أعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم
ورد عن النبي أنه قال: ”حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً وأبغض الله من ابغض حسينا ً حسين سبط من الأسباط“ صدق الرسول الكريم
إن من طرق العبادة التفكر في الله، فإن التفكير في مخلوقات الله بنفسه نوع من العبادة فالقرآن الكريم يقول: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[1] ووورد عن النبي : أنه قال ”تفكر ساعة خير من عبادة سنة“ ومن جملة مصاديق التفكر الذي يعد عبادة لله التفكر في معرفة أهل البيت لأنهم محال معرفة الله كما نقرأ في زيارة الجامعة «السلام على محال معرفة الله» فمعرفتهم معرفة لله والتأمل فيهم تأمل في الله والتفكير فيهم عبادة كالتفكير في مخلوقات الله لذلك نغتنم هذه الليلة ليلة عاشوراء لتأمل في معرفة شخصية الحسين .
هناك صفتان للحسين تستحقان التأمل والتفكر:
الصفة العقائدية.
الصفة الروحية.
الصفة العقائدية: فأنا نستقيها ونستجليها من خلال الزيارات التي وردة عن الإمام الصادق لجدة الحسين ومن أوثق هذه الزيارات «زيارة وارث» لنتأمل في بعض فقرات زيارة وارث لنتعرف على الملامح العقائدية لشخصية الحسين :
الفقرة الأولى: قوله: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفُوةِ اللهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نوُحٍ نَبِيِ اللهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إبراهيمَ خَليلِ اللهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ موسى كَليِم اللهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عيسى روُحِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمّدٍ حَبيبِ اللهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ أمير المُؤمِنينَ علي وَلَيِ اللهِ» ما هو المقصود بالإرث هنا؟! هل أن الحسين ورث من هؤلاء الإمامة؟! أو ورث من هؤلاء العلم؟!
الإمامة والعلم لا يورث الله إذا رأى الشخص كفئ للإمامة والعلم وهبه الإمامة والعلم فالإمامة والعلم ليست مما يورث لأن الإرث كما يقال كلمة «الإرث» كلمة «الميراث» ظاهرة لغة وعرفا في الشيء المنتقل من شخص لأخر الشيء المنتقل من شخص لأخر يسمى «أرث وميراث» والعلم لا ينتقل والإمامة لا تنتقل من شخص لأخر كي تكون ميراث ولذالك قال تبارك وتعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾[2] «أي أن الكتاب أنتقل من السابقين إلى الحقين» ولذلك احتجت الزهراء لميراثها من أبيها بآيات الإرث: ﴿رَبِّ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا «5» يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾[3] وقال فيما أختص من خبر وقال في خبر داوود وسليمان: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾[4] إذاً هناك ميراث أنتقل من سليمان إلى داوود ومن زكريا إلى يحي، فما هو الذي ورثه الحسين من آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعلي وسائر هؤلاء؟!
الذي ورثه الحسين هو صحف الأنبياء ومواثيق الرسل فقد ورد عن الإمام الصادق : ”لا يكون الإمام إمام منا حتى تكون لديه مواريث الأنبياء وعهود الرسل ومواثيق الأوصياء“ إذاً جميع الصحف السماوية التي نزلت منذ يوم آدم إلى يوم النبي تصل إلى الأئمة يداً بيد وتكون هذه الصحف دليل من أدلة الإمامة ولذلك نحن نقرأ في زيارة أخرى للحسين : «السَّلامُ عَلَيْكَ يا خازِنَ الكِتابِ المَسْطُورِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ التَّوْراةِ والإنجيل وَالزَّبُورِ» صحف الأنبياء كتب الأنبياء كما نزلت من السماء وصلت إلى الحسين وللائمة من بعدة .
الفقرة الثانية: قوله: «السَّلامُ عَلَيْكَ يَابنَ مُحمدٍ المُصطَفى السَّلامُ عَلَيْكَ يَابن علي المرتضى السَّلامُ عَلَيْكَ يَابن فاطمة الزهراء السَّلامُ عَلَيْكَ يَابنَ خَديجَةَ الكُبرى» هنا يتساءل الإنسان لماذا نذكر نسب الحسين؟! الحسين معروف كل إنسان يزور الحسين هو يعرف نسب الحسين يعرف من جده ومن أبيه ومن أمه ومن أخيه ومن جدته، فلماذا ينص الإمام الصادق في زيارته لجدة على النسب؟ يذكر بأن الحسين أبن محمد أبن علي أبن فاطمة لماذا؟! لماذا التنصيص على النسب؟!
