رسالة من صديقي السوري : نعم لقد انشققت
هل تذكرون صديقي السوري ؟
بعد طول غياب عاد ليحدثني
فقال: اشتقنا لك يا أخانا
فقلت: بل أنا المشتاق، أطلت الغياب حتى ظننت سوءا
أراحني قوله: بل هو خير إن شاء الله
أردت ممازحته فقلت: خلت للحظة أنك انشققت
فأجاب باقتضاب: و هذا ما حدث
صعقت للإجابة، و بدأ عقلي سريعا يعد سيول شتائم و سباب أتحف بها صديقي
فلم يترك لعقلي الفرصة و استطرد: لقد انشققت عن حياتي المدنية و التحقت بركب الرفاق في الجيش
سألته مستغربا: و لكنك في موقعك كنت جنديا مخلصا تعين وطنك فما دعاك لترك ما كنت عليه
قال: إنها الغيرة يا صديقي
سكتت لأترك له الفرصة ليفسر
فاستطرد في الحديث:
ليتك كنت بيننا لترى بعينيك قيمة الجندي السوري اليوم في أفئدة المواطنين
ليتك تحضر زغاريد النساء كلما دخل الجند لمنطقة ما
ليتك تسمع دعوات الأمهات التي تمس شغائف القلب كلما اعترضن جنديا بالطريق
ليتك تعايش حياة المجندين و هم يتدافعون كتفا لكتف ليذوذوا عن الوطن المستباح
ليتك تسهر معهم ليلة لتتمتع بمواويل حلبية ينشدها الرفاق في ساعة راحة
قلت: لا تبالغ يا صديقي فحياتهم مأساة
قال: بالعكس هي أحلى و أشرف حياة
قلت: إنهم يبيتون في الشوارع و الأراضي الخالية
قال: بل هم يبيتون في حضن الوطن، سورية الغالية
قلت: إنهم بعيدون عن الأهل و الأحباء
قال: في كل بيت لهم إخوة و أشقاء
قلت: العدو بلا أخلاق و المسلحون أشداء
قال: إن انتصرنا نلنا المنى و إن متنا شهداء
قلت: من غيرك تطوع ؟
قال: كثر
قلت: أين أنت الآن ؟
قال: بين إخوة السلاح، تحت سماء الشهباء نغني
قلت: تغنون ؟
قال: نعم، نغني لحن الحياة،
لحنا من تونس الإباء،
حماة الحمى يا حماة الحمى،
هلموا هلموا لمجد الزمن،
لقد صرخت في عروقنا الدماء
نموت نموت و يحي الوطن
قلت: حماكم الله
قال: أوصيك إن غبت أن تذكرني
قلت: سأذكرك
قال: قل لمن يسألك عن الشام، قل لهم هي كما عهدتموها فيحاء، فواحة كالياسمين، غيداء
قل لهم هي وطن العروبة، هي العذوبة، هي النقاء
قل لهم أن أهلها يبتسمون رغم طعن الإخوة، رغم البلاء
قل لهم أنها تنزف، تكالب عليها الموبوؤون و الأشقياء
قل لهم لا يزال فيها الرمق و لا تزال أرض الحب و الإخاء
قل لهم ستنتصر إرادة الحياة
مادام فيها حماة الديار الأباة
.. ==========
بقلم
بدر الدين الكاهية