داعش.. التلميذ الذي تفوق على أستاذه


دام برس _ بلال سليطين :
عيون العالم كله تتجه الآن إلى غرب العراق وشرق سورية، حيث "داعش" هذا التنظيم الذي بات يعرف باسم دولة الخلافة بزعامة "أبو بكر البغدادي"، فهناك يوجد الخطر الأكبر الذي يهدد العالم بأسره.
هذا التنظيم الذي اذا ما استمر في نهجه ووجوده فإنه قد يغير معالم المنطقة، ويؤدي إلى نشوء تنظيمات أخرى شبيهة له في العالم على غرار ماحدث في نيجيريا وإعلان جماعة "بوكو حرام" عن إقامة دولة الخلافة، وما يترتب على ذلك من مخاطر على وحدة الدول واستقرارها وسلامة مجتمعها ومواطنيها.
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فهو يومياً يجذب عشرات الإسلاميين من مختلف أنحاء العالم للانضمام له، وبحسب إحصائية شبه رسمية فإن أميركا التي تعتبر الدولة الأساس في محاربة الإرهاب صدّرت حتى الآن أكثر من "600" داعشي إلى سورية، فكيف بباقي الدول التي قد تكون مستفيدة جداً من وجود هكذا تنظيم.
وداعش لم يأت من فراغ فهو النسخة المطورة أو التلميذ الذي تفوق على أستاذه ومدرسته (تنظيم القاعدة)، هذا التنظيم الذي شكلته أميركا لمحاربة المد الشيوعي في أفغانستان، وقد اعترفت هيلاري كلينتون بذلك في حديث لها وأشارت إلى الهدف من إنشاء التنظيم والاعتماد على الوهابية.
بهذا يكون داعش قد تفوق على أستاذه "القاعدة" وأستاذ أستاذه "أميركا" فهو اليوم يشكل خطراً على أميركا (المؤسس والقاعدة الأم) والتي باتت عاجزة عن السيطرة عليه وإن كانت تعمل على ذلك مخابراتياً، إلا أن التنظيم بدا واضحاً على أنه خرج عن سيطرة الكل وبات قوة تسير بمفردها وتعمل على مشروعها الخاص والذي يقوم على بقائها منفردة وزوال الآخرين.
تقول تقارير إن المقاتل في التنظيم من أصل سوري يقبض شهرياً 400 دولار أي مايعادل 68000 ل س، ويتقاضى أيضاً 50 دولاراً عن كل طفل و100 عن كل زوجة ( اذا تزوج 4 بحسب الشرع فانه يحصل على 400 دولار)، ويضاف إلى ذلك تأمين المسكن (بعد احتلالهم آلاف المنازل وطرد ساكنيها)، ووقوداً مجانياً لسيارته وتدفئة (بعد السيطرة على عشرات حقول النفط في العراق وسورية) بينما يحصل المقاتل الأجنبي على نفس الراتب والإضافات والتعويضات، إلى جانب بدل هجرة 400 دولار (بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، المعارض).
التنظيم الذي ارتكب أبشع الجرائم وسعى جاهداً لتسويقها وتقديمها للناس على أنها عقاب للكفرة، بات الأكثر دموية في العالم، فهو يقضي على كل من يقف في طريقه ولا يقبل مشاركة أحد في حكمه حتى ولو اتفق معه في الفكر، هذه النزعة الوحداوية بدأت منذ لحظة إعلان البغدادي تشكيل دولة العراق والشام في نيسان 2013، الأمر الذي رفضه "الظواهري" زعيم تنظيم القاعدة ودعاه للعودة عن ذلك وصب جهده على العراق فقط، لكن البغدادي رفض بشدة وتعدى ذلك ليطلب من الظواهري نفسه مبايعته، في سابقة من نوعها تشهدها ساحة التنظيمات التكفيرية المتشددة والتي عملت كلها تحت سقف تنظيم القاعدة أو بمباركته وإن كان بعضها لايتبع له من حيث القيادة والإدارة، إلا أن تنظيما تكفيريا واحدا لم يجرؤ على اعلان العداء للقاعدة.
التنظيم نسف كل الدراسات والأبحاث عن المجموعات التكفيرية، من خلال سلوكه واتباعه لطريقة جديدة في إدارة المعركة فهو انتقل من سياسة التفجيرات وعمليات الإرهاب ودب الرعب والقلق هنا وهناك، إلى السيطرة على بقعة جغرافية والإنطلاق منها في التوسع، مع الإعلان عن إقامة دولة الخلافة مقتطعاً جزءاً من مركز دولة الخلافة الأموية (الشام) ومركز دولة الخلافة العباسية (العراقية).

