من يجذف ضد التيار؟






أحمد الحباسى

هناك سؤال ملح ، هل أنه بالإمكان عدم الوقوف مع المقاومة و مع سوريا و مع إيران ؟ أعيد السؤال ، هل أن الوقوف مع هذه العناوين المذكورة يمثل حالة من الجذف ضد التيار ؟ نحن لا نستوحش طريق الحق لقلة سالكيه و لا نلتفت إلى ألسنة و أصوات المنافقين و العملاء فسوريا ستبقى سوريا مهما اختلفنا مع النظام و أساليب النظام ، سوريا ليست النظام و نحن مع سوريا متى اختارت النظام و مع النظام متى اختار سوريا ، و المقاومة ، حزب الله أعنى بالتحديد ، سيبقى حزب الله مهما اختلفنا مع بعض الجزئيات ، و إيران الداعمة للمقاومة ستبقى إيران مهما اختلفنا مع بعض التوجهات ، نحن إذن ضد كل من اجتمع لتدمير سوريا على ساكنيها و ضد كل تجار الدم و ثوار البطون و حبوب الهلوسة .
نحن على يقين ، و لسنا وحدنا في هذا العلم و اليقين ، و لا نرتكز في طرحنا على المخيلة الشعبية الجارفة بل نحن ننطق بما ينطق به الأعداء الغربيون و الصهاينة في كتبهم و دراساتهم المعلنة و الخفية أن ما يحدث في سوريا ، كما حدث في العراق ، ليس إلا الحلقة الأخيرة من مسلسل إجهاض المقاومة و إنهاك الحلف المدافع عنها تحت كل العناوين ، بل نحن على قناعة راسخة بأن هناك إصرارا صهيونيا غربيا امبرياليا يتشابك مع رجعية عربية عميلة يسعى إلى منع تجدد ظاهرة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خاصة في سعيه المعلن إلى توحيد و وحدة الأمة العربية و بالذات المحافظة على سوريا ، سوريا التي شكلت دائما و أبدا الرقم الصعب في كل المعادلات و الحلول ، و الزعيم كان يدرك ذلك تماما ، لذلك لم يتحدث أبدا عن سواها،بل أنه لم يتحدث أبدا عن السعودية إلا بالاشمئزاز.
من الممكن أن يستشعر الكاتب الملتزم أحيانا بأنه “يجرح” إحساس البعض عندما يتحدث عن سوريا ، أو يشعر طوال الوقت بأنه يؤذن في مالطة ، بسبب كثرة المهرولين إلى أحضان الرذيلة الصهيونية ، بحيث يظن أنه يهدر وقته في تحقيق المستحيل ، لكن بالمقابل ، من المستحيل أن نتخلى عن القناعات و الثوابت رغم أن مناخ الكتابة قد أصبح غير صحي و فيه من الأوبئة العميلة الكثير لان رفع رايات المقاومة في أمة عربية فقدت “ألوانها” المميزة منذ زمن بعيد و استحلت الرذيلة و الذل كي تتجنب كل أوجاع رأس زوار آخر الليل هو فعل يحتاج إلى كثير من الصبر و التدرج و المعاناة لانجازه ، لكن بالنهاية نحن نواجه إعصارا غايته طي صفحة المقاومة و الدخول في كتاب التنازلات المهينة و بالتالي فان إصرارنا على الكتابة و المواجهة هو فعل فطرى لرد الاعتبار لهذه الأمة و محاولة جرها إلى استنهاض همتها و قوتها الذاتية لتعيد إنتاج جبهة رفض عربية بإمكانها التصدي للهيمنة الغربية .
نحن نطرح السؤال الذي لا يطرحه الكثيرون : هل أن أزمة سوريا أو مشاكلها مع الصهيونية ستحل لو رحل الأسد ، سيجيب البعض بالطبع و سيفكر البعض في الرد ، لكن الواقع يقول أن المطلوب من سوريا ليس رحيل الأسد بل رحيل الفكرة و الاتجاه المعارض للوجود الغربي في المنطقة العربية ، و بهذا المعنى فالمطلوب غربيا هو رحيل الشعب السوري الذي يتبنى هذا الطرح و هذا أمر مستحيل لذلك يركزون من باب العناد و المغالطة على الرئيس بدل الشعب و على رأس النظام بدل كل النظام ، هنا نتساءل هل أن رحيل على عبد الله صالح قد غير من حال اليمن إلى الأحسن ، هل أن رحيل مبارك قد غير من حال مصر ، و هل أن رحيل ملوك السعودية تباعا قد غير من واقع أن الحكم السعودي هو حكم عميل للأمريكان و الصهاينة ؟…
نطرح سؤالا آخر : هل ” تحرر ” القرار اللبناني بعد رحيل القوات السورية من لبنان ؟ هل توقف الطيران الصهيوني عن التحليق في سماء لبنان ؟ هل تم انتخاب الرئيس اللبناني ؟ …بالطبع الإجابة واضحة و معبرة ، لذلك نتساءل مرة أخرى لماذا يصر هؤلاء الخونة في تيار 14 آذار على توجيه عصاهم الجدلية الغليظة ضد سوريا و الاكتفاء بالانحناء الخجول أمام السفير الأمريكي الصهيوني في لبنان ، ثم لماذا تتجذر عادة الانحناء عند سعد الحريري للسعوديين و الصهاينة و يتأفف هذا الرجل من علاقة الند للند مع سوريا ، و إذا كان الحريري بهذا ” الاحتشام ” أمام الصهاينة و السعوديين فلماذا يتحول إلى بعبع مثير للاستهجان في مواجهة حلف المقاومة ، أم أن المطلوب من هذا التحالف الحريري العميل هو العمل على إنهاك المقاومة إعلاميا ليترك مهمة كسر ظهرها صهيونيا.
إنهم أنصاف رجال ، و فيهم من وصفهم بالنعاج ، فلماذا يتنطعون على حالهم لمحاولة الإيحاء بكونهم قادرين على صنع مستقبل هذه الأمة في حين أنهم سلموا كل وثائقها و دفاترها و تاريخها و مستنداتها الثبوتية للصهيونية العالمية ، ففيهم العميل الذي باع فلسطين أرضا و بحرا و جوا ، فيهم من باع المقاومة و وقف في حلف مع أعداءها ، فيهم من صفق لإسقاط حزب الله و كسر عظمه ، فيهم من خنق الشعب الفلسطيني حتى الموت ، فيهم من أعطى خطط الهجوم المصرية في حرب 1967 لإسرائيل ، فيهم من نادي بالقواعد العسكرية الصهيونية في العراق و في مصر و في الخليج ، فيهم من أعطى الغطاء السياسي لتدخل حلف الناتو في ليبيا ، فيهم من خان سوريا في عز أزمتها مع الجماعات الإرهابية ، فيهم…فيهم … فهل نحن مخطئون لأننا نمسك هذا القلم ، لأننا مصرون على فضحهم ، ثم لنتساءل بالنهاية ، لماذا يهاجمون هذا الموقع بجراثيمهم الالكترونية لإسكاته ؟ و إذا كان هذا الموقع ليس مهما ، و ليس فاعلا ضد مخططاتهم و فاضحا لخيانتهم ، فلماذا يتعرض لكل هذا الهجوم “الإرهابي ” ؟ نكتفي فقط بطرح السؤال .