بائع السجائر وصانعة العرائس
ألقى المكتبي نظرة إلى الشارع، أخذ يتأمل المكان بعمق كمن يتأمل لوحة ببالغ التركيز خوفا أن تفوته أبسط التفاصيل فتحول دونه ودون فهمها، تسللَتْ مقطوعة موسيقية حزينة إلى مسامعه في الهزيع الأخير من الليل، ألقى بعينه في الفضاء الواسع المظلم، لم يظهر له شيء، أدار بصره إلى الطريق فكشفت له المصابيح الاصطناعية العازف الصغير على كرسي بجانب طاولته يغازل قيثارته، فتجود عليه بمقطوعة حزينة في ليلة أكثر حزنا.كان يعزف بينما يردد هو كلمات الأغنية " ياحسرة عليك يا دنيا فيك حكاية وحكايات قالولي عليك مسرحية أنا المسرح سكن لي في الذات" لم يكن مبتدئا وكان حزينا.. عجبا من الدنيا كل هذا السحر الموسيقي بأصابع بائع السجائر؟ ! من الظلم أن يلصقوا به هذا الاسم مع أنه كان يبيع أكثر منها كبريت وفول سوداني وقطع الحلوى. لم يكن يزعج نفسه بالمشترين الذين يعرفون كيف يضعون النقود في الصندوق الصغير للطاولة ويأخذون سجائرهم. وللنبل وضع ولاعة للاستعمال المجاني فاجأ المكتبي سؤال أحمق في زحمة دهشته وإعجابه: كيف دبر ثمن القيثارة؟ ! ثم توالت الأسئلة المتطفلة لتفسد عليه الاستمتاع بموسيقاه ماذا لو لم يكن بائع سجائر؟ حتما كان سيكون موسيقارا كبيرا ترى بماذا كان يرد على سؤال المعلمة حول طموحه في المستقبل؟ مؤكد ليس بائع سجائر.. تذكر بمرارة بما كانت تجيب عن سؤال المعلمة عندما كانت تجيب بجدية ينفجر الأطفال ضحكا إلا هو حتى المعلمة كانت تبتسم كاتمة ضحكة كبيرة قبل أن تَنْقُلَ في هدوء الكلمة إلى تلميذة أخرى تسرف في أحلامها وتتحدث حتى عن عنوان عيادتها.خلافا لهم جميعا لم تكن تحلم أن تكون طبيبة ولا مهندسة ولا محامية كانت تريد أن تصبح صانعة عرائس. وحده يفهم حلمها.كانت تشبه بائع السجائر في صغره وحزنه ..