الفيودالية

شكلت ظاهرة الفيودالية أحد أخصب المواضيع التي استأثرت باهتمام الباحثين في مختلف أقطار المعمور منذ القرن الثامن عشر، ولازالت إلى يومنا هذا مثار جدال بين المختصين، سواء فيما يتعلق بحيثيات نشأتها أو فيما يتعلق بمجال انتشارها ومستويات تبلورها هنا وهناك.

وقد انعكست ديناميكية البحث وسيولة التأليف في مختلف جوانب الظاهرة بالإيجاب على المكتبة التاريخية عموما ومكتبة التاريخ الأوربي الوسيط بشكل خاص. حتى أنه أصبح من الصعب - وربما من المستحيل - على القارئ العادي أو الباحث المختص الإحاطة بجميع ما تم انجازه فيها من أبحاث منغرافية أو دراسات ذات طابع تركيبي أو مقالات أو مداخلات ألقيت في إطار الندوات والملتقيات العلمية؛ نظرا لكثرة هذه التآليف من جهة ونظرا لاختلاف اللغات التي كتبت بها من جهة أخرى.

والملاحظ أن ظاهرة الفيودالية تكاد تكون ظاهرة كونية؛ انتشرت كليا أو جزئيا في مختلف أقاليم العالم القديم، ولذلك اهتم الباحثون الغربيون المحدثون والمعاصرون بدراسة مظاهرها في مجالات أوربية طبعا وفي مجالات غير أوربية أيضا. وفي هذا السياق انبرى عدد منهم لمعالجة بعض تجلياتها في المجال العربي- الإسلامي خلال العصر الوسيط أو خلال الحقبة السابقة على الاستعمار الأوربي. غير أن الباحثين العرب ظلوا، مع الأسف، بمنأى عن هذه الحركية، باستثناء قلة قليلة منهم اقتحمت غمار هذا الموضوع. ومن ثم، فان ما كتب عن الفيودالية باللغة العربية، أو ما تم تعريبه من مؤلفات أجنبية تناولتها، لا يمثل سوى نسبة هزيلة جدا. ويبدو هذا الأمر غير مفهوم إذا علما بأن التاريخ الأوربي الوسيط، الذي تمثل الفيودالية إحدى أبرز قضاياه، يندرج ضمن برامج ومقررات أقسام التاريخ بالجامعات العربية. ومن هذا المنطلق كان من المفروض أن تحضى الفيودالية (و تاريخ أوربا الوسيط ككل) باهتمام الجامعيين بحثا وتأليفا.