النسيان ليس دائما نعمة ؟؟؟؟؟؟
سالم مشكور
صحيح ان النسيان يصبح نعمة في احيان كثيرة، ولولا هذه النعمة لبقيت مصائبنا ومآسينا حية في سلوكنا ومشاعرنا ومواقفنا، لكن هذا النسيان يجب ان لا يتعدى حدود إيجابيته ليصبح عاملا في تبرئة ظالم عانينا منه طوال عقود،
وفقدنا بسببه ابناء واخوة وآباء، بل وطنا باكلمه. وحين تواجهنا المصاعب الكبيرة أثناء اعادة بناء هذا الوطن من جديد، ننسى الماضي القريب جدا، وننسى من جرّعنا كؤوس القتل والتهجير والعزل عن العالم، ونقول، في لحظات غفلة أو جزع، ان الوضع كان افضل قبل السقوط وإن من جاؤوا هم اسوأ من صدام )).وإذا كانت هذه العبارات تتردد احيانا على ألسنة الناس العاديين، بسبب قصر ذاكرتهم او شدة معاناتهم الحالية، وهي كبيرة بالطبع، إلا انها لا تنبع من نوايا سليمة عندما تاتي من سياسيين مشاركين في العملية السياسية، بغض النظر عن إيمانهم بها أو عدمه. فحتى لو كان هؤلاء من شريحة ضيقة لم تطالها مآسي الحقبة الماضية، او كانت مستفيدة منها، فان المنطق يقضي ان يراعوا مشاعر الغالبية المنكوبة من ابناء هذا الشعب ، فيما لو كانوا يريدون بالفعل تجاوز الماضي والانخراط الايجابي في الوضع الجديد.من شمال الوطن حتى جنوبه قلما تجد بيتا تخلو جدرانه من صورة شاب أكلته الحروب النزواتية أو أحواض "التيزاب" أو الأقبية المظلمة. وكلما فتح باب الحديث في مجلس او تجمع، تسمع فظائع لا تصدمك لانك شاهدت وسمعت الكثير منها، إذا لم تكن انت او أحد أفراد عائلتك ممن عانوها شخصيا.بالامس صدرت الاحكام القضائية بحق المتورطين بجريمة حلبجة، تلك الجريمة التي قتل فيها النظام وبدم بارد آلاف المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ. ولولا دخول الاعلام الاجنبي الى المدينة المنكوبة آنذاك عبر الحدود الايرانية لما شهد العالم تلك الصور المروعة لاطفال خنقهم الغاز السام وهم يلوذون باحضان أمهات لم يستطعن حماية حتى انفسهن. وعلى امتداد العراق فاقت المقابر الجماعية أعداد المدارس، فمنها ما اكتشف ومنها ما هو في عالم المجهول حتى الان، ومئات آلاف الامهات والزوجات الثكالى لم تنطفئ نار قلوبهن حتى الان .ماذا يقول هؤلاء عندما يسمعون سياسيا لا يكتفي بتمجيد تلك الحقبة، بل يبشر بعودة حملة ذلك الفكر الذي انتج مجتمع الارامل والايتام والثكالى، وخلّف بلدا طال التدمير فيه البشر قبل الحجر؟. هل يكفى ان يدعي هذا السياسي انه "يتألم " عليهم بينما هو يسبّح بحمد قاتلهم ويبشر بعودة أتباعه وحملة نهجه؟. عندما تناقش هؤلاء في ارتكابات ذلك النظام وعندما يفقدون الحجة يردون بالقول: وهل الوضع على يد الحكام الجدد أفضل ؟ .
هل هذه الحجة منصفة؟ هل يمكن المقارنة بين نظام يعدم رئيسه الآلاف لمجرد انهم تذمروا من الوضع السائد، ورئيس يتعرض لهجوم وتطاول من سياسي فيرد عليه ببيان صحافي؟
لنترك موضوع الحريات، إذ لا مجال للمقارنة بين حالها الان وما كانت عليه سابقا، فان موضوع الامن والاقتتال الطائفي عادة ما يقدم من البعض كدليل على ان الوضع الان أسوا مما كان.
هذا البعض ينسى ان ما تفجر من عنف هو من نتاج سياسات ذلك العهد والتي نفذتها – في الغالب- مجموعات تعد من مخلفاته. أي ان الجاني في الحالتين واحد والضحية واحدة لكن مكان الجريمة انتقل من الاقبية الى الشوارع فاخذ مديات اوسع ودخلت فيه أطراف جديدة.
عندما نسوق هذا الحديث ياتيك الرد: انت ضد المصالحة الوطنية وانك تريد العيش في الماضي ولا تنظر الى المستقبل.دعونا نسأل مرة أخرى: مصالحة مع من وعلى اي أساس ؟ ثم أليس استذكار الماضي الاليم ضرورياً للتحصن ضد عودته؟