Wednesdays, december 14, 2011
وجهة نظر صينية
2011 عام اضطرابات يؤكد الحاجة إلى عالم أكثر توازنا ومساواة
كانت أفضل الأوقات وأسوأ الاوقات، كانت عصر الحكمة وعصر الحماقة..." ربما هذه الكلمات التي سطرها تشارلز ديكنز في روايته الشهيرة "قصة مدينتين" هي افضل ما يمكن أن نصف به عام 2011 المنقضي، عام الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط والمشكلات الاقتصادية في الغرب.
خلال العام الماضي، اجتاحت احتجاجات عنيفة انحاء عدة في العالم العربي. وشهدت العاصمة البريطانية لندن ومدن أخرى رئيسية أعمال شغب وتخريب ونهب على نطاق واسع من جانب متظاهرين غاضبين. ونزل ساخطون أمريكيون "لاحتلال " وول ستريت. وتحول الغضب الى مرض عالمي معد بعدما رفع الناس أصواتهم مطالبين بمزيد من المساواة والعدالة الاجتماعية.
هل سيتم تلبية هذه المطالب؟ وهل سيعود الاستقرار والازدهار الى عالمنا؟ تتوقف الاجابة عن هذين السؤالين على الحكمة السياسية والاقتصادية لزعماء العالم، فلابد للحكومات أن تضمن توزيعا عادلا للثروة بين الطبقات الاجتماعية ، بينما يتعين على العالم بأسره ان يعيد التوازن بين القوى السياسية والاقتصادية.
اضطرابات وأزمات
بالنسبة للكثير من دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، يعد عام 2011 حقا "عام للغضب" اجتاحت الاضطرابات السياسية والاجتماعية المنطقة وادت إلى سقوط حكومات وزعماء دول بطريقة سريعة ومفاجئة واحيانا دراماتيكية وغير متوقعة.
اختفت أسماء كبيرة مثل حسنى مبارك ومعمر القذافي من التاريخ، تاركين ورائهم عشرات الآلاف من الأسر المحطمة ودولا ممزقة تنتظر الولادة من جديد.
لقد انفجر الغضب على نحو مفاجئ بينما كنا نتطلع جميعا الى عالم جديد في نهاية عام 2010. اضرم بائع متجول شاب في شوارع تونس، النار في نفسه احتجاجا على انتهاك ارتكبه مسؤول في بلدية سيدى بوزيد بحقه، لتشعل مأساة هذا الشاب البالغ من العمر 26 ربيعا نار الغضب ليس في تونس قط، وانما المنطقة ايضا.
وخلال 100 يوم فقط، اجتاحت سوريا والكويت والاردن والمغرب والجزائر وعمان ومصر واليمن وعددا من الدول الاخرى احتجاجات وانتفاضات.
اختلفت الاسباب باختلاف الحالات، إلا ان المشكلات الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية والنزاعات الدينية والقبلية كانت حاضرة بقوة مع اسباب اخرى دفعت الناس الى النزول الى الشوارع.
وبتحريض اجنبي وتسهيل من شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة، تخمرت آلام الناس ومواجعهم في هذه الدول وانفجرت بشكل مفاجئ وخارج عن السيطرة.
كان الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي مقدمة لموجة تشبه لعبة الدومينو بعد فراره من تونس في 14يناير الماضي، سلم الرئيس المصري حسنى مبارك السلطة وانتهت حياته السياسية بمواجهة اتهامات من على سرير في قفص حديدي بالمحكمة، وتنازل علي عبد الله صالح الرئيس اليمني عن السلطة لنائبه بموجب مبادرة خليجية، ولا يزال الرئيس السوري بشار الاسد يواجه ضغوطا داخليا وخارجيا على نحو متصاعد.
ولعل الحدث الاكثر دراماتيكية كان مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي بعد ان قضى ايامه الاخيرة في انبوب صرف في حالة من الخوف والخنوع بعد ان ساعد حلف شمال الأطلسي قوات المعارضة في إنهاء حكمه الذى استمر 42 عاما.
وفي الوقت الذى غرقت فيه الدول العربية في الاضطرابات، انزلقت اوروبا، - قارة الثروة والسلام تقليديا - ، في حرب اخرى مع ازمة الديون.
بدأت الازمة بدول محيطة مثل اليونان وايرلندا والبرتغال واستمرت في النخر حتى وجدت طريقها الى اقتصادات اوروبية رئيسية مثل فرنسا وايطاليا.
واحتجاجا على البطالة ومسائل اخرى، خرج متظاهرون غاضبون الى شوارع لندن ومدن بريطانية اخرى ونهبوا المتاجر في اغسطس الماضي. وشوهت صورة اوروبا التي طالما عرفت بقارة السلام والازدهار واصبح نمطها التنموي محل تساؤل.
