذا يؤدي من ثم إلى انخفاض الإنتاج وإلى ظهور العوامل المميتة وشبه المميتة. وعلى العموم يعد اختبار النسل أداة نافعة في تحسين الحيوانات الزراعية، ويتم ذلك الاختبار بإحدى الطريقتين التاليتين :
    ـ طريقة تأخذ بالحسبان وجود الإناث، وفيها يُوَازن بين إنتاج بنات الذكر المختبَر، وإنتاج أمّاتها زوجات ذلك الذكر. فإن فاقت البنات أمّاتها في الإنتاج فالفضل يرجع للذكر نفسه.
    ـ طريقة لا تأخذ بحسبانها الإناث، وفيها إذا ما عُرف عن ذكر أنه أنجب الكثير من الإناث ذات الإنتاج العالي فعلى الأغلب سوف ينتج هذا الذكر دائماً إناثاً إدرارها مثلاً عالٍ إذا ما اختيرت له إناث مناسبة.
    الاصطفاء تبعاً للنَّسَبِ pedigree selection: ويُقصد به انتخاب الأفراد بحسب امتياز آبائها وأجدادها وآباء أجدادها، أي الأجيال الثلاثة السابقة. والفكرة هي أن الفرد يكون ممتازاً في صفاته إذا كانت آباؤه وأجداده ممتازة، ما لم يحدث انعزال في العوامل الوراثية. وعموماً لا يُلتَفَت إلى الأجيال التي تسبق الأجيال الثلاثة المذكورة، وذلك لقلة مساهمتها وقلة تأثيرها في تركيب الفرد الوراثي.
    ولكن يجب أن لايثق المربي في نسب الحيوان ثقة مطلقة. فهو في أقصى حدوده لا يدل إلا على أسلافه، ولا يدل دلالةً قاطعة على جودة الحيوان أو نقاء تركيبه الوراثي. فقد يكون الحيوان ذا نسب ومع ذلك تكون مورثاته خليطة. فلا يمكن أن يكون النسب وحده دليلاً قاطعاً في الكشف عن مورثاته بل مرشداً فقط. وقد أصبحت اليوم قواعد الاصطفاء تعتمد كثيراً على الإنتاج الفعلي للحيوان نفسه ولسلسلة آبائه ونسله، وأصبح معيار الإنتاج دليلاً صادقاً في الكشف عن نقاء التراكيب الوراثية للحيوانات، حتى أصبح اصطفاء الذكور للتربية لا يخرج عن حدود إنتاج آبائها أو نسلها، وأصبحت تُختار هذه الذكور لتكون أمّاتها أعلى إنتاجاً من باقي أفراد القطيع.
    ويستعمل هذا النوع من الاصطفاء على نطاق واسع في حيوانات الحليب ولاسيما الذكور أو الإناث الصغيرة التي لم تنتج الحليب بعد، وقد كانت الفكرة السابقة ـ أي يكون الفرد ممتازاً في صفاته إذا كانت أسلافه ممتازة ـ مدعاةً لارتفاع أسعار بعض الحيوانات نتيجة لانحدار هذه الحيوانات من بقرة مشهورة أو ثور معروف .
    وهناك الكثير من المربين يجرون الاصطفاء في قطعانهم بطرائق أكثر تعقيداً للوصول بحيواناتهم إلى درجة عالية جداً من التحسين. ومن هذه الطرائق :
    1) ـ الاصطفاء المتوالي tandem selection إذ يتم اصطفاء صفة ما حتى تصل، بعد عدة أجيال، إلى مستوى معين، ثم يتم الانتقال إلى صفة أخرى يجري اصطفاؤها. وهكذا باقي الصفات على التوالي. إن هذه الطريقة تستغرق وقتاً طويلاً للوصول بصفات الحيوان إلى المستويات المرجوة.
    2) ـ الاصطفاء باستعمال مستويات الاستبعاد المستقلة independent culling levels: وفيه لا يُنتخب الحيوان إلا إذا بلغ حداً أدنى من جودة الصفات المقصودة. فعند اصطفاء ثلاث صفات مثلاً يحدد مستوى معين لكل صفة، وتستبعد الأفراد التي يقل مستواها عن أي من هذه المستويات الثلاثة مجتمعة. وهذه الطريقة هي طريقة قاسية وجائرة، كاشتراط أن لا يقل وزن الكباش المنتخَبة عن 55كغ عند عمر سنة، وألا يقل وزن جزتها الأولى عن 4كغ من الصوف.
    3) ـ دليل الاصطفاء selection index: وهي أنسب طرائق الاصطفاء جميعاً. وفيها يتم اختيار الحيوان اختياراً يسمح للصفات الممتازة أن تحل محل الصفات التي هي أقل جودة. وهكذا تؤخذ بالحسبان عدة صفات في آن واحد، والارتباط الوراثي بين هذه الصفات والقيمة الاقتصادية لكل صفة تكونان على درجة يمكن معها للصفات الممتازة في الحيوان أن تعوض عن الصفات غير الممتازة في الحيوان نفسه.
    التربية الداخلية أو تربية الأقارب
    هي تزاوج الحيوانات التي تزيد درجة القرابة بينها على متوسط القرابة لحيوانات القطيع كله، وهذا يؤدي إلى زيادة نسبة المورثات المتماثلة وتقليل نسبة المورثات غير المتماثلة في المجموعة، كتزاوج الشقيق وشقيقته أو تزاوج الأب وابنته أو تزاوج الأم وأبنائها. ويلجأ المربي إلى هذا النوع من التربية لزيادة التماثل في أُسَر معينة من القطيع ورفع قدرة التوريث في بعض الأفراد والاستفادة من ظاهرة قوة الهجين hybrid vigor الناتجة من خلط سلالات مرباة تربية داخلية بعضها مع بعض inbreed lines وذلك فيما يتصل ببعض الصفات. وقد استُخْدِم هذا النظام على نطاق واسع للحصول على بعض الأسراب التجارية في الدجاج.
    إلا أن التربية الداخلية تؤدي أيضاً إلى خفض مظهر الصفات الإنتاجية وذلك لتركيزها للمورثات الجيدة وغير الجيدة في آن واحد.
    إن استمرار خطوط التربية الداخلية ذو نفقة من الناحية الاقتصادية، ويعود ذلك إلى أن قسماً كبيراً منها يتم التخلص منها بعد التجربة، وذلك لعدم توافقها مع الخطوط الأخرى. ويسأل بعضهم عن جدوى تربية الأقارب. فالكل يعرف أن زواج الأقارب عرضة لإنجاب أطفال مشوهة أو يعتريها النقص في الصفات الجيدة، ووجهة النظر هذه معروفة منذ قديم الزمان، وفي الدول المتقدمة اليوم قوانين تحول دون زواج الأقارب.
    وهناك من مربي الحيوانات من يستخدم تربية الأقارب بنجاح. فأحسن مربي الخيل والكلاب وغيرها من الحيوانات المستأنسة يصطفون أجود حيواناتهم بطريقة تربية الأقارب في نظام يشير إليه المربون باسم التربية الخطية line breeding. وكثير من هؤلاء المربين يعرفون جيداً أن إدخال أي دم خارجي على حيواناتهم المنتقاة والمنتخبة انتخاباً فائقاً سوف يقلل من قيمة إنتاجهم بدرجة كبيرة. لذلك لا بد من مراعاة درجة تربية الأقارب المستخدمة في التربية وعلاقاتها في المحافظة على الصفات الجيدة وعدم ضياعها أو فقدها. لذلك تُتَّبَع التربية الداخلية أو تربية الأقارب بدرجة محدودة لإنتاج حيوانات أو صفات مرغوب فيها ولاستبعاد الحيوانات والصفات غير المرغوب فيها.
    وإذا كانت تربية الأقارب تُنتج اختلافات بين الحيوانات مما يؤدي إلى ظهور بعض الحيوانات أو الصفات غير المرغوب فيها فلا بد من الاستمرار في إجراء تربية الأقارب حتى يمكن عزل المجموعة الحيوانية أو مجموعة الصفات وتقليل الاختلافات بين هذه الحيوانات وصفاتها مستقبلاً. ويستدعي ذلك استخدام أجود حيوانات التربية وأحسنها، كما يستدعي أن يكون المربي على درجة كبيرة من المهارة في إجراء الاصطفاء بين حيواناته مع ضرورة توافر الشجاعة الكافية حتى يستبعد بكل جرأة وثبات الصفات غير المرغوب فيها والحيوانات الحاملة لها.
    استعمالات التربية الداخلية: تعدّ التربية الداخلية inbreeding سلاحاً ذا حدين. لذلك يجب تطبيقها في شروط سليمة ولأسباب صحيحة ومدروسة. وفيما يلي بعض الحالات التي تستخدم فيها التربية الداخلية:
    ـ عندما يرغب المربي في زيادة القرابة نحو حيوان ممتاز. فكثيراً ما يحصل على أفراد متفوقة جداً مما يدل على حُسْن تركيبها الوراثي، فيحاول أن يستبقي أكبر نسبة ممكنة من تركيب هذا الفرد في القطيع. ومن دون اتباع التربية الداخلية لا يمكن أن يرتفع مُعامل القرابة بين الحيوانات عن النصف ولذلك يُلْجَأ إلى التربية الداخلية للحصول على أفراد على درجة عالية من القرابة مع الفرد الممتاز.
    ـ عندما يصل المربي بإنتاج قطيعه إلى مستوى أعلى من متوسط السلالة، يبدأ باستخدام ذكور للتربية من داخل القطيع، وهذا يؤدي إلى التربية الداخلية بدلاً من استخدام ذكور للتربية من خارج القطيع التي قد تُخْفِّض من إنتاج قطيعه.
    ـ تُتَّبع التربية الداخلية بغية فصل الجماعة population إلى أنماط types متماثلة ومرباة داخلياً. وإن خلط هذه الأنماط بعضها ببعض ثانية يرفع الإنتاج نتيجة لقوة الهجين. ومن الأمثلة الناجحة في هذا الشأن دجاج الهجين، وإلى حد كبير الخنازير والأغنام.
    ـ تفيد التربية الداخلية في كشف المورثات غير المرغوب فيها أو الضارة في حالة الأفراد الأصيلة فقط، ولكنها طريقة ذات نفقة.
    ـ التربية الداخلية أكثر فاعلية في زيادة نسبة الأفراد الأصيلة. وإن لم يكن لها قيمة اقتصادية في حيوانات المزرعة إلا أنها مرغوب فيها في حيوانات المخبر الصغيرة كالفئران والخنازير فيما يتعلق بتجانسها.
    ـ يلجأ المربي إلى التربية الداخلية لزيادة التباين بين العائلات والمجموعات، وتزداد فاعلية الاصطفاء لوجود أسس جديدة.
