أثار التنظيم الإرهابي داعش " التنظيم الإسلامي في العراق وبلاد الشام " مزيدا من الذعر والرعب والاستياء الدولي بإقدامه على اتخاذ خطوات همجية بإكراه النساء والفتيات على الختان أو الخفض, في محاولة منه لتدنيس القيم الأخلاقية في المناطق التي احتلتها في العراق الآن أو في سوريا قبل ذلك ولإلحاق الأذى النفسي والإحباط بأرباب ورجال الأسر التي تقع تحت سيطرتها. وختان النساء يشبه إلى حد بعيد من حيث تداعياته وإضراره النفسية بالإخصاء عند الرجل وخاصة في زمن الحروب لإذلال المقاتلين وأسرهم ( وهذا يكون باستئصال خصيته وأحيانا باستئصال قضيبه كذلك ), مع الفارق في أنه عند المرأة لا يقطع النسل في معظم الحالات, لكنه يصيب المرأة بالتدهور في قابليتها الجنسية ويلحق بها اشد الأضرار النفسية, من كآبة وعدم الثقة بالنفس في أداء دورها مع الشريك, وضعف قابليتها الجنسية, والإحساس بتدني القيمة الجمالية لأعضائها الجنسية, والألم الشديد عند الجماع, والالتهابات المتكررة للمجاري البولية, ونقص في الخصوبة قد يصل أحيانا إلى العقم وكذلك اضطرابات في المزاج العام وسرعة الغضب والانفعال . ولكن كالعادة فالحركات الإرهابية المتأسلمة تبحث لها عن مبرر وضالة في الخطاب الديني والسنة النبوية لإسناد أفعالها بما يضفي الشرعية على سلوكها الهمجي, وسوف نتطرق لاحقا إلى ختان الإناث أو " خفض الجواري " كما ورد ذكره في السنة النبوية !!!.
أن ختان الإناث أو تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية أو ما يسمى في المصطلح الشرعي الديني " الخفاض أو خفض الجواري " جميعها مصطلحات ذات دلالة لغوية وثقافية ودينية, وحسب تعريف منظمة الصحة العالمية هي أي عملية تتضمن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الأنثوية دون وجود سبب طبي. ويمارس تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية باعتباره أحد الطقوس الثقافية أو الدينية في أكثر من 27 دولة في أفريقيا ويوجد بأعداد أقل في آسيا وبقية مناطق الشرق الأوسط. وفي مقدمة الدول الإفريقية وغيرها من الدول التي تمارس ختان الإناث " الخفض " حسب نسبتها العالية تنازليا هي: الصومال, غينيا, جيبوتي, مصر, اريتريا, مالي, سيراليون, السودان, غامبيا, بوركينا فاسو, إثيوبيا, موريتانيا, ليبيريا, غينيا بياسو, تشاد, ساحل العاج, كينيا, نيجيريا, السنغال, جمهورية أفريقيا الوسطى, اليمن, تنزانيا, بنين, العراق, غانا, توغو, النيجر, الكاميرون, ثم أقلها نسبة أوغندا !!!.
ومن الناحية التاريخية فأن ختان المرأة عادة فرعونية قديمة, وكانت البنات تختن في مصر القديمة, وقد يكون على الطريقة المتبعة في النوبة وبلاد السودان التي يطلقون عليها: الختان الفرعوني. وقد نشرها المصريون القدامى في شرق أفريقيا. ويقول المؤرخون إنها عادة فرعونية قديمة نشأت في مصر في ما قبل زمن إبراهيم عليه السلام, مما يعني ان عادة ختان النساء نشأت قبل اختتان الرجال, باعتبار أول من أختتن من الرجال هو إبراهيم عليه السلام. ومن مصر انتشرت في حوض النيل ثم إلى شرق أفريقيا ووصلت بشكل خفيف إلى الجزيرة العربية. وختان النساء موجود قبل الإسلام, وبقى بعد الإسلام مشروطا حسب السنة النبوية. والختان لدى المسيحية موجود عند الأقباط في مصر والسودان, أما عند اليهودية فهو موجود فقط لدى فرقة يهود الفلاشا !!!.
ومن المعترف به دوليا اليوم أن ختان الإناث يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان الخاصة بالفتاة والمرأة. وهو يعكس انعدام المساواة المتأصل بين الجنسين, ويشكل صورة مفرطة للتميز ضد المرأة. وتنتهك هذه الممارسة حق الشخص في التمتع بالصحة والأمن والسلامة البدنية, وحقه في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية أو أللإنسانية أو المهينة, وحقه في الحياة حين تفضي هذه العمليات إلى الموت. كما إن هناك يوم عالمي لرفض ختان الإناث ترعاه اليونيسيف للتضامن مع ضحايا الختان ورفضه, وهو يوم 6 فبراير من كل عام !!!.
