يوم من ايام الغربة - 7
لا اريد ان اطرح قصتي
لاثبت بطولة من نوع ما , فانا اعتبر كل ما مر بي طبيعي
وانا قد تعودت منذ الطفولة على ان اكون مسئولا (ليس بمعنى التسلط)
بل اقصد ان اتحمل مسئولية الآخرين ممن حولي
في ايام العسكرية وكنا في مقر فرقة
كان لي آمر وكنت انا معاونا له , تعود كل ليلة ان يذهب الى المدينة مع صديقه الطبيب
وكنت اغطي على غيابه عندما يسأل عنه احد
في احد الايام
اتصل عامل البدالة وقال ان ضابط الحركات يريد الآمر
قلت : الآمر عنده افلاونزا ونايم كلش مريض
بعد دقائق اتصل وقال : ان القائد يريده شخصيا
قلت : ساصحيه من نومه وابلغه
كانت الساعة العاشرة والنصف مساء والآمر لا يعود قبل الحادية عشر او الثانية عشرة
كان قائد فرقتي المرحوم اللواء الركن عزيز جعفر سلمان من اهالي الحلة
والآمر ايضا من اهل الحلة وهما معرفه
وفي الساعه الحادية عشرة دق جرس الهاتف وقال : السيد القائد وياك
قلت : تفضل سيدي
قال : فلان وين الآمر مالك ؟
قلت سيدي انه مريض ومتوعك
قال : يعني ما رايح يتخم بنصاص الليالي
قلت : كلا سيدي الآمر مالتي ما عنده هيج سوالف
قال : زين تعال يمي
ذهبت الى جناح القائد
ودخل المرافق الشخصي لابلاغه بحضوري واذن لي
دخلت الى مكتب القائد واديت التحية وفوجئت بآمري المباشر جالسا مع القائد
فتداركت الأمر وقلت له : سيدي ليش لمن اجيت يم السيد القائد ما بلغتني واني عبالي انت نايم ؟
فانفجرا بالضحك هما الاثنان
ولم اعرف سبب ضحكهما , وانتظرت لارى النتيجة
قال القائد : الآمر مالك جان رايح يتخم واني شفته واني راجع وجبته وياي وتعشينا من الساعه 8 وكاعدين سوه
حينها اسقط في يدي وقلت : اي سيدي هو اني الساعة سبعه رحت يم آمرية المدفعية
جنت معزوم على العشا عدهم وما ادري الآمر طالع عبالي بعده نايم لأن جان مصخن شوية وما مرتاح
فالذنب ذنبي
التفت القائد الى آمري وقال : احمد آني احسدك على هيج معاون يصوج نفسه وما ينطي بيك
ضحك الآمر وقال : مو كتلك سيدي ... هسه انت خسرت الرهان
ودعاني القائد للجلوس وقدموا لي الضيافه
قال : انت من باجر الصبح راح يصدر امر نقلك الى منصب مدير مكتب للقائد
قلت : سيدي هذا شرف كبير لكن الآمر بحاجتي ما عنده احد
قال : قصدك ما اكو احد بعد يغطي عليه ....
وضحكنا
حتى عندما كنت اذهب الى ضابط ارفع مني رتبه
كنت اجلس دوما في نفس المكان وعلى نفس الكرسي , وكان الجميع يلاحظون ذلك ويذكرونه
المهم اني تعودت منذ طفولتي ان ابقى متمسكا باي مبدأ
مهما كان بسيطا ومهما تغيلات الظروف
نعود للغربة .....
بقي مشروع الاطارات ساري المفعول والتزمنا به
ارسل حجي صالح صاحب المحل بطلبي
قائلا : هناك عمل كبير لنا
قلت : خير
قال : الآغا الفلاني بنى فيلا كبيرة وطلب مني بحكم معرفتي به ان اجد له اسطى جيد ليقوم
باعمال تأسيس شبكات الماء والكهرباء
قلت : متى
قال : فورا
ذهبت الى مقر الشركة العائدة للآغا ومعي شخص عراقي وافق على العمل معي كعامل
وهو يجيد لغة القوم
وارسل الآغا احد اخوته معنا الى المبنى ليفهمنا ماذا يريدون فيه
كان مبنى فخم جدا ومؤلف من ثلاثة طوابق وتحيط به مساحة كبيرة من الارض
كان العمل يترجم لي الطلبات وانا اسجلها في دفتر صغير
قال : لا نريد ان تسرعوا في العمل لدينا فترة الشتاء يعني شهرين على الاقل
قلت : لا بأس
عدنا الى المحل واعددنا قوائم بالمواد اللازمة لنباشر عملنا
قال العامل : اكو واحد لاجئ اموره داجه شتكول نشغله ويانا
قلت : ماشي خلي يجي ويانا
اصطحبت عمالي في اليوم التالي واوصلتنا سيارة نقل صغيرة ارسلها الآغا مع احد ابناء اخواته
وخصصه للبقاء معنا وتلبية احتياجاتنا
باشرت العمل وانا ادقق في كل صغيرة وكبيرة
حل العيد علينا
واخذنا استراحة خلال عطلة العيد بينما ارسل الآغا الي مبلغا من المال
60 مليون ليرة بمناسبة العيد
قسمت المبلغ الى ثلاثة اقسام بيني وبين عمالي
قال جلال (العامل المترجم) : ما يصير انت الاسطى واحنا ناخذ مثلك
قلت : احنا خوان وهذا الرزق اجانا النا كلنا
قال : لا ....الآغا دزهن الك
قلت : حطهن بجيبك جاينا العيد