التنصيص على النسب لا لجل التعريف بالحسين، الحسين معروف ونسبه مشهور إنما لأجل بيان سر الاصطفاء بمعنى أن هناك شجرة وهبها الله الاصطفاء وهذه الشجرة بدأت من إبراهيم إلى أن وصلت إلى محمد فهذه الشجرة هذه السلالة هي شجرة الاصطفاء من بين القبائل البشرية كلها من بين الأسر والقبائل والعوائل البشرية كلها شجرة إبراهيم هي: «شجرة الاصطفاء» لأن القرآن الكريم يقول: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾[5] فشجرة إبراهيم هي شجرة الاصطفاء ولذلك نحن عندما نعرف فنقول الحسين هو أبن الرسول هو أبن فاطمة هو أبن علي فالمقصود بذلك: أن الحسين ينحدر من شجرة الاصطفاء هذا الكلام هذا المقطع لبيان أن الحسين ينحدر وينبع ويأتي من «شجرة الاصطفاء» فهو مصطفى﴿لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾[6] ولذلك علي الأكبر﴿لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ليس إنسان عادي علي الأكبر ولذلك ترى أي زيارة للحسين هناك زيارة خاصة بمن؟! بعلي أبن الحسين من بين الأنصار كلهم كل زيارة للحسين هناك فقرة خاصة بعلي أبن الحسين لأنه الأكبر كان من﴿لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ولهذا لما برز الأكبر إلى المعركة قال الحسين وهو يودعه﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ «33» ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾[7] فشجرة الاصطفاء شجرة تتميز على سائر الشجرات البشرية فأراد الإمام من خلال هذه الفقرة أن يبين أن الحسين من شجرة الاصطفاء فهو من﴿الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾.
الفقرة الثالثة: هي وقوله : «اَشهَدُ اَنَّكَ قَد اَقَمتَ الصَّلاةَ وَآتَيتَ الزَّكاة وَاَمَرتَ باُلمِعروف وَنَهَيتَ عَنِ المُنكرِ وَاَطَعتَ اللهَ وَرَسولَهُ حَتّى أتاك اليَقينُ» هنا أيضاُ يطرح سؤال: لماذا تقول الحسين أقمت الصلاة ما هي ميزتها؟! كل المؤمنين يقيمون الصلاة صح أو لا كثير من الأتقياء كثير من المؤمنين كثير من الملتزمين قضى حياته في إقامة الصلاة في إيتاء الزكاة في الأمر بالمعروف في النهي عن المنكر في طاعة الله فما هي ميزة الحسين حتى يقال له في الزيارة «اَشهَدُ اَنَّكَ قَد اَقَمتَ الصَّلاةَ» كل الأتقياء يقيمون الصلاة؟!
المقصود بذلك: هو الإشارة إلى رقيقة الحقيقة في العام الماضي ذكرت هذه النقطة كل عبادة تتكون من عناصر ثلاث: الطريقة، والحقيقة، والرقيقة.
كل عبادة نأتي مثلا ُ إلى الصلاة، الصلاة لها عناصر ثلاثة:
الطريقة: وهي القيام والقعود والركوع والسجود والذكر هذه طريقة الصلاة.
الحقيقة: الحقيقة وراء هذه الطريقة حقيقة الصلاة هي الخشوع القلبي ومن لم يخشع في صلاته فقد أقتصر على الطريقة ولم يصل إلى الحقيقة﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ «1» الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[8] الخشوع القلبي هو حقيقة الصلاة وأما القيام والقعود والركوع والسجود فهي «طريقة» وليس «حقيقة».
الرقيقة: ووراء «الحقيقة» توجد «رقيقة» وهذه يختص بها الأئمة والأوصياء أنهم يصلون إلى «رقيقة العبادة» ووراء الحقيقة «رقيقة» فما هي حقيقة العبادة؟!
رقيقة العبادة مشاهدة قلب المحب للمحبوب مشاهدة وجدانية الإمام من يدخل إلى الصلاة ليس فقط خشوع كل الأتقياء عندهم خشوع الإمام إذا دخل الصلاة أشرق نور الله في قلبه فقلبه يشاهد جمال الله وجلال الله مشاهدة وجدانية ولذلك أهل البيت يعشقون الصلاة لماذا؟! لأنه وقت اللقاء، وقت اللقاء مع المحبوب النبي يقول: ”أحب من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة“ والإمام أمير المؤمنين يقول: ”ركعة لي في دنياكم أحب إليّ من الجنة وما فيها“ إذاً عندما نقول للحسين: «اَشهَدُ اَنَّكَ قَد اَقَمتَ الصَّلاةَ وَآتَيتَ الزَّكاة» فعلت كذا فعلت كذا نريد أن نقوله له أنت وصلت إلى رقائق هذه العبادات كلها وصلت إلى كهن وأسرار هذه العبادات كلها «حَتّى أتاك اليَقينُ» ليس المقصود باليقين هو الموت، المقصود باليقين: أعلى درجات اليقين بالله إلا وهو «حق اليقين» لأنه اليقين له درجات:
علم اليقين.