وختان الإناث ممارسات تقليدية ضارة تنطوي على إزالة جزء من الأعضاء التناسلية الأنثوية الخارجية أو إزالتها بشكل كامل. وتشير التقديرات إلى أن عدد الفتيات والنساء اللواتي أجري لهن الختان حول العالم يتراوح بين 100 و140 مليونا. ويتراوح ختان الإناث ما بين الإزالة الجزئية أو الكلية للبظر، وبين إزالة البظر بكامله وبتر الشفرتين الصغيرين، وبين أشد أشكاله تطرفا وهو إزالة الأعضاء التناسلية الخارجية بأكملها وتخيط جانبي فتحة المهبل (الختان التخييطي الشامل أو الختان الفرعوني). وللتفصيل في هذا يمكن هنا الإشارة إلى تصنيف منظمة الصحة العالمية حول ختان الإناث, حيث هناك أربعة طرق يتم بها ختان الإناث, هي:
1 ـ إزالة غلفة البظر مع إزالة جزء أو كل البظر.
2 ـ إزالة البظر مع الإزالة الجزئية أو الكلية للشفريين الصغيرين.
3 ـ إزالة جميع الأجزاء الجنسية ( وتشمل جميع الأجزاء السابقة الذكر بالإضافة للشفريين الكبيرين مع تضييق المهبل عن طريق الخياطة, ويسمى هذا النوع من الختان بالختان الفرعوني.
4 ـ تدمير وتسوية البظر والشفريين الصغيرين عن طريق كي هذه الأجزاء أو حرقها مع الأجزاء المحيطة بها.
وتتم عملية ختان الإناث أو خفض الجواري أما بدون تخدير وغالبا باستخدام أدوات بدائية كالموس والشفرات الحادة أو مجرد سكين عادي, وفي بعض الحالات باستخدام مخدر, ويتسبب ذلك في الآم شديدة مؤذية للفتاة أثناء وبعد العملية, بل إن صدمة كبرى تنتابها جراء قطع بعض أو كل من هذه الأجزاء, وقد تسبب إلى حالات من الوفاة بسبب الرعب والفزع والخوف والانهيار النفسي الذي يرافق العملية. ولا ننسى إن المناطق الجنسية هذه مشبعة بالكثير من الأوعية الدموية والأعصاب والغدد الجنسية التي لها وظائف حيوية في حياة المرأة الجنسية التي تسهم بشكل كبير لإتمام الدور الحيوي والحياتي الجنسي مع الشريك !!!.
أما من الناحية الشرعية ـ الدينية وانطلاقا مما أكدته السنة النبوية فأن أي من الفقهاء لم يقل بأن خفض " ختان " النساء حرام أو مكروه تحريما أو تنزيها. وله مشروعية وجواز في الجملة لدى جميع المذاهب الإسلامية, ولكن إن تجاوز الحدود الشرعية المتفق عليها فهو حرام. وأحكام علماء الفقه والمذاهب مختلفة في حكم الخفاض " الختان " بين من يوجبه ومن يستحبه, ومن يقول انه مجرد مكرمة للمرأة. فعند الأحناف مكرمة وعند المالكية مندوب" أي ما يحمد فاعله ولا يذم تاركه " وعند الشافعية واجب وعند الحنابلة مكرمة غير واجب وعند الإباضية مكرمة غير واجب وكذلك عند الشيعة غير واجب وهو مكرمة ومباح شرعا إذا لم يؤدي إلى ضرر!!!.
سوف لا ادخل هنا في التفاصيل والإخبار التي يتناقلها الفقهاء والمؤرخين وعلماء الدين من مختلف المذاهب " سأترك ذلك إلى عدد من الروابط في نهاية المقال " ولكن اكتفي بالرواية المسنودة لدى مختلف المذاهب وان جرت عليها بعض التعديلات, فهي لا تمس جوهر الموقف الديني المتمثل بموقف النبي محمد ( ص ) من ختان النساء والذي تجمع عليه المذاهب الإسلامية. والرواية نقلا عن الإمام جعفر الصادق ( ع ) حيث قال: " لما هاجرت النساء إلى رسول الله ( ص ) هاجرت معهن امرأة يقال لها: أم حبيبة وكانت خافضة تخفض " تختن " الجواري, فلما رآها رسول الله ( ص ) قال لها: يا أم حبيبة ! العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت: نعم يا رسول الله إلا أن يكون حراما فتنهاني عنه, قال لا¸بل حلال فادني مني حتى أعلمك, فدنت منه فقال: يا أم حبيبة إذا أنت فعلت فلا تنهكي أي لا تستأصلي وأشمي, فأنه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج .." وفي رواية أخرى أيضا عن الإمام جعفر الصادق ( ع ) قال: كانت امرأة يقال لها أم ظبية تخفض الجواري فدعاها النبي (ص) فقال: يا أم ظبية إذا خفضت فاشمي ولا تجحفي فانه أصفى للون الوجه وأحظى عند البعل ". وحسب التفسير اللغوي فالمقصود بعدم الإنهاك أو الإجحاف أي عدم المبالغة في القطع, والشم يراد به الأخذ قليلا من قلفة البظر !!!.