وعلى الجانب الاخر من المحيط الاطلسي، لم تكن الولايات المتحدة افضل حالا . اذ انزلقت الادارة الامريكية المثقلة ايضا بالديون ومعدلات البطالة العالية الى حافة العجز بسبب ديونها العالية والخلافات السياسية التى يغلب عليها الانانية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وافضى غياب العدالة الاجتماعية وجشع الشركات في البلاد الى ولادة حركة "احتلوا وول ستريت" الشعبية . وسرعان ما انضم الى محتجى الحركة جيشا من المواطنين الغاضبين في انحاء البلاد ، ومدن اخرى عالمية.
وسواء في الشرق الاوسط او الغرب، يبدو توسع الفجوة بين الاثرياء والفقراء والاختلافات الاجتماعية والسياسية من العوامل الرئيسية التي ادت الى هذه الموجة الشديدة من الغضب العام.
لقد اوصل "عام الغضب" الرسالة بوضوح ويتعين تسوية قضية العدالة الاجتماعية داخل المجتمعات بشكل عاجل. ولا بد للحكومات، بينما تسعى الى التنمية الاقتصادية، ان تصغى الى مطالب المجموعات الفقيرة
والمهمشة للتخفيف من حدة الغضب والحفاظ على الاستقرار.
تغيير واعادة توازن
هناك قول مأثور صيني يقول "عندما تستنفد جميع الوسائل، لابد من التغيير، وعندما يحدث التغيير، تظهر الحلول". وبعد عام حافل بالاضطرابات مثل عام 2011، فان العالم يحتاج الى تغييرات عميقة.
في اعقاب الاضطرابات العنيفة، اخذت الدول العربية مسار الاصلاح .
اجريت انتخابات المجلس التأسيسي في تونس والانتخابات البرلمانية في المغرب ومصر وشكلت حكومات انتقالية في ليبيا ومصر واليمن.
واخذت هذه البلدان اجراءات لاستعادة السلام والنظام. ومن خلال تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الرعاية للمواطنين واعادة توجيه النمو الاقتصادي بطريقة مستدامة، بدأت تحدث تغييرات يمكن ان تداوى الجروح وتقود الى الانتعاش.
وفي اوروبا، تحول قادة الحكومات الى مقاتلين لحل ازمة الديون، وعقدت سلسلة من القمم لإنقاذ اليورو ومنطقة اليورو. وفي القمة الاخيرة، وافق 23 عضوا بالاتحاد الأوربي من اصل 27 على قواعد اشد صرامة لضبط الميزانيات في المنطقة بهدف معالجة الازمة.
وبالنسبة للاقتصادات المتقدمة، كشفت ازمة الديون نقاط ضعفها بوضوح مثل أشعة اكس. واظهرت الازمة حاجة الدول الغنية الى ضبط لوائحها المالية وقواعدها النقدية بصورة اكثر صرامة. بعد ان وقعت فريسة للازمة، سعت اوروبا الى طلب المساعدة من الصين.
ولكن الصين ليست منقذا لكونها دولة نامية. بيد انه بات واضحا ان الدول الناشئة تصعد بشكل تدريجي الى مراكز الضوء على الساحة العالمية بثقلها الاقتصادي.
ومع انضمام جنوب افريقيا في شهر ابريل الماضي، اصبح سكان دول ((بريكس)) (البرازيل وروسيا والصين وجنوب افريقيا) يشكلون 43 في المائة من اجمالى سكان العالم. وتستأثر الدول الخمسة مجتمعة باحتياطات اجنبية تبلغ 4.3 تريليون دولار أميركي.
وقال جيم اونيل، الخبير الاقتصادي ببنك جولدمان ساكس الذي صاغ مصطلح ((بريك))، إن العالم كله أصبح مختلفا كثيرا مع صعود بلدان ((بريك))، مشيرا الى ان الاقتصادات الناشئة بثقلها الاقتصادي اصبحت تعيد تشكيل ملامح الاقتصادي العالمي.
وفي عام 2011، اختفى اسم بارز اخر. قتلت قوة اميركية خاصة أسامة بن لادن، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر. وشنت القوة الاقتصادية والعسكرية الاولى في العالم حربين في أفغانستان والعراق خلال العقد الماضي تحت ذريعة مكافحة الارهاب.