عين اليقين.
حق اليقين.
أنت بلغت أعلى درجات اليقين أعلى درجات القين.
الفقرة الرابعة: الفقرة المشتملة على اللعن «فَلعَنَ اللهُ اُمَةً قَتَلَتكَ وَلَعَنَ اللهُ اُمَةً ظَلَمَتكَ وَلَعَنَ اللهُ اُمَةً سَمِعت بِذلك فَرَضِيَت به» ربما يسأل سائل أو يقول قائل لماذا اللعن؟! لماذا لغة اللعن؟! ربما يقول إنسان ثقافة اللعن ثقافة رخيصة لغة اللعن ليست لغة حضارية لغة اللعن لغة البذيئين في لسانهم ليست لغة اللعن لغة الناس المترفعين الناس الحضاريين، لماذا نصر على اللعن؟!، لماذا نركز على لغة اللعن خصوصا في زيارة عاشوراء زيارة الحسين غداً؟! لماذا نركز على لغة اللعن وأسلوب اللعن هل هذا أسلوب حضاري؟! هل هذا الأسلوب وهذه اللغة إلا لغة العاجزين الذين لا يستطيعون استيفاء حقوقهم؟!
أجيبك عن هذا السؤال:
أولاً: لغة اللعن: هي لغة مستقاة من القرآن الكريم أنت إذا ترجع القرآن أكثر من 37 آية تتضمن اللعن والقرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾[9] فلماذا أستخدم القرآن لغة اللعن إذا كانت لغة غير حضارية أو ثقافة رخيصة؟!
ثانياً: هناك فرق بين اللعن والسباب، السباب: عدون على الأخر إذا سبيت الأخر اعتديت عليه لذلك السباب غير محمود وربما لأجل ذلك ورد عن الإمام أمير المؤمنين : ”أني أكره لكم أن تكونوا سبابين“ لأن السباب اعتداء، بينما اللعن: دعاء وليس اعتداء اللعن لا علاقة له بالشخص الملعون اللعن علاقة بين الإنسان وبين ربه فلو أبدلنا اللعن ووضعنا مكانه معناه هل يعتبر هذا قبيح؟! هل تعتبر لغة غير حضارية مثلاً بدل ما نقول لعنة الله على الظالمين نقول: «اللهم أطرد الظالمين من رحمتك» لو أبدلنا هذه اللفظة مكان اللفظة هل يعد هذا لغة رخيصة؟! طبعا «لا» هذه هو معنى اللعن معنى قولنا «لعن الله الظالمين»، يعني «اللهم أطرد الظالمين من رحمتك» دعاء فلو عبرنا بهذه اللفظة لم تكن لغة رخيصة ولا ثقافة رخيصة ولا لغة غير حضارية مجرد دعاء، دعاء وطلب من الله تبارك وتعالى بأن يمسك باب رحمته عمن أصر على الظلم والأجرام والطغيان.
ثالثاً: قد يكون اللعن الدوافع تختلف تارة يكون اللعن بدافع اللعن الانتقام ووالتشفي من إنسان معين فيقال أنه هذا لغة غير حضارية أما إذا كان اللعن بدافع البراءة والرفض للظلم والطغيان أفترض مثلاً عندك إنسان عاصي أنت عندك صديق يعصي الله تبارك وتعالى أنت تقف على صديقك وتقول له أنا بريء من معاصيك أنا برئ من رذائلك هذه البراءة حالة روحية تربي الإنسان على رفض الظلم على رفض الطغيان اللعن هو: البراءة اللعن مظهر للبراءة ليس اللعن بدافع الانتقام ولا بدافع التشفي وإنما اللعن الوارد في القرآن والزيارات الشريفة هو: هو دعاء بدافع البراءة والرفض للظلم والطغيان ومن الواضح أن البراءة والرفض للظلم والطغيان منهج روحي يربي النفس على أن تتشبث بالعدل وتتخلص من الظلم وهذا ما جرى عليه القرآن الكريم في منهجه.
