قصة البصراوي "الشهيد الحي" الذي اعدمته داعش
31/08/2014
موقع الاتجاه - متابعة
أخذت روحي الهائمة تتفحص جثث زملائي العسكريين في حفرة كبيرة بعيدة ، تتمعن برعب أجزاء رؤوسهم المتناثرة بسبب رصاصات أطلقها نحوهم عناصر داعش، وفجأة وجدت جثتي في قعر الحفرة، نازفة من الرأس والكتف، لكن لم يحن وقت وداعها الدنيا، فعدت أليها ودبت الروح فيها من جديد، ففززت من عالم البرزخ إلى عالم الدنيا الكئيب، وعادت لي ذاكرتي ومن أكون ولحظات إعدامي وكلمات تتشفى بنا تتبعها "الله اكبر، أرسل الجندي الرافضي إلى جهنم".
هذا مطلع حكاية يسردها الشهيد الحي "محمد سلمان عباس الدوسري"، 25 عاماً، من أهالي البصرة، والمنتسب على لواء حرس الحدود السابع، عاد من الموت بعد أسره وإعدامه على يد تنظيم داعش الإرهابي بالقرب من مدينة القائم والحدود العراقية السورية.
واطلع "موقع الاتجاه" على مهمة صحفية خاصة لمراسل راديو المربد التقى فيها بالدوسري بعد عودته إلى البصرة، الذي حدثه قائلاً "تحرك لوائنا من مدينة الكوت نحو قاعدة عسكرية بمدينة القائم (حصيبة) التابعة إلى الانبار والتي سيطر عليها داعش وعلى الصحراء الغربية والحدود العراقية السورية، في شهر حزيران الماضي، لمساندة لواء 28 التابع إلى الفرقة السابعة بالجيش العراقي، والذي تعرض إلى هجمات عسكرية وإعلامية فككت صفوفه، غير أننا وصلنا في الوقت الضائع، وأخذ الجنود يفرون شيئاً بعد شيء، والإشاعات لاتفارقنا، حتى قام بعض الجنود بحرق مقر اللواء استعدادا للانسحاب الجماعي من دون أمر عسكري وبشكل مفاجئ في الـ20 حزيران الماضي".
الوقوع في الأسر
ويضيف قائلاً "بقيت انا واثنان من زملائي في اللواء، ورفض المنسحبون العودة للقاعدة رغم اتصالنا بهم عبر الهاتف، بعدها شاهدنا سيارة مدنية (بيك أب) تخرج من اللواء كانت تقل محتجزين أطلق سراحهم جنود من المنطقة، قمنا بالتلويح لهم فوقفوا لنا وركبنا معهم تاركين مقر اللواء والنار تتصاعد منه".
ويتابع "بعد ان سارت بنا السيارة طويلاً ووصلنا الى مفترق طرق نزل فيه المحتجزون وقدموا لنا ملابس مدنية وودعونا، ثم طلب منا السائق ومن معه من الجنود ان نرافقهم للمبيت معهم، فقبلنا مضطرين كوننا لانعرف أحدا أو مكاناً في مدينة حصيبة التي ما ان دخلناها حتى تفاجئنا بالمسلحين فعرفنا ان السائق قد وشى بنا، غير أننا عاجزين عن الفرار، حيث حاصرنا مسلحون بسيارات عرفناهم من تنظيم داعش من رايتهم السود، وقاموا بأسرنا مع الجنود".
ويواصل قصته قائلا "اقتادونا إلى مركز شرطة العبيدي الساقط بيد داعش، واخذوا هناك كل مافي جيوبنا، بعدها اتصل احد منهم إلى الأمير وقال له (أحضرت لك جنود روافض ستذبحهم يوم غد وتدخل بهم الجنة)، وحبسونا في سجن المركز، وفي الليل قمت صليت ركعتين وتوسلت بالله (واستشفعت بفاطمة الزهراء ع لنجاتي من كيدهم)، وبين الحين والآخر يطل علينا السجانون من فتحت الباب ويخبروننا بقرب إعدامنا، وحين حل الصباح نقلونا بسيارة (بيك أب) إلى منطقة أمر بها الأمير الداعشي يسميها (الجزيرة)، ومروا بنا على الناس وهم يتفرجون علينا ومسلحو داعش يوزعون عليهم الحلوى فرحاً وابتهاجاً بأسرنا".