والآن، بدأت الولايات المتحدة عملية سحب قواتها من أفغانستان والعراق حيث انخرطت في حربين اودتا بحياة 6000 شخص وكلفتا واشنطن فاتورة مالية هائلة. وغيرت القوة العظمى استراتيجيتها واعادت تركيزها الى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وتثير عودة الولايات المتحدة الى منطقة آسيا والمحيط الهادئ العديد من علامات الاستفهام. ولا يمكن لأى دولة أو حتى قوة عظمى ان تهيمن بمفردها على الشؤون على الحلبتين الدولية أو الإقليمية في عصر العولمة.
وفي وقت تبدو القوة العظمى مشغولة بطموحاتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تطمح روسيا في استعادة مكانتها كقوة عظمى. وفي خطوة مهمة نحو تحقيق طموح رئيس الوزراء فيلاديمير بوتين بتحقيق "الاتحاد الاورواسيوي"، اتفقت روسيا مع جارتيها بيلاروسيا وقازاقستان هذا العام على تأسيس اتحاد اقتصادي.
ولا يحتاج العالم الى قوة عظمى تقوم بدور مهيمن. وانما يحتاج العالم الى التنوع ومزيد من التوازن. ولا بد للمناطق المختلفة أن تعمق التكامل من اجل حل قضاياها بشكل أفضل. وقد أبدعت الدول الناشئة وخاصة المنضوية تحت كتلة((بريك)) نموذجا طيبا لإحداث المزيد من التأثير الجماعي في القضايا الاقتصادية العالمية عبر التعاون والتكامل.
شكوك وتطلعات
وبينما يقترب عام 2011 الزاخر بالأحداث من لملمة اوراقه، تاركا جميع الآمال والشكوك الى عام 2012. السؤال الذى يلوح هنا: هل سيكون العام المقبل عاما سلميا، وهل سيتحقق الانتعاش الاقتصادي ويعود الاستقرار الاجتماعي ؟.
مع إجراء الانتخابات الجديدة وتشكيل السلطات المؤقتة، بدأت معظم الدول العربية التي ضربتها الاضطرابات تستعيد السلام والنظام. بيد أن الوضع في سوريا مازال غير مستقر. وما زالت إيران، التي زادت احتكاكاتها مع الغرب مؤخرا، تشكل عاملا رئيسيا لعدم اليقين في منطقة الشرق الأوسط.
وبالنسبة لأوروبا، نجت القارة العجوز من عدة أزمات من قبل، بيد ان قدرة زعماء دول القارة على تسوية أزمة الديون الجارية سيكون محل تساؤل كبير ايضا العام المقبل، والمؤكد ان مصير منطقة اليورو وعملتها الموحدة سيواصل الاستحواذ على الاهتمام .
وفي الولايات المتحدة، لا يبدو ان انهاء الركود الاقتصادي ومعدل البطالة العالي سيحدث قريبا. وكلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية تتأثر السياسات الداخلية والخارجية الأميركية بشكل كبير بالانتخابات.
وبينما ينتظر العالم انتعاشا اقتصاديا وعودة الاستقرار السياسي، ينبغي عدم تجاهل قضية ملحة ألا وهى كبح التغيرات المناخية وتحقيق النمو المستدام.
في اليابان، أودت كارثة الزلزال والتسونامي والتسرب الإشعاعي النووي في مارس الماضي بأرواح الالاف من المواطنين. ودفع تسرب الإشعاعات النووية من المفاعل الاول من محطة فوكوشيما الناس الى التساؤل: هل ما حدث يندرج تحت الكوارث الطبيعية ام الاخطاء البشرية؟ ووضعت الكارثة "الثلاثية " قدرة الحكومة اليابانية على مواجهة المخاطر في محل التدقيق.
ومع بلوغ عدد سكان العالم 7 مليارات نسمة، أصبحت آثار الأنشطة الإنسانية على المناخ خطيرة على نحو متزايد، ومن ثم، فإن كبح التغيرات المناخية لن يحمى فقط الكوكب الذى نعيش عليه وانما سيكون حاسما في تحقيق النمو المستدام أيضا.
وفي هذا الصدد، وصلت مفاوضات الأمم المتحدة للمناخ في مؤتمر الاطراف الـ17 الذى اختتم قبل ايام في ديربان بجنوب افريقيا، الى اتفاق يقضى بتمديد بروتوكول كيوتو وإطلاق صندوق المناخ الأخضر بعد ماراثون طويل من المفاوضات استمرت 14 يوما.
وأكد الاتفاق الأهمية التي يوليها العالم لقضية التغيرات المناخية. كما اظهر اشارة طيبة على استعداد الدول لمشاطرة الالتزامات والمشاركة في مواجهة التحديات من أجل الإنسان. وبروح التعاون والتنسيق، يمكن أن يتحقق الانتعاش والنمو المستدام خلال السنوات التالية