قصّة سيدنا العزير ( عليه السلام )
مات سليمان ( عليه السلام ) و جاء بعده انبياء ، و لكن اليهود كانوا يبتعدون عن دين الله يوماً بعد يوم .
تضاعف حبّهم للذهب و المال ، و عادت الروح الوثنية الى نفوسهم من جديد ، حرّفوا تعاليم التوراة .
من أجل هذا ضعفت روحهم القتالية ، و أصبحوا يخافون الموت ، و يحرصون على الحياة .
و قبل حوالي ( 550 ) سنة قبل ميلاد سيدنا المسيح ( عليه السلام ) كان ملك ظالم يحكم بابل اسمه بخت نصر .
أغار بخت نصر على بلاد اليهود ، و سقطت عاصمتهم " أورشليم " و راح يقتل و يقتل ، و يدّمر البلاد و يحرق الكتب المقدسة و في طليعتها التوراة ، كما خرّب الهيكل الذي يقدسه اليهود .
و عندما عاد بخت نصر الى بابل سبى معه اليهود .
ظلّ اليهود في بابل مئة عام تقريباً و في تلك الفترة ولد سيدنا العزير ( عليه السلام ) .
اندلعت الحرب بين بابل و فارس ، و انتصر كورش ملك فارس في الحرب و دخل بابل فاتحاً .
تعرّف كورش على العزير فاحبّه لأخلاقه و أدبه ، و ذات يوم تقدّم العزير إلى كورش و طلب منه أن يسمح لليهود بالعودة الى بلادهم و أن يسمح له بكتابة التوراة التي ضاعت نسخها .
و هكذا عاد اليهود الى بلادهم ، فاحبّوا العزير كثيراً .
انصرف العزير الى جمع التوراة من جديد و انفق في ذلك سنين طويلة .
الى البستان :
كانت لسيدنا عزير بساتين خارج القرية ، كان عزير يعمل بيديه مثل سائر الانبياء .
هو يعمل في الأرض ، يحرث ، و يسقي الزرع و يجني الثمار كان يراقب الاشجار و يشذب الأغصان .
و كان لعزير ( عليه السلام ) حمار يستخدمه في ذهابه الى البستان و عودته .
كان يرعى حيوانه و يشفق عليه فلم يضربه بسوط أو عصا و كان يحبّ الناس و يعطف عليهم ينصحهم و يعِظَم و يعلمهم الشريعة و التوراة و اسلوب الحياة . .
كان ذلك اليوم شديد الحرّ عندما ركب سيدنا عزير حماره و توجه الى البستان ، لم يكن البستان قريباً كان بعيداً و الطريق الذي يمتد اليه يمرّ بخرائب مدينة مندثرة و مقابر قديمة مبعثرة ، الهواء كان منعشاً في الصباح ، و كانت نسمات طيبة تهبّ من الحقول الخضراء .
مضى الحمار يشق طريقه وسط المزارع الخضراء ، حتى وصل الطريق الترابي الذي يمرّ بخرائب المدينة المندثرة و المقابر القديمة .
ارتفعت الشمس في السماء و راحت ترسل اشعتها اللاهبة و لاحت خرائب المدينة ، المنازل مهدمة ، و الحجارة مبعثرة هنا و هناك ، و في جانب آخر كانت المقبرة هي الأخرى خربة ، و بعض العظام كانت مبعثرة .
نزل عزير عن حماره ، و جلس في ظل شجرة برّية . كان جائعاً و متعباً أخرج كسرة خبز و عنباً ، عصر عنقود العنب في آنية صغيرة ، و راح يغمس فيها كسرات الخبز الصغيرة . و تركها لتنقع قليلاً حتى يسهل تناولها .
راح يجيل بصره في القبور و في خرائب المدينة و العظام البالية .
لقد مرّت عشرات السنين و الرياح تهبّ و تعصف في هذه الخرائب و القبور ، و الشمس ترسل اشعتها اللاهبة في فصول الصيف و المطر و الثلوج في الشتاء يزيد في الخراب . .
كيف تعود الحياة الى هؤلاء الذي ماتوا منذ مئات السنين ؟!
قال عزير في نفسه و قد ملأت قدرة الله نفسه و قلبه :
ـ { انّى يُحيى هذه اللهُ بعد موتها }؟!
شعر عزير بالنعاس يُثقل جفنيه و أغمض عينيه قبل أن يتناول طعامه .
الحمار أيضاً كان قد تناول قليلاً من العشب ، و اخلد الى النوم .
و حدث شيء مدهش ، عزير لم يستيقظ ، حل المساء و عزير لا يستيقظ . . لقد مات . . و مات حماره أيضاً .
و تمر الأيام :
مرّت الأيام و الاسابيع ، لم يرجع عزير الى قريته ، خرج ابناؤه يبحثون عنه و لكن أحداً لم يعثر عليه ، ذهبوا الى البستان ، و لكن لا فائدة .
