"الربيع العربي" هل هو فعلاً أخر عمليات الشرق الأوسط الكبير؟!.......

أخذتنا الدهشة عندما رأينا الشعوب العربية تنتفض مرّة واحدة على حكامها الديكتاتوريين(2011- 2013)، واستبشرنا خيراً، ولكن مع كل مظاهرة حاشدة كانت تثار تساؤلات عديدة وفي مقدمتها أين فلسطين قضية العرب الأساسية من الشعارات المرفوعة؟!.. أين المطالبة بتصحيح مسار الصراع مع العدو الصهيوني؟.. ومع المواكبة اليومية لمسار الأحداث كانت الفوضى عارمة...


ولهذا وجدنا مئات الباحثين العرب ينشرون ويتدالون معطيات بصورة متفرقة ومختلفة وغير ممنهجة حول ما يجري. وكان الانقسام مذهلاً في التحليلات السياسية لما سمي "الربيع العربي" بين من قال بنظرية المؤامرة مثل الكاتب والإعلامي المصري محمد حسنين هيكل وهو من أصحاب الإتجاه القومي، أو نظرية الانتفاضات تحت التأثير مثل المفكر المصري الدكتور طارق رمضان وهو من الاتجاه الإسلامي، وبين من قال بنظرية العفوية والتلقائية.

موقع المنار" لقاء خ
وفي رؤية متقدمة تعتمد على منهجية البحث والتقصي نتوقف مع الكاتب والباحث الأكاديمي حسن الزين في كتابه "الربيع العربي أخر عمليات الشرق الأوسط الكبير"، وفيه كم متدفق من المعلومات والوثائق المدعمة بمراجعها الأجنبية والأصلية والتي تؤكد في أكثر من وجه العمليات المشبوهة في تأسيس ما سمي بظاهرة "الربيع العربي" والدور الأميركي الكبير في التأسيس لحال "الفوضى الخلاّقة" التي نشهدها اليوم في ربوع بلادنا. وحول العديد من المعطيات الغريبة التي يفاجئنا بها الكتاب كان لـ"اص مع الكاتب :

إعداد أميركي لمشروع "إصلاحي" قبل عام كامل من "الربيع العربي" ..!

1.تقول بأنه حصل تقاطع بين الصحوة الاسلامية وربيع عربي متصل بالمشروع الاميركي، كيف لماذا؟.
لأن الإدارة الأميركية أدركت بعد صراع طويل في المنطقة أن المكّون الإسلامي ركن أساسي في تركيب هوية المنطقة ولا يمكن ضمان الاستقرار الا بصيغة تضمن مشاركة هذا المكّون، وخاصة الاخوان المسلمين. ولهذا حاورت سرا الإخوان قبل الربيع العربي على قاعدة أنها حركة معتدلة وأن مشاركتهم في السلطة سيفقدهم الزخم والجنوح نحو التطرف وسيخفّف صدامهم مع الغرب وسيفقد تنظيم القاعدة أحد أبرز أوراقه. ولهذا وجدنا تفاهم أميركي – اخواني في مطلع العام 2011 والعام 2012 ، لكنّه فشل في مصر بسبب سوء إدارة الأخوان للأزمة المصرية واعتراض السعودية على تمدد الاخوان الى دول الخليج واليمن. ولأن الاخوان كانون يفكرون جدياً باعلان الخلافة الإسلامية في العام 2014 وهذه معلومات أكيدة حصلت عيلها الإدارة الأميركية. ولهذا تركت واشنطن الجيش المصري والمشير السيسي بترتيب الوضع بما يشبه الانقلاب الثوري أي نصف انقلاب ونصف ثورة شعبية.

2.تقول إن الإدارة الأميركية أعدت مشروعاً جاهزا للاصلاحات العربية في العام 2010 قبل وقوع الثورات بسنة كاملة، ودفعت بكل عوامل التفجير الثوري العربي على تخوم العام 2011، كيف يمكنك الاثبات بأن حركة انتحار الشاب البوعزيزي كانت الشرارة التي أطلقت ما سمي بالثورات العربية وبين هذا الاعداد المؤامرتي؟.

