مقتطفات معمارية
هذه سلسلة جديدة أحب أن أشرع بها، وهي ستتناول جديد المشاريع المعمارية حول العالم، وخاصة تلك الفريدة والملفتة للنظر. الثقافة المعمارية عندنا ضئيلة مع الأسف، رغم أنها واحدة من أهم المنجزات الإنسانية التي تشغل اهتماماً كبيراً في الخارج. كثير من الصور التي ترفق في السلسلة قد تكون مولدة بواسطة الكمبيوتر لأنها مشاريع غالباً لم تنفذ بعد على الواقع، إنما هي في مرحلة الإعداد على الأوراق والحواسيب.
المعمارية “زها حديد” عراقية الأصل والمولد، والتي تملك شهرة واسعة الآفاق، تواصل تجاربها على اختبار الأشكال المعمارية الجريئة وغير العادية. وهذا المبنى المخصص للمحكمة المدنية في مدريد ما هو إلا استمرار لأسلوبها المعهود. تتلقى زها حديد -والبالغة من العمر 57 عاماً- نقداً سلبياً كبيراً على مبالغتها المفرطة في أشكال مبانيها دون التركيز على المضمون الداخلي، لكن لا أحد ينكر أنها تنتج ما يجذب الأنظار ويصبح معلماً مميزاً.
المبنى مغلف بواجهات من حديد وكأنها شبكة حديدية متثنية، تلك الفتحات فيما بينها يمكنها أن تغلق وتفتح بتجاوب مع حالة الطقس، كما تسري داخل قطع الحديد وسائل التسخين والتبريد والتهوية، أما على السطح فإن القطع تحمل خلايا تولد الكهرباء من الطاقة الشمسية.
شخصياً لست من المعجبين بأعمال “زها” وإن كانت مذهلة في شكلها، أظن أن العمارة لابد أن تتجاوب مع الإنسان والبيئة بصورة أكثر طبيعية واتزاناً، أنا مع الإبداع وخلق الجديد لكن ليس على حساب أولويات أخرى، العمارة ليست مجرد فن معزول عن الاستخدام كفن الرسم مثلاً، ففي الرسم يكتفي المتفرج بالنظر إلى اللوحة دون استخدامها، لكن العمارة تتجاوز هذه المرحلة، صحيح أن المبنى يُنظر إليه من الخارج كما تشاهد اللوحة، ولكنه يحمل تجربة أخرى كاملة ومعقدة في الداخل لأناس يعملون فيه أو يعيشون فيه سنوات طويلة. بل إن استخدام المباني والتفاعل معها هي الحاجة التي استدعت وجود المعماريين بالأصل، وليس من الصحيح تهميش دورها على حساب الاهتمام بجوانب أخرى.
مجمع The Fleet of Putrajaya في ماليزيا، استديو Manfredi Nicoletti:
تشهد ماليزيا تطوراً ملحوظاً على المستوى المعماري، وهذا المجمع الإسكاني هو أحد ثمرات اعتناء المسؤولين بالعمارة وحرصهم على توفير وسائل خدمية ذات مواصفات معمارية متفوقة. يقع موقع المجمع جنوب العاصمة كوالالمبور بنحو 30 كيلو متراً. لم يتم بناء المجمع بعد ولكن التصميم يحمل روحاً غير مسبوقة ومبدعة، تلك الهياكل استقت أشكالها من العمارة الإسلامية بطريقة محدثة متخذة سلوكاً ترددياً.
طرح المشروع كمسابقة يتنافس علي نيلها المصممون، وقد فاز فريق “نيكوليتي” لأنهم سعوا لأهداف بالغة الأهمية، فقد كان أحد أهداف المشروع لدى فريق التصميم هو ابتكار مبنى يتجاوب بصورة متناغمة مع الطبيعة، فعلى سبيل المثال، توفر الفراغات بين القطع المتباعدة ظلالاً يلطف أجواء المبنى ويحجب عنه الإضاءة غير المرغوبة من الشمس، كما تستغل تلك الفراغات نسائم الهواء لتوظفها في تهوية المباني، كل هذه الخطط في المشروع تضمن استهلاك للطاقة أقل بـ 50% من مشاريع مشابهة بنفس الحجم. يحسب للمشروع أنه استغل الواجهة المائية الواسعة على أحد جوانبه ليخلق انعكاساً جذاباً لكل من يشاهده من الضفة الأخرى.
تم النقل