لايخفى على المتابع المختص وكذلك الجمهور تلك الامكانات المادية والفنية والكفاءات الإعلامية التي تشتغل في نطاق قناة العربية الفضائية السعودية والتي تبث من دبي ، ماجعلها تنجح في العديد من الآفاق والمديات في برامج خرجت عن المألوف ، وجاءت بما هو مميز أو رابض في منطقة المسكوت عنه ، وهو دفعها للأنفتاح على شاشة اخرى ، متناسلة عنها ،هي قناة العربية الحدث ، تساوقا مع تزاحم الأحداث في المسرح العربي الذي تحرث به الصراعات النارية وعنف الأحداث السياسية والطائفية . قناة العربية التي استطاعت التميز مهنيا لوقت ما ، حينما التزمت بمهمة الاعلام في نقل الخبر وتناول الحدث في حدود عناصره الوجودية او التلقائية دون تحميله دلالة غائية ، او توجه قصدي لتمرير فكرة او تثبيت حكم مسبق ، لكن هذه الأنساق العملية ، المهنية التي تعطي لها تميزا ونجاحا مطردا، لم تستطع قناة العربية ان تحافظ عليها . الأرهاصات السياسية صارت تطغي على الافكار الاخبارية والحوارات والمعلومات التي تبث عبر شاشتها الزاحفة من ساحة المهنية الإعلامية الى التخندق السياسي بلغته المباشر ، والممجوجة ايضا . وعلي سبيل المثال ظهر اليوم وسيظهر في بقية النشرات اللاحقة ، عنوان لتغطية احداث اليمن واحتجاج الحوثيين ، وتحت عنوان (طهران تحاصر صنعاء ) تريد العربية التصريح بأنها ضد الفصائل الشيعية العربية سواءا كانت في اليمن ام في لبنان ، وإلا ماهو الربط بين احتجاج حزب الله في لبنان والعصيان المدني الذي حدث في بيروت عام 2006وبين تظاهرات الحوثيين .

في هذا التقرير والبنية الخبرية للمتابعة لهذا الحدث المهم ، تقتصر العربية على النظر للأمور من زاوية كونها ضد ايران ، وهو مايجعلها تقتل مهنيتها وتتحول الى بوق سياسي مكشوف ومباشر . هكذا وجدنا العربية وهي تتابع الحدث العراقي ، وتروج لوهم (الثوار ) وتستقبل بعض المتحدثين باسم ثوار العشائر والمجلس العسكري الثوري وغيرها من الظواهر الصوتية ، لشخصيات لم تترك سوى السخرية في الأوساط العراقية ..، بل درجت على تسمية الأرهابيين بالمسلحين والثوار حتى صدر القرار السياسي من السلطة السياسية للمملكة العربية السعودية باعتبار داعش أخطر تنظيم ارهابي ، عندها التحق خطاب القناة بخطاب الأسياد . نصيحتي للمشرفين على العربية ان يعيدوا النظر بطبيعة الخطاب المهني وان يخففوا من الارتباط الاستنساخي بالخطاب السياسي ،وان يتحللوا عن عقد الإنتماء الطائفي وتوجهاته التي تغلف الرؤية بالعتمة ، حاولوا تجربة المهنية الحرة عندها سوف تصل كل الدلالات كما هي في نسقها الطبيعي والحر ، وفي هذا احترام لعقل المتلقي .