كانت مقاولة تأسيس الفيلا الاولية تقدر بمبلغ 200 مليون ليرة نظرا لسعتها
(يعني 600 دولار تقريبا )
استيقظت اول نهار العيد
نظرت حولي في ارجاء الغرفة ... لأول مرة احس بوحشة كبيرة
لا ادري لماذا احسست بحاجتي لعائلتي
لأبي وأمي وأخوتي
ارتديت نفس الملابس التي لا امتلك غيرها وخرجت
كان اول من استقبلني (عيشو)
وبعد ان عايدتني قالت : ان ابوها ينتظرني لنفطر سوية
دخلت بيتهم لاول مرة منذ لن سكنت عندهم
استقبلوني بترحاب كبير واجلسوني بجانب الاب ( الشايب المكروه ) ما ادري ليش كنت اتصور انه اصله من بنو قريضة
وتناولنا الافطار وتوجه بحديثه الي قائلا
- انت تجد في عملك يا ترى كم تربح في الشهر ؟
قبل ان اجيب ردت زوجته (الكركمه) : انه اسطى معروف واكيد يكسب الكثير
قال : هل تفكر بالسفر الى اوربا ام تبقى هنا ؟
قلت : حجي حسب التساهيل ما اعرف
قال : لماذا غرفتك خالية من اي اثاث ؟
قلت : وما حاجتي للاثاث وانا اعود للنوم فقط
قال : لو انك متزوج ولك امرأة ترعى شئونك
قلت : انا غريب
قال بالعربية الفصحى : لا غربة لعاقل ولا وطن لفاضل
ادهشني هذا الكلام ولكني كنت انتظر الخلاصة
قال : ان قررت ان تبقى هنا ولا تذهب الى بلاد الكفار (يقصد اوربا) فبوسعك ان تبقى طول العمر عندنا وتكون من اولادنا
وحاول ترتيب امورك وسنجد لك زوجة مناسبة
عندها ابتسمت عيشو خجلا وتركت الغرفة
صاح ابوها : تعالي يا بنت .... وصبي لنا شايا
ذهبت الى بيت الغجر
اهنئهم بالعيد فوجدتهم يلبسون الثياب المطرزة ويستعدون لاقامة حفلة ما
بعدها توجهت الى بيوت اللاجئين العراقيين مهنئا اياهم بالعيد
الذي لم تكن تبدو فرحته على وجوههم
وقضيت معظم النهار في منزل صديقي الجديد احمد التركماني
نتحدث في كل شئ
بعد انقضاء اجازة العيد
عدنا لنكمل عملنا وانجزنا المهمة باتم وجه وحسب طلبات صاحب الفيلا
وحضر الآغا ليرى ما انجزناه ويفهم عمال (اللبخ) الذين يستعدون لانجاز عملهم
قال : اسطى اريد منك خدمة
تعجبت لاسلوبه المتواضع مع اني اعرف الآغوات متعجرفين
قلت : انا حاضر
قال : بعن ان يتم البناء اريدك ان تختار لي مجموعه من الكاتلوكات لاحدث وافضل تجهيزات كهربائية وصحية
لتضعها في بيتي
قلت : انشاء الله
قال : هل انتهى عملكم الآن؟
قلت : نعم
قال : وكم بلغت اتعابكم ؟
قلت : 200 مليون ليرة
قال لاخوه الذي كان يرافقه : اعطهم 200 مليون
قلت : 140 فقط
قال : لماذا ؟
قلت : لقد قبضنا 60 مليون قبل العيد
قال : هذه عيدية
قلت : لم نتعود اخذ اكثر من استحقاقنا
قال : ولكن بقية الاسطوات حضروا الى مقر شركتي قبل العيد يطالبون بالعيدية ؟
قلت : لكني لم احضر معهم
قال : اعرف وقد ارسلتها لك مع ابن اختي
قلت : اعتبرتها مقدمة عن اجورنا في العمل
قال : لكن هدية الآغا لا يمكن رفضها
قلت : نحن عراقيون لا نعرف الآغوات ولا الآغوات يعرفونا فليس لدينا في العراق هكذا شئ
قال : اذن اعتبرها من صاحب المنزل الذي اعجبه عملكم
صراحة خجلت من الحاحه وقد كان شخصا طيبا بمعنى الكمة
قلت : هكذا قبلناها
اعطيت العمال اجورهم
واحتسبت لهم مبلغ 4 ملايين ليرة كاجر يومي بدل 3 ملايين
تبقى لدي 120 مليون
غرفتي فوق السطوح كبيرة
كان طولها 8 امتار وعرضها خمسة
قمت بلبخها من الداخل بالجص
وبنيت حماما داخلها واشتريت سخانا يعمل بالكهرباء
وانارة كافية
وبساطا يكفيها ودولاب ملابس من النوع السفري ومنضدة واربع كراسي
وراديو مسجل
وطاوة وقدران للطبخ وملاعق ودرزن اطباق مختلفة
خلال اسبوع تحولت الغرفة الى فندق خمس نجوم ( حسب معايير اللجوء)
واول عمل في مطبخي الجديد
اني قمت بطبخ دجاجة لي ولأصدقائي العمال الذين معي
تذكرت وانا اعتني بطبخها
ترى هل سنتذكر طعمها فقد نسيناه ويبست معدتنا من البيض والطماطة
كانت وليمة كبيرة
حتى ان جلال العامل قال : سنستيقظ غدا ونرى ان جلودنا قد نبت عليها ريش ابيض الدجاج
ضحكنا كثيرا
واتخذنا قرارا ان نأكل دجاجة كل اسبوع مهما تكن الظروف
قال جلال : بس لا احد يطمع ويكول لحم غنم لو لحم هوش
هذا الدجاج ارخص شي
قال الاخر : خلي نرضى بالدجاج هسه بس لازم نخلي طموحنا ناكل لحم
وربما كباب