    مضار التربية الداخلية: ذُكر سابقاً أن التربية الداخلية سلاح ذو حدين. فهي تُثَبِّت المورثات غير المرغوب فيها في أفراد أصيلة كما تُثبِّت المورثات المرغوب فيها، وذلك بطريقة عشوائية محضة. لذلك يُنصح المربي بعدم التوسع في تطبيق التربية الداخلية، فالقاعدة هي تطبيق التربية الداخلية بقدر يسمح بالتخلص من الأفراد غير المرغوب فيها فقط، ولا يُنْصح باتباعها إلا المربون أصحاب القطعان الكبيرة التي تسمح لهم باستبعاد جزء مناسب من كل جيل. وقد وُجد عملياً أن معدلاً للتربية الداخلية قدره من 5- 6% من كل جيل يُعدّ مناسباً، أي زيادة متوسط مُعامل التربية الداخلية بهذا القدر لكل جيل. والاستعمال الجائر للتربية الداخلية ينتج منه انخفاض مستوى الإنتاج ولاسيما للصفات التي يقع جزء كبير من تباينها الوراثي تحت التباين السيادي أو التفوقي، مثل صفات الخصب والتناسل عامة.
    التربية الخارجية أو تربية الأباعد
    هي إنتاج أفراد من آباء ليس بينها رابطة دم أو قرابة إلى أبعد جيل في سلسلة نسبها. وغالباً ما تكون الأفراد المتزاوجة، كلها أو بعضها، من خارج السلالة الواحدة أو العائلة الواحدة أو الضرب الواحد. والآثار المترتبة على التربية الخارجية out breeding عكس الآثار المترتبة على التربية الداخلية. فهي تعمل أساساً على زيادة نسبة الأفراد الخليطة ونقص نسبة الأفراد الأصيلة النقية في القطيع. وتختلف في أن تأثيرها يقتصر على الجيلين الأول والثاني، أي إن أثرها لا يتراكم كما في التربية الداخلية. وعلى ذلك فالتربية الخارجية تعطي فرصة للمورثات غير المرغوب فيها أن تختبئ، كما أن وجود السيادة أو فوق السيادة سيجعل الأفراد الناتجة تفوق آباءها في صفاتها الإنتاجية. ويسمى ذلك قوة الهجين التي تحدث نتيجة للظاهرة الوراثية المعروفة بقوة الخلط heterosis. ويلاحظ أن الصفات التي تظهر فيها قوة الهجين بوضوح هي نفسها الصفات التي تتدهور تدهوراً ملحوظاً عند تطبيق التربية الداخلية. فالعوامل المسؤولة عن قوة الهجين في الخليط هي نفسها المسؤولة عن انخفاض مستوى الصفة عند تطبيق التربية الداخلية. وتعدّ الصفات التناسلية في الحيوان مثالاً لهذه الصفات.
    وإن الأفراد الناتجة من التربية الخارجية لا تصلح للتربية، لأنها خليطة في تركيبها الوراثي، إذ يؤدي تزاوج هذه الأفراد فيما بينها إلى انعزال العوامل الداخلة في تركيبها.
    أقسام التربية الخارجية: تشمل التربية الخارجية كل أنواع التزاوج التي تهدف إلى زيادة الخلط بين الأفراد. ويصحب ذلك نقص التجانس في مظهر الأفراد. وهي تشمل:
    خلط السلالات: ويقصد بخلط السلالات cross breeding الخلط بين سلالات ناتجة بالتربية الداخلية. وهو يُنْتج أحسن قوة هجين. وفيه تزاوج أنثى من سلالة بذكر من سلالة أخرى. وقد استغل مربو الحيوان هذه الطريقة استغلالاً كبيراً ولاسيما في ماشية اللحم والأغنام والخنازير والدواجن. وقد كان الخلط، وما يزال، يجري لسببين رئيسين: الأول تكوين سلالة جديدة تجمع بين الصفات الجيدة من سلالتين أو أكثر . والثاني إنتاج حيوانات لحم للتسويق لا للتربية، الأمر المطبق بكثرة في بلاد كثيرة.
    والانتفاع بقوة الهجين في هذه الطريقة يعتمد على الاصطفاء، كما يعتمد على التربية الداخلية والخلط. ويطبق الاصطفاء هنا أساساً على الحيوانات الخليطة للحصول على أزواج من السلالات التي تُنْتج أحسن قوة هجين. وهذه السلالات تعدّ مصدراً دائماً لأفراد خليطة للاستعمال التجاري في الحياة العملية.
    التدريج grading: ويقصد به رفع إنتاج مجموعة من الحيوانات التي لا تنتمي إلى عرق معين بتزاوجها هي والجيل الناتج من هذا التزاوج والأجيال التي تليه بذكور لها صفات ممتازة. وتتم عملية التدريج بإدخال مورثات جديدة في الحيوانات مع زيادة نسبة هذه المورثات تدريجياً جيلاً بعد جيل.
    ويكون التدريج إما بحيوانات من السلالة نفسها أو بحيوانات من سلالة مخالفة. ويُطبق التدريج عادة لتحسين الحيوانات المحلية الضعيفة الإنتاج، وذلك باستعمال ذكور للتربية أجنبية ممتازة. ويؤدي هذا التدريج إلى نقــــل هذه المورثات الخاصة بالإنتاج العالي إلى الحيوانات المحلية بمقدار1/2 في الجيل الأول و3/4 في الجيل الثاني و7/8 في الجيل الثالث و15/16في الجيل الرابع و31/32 في الجيل الخامس، إذ تكون الحيوانات الناتجة من هذا الجيل قد وصلت، في إنتاجها وشكلها الخارجي، إلى النوع المراد الوصول إلى مستواه. ويكون التحسين الناشئ من تطبيق هذه الطريقة ملحوظاً بدرجة كبيرة في أول جيل عما في الأجيال التي تليه وذلك لحدوث ظاهرة قوة الهجين بدرجة أكبر مما في الأجيال التالية.
    وتعدّ طريقة التدريج من أسلم طرائق التربية وأقلها كلفة لتحسين الحيوانات المحلية، لأنها لا تحتاج إلا إلى استيراد الثيران الممتازة فقط، ثم تغيير هذه الثيران مرة كل جيل بطريقة التبادل بين المربين لتغيير الدم. لذا كانت هذه الطريقة من أكثر الطرائق شيوعاً في العالم.
    الخلط الخارجي out crossing: ويقصد به تزاوج أفراد من عرق حيواني تكون القرابة بين أفراده معدومة، أو تكون أقل من متوسط القرابة في العرق الذي تنتمي إليه. ويُلجأ إلى هذه الطريقة لتزاوج بعض الأفراد الناتجة من التربية الداخلية من الدرجة الثانية مع أفراد تتبع أسرة أخرى بغرض التخلص من العيوب التي تظهر نتيجة التربية الداخلية. ويستخدم الخلط الخارجي لإدخال دم جديد في القطيع أو إصلاح بعض العيوب أو الصفات غير المرغوب فيها. فإذا وجد قطيع تعوزه صفة متوافرة في قطيع آخر وكان صاحب القطيع الأول لا يريد استخدام ذكور تربية من القطيع الثاني دائماً لأن فيه صفات أخرى غير مرغوب فيها، فيمكن في هذه الحال استعمال الخلط الخارجي لإصلاح هذه الصفة من دون الإخلال بالصفات الجيدة الأخرى.
    الخلط بين الأنواع الحيوانية الزراعية: ويقصد به تزاوج حيوانين كل منهما أصيل ولكنهما ينتميان إلى عرقين زراعيين مختلفين. وتستعمل هذه الطريقة للاستفادة من قوة الهجين التي تظهر في الجيل الأول من التزاوج، وذلك في إنتاج اللحم من الخنازير وأبقار اللحم والأغنام.
    وتتميز الحيوانات المُنْتَجَةُ بهذه الطريقة بسرعة النمو وكبر الحجم وزيادة الحيوية وارتفاع مستوى الخصب. كما أنها تستخدم لأغراض تجارية فقط لا للتربية.
    التهجين hybridization: وهو التزاوج الذي يتم بين حيوانات من أنواع مختلفة. والتزاوج بين الحمار والفرس الذي يُنْتج البغل يعدّ أشهر مثال لهذه الطريقة. وهي تستعمل أساساً لإنتاج البغال التي تتميز من أبويها في الصفات الفيزيولوجية كالقدرة على العمل وتحمل المشاق ودرجات الحرارة المرتفعة ومقاومة الأمراض ولاسيما في المناطق الحارة. عدا أن حياة البغل أطول من حياة كل من الحصان والحمار. ولما كان عدد أزواج الصبغيات في الأنواع الحيوانية يختلف من نوع إلى آخر (يختلف في الخيول عنه في الحمير) لهذا فإن الهجين الناتج يكون غالباً عقيماً. وهناك أمثلة كثيرة لإجراء مثل هذا التهجين، مثل تلقيح الـ «ياكyak» بالأبقار الأوربية، والجمال ذات السنام الواحد بذات السنامين، وتلقيح الأغنام بالماعز، والرومي بالدجاج العادي، وتلقيحالبيزون الأمريكي بالأبقار الأوربية.
    ويتبين مما تقدم أنه يُلْجأ إلى التربية الخارجية للأغراض التالية:
    ـ رفع مستوى إنتاج الحيوانات الضعيفة الإنتاج باستعمال ذكور أصيلة لها قدرة عالية على توريث الصفات المرغوب فيها لنسلها.
    ـ إنشاء سلالات جديدة من الحيوانات الزراعية وتكوينها بإيجاد تراكيب وراثية جديدة لم تكن من قبل، تتميز بالإنتاج المرتفع والقدرة على الحياة في الشروط المحلية غير الملائمة للأنواع الأصيلة الأخرى، ولاسيما في البلاد الحارة وشبة الحارة.
    ـ نقل عوامل وراثية تمتاز بها مجموعة معينة من الحيوانات إلى مجموعة أخرى تنقصها هذه العوامل، كأن تُلقح أبقار«أَبِرْدين أَنْغِس Aberdin Angus » العديمة القرون بأبقار «هِرْفورد Herford» لإنتاج سلالة عديمة القرون، ثم تُختار الذكور عديمة القرون من الجيل الأول لتلقيح أناث من «هِرْفورد»، ثم تعاد العملية في أجيال كثيرة حتى يتم الحصول على السلالة المطلوبة.
    ـ الحصول على حيوانات تتميز بقوة الهجين لاستغلالها تجارياً في إنتاج اللحم من الأبقار أو الأغنام أو الدواجن أوالخنازير.
    ـ تستخدم التربية الخارجية لتغيير الإنتاج من سلالة إلى أخرى، كأن يحول من إنتاج اللحم إلى إنتاج الحليب أو العكس.
    ـ تُمكِّن التربية الخارجية من دراسة الصفات الكمية مثل إنتاج اللحم أو الحليب بإجراء التزاوج بين أبقار الحليب الأصيلة وأبقار اللحم الأصيلة، ودراسة سلوك الصفات في الأجيال الناتجة من هذا التزاوج.
    عيسى حسن