و بمرور الأيام نسي الناس عزيراً و لم يعد يذكره أحد ، مرّت الشهور ، و الأعوام ، و عزير في مكانه في ظل الشجرة ميت ، و حماره ميت .
أصبح الحمار هيكلاً من العظام ، تبعثرت العظام ، و أصبح بعضها مثل التراب .
و لكن العجيب ان عصير العنب ما يزال كما هو لم يتأثر بمرور عشرات السنين .
مات ابناء عزير و كبر أحفاده .
مرّت على حادثة اختفاءه مئة عام .
لم يبق من الذين يذكرون عزيراً سوى امرأة عجوز كان عمرها عندما اختفى عزير عشرين سنة ، اما الآن فعمرها مئة و عشرون عاماً .
عودة الروح :
و ذات يوم تجّمعت في السماء الغيوم ، و اشتعلت البروق و جلجلت الرعود . . و مطرت السماء .
و في لحظة اختارها الله رحمة لعباده هبط الملاك جبريل عند الشجرة بين خرائب المدينة المندثرة ، و المقبرة القديمة .
عادت الروح الى عزير . . استيقظ ، عادت أنفاسه تتردد من جديد بعد أن مات قبل مئة عام .
استيقظ عزير من نومته . . المكان مغمور بالنور ، و صوت ملائكي يقول :
ـ كم من الوقت نمت يا عزير ؟
أجاب عزير و هو يفرك عينيه :
ـ نمت يوماً أو جزءً من اليوم !
قال الملاك :
ـ بل مئة عام !!
ـ مئة عام ؟!
ـ نعم ، وشاء الله أن يعيد اليك الحياة . . ليجعل منك آية للذين ينكرون البعث و المعاد . . انظر يا عزير الى طعامك . . انه لم يفسد بالرغم من عشرات السنين التي مرّت !! ان بدنك يا عزير ظل على حاله لم يتغير . . لقد حفظه الله ثم قال الملاك العزير :
ـ انظر الى حمارك .
نظر عزير الى حماره فرآه قد استحال الى عظام بالية متناثرة بعضها اختلط مع التراب . .
ـ انظر يا عزير كيف سيعيد الله سبحانه الحياة للحمار ؟!
كان عزير يراقب مدهوشاً ما يجري . . العظام البالية تتجمع من جديد لتؤلف هيكلاً عظيماً للحمار . . ثم نبت اللحم و ظهرت العروق !!
و نبت الجلد !! و عاد الشعر . . بدا الحمار ميتاً قبل لحظات . . عادت أنفاسه مرّة أخرى !!
فجأة نهض الحمار ، و راح يطلق نهيقاً عالياً ، و انطلق يبحث عن العشب .
و هتف عزير من اعماقه :
ـ الله أكبر . . أعلم ان الله على كل شيء قدير !!
كل شيء بأمر الله . الله قادر على كل شيء ، يحيي و يميت و استغرق عزير في صلاة خاشعة كان يبكي حبّاً لله و شوقاً اليه .
و تناول عزير لقمات من طعامه ، و كان متأثراً بشدّة ، فطعامه ظل طازجاً كل هذه السنين ، لم يتغير طعمه أبداً . . ان عصير العنب الذي يتغير طعمه في عدّة ساعات من الحرّ الشديد ، ظل يقاوم تقلبات الزمن مدّة قرن كامل !!
العودة :
نهض عزير و اعتلى ظهر حماره ، عائداً الى قريته .
ان الحمار و لا شك لا يدرك ما حدث أنه لم ينسَ الطريق المؤدية الى القرية . .
من بعيد لاحت القرية ، و لكن عزيراً ظنّها قرية أخرى ! كل شيء تغير ، أشكال الناس ، ازياؤهم ، منازلهم .
لم يكن هناك من منزل لعزير لكي يتوجه اليه !
كان عزير قد تحول الى حكاية يرويها الآباء للابناء :
" عزير الرجل الطيب النبي التقي ذهب الى بستانه في يوم قائظ ، و لكنه لم بعد . . لم يعثر عليه أحد . . كأن الارض قد بلعته !!
عزير وحده يعرف التوراة . . لقد ضاعت التوراة ، و هو جمعها من جديد . . هو وحده عنده نسخة من التوراة الاصلية . . التوراة كما أنزلها الله على موسى "!
وقف عزير في وسط القرية ليعلن قائلاً :
ـ يا أهل قريتي ! أنا عزير . . أنا عزير الذي اختفى قبل مئة عام !
اجتمع أهل القرية ليروا رجلاً عليه مسحة من الوقار و النور . . رجلاً في الخمسين من عمره .
سخر البعض و ظنّوا أن هذا الرجل مجنون . . حتى لو عاد عزير فانه يعود شيئاً في مئة و خمسين من العمر ! أما هذا الرجل فهو ما يزال كهلاً في الخمسين !
قال عزير :
ـ دلّوني على ابنائي .
