بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
الصوت الرسالي في وثائق السبي
إن إحياء ذكرى الإمام الحسين (ع) لا ينحصر في العشرة الأولى من محرم، فهناك ألوان أخرى من المصائب وقعت بعد ذلك.. ولذا أمرنا بزيارة الأربعين، لنعيش الذكرى -على الأقل- من يوم المقتل إلى يوم الأربعين.. وعليه، فإن على المؤمن أن يكثف من حضوره في هذه المجالس المباركة؛ لأنه بعدد ما يشارك، يتقرب إلى الله زلفى.
إن نجم عاشوراء يتألق دائما، وإنَّا نعتقد أن الحركة الحسينية ستزداد تألقاً في العالم على مرور الأيام.. فالدم الحسيني هو الذي يمد هذا الطريق بعوامل الثبات والاستقامة، حيث الفناء في الله ولله وبالله والى الله تعالى أخيراً، ويقوي هذا الدرب على مر الأجيال، وهو الذي حفظ الإسلام، وإلا لتعرض للتحريف كما هو في بقية الأديان الأخرى.
إن البعض يعتقد بأن دعوة الإسلام لأن تكون المرأة مربية للأولاد، لا ترى الرجال ولا يرونها: هي دعوة للتقوقع، وللتخلف، ولعدم التكامل.. والحال بأن الإسلام أكرم المرأة، بأن جعلها في المنزل تدير شؤون أسرتها، وتكون اللصيقة بالأجيال والذي منها يخرج الرجال الخالدون.. ولنا في مولاتنا زينب (ع) خير أسوة، إذ جمعت بين الحياء والعفة، وبين الحكمة والعظمة، والتحدي لطواغيت الزمان.. وهي لم تصل إلى هذه الدرجة من الكمال؛ لأنها بنت أمير المؤمنين (ع)، بل لأنها تربت في مدرسته (ع) . ويتضح ذلك جلياً في خطبتها مع أهل الكوفة!.. فهل هذه الحركة كرامة محضة ؟!.. أم إنها نتيجة سعيها في مراقبة نفسها في كل الظروف ؟!.. فقد أخذت تخطب في أهل الكوفة وتعاتبهم وتلومهم، غاضبة على خذلانهم للحسين (ع)، ثم أشارت عند قولها هذه العبارة البليغة: (ألا ساء ما قدّمتْ لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون؟.. إي والله!.. فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً....) إلى مسألة مهمة، وهي أن الحركة الشعورية، إذا لم توظف إلى حركة إيجابية، تدفع بصاحبها إلى الأمام؛ لإصلاح ما تم إفساده في المجتمع، فإنه لا نفع فيها.. ثم تشير إلى تجلي غضب الله تعالى على ما جرى في يوم عاشوراء، فتقول: (أفعجبتم أن قطرت السماء دما) وهذه المسألة مذكورة في كتب الفريقين، أعظم به من يوم!.. قتل فيه سبط الرسول الأعظم (ص).
إن الحركة الحسينية حركة إنسانية؛ فهنالك من رأى هذه الحركة، وموكب السبي من غير المسلمين، وتأثر لذلك.. وهذه الحوارية خير شاهد على ذلك:
روي عن الامام زين العابدين (عليه السلام):
أنه لما أُتي برأس الحسين إلى يزيد، كان يتخذ مجالس الشراب ويأتي برأس الحسين (ع) ويضعه بين يديه، ويشرب عليه.. فحضر في مجلسه ذات يوم رسولُ ملك الروم، وكان من أشراف الروم وعظمائهم، فقال: يا ملك العرب، هذا رأس من؟.. فقال له يزيد: ما لك ولهذا الرأس؟.. فقال: إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شيء رأيتُه، فأحببت أن أُخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه، حتى يشاركك في الفرح والسرور، فقال له يزيد: هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب.. فقال الرومي: ومن أمه؟.. فقال: فاطمة بنت رسول الله!.. فقال النصراني: أفّ لك ولدينك!.. لي دين أحسن من دينك، إن أبي من حوافد داود (ع) وبيني وبينه آباء كثيرة، والنصارى يعظّموني ويأخذون من تراب قدميّ تبركا بأبي من حوافد داود، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله، وما بينه وبين نبيّكم إلا أم واحدة؟.. فأي دين دينكم؟.. ثم قال ليزيد: هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟.... وفي تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة ذهب معلقة، فيها حافر يقولون: إن هذا حافر حمار كان يركبه عيسى، وقد زيّنوا حول الحقّة بالذهب والديباج، يقصدها في كل عام عالم من النصارى، ويطوفون حولها ويقبّلونها ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى.. هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار، يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيّهم، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم؟.. فلا بارك الله تعالى فيكم ولا في دينكم.. فقال يزيد: اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده!.. فلما أحسّ النصراني بذلك قال له: تريد أن تقتلني؟.. قال: نعم.. قال: اعلمْ أني رأيت البارحة نبيّكم في المنام يقول لي: يا نصراني أنت من أهل الجنة!.. فتعجّبت من كلامه، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (ص) ثم وثب إلى رأس الحسين فضمّه إلى صدره، وجعل يقبله ويبكي حتى قتُل.
عندما دخل ركب السبي الكوفة؛ صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل: بعض التمر والخبز والجوز؛ فصاحت بهم أم كلثوم!.. وقالت: (يا أهل الكوفة!.. إن الصدقة علينا حرام).. وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم، وترمي به إلى الأرض.. كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم، ثم أن أم كلثوم أطلعتْ رأسها من المحمل، وقالت لهم: (صه يا أهل الكوفة!.. تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم؟.. فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء).. فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (ع) وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله (ص) ولحيته كسواد السبج (أي حجر شديد السواد) قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع والرمح تلعب بها يمينا وشمالا.. فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها، فنطحت جبينها بمقدّم المحمل، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول:
يا هلالا لما استتم كمالاً *** غاله خسفه فأبدا غروبا
ما توهمت يا شقيق فؤادي *** كان هذا مقدرا مكتوبا
يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها *** فقد كاد قلبها أن يذوبا
يا أخي قلبك الشفيق علينا *** ما له قد قسي وصار صليبا
يا أخي لو ترى عليّا لدى الأسر *** مع اليتم لا يطيق وجوبا
كلما أوجعوه بالضرب نادا *** ك بذلّ يغيض دمعا سكوبا
يا أخي ضمّه إليك وقرّبه *** وسكّن فؤاده المرعوبا
ما أذلّ اليتيم حين ينادي *** بأبيه ولا يراه مجيبا
كلام من نور:
إن المؤمن المنتظر، يلتجئ إلى الله -عز وجل- بالدعاء للثبات على الدين، والسلامة من فتن آخر الزمان، حيث الابتلاء بالشهوات والشبهات.. وهنا أمرنا في زمن الغيبة ببعض الأدعية، ومنها دعاء الغريق، وهو أن يقول المؤمن يا الله!.. يا رحمن!.. يا رحيم!.. يا مقلّب القلوب!.. ثبّت قلبي على دينك)..غير أنه لا يعني ذلك الاكتفاء بالدعاء فحسب، وإنما يلزم المؤمن السعي في تحصين نفسه: تكامل في الروح، والفكر، والعقيدة؛ مثله مثل الإنسان الذي يطلب الرزق، ويسعى جاهداً في تحصيله.
__________
نسألكم الدعاء
منقول