  6. #216
    التوجه الحيواني

    يتمثل التوجه الحيواني Animal orientation بمقدرة الحيوانات على تحديد موقعها في الفراغ وسط أقرانها من النوع نفسه أو الأنواع الأخرى. ويتحقق ذلك من خلال أفعال سلوكية بسيطة أو معقدة تتضمن جمع المعلومات عن الوسط المحيط بوساطة منظومات الاستقبال المختلفة، ومن ثم معالجتها وإعداد الاستجابات الملائمة لها. ويرتبط توجه الحيوانات بامتلاكها منظومات وآليات مختلفة لتلقي الإشارة، تقوم أعضاء الحس المختلفة بدور مهم فيها.
    فيما يتعلق بالشم يتوجه العديد من الحيوانات بالروائح لدى البحث عن الطعام أو الشريك الجنسي أو للهجرة والاستيطان. وتعد هجرة أسماك السلمون من الأمثلة المعروفة عن مقدرة الحيوانات اعتماد الرائحة كمحدد أساسي للتوجه، فأسماكالسلمون الفتية التي تغادر، بعد النقف، جداول الأنهار العذبة لتنمو في المحيطات، تعود بعد سبع سنوات قاطعة مسافات طويلة للتكاثر ووضع البيوض في الجدول نفسه الذي غادرته عندما كانت فتية.
    كما تقوم الإحساسات البصرية بدور أساسي في التعرف على المحيط وموقع الجسم منه، وذلك من خلال إدراك المرئيات وأشكالها ومعانيها وحركتها وبريقها وألوانها ومقارنتها مع ما سبق مشاهدته. ويقوم التذكر البصري للرموز الطبوغرافية والجغرافية بدور مهم في الملاحة من خلال تحديد خط مسارات الهجرة وموقع التكاثر الذي يبقى ثابتاً من عام لآخر. فالحمام الزاجل الذي يمتلك ذاكرة بصرية ملحوظة يستطيع تعلم تمييز الرموز الطبوغرافية و الجغرافية لمنطقة طيرانه في محيط عشه بداية، ومن ثم على مسافات متباعدة شيئاً فشيئاً تصل إلى 1500كم.
    أما عن السمع فيمتلك التوجه الصوتي أهمية فائقة في الأوساط محدودة الرؤية، كالوسط المائي والمناطق ذات الغطاء النباتي الكثيف. ويرتبط ذلك بامتلاك الحيوانات تكيفات مهمة في الوظيفة السمعية تمكنها من التحديد الدقيق لموقع إصدار الإشارات الصوتية. فالبومة الجشراء Tyto alba تستطيع تعيين موقع الفريسة بدقة متناهية، مستخدمة مقدرتها على إدراك الأمواج الصوتية ذات التواترات المنخفضة في تحديد وضع الفريسة أفقياً، والأمواج ذات التواترات المرتفعة في التعرف على وضعها العمودي.
    وتستطيع بعض الحيوانات الاستفادة من مقدرتها على إدراك الأمواج تحت الصوتية Infrasonic (أقل من 10هرتز)، والتي تنتشر لمسافات بعيدة جدا في التوجه، كالحمام الذي يستطيع إدراك موجات صوتية بتردد 0.06هرتز، ومن المحتمل أنه يستخدمها في الملاحة.
    ويعد الاستشعار بالصدى[ر] Echolocalization المتمثل بإصدار إشارات فوق صوتية وإدراك صدى هذه الذبذبات المرتدة من الأجسام بما يحمله من معلومات عن مسافة توضعها وطبيعتها، من أكثر التكيفات دقة التي تسمح للحيوانات بالتوجه الفراغي. ويلاحظ أبسط أشكال التوجه بالصدى لدى الذبابة Blarina sorex، وطيور أبو نوم Steatarnis caripensis التي تعيش في الجحور، ويتطور ويزداد إتقاناً لدى الثدييات البحرية مثل الدلافين، ويبلغ قمة تطوره لدى الخفافيش Chiroptera.
    وتعد مقدرة بعض الأسماك على إدراك الحقول الكهربائية وتغيراتها إحدى أهم الوسائل المستخدمة في توجهها واتصالها الإحيائي، فبعض أسماك القط Scyliorhinus تستطيع العثور على فريستها المغمورة في الرمال، بفضل التغير الموضعي للحقل الكهربائي الذي تستدركه بوساطة عضو خاص بالحساسية الكهربائية. أما الأسماك العظمية Ggymnotidae فتتوجه في المياه العكرة والمظلمة من خلال إدراكها للتغيرات الطفيفة في حقلها الكهربائي الخاص الذي تستطيع توليده بوساطة الأعضاء الكهربائية.
    وتعد الإحساسات العامة السطحية (الحس الحراري وحس الضغط والاهتزاز واللمس) من أهم الوسائط التي تسهم في هجرة الحيوانات الفصلية نتيجة تغير العوامل المناخية، فمن الواضح أن الطيور المهاجرة تبحث عن مناخ أقل حرارة من أماكن التكاثرلقضاء فصل الشتاء، ومناخ أكثر حرارة من أماكن الشتاء للتكاثر. فهجرة الربيع تبدأ عامة مع وصول موجة حارة مترافقة مع ضغط جوي مرتفع في حين تكون الهجرة الخريفية بشـكل معاكس. ولـدى حدوث اضطراب مناخي مفاجئ خلال الهجرة (كمرور موجة باردة في الربيع) فإن الطيور تتوجه لبضع ساعات أو لبضعة أيام بعكس اتجاهها الاعتيادي، وهذا ما يسمى بعكس الهجرة. أما المستقبلات الحرارية الموجودة في الحفيرات الوجهية لدى الأفاعي ذات الأجراس، فتعد من التكيفات الهامة التي تمكنها من إدراك الإشعاع الحراري لفرائسها وتعقبها في الجحور المظلمة.
    وتمتلك بعض الحيوانات المقدرة على كشف تغيرات الضغط الجوي، فالحمام مزود بمقياس ارتفاع فيزيولوجي دقيق حساس لتغيرات الضغط الجوي في حدود تمتد من 1 إلى 100ملم ماء، وهذا يسمح للطائر بإدراك تغير الارتفاع لأقل من 10م.
    وتزوِّد مستقبلات الضغط المنتشرة في جدار الكيس السباحي الأسماك بمعلومات عن التغيرات الطفيفة في الضغط الهيدروستاتيكي (معرفة الحيوان بارتفاع عمود الماء فوقه) وسرعة انتقاله العمودي داخل الماء إضافة إلى اتجاهه. أما أعضاء الخط الجانبي فتزود الأسماك بمعلومات عن الحركات والتيارات المائية التي تسببها الحيوانات المتحركة من حولها، وكذلك استشعار العقبات التي تعترضها من خلال إدراك الموجات المائية المنعكسة عن الأشياء بحسب طبيعتها.
    وهناك إحساس التوجه البوصلي (التوجه بالبوصلة)، ويقصد به مقدرة الحيوانات على التوجه إلى الهدف بزاوية محددة دون استخدام الموجهات. ويمكننا عموماً تمييز ثلاث محددات تستخدمها الحيوانات في هذا النمط من التوجه:
    أـ إحساس البوصلة الشمسية: إذ يمتلك العديد من الحيوانات المقدرة على التوجه وتحديد الاتجاه من خلال موقع الشمس. ونحن البشر قادرين أيضاً على ذلك إذا لم ننس أن الشمس تشرق من الشرق وتختفي من الغرب. وتمتلك جميع الكائنات الحية بما فيها المملكة الحيوانية الآليات الفيزيولوجية الضرورية من أجل قياس الزمن، أي المقدرة على التوجه الزمني (الساعة البيولوجية Biological clock) والمرتبطة بالتغير الدوري والمتكرر لشدة الظواهر البيولوجية وخصائصها (الإيقاعات البيولوجيـة Biological rhythms). ويسود الاعتقاد بأن الحيوانات تستطيع إدراك الزمن من خلال مقدرتها على تفسير وتأويل إشارات ساعاتها الداخلية والمسيطر عليها من قبل الإيقاعات الخارجية الدورية ومن بينها حركة الشمس والقمر والنجوم مقدمة لها معلومات عن التوقيت اليومي والشهري والسنوي.
    وتتطلب الملاحة بالاعتماد على البوصلة الشمسية إدراك الحيوان لارتفاع الشمس وحركتها في الأفق ومقدرته على إجراء قياسات تصحيحية يومية وفصلية وسنوية لخط سيرها. فمقدرة الطيور على استخدام الشمس كبوصلـة، اكتشـفت من قبل كرونرKroner عام (1961)، وتشير الدلائل المتوفرة حتى اليوم إلى مقدرة الحمام على استخدام البوصلة الشمسية بدقة كافية في ملاحته، فمن خلال إدراكه لتغير ارتفاع الشمس في الأفق يستطيع تحديد موقعه على خط العرض، أما موقعه على خط الطول فيحدده من خلال إدراكه لسمت الشمس مع التصحيح الزمني. وتعد هذه المعلومات كافية نظرياً على الأقل من أجل خلق خارطة مكافئة (حس الخارطة).
    وينتشر التوجه بموقع الشمس لدى مختلف الحشرات، وخاصة لدى النمل والنحل، فلدى مغادرة النحل (الكشاف) الخليةبهدف البحث عن موقع الغذاء، يرتاد مختلف أماكن وجوده المحتملة وفق مسار متعرج، وحالما يكتشف موقع الغذاء يعود وفق مسار مباشر إلى الخلية ليقوم بنقل المعلومات المحفوظة في ذاكرته عن مسافة وجهة وجود الغذاء، وحتى قيمته الغذائية بوساطة وسيلة الاتصال الإحيائي الرئيسة لديه وهي الرقص التعرجي على ألواح الشمع الشاقولية في الخلية المظلمة. ومن خلال الزاوية بين محور الرقص والمحور الرأسي للقرص يخبر بقية أفراد المجموعة عن الزاوية بين اتجاه الشمس واتجاه الغذاء. ومع حركة الشمس باتجاه الغرب، فإن محور الرقص يدور بعكس عقارب الساعة. أما استمرارية الرقص فتشير إلى بُعد الغذاء عن الخلية، مع العلم أن النحل يستطيع تقدير المسافة من خلال إدراكه لكمية الطاقة المصروفة في أثناء الطيران.
    ب ـ البوصلة الفلكية: تستطيع الحيوانات تحديد الاتجاه في الليل وبدقة كبيرة، بالاعتماد على موقع النجوم والتنسيق العام للقبة السماوية. فطيور الدرسة Passerina cyanea التي لم تر السماء مطلقاً لا تستطيع التوجه في زمن الهجرة. وتتعلم البطة البرية Anas platyrhynchos التعرف على المكان المحدد للنجوم، كاستخدام نجم القطب من أجل تحديد الاتجاه نحو الشمال. وبخلاف التوجه البوصلي بالاعتماد على موقع النجوم وإمكانية الاستفادة منه في حس الخارطة، فإن مقدرة الطيور على استخدام القمر كعلامة اتجاهية لم تتأكد بعد.
    ج ـ البوصلة المغناطيسية: تعتمد الكثير من الحيوانات في توجهها الفراغي على الحقل المغناطيسي للأرض، فالحمام الزاجل الذي يحرم من إمكانية استخدام الموجهات الطبوغرافية والفلكية يبقى قادراً على التوجه، في حين يضطرب توجهه في الظروف نفسها لدى تثبيت مغناطيس صغير على الرأس. ويعتقد بأن الحمام الزاجل يمتلك المقدرة على استخدام منظومة ربط مزدوجة تتيح له تحديد خط العرض بالاستفادة من المعلومات المغناطيسية للأرض (الجاذبية) وخط الطول بالاعتماد على القوة النابذة للأرض.
    وتعتمد الحيوانات في توجهها البوصلي على مغانط صغيرة اكتشفت لدى البكتريا والبلاناريا والنحل والحمام وبعضالثدييات المائية. ولا تختلف البوصلة المغناطيسية لدى هذه الحيوانات في طبيعتها عن تلك التي يستخدمها البشر، فبلورات أكسيد الحديد المغناطيسي المكتشفة في شبكية الحمام مشابهة لتلك المستخدمة في صنع البوصلة البشرية، وتأخذ شكلاً متطاولاً وتوجهاً محدداً (مستقطب) في الحقل المغناطيسي. وإذ بات من المؤكد توجه بعض الحيوانات بالحقل المغناطيسي للأرض، فإن علاقة هذا التوجه بالساعة البيولوجية (الساعة الداخلية) وإمكانية الاستفادة منه في حس الخارطة مازالت غير مؤكدة.

