المؤسسات الاجتماعية
الاجتماع البشري مع تبعثر أفراده له تنسيق، وكل يعمل في ذلك التنسيق.
1 ـ لأجل أن البشر خلق هكذا، فهو يحب العمل في ضمن المجموعة.
2 ـ ولأجل أن التقدم وقضاء الحوائج، إنما يكون بالعمل التنسيقي، وهذا التنسيق يتحقق حتى مع تعارض أفراده بعضهم مع بعض، وكذلك في داخل الاجتماع، تعمل المؤسسات بتنسيق، أي أن كل مؤسسة تكون مع المؤسسة الأخرى في تنسيق.
فمثلاً: المؤسسة الاقتصادية تقوم بتوفير الجهات الاقتصادية لمؤسسة تربوية، والثانية تقوم بتوفير الجهات التربوية للأولى، وهكذا.
وهذا التنسيق، سواء كان بين أفراد الاجتماع، أو بين المؤسسات أو بين الأفراد والمؤسسات، يسمى بـ[ـالنظم] وبـ[ـالنظام] وهذا النظم هو روح الاجتماع، بلى يمكن أن يقال بالتساوي بين الأمرين، فالنظام يساوي الاجتماع وبالعكس.
والفرق بين النظم والنظام، أن الثاني وليد الأول، وإن كان ربما يطلق كل واحد منهما مكان الآخر… وكما أن الإنسان له [فكرة] و [قول] و [سيرة] و [عمل] وأن الثالث عبارة عن كيفية امتداد حياته والرابع عبارة عن فعله وإنتاجه، كذلك المؤسسة لها تلك الأمور الأربعة، إذ المؤسسة تنطوي على فكرة خاصة، كالفكرة التثقيفية، ثم الدعاية والإعلان، ثم منهجها في حياة نفسها، ثم إنتاجها وعملها.
ومن الواضح أن تغيير فكرة المؤسسة يؤثر في الثلاثة الأخر فإذا كانت مؤسسة اقتصادية نقدية، ثم نظمت نفسها لتكون مؤسسة اقتصادية تجارية، تغيرت كل أساليبها الثلاث الأخر.
المؤسسة والأعراف الاجتماعية
والمؤسسة تبقى حية مادامت تعمل، فإذا تركت العمل ماتت وتلاشت.
والمؤسسة حالها حال الفرد في أنه قد يكون يعمل طبق الموازين العرفية وفي هذا الحال تدوم المؤسسة، أما إذا عملت المؤسسة على خلاف العرف السائد ـ كأن تعمل مؤسسة اقتصادية في البلاد الرأسمالية على طبق الموازين الاشتراكية ـ فإنها تعد منحرفة، فإن دامت في الانحراف، فإما أن يغلقها الاجتماع بمختلف الوسائل والسبل ـ والتي أخيرها القوة ـ وإما أن تتمكن من إثبات نفسها بسبب ما لها من مقومات اجتماعية… وإذا بقيت غيرت من الاجتماع بعض الشيء على لون نفسها.
وذلك لأن الاجتماع لا يتحمل وجود المخالف، فرداً أو مؤسسة أو جماعة، فهو يغير المنحرف [أولاً] بالنصح والإرشاد [وثانياً] بالاستهزاء والهمز وما أشبه [وثالثاً] بالتفرق من حوله حتى يذوى تلقائياً، [وأخيراً] بالقوة، مثل سجن المنحرف أو قتله، وغلق المؤسسة المنحرفة وهكذا، نعم إذا تمكن المنحرف عن الاجتماع، أو المؤسسة كذلك إثبات صحة طريقته مما أقنع الاجتماع بذلك جلب الاجتماع إلى نفسه، وكذا نرى تقلب الاجتماع بسبب المصلحين، كما نرى تقلبهم بسبب من يلبس ثوب الإصلاح، وإن كان كلاهما رمياً ـ أول عملهما ـ بالانحراف.