قصّة سيدنا يحيى عليه السلام
ولد سيدنا عيسى بن مريم . . ولد الطفل المعجزة ، كلمة الله و رحمته !
الذين يعرفون طهر مريم ، و شهدوا الطفل و هو يتكلم و يبشر برحمة الله صدّقوا و آمنوا .
في ذلك الزمان كان المجتمع اليهودي غارقاً في الفساد ، في الكذب ، في المادّيات .
لم تبق من كلمات التوراة إلاّ القليل . . اليهود كانوا يحرّفون كلام الله . . يفعلون ذلك من أجل مصالحهم و اطماعهم .
أصبح اليهود مجتمعاً مادّياً لا يؤمن بشيء إلاّ ما كان مادّياً .
الفقراء يزدادون فقراً ، و الاثرياء يزدادون ثراءً ، و لم يكن هناك شيء مقدس سوى الذهب !
إلى مصر :
حدثت بلبلة في البلاد . . الطفل الذي تكلم في المهد هو طفل عجيب !
حضر مسؤول من الحكومة للاستفسار عن الطفل العجيب !
عن الطفل الذي تكلم في المهد و بشر الناس بالنبوّة و الخلاص !
إنّ العاصمة روما تشعر بالقلق و تودّ معرفة ما يجري في مقاطعاتها !
حتى زكريا لم ينجُ من كيد اليهود ، كانوا يتآمرون عليه و يحيكون الدسائس ، و يحرّضون الحاكم الروماني على قتله .
اليهود يضمرون الحقد للناس يحبّون أنفسهم فقط ، و كلّما جاءهم نبي يَعِظهم و يرشدهم الى طريق الصلاح كانوا يتآمرون عليه و يخططون لقتله .
منذ " السبي البابلي " ، عندما احتلّ بخت نصر فلسطين و أخذهم أسرى الى بابل ، و هم يحقدون .
منذ ذلك الزمان و هم يخططون للسيطرة على العالم .
ألّفوا كتاباً سموه " التلمود " و قالوا انه اكثر قدسية من التوراة . . حتى التوراة لم تسلم من مكرهم فراحوا يحرّفون كلام الله و شريعة موسى رسول الله .
من أجل هذا ولد عيسى من دون أب ، ليكون معجزة و يرشد بني اسرائيل الى الطريق الصحيح . و لكن اليهود كانوا يكذبون الانبياء ، لأن الانبياء يريدون الخير لكل الناس .
خافت مريم على طفلها ، خافت مكر اليهود ، و عندما جاء المسؤول الروماني للتحقيق ، فكرت بالهروب الى مصر .
و ذات ليلة حملت مريم روح الله و كلمته و غادرت وطنها الى مصر . و هناك عاشت سنوات طويلة .
يا يحيى خذ الكتاب :
كان يحيى طفلاً عجيباً ، عندما ينظر المرء اليه يجد نور الايمان في وجهه ، و يرى هيبة الانبياء تشعُّ من عينيه .
جاء اليه الاطفال قالوا له تعال نلعب فقال لهم بأدب :
ـ ليس للعب خُلقتُ .
منذ أن كان طفلاً أدرك اشياء كثيرة ، لماذا فرّت السيدة مريم مع طفلها المعجزة ؟! ، لماذا يغرق اليهود في الجهل و الانحراف و الفساد ؟!
لماذا تسلّط الرومان الكفّار على قومه ؟!
كل ذلك حصل لأن بني اسرائيل ابتعدوا عن الدين الحق .
لأنهم كفروا بالانبياء ، لأنهم اصبحوا أنانيين .
كبُر يحيى و أصبح شابّاً مهيباً ، كان يهتف علانية :
ـ من له ثوبان فليعط من ليس له .
و من له طعام فليعط الجائع .
لا تظلموا أحداً ! و لا تفتروا على أحد !
ان طريق الله واضح مستقيم ، لا تجعلوه معوجّاً .
هيرودس :
في ذلك الزمان كان يحكم الشام حاكم روماني اسمه " هيرودس " كان وثنياً شرّيراً .
و كان لأخ هيرودس زوجة جميلة ، هيرودس أخذها بالقوّة لتكون له زوجة !
لم يعترض أحد ، سيدنا يحيى وحده الذي قال للغاصب :
ـ لا يجوز لك ان تفعل ذلك .
لم يسكت يحيى كان يندد بهيرودس و بالشرور التي يرتكبها .
أصدر هيرودس أمراً بالقاء القبض على النبي و جاء الشرطة لاعتقاله .
عندما القوه في السجن لم يخف . . لم يتوسل كان شجاعاً ، في السجن كان يصيح :
ـ سيأتي من بعدي من هو أقوى مني . . ستعمّ الرحمة و تزهر الزنابق ، و تبصر العيون ضوء النهار ، وتنفتح الآذان الصمّ .
الاحتفال :
أقام هيرودس احتفالاً كبيراً . . ترقص فيه النساء و يشرب فيه الرجال الخمر . . الناس الفقراء خارج القصر يئنّون من الجوع ، و يتألمون من الظلم و يرتجفون من البرد .