    جرجس ديب

  7. #217
    ثابتة الحرارة ( الحيوانات ـ)

    الحيوانات ثابتة الحرارة Homeotherms هي الحيوانات التي تحافظ على درجة حرارة جسمها ثابتة رغم تبدل درجة حرارة الوسط الذي تعيش فيه، وهي تقوم بذلك بفضل آلية تنظيـم فيزيائيـة أو كيميائية، يكون الدور الأساسي فيها للجملة العصبية. والواقع أنه منذ 200 سنة تقريباً دخل تشارلز بلاغدن CH.Blagden، وكان حينها أميناً للجمعية الملكية في لندن Royal Society ofLondon، غرفةً درجةُ الحرارة فيها 126 ْ مئوية، واصطحب معه فيها كلباً (في سلة كي لا تشوى أطرافه) وقطعة لحم نيئة. مكث بلاغدن في هذه الغرفة مع ما صاحبه 45 دقيقة، وخرج منها مع كلبه دون أن يتأثرا، في حين شويت قطعة اللحم وأصبحت صالحة للأكل.
    تختلف الحيوانات ثابتة الحرارة فيما بينها من حيث حرارتها الداخلية. فدرجة حرارة الإنسان هي نحو 37 ْ، والكلب 38 ْتقريباً، والقطة 38.5 ْ، والثور 39.5 ْ، والعصافير الصغيرة تصل حرارتها إلى 40 ْـ 41 ْ، أَمَّا طائر أبي الحناء (وهو من العصافير الصغيـرة أيضاً) فتصـل حرارتـه إلى 40.4 ْـ 44.6 ْ، والشحرور إلى 41 ْـ 45.1 ْ، وهي لدى الصقر42 ْـ 44.6 ْ.
    كما أن هذه الدرجة تختلف من مجموعة لأخرى. فالثدييـات تراوح درجة حرارتها بين 36 ْ و38.5 ْ، والطيور بين 36 ْو44.5 ْ، وذلك بحسب الأنواع. والزواحف تحافظ على درجة حرارة ثابتة عالية جداً، بتغييرها مواقعها واتجاهها نحو المواقع الحارة المشمسة لرفع حرارة جسمها بسرعة تصل إلى درجة واحدة في الدقيقة في الصباح عندما تكون درجة حرارة الهواء لا تتجاوز الصفر. وتستطيع الزواحف، بتغيير أوضاعها، أن تحافظ على درجات حرارتها في مجال ضيق جداً في الشمس الساطعة، وحين تغرب الشمس تفتش عن ملجأ لها لتخفف خسارتها للحرارة إلى أقل حد ممكن. وعندما تصير شروط الوسط سيئة، فإن هذه الحيوانات تدخل في سبات[ر] (بيات) طويل الأمد، يحدث خلاله تقنين كبير في غذائها الذي يزود الجسـم بالحرارة اللازمة للحيوان في أثناء السبات.
    وتتأثر هذه الحرارة بالعمر: فهي لدى الحيوانات الصغيرة غير منتظمة، لكنها تصير أكثر انتظاماً عندما تتقدم بالعمر. فالدجاجـة مثلاً لا تنتظـم درجة حرارتها إلا بعد مرور 65 ـ70 يوماً على انطلاقها من البيضة.
    كما تتغير الحرارة الداخلية بحسب ساعات اليوم. فالحرارة تكون عند الإنسان في حدها الأدنى 36.5 ْ عند السادسة صباحاً، وتصير في حدها الأقصى37.2 ْ عند الخامسة بعد الظهر. وتختلف هذه الأرقام أيضاً بحسب الأفراد.
    كما أن العمل العضلي يحرض على إجراء تغيير كبير في درجة حرارة الجسم. وكل منا يعرف أنه إذا قام بحركات عضلية عنيفة فإنه يدفأ بسرعة.
    أصل الحرارة الداخلية
    تستمد كل الحيوانات الحرارةَ اللازمة لها من مصدرين اثنين: من تحرر الطاقة الموجودة في المواد الغذائية بتفاعلات الاستقلاب[ر] (الأيض) التي تتم في الخلايا، ومن الوسط الخارجي الذي تعيش فيه. لذلك تُمَيَّز مجموعة من الحيوانات تستطيع أن تحافظ على درجة حرارة جسمها ثابتة مهما كانت درجة حرارة الوسط، معتمدة في ذلك على الاستقلاب الذي يُوَلِّد الحرارة اللازمة لها، لذا تسمى الحيوانات ثابتة الحرارة Homeotherms أو داخليات الحرارة Endotherms، وهذه حال الطيور والثدييات، وكانت تسمى ذوات الدم الحار، ومجموعة من الحيوانات لا تستطيع توظيف الاستقلاب لتأمين كل حاجاتها من الطاقة الحرارية بصورة كاملة، بل تعتمد، لكي ترفع درجة حرارة جسمها، على الحرارة التي تستمدها من الوسط أكثر من اعتمادها على حرارة الاستقلاب، لذلك يطلق عليها اسم الحيوانات متبدلات الحرارة Poikilotherms أو خارجية الحرارة Ectotherms، وهذه حال اللافقاريات والأسماك والبرمائيات والزواحف، وكانت تسمى ذوات الدم البارد.
    وأهم منابع الحرارة لدى الحيوانات هو الجهاز العضلي الذي يعطي 32.3% من حرارة الجسم، ثم يأتي الكبد وأنبوب الهضم، وهما يطلقان معاً 17.5%، أما القلب الذي يعمل باستمرار فيولد 5% من الطاقة التي يطلقها الكائن، وكذلك الغدد والكليتين، وتعطي بقية الأعضاء ما يقارب 21.5% من الحرارة الداخلية.
    تنظيم الحرارة الداخلية
    تشمل آليات التنظيم عدداً من التفاعلات الكيميائية التي تسيطر عليها أنزيمات مختلفة. ونعلم أن نشاط الأنزيمات تسيطر عليه عوامل عدة، ومنها الحرارة. لذلك فإن أي تغير في درجة حرارة الجسم تؤدي إلى تغير كبير في التوازن الكيميائي الموجود في الجسم.
    ويستطيع الحيوان ثابت الحرارة تنظيم حرارته من خلال مقاومته للبرد، الأمر الذي يتم عبر توليد الحرارة، ومن خلال مقاومة الحر الذي يعتمد على ضياع الحرارة، وذلك بآلية تنظيم معقدة.
    مقاومة البرد: لدى انخفاض الحرارة، تتضيق الأوعية الدموية قرب سطح الجلد، مما يؤدي إلى قلة ضياع حرارة الجسم عبر الجلد. كما يزداد النشاط الاستقلابي، الذي يعود بعضه إلى زيادة الفعالية العضلية (مثل الرجفان وتناوب الوقوف من رجل إلى أخرى)، ويعود بعضه الآخر إلى عوامل هرمونية تتدخل في عمليات الاستقلاب. فالنشاط العضلي يزيد إنتاج الحرارة وذلك بزيادة أكسدة الغلوكوز وبفعل الاحتكاك.
    إن المحرك الأول للطاقة الكيميائية هي الأعصاب المستقلة الذاهبة إلى النسيج الشحمي، التي تحرض تحلل الدسم، وكذلك تحرض إفراز الإبينيفرين من لب الكظر. ويزداد نشاط الغدة الدرقية لدى بعض الحيوانات كرد فعل للبرودة، الأمر الذي يزيد من معدل الاستقلاب. وقد يزداد أيضاً إفراز الكورتيزول من قبل قشرة الكظر بفعل البرودة. فإذا علمنا أن إفراز كلا المادتين يتم بوساطة من الوطاء (تحت المهاد hypothalamus) والجسم المخطط في الدماغ لأدركنا مدى التكامل الفيزيولوجي بين العوامل الهرمونية والعصبية في جسم كل كائن.
    مقاومة الحر: تقاوم الحيوانات الحر بزيادة الإشعاع الحراري الناتج من توسع الأوعية الدموية الجلدية، فيتدفق الدم باتجاه الجلد، فإذا كان الهواء أبرد من الجلد انطلقت الحرارة إلى الهواء.
    ويزداد الإشعاع الحراري من سطح الجسم بزيادة التعرق أو اللعاب. فعند الإنسان ومعظم الحيوانات الكبيرة (كالحصانوالثور والخنزير) يبدأ التعرق لدى ارتفاع حرارة الجو. فالتعرق يتطلب طاقة حرارية يستمدها الحيوان من سطح الجسم. وهكذا يبرد الدم الموجود تحت سطح الجلد.
    أما الحيوانات التي لا تملك غدداً عرقية، مثل الكلب والأرنب، فإنها تضيع حريراتها عن طريق تسـارع حركات التنفس. فالكلب يتنفس في حالة الراحة بمعدل 24 مرة في الدقيقة، لكن يصل ذلك إلى 240 مرة في الدقيقة بعد سباق طويل، ويتجلى ذلك بوضوح في لهاثه الشديد وتدلي لسانه ووضوح تبخر اللعاب من فمه، الذي يفتحه في أثناء ذلك، مساهمة منه في تسهيل فقدان الحرارة الداخلية. وكذلك الأمر عند العصافير التي تصل حركاتها التنفسية إلى 300 مرة في الدقيقة. كما تلجأ بعضالثدييات التي لا تتعرق، مثل القوارض، إلى تبليل فرائها بلعابها، مما يساعد في خسارة حرارة جسمها.
    بعض ترتيبات التنظيم الحراري الخاصة
    تملك الحيوانات القطبية آليات خاصة تقاوم بها البرد القارص. مثل وجود طبقات شحمية كثيفة تحت الجلد تحفظ به الحرارة الداخلية وتمنعها من الانتشار والضياع.
    كذلك تقوم الأطراف بدور كبير في التنظيم الحراري لديها، فأطراف الثدييات القطبية أقصر من أطراف مثيلاتها في المناطق المعتدلة وأثخن منها، لكن حرارة هذه الأطراف أقل بكثير من حرارة بقية الجسم بالرغم من غزارة الدم الوارد إليها. والواقع أن أطراف هذه الحيوانات تستطيع مقاومة البرد أكثر من أي عضو آخر في الجسم، بسبب وجود ترتيب وعائي خاص فيها يسمى الشبكة الخارقة rete mirabile تتمثل بتوازي الشرايين الذاهبة إلى هذه الأطراف والأوردة الآتية منها وتَلامُسِ بعضها مع بعض. فالشرايين التي تحمل الدم الحار إلى الأطراف تمر موازية وملاصقة للأوردة التي تغادر الأطراف باتجاه القلب، الأمر الذي يؤدي إلى انتقال حرارة الدم الشـرياني إلى الدم الوريدي، وهكـذا يقوم الدم الشرياني الساخن بتسخين الدم الوريدي البارد الآتـي من المحيط، وبالتالـي لا يتسـنى لحرارة الدم (الحرارة الداخلية) الوصول إلى نهاية الأطراف، ومن ثم لا يضيع في الوسط البارد إلا القليل من الحرارة. وهكذا تبقى نهايات هذه الأعضاء منخفضة الحرارة، الأمر الذي يشار إليه فيزيولوجياً بـ«التيار المضاد» أو «التيار المتعاكس» Counter Current. توجد مثل هذه الترتيبات الوعائية أيضاً في زعانف وأذناب الحيتـان وعجول البحر، وكذلك في أجنحة طيور البطريق[ر] وأطرافه السفلية، وأطراف الحيوانات التي تخوض في الماء مثل اللقلق ومالك الحزين.
    وتجدر الإشارة إلى أن الترتيبات الوعائية اللازمة لحدوث التيار المضاد لا يقتصر وجودها على حيوانات المناطق الباردة. فبعض الثدييات الاستوائية مثل الكسلان واللوريس والمدرع وآكل النمل حساسة جداً لتغيرات حرارة الوسط، فهي ترتجف عندما تنخفض درجة حرارة الوسط الذي تعيش فيه، ويعمل أيضاً عندها مبدأ التيار المضاد لحفظ حرارة الحيوان دون حاجة كبيرة إلى زيادة الاستقلاب لديه.
    وُيذكر كذلك أن هناك آلية عزل فعالة لدى بعض الحيوانات تتمثل بوجود الوبر والريش والشعر الغزير التي تؤمن العزل والحماية، فتنتصب هذه العناصر بسبب القشعريرة التي تقوم بها عضلات هذه الأعضاء، فتتشكل طبقة عازلة من الهواء تمنع ضياع الحرارة عبر الجلد. حتى أن أحد القوارض وهو جرذ الماسك musk rat (يعيش قرب الماء ويمضي بعضـاً من الوقت منغمراً فيه) يحتفظ في فرائه بطبقة رقيقة من الهواء أثناء انغماره في الماء، تقوم بدور طبقة عازلة بينه وبين الماء الذي يسبح فيه.
    وتمتاز أعماق المحيطات بدرجات منخفضة من الحرارة، لذا تقاوم الحيوانات التي تغطس إلى تلك الأعماق البرودة بإيقاف الدوران الجلدي لديها، كما تحول دورانها الدموي إلى الأعضاء المهمة في الجسم كالدماغ.
    حسن حلمي خاروف