الإعدام بعيداً في الصحراء
ويسترسل قائلاً "نقلونا إلى ناحية (الرمانة) بالقائم حيث المحكمة الشرعية لداعش والتي حكم قاضيها علينا بالإعدام بالرصاص، ثم أخذونا إلى منطقة صحراوية ذات وديان وحفر بالقرب من الحدود السورية واختاروا لنا حفرة كبيرة عميقة وضعونا على حافتها وأقعدونا جاثين على ركبنا، وأيدينا مقيدة من الخلف بشدة، ثم أبروحنا ضرباً وسألونا هل انتم خائفون من الموت؟، بعدها أطلقوا رصاصتين على زميلي (حسنين) وسقطت جثته تتدرج بالحفرة، ثم اطلقوا على (أنور) رصاصتين وسقط على وجهه والدم ينزل من رأسه بغزارة، وفيما انظر إليهما بطرف عيني في منظر مروع تفزع منه القلوب، نطقت الشهادتين والمسدس خلف رأسي حتى اسودت الدنيا بعيني وسقطت على وجهي وأخذت أتدحرج إلى عمق الحفرة بعد ان غبت عن الوعي".
العودة من الموت
ويلفت الدوسري الشاب قائلاً "فجأة شهقت بقوة ودبت الروح بجسدي وقمت من غيبوبتي بعد مرور ساعتين من حادث الإعدام وجسمي منهك مثقل مضرج بالدماء، وأحسست بجراحات وآلام في رأسي ورقبتي وكتفي، ولا ادري هل الرصاصتين أصابت سطح الجمجمة أو اخترقها ثم أصابت كتفي ورقبتي، لا أدري، لكني تأكدت إني من الأحياء مجدداً ويدي فتح قيدهما، فقمت وشاهدت جثث القتلى فاعتصر قلبي ألما، بعدها قررت الابتعاد عن المكان، لكن إلى أين ؟ لا ادري، وهكذا بقيت امشي لساعات حتى لمحت قرية بقربها صبيان يلعبون، وبعد ان وصلتهم قال كبيرهم لاتذهب إلى قريتنا ففيها مسلحي داعش، بل توجه للقرية الأخرى وقل لهم بلهجة أهل غرب العراق (داخل على الله ثم عليكم)، وأعطوني عبوة ماء بللت بها شفاهي اليابسة وسرت نحو القرية الأخرى".
دخيل جريح لدى شجاع غيور
ويمضى إلى القول "صادفني رجل يسقي الأرض بالقرب من القرية، فقلت له ما أوصاني الصبيان، فأشار لي بالجلوس، ورفع هاتفه واتصل على قريب له، والذي أخذني بسيارته إلى شيخ عشيرة أخذني بدوره إلى داره، وقال لي (انا سني الأب والجد لكن لن أسلمك لداعش حتى لو قطعوا رأسي) رغم تهديدهم بحرق القرى وأهلها ان تعاونوا مع الجنود والجيش، فأحسست حينها بالأمن لدى رجل شجاع غيور وكريم قام بذبح خروف كامل لي كرامة لمقدمي، ثم ضمد إصاباتي وأعطاني ملابس جديدة، وسألني عن هاتفي فأخبرته انه لدى داعش، بعدها اتصل الشيخ بقريب له يسكن في النجف اسمه (أبا عبد الله التميمي) وكلفه بالبحث عن أهلي بالبصرة وعن طريق مشايخ عشائرنا، وفعلاً تمكن من معرفتهم، وبالتالي كلمتهم عبر الهاتف في لحظات كانت أشبه بالقصة الخيالية".
وأردف بالقول"ثم نقلوني بسيارة مدنية بعد ان ألبسوني (شماغ) كأني من أبناء تلك المناطق، وعبرت سيطرات مسلحين عرب لمدن ساقطة بيد داعش لنحو ساعتين، حتى أوصلني الشيخ الذي جازف بحياته لأجلي ولاحتى اعرف اسمه إلى منطقة البغدادي التي يوجد فيها قاعدة الأسد الجوية وفرقة الجيش السابعة، ثم ودعني باكياً بعد ان وضع مبلغ 100 ألف دينار في جيبي، بعدها تسلمني الجيش العراقي ونقلني بطائرة الى بغداد ثم الى مدينة الطب، حيث التقيت بأهلي، وبعد ان تحسنت صحتي عدت إلى البصرة بأعجاز لايوصف
http://aletejah.tv.iq/index.php/permalink/27102.html