لا يخفى على أحد حجم المأساة التي حلّت بضحايا قاعدة سبايكر وبعوائلهم ، ولا شك بأن كل عراقي بل وإنسان يتمتع بأقل قدر من الإنسانية يتعاطف ويؤيد مطالب هذه العوائل في الكشف عن تفاصيل هذه المجزرة وإنزال العقوبة العادلة بكل من تثبت مسؤوليته المباشرة أو غير المباشرة عن هذه الجريمة ، غير أننا لا بد أن نفهم جملة من المعطيات ستوصلنا إلى تحقيق ذلك بأقصر الطرق وبشكل عملي فاعل بدل الدوران حول أنفسنا وبالتالي الانتهاء إلى مصير قضايا كثيرة سبقت هذه المجزرة وانتهت بالتسويف والنسيان وآخرها قضية التحقيق في ( الخيانة ) التي أودت بالموصل والتي آلت إلى التدهور الأمني الخطير الذي نعيشه ، فالكثير الكثير من القيادات العسكرية والأمنية ما زالت تتمتع بصلاحياتها وامتيازاتها مع أنها صاحبة القرار وتتحمل نتيجة الذي حدث ، وكأنما اكتفينا بإعلان إحالة البعض من تلك القيادات إلى المحاكمة العسكرية وانتهى الموضوع ، لا تفاصيل لما حدث ولا اطلاع على قرارات تلك المحاكمات !!! ..... هنا في موضوع مجزرة سبايكر ستؤول الأمور إلى النتيجة ذاتها إذا ما استمرت فعالية المطالبة على الشاكلة ذاتها ، هنا نتساءل : هل المعني بأمر هذه المجزرة هو مجلس النواب فقط ؟ بل هل هو المسؤول المباشر ؟ والجواب بلا ريب كلا ، ذلك أن المسؤول المباشر هي وزارة الدفاع ، ومجلس الوزراء بعد وزارة الدفاع ، لأنهما الجهة التنفيذية المباشرة والجهة التضامنية تنفيذياً ، نعم مجلس النواب له مسؤولية دستورية وأخلاقية لا يمكن أن يتنصل منها لكنها مسؤولية غير مباشرة ، قد يتصور البعض أنني في محل الدفاع عن هذا المجلس أو العداء لوزارة الدفاع أو مجلس الوزراء ، وهذا ما لن أجهد نفسي في نفيه لأني سأكتفي بموضوعية المقال للتعبير عنه ، أي مبادرة شعبية يجب أن تكون واعية لتحقق هدفها ، والإمساك بتلابيب جهة غير مباشرة وترك الجهة المباشرة هو هدر للجهد وتسويف للقضية وإضاعة وهدر للحق المطلوب ، المطلب لا بد أن يفعّل أمام الجهة المعنية بشكل مباشر والضغط على الجهات الأخرى غير المباشرة لا العكس ، كما أنه لا بد من التساؤل : هل استقبلت وزارة الدفاع ومجلس الوزراء ذوي الضحايا ؟ أو هل استقبل هؤلاء من قبلهما بشكل لائق ؟ والجواب على ذمة السيد باقر جبر صولاغ هو النفي ، إذ يقول في لقاء متلفز بأن الجهة الوحيدة ـ بشهادة ذوي الضحايا ـ التي استقبلتهم وسمعت منهم هو مجلس النواب ، أي أن موقف مجلس النواب كان إيجابياً قياساً بموقف وزارة الدفاع ومجلس النواب ومكتب القائد العام للقوات المسلحة بصفته جهة معنية ومسؤولة قبل مجلس الوزراء في مستوى ترتيب المسؤوليات ، إذن كان من المفترض أن يكسب أهلنا من ذوي الضحايا هذا الموقف وأن تكون التظاهرات والاقتحام ـ لو صح واتفقنا معه كممارسة ـ لوزارة الدفاع ومكتب القائد العام ومجلس الوزراء ، ومواصلة الضغط على مجلس النواب وإدامة التواصل الفاعل لتحقيق الهدف المنشود من خلال هذه المطالبات ، كل ذلك جيد حتى الآن ، لكن ستقفز علامات استفهام كثيرة لو طالعنا المعطيات الآتية :
1- هل كانت مظاهرة اليوم هي المظاهرة الوحيدة أو الأولى لأهلنا من ذوي الضحايا أمام بوابة مجلس النواب العراقي ؟ والجواب لا ... فقد سبقتها مظاهرات واعتصامات أمام بوابة مجلس النواب ، وكان الإجراء هو خروج رئيس المجلس أو عدد من النواب لاستقبال ممثلين عن المظاهرات والاعتصامات وإدخال ممثلين عنهم للمجلس لغرض التباحث والتداول وتأكيد المجلس بأنه يقف مع تلك المطالب كلها ، وإطلاع الممثلين على آخر ما استجد من جهد يمكنني القول عنه بأنه حثيث مع الجهات التنفيذية .
2- مالذي كان من المفترض أن يحدث اليوم في جدول أعمال مجلس النواب العراقي ؟ والجواب هو : جلسة استضافة السيد وزير المالية لسؤاله عن موازنة العام المنصرم ، في ما وعلى ما صرفت !
3- من المسؤول عن حماية بوابة مجلس النواب ؟ والجواب هو : اللواء 56 المأمور مباشرة من مكتب القائد العام للقوات المسلحة
4- ماذا كان يحمل المتظاهرون الغاضبون ؟ والجواب هو : عصي متوسطة الحجم !! وبكل تأكيد نحن نقدر حالة الغضب ولا نلقي بلائمة أو ندعي التعقل لو كنا محلهم ، كان الله في عونهم على ما يلاقونه من هذه المصيبة الجلل
5- هل يسمح لأي أحد بالدخول عبر هذه البوابة وهو يحمل أداة بسيطة يمكن أن تستخدم كسلاح أو يشتبه في إمكانية تحويلها لسلاح ؟ والجواب هو : كلاااا قطعاً
6- مستوى الأمن المفروض في هذه المنطقة ؟ والجواب هو : أعلى مستويات الأمن المفروضة في البلد !!
مع هذه المعطيات وما سبقها أترك للقارئ تركيب الأجزاء ، وأتمنى على أبناء وطني أن يتمتعوا بالوعي اللازم والإجراءات الممكن اتخاذها والتي من شأنها أن تسهم في تحقيق المطالب لا تسويفها ، بمعنى آخر أن نعي كيف نحقق فاعلية التظاهر والاعتصام وأن لا نقع في مكيدة تؤدي إلى الالتفاف على المطالب المشروعة ، عزاؤنا الوحيد أننا في بداية شوط الديمقراطية وممارساتها ، لكن كل ما أرجوه أن نفهم اللعبة جيداً قبل فوات الأوان لأننا نؤسس لتعاطٍ سلبي في ممارسة التظاهر . الرحمة لشهداء سبايكر والعزاء لعوائلنا المنكوبة بأبنائها البررة .. والعقاب الرادع لكل من سولت له نفسه وفعل فعلته النكراء أو ساهم بسوء تصرفه من موقع المسؤولية بوقوع هذه الفعلة التي يندى لها جبين الإنسانية .. لكم كل الحب