هذا ليس تحليلي فقط بل هو تصريح خطير قاله صحافي في البيت الأبيض يدعى "رايان ليزا" في مجلة النيويوركر. وقال إن انتحار الشاب البوعزيزي حدث أثناء اجتماع لجنة الاصلاحات العربية التي شكلّها أوباما في أب 2010 أي قبل أشهر من الربيع العربي، وهذه اللجنة مؤرخة بقرار دراسي رئاسي أميركي رقمه 11 PSD نشرته بعض المواقع والصحف الأميركية الشهيرة، وكان يرأس هذه اللجنة "دنيس روس" وفي عضويتها "توم دونيلون" مستشار الأمن القومي و"سامنتا بور" مديرة ملف حقوق الانسان والتنمية الدولية. وأكد هذه المعلومة الصحافي الأميركي الشهير ديفيد أغناتيوس، ولهذا وضع عنوان لمقالته أنذاك " المغامرة المحسوبة ".
وهذا يعني أن أي حدث احتجاجي كان سيكون الشرارة الطبيعية، لأن أوباما أوصى اللجنة أن تكون التغييرات العربية طبيعية وأن تبدوا كثورات أصيلة كي تنجح وتؤدي الى التغيير الديموقراطي المطلوب . وهو أسلوب الإدارة من الخلف كما سمّاها الديموقراطيون.
الدليل على صحة هذا الاستنتاج أن الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية تحدّث في احدى مقابلاته الصحفية عن سوابق كثيرة لحركات الاحتجاج ولشبان من تونس أحرقوا أنفسهم وخاصة في مدينة المنستير الساحلية. ولم تؤدِ الى أي ثورة. لكن هذه المرة رفع الغطاء الأميركي عن النظام التونسي. والدليل الثاني هو عدم تحرك الجيش التونسي ووقوفه على الحياد بطلب أميركي أثبته عدد كبير من الإعلاميين العرب البارزين. وقد ذكر الكتاب الفرنسي الاستقصائي " قطر الصديق الذي يريد بنا شراً " أن الدكتور هشام مرسي، مدير أكاديمية التغيير القطرية، أطلق من واشنطن العملية التونسية. وليس من قبيل الصدفة أن "وثائق ويكيليكس" بدأت نشر غسيل النظام التونسي وزوج الرئيس ليلى طرابلسي وصهره، إذ وجدنا تزامناً لافتاً بين "ويكليكس" والتحركات التونسية. وهذا الأمر أكده الباحث التونسي حسن مصدر في كتابه عن ويكيليكس وثروات الربيع العربي .

حصلت عمليات تدريب على "الربيع العربي" في عدة عواصم عربية

3.أول من استعمل مفردة "الربيع العربي" باحث أميركي في العام 2011، كيف نفسّر أن يطلق الغريب البعيد، والذي يعد عدوا للشعوب العربية، مصطلح أقل ما يفهم منه أنه يتضمن الثورة، وقدّمها بمفهوم مغاير، كيف ربطت بين هذا التقديم وبين مفهوم المؤامرة؟.
أثناء بحثي عن مفردة "الربيع العربي" في المواقع الرسمية الأميركية وجدت تصريحا للخارجية الاميركية في العام 2005 يتحدث عن الربيع العربي. ولاحقاً وجدت أن التقرير الرابع للأمم المتحدة للتنمة الانسانية قد ذكر "الربيع العربي" عشرات المرات في تقريره الذي صدر في العام 2005 . كما أن الباحث المصري سعد الدين ابراهيم استعملها عدة مرات في العام 2005. أي أن المشروع كان مقرراً أثناء تحركات 2005 في بيروت ودمشق، لكنها فشلت بعد حرب تموز 2006 وأجلت بعد سقوط جورج بوش ومجيء أوباما. وجاءت أحداث 2011 لنجد أن "مراك لينش" الكاتب الأميركي في مجلة "الفورين بوليسي" قد نشر مقالة له في 6 كانون الثاني 2011 أي بعد 5 أيام على وقوع احتجاجات تونس وأطلق عليها مصطلح " الربيع العربي الأوبامي"، ومن ثم انتشر هذا المصطلح. ولو ربطنا هذا المعطى مع المعطى السابق للقرار رقم 11 يصبح لدينا فهم مختلف لما جرى.

4. أنتم تؤكدون في الكتاب أن التخطيط الأميركي لعملية "الربيع العربي" أنجز في العام 2010، ألا ترى أنك تضرب بذلك إمكانية امتلاك الشعوب العربية في العصر الحالي القدرة على الثورات؟!.

