بين الحسين والمسيح
قيل الكثير وكتب الكثير عن الإمام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء، من كربلاء حتى اليوم، وله الدموع والدماء والصلاة من المؤمنين في الذكرى السنوية لعاشوراء، كما لعيسى بن مريم على صليب الفداء في الجمعة العظيمة من أسبوع الآلام. وكأنهما، معاً، يحققان رسالتهما السماوية والإنسانية التي أذاعها يسوع: (ما من حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه).
وقد بذلا نفسهما عنا، وما نحن، هنا، إلا أحبّاء لهما، إيماناً وأخلاقاً وحياةً.
ليس لي إذن حق الكلام الجديد، بل ما قولك، أنت، يا حسين، يا حفيد الرسول الأعظم (ص)، بعد كربلائك، بكربها وبلائها؟ بل ما قولك، أنت، يا عيسى بن مريم، بعد الجلجلة وصلبك بين لصّين يميناً وشمالاً؟ أردتما، معاً: أنت يا حسين أمة واحدة لرسول واحد، أنت يا يسوع كنيسة واحدة لراعٍ واحد. وبذلتما الحياة في هذا السبيل تكفيراً وفداء ومحبة. وكانت بقربك، يا عظيمنا، أختك المثال زينب الكبرى سليلة أشرف نسب في الإسلام، ابنة فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص). وكانت فخراً لثورة أخيها التي أكملتها بجهادها المستميت، مرددة، كمريم أمام الصليب وبقربها النسوة المؤمنات: (اللهم تقبّل منّا هذا القربان) وما القربان إلا أنت. وكان معها المؤمنون والمؤمنات يبكون وينوحون. فحملت الرسالة وبشّرت باستشهادك الباسل، بصدقك وإيمانك وإنسانيتك في سبيل كل إنسان، بينما لا دين ليزيد القاتل الفاسق ولا ضمير، بل إرادة السلطة ظلماً وبهتاناً. وكانت تعيد: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون).
أجل كما المسيح الفادي، الحسين (عليه السلام) أحب مذاق الموت عن أمته. وكانت له صلاة النصارى. فاجتمع القسّيسون والرهبان في الكنائس وضربوا النواقيس حزناً على سيّد الشهداء، قائلين: (إنّا نبرأ من قوم قتلوا ابن نبيّهم). وقسّيس قال: (لو كان الحسين لنا لرفعنا له في كل بلد بيرقاً ولنصبنا له في كل قرية منبراً ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين). حقاً، المسيح والحسين كانا شهيدين للمسيحية والإسلام، في سبيل المظلومين والمضطهدين. ثورتهما كانت من أجل الحق لكل الشعوب ولكرامة كل إنسان، من كان. هي الجلجلة، هي كربلاء، لخلاصنا!
قال المسيح: (روح الربّ عليَّ ولهذا مسحني لأبشر المساكين، وأرسلني لأجبر منكسري القلوب وأنادي للمسبيين بالأفراح وللعميان بالبصر، وأشدد المنسحقين بالغفران، وأعلن السنّة المقبولة للرب). (لو 4. 18). والحسين (عليه السلام) قال: (لم أخرج مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة أبي علي بن أبي طالب) وقال المسيح لتلاميذه، وكأنها باسمه والحسين: (فإن كانوا اضطهدوني فسوف يضطهدونكم أيضاً.. سيفعلون بكم كل هذا من أجل اسمي لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني. لو لم آت وأكلّمهم لما كان لهم خطيئة. أما الآن فلا عذر لهم في خطاياهم) (يو 15. 20) نعم، عيسى والحسين نذرا حياتهما للشهادة في سبيل القيم الإنسانية. لذا، قال الحسين، وكأنها باسمه والمسيح: (لا أرى الموت إلا سعادة)، لأنها خلاص كل مؤمن مسيحياً كان أو مسلماً.
والآن، في زمننا الحاضر المتبدّل، وفي رؤيتنا العقادئية الثابتة وانفتاحنا على اللانهاية، بروح إنجيل وقرآن، وبوصية المسيح (ما لقيصر لقيصر وما لله لله). لنا سؤال واحد، ذو شأن، لعيسى وللحسين ابن جده: كان لنا الإنجيل والقرآن برسالتهما الفائقة، أخذنا أيضاً بعين الاعتبار (ما لقيصر لقيصر)، وهي العوائد والظروف في المجتمع، تتبدّل يوماً بعد يوم، ندرك ذلك. جواب المسيح: ما لله لله، لذا أريد كنيسة واحدة لراع واحد، كما بشّرت. ولي اليوم كنائس، كنائس... وكأني بعد، على الصليب جواب الحسين الشهيد، رجل المرحلة الثانية للإسلام بروح جده الرسول (ص): أريد إسلاماً واحداً، ديناً واحداً، مذهباً واحداً، شيعة واحدة. ولي اليوم شيع، شيع...
لنا، إذاً، جواب واحد من عيسى والحسين، وعندئذ، الإله العلي، به نؤمن وله نسجد، يسمع صلاتنا ويقبلها في كنيسة وجامع. ومن حواصل هذه الوصية: محبة القريب كما هو، الحوار الدائم، حقوق وواجبات كل إنسان، من كان. المساواة التامة بين الرجل والمرأة، بهذا الحضور وبهذه النباهة، شفيعتان: مريم وزينب. ولبنان، بهذه الصفات والكفاءات، يكون أكثر من بلد، بل رسالة في عالمه العربي.
صوت المسيح والحسين، على الصليب وفي كربلاء، لا يعلّمنا، عبر العصور، إلا العطاء والشهادة والمحبة. هكذا نصلي حتى تكون لنا المحبة حقاً، ميثاقاً للعراق. فيا وطني الحبيب ، أريدك لجميع بنيك، وطن إيمان وصلاة في كنيسة وجامع، لا وطن طوائف ومذاهب وطائفية. من هو المسيح، من هو الحسين؟ هما لي رسولا فداء وخلاص ومحبة جامعة. بروحهما يكون لبنان جنة لأبنائه، حاضراً ومستقبلاً، ونشيد وفاق ووحدة دائمة بوصايا قرآن وإنجيل. هي رسالته المثال في عالمه العربي وفي القارات