الزندقة مصطلح عام كان يطلق على حالات عديدة, يعتقد إنها أطلقت تأريخيا لأول مرة في العصر العباسي لوصف الاعداء من أتباع الديانات المانوية او المثنوية والذين يعتقدون بوجود قوتين أزليتين في العالم وهما النور والظلام، اللذين كثر ظهورهم في الثورات التي قامت في العصور العباسي، وهم الفرس الذين شاركوا في الحركات المناهضة للامويين وتأسيس الدولة العباسية ولكن المصطلح وإن بدأ يطلق تدريجيا على الملحدين وأصحاب البدع ولكنه في حقيقتة كان ايضا يطلق على من يدعون انهم كانوا يحيون ما إعتبر حياة المجون من الشعراء والكتاب وإستعمل البعض تسمية زنديق لكل من خالف مذهب السنة ويصف البعض تيارات معينة من الصوفية بالزندقة كما اصبحت كلمة الزندقة صفة تطلق اعتباطا في السياسة.

الواقع إن اصل كلمة زنديق جاء من الكلمة الفارسية (زنده كَرْد) الفارسية والتي تعني إبطان الكفر والإلحاد، وعليه فإن البعض يعرف الزندقة بالشخص الذي يعتقد الكفر ويُظهره كلما سنحت له الفرصة ولكن إذا تم إكتشاف امره فانه لايمانع ان ينكر إلحاده وهو بهذا يختلف عن المنافق وهو شخص يتستر على كفره في باطنه اي بينه وبين نفسه وهناك عند البعض تقارب بين الزنديق والمنافق فيعرف البعض الزنديق تعريفا مشابها للمنافق ومنهم ابن تيمية الذي قام بتعريف الزنديق بانه (المنافق، الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر)، ويعرف البعض الآخر الزندقة كصفة فارسية معناها متتبع الزند أي الشروح القديمة للأفستا وهو كتاب زرادشت مؤسس الديانة الزرادشتية. يعتبر ظهور حركة الزندقة في الاسلام من المواضيع الغامضة التي لم يسلط عليها إهتمام يذكر من قبل المؤرخين بالرغم من قدم الحركة التي ترجع إلى زمن العباسيين. هناك كتب تأريخية تتحدث بصورة سطحية عن أشهر الزنادقة والمحاربة الشديدة التي تعرضوا لها في زمن خلافة. وقد ذكرهم في كتاب (الفهرست) لابن النديم وكتاب (الأغاني) لابي فرج الاصفهاني وكتاب (مروج الذهب) للمسعودي.

إستنادا للدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه (من تاريخ الالحاد في الاسلام) والذي إستند بدوره على كتاب الأغاني لابي فرج الاصفهاني بدأت حملة الخليفة ابو عبدالله محمد المهدي على الزنادقة وإستنادا إلى نفس المصدر بإنه القي القبض على معظمهم وأمر الخليفة الذي كان حينئذ في دابق بقتل بعظهم وتمزيق كتبهم وتم تخصيص قضاة لهذا الغرض وكان القضاة في العادة يطالبونهم بترك الزندقة وللتأكيد من إنهم فعلا خرجواعن الزندقة كانوا يطالبون المتهم بالبصق على صورة (ماني بن فتك) وان يذبح حيوانا تحرمه المانوية، وإستنادا إلى الطبري فإن تهمة الزندقة إستخدمت ايضا لتصفية الخصوم السياسين وخاصة من الهاشميين، ويورد الطبري قصة يعقوب بن الفضل الذي سجن بتهمة الزندقة. ولهذا فإن الحملة الأولى على الزنادقة كان موجها بصورة خاصة إلى اتباع الديانة المانوية وبهذا فان استخدام صفة زنديق إتسعت في مدلولها وما يراد منها.
تعتبر وصية الخليفة ابو عبدالله المهدي لإبنه ابو محمد موسى الهادي اقدم نص رسمي حول الزندقة حيث تنص الوصية (يـا بني فرقة تدعو الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش والزهد في الدنيا والعمل للاخرة، ثم تخرجها الـى تـحـريـم اللحم ومس الماء الطهور, وترك قتل الهوام تحرجا وتحوبا, ثم تخرجها من هذه إلى عـبـادة اثـنين: احدهماالنور, والاخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الاخوات والبنات، والاغتسال بـالبول، وسرقة الاطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور فارفع فيها الخشب، وجـرد فـيـهـا السيف، وتقرب بامرها إلى اللّه لاشريك له، فاني رايت جدك العباس في المنام قلدني بسيفين، وامرني بقتل اصحاب الاثنين).

ومرة اخرى إستنادا للدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه (من تاريخ الالحاد في الاسلام) الذي إستند فيه على كتاب الفهرست لابن النديم كانت هناك 3 أنواع من الزنادقة هم طائفة المانويين الذين كانوا يؤمنون بالمانوية عن رغبة دينية صادقة، وإستنادا إلى ابن النديم كان معظم هذه الطائفة من (الموالي الفرس) ومنهم صالح بن عبد القدوس وعبدالكريم بن ابي العوجاء. والموالي هم غير العرب الذين اعتنقوا الاسلام الذين كان لابد منهم ان يلتحقوا بعهدة عربي مسلم والا رفض اسلامهم. الطائفة الثانية طائفة المتكلمين ويقصد بهم المشككين الذين كانوا يخوضون المناقشات الدينية ليجدوا (السلوى) حسب تعبير ابن النديم ومنهم ابن الراوندي وأبو عيسى الوراق الذي كان أستاذا لابن الراوندي. والطائفة الثالثة طائفة الشعراء ومنهم بشار بن برد وابونؤاس وابو العتاهية وابن المقفع. بشار بن برد يقول في قصيدة له (النار عنصره وآدم طينه – والطين لايسمو سمو النار) ثم يقول (الارض مزلمة والنار مشرقة – والنار معبودة مذ كانت النار) وله ايضا ما يشير الى الزندقة (واني في الصلاة احضرها – ضحكة اهل الصلاة ان شهدوا) ثم (اقعد في الصلاة اذا ركعوا – وارفع الرأس ان هم سجدوا).

يعتبر ابن الراوندي رائدا من رواد التشكيك كتب كتابين في الايمان المطلق ولكنه بعد ذلك انتهى اخيرا الى التشكيك في التوحيد واليوم المعاد وفي العدل وإنكار وجود الله وأزلية العالم. الف ابن الراوندي كتاب (التاج) وكتاب (عبث الحكمة) حيث طعن في التوحيد، ثم نشر كتاب (الدامق) ثم كتاب (الفرند) منتقدا فيهما رسائل الانبياء والرسل. وله ايضا كتب اخرى في التأكيد على الزندقة منها كتاب (الطبايع) و (الزمرد) و (الإمامة). وخلاصة مايراه ابن الراوندي هو ان الله ليس عليه ان رسلا من خلقه الى الناس، لأن في قدرة الله وعلمه أن يجعل الإنسان يرقى ويمضي إلى رشده وصلاحه بطبعه. ابن المقفع هو الآخر اتهم بالزندقة ايراني النسب كان مطلعا على الثقافة الفارسية والهندية واليونانية، بالإضافة إلى فصاحة بيانه العربي. يعتبر كتاب (كليلة ودمنة) من أشهر كتب ابن المقفع. تهمة الزندقة جائته كجزء من الخلافات السياسية داخل الأسرة العباسية، من بعض كتاباته خاصة في باب برزويه من كتاب كليلة ودمنة مؤشرات يحث فيها على الالحاد حيث يقول (وجدت الأديان والملل كثيرة من اقوام ورثوها عن آبائهم وآخرين مكرهين عليها وآخرون يبتغون بها الدنيا و منزلتها، فرأيت ان اواظب علماء كل ملة لعلي اعرف بذلك الحق من الباطل ففعلت ذلك وسالت ونظرت فلم اجد من أولئك احدا إلا يزيد في مدح دينه وذم دين من خالفه ولم اجد عند احد منهم عدلا وصدقا يعرفها ذو العقل ويرضى بها).

انتشر اصحاب المذاهب الزرادشتية والمانوية ,المزدكية والبوذية وكانت كما يقول (برون) زردشتية منصرة اي زرادشتية متأثرة بالمسيحية. في الحيرة عاصمة المناذرة الذين كانوا على انفتاح على حضارات اليونان عن طريق السريانية وحضارات الفرس والهند وكانت الحيرة تتكلم العربية والسريانية والفارسية واستمروا على احوالهم في العصر الاموي اما في العصر العباسي، فكانت لهم ادوار كبيرة في الثقافة خاصة في نقل العلوم من السريانية الى العربية وفي بناء بيت الحكمة وكان الفرس منتشرون في الحواضر العباسية آنذاك وحيث برز الكثير منهم ايام الدعوة العباسية وساعدوا في قيام الدولة العباسية ومنهم ابو مسلم الخراساني وبرزوا في عهد الرشيد حيث ظهر البرامكة وكانوا ولاة في تربية الرشيد واندمجوا في الحياة السياسية الى درجة انهم كانوا ينافسون الرشيد في العلاقات مع الناس فزاد نفوذهم مما حمل الرشيد على قتل البرامكة جميعهم فيما يعرف بـ (نكبة البرامكة) للتخلص من منافساتهم. وكان العباسيون يطلقون على المواطنين من الفرس بالشعوبيين بعد ان تحرروا من صفة الموالي اي المسلمين غير العرب والذين عليهم الانتماء في عهدة عربي. وبسبب التمييز الذي كان في الدولة فان الكثير منهم شاركوا في ثورات والزنج والقرامطة وغيرها من الثورات التي اضعفت الدولة العباسية خاصة في النزاع بين الاخوين المأمون الذي كانت امه فارسية والامين العربي الاصل كل ذلك ادى الى اتهامهم بصفة الزندقة وامتدت صفة الزندقة الى كافة الخصوم السياسيين فالمعتصم قتل قائده (الأفشين) بعد محاكمة اثبتوا عليه الزندقة بسبب خلاف في الرأي. ينبغي ان لا ننسى وصية المهدي لابنهالهادي وصيته باتهام الخصوم بتهمة (نكاح الاخوات والبنات والاغتسال بـالبول). وهي تهم واهية بالاظافة الى الادوار التي قام بها الغلاة في الدين ومنهم الامام الغزالي في كتابه (تهافت الفلسفة) في مقولته الشهيرة (من تمنطق فقد تزندق).

اليوم نجد ان (الزنديق) قد تبدلت الي (عميل) للامريكان والاستعمار ورسخت في اذهان الكثرة الكاثرة من المثقفين واصحاب العمائم السود واللحى، (المؤامرة) هذه بدأت من الماضي السحيق ثم جاء بها عبد الناصر ففي احدى خطبه ذكر كلمة الاستعمار 500 مرة فالحرب العراقية الايرانية القذرة الشرسة كانت مؤامرة من الاستعمار. اما الآن فقد جعلوا (عبد الامير علاوي) عميلا ليس هناك فقط، بل هنا في تورونتو عندما ردد في اجتماع الجمعية العراقية الكندية احدهم بان (عبد الامير علاوي) عميل واكد قائلا انا اعرفه. والمعروف عن هذا الشخص انه يلحس الحذاء من اجل الدولار. فوق ذلك كون كان (عبد الامير علاوي) بعثيا اصبحت كلمة زندقة ترمى على الكثير بطلقها دون تعقل اعوان العمائم السود وكأن كل بعثي كان مجرما وكانت قد فرضت بالسيف على المعلمين والشرطة والضباط،