ثمة ما لم يعد البرهان عليه صعباً على متابعٍ, أو دارس محلل, أو مواطن وهو أن الجبهات التي فُتحت على سورية من عدد كبير من دول العالم الغربي،وأدواتها في العالم الإسلامي، ومن تمّ استتباعهم من العرب هي ليست جبهات فيها شيء من مفاهيم المصالح الوطنية والإقليمية، والدولية بمقدار ما فيها استهداف لوحدة الجغرافيا السورية, ووحدة التاريخ السوري في النسيج والتناسج المشترك في عقد اجتماعي ثقافي وطني منذ آلاف السنين.‏
فالتقسيم لسورية هو في طليعة ما وضع على خارطة طريق المؤامرة، والمخططين لها، وهذا ما كان مهماً في حديث السيد رئيس الجمهورية لعدد كبير من الفعاليات في إفطار رمضاني معهم خلال هذا الأسبوع حيث ألقى الضوء على وظيفة الجبهات المفتوحة على سورية,وكيف أنها تُجمع على التّدمير, والتهجير، وتقسيم الوطن الواحد.‏
نعم لم يعد أمام المشروع الصهيو أميركي في المنطقة أية فرصة للحياة، وللتمدد على حساب العرب إلّا إذا فُكّكت جبهة المقاومة، وأجبر العرب المقاومون على توقيع صكوك استسلام وهم ضعفاء, موزعون على كانتونات أميرية صغيرة متناقضة السياسة والعمل, ومفتوح أمامها خط واحد فقط هو خط الركوع المستمر للمركز الإقليمي الأهم دولة الكيان الصهيوني.‏
وصار من الواضح أكثر من ذي قبل بسبب ضح الميديا الإعلامية الدولية المعادية لمصير الشعب السوري الواحد على أرضه الموحدة بأن استحضار مفاهيم‏
المعارك الطائفية، ومعارك التوزع الأثني, والاجتماعي بغية نسف المشهد الكلي للشعب السوري المتنوع الشرائح والأطياف، والمتوافق على مشتركات وطنية، وقومية، وروحية جعلته أنموذج الشعب الذي يستثمر تنوعه بمزيد من الخصوبة الوطنية، والعقلية, والمجتمعية. وبناء عليه فقد شهد برلمان سوريا في الربع الأول من القرن العشرين المنصرم أول ممثل يهودي فيه. ومنذ ذلك الزمان والحاضنة الاجتماعية والسياسية لا تفرّق بين المواطنين السوريين على أي أساس ما عدا الوطنية، أو اللّاوطنية.‏
وهذا الخط التاريخي لوجدان السوريين الموحّد يُحدّد نفسه في اللحظة المعيشة حيث مضت السنتان ونيّف على معركة دولية على سورية تعددت جبهاتها العربية، والإسلامية والصهيوأوروأميركية، وفتحت هذه الجبهات على كافة حقول الوطن، ومصادر وجوده الواحد، وعيشه المتكافل ولم يشعر المواطن الوطني بأي مصلحة له في هذه الجبهات، ولو أنهم صوّروها له بأنها ستأتي بكل ما يحلم فيه من مشاريع في وطنٍ مزدهرٍ, لكنه تلمّس بعد زمن قليل بأن الصورة مضللة، وليس أمامه‏
– أي المواطن- سوى التهجير من بيته، وتدمير حياته، وسلب ما جناه وتركه مشرداً ليموت دون حزن عليه.‏
وفي البرهة التي اكتشف المواطن السوري الخبايا الحقيقية من وراء ما يحدث في بلده تحت مسمّى الحرية انتفض شعوره الوطني وخرج من المنطقة الرمادية – كما عبّر عن هذا السيد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، ولاسيما المناسبة الأخيرة في الإفطار الرمضاني مع الفعاليات الوطنية – وصار المشهد السوري يوحي في جبهاته المتعددة له، أو عليه بأن الأطراف الثلاثة التي كانت في بداية المسالة السورية (مع, وسط, ضد) غير موجودة اليوم على هذا التراتب، بل صار الوسط مشكلة معقدة على الوسطيين بعد أن أوضحت إسرائيل دورها العلني في الانخراط بتدمير سورية،‏
وتقسيمها أرضاً وشعباً.‏
وكان قديماً في الميراث الوطني لسورية ضمير سياسي وطني لا محيد عنه، وهو إذا اتضحت للقوى الغربية الداعمة للمشروع الصهيوني أية علاقة أو دور في قضية ما من القضايا المتصلة بسورية ينحسم أمر الشعب مباشرة في دعم دولته، والوقوف في خندقها، ولا يقبل أحد بأن يُحسب على الخندق الصهيوأميركي لأن في هذا تلويثاً لتاريخه بالمطلق.‏
ومن عجائب الأمور أن نسمع أن سورياً يتحالف مع الشيطان في سبيل تدمير دولته, وتقسيمها, وتوزيع شعبه على كانتونات أميرية.نعم إن قلّةً قليلةً من هؤلاء موجودة اليوم, وهي ، سورية وهناك قلة تقود أنظمة عربية لكنها استثناء, فالقاعدة العربية دوماً هي المنتصرة. والذي تجري إرهاصاته في مصر، وتونس, وليبيا لا بد أن يُعيد توازن الصورة، وتستعيد العروبة المخلصة ألقها في الضميرالسوري، كما في الضمير القومي بآن معاً وحين عادت لترتفع فوق رؤوس المواطنين في البلدان المذكورة لافتاتٌ, وصُور قادةٍ قوميين فهذا ما يبشرنا بهزيمة عصر التضليل, واستلاب العقل.‏
ولكي تجتمع كلمة الشعب على مشتركات مطلوبة ربما يكون علينا نحن في مطارح الوطن المتنوعة, وأطياف الوطن المتنوعة كذلك أن ندخل جبهة واحدة نجعل فيها الشارع السوري على عتبة مشروع وطني متجدد, ولكيلا نكون يوماً ما أمام سؤال التاريخ عن الذي قمنا به لنصرة الوطن، ومنع تقسيمه يجدر بنا أن نتداعى إلى مؤتمرات وطنية مخططٍ لها، أو متروكة لكيفيات يختارها الوطنيون حتى نناقش معاً – تحت سؤال ما العمل؟‏
- ما هي متطلبات البرهة الراهنة من الحياة الوطنية للسوريين طالما أنه صار بحكم الحقيقة الواقعية حين تقول: ننتصر جميعاً في سورية التي فتحوا عليها الجبهات المتعددة، أو نخسر معاً في معركتنا العادلة ضد أعداء وجودنا، ومصيرنا المشتركين.‏
وهذه المعادلة التي لم يعد الجدل حولها مقبولاً من الطبيعي أن تحفزنا في مواطنيتنا نحو المزيد من التعاضد, والتآزر, وفي عقولنا نحو المزيد من الإدراك والاستدراك لما يقتضي منا أن نفعله. وسيكون أولو الأمر اليوم مخصوصين بالبحث عن قادة البلاد الفكريين, والسياسيين, والثقافيين,والاجتماعيين, والروحيين، والحقوقيين وتجميعهم تمثيلياً في مؤتمر وطني مفتوح التوجهات ومفتوح أزمنة الانعقاد حتى يحصل الجميع من خلاله على الميثاق الوطني الجديد للسوريين، وتوضع على ضوئه استراتيجيات الوطن المنتصر القادم, أما أن نبقى على حالة إنتظار، فهذا يعني توقيف جبهةٍ مهمةٍ من جبهات الخلاص‏