أكدت في كتابي أن هذا التحليل وهذه المعطيات لا تلغي حق أحد وأن التحركات الشعبية كانت بمعظمها عفوية، وهنا عنصر التعقيد في حل لغز ما جرى. لكن كشف الحقائق ضروري لفهم دور اللاعبيين الدوليين، والدليل أن الجماهير العربية فقدت بعد أشهر من حركتها البوصلة ولم تعرف الى أين ستتجه وكيف ستبني مشروعها، وهذا يدلّ على أنه لم يكن لديها لا ثورة ولا خطة ولا قيادة. والسؤال المنطقي هو أين تبخرت هذه الثورات في تونس وليبيا ومصر واليمن؟؟!! .
لكن هنا معطيات ووثائق أكيدة عن بروفات حصلت قبل "الربيع العربي" تدرّب الكوادر الناشطة على كيفية التعبئة والتحرك والسيطرة على الميادين في العواصم العربية. وهو ما صرّح به الدكتور هشام مرسي مدير أكاديمية التغيير في الدوحة في قطر. وهو صهر الشيخ يوسف القرضاوي وتصريحه لا يزال منشوراً على موقع DOHA INSTITUTE. من هنا نجد أن ما جرى هو خليط من تخطيط دولي وثورات عفوية .

5. تبيّن أن تقديرات مجلس الاستخبارات الأميركية في العام 2009، كان اللافت فيه ورود نص حول الدور الإيراني في ما أسماه "عمليات التحول"، لماذا؟!.
نعم، هذا التقرير منشور قبل الربيع العربي وموجود لدى عدد من مراكز الابحاث العربية، وفيه نصوص واضحة الدلالة على توقع الاضطرابات العربية وسيطرة الحركات الاسلامية على المشهد. لا بل هناك حديث عن سعي بعض الحركات الاسلامية لاعلان الخلافة الاسلامية. أما عن دور ايران فاستعمل عبارة باللغة الانكليزية stakeholder وان ايران ستحول دول تحول دول منشقة الى حليفة للإدارة الأميركية .

6.الإدارة الأميركية أبلغت أدواتها المشاركة في "الربيع العربي" بقرب بدء العملية خلال مؤتمر منتدى الإنترنت بهنغاريا في ايلول 2010، ما هي أدلتك على ذلك؟.

هذه المعلومة صحيحة، وذكرها أكثر من مصدر، من هذه المصادر المفكر الاسلامي المصري طارق رمضان حفيد مؤسس الإخوان المسلمين الإمام حسن البنا في محاضرة له منشورة على موقعه على الانترنت، والكتاب الفرنسي الاستقصائي تحت عنوان " قطر الصديق الذي يريد بنا شراً " الذي علّق عليه الإعلامي اللبناني سامي كليب في جريدة السفير، وذكرها عدد من الناشطين العرب في مقابلاتهم. والخبر عن لقاء هنغاريا يذكر تفاصيل دقيقة عن المشاركين ومنهم مادلين اولبرايت وزيرة خارجية اميركا السابقة التي تدير منتدى اميركي عربي. وشارك في المؤتمر الدكتور هشام مرسي مدير أكاديمية التغيير القطرية.

"الإسلام السياسي" خيّب الأمال الأميركية فانقلبت عليه..

7.دائماً ما كان يقال إن "مصطلح الإسلام السياسي" هو إنشاء أميركي وتشرح في كتابك استراتيجية أميركا في توجيه هذا الإسلام، كيف تمّكن لهم من تحويله إلى قوة تتنكر للقضايا المركزية في الأمة؟.
عن طريق جرّه الى السلطة، وهذا التعبير ذكره عضو لجنة تخطيط السياسات جارد كوهين في كتابع المعنون بـ"ترويض مضمار التطرف". وتحدثت عن هذا المفهوم أيضاً دراسات معهد بروكينغز الذي يديره مارتن انديك من الدوحة في قطر. ودراسات معهد راند التباع للبنتاغون تحت عنوان "بناء شبكات إسلامية معتدلة". فتسليم السلطة والتمويل بنظر الإدارة الأميركية ستؤدي الى تحولات من داخل الحركات الاسلامية. وبالفعل شهدنا اعتدالاً لافتاً لحركة الأخوان في مصر لدى استلام السلطة وتنازلات في الملف الفلسطيني لم يقدّمها حسني مبارك ولا محمود عباس.