الناس الفقراء عراة لا يملكون شيئاً يسترون به اجسامهم و هيرودس الحاكم يرتدي الحرير ، و يجلس على عرش مطعم بالذهب و الفضة و الأحجار الثمينة .
و كان صوت يحيى يتردد داخل جدران السجن :
ـ لا يحلّ لك أن تتزوج امرأة لها بعل . . لا يحل لك يا هيرودس أيّها الظالم . . أيّها الغاصب !
صالة الاحتفال مزدحمة بالفتيات . . بالرجال و بدأت الموسيقى تصدح .
كان هيرودس جالساً على العرش ، و زوجته الجديدة جالسة الى جانبه ، عيناها تبرقان بالتآمر و الشرّ .
هيرودس يكرع كؤوس الخمرة المعتّقة .
و دخلت فتاة جميلة جدّاً ، ترفل بثياب حريرية ملوّنة .
هبّ هيرودس واقفاً و خاطب زوجته الجديدة :
ـ ابنتك جميلة جميلة جدّاً .
قالت المرأة بمكر :
ـ سالومي سترقص من أجلك .
هتف الحاكم منتشياً .
ـ من أجلي ؟!
ـ نعم من أجلك .
اقتربت سالومي و قالت بدلال :
ـ سارقص لك .
هتف الحاكم :
أعطيك نصف مملكتي .
ـ بل أريد ما أشاء .
أمنحك ما تشائين .
و راحت سالومي ترقص بقدمين عاريتين !
كان هيرودس مفتوناً يكرع كؤوس الخمر !
قالت المرأة اليهودية :
ـ سأزفّها لك .
و جُنّ هيرودس :
و اقتربت سالومي أكثر قالت :
ـ أريد ما أشاء .
صاح هيرودس مفتوناً .
ـ اطلبي ! اعطيك نصف مملكتي .
قالت سالومي و هي تتلوي كالافعى :
ـ أريد رأس يحيى . . يحيى بن زكريا !
ـ كلاّ . . كلاّ . . اطلبي ما تشائين . . أعطيك عرشي .
قالت الأم بخبث :
ـ و لكن يحيى لن يسمح لك بالزواج من سالومي .
ـ يحيى يمنعني !
ـ نعم يحيى .
قالت سالومي :
ـ أريد تقدم لي راس يحيى في طبق من الفضة .
صفّق هيرودس ، و عيناه تبرقان بالشرّ ، توقفت الأنغام .
صاح هيرودس :
ـ اليّ بالسجين !! احضروا يحيى .
فرّت الفتيات من الصالة .
تحولت صالة الاحتفال الى محكمة مخيفة .
و أحضر الشرطة يحيى . . كان مكبلاً بالسلاسل . . وجهه يضيء بنور سماوي .
مثل غيمة بيضاء كان يتالق .
صاح هيرودس :
لقد تزوجت هذه المرأة . . انني حاكم هذه الأرض !
قال يحيى بغضب :
ـ لا يحلّ لك .
صاح هيرودس :
ـ وسوف اتزوج ابنتها . . سوف اتزوّج سالومي .
هتف يحيى :
ـ لا يحلّ لك . . لا يحلّ للرجل أن يتزوّج أمرأة ذات بعل . . لا يحلّ للرجل أن يتزوّج ربيبته .
صاح هيرودس بحقد :
ـ سأقطع رأسك . . حتى يخرس صوتك .
هتف يحيى بصوت هزّ جدران القصر :
ـ لا يحلّ لك ! لا يحلّ لك .
صاح هيرودس :
ـ ايها الجلاّد اقطع راسه فوراً .
و هوى سيف غادر لقطع رأس النبي ، و حدث شيء مدهش ، رأس يحيى يتدحرج فوق البلاط المرمري و صوت يصيح :
لا يحلّ لك ! لا يحلّ لك . . لا ي . . ح . . ل .
شعر هيرودس بالخوف فأمر رجاله باطفاء المشاعل واللحاق به .
استشهد يحيى و لكن كلماته ظلّت تدوّي داخل القصر و في المدينة .
لقد بشر يحيى بانبياء سيأتون بعده ، و كان يحيى أول من صدّق نبوّة عيسى و بشّر بقدومه .
قال سبحانه في القرآن الكريم :
{ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا }
قال سيدنا محمد صلى الله عليه و آله عنه : " ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلاّ ذا ذنب إلاّ يحيى بن زكريا ".
و قال عنه أيضاً : " ما من أحد من ولد آدم إلاّ و قد اخطأ أو همّ بخطيئة إلاّ يحيى بن زكريا " .
صدق رسول الله .
عندما سمع سيدنا المسيح بالنبأ حزن كثيراً و قال : " لم يقم في مواليد النساء من هو أعظم منه " .
عودة المسيح :
مات هيرودس و لكن الشرور ظلّت مستمرة و اليهود غارقون في ضلالهم .
و قرر عيسى بن مريم أن يعود ألى فلسطين ، و سكن مع والدته قرية في جبال " الجليل " تدعى " الناصرة " . و هناك جاءه الملاك و أمره بتبليغ رسالة الله .
ماذا جرى لسيدنا عيسى ؟ هذا ما سنعرفه في الكتاب القادم .