وعلى العموم فان تداخل ما هو ديني وثقافي ـ تاريخي موروث في ظروف انتعاش الإرهاب والتطرف الديني والابتعاد عن الحياة الطبيعية القائمة على الفصل ما بين الديني والسياسي, ومابين الدين كشأن شخصي خاص وما بين الحياة العامة, يسمح للتطرف الفكري الديني في ركب النصوص الدينية واستخدام السنة النبوية لارتكاب مزيدا من المجازر والجرائم بحق حريات الأشخاص الفردية والاجتماعية, ويبقى الاضطهاد هو الاضطهاد مهما غلف بشرعية دينية لأنه مجافي لروح العصر والحياة المدنية وتراكم الخبرة البشرية في الحفاظ على كرامة الإنسان ومكانته !!!.
وتشكل ظاهرة الإكراه في ختان الإناث, وخاصة في مجتمعات الحروب احد مظاهر الانتقام والاضطهاد للمرأة, وهو امتداد طبيعي لما تتعرض له المرأة كمشروع للاستلاب منذ نعومة أظافرها, حيث تفرض عليها الوصاية التربوية والوعظية, خارج إطار والديها, من أخوانها الذكور الصغار والكبار, حتى إذا بلغت اشتدت دائرة الرقابة عليها من الجميع, ثم يستقبلها زوجها فيعيد إنتاج تربيتها وفق لما يرتئيه مناسبا له, بل حتى أطفالها الذكور يساهمون في " تربيتها " وفرض دائرة من الممنوعات على حركتها وحريتها الشخصية, وتتعرض إلى شتى مظاهر الإساءات كامرأة أو زوجة, من الإذلال وجعلها تشعر بعقدة الذنب, وإساءة معاملتها جسديا بالضرب والتهديد والوعيد, ومنعها من التعاطي بالمال وإيجاد فرص عمل لكسب المال وجعلها معتمدة كليا على مال الرجل أو اغتصاب مالها الخاص والتصرف به, وعزلها اجتماعيا ومنعها من الاتصال بالآخرين إلا بموافقات مسبقة وبشروط محكمة في الصرامة ومراقبة تحركاتها عن كثب, إلى أين تذهب ومع من تلتقي, وجعلها تشعر بالذنب أمام أخوانها أو أولادها وتهديدها من عدم رؤية أولادها وحتى ممارسة الضرب والاهانة لها أمامهم, وممارسة الإكراه والتخويف والتهويل لها وإجبارها على القيام بمختلف التصرفات التي قد تؤذي فيها حتى نفسها.
ويأخذ هذا الاستلاب طابعا مقدسا يستمد شرعيته من تفسير النصوص الدينية الوارد على ألسنة المشرعين والمفتين الذين يتدخلون بالتفاصيل الدقيقة لحياة المرأة وفرض الوصاية عليها, من طريقة لباسها وكيفية معاشرتها للآخرين وكذلك تقرير سقف ومدى مساهمتها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, والتحكم بها باعتبارها تابعا للرجل وجزء من ممتلكاته الشخصية, كما وصل بهم الإفتاء إلى إباحة أجزاء من جسدها لغير زوجها " كإرضاع الكبير ومفاخذته ", وإيجاد أشكال ظرفية عديدة ومختلفة من الزواج المؤقت, ويأخذ الاستلاب طابعا أكثر مرارة عندما يندمج الدين مع السياسية, ليتحول أكراه واستلاب المرأة إلى قوة قانونية ملزمة عليها من السماء والأرض. وفي هذا السياق يأتي ختان الإناث في زمن الحروب أو في زمن السلم الأهلي الشكلي امتداد لآلة القمع واضطهاد المرأة, فكيف الحال أذن عندما يكون مصير النساء بيد كارهي النساء من الحركات الإرهابية والانتقامية الدينية المتطرفة !!!!.