8. كثير من الناس قد لا يصدق ان هذا الربيع العربي الذي انتفض في الوطن العربي عامة هو صنيع أميركي، فكيف لقوة حتى لو كانت أميركا أن تتمكن من بناء منظمات ديموقراطية شعبية توحي بصدق المنطلقات والأهداف أمام شعوب الأمة?
عدم التصديق سببه عدم الاطلاع، ولو اطلع الرأي العام العربي على حجم الاختراق للمنظمات الغير حكومية في مصر وتونس وليبيا وسوريا ودرسوا كيف سيطرة أميركا والغرب على التيار الشبابي في مصر ودرسوا تجربة أوكرانيا وصربيا وعشرات الدول لعلموا ان الأمر متيسر وممكن وطبيعي. ومن يدرس أفكار الكاتب الأميركي "جين شارب" حول اسقاط النظم بالعنف والاحتجاجات السلمية ودرسوا تجربة معهد كانفاس في صربيا الذي تدرب فيه عدد من الناشطين العرب لوجدوا أن الأمر منطقي. لهذا بدأت كتابي بضرورة اعادة النظر بمكونات العقل السياسي العربي ومناهج التحليل التي تعتمد على سطح الظواهر ولا تغوص الى الاعماق ولا تطلع على المعطيات رغم توفرها والقدرة على غربلتها والتحقق من موثوقيتها .

9. أنت تتوصل في كتابك إلى أن دعوة فوكوياما لاميركا لدعم التحولات العربية تكشف عن دور أميركا في الفوضى العارمة التي نعيشها اليوم، كيف ذلك؟.
نعم ، فرنسيس فوكوياما شارك في الإشراف على دراسة الربيع العربي التي صدرت ونشرت أوائل العام 2010 تحت عنوان "في سبيل دعم الأمن والديموقراطية في الشرق الأوسط الكبير" وقال، في تصريح نشره الموقع الاخباري السويسري swiss info قبل احداث الربيع العربي، إن الإدارة الأميركية مضطرة لدعم الاصلاحات العربية وبدء التخلي عن الأنظمة العربية لأن الديموقراطية هي المنتج الوحيد الذي تقدر على تصديره الآن. وكلنا نتذكر كيف أن اميركا والغرب كانوا يمرون في اسوء ايامهم على الصعيد الاقتصادي والمالي بعد أزمة العام 2008 العالمية .



10.دعنا نتوقف عن إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه وهي اللحظة التي وصفت بأنها الشرارة التي أشعلت الثورات في العالم العربي، إلى أي حد يمكن اعتبارها بجدية أنها كذلك؟.
ذكرت أنها كانت الشرارة، وقد أحرق 19 شابا تونسيا أنفسهم في الشهر نفسه لأسباب اقتصادية ومعيشية وانسداد الأفق أمامهم. وهذه حالات انتحار وثّقها مركز بن عروس في العاصمة تونس. وحدث مثلها في الجزائر والمغرب والاردن واليمن وعمان وحتى في لبنان، لا بل في قطاع غزة ،وايضاً أحرق شابان أنفسهما في تل ابيب عاصمة الكيان الصهيوني. اذاً هي حادثة تزامنت مع انسداد كامل للأفق وقرار أميركي بتغيير بعض الأنظمة العربية في إطار الشرق الأوسط الكبير، وقد بينت الأحداث أنه كان هناك خطة أميركية حتى ولو تعثرت في سوريا .

11.المجلس القومي للاستخبارات الأميركية توقع منذ العام 2009 أن الإسلاميين قد يصلون للحكم في الأقطار العربية، هل هو فعلا توقع أم تدخل، وكيف؟!..
لا هو توقع، لأن مجلس الاستخبارات القومية يضع توقعات لكل الملفات ابتداءً من النفط والطاقة الى ملف التكنولوجيا الى اللاعبيين السياسين والدول والأنظمة. في النهاية الإدارة الأميركية مضطرة للتوقع لأنها تريد التعرف على الخيارات المستقبلية ولا تستطيع التحكم 100% بالأحداث واللاعبيين. لكن من يكون لديه قراءة يحدثها دائماً ويتابعها يومياً لديه القدرة على التنبوء والتوقع والتعامل وأخذ القرارات الفورية.

الدور البارز للأميركي "جين شارب"..





