الكفاءة بين الزوجين
قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « وانكحوا الأكفاء ، وانكحوا فيهم ، واختاروا لنطفكم » (2).
لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة بصورة صريحة ، قال عزّ من قائل : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيّبات للطيّبين والطيّبون للطيّبات.. ) (1). وهذه الرؤية القرآنية نجد تأكيداً عليها في السيرة النبوية المطهّرة ، خصوصاً وأنّ المساواة بين غير المتكافئين ظلم واجحاف لايقرّه الشرع ولا ينسجم مع منطق العقل.
وفي هذا السياق يُحدد الإمام الصادق عليه السلام الخطوط العامّة للكفاءة الزوجية بقوله : « الكفوء أن يكون عفيفاً وعنده يسار » (3) وعند التمعن في هذا الحديث نجد أنّ الإمام عليه السلام يركّز على أهمية توفّر شرطين أساسيين في الكفاءة يتوقف عليهما نجاح الحياة الزوجية وضمان استمرارها ، وهما الشرط الأخلاقي المتمثل بالعفة ، والشرط الاقتصادي المتمثل باليسار.
وبتعبير آخر أنّه يرى أنّ الكفاءة التامة تتحقق بتوفر البعدين المعنوي والمادي معاً ، فميزان الكفاءة الحقّة ـ إذن ـ يجب أن يقوم في إحدى كفتيه على الأخلاق والفضيلة ، وعلى التمكن من الانفاق في الكفة الاُخرى ، هذه هي النظرة الواقعية للكفاءة ، فالإسلام لا يريد من الرجل أن يكون راهباً يقبع في أحد زوايا الدار أو المسجد للعبادة والنسك ويترك زوجته وأطفالها عرضة لعوامل الفقر والفاقة ، كما لا يرتضي أن يكون غنياً في غاية الثراء ولكن لا رصيد له من الفضيلة والعفة.
كان أمير المؤمنين علي عليه السلام لما خطب فاطمة عليها السلام فقيراً حتى إنّ نساء قريش قد عيّرنها بفقره ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « أما ترضين يا فاطمة أن زوجتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، إن الله تعالى أطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك فجعله نبياً ، وأطلع إليهم ثانية فاختار منهم بعلك فجعله وصياً، وأوحى الله إليَّ أن أنكحك إياه.. » فضحكت فاطمة عليها السلام واستبشرت..(4).
هذا الموقف الذي سجّله التاريخ بسطور من نور ، يُعطي الشباب درساً في الاختيار السليم لكي يضعوا نصب أعينهم الكفاءة المعنوية ويمنحوها الأولوية.
وما تقدم شاهد عملي من السُنّة على أهمية مراعاة الكفاءة بين الزوجين وليست الكفاءة منوطة بزخرف الحياة المادية بقدر ما تتحقق بالتماثل والتشابه من السجايا والطباع ، وقد ( أعربت عن ذلك زوجة معاوية ، وقد سئمت في كنفه مظاهر الترف والبذخ والسلطان والثراء ، وحنّت إلى فتى أحلامها كان خلواً من كلِّ ذلك ـ فقد كانت مطلّقة وتزوّجت من معاوية ، فلم تذق معه طعم السعادة ولم ترضَ عن أخلاقه ـ فأنشدت :
لبيت تخفق الأرواح فيه * أحبُّ إليَّ من قصـر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني * أحبُّ إليَّ من لبس الشفوف
وخرق من بني عمـي نجيب * أحبُّ إليَّ من علج عنيف (5)
إذن من الأهمية بمكان أن توجد حالة من التكافؤ بين الزوجين ، وعلى الخصوص في الجانب الإيماني والاخلاقي والعلمي ، وقد أشار الفقهاء إلى هذه المسألة المهمة ، يقول المحقق الحلي قدس سره : ( الكفاءة شرط في النكاح ، وهي التساوي في الإسلام ، وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان ، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام ، وإن تأكّد استحباب الإيمان ، وهو في طرف الزوجة أتمّ ؛ لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها.. ) (6).
ــــــــــــــــ
1) سورة النور : 24 | 26.
2) وسائل الشيعة 14 : 29 باب استحباب اختيار الزوجة.
3) من لا يحضره الفقيه 3 : 249 باب الاكفاء.
4) الارشاد | الشيخ المفيد : 24.
5) أخلاق أهل البيت عليهم السلام | السيد مهدي الصدر : 453 ـ 454 دار الكتاب الاسلامي.
6) شرائع الإسلام | المحقق الحلي 2 : 525 كتاب النكاح.