حنان الأم
في يوم من ايام حياتي ذهبت اتجول انا وصديقاتي في احدى المتنزهات.. سرقني الوقت ضحكاً ولهواً تاركة هاتفي المحمول في حقيبتي الخاصة بعيداً عن متناول يدي... وبدأ الليل حينها يسدل ستاره علينا تنبهنا آن ذاك بأن الوقت قد داهمنا ويستوجب علينا الرجوع الى البيت... توجهت الى حقيبة يدي واخرجت تلفوني منها، وأيقنت بأن أمي الان قلقة علي، وفعلا وجدت (خمسة وعشرون مكالمة لم يرد عليها) ما ان لبثت ان أضغط زر الاتصال حتى رن هاتفي.
(نعم ماما)... ما ان سمعت صوتي حتى اجهشت بالبكاء لتأنبني بشدة عن تاخري واهمالي لمكالمتها، حاولت آسفة ان ابرر لها سبب تاخري حتى ازداد تأنيبها لي قساوةً... أنفعلت كثيرا واسمعتها كلاماً جارحا وبأني لم اعد تلك الطفلة الصغيرة التي تعرفها، واغلقت سماعة الهاتف لأخبرها بأني اليوم سأمكث في بيت خالي.
مرت الايام والليالي ولم اتصل بأمي على الرغم من تأنيب ضميري لي ولكن كبريائي منعني من الاعتذار لها ... ولم تحاول هي من جانبها الاتصال او السؤال عني... مرت الايام على هذه الحال ... وكانت اختي الكبري ترن في اليوم خمس مرات لتطمأن على حالي (ماذا اكلتي؟ ماذا شربتي؟ ماذا فعلتي؟، كيف تنامين؟ ، كيف تقضين يومكي؟ وووو غيرها) حتى اخذت أجزع من كثرت اتصالاتها... وسالتها مازحة ... اين كنتي تخفين كل هذه الحنية، لم اكن اعرف انكي تحبينني لهذه الدرجة... أجابتني حينها بقهقهة خفيفة وكأنها تخفي ورائها شيئاً ( يا عزيزتي انتي اختي الصغرى ومن حقي الأطمئنان عليكِ).
مرت الساعات والايام على هذه الحال واختي لا تمل بالسؤال عني ... وفي احدى الليالي اخذت اذكر امي بخوفها وطيبتها عليَ... وأجهشت حينها بالبكاء كيف لها ان تتركني كل هذا الوقت من دون سؤال... واتصلت باختي الكبرى لاخبرها بحنيني واشتياقي لها ... وكيف هان عليها ان تتركني كل هذه المدة من دون ان تطمأن علي... لا اعرف هل يعقل ان تكرهني الى هذه الدرجة ما الذي فعلته لها... حتى قاطعتني قائلة (يا مجنونة ان أمي دائمة السؤال عنكِ) فقلت لها كيف ذلك وهي لم تتصل علي ولا مرة (فقالت يا صغيرتي العنيدة ان الذي يجعلني اتصل عليكِ كل هذه المدة هي امي فهي ترغمني على سماع صوتكِ من شدة اشتياقها لكي) اخذت دموعي تنهمر من شدة حزني وشعوري بالذنب.. اغلقت سماعة الهاتف .. واخذت ارتب حقيبة ملابسي منتظرة قدوم الصباح بفارغ الصبر... لم تغفى عيني حينها... واتى الصباح واخبرت خالي بأني سأذهب الى البيت هذا اليوم وسآكل فطوري مع امي ... فأقلني بسيارته الى البيت ... ووصلنا حينها واتجهت لأطرق الباب ولم انتظر كثيرا حتى اجد امي تقف ورائها... لم البث ان وقعت عيني على عينها حتى رميت نفسي بحضنها واخذت ابكي بشدة معتذرة لها عما بدر لي وقبلتُ يدها باكية... فمدت يدها الحنونة لتمسح دموعي قائلة (انتي ابنتي الغالية وقطعة مني فكيف لي ان أقسو عليكِ).
نعم يا أمي يعجز قلمي عن التعبير... وتتناثر حروفي عبثاً حين الوج في وصف حنانكِ وطيبتكٍ... ويقطر قلبي ألماً حين يسوء فهمي... بان لهذه القساوة التي اراها تخفي ورائها خوفاً وحباً عميقاً... سأقطع لكِ وعداً بأني لن افعل شيء يؤذيكِ مهما كانت الاسباب... فكيف لقلبي ان يقبل جفاء غاليتي وروحي مني... أحبكِ يا أمي أحبكِ ياغاليتي وسأظل أحبكِ الى الأبد.
بقلمي / سمية الدعمي