12. أفردت في الكتاب كلاما مهما حول دور المفكر السياسي الأميركي "جين شارب" في الثورات العربية الملونة، هل لك توضيح ذلك؟.
[المفكر الأميركي جين شارب على قناة الجزيرة] نعم، ولست أنا من أهتم بجين شارب، فقد عرضت قناة الجزيرة وثائقياً مدته ساعة تلفزيونية تحت عنوان "أستاذ الثورة" متوفر على موقع youtube ويعترف فيه بدوره في تدريب النشاطين العرب ومنهم شابان من سوريا هما "أسامة المنجد" و"فداء السيد"، وقد تبيّن أن لهما دوراً كبيراً في تحريك الاحتجاجات والاحداث في بداية العام 2011. فضلاً عن وثائقي صناعة الثورات الذي نشر على أكثر من قناة عربية ومتوفر على موقع youtube لكن الذي أكد الأمر هو نشر موقع حركة الإخوان المسلمين في مصر الخاص باللغة الانكليزية لهذا الكتاب، وكذالك تدريس أكاديمية التغيير في قطر منذ العام 2006 للشبان والناشطين على تكتيكات جين شارب وعددها 198 تكتيكات. وقد ظهر دوره حتى في أحداث ايران في العام 2009 واعترف البعض بدراسة كتب وافكار جين شارب.
وبالأصل "جين شارب" شارك في أحداث ساحة تيان أنمين في الصين في العام 1989 لاسقاط النظام الصيني، فهو يعدّ المفكر والمحلل السياسي لوكالة المخابرات الأميركية CIA ويمكن لمن يريد الاطلاع وضع اسم جين شارب على محرك غوغل ليجد مئات التقارير عن دوره في الاحداث .

13. هل حدث فعلا خلافاً اميركياً اسرائيلياً حول دعم التحولات العربية؟.


نعم، في البداية اي في شهر كانون الثاني من العام 2011 راجع القادة الصهاينة الإدارة الأميركية حول حقيقة الأحداث وعادوا بجواب، أن العمليات محسوبة. وهذا الأمر سرّبه الصحافي الأميركي المرموق دايفيد اغناتيوس ونشره في مقالة تحت عنوان "المغامرة المحسوبة " Accounted Gamble لكن تعثّر المشروع في مصر وسوريا أثار حنق القادة الصهاينة، وهو ما جعلهم يتحالفون مع بعض دول الخليج لاسقاط سوريا أولاً ومن ثم اسقاط النظام الجديد في مصر ثانياً. لكن حائط الصد السوري الذي بناه النظام والشعب السوري والمقاومة في لبنان ودعمه الإيرانيون والروس والصينيون أفشل المخطط الاميركي وافشل الرغبات الصهيونية والخليجية .


14. نبقى أمام السؤال الاخير هل كان في الثورات العربية، قبل استغلالها وحرفها عن مسارها، فعلا مناهضة لأميركا والغرب؟.
لم نرَ مناهضة واسعة وكبيرة للإدارة الأميركية، وهذا ما يفسّره سرعة الالتفاف الأميركي على هذه الثورات وتأييدها من خلال منع الجيوش العربية من التحرك. وهذا ما يؤكد تفسيرنا وتحليلنا ومعطياتنا من أن الإدارة الأميركية لم تكن راغبة بقمع هذه الاحتجاجات والثورات. وسأعطيك الدليل، إذ ذكر سامي عنان رئيس الأركان المصري في مذكراته أنه كان في واشنطن في 28 يناير 2011 أي بعد 3 أيام على التحركات المصرية وسأله الأميركيون "هل ستقمعون الاحتجاجات؟"، أجاب بالنفي وكرّر السؤال عليه " حتى لو أمركم مبارك؟ ". ففهم أن هناك مرحلة جديدة، ولما عاد في الصباح الباكر الى القاهرة نشرت قناة الجزيرة الخبر رغم أن اللقاء سري للغاية، ويؤكد سامي عنان أن الإدارة الأميركية سربت الخبر للتلاعب بالاحداث.


اذاً الثورات العربية لو اتفقنا على التسامج بتسميتها ثورات هي في الخلاصة خليط من حالة اكتئاب الشارع العربي بسبب زيادرة الكتلة الديموغرافية الشبابية العاطلة عن العمل ومنظومة السلطة العربية وفشلها في التنمية وعدم التعامل مع الأحداث، وانتشار تكنولوجيات وشبكات التواصل الاجتماعي وأخيراً وهو عنصر جوهري رفع الغطاء الأميركي لعدم قدرة هذه الأنظمة على التعامل مع المستجدات ولحسابات جيوسياسية أقليمية وعالمية.