الفقرة الخامسة: ما يتعلق بأئمة الهدى «صلوات الله عليهم أجمعين» لأن الإمام الحسين من النعم التي أنعم الله عليه أن جعل الأئمة من ذريته:
إمام الهدى سبط النبوة والد الأئمة
وفيه رسول الله قال وقوله
حبي بثلاث ما أحاط بمثلها
له تربة فيها الشفاء وقبة
وذرية ذرية منه تسعة
رب النهي مولى له الأمر
صحيح صريح ليس في ذلكم نكر
ولي فمن زيد هناك ومن عمرو؟
يجاب بها الداعي إذا مسه الضر
أئمة حق لا ثمان ولا عشر
«وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِكَ، كَلِمَةُ التَّقْوَى، وَ أَعْلَامُ الْهُدَى، وَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى» هذه التعبيرات لربط القرآن بالزيارة الزيارات الواردة عن الأئمة كلها مضامين قرآنية كلها استقاء من كتاب الله الإمام الصادق هنا يربط بين الآيات القرآنية ووبين زيارة الحسين «كَلِمَةُ التَّقْوَى» هي واردة في القرآن هذه العبارة واردة في القرآن﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾[10] ﴿كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾هي: الأئمة ولذلك ورد في الرواية عن الصادق: ”كلمة التقوى التي ألزمت بها امة النبي هي إمامة علي وأهل بيته“ ولذلك قال في آية أخرى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾[11] ما معنى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾؟! ورد عن الإمام الصادق تمت كلمة ربك بظهور قائم آل محمد فالأئمة هم الكلمة وتمامية الكلمة بقائهم «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، «وَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى»: أي أن المرد بالعروة الوثقى في القرآن الكريم هم أهل البيت﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم﴾[12] .
الصفة الروحية: نأتي الآن إلى الصفة الروحية للإمام الحسين الصفة الروحية وأروع الصفات الروحية صفت الإباء فقد تجسدت صفة الإباء في الحسين بأروع صورها وأجلى معانيها وصفة الإباء لها عدة مظاهر في شخصية الحسين:
المظهر الأول: العزة: التي عبر عنها الحسين بقوله: ”ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة“ العزة التي نشدها الحسين هل هي عزة مادية؟! أو عزة روحية؟! طبعا هي عزة روحية الحسين لا يتحدث عن عزة مادية ربما يفتقد أهل البيت العزة المادية الإمام زين العابدين اقتيد إلى الشام وهذه ذلة لكنها ذلة مادية جسديه وليست ذلة روحية ربما يفتقد المعصوم العزة المادية لكنه دائما يتحلى بالعزة الروحية زينب العقيلة أذلة أهينت أمام يزيد لكن أهين جسدها أهين بدنها أما روحها العملاقة فلم تنكسر ولم تتراجع إذا فقدت العزة المادية فأنها لم تفقد العزة الروحية بل وقفت أمام يزيد بكل صلابة وقالت: «فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد» فالمطلوب لذا أهل البيت العزة الروحية وليست العزة المادية.
والعزة الروحية أيضاً قد تكون عزة طبعيه بمعنى أن هناك أناس عندهم عزة بأنفسهم لا يرضى بأي إهانة لا يرضى بأي تعريض بأي رمز فيه هذه العزة ألطبعيه لا يقصدها أهل البيت ولا يعتبرونها هدف الذي يقصدون به هو «العزة الإيمانية» العزة المنطلقة من عزة الدين وليست العزة المنطلقة من طبع وليست العزة المنطلقة من سجية الإنسان وإنما العزة المنطلقة من عزة الدين التي عبر عنها الباري تبارك وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾[13] .
هذا ما أصر عليه الحسين حيث قال لوالي المدينة يا أمير: «أنا أهل النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله» أي أن ثقل النبوة أنا أمثل ثقل النبوة لو بايع ثقل النبوة يزيد أبن معاوية لكانت هذه البيعة إذلال لبيت النبوة وإذلال بيت النبوة إذلال للدين لأن بيت النبوة هو رمز الدين وهو واجهته ولذلك قال الحسين: «وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله حجور طابت وحجور طهرت، أُنوف حميّة ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام،.».