تقول صحيفة العدو الصهيوني "إسرائيل اليوم" أنشأت المنظمة أيضا نظاما إداريا وسعت لتقديم نظام حكم للناس عسكري ومدني في محاولة لفرض نفسها كبديل عن حكومتي سورية والعراق، لكن كل ذلك كان الجزء السهل في حملة احتلال المنظمة، فالحديث عن مناطق صحراوية يسكنها سكان قليلون، والسكان فيها في الأكثر قبائل بدوية يسهل تجنيدها لمعركة الجهاد.
في الحقيقة لايمكن أن ننكر أن داعش موجودة في قلوب الكثيريين في العراق وسورية واكبر دليل على ذلك هو الصوت الإسلامي الخافت في مواجهتها حيث أنه باستثناء بعض الأصوات السورية لمشايخ محسوبين على النظام السوري لايوجد أي موقف واضح وعلني من داعش يمكن ذكره والإشارة إليه خصوصاً عند الشيوخ المصطفين في طرف المعارضة، كما أنه واضح للعيان وجود بيئة ساهمت في ظهور هذا التنظيم وتمدده.
يعلق شيخ رفض الكشف عن اسمه لدام برس: هذا الموقف المتذبذب يوحي بموافقة ضمنية من قبل هؤلاء على وجود داعش، وإن لم يكن موافقة فهو رغبة في إقامة دولة ذات لون طائفي في تلك البقعة، تقوم على أنقاض داعش حسب اعتقادهم، خصوصاً وأن هناك أرضية من أجل ذلك تكشف عنها خلال الفترة الماضية، من خلال تصريحات الزعماء السياسيين من الموصل ومحيطها.
هذا الموقف يشمل الذين لا يعيشون في مناطق سيطرة داعش، بينما أولئك الذين يسكنون في الرقة فلهم موقف مختلف، حيث يقول الشيخ "خالد" لقد كنا راغبين في أن يكون لدينا نظام إسلامي نعيش في ظله وقد شجعناه ودعمناه قبل أن نفاجأ به، مما اضطرنا على مغادرة بيوتنا في الرقة التي تسيطر عليها داعش والإقامة في المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية.
اذا مانظرنا إلى داعش في العراق نجد أن أغلب السياسيين المنحدرين من مناطق انتشارها موقفهم متشدد من الحكومة أكثر ماهو متشدد من وجود داعش وكأنهم يلمحون إلى رغبة في التقسيم وتشكيل دولة غرب العراق أو مايسمونها (العرب السنة)، وكذلك الأكراد في البداية كانوا يعملون على استغلال الموقف لمصلحتهم وسارعوا لتوسيع جغرافية الإقليم ومن ثم بدؤوا الحديث عن الانفصال متجاهلين خطر داعش، لكن هجمات داعش ضدهم أيقظتهم على خطر التنظيم وبدؤوا مواجهته عسكريا، أما الحكومة المركزية ذات الزعامة الشيعية فقد فشلت فشلا ذريعا في الحد من تنامي داعش وخسرت في يوم وليلة مايقارب ثلث جغرافية العراق لمصلحة داعش.
ترفع دولة الخلافة (داعش) شعار باقية وتتمدد، وهو شعار اذا ماعملت على تطبيق الجزء الثاني منه (التمدد) فانها ستبدأ في نهايتها، لأنها من المفترض وبحكم خبرتها وعمرها القصير غير قادرة على إدارة مساحات جغرافية كبيرة، وبالتالي فإنها ستبدأ بالتفتت داخليا، وستقوم صراعات في داخلها، والتجارب كثيرة في التاريخ الإسلامي عن الصراعات الداخلية والنزاعات على السلطة.
وكما خرج البغدادي عن طاعة الظواهري سيخرج الشيشاني والأفغاني والليبي وغيرهم من أمراء دولته (ارهابيو) سيخرجون عن طاعته ولن يتمكن من السيطرة عليهم، ومن غير المستبعد نشوب صراع دموي في قلب التنظيم من أجل السلطة، وإن كان بعض التكفيريين الغربيون جاؤوا إلى سورية حبا بالمغامرة كما يقول “مانغوس رانستورب”، رئيس مجموعة العمل حول المقاتلين الأجانب في شبكة التوعية الأوروبية حول التطرف، فإن هذه المغامرة ستتحول إلى أطماع بالحكم والسيطرة.
باعتقادي أن الإسلام كدين هو المتضرر الأكبر وكذلك المسلمين، لقد لفتني حديث رئيسة وزراء النرويج خلال مشاركتها في مسيرة ضد التنظيم حيث استشهدت بالحديث الشريف «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، حقيقة فإنها أبدعت انتقاء الحديث الشريف، فاذا ماتمعنا في نصه ومعناه نجد أن المسلمين بغالبيتهم غير معنيين به وهم لايعملون بجد على تغيير المنكر المسمى داعش لابيدهم ولابلسانهم ولانعرف اذا كان حتى في قلوبهم، وكأنهم يريدون القول هذا هو الإسلام، وهؤلاء (الدواعش) هم المسلمون، وهنا لابد من القول أن على المسلمين الثناء على موقف رئيسة الوزراء النرويجية التي عملت على اثبات أن داعش لاتمثل دينهم أكثر من كل شيوخهم الذين لم يدخروا فرصة في الدعوة لما أسموه الجهاد في سورية وكانوا سببا في تعاظم قوة داعش.


المصدر