يوم من ايام الغربة – 5
قد نتخذ مواقف ربما نندم عليها آنيا
ولكن على المدى البعيد ربما سنحس بسعادة غامرة ورضا لاجل تلك المواقف
علمتني الحياة ان تسجيل المواقف يأتي للحظة واحدة سريعه وخاطفة وربما ان لم يكن عقلك الظاهر قد حسم الامر فان عقلك الباطن قد حسمها ومتى غلب عليك في لحظات الذهول او لحظات التوهان فانه سيتصرف بما تمليه عليه
ايماناته والتي هي ايماناتك انت شخصيا والتي ربما تكون دفنت تحت انقاض ما حطمته الحياة فيك
حقيقة لقد احسست بالضياع
بعد ان تم رفض طلبي للجوء , لكن بقي لدي فرصة 9 أشهر لانتهاء فترة الاقامة هنا
فعلي تدبر امري خلالها
توجهت الى السوق حيث اعمل وكان صاحب المحل بانتظاري
قال لي جملة فهمتها : العمل بانتظارك هيا ....
قلت :(بان حازرم)
تعجب ودهش وضحك قائلا : جيد .... يجب ان تتعلم اللغة ... هيا اسرع للعمل
خلال الايام القليلة التالية تغير وضعي
فأستأجرت غرفة (فوق السطوح) كانت متواضعه ومساحتها كبيرة وكانت مخصصة لتربية الدجاج فيما مضى
قمت بتنظيفها وغسلها ودفعت 10 ملايين اجرة شهر مقدما
احضرت اليطغ الذي اعطتني اياه (الأم) في بيت الغجر ووضعته في الغرفة على الارض
كان علي تدبر اساسيات الحياة من اللوازم الاخرى وكذلك كانت جدران الغرفة (غير ملبوخه) لكن الوقت ما زال مبكرا فالجو ما زال حارا وانا اخرج في الصباح الباكر ولا اعو د الا مساء
خلال عملي بدأت اتعرف على مفردات من اللغة تساعدني في العمل
حيث علمني صاحب المحل اسماء الادوات واللوازم كذلك عد النقود , وخلال تواجدي في المحل كنت اصغي
لهم وهم يسألون – ما السعر – غالية – رخيصة – اريد كذا عدد – الخ
في احد الايام حضر الى المحل رجل تبدو ملامحه طيبة جدا
وتكلم مع صاحب المحل ثم التفت الي قائلا بالعربي : شلونك انت زين ؟
قلت : الحمد لله
قال : انت عراقي ؟
قلت : نعم
فاصر على ان اذهب معه لمنزله لانجز عمله وكان هناك خطوط كهربائية داخل المنزل قد احترقت
قلت : لكني لا اعرف ربطها
قال : مستحيل انتم العراقيون تعرفون كل شئ
ذهبت معه لبيته وبدأت العمل كنت انزع الوايرات المحروقة والمدفونه داخل انابيب في الجدران واستبدلها واحدا واحدا
واربطها بنفس الطريقة التي كانت مربوطة بها واستحضرت بعض دروس الفيزياء في الصف الثاني متوسط حين كنا نرسم الدوائر الكهربائية
لم يخطر ببالي يوما اني ساستفيد شيئا من هذه الدروس
اكملت عملي مساء وقمت بفتح الكهرباء وكانت صحيحة , لقد تعلمت طريقة ربط الاسلاك هذا سيفيدني
واصر صاحب المنزل على ان اتعشى معهم وانقدني 10 ملايين ليرة
بينما اعطتني زوجته كيسا من الشاي وعلبة سكر
ورغم رفضي لكنها اصرت بشدة
واكتشفت فيما بعد ان ربة المنزل في عرفهم يجب ان تكرم العامل في بيتها عدا اجرته
عدت للمنزل
وضعت كيس الشاي وعلبة السكر وقلت لنفسي : كيف ساصنع الشاي ؟
في اليوم التالي اشتريت قنينة غاز صغيرة بمشعل باربعة ملايين ونصف وقوري للشاي بمليونين ونصف
كنت سعيدا بذلك
في العمل بدأ العمال يضايقوني , لاني استحوذ على اهتمام صاحب المحل
وفضا للنزاعات قام صاحب المحل بتكليفي بمهمة ان اكون عاملا لدى احد الاسطوات في المحل لانهم هددوه بترك محله
وهذا سيضر كثيرا به
الاسطى الذي عملت معه كان قد قرر لي اجرة يوميه تبلغ مليونين ونصف
قلت مؤشرا بيدي : يومية العامل 3 ملايين
قال : لكنك ستعمل باستمرار معي
كنت اذهب صباحا في الساعة السابعة والنصف واحمل عدة العمل واسير خلف الاسطى
ازعجني وهو يصدر لي الاوامر ويصرخ احيانا , لكني تغاضيت واكملت يومي على مضض
عدنا في الساعة السادسة عصرا
*
كنت امر مساءا على بعض الاصدقاء العراقيين الموجودين هنا
ونقضي معظم الاوقات في السمر ومواساة بعضنا البعض
لكن وضعي في العمل كان ينغص حياتي
في اليوم الرابع لعملي مع الاسطى هذا قررت ان اتركه لانه يزعجني
فضلا عن انه يتعامل معي باستعلاء
عندما عدنا للمحل طالبته باجرتي للايام الاربع التي عملت فيها معه وتشاجرنا مع اني لم افهم نصف كلامه
لكني احسست انه يوجه لي كلاما بذيئا
فقبضت على ياقة قميصه وجررته بقوة سقط معها على الارض
ودست عليه بقدمي وسارع صاحب المحل لفض النزاع وحضر بالصدفة صاحبي الذي يعمل في ماكنة طحن الحبوب
وشمر عن ساعديه ورفع بوري من على الارض في المحل مهددا هذا الاسطى
وانتهى النزاع بقبضي لعشرة ملايين
وقلت لصاحبي : قل لصاحب المحل اني لن اعمل هنا بعد الان
وخرجنا
في حينها قال صاحبي : لا بأس هناك الكثير من المحلات يمكنك العمل فيها
بقيت اتسكع لأسبوع ولا اعرف ماذا افعل , وكنت اتمشى في السوق واشاهد المحلات
وقع نظري على محل للتأسيسات الصحية والكهربائية يظهر انه فتح حديثا
دخلت لاستطلعه
قلت لصاحب المحل : اريد بلايس من نوعية جيدة
طبعا هو لاحظ مظهري وخمن اني اسطى
فاعطاني عدة كاملة وقال : اين تعمل ؟
قلت : لوحدي
قال : لدي عمل لكن ليس عندي عمال , هل تعمل عندي ؟
قلت : غدا اعطيك الجواب
قال : هذه العدة هدية من المحل لك
بدأ الهواء يبرد اكثر واخذت اوراق الاشجار بالتساقط وحل الخريف
الخريف هنا قصير وسيحل الشتاء باكرا وعلي ان اتهيأ واستعد له
ذهبت في اليوم التالي للمحل الجديد وقلت لصاحبه : موافق سأعمل عندك
طبعا فرح جدا لانه كان على وشك غلق المحل لكساد بضاعته واعطاني خمسة ملايين ليرة كهدية من المحل
وقال : سارسلك الان في اول عمل لك
وذهبت وكان العمل ربط سخان ماء بدل اخر قديم في احد البيوت
انجزت عملي ببراعة لم اكن اتوقعها انا ايضا , كنت انظر الى الاشياء كيف ربطت واقوم بتفكيكها وربطها من جديد وهكذا علمت نفسي بدون معلم
يتبــــــــــــــــــــــ ع