  8. #218
    الثدييات

    الثدييات Mammalia صف من الفقاريات. يوجد منها نحو 4000 نوعٍ، منها القطط والكلاب وحيوانات المزرعة كالماشية والخيل والبقر والغنم، ومنها أيضاً آكلات النمل والقرود والزرافات وأفراس النهر والكنغر والحيتان. أخذت أصولها من الزواحف في العصر الميزوزي وانتشرت في كل بقعة من الكرة الأرضية تقريباً، فهي توجد في المحيطات وعلى طول الشواطئ، وفي البحيرات والأنهار وتحت الأرض وعلى سطحها وعلى الأشجار، وبعضها غزا الجو.
    تمتاز بعدد من الصفات تميزها من باقي الفقاريات، أهمها:
    1- وجود الغدد الثديية التي تقدم الغذاء لصغارها بشكل الحليب.
    2- كما يغطي جسمها، أو أجزاء منه، شعر يختلف توزعه باختلاف الأنواع، وقد يختفي لدى بعض الزمر كما في الحيتان.
    3- يمتاز دماغها بزيادة حجمه مقارنة بالحيوانات الأخرى. ويمتاز بعضها كالشمبانزي والدلفين بدرجة عالية من الفهم والإدراك.
    4- أسنانها ثلاثة أنواع، قواطع وأنياب وأضراس.
    5- يفصل الصدر عن البطن حجاب حاجز.
    6- هي كالطيور ثابتة الحرارة[ر] لوجود جهاز ينظم الحرارة الداخلية لديها.
    7- إضافة إلى أنها حيوانات ولودة، يتطور الجنين في أجواف الجهاز التناسلي للأم.
    أجسام الثدييات: تعد أكثر الحيوانات شبهاً بالإنسان من الناحية الفيزيولوجية. لذلك يستخدم الكثير منها لإجراء التجارب عليها، وأشهرها الفئران والكلاب والأحصنة والقردة.
    الجلد والشعر: يغطي جسم الثدييات جلد يتكون من طبقة داخلية هي الأدمة dermis وأخرى خارجية هي البشرةepidermis (الشكل-1). تحتوي الأدمة على الشرايين والأوردة التي تحمل الدم. أما البشرة فهي خاوية من الدم، وتعمل على حماية الأدمة.
    ويحوي الجلد عدداً من الغدد (الشكل-2)، منها الغدد اللبنية التي تنتج الحليب الذي تستخدمه الثدييات في إرضاع صغارها. وهناك غدد دهنية تنتج مادة دهنية تلين الشعر والجلد. وتقوم الغدد العرقية بتخليص الجسم من كميات قليلة من الفضلات السائلة والمساعدة في ترطيب الجسم بتبخر العرق. وتحتوي أجسام كثير من الثدييات على غدد عطرية تستعملها، كالكلاب، في أغراض الاتصال والاستدلال، بينما تستعملها الظربان الأمريكية وسيلة دفاعية كونها ذات رائحة كريهة.
    الهيكل: يمتاز هيكل الثدييات بأن عظامه أكثر تعظماً من باقي الزمر الحيوانية. ويتألف هيكل الثدييات من عدة أقسام، هي هيكل الرأس والجذع والأطـراف (الشكل-3).
    1- هيكل الرأس: ويشمل الجمجمة[ر] التي تضم القحف الذي يحوي داخله الدماغ، وهيكل الوجه الذي تحفظ عظامه أعضاء الحس في الرأس.
    2- الجذع: ويتألف من العمود الفقري الذي يتألف من خمسة أنواع من الفقرات هي: الفقرات الرقبية والفقرات الظهرية والفقراتالقطنية والفقرات العجزية والفقرات العصعصية أو الذيلية. وتوجد لدى الثدييات، ماعدا خراف البحر والكسلان، سبع فقرات عنقية. أما باقي أنواع الفقرات فيختلف عددها باختلاف نوع الحيوان الثديي. كما يتألف الجذع من القفص الصدري الذي يتألف من الأضلاع التي ترتكز على الفقرات من الخلف وعلى القص في الأمام، ليحمي القلب والرئتين.
    الشكل (3)
    3- هيكل الأطراف: وهو مبني بحسب الخطة نفسها في كافة الفقاريات رباعيات الأرجل. لكنه يبدي تبدلات عميقة للتكيف مع الأنماط المختلفة للحياة ومع طبيعة حركات الثدييات.
    يرتكز كل من الطرفين الأماميين على الهيكل العظمي بزنار كتفي يتألف في الأساس، ماعدا وحيدات الثقب، من قطعتين هما لوح الكتف ذو الوضع الخلفي، والترقوة ذات الوضع الأمامي. أما العظم الغرابي فهو عبارة عن نتوء يبرز من لوح الكتف.
    ويرتكز كل من الطرفين الخلفيين على آخر العمود الفقري بزنار حوضي يتمثل بالحوض المؤلف من التحام ثلاثة أجزاء هي الحوض والورك والعانة.
    جهاز الهضم: يتألف من مجموعة من الأجواف والأعضاء التي تُسهم في معالجة الأغذية وتحويلها إلى مواد قابلة للتمثل لتغذية الكائن ولاختزان جزء منها لحين الحاجة. ويتألف الجهاز، أساساً، من الفم الذي يحتوي على اللسان والأسنان، يأتي بعده البلعوم والمريء والمعدة والأمعاء.
    ويختلف الجهاز باختلاف نوع الغذاء الذي تتناوله. فالثدييات اللاحمة يكون جهازها الهضمي بسيطاً نسبياً وبه أمعاء قصيرة، ولها أسنان طويلة مدببة تمزق الغذاء (الأنياب والأضراس)، أما آكلات الأعشاب (المجترات) فلها معدة معقدة التركيب تتألف من أربعة أقسام هي الكرش والقلنسوة وذات الورق والمنفحة (الشكل-4) تقوم بهضم الغذاء مستعينة ببعض الكائنات الدقيقة التي تعيش فيها، ولها أسنان طاحنة مجهزة بحدبات تساعد في طحن الحشائش.

    الشكل (4) ترسيم لأجواف معدة المجترات
    جهاز الدوران: يتألف من القلب والأوعية الدموية. وللثدييات قلب مؤلف من أربعة أجواف، تقوم بضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم، ويقوم الدم بدوره بنقل الغذاء والأكسجين إلى أنسجة الجسم، حيث يتم حرقها لإنتاج الطاقة.
    ويتألف دم الثدييات من بلاسما تحتوي على عناصر خلوية هي الكريات الحمر الملونة باللون الأحمر بسبب الهيموغلوبين، وهي خلايا مقعرة الوجهين دون نواة، ماعدا الجمليات ذات الكريات الحمر محدبة الوجهين وذات نواة، والكريات البيض غير الملونة والمزودة بنوى قد تكون وحيدة وقد تكون متعددة، والصفائح الدموية .
    جهاز التنفس: ويتكون من رئتين وقنوات مختلفة تؤدي إلى فتحتي الأنف التي توجد لدى معظم الثدييات في نهاية الخطم، بينما تقع لدى الحيتان والدلافين، وفيها توجد فتحة واحدة بدلاً من اثنتين، أعلى قمة الرأس.
    الجملة العصبية: الجملة العصبية لدى الثدييات أعقد مما هي عليه في أي من الفقاريات الأخرى. وهي تتألف من جملة عصبية مركزية وجملة عصبية حشوية أو ذاتية. تتمثل الجملة المركزية بالمحور الدماغي الشوكي الذي يتألف من الدماغ ويسكن الجمجمة، ويتصف بكبره نسبة للفقاريات الأخرى، وخاصة نصفي الكرة المخيين والمخيخ، ومن النخاع الشوكي الذي يسكن القناة الشوكية في العمود الفقري، والأعصاب التي يُمَيَّزُ منها أعصاب قحفية يبلغ عددها 12 شفعاً، تخرج من الدماغ، وأعصاب شوكية تخرج من النخاع الشوكي.
    أما الجملة العصبية فتتمثل بالجملة الودية ونظيرة الودية، وهما تتحكمان بفعاليات الوسط الداخلي للجسم، التي هي في الحالة الطبيعية غير إرادية، مثل النظم القلبي والحركة الحولية للأمعاء والتعرق.
    الجهاز البولي والتناسلي: يتألف الجهاز البولي لدى الثدييات من كليتين، ينطلق من كل منهما حالب ينتهي في المثانة، ينطلق البول منها إلى الخارج عبر إحليل عند الذكر، في نهايته قضيب، وعند الأنثى، في المهبل. وتكون الكلية بسيطة كما في الإنسان والحصان، وقد تكون مفصصة كما في البقر والفيل والدب والحوت.
    يتألف الجهاز التناسلي لدى الذكر من خصيتين في النهاية الخلفية من الجسم، أو خارج الجسم في كيس جلدي هو كيس الصفن scrotum. ولا تنزل الخصية ضمن كيس الصفن عند بعض الثدييات إلا في فصل التكاثر. وللذكر قضيب واحد. أما القنوات الناقلة للنطاف فهي عبارة عن قنوات فولف الجنينية.