قال أحدهم :
ـ لقد مات ابناء عزير منذ سنوات طويلة .
قال عزير :
ـ و أحفادي ؟؟ دلّوني على أحفادي .
قال رجل في السبعين من عمره :
ـ يوجد رجل من أحفاد عزير في الستين من عمره .
قال عزير :
ـ خذوني اليه .
عندما التقى الجدّ و الحفيد كانت الدهشة ترتسم على وجهيهما معاً !
قال الحفيد :
ـ كيف تكون جدّي و أنت تبدو أصغر مني كثيراً ؟!
قال عزير :
ـ انها معجزة الله ليرينا جميعاً أن الله الذي خلق الانسان قادر على بعثه اذا مات و استحال الى عظام .
و جلس عزير في بيت حفيده و راح يروي قصّته المثيرة :
حدّثهم عن ذهابه الى بستانه خارج القرية . . عن سلّتيه اللتين ملأهما عنباً . . عن توجهه الى خرائب المدينة القديمة . . كيف عصر له عنباً و كيف نام و كيف امتدت نومته الى مئة عام . . لقد مات و مات حماره و لكن الله بعثه ليجعله آية للجميع .
في الأثناء جاءت امرأة عجوز تبلغ من العمر مئة و عشرين سنة ، و هي الشاهد الوحيد الذي يعرف عزيراً لقد كانت في العشرين من العمر يومذاك . جاءت تتوكأ على عصا وتقول :
ـ من هذا الذي يذكر عزيراً و قد نسيه الناس ؟!
سمعت عزيراً يتحدث تذكرت نبرات صوته و لكنها لم تر وجهه لقد فقدت بصرها منذ سنين بعيدة قالت :
ـ لو كنت أبصر لعرفت حقيقة هذا الرجل .
لقد كان العزير وجيهاً عند الله ، تضرع الى ربّه و دعا أن تبصر المرأة لتشهد له . .
الله سبحانه أعاد بصرها . . فتحت عينيها لترى نفسها وجهاً لوجه أمام عزير !
يا للدهشة . . انه عزير بدمه و لحمه . . عزير الذي اختفى قبل مئة عام !
قال الحفيد :
ـ لقد أخبرني أبي أن عزيراً يعرف مكان التوراة . . لقد وضعها في مكان لا يعرفه أحد .
لقد بحثنا كثيراً و لكن لا فائدة . . لقد بحثنا عنها لأن كل النسخ الأخرى ضاعت في الحروب قال عزير :
ـ سأدلكم على كتاب موسى . . انه هناك في جذع شجرة زيتون .
انطلق الجميع الى المكان . . رأوا شجرة زيتون قديمة .
كانت الاعشاب قد نبتت ، توجه عزير الى مكان بين الشجرة و الجدول القريب ، راح يحفر و يحفر الى أن عثر على صندوق خشبي .
كان الصندوق قد تسوس كثيراً ، و لكن نسخة التوراة ما تزال صحيحة سالمة .
و آمن الجميع بالمعجزة لقد عاد عزير حقاً . . بعد أن اختفى و أصبح حكاية . . بعد أن مات مئة عام ثم بعثه الله ليجعله آية لعباده على قدرة الله في بعث الموتى و حشرهم يوم القيامة .
البعض آمن بالمعجزة ، لان قلبه . . عرف ان الموت حق و أن البعث حق . . و أن الله قادر على كل شيء و همس البعض :
ـ عزير ابن الله !!
البعض صدّق ذلك و بعض سكت راضياً . .
و هتف عزير مندداً :
انا عبد الله و رسوله . . لقد جعلني آية لكم . .
و ضاع صوته مع بين اصوات اليهود و هم يشيعون : " ان عزيراً ابن الله " .
قالوا ذلك لأنهم يريدون ان يعبدوا شيئاً يرونه باعينهم .
و مات عزير ، رحل عن تلك الدينا . . امّا اليهود فقد صنعوا منه اسطورة الابن الالهي . .
و عندما بعث الله سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) رسولاً جاءنا بالحقيقة الكبرى ان عزيراً مات مئة عام ثم بعثه الله .
عزير نبي من انبياء الله و رسول من رسله جعله الله مثالاً لمعجزة البعث ، ليصدّق الناس بيوم المعاد و يؤمنوا بيوم القيامة .
لم يحفظ اليهود الأمانة ، انحرفوا عن الطريق ، قست قلوبهم اصبحت مثل الصخور . . ابتعدوا عن روح الايمان . .
و في سنة 161 قبل الميلاد هاجم الروماني " انطيوكيوس " حاكم سوريا بلادهم ، و أحرق نسخ التوراة . .
و هكذا ضاعت التوراة الحقيقية . . التوراة التي جاء بها موسى ، و عانى عزير في جمعها مرّة أخرى و صيانتها من التحريف .
سلام على عزير نبي الله و رسوله و معجزته .