يوم من ايام الغربة - 6
قضيت اسابيع وانا اعمل بجد
وحل الشتاء ... كان باردا ... كنت اعود مساء الى غرفتي وابقى جالسا لوحدي
الهواء البارد كان يتسرب من بين فتحات الجدران
احضرت اكياس اسمنت فارغة وبدأت اسد بها الفتحات ... كنت ابلل الاوراق بالماء وادفعها داخل الفتحات
باستخدام مفك ... لاضمن سدها بشكل محكم
اشتريت قمصلة جلدية من النوع البسيط وبنطلون جينز وحذاء شتوي
كنت اعمل وانام بهذه الملابس
بدأت برودة الجو تزعجني فلم اعد استطيع النوم بسبب البرودة ليلا
ولاحظ (حجي صالح) صاحب المحل اني متعب
فسألني : قلت الجو بارد
فاشترى لي مدفأة (مال حطب) ونصبتها وسط غرفتي واخرجت بوري الدخان من الحائط
وكنت احرق فيها كل شئ ممكن ان يحترق
كانت القائم مقامية توزع عشرة اطنان من الفحم الحجري بداية الشتاء كمعونة للاجئين العراقيين والايرانيين هنا
يعني المدفأة تستهلك طنا من الفحم خلال موسم البرد
قالو لي : تعال سجل اسمك ويانا حتى تاخذ فحم
وعندمراجعتي مع صاحبي محمد (ابو البوري ) فهمت ان الكمية محدودة وتقسم على عدد العوائل
فكرت ان اغلب اللاجئين عراقيين كانو ام ايرانيين لا يعملون وليس لهم موارد
فهل ساقاسمهم حصتهم من الفحم ؟ هل سأكون السبب بأن ازيد معاناتهم ؟
كان سعر طن الفحم 40 مليون ليرة
وسألت اللاجئين وعرفت انهم يشعلون مدافئهم ليلا فقط لعدم كفاية الفحم
ولكن الثلج بدأ يتساقط
بدأت احس بمعاناة الاخرين
ولم تعد معاناتي تشغل كل تفكيري فقط
ولم اسجل اسمي ولم آخذ حصة من الفحم لاني احسست بالخجل من هكذا تصرف
خلال الفترة التالية بدأ البرد يزداد وتوقفت اعمال البناء لحين حلول الربيع
مما اوقعنا في ضائقة مالية شديدة
كنت اتسكع في الجوار
ولاحظت ان هناك مكب للنفايات قرب الحي الصناعي ملئ باطارات السيارات المستهلكة
ففكرت ان استخدمها للتدفئة ... وربما افيد منها هؤلاء اللاجئين
ذهبت الى حجي صالح
وطلبت منه ان يشتري لي (كوسره) لاقوم بتقطيع الاطارات
وان يسجل ثمنها دينا علي الى حين ان اعمل
سارع الرجل لشرائها
وسألني وكنت قد بدأت افهم كلامه واستطيع ان اجاوب بنسبة 50% تقريبا
فافهمته لماذا اريد هذه الكوسره
ابتسم وقال : الا تكفيك معاناتك لتفكر بالاخرين ؟
قلت : احنا غربه ولازم واحد يفكر بالثاني
كان هناك لاجئ عراقي من اهالي كركوك يقيم هنا هو وعائلته
ساعدني في مشروعي وكان يسكن بيتا صغيرا
استأجرنا عربه يجرها حصان وذهبنا الى الحي الصناعي واحضرنا ما يقارب 20 اطار مستهلك من الحجم الكبير
ووضعناها في حديقة منزله وبدأنا نقطعها
رغم ان العملية لم تكن سهلة لكننا واضبنا عليها
وخلال يومين كانت جاهزة
وضعناها في اكياس وبدأنا نوزعها على اللاجئين الذين فرحوا بها كثيرا ودعو لنا بالخير
ووفق حساباتي كان الكيس الواحد يكفي ليومين
عدنا الى منزل (احمد التركماني) وجلسنا نتشمس نظر الي
وقال : لاحظت شي ؟
قلت : شنو ؟
قال : احنا وزعنا اكياس التايرات على الايرانيين قبل العراقيين
قلت : صحيح ؟
قال : ظننت انك لاحظت ذلك
قلت : كلا لم انتبه
قال : بعد اسبوع لازم نجيب وجبة تايرات اخرى
قلت : مو مشكلة التايرات هواي
كنت اذهب الى محل حجي صالح لارى هل هناك من عمل
في بعض الاحيان كانت هناك اعمال بسيطة مثل تبديل فواصل محترقة او سويجات كهرباء معطوبة وغيرها
من العوارض بسبب استخدام المدافئ الكهربائية
كانت وارداتي منها قليلة تذهب لشراء الاحتياجات الاساسية
خمنت اني لن استطيع دفع الايجار هذا الشهر فضلا عن عدم تمكني من ادخار اي نقود لاجل السفر بالقجغ خارج تركيا
سيطرت علي هواجس كثيرة
فانا اليوم امضيت ثمانية اشهر ولا يعلم اهلي اين انا
حل موعد الايجار
وكان صاحب المنزل يقوم بقفل الباب في الساعة الثامنة مساء
وانا اعود في الساعة بعد العاشرة , ولكن كيف سأدخل ؟
كنت اتسلق عمود كهرباء مجاور للبيت واعلو فوق الجدار واتمسك بمحجر حديدي واقفز الى السطح الاول ثم اصعد الى غرفتي
وفي الصباح اتسلل من الباب الجانبي لملحق بيت ابن صاحب المنزل لكي لا يراني
كانت نساء الدار يضحكن لذلك
ويساعدنني على الهرب من الشايب السليط
وفي بعض الاحيان عندما ينام الشايب في التاسعة مساء
تقوم ابنته بفتح قفل الباب لادخل منه
كانت ( عيشي) ابنة صاحب الدار عانسه
وربما وضعت في عقلها ان تتزوجني ( من الماكو) لاني لاحظت ان اهتمامها بي بدأ يتزايد
وكنت اخاف منها لانها سليطة مثل ابوها
لكنها اخذت تضع في غرفتي عشاء كل ليلة
واحضرت لي سريرا حديديا من مخزن بيتهم
كان في البيت المجاور عائلة ايرانية تسكن فوق السطح
وكانت علاقتي بهم جيدة
قال رب العائلة (خسرو) ضاحكا
- سنذهب جميعنا لاوربا وستبقى انت وتتزوج عيشي وتعمل لدى ابوها مثل الحمار حتى تموت
ضحكت كثيرا لدعابته
يتبـــــــــــع