تمثل صورة الشوارع ورائحة الامكنة عبقاً له دلالاته الموحية بالذكرى التي قد تمتد لعشرات السنين لتشكل في النهاية هاجساً كمن الذي يخرج طالباً للنجدة في بحر تلاطمت امواح احداثه لتحيل من يشاهده الى متفرج لا يقوى ان يتدخل لانقاذ ما يمكن انقاذه – فحكاية الحاج رحمن الكردي( 75 عاماً) الذي يملك هو واولاده محلاً كبيراً لبيع الحبال في شارع الكفاح مطلع السبعينيات دفعته ان يتساءل فاغراً الفم عن سوق السكائر الذي تحول الى علامة فارقة بعد ان ابتلع شعبية تاريخ سوق الدهانة المؤدي لسوق الشورجة بعد ما كان المكان حتى نهاية الثمانينيات ممراً ومكاناً لاقامة الطقوس الاجتماعية والدينية لعوائل الكفاح.
الحاج تذكر تلك الايام قائلاً: ذكريات
شارع الكفاح من الشوارع الطويلة في بغداد حيث يمر بثلاث مناطق هي الباب الشرقي ومنطقة النهضة وباب المعظم ولكل منطقة عدداً من الاحياء التي تحكي لنا تاريخ بغداد وتراثه المترامي.
ويتابع الحاج رحمن مستذكراً كما يضم العديد من المناطق مثل محلة الصدرية وعكد الاكراد وكهوة شكر والفناهرة واجميلة وفضوة عرب ومحلة بني سعيد وفضوة مرجان ورأس الساقية وباب الشيخ ودربونة الخرزج وابو دودو وابو سيفين وقنبر علي والمهدي والفضل.
التدريسي انور شيحا الذي يسكن شارع الكفاح منذ الستينيات تحدث قائلاً: يبلغ طول الشارع 5 كم تقديراً للبناء فيه منذ القرن التاسع عشر وكانت بيوته من القصب والطين ولكن حركة العمران فيه بدأت العام 1930 وقد شهدت سنوات الاربعينيات والخمسينيات انشاء عدد كبير من العمارات والابنية الحديثة.
شارع الملك غازي
وتابع التدريسي مضيفاً اطلق على الشارع في العهد الملكي تسمية شارع الملك غازي وبعد قيام ثورة 1958 سمي بشارع الزعيم فقد عرف الشارع بالانتفاضات التي سبقت الثورة وكان الزعيم عبد الكريم قاسم اول من اطلق عليه تسمية شارع الكفاح.
ويضم الشارع في بدايته سينما الشرق التي بنيت فيه مطلع خمسينيات القرن الماضي التي تحولت الآن الى محال لبيع الملابس المستعملة كما افتتحت فيه بعد ذلك دار سينما جديدة سميت سينما حمورابي وكانت في منطقة الجميلات.
أشهر المعالم
الباحث الراحل جلال الحنفي تحدث عن الشارع قائلاً: كان المكان ارضا زراعية خالية من العمران حتى اوائل القرن الثالث الهجري حيث بنى المامون قصره ليبدأ العمران بالاتساع لتنشأ البساتين والحدائق والمحال التجارية وقد سميت بالمأمونية التي تضم القشلة والدهانة وسراج الدين وقد ازدهرت تلك المحال في القرن الخامس الهجري حيث بنى الفقيه الحنبلي (ابو سعيد المحرمي) المتوفي سنة (513 هـ) مدرسة دينية في منطقة باب الشيخ ثم جددها ووسعها من بعده تلميذه الشيخ عبد القادر الكيلاني الذي أسس الطريقة القادرية وبعد وفاة الشيخ عبد القادر سنة 561 هـ دفن في رواق المدرسة لتتخذ بعد ذلك مسجداً يعد من اهم المساجد في بغداد ويتابع الحنفي مضيفاً وقد وصف المعالم المذكورة (ياقوت الحموي) في كتابه معجم البلدان واصفا الحيطان بالكامل ففيه المدرسة والمسجد والسوق وفي القرن الثامن الميلادي بدأ العمران بالتطور في منطقة شارع الكفاح وكان من اهم محلاته القديمة دربونة الجلبي والاثوت والعزة والبستان والوثبة.
مساجد تاريخية
وعن اشهر المساجد في منطقة الكفاح يتابع الراحل الحنفي مستذكراً هناك مسجد جامع الخلاني الذي يضم مرقد الشريف محمد بن عثمان المشهور بالخلاني ومسجدا سراج الدين وصدر الدين الواقعان في منطقة الصدرية اضافة الى مسجد محمد الالفي الذي بناه حبيب اغا الدركزي وحسينية الكرد الفليين في منطقة عكد الاكراد الذي شيدها السيد مصطفى اواسط الاربعينيات من القرن الثاني عشر وحسينية الكرد الفليين التي شيدها الحاج احمد الاحمدي العام 1941 وعن اهم المدارس في الكفاح تابع الحنفي هناك مدرسة العونية الابتدائية التي شيدت العام 1920
والمدرسة الحسينية التي بنيت في نفس العام والمدرسة الفيلية وكان مديرها السيد مهدي حسين.
كما ان هناك محلة كهوة شكر التي سميت نسبة الى شكر جد الاعلامي المعروفي ابراهيم صالح شكر في عشرينيات القرن الماضي.
الماضي والحاضر
بينما استذكر قارئ المقام عبد الستار الكرخي الذي شهدت له العديد من مقاهي الكفاح حسن اداء وصلاته الغنائية البغدادية مطلع السبعينيات القارئ استذكر اغنية المطربة الراحلة (سليمة مراد).
انه من اكولن أه واذكر ايامي "وهو يتحسر على ازقة ومناطق الشارع التي حل بها الخراب والاهمال حيث قال لقد كانت المنطقة الى حد مطلع التسعينيات قبلة الرياضيين وهي التي انجبت جبار رشك وستار خلف وشاكر اسماعيل وخليل شهاب ومحمود اسد وكاظم شبيب اضافة الى عدد من لاعبين كرة السلة والملاكمة.
كما كانت مكاناً لتسابق رمضاني حيث اشتهرت بأقدم مبارايات (المحبيس) الكرخي يتابع مضيفاً كما انجب المكان اضافة الى اول رئيس وزراء للعراق أبان العشرينيات عبد الرحمن النقيب والعديد من الادباء والشعراء والفنانين ابرزهم عبد الوهاب البياتي وفؤاد التكرتي ومطرب المربعات فاضل رشيد وراسم الجميلي كما اشتهر الكفاح باسطوات البناء مثل الحاج لقمان وغيرها.
ويمضي الكرخي قائلاً: ان المنطقة تشكو غياب الخدمات وتآكل البيوت القديمة.
منقول