المظهر الثاني لصفة الإباء عند الحسين: قوة الإرادة: كانت إرادة الحسين إرادة حديدية إرادة صلبة صمود لا يتراجع صمود لا يهتز إرادته نابعة من إرادة جده محمد الذي كان يقول: «لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن يساري على أن أترك هذا الأمر ما أتركة حتى يظهر الله أو أهلك دونه» الحسين أيضاً عبر عن صلابة الإرادة عندما قال: «والله لا أعيكم بيدي أعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد»، هدد في المدينة لم يستجيب لتهديد قال: «مثلي لا يبايع مثله» ضيق عليه في مكة قال: «أني ماض إلى ما أمرت به» حوصر في كربلاء قال: «لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر أقرار العبيد» قتل أهله طردوه جعله في زاوية وحده قال لهم:
أنا الحسينُ بنُ علَّي
أحمي عيالاتِ أبي
آليتُ ألا أنثني
أمضي على دينِ النبي
الحسين صمود إرادة تتجدد صلابة تنبعث من الروح العملاقة التي كان يضمها الحسين أبن علي بين جنبيه.
المظهر الثالث من مظاهر صفة الإباء عند الحسين: الاعتزاز بالشهادة والافتخار بالموت: وهل رأيت شخص يفتخر بالموت؟! «إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما» الحسين يفخر بالموت ربما يقول قائل إذا قرئنا خطاب الحسين يوم خرج من مكة حيث قال: «كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلا بين النواويس وكربلاء... إلى أن قال: لا مَحيصَ عن يَومٍ خُطَّ بالقلم» ربما يقول قائل هذا الخطاب خطاب استسلام وليس خطاب افتخار الحسين هنا مثله مثل شخص مريض نزل به المرض فلا يستطيع دفعه فيستسلم له ويقول لقد نزل بي المرض ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إذاً الحسين استسلم للموت لا أن الحسين أقدم على الموت بطواعية واختيار وافتخار ربما يقول قائل هكذا ولكن هذا ليس صحيح:
أولاً: لأنه الحسين في خطابة أظهر شوقه للموت وفرحته بالموت وقال: «وما أولَهَني إلى أسلافي اشتياقَ يَعقُوبَ إلى يوسف» أي أنه فرح بالموت مشتاق له ومن كان مشتاق لشيء فيكيف يعتبر مستسلم للموت كمن يستسلم للمرض وهو يعبر عن شوقه وفرحته وإقباله على الشهادة.
ثانياً: هناك فريق بين التسليم والاستسلام، هناك استسلام وهناك تسليم المريض إذا نزل به المرض وأذعن له هذا «استسلام» يقول هذا قدري لا استطيع أن أدفعه عن نفسي ولكن الإنسان إذا نزل به البلاء فتعتبر البلاء نعمة يريد الله أن يمتحن إرادته بها وأن يمتحن صبره بها فأن هذا لا يعد «استسلام» بل يعد «تسليم» الحسين اعتبر الشهادة ابتلاء لإرادته وامتحان لصبره فقال أنا أهل لهذا الامتحان أنا أهل لهذا الابتلاء سأخوض مرحلة الشهادة ومرحلة الابتلاء بطواعية وثبات واختيار وسأكون ناجح في هذا الابتلاء فقد أقدم على الابتلاء بطواعية واختيار فهو مفتخر بالموت ولذلك قال: «رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين».
ثالثاً: أن الحسين لم يكن مشروعه أن يموت الحسين مشروعه الإصلاح «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي» لكن الحسين علم أن أول خطوة من خطوات الإصلاح إراقة دمه فدمه سيكون طريق لإصلاح أمر الأمة وكان بإمكانه أن يمتنع ويذهب إلى اليمين فهناك شيعة لعلي في اليمين يخبئونه أو بإمكانه أن يبايع يزيد ويحصل على الأموال والجاه والملك والسلطة ولكنه أبى إلا مشروع الإصلاح وأن كانت أول خطوة من خطوات هذه المشروع «الشهادة» وإراقة دمه فأقدم على الشهادة بطواعية واختيار وشوق وبهجة.
سأمضى وما بالموت عار على الفتى
فإن مت لم أندم وإن عشت لم أُلم
وأضرمها لعنان السماء
فما أجلت الحرب عن مثله
عفيرا متى عاينته الكماة
إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما
حمراءَ تلفحُ أعنانها
صريعا يجبن شجعانها
يختطف الرعب ألوانها
الحسين خاض المعركة وخاض الموت بكل جرئه بكل أقدام حتى قال محمد أبن مسلم: «ما رأيت مكثوراً قد قُتِلَ ولده وأهل بيته وصحبه اربط جأشاً منه وكان كل ما ازدحم عليه القوم تهلل وجه فرحا وهو يقول:
إلهي تركت الخلق طرا في هواك
ولوقطعتني بالحب أربا
و أيتمت العيال لكي أراك
لما مال الفؤاد إلى سواك
وصلى الله على محمد وآل محمد
منقول