    أما لدى الإناث فتنطلق من كل من المبيضين قناة ناقلة للبيوض (قنوات موللر الجنينية)، تسمى عند الإنسان قناة فالوب، يتوسع الجزء السفلي منها ليتشكل الرحم حيث ينمو الجنين. ويبقى الرحمان منفصلين لدى الجرابيات، أما لدى المشيميات فهناك درجات مختلفة من الانصهار (شكل-5). ويحمي الجنين، كما في الزواحف والطيور، أغشية جنينية هي الأمنيون amnion.
    تمتاز الثدييات بتكون أجنتها في جوف الرحم، حيث يستمد الجنين غذاءه من جسم الأم عبر بنية خاصة تتشكل بين الجنين وجدار الرحم تسمى المشيمة placenta. وتختلف مدة «الحمل» من مجموعة لأخرى. فهي 3 أسابيع لدى الفأر، و18-24 شهر لدى الفيل. وبصورة عامة هي قصيرة لدى الأرانب والجرذان والفئران والقنافذ والكلاب والهررة، وطويلة لدى الحيوانات ذات التعضي الراقي السريعة الحركة كالحافريات والحوتيات.
    حياتها
    يعيش كثير من الثدييات في مجموعات يضم كل منها عدداً من الأفراد يتألف في الغالب من ذكر وأنثى مكتملَي النمو إضافة إلى نسلهما، كما في القردة. وقد تحتوي بعض المجموعات، مثل الذئاب، على عدة أفراد مكتملة النمو مع صغارها. وهناك نوع آخر من المجموعات يضم ذكراً واحداً وعدداً من الإناث مكتملة النمو وصغارها كما في قطعان الحمر الوحشية.
    وللمعيشة الجماعية مزاياها، فالذئاب والأسود وغيرها من المفترسات تتعاون جميعها في الالتفاف حول الفريسة وإحضارها للأفراد الآخرين للقطيع. كما تستفيد الفرائس أيضاً من الحياة الجماعية، فإذا شعر أحد الغزلان مثلاً بالخطر فإنه يحذر القطيع من الخطر الداهم. وفي أنواع أخرى مثل ثيران المسك تجتمع المجموعة في تشكيل دفاعي متآزر للحماية من خطر الحيوانات المفترسة.
    وهناك بعض الثدييات تقضي معظم حياتها وحيدة في حياة انعزالية، كالنمور ومعظم السنوريات الأخرى (باستثناء الأسود). وحتى هذه الثدييات فإنها قد تقضي بعض الوقت مع أعضاء من نوعها، فتجتمع الذكور والإناث سوية عند التزاوج، وتبقى الأم مع صغارها إلى أن يحين موعد الفطام.
    والاستيطان أحد أشكال السلوك المعيشي تسعى إليه بعض الحيوانات للاستيطان في منطقة معينة تقوم بالدفاع عنها وحمايتها، بينما تبقى أعضاء أخرى من النوع نفسه خارج تلك المستوطنة. وتقوم كثير من الثدييات بتأسيس مستوطناتها في أثناء فترة التزاوج، فيقوم ذكر الفقمة مثلاً بتأسيس مستوطنته قبل بدء الجِماع، ثم يَطرد الذكورَ الأخرى خارج المستوطنة محاولاً في الوقت نفسه أن يجمع فيها أكبر عدد ممكن من الإناث.
    وتحدد الثدييات حدود مستوطناتها بطرق مختلفة. والضباع مثلاً تستعمل مخلفاتها الصلبة، وكذلك الروائح التي تفرزها غدد معينة في جسمها، لإظهار حدود مستوطناتها، بينما تستعمل قطعان الذئاب البول علامة على تلك الحدود.
    وتدافع الثدييات عادة عن مستوطناتها بالتهديد والوعيد وليس بالعراك أو المشاجرات الحقيقية، كأن تقوم مثلاً مجموعة من القردة النابحة بالصياح والنباح لإبعاد القردة الأخرى عن المستوطنة.
    تطور الثدييات وتصنيفها
    أخذت الثدييات أصولها من الزواحف الثديية Therapsida، وربما حدث ذلك في العصر الترياسي من الحقب الثاني. ويميز علماء المستحاثات بعد ذلك ثلاثة خطوط تطورية للثدييات، يعتقد أن أحدها قاد إلى حيوانات بيوضة هي وحيدات الثقبMonotremata التي بقي منها حياً البلاتيبوس بَطّي المنقار duck-billed Platypus وقنفذ النمل (آكل النمل ذي الأشواك) (شكل-6)، حيث يتغذى الصغير بعد خروجه من البيضة بحليب الأم الذي تفرزه أثداؤها، لذلك وضعت في صفيف infraclass يسمى الثدييات الأوالي Prototheria، وهي تعد أكثر الثدييات ابتدائية.
    وفي خط تطوري آخر ظهرت الجرابيات[ر] Marspialia التي توجد في أسترالية، وتضم الكنغر والكوالا والحيوانات الشبيهة بهما. وهي حيوانات ولودة، إلا أن مواليدها تكون بحالة بدائية، لذلك تنقلها الأم إلى جيب بطني لها حيث تتابع تناميها وتتغذى بحليب أثداء الأم. وتشكل هذه المجموعة صفيف تاليات المشيمة Metatheria.
    ووضعت حيوانات الخط التطوري الثالث في صفيف حقيقيات المشيمة Eutheria الذي يضم الثدييات الحقيقية، التي تلد صغارها أكثر تطوراً، وتمتاز بالمشيمة التي تتألف من عناصر نسيجية من الأم والجنين، تقوم بتغذية الجنين الموجود في الرحم.
    تعد حقيقيات المشيمة أكثر الثدييات انتشاراً، وتكيفت مع البيئات كافة، على اليابسة وفي الماء والجو، التي من أهمها:
    1- آكلات الحشرات Insectivora: وتضم المناجذ (المناجذ مفردها الخلد) والـقنافذ hedgehoges والذَبابات shrews، وهي تتغذى بالحشرات، وتعد أكثر الثدييات المشيمية بدائيةِ وأقرب الثدييات إلى أسلاف الثدييات المشيمية. والذَبابة من أصغر الثدييات الحية، إذ إنَّ بعضها يزن أقل من خمسة غرامات فقط.
    2- الخفافيش (الثدييات الطائرة) Chiroptera: وهي ثدييات تكيفت للطيران بتطاول أصابع أطرافها الأمامية واتصال هذه الأصابع بعضها ببعض بغشاء جلدي يصلها بأرجلها وجسمها على شكل الجناح. وهي تتغذى بالحشرات والفواكه، لكن بعضها يتغذى بدماء الحيوانات الأخرى. والخفافيش تتحسس ما حولها بإصدار ذبذبات فوق صوتية ترتد إليها وتتلقاها أجهزة تتحسس بها وتتعرف بها على ما حولها.
    3- اللواحم Carnivora: وتضم القطط والكلاب والذئاب والثعالب والدببة وأسود البحر. وكلها آكلات لحم ذات أنياب حادة مدببة وأضراس ممزِّقة.
    4- القوارض Rodentia: وتضم السناجيب والفئران والجرذان والهامستر وخنازير الهند. وهي ذات قواطع حادة شبيهة بالإزميل.
    5- عديمات الأسنان (الدُّرُد) Edenata: وتضم آكلات النمل والمدرع (أرماديللو) وهي دون أسنان.
    6- مزدوجات الأصابع Artiodactyla: التي تضم الغنم والماعز والخنازير والزرافات والغزلان. وهي حيوانات عاشبة ذات حوافر، مزدوجة الأصابع.
    7- مفردات الأصابع Perissodactyla: وتضم الأحصنة وحمير الوحش (الزيبرا) والتابير والكركدن (وحيد القرن وذو القرنين). وهي حيوانات عاشبة أيضاً ذات حوافر لكنها مفردة الأصابع.
    8- الخرطوميات Proboscidea: وتضم الفيلة وفيل الماموث. ولها خرطوم عضلي طويل وأنياب طويلة (عاج الفيل). وهي أكبر الحيوانات، وقد يصل وزنها إلى 7طن.
    9- الخَيلانيات (عرائس البحر) Sirenia: وهي في طريق الانقراض. عاشبة أطرافها الأمامية تشبه الزعانف ودون أطراف خلفية. وهي تعيش في الماء وتضم خراف البحر.
    10- الحوتيات Cetacea: وتضم الحيتان والدلافين. وهي ثدييات بحرية، لجسمها شكل السمك، وأطرافها الأمامية تشبه الزعانف ودون أطراف خلفية، ويغطي جسمها طبقة ثخينة من المادة الدسمة. أكبرها الحوت الأزرق الذي قد يصل طوله إلى 30متراً ووزنه 135طن.
    11- الرئيسات Primates: كالليمور والشامبانزي والقرود والسعادين والإنسان. وهي ذات أدمغة وعيون رفيعة التطور، ولها أظافر بدلاً من المخالب، وإبهام اليد أو الرجل تتقابل مع باقي الأصابع، كما أن عيونها موجهة للأمام.
    حسن حلمي خاروف

  9. #219
    الثمرة

    الثمرة fruit عضو نباتي حافظ للبذور وناشر لها، خاص بشعبة النباتات مغلفات البذور، ناتج من تنامي المبيض وتحولاته.
    تكوُّن الثمرة: يبدأ تكون الثمرة من المبيض مباشرة بعد الإلقاح مقروناً بتكون البذور الناتجة عن تحولات البييضة الموجهة بالهرمونات النباتية الأوكسينية[ر].
    بنية الثمرة: تتكون الثمرة من القشرة والبذور. وتقسم القشرة إلى غلاف خارجي، وآخر متوسط، وثالث داخلي. وللقشرة نموذجان: القشرة الجافة وتتميز بقساوة غلفها الثلاثة، والقشرة البدينة وتتميز بطراوة غلفها الثلاثة أو بعضها وماويتها. أما البذور فتكون واحدة في الثمرة أو أكثر.
    تصنيف الثمار
    تُقسم الثمار إلى قسمين رئيسين: الثمار الحقيقية الناتجة من تنامي المبيض كما في قرون الفول، والثمار الزائفة الناتجة من تنامي المبيض وبعض المكونات الزهرية كالكأس والتويج وكرسي الزهرة كما في التفاح مثلاً.
    أ- الثمار الحقيقية: تقسم الثمار الحقيقية اعتماداً على بنية مكوناتها القشرية إلى:
    1- الثمار الحقيقية الجافة المبهمة غير المتفتحة وحيدة البذرة المسماة: أكينة Ackene وجمعها أكينات ومثالها: حبة القمح وتسمى: برة، وجناحية المران المسماة: سمارة Samara، وثنائية جناح القيقب، وريشة الكليماتيس Clematis، وإكليل الهندباء (الشكل-1).


    بعض نماذج الثمار المبهمة غير المتفتحة: أ- الثمرة البندقة: الشكل العام موضحاً منطقة الانفصال،
    ب- مقطع طولي موضحاً القشرة والبييضة المجهضة والحزم الوعائية البذرية والفلقة
    والجذير، ج-ثمرة القيقب، د-ثمرة فصومة إلى قطع أحادية البذرة،
    هـ- ثمرة الفجل السلكية غير الفصومة.



    2- الثمار الحقيقية الجافة المتفتحة العديدة البذور وتسمى: علبية ومثالها: فلاّقية المغنوليا المتفتحة بشق واحد، وقرن الفول المتفتح بشقين، وسُلكية الخردل المتفتحة بأربعة شقوق، وسُليكية شرابة الراعي المتفتحة بأربعة شقوق، وثقوبية الخشخاش، ودوارية الأناغاليس والبقلة (الشكل-2).


    بعض نماذج الثمار المتفتحة: 1: الثمرة الفلاقية المتفتحة بشق واحد، ب: الثمرة القرنية المتفتحة بشقين،
    ج: الثمرة السلكية المتفتحة بأربعة شقوق، د: ثمرة علبية حاجزية التفتح، هـ: ثمرة علبية
    حجيرية التفتح، و:ثمرة علبية دائرية التفتح، ز: ثمرة علبية ثقوبية التفتح.



    3- الثمار الحقيقية الماوية النووية: وهي ثمار أحادية البذرة، ماوية الغلافين الخارجي والمتوسط، مثالها ثمار: البرقوق والكرز والخوخ (الشكل-3) واللوز والدراق والزيتون والجوز.

    الشكل (3)
    نماذج من الثمار العنبية: وهي ثمار ماوية متميزة بنواة داخلية داخلية صلبة أحادية البذرة.
    4- الثمار الحقيقية الماوية العنبية: وهي ثمار عديدة البذور عادة، ماوية الغلف الثلاثة: الخارجي والمتوسط والداخلي، مثالها ثمار: البطيخ والعنب والبرتقال (الشكل-4) والبندورة والباذنجان والقريع واليقطين.


    الشكل (4)
    نماذج الثمار العنبية: وهي ثمار ماوية الغلف الثمرية الثلاثة: الخارجي والمتوسط والداخلي


    الشكل (5) مجمع من الثمار النووية الزائفة المسماة بالتوت
    ب- الثمار الزائفة: تقسم الثمار الزائفة اعتماداً على بنية المكونات الزهرية الداخلة في تكوينها إلى:
    1- الأنانسة: عنقود من الثمار النووية المتكونة حول الساق (الشكل-5).
    السيقونة cyconium أو التينة: ثمرة زائفة مكونة من نورة زهرية مقعرة غنية بالمواد السكرية، الثمرة الحقيقية نووية ممثلة بالبذور القاسية (الشكل-5).




    2- التوت: ثمرة زائفة مكونة من الغلف الزهرية الغنية بالمركبات السكرية، الثمرة الحقيقية نووية صغيرة.
    توت السياج: ثمرة زائفة مكونة من مجموعة من الثمار النووية ذات الغلف الخارجية والمتوسطية الغنية بالمواد السكرية (الشكل-6).
    توت العليق: ثمرة زائفة مكونة من مجموعة من الثمار النووية ذات الغلف الخارجية والمتوسطية الغنية بالمواد السكرية (الشكل-6).
    توت الفريز: ثمرة زائفة مكونة من كرسي الزهرة الغني بالمواد السكرية، الثمرة الحقيقية نووية (الشكل-6).


    3- التفاحة والأجاصة والسفرجلة: ثمرة زائفة مكونة من التحام كرسي الزهرة بجدار المبيض المكون من خمس ثمار فلاقية (الشكل-7).











    الشكل (6)
    مجمع من الثمار الزائفة المسماة بالتوت

    الشكل (7)
    مجمع من الثمار الفلاقية الزائفة التفاح والأجاص

    دور الثمار في الطبيعة
    تقوم الثمار في الطبيعة بحفظ البذور ونشرها بوساطة الرياح مثل ثمار الهندباء، أو جلود الحيوان مثل ثمار النفل، أو معدة وأمعاء الطيورالتي تنهي سبات البذور وتعدها للإنتاش مثل ثمار الدبق، أو بالبعثرة الذاتية مثل ثمار: الغرنوق والمجزاعة وقثاء الحمار.
    الثمار عديمات البذور: تنتشر بعض الثمار عديمات البذور بطرائق التحسين الزراعي مثل بعض ثمار العنب والبرتقال والموز والتين، ومن الثمار عديمات البذور ما يستحصل عليها باستخدام الهرمونات النباتية وخلاصات حبات الطلع.
    الثمار والإنسان: أدّت التغذية بالثمار، المعروفة بالفواكه والمستحصلة بالبستنة، إلى تحسين الثمار البرية وخاصة منها الثمار اللبية الماوية المطلوبة في التغذية مثل: العنب والموز والبرتقال والأناناس والتين. وتقدم الثمار للإنسان: السكريات والفيتامينات والنشاء مثل الموز والزيت مثل الزيتون. ويُصنِّف اختصاصيو البستنة الفواكه إلى ثلاثة أقسام (الشكل-8).


    فواكه المناطق المعتدلة: تزرع في المناطق المعتدلة والمناطق بين المدارية والمناطق القطبية. يتطلب إثمارها فصلاً سنوياً بارداً.
    فواكه المناطق شبه المدارية: تزرع في المناطق شبه المدارية. يتطلب إثمارها درجات حرارية معتدلة طوال السنة.
    فواكه المناطق المدارية: تزرع في المناطق المدارية. ولا تستطيع مقاومة الصقيع.
    أنور الخطيب

  10. #220
    ثنائيات الفلقة وأحادياتها

    ثنائيات الفلقة Dicotyledons وأحادياتها Monocotyledns (وقد أصبحت التسمية الحديثة لصف النباتات الثنائيات الفلقة لأمور تخصصية: صف المغنوليات Magnoliatae كما أصبحت تسمية أحاديات الفلقة صف الزنبقيات Liliatae)، صف من النباتات الزهرية المكونة لبذورٍ بادراتها ثنائية الفلقة أو أحاديتها. ينتمي صفا ثنائية الفلقة وأحاديتها إلى شعيبة مغلفات البذور[ر] Angiospermaeوشعبة ظاهرات الإلقاح[ر] Phanerogamae.
    يعد البيولوجي جون ري (1627-1705)Johen Ray أول من طرح فكرة اعتماد التصنيف النباتي على عدد الفلقات التي تحملها البادرات البذرية، وهكذا قسمت شعيبة النباتات المغلفات البذور إلى صف أحاديات الفلقة التي بادراتها تحمل فلقة واحدة، وصف ثنائيات الفلقة التي بادراتها تحمل فلقتين. وقد اعتمد هذا المعيار أساساً عملياً للفصل بين النباتات أحاديات الفلقة وثنائيتها من دون الرجوع إلى تشريح البذور أو تفحصها مع العلم بوجود بعض التداخلات الانتقالية بين الصفين.
    صفاتها الشكلية
    يختلف الشكل الخارجي لثنائيات الفلقة عن أحادياتها: فالسوق الهوائية في ثنائيات الفلقة غالباً متفرعة، بينما تبقى دوماً بسيطة في أحادياتها، والنورات على العكس بسيطة في الثنائيات ومتفرعة في الأحاديات.
    أغلب أحاديات الفلقة نباتات أرضية Geophytes أي تقضي الفصل الحرج في باطن الأرض بوساطة أعضاء ترابية كالجذامير والأبصال، بينما تبدي ثنائيات الفلقة أشكالاً عديدة متكيفة مع الحياة الهوائية فمنها دائم الخضرة ومنها ساقط الأوراق ومنها الكبير ومنها القزمي. كما أن الجذر الرئيس دائم الوجود في الثنائيات بينما يزول مباشرة بعد الإنتاش في الأحاديات.
    الأوراق متباينة في الزمرتين: فهي كثيرة متنوعة الأشكال والتعريق في صف الثنائيات: منها البسيطة والمركبة، والتامة والمفصصة والمقسمة والمشرمة، ومن تعريقات نصول أوراقها الريشي والكفي والمختلط وحتى المتوازي في بعض الحالات، بينما تكون الأوراق في الأحاديات دوماًً تامة متطاولة شريطية متوازية التعريق.
    ويبدو التباين الزهري في الزمرتين بصورة أوضح: فالقطع الزهرية في الثنائيات من النموذج الخماسي الأجزاء أو رباعيها، بينما تكون القطع الزهرية في الأحاديات من النموذج الثلاثي الأجزاء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التميز بين القطع الكأسية والقطع التويجية في الثنائيات وعدم التميز بينهما في الأحاديات وتسميتها بالبتلات tepals كما في الزنبق. كما أن البنية الزهرية في الفصيلة النجيلية[ر] Graminaceae شديدة التخصص مكونة من حشفة أولى خارجية تدعى غلوم glume وحشفة ثانية داخلية تدعى لامية lamea وحشفة ثالثة داخلية ثابتة تدعى بالية palea وهي تحورات في أكمام الأزهار.
    كذلك الأمر بالنسبة إلى تشكل رباعيات حبات الطلع التي تتكون الفواصل بين خلاياها بصورة متواقتة في الثنائيات وبصورة متتابعة في الأحاديات.
    الصفات التشريحية
    تختلف البنية التشريحية في كلا الزمرتين: فالبنية الابتدائية للحزم الوعائية اللحائية الساقية مكونة من دائرة واحدة، كل حزمة منها مكونة من خشب داخلي ولحاء خارجي يفصل بينها أشعة مخية في الثنائيات، بينما تتوضع الحزم الوعائية اللحائية الساقية في الأحاديات مكونة من عدد من الدوائر الحزمية الوعائية اللحائية المنتشرة في المخ.
    أما بالنسبة إلى البنية الثانوية فالفروق بين الزمرتين تكون أكثر وضوحاً: فالبنية الثانوية في أحاديات الفلقة تتكون من إضافة حزم لحائية وعائية ابتدائية البنية تأخذ شكل T أو V محاطة بالنسج السكليرنشيمية المتخشبة، وتتوزع في دوائر متحدة المركز. بينما تتكون البنية الثانوية في ثنائيات الفلقة بوساطة نموذجين من النسج المولدة الثانوية يطلق على الأول منها اسم الكامبيوم cambium الوعائي، الموجود عادة بين الحزم الوعائية اللحائية، المكون لخشب جذوع الأشجار في الداخل والمعروف بالخشب الثانوي، واللحاء الثانوي في المحيط. ويطلق على النسيج المولد الثانوي اسم الكامبيوم القشري، الموجود في القشرة، والذي يعطي إلى الداخل البرنشيم الثانوي القشري، وإلى الخارج الفلين الثانوي.
    النشأة
    ظهرت النباتات المغلفات البذور (التي أصبحت تسميتها الحديثة لأمور تخصصية شعيبةالمغنوليات Magnoliophytina) في مطلع الكريتاسي العلوي الذي ترجع تكويناته إلى 135 مليون سنة تقريباً مستمدة أصولها من النباتات السيكاسية. يوضح الشكل (1) الأصول النظرية للنباتات البذرية مشتقة من زمرة السراخس البذرية من رتبة التريديات اللجينيةLyginopteridales.
    قسم صف ثنائيات الفلقة قديماً إلى ثلاثة صفيفات اعتماداً على صفة البتلات:
    عديمات البتلات Apetals، ومنفصلات البتلات Dialypetals، وملتحمات البتلات Gamopetals، وعدّت عديمات البتلات بدائية وملتحماتها متطورة. بينما تقسم التصانيف الحديثة اعتماداً على معايير شكلية وكيميائية حيوية صف ثنائيات الفلقة إلى ستة صفيفات: صف المغنوليات Magnlidae ومثالها المغنوليا، وصف القرنفليات Caryophyllidae ومثالها القرنفل، وصف الديلينياتDillenidae ومثالها الديلينة والسنديان، وصف الورديات Rosidae ومثالها الورد، وصف الحاماميليدات Hamamelidae ومثالها الحمامليس والشاي والمنتور، وصف النجميات Asteridae ومثالها عباد الشمس.
    كما قسمت التصانيف الحديثة صف أحاديات الفلقة إلى ثلاثة صفيفات اعتماداً على المعايير السابقة: صف الألسماتAlismatidae ومثالها الألسما Alisma، وصف الزنبقيات Lilidae ومثالها الزنبق Lilium، وصف النخيليات Arecidae ومثالها النخيلPhoenix.
    أنور الخطيب

صفحة 22 من 146 الأولىالأولى ... 122021 2223243272122 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال