الالتباس amphibology

الالتباس أو "فسوء الفهم":- هو أسوأ بكثير من "عدم الفهم" لأن من يعرف أنه لم يفهم يحاول البحث عن الفهم, بخلاف "سوء الفهم", فالإنسان هنا لم يفهم المقصود ولكنه ظن أنه فهمه, وبالتالي فهو لن يبحث عن الصواب, ولكنه سيركن إلى سوء فهمه, وسيكون مستند وعيه وتعامله مع الواقع
.


والشكل اللغوي للالتباس عند محمد شاويش ينطلق من الظاهرة اللغوية "الاشتراك", حيث يكون أحياناً للفظ الواحد مدلولات مختلفة, مثل بعض الكلمات التي تحمل معانٍ متعددة مختلفة ككلمة (عين) مثلاً, فهي تدل على عضو الإبصار في الجسد, وقد تدل على نبع الماء, وغيره. وبما أن الدالات التي هي الألفاظ محدودة, لأنها تتكون من أصوات محدودة بمحدودية قدرة الإنسان الفيزيولوجية, فإن ظاهرة "الاشتراك اللغوي" تكون ظاهرة لا بد منها, فالدالات محدودة بينما المدلولات متغيرة بتغير الزمان والمكان.

للدالات نوعين:-دالات مرتبطة بمدلول, ودالات غير مرتبطة بمدلول. والالتباس أو سوء الفهم كما بيّن محمد شاويش متعلق بالنوع الأول, حيث تكون الدالة مرتبطة بمدلول.
ويمكن تعريف سوء الفهم أو الالتباس بأنه: ربط الدالة بمدلول خاطئ, أو توهم وجود رابط بين دال ومدلول


وبتعميم إمكانية حدوث ربط خاطئ أو متوهم بين دالة ومدلول على أنواع "الدوال" غير الدوال اللغوية, سنجد أن ظاهرة الالتباس توجد في حالة أعم, وهي حالة "أنظمة الإشارات", حيث يقع الالتباس في تفسير الإشارات التي قد يكون لها مدلولات متنوعة ومختلفة حسب الزمان والمكان, فالبياض والسواد كإشارة للحزن والفرح يختلف بين بلد وآخر, حيث يعتبر البياض في أحدها رمزاً للفرح, بينما يكون في بلد آخر رمزاً للحزن, وهكذا بالنسبة للسواد
وتختلف حالات الالتباس حسب درجة تعقيدها, فأبسط حالات الالتباس نجدها عندما يوجد الدال ويحصل الاختلاف في المدلول, ويمكن تصحيح الالتباس بوضع المدلول الصحيح مكان المدلول الخاطئ. ولكن هناك حالة التباس تكون أكثر تعقيداً وذلك عندما لا نفلح في وضع المدلول الذي نفترض ملاءمته للدال في سياق مقبول لنا, ينسجم مع القواعد المحددة للعلاقات الداخلية بين التشكيل الدال والتشكيل المدلول. وهذا النوع يكثر ظهوره حين يتعلق الأمر بمحاولة "ترجمة" أو "تفسير" ظواهر ثقافية معقدة تميز حضارة معينة إلى مفاهيم حضارة ثانية .

وقد قدّم محمد شاويش تحليله للالتباس ونظريته في التفاهم, وقدم تطبيقات عملية على ذلك في كتبه ومقالاته و أريد أن أقدم عرضاً لمفهوم الالتباس ونظرية التفاهم عند محمد شاويش وما تبعها من تطبيقات في نقد الوعي والواقع في مجتمعاتنا.

الالتباس ونظرية التفاهم:
يشوب التواصل الإنساني دائماً قدر يزيد أو ينقص من سوء الفهم, فالإنسان في عملية تأويل مستمرة للإشارات الموجودة حوله, وقد يصيب أو لا يصيب في تفسير هذه الإشارات, لأن العقل الإنساني يتأثر بما حوله ولا يتلقاه بصورة آلية محددة ولكنه يتعامل مع هذه الإشارات والمدلولات متأثراً بالحالة النفسية للإنسان نفسه, وبالمحيط البيئي والثقافي الذي يعيش فيه, والذي يعطي للدالات مدلولاتها الخاصة. وقد عدّ محمد شاويش حالات مختلفة من الموقف من الإشارات يمكن تصنيفها كلها تحت بند "الفهم" و"اللافهم"( 5), وعلى هذا فإن التفاهم أو الاتصال يتم بصورة صحيحة عندما يكون هناك وحدة مدلول عند الطرفين للدالة المستعملة. يقول محمد شاويش: "التفاهم لا يعني عندنا أكثر من الفهم المتبادل, وهذا يعني وصول كل من الدالات والمدلولات بصورة صحيحة إلى طرفي عملية الاتصال....ولما كانت عملية الاتصال تتضمن استعمال هذه الدوال مع افتراض وحدة المدلول عند الطرفين فإن عدم وجود هذه الوحدة وعدم اكتشاف الطرفين أو أحدهما هذا الاختلاف يؤدي إلى سوء الفهم (من أحد الطرفين) أو سوء التفاهم (من الطرفين كليهما)"


ومن التطبيقات التي قدمها محمد شاويش لنظرية الالتباس:

1 ـ الالتباس والتراث
2 ـ الإنسانوية الزائفة
3 ـ التمييز بين مصطلح "الإسلامي" و"الإسلاماني"

4 ـ الالتباس في المعسكرات الفكرية العربية
5 ـ حقيقة الاختلاف